من هدى القرآن - ج ١٤

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٤

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-17-3
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٤٧٢

سورة الواقعة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)

___________________

٤ [رجّت] : أي حرّكت حركة شديدة بالزلازل التي هي من علائم السّاعة.

٥ [وبسّت] : فتّتت ، والبسيس هو السويق أو الدقيق يتخذ زادا.

٦ [هباء] : الهبآء الذي يرى من الذرات في شعاع الشمس إذا دخل الشعاع في كوّة في غرفة مظلمة.

٣٨١

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)

___________________

١٥ [موضونة] : محكمة ومضاعفة النسج.

١٩ [لا يصدون عنها] : أي لا يأخذهم الصداع وهو وجع الرأس.

[ولا ينزفون] : لا تذهب عقولهم بالسكر ، ومعناها لا يسكرون فان السكر يذهب بالعقل.

٣٨٢

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ

هدى من الآيات :

تكاد فاتحة السورة تهزّ القلب حتى تقلعه من مراسيه حينما تصور واقعة القيامة الرهيبة التي لا تكذيب لها ، هنالك عند ما تخفض فريقا إلى النار ، وترفع آخر إلى الجنة ، عند ما تهتزّ الأرض ، وتتفتت الجبال ، وتنتثر هباء في الفضاء.

ولكن لماذا هذه الكلمات في فواتح تلك السور ، التي تذكّر العباد بيوم المعاد الرهيب؟ ربما لأنّ الناس في غفلة شاملة ، لا ينتفعون شيئا بالعبر والعظات ، فهم بحاجة الى هزّة عنيفة لعلهم يستمعون الى النذير.

ثم تمضي السورة تحدثنا عن الفرق الثلاث الذين تفرزهم عن بعضهم الواقعة : المقربون ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال. المقربون الذين هم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين في نعيم مقيم ، يتكئون على سرر منسوجة بالذهب ، مشبّكة بالدر يتقابلون مع بعضهم براحة وسكينة ، وزوجاتهم حور عين كأمثال

٣٨٣

اللؤلؤ المكنون ، يعيشون في صفاء وهناء يعيدا عن اللّغو والتأثيم ، في حياة كلها سلام ووئام.

بينات من الآيات :

[٢] حينما تقوم القيامة ، وينهار نظام الأفلاك ، وتنعدم الجاذبية ، وتتلاقى الكرات ، هنالك هل يمكن تكذيبها؟ كلا ... أم ينفع التصديق بها من كذّب بها من قبل؟ أبدا.

دعنا إذا نصدق بها اليوم قبل ضياع الفرصة الوحيدة.

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ)

قال بعضهم : «إِذا» هنا صلة ، ومعنى الآية : (وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) ولنا أن نقول : انها ظرف زمان معناه : حينما تقع الواقعة لا تكذيب لها.

والقرآن الكريم يجعلنا نعيش بآياته الكريمة المستقبل كما نعيش الحاضر ، ذلك أنّه كلما كان وعي البشر للحقائق القادمة أشد وأنمى كلما كيّف حياته وفقها ، وهكذا يتفاضل الناس بينهم بما يستوعبون من حقائق المستقبل في حاضرهم فيزدادون اجتهادا إليها وسعيا ، ويحذرون من الانحراف عنها ، والغفلة عنها.

[٢] (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)

إنها وقعة صادقة وليست كاذبة ، وقال بعضهم : لا نفس تكذب بها ، والمعنى الأوّل أشدّ وقعا في الفؤاد ، فليس شيء في الطبيعة قادرا على تكذيبها لأنها تفرض نفسها على كلّ ذرّة من الكائنات. بينما المعنى الثاني يخص البشر ، فانه لا أحدّ يقدر على التكذيب بها ، ليس فقط حين وقوعها ، وإنما الآن أيضا لا يمكن التكذيب

٣٨٤

بها لمن أوتي عقلا وإحساسا. أو ليست الحياة كلها تهدينا إلى أنّها ذات هدف وحكمة ، أو يمكن تصوّر حكمة لها من دون الايمان بالساعة كما قال ربنا : «أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها».

[٣] يومئذ تتموّج الكائنات كما البحر الهائج ، فتنخفض الأرض المرتفعة ، وترتفع الأرض المنخفضة ، وهكذا الناس.

(خافِضَةٌ رافِعَةٌ)

المستكبرون الذين علوا في الأرض بغير حقّ تخفضهم إلى حضيض جهنم ، والمستضعفون الذين حرموا حقوقهم ترفعهم الواقعة الى الدرجات العلى في الجنة.

جاء في الحديث عن الامام زين العابدين عليه السلام : (خافِضَةٌ) : خفضت ـ والله ـ بأعداء الله في النار ، (رافِعَةٌ) : رفعت والله ـ أولياء الله الى الجنة» (١)

[٤] أرأيت كيف يتحرك المهد بالصبي ، كذلك الأرض ترتجّ يومئذ بما عليها ، حتى ينهدم كلّ ما بني ، ويتهاوى كلّ قائم.

(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)

قال ابن عباس : الرجة : الحركة الشديدة ، يسمع لها صوت (٢) ويبدو أن الرجّة أعظم من الزلزال ، لذلك روي : «من ركب البحر حين ترتج فلا ذمة له» (٣) أي إذا اضطربت أمواجه ، ولا ريب أن تموّج البحر حالة دائمة ، وإنما المراد بالارتجاج : اضطراب البحر وهيجانه.

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ / ص ٢٠٤.

(٢) القرطبي / ج ١٧ / ص ١٩٦.

(٣) المصدر.

٣٨٥

ولنا ان نتصور رهبة الناس عند ما تضطرب الأرض من تحتهم ، فهل يبقى ما يعتمدون عليه؟!

[٥] وإذا كانت الأرض أعظم ركائز السكينة والطمأنينة تتزلزل من تحتنا ، فان الجبال وهي أكبر ركائز الثقة والثبات تتفرق وتتبدد ، فهل تبقى قائمة للماديين الذين خالفوا القيم ، وكذبوا بالحق اعتمادا على الكائنات الموجودة ، على التراب استخرج منه ، أو نبت فيه ، أو بني عليه ، وعلى الجبال وما شابهته من الصخر والحديد؟

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا)

أرأيت الحية كيف تذهب في الأرض ، كأنها تذوب فيها ، أرأيت الماء كيف يتفرق في الرمال العطشى؟ أرأيت كيف يتفتت الثوب حينما يصبح خلقا باليا؟ هكذا الجبال الراسيات تتفرق في كل اتجاه ، كما يتفرق العهن المنفوش إذا تواصلت عليه الأعاصير الهوج.

[٦] فاذا بسّت الجبال انتشرت في الفضاء كما الرهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب حسب ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام).

(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا)

وقال البعض : الهباء : هو الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار ، ولعل الجاذبية تنعدم مما تجعل الصخور تفقد تماسكها الداخلي ، فتتفتت الى ذرأت متناهية في الصغر ، ولعلها تتلاشى كما الشرر المتطاير من النار ، فاذا وقع على شيء لا تجده شيئا حسب تفسير آخر لكلمة الهباء.

٣٨٦

وقالوا : المنبث المتفرق كما قال ربنا : «وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ» (١) وحال الجبال في الواقعة يعكس واقع أعمال الكفار ، وما يعتمدون عليه في الدنيا ، من سلطة وثروة وجاه. إنّ كل ذلك ليس في الحقيقة إلّا ضلال كما ظلال الجبال ، تحسبها شامخة فاذا اتكأت عليها ما أغنت عنك شيئا.

[٧] وإذا كانت الماديات بكل ضلالها وغرورها كما الجبال يوم القيامة ، فان أسباب التفاخر في الدنيا ، وعوامل التمايز بين طوائف الناس ما هي إلّا باطل ، بلى. يتفاضل الناس بايمانهم وأعمالهم ، لا بألوانهم وألسنتهم وثرواتهم ، ومناطق توالدهم وتواجدهم ، كما يزعم أهل الدنيا.

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً)

كنتم في يوم القيامة ثلاثة أصناف ، كما أنتم في الدنيا ثلاثة أصناف ، الا انكم اليوم محجوبون عن حقيقة أنفسكم وحقيقة ما به تتفاضلون.

قالوا : إنّما سمّوا «أَزْواجاً» لأن كل صنف يتماثل أبناؤه كما يتشابه الزوج زوجته (٢)

وقال البعض : لا تعني كلمة الزوج دائما الذكر والأنثى ، بل قد تعني الجماعات المتقارنة وباعتبار تقارن الأصناف في القيامة سمّوا أزواجا (٣) ويبدو أن هذا المعنى أقرب.

[٨] (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)

__________________

(١) البقرة / ١٦٤ ـ لقمان / ١٠

(٢) القرطبي / ج ١٧ / ص ١٩٨

(٣) تفسير نمونه / ج ٢٣ / ص ٢٠٢

٣٨٧

تفاءلت العرب بالجانب الأيمن ، وانتزعوا له اسما من اليمن ، وانتظار الخير ، وربما سموا التقدم يمينا ، والتخلف شمالا ، فقالوا : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، أي اجعلني من المتقدمين (١).

ولأن أصحاب الجنة يؤتون كتبهم بأيمانهم فان اليمين يصبح يومئذ رمزا لدخول الجنة ، وقال بعضهم : إنّ الكلمة هنا تعني أصحاب اليمن في مقابل أولي الشؤم في الآية الآتية ، ولكن يبدو أنّ التفسير الأول أظهر ، بالنظر إلى استخدام اليمين في أهل الجنة في النصوص الإسلامية.

(ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)

جاء هذا التعبير إشارة الى التفخيم ، والمراد بيان ما يتميّزون به عن أصحاب الشمال من الثواب العظيم.

[٩] (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ)

قالوا : العرب تسمّي الشمال شؤما ، لأنهم يعتبرونه نحسا ، ويقولون : قعد فلان شأمة (شمالا) ، ويا فلان شائم بأصحابك (تياسر بهم) كما يسمون اليد اليسرى الشؤمى.

فالمراد إذا بأصحاب المشأمة أولئك الذين يؤتون كتابهم بشمالهم ، ليكون ذلك علامة على أنهم من أصحاب النّار.

وقيل ان المعنى أصحاب الشؤم والنحس.

(ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ)

__________________

(١) القرطبي / ج ١٧ / ص ١٩٩

٣٨٨

وهذا التهويل يدل على ما أعدّ لهم من عذاب شديد ، ولعل الحكمة من التهويل هنا وهناك هو الفصل بين الفريقين فصلا نهائيا بالرغم من اختلاطهم في الدنيا ، فقد يكون الولد من هؤلاء ، والوالد من أولئك ، ولكنهما لن يشتركا في مصير الآخرة ، وإنما بينهما مسافة أبعد مما بين الأرض والسماء.

ويبدو من آيات قرآنية عديدة أنها تهدف تعميق الفصل بين أهل الصلاح والفساد ، لأنه إذا لم يعرف الفصل كان من الطبيعي سقوط الإنسان في وهدة الفساد ، لما فيه من جاذبيّة مادّية ، ولأن ذلك السقوط لا يحتاج الى قرار ، وانما يتم عادة في غيبة من صاحبه ، وبسبب انعدام الحذر عنده.

[١٠] (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)

الذين يسارعون في الخيرات ، ويبادرون للاستجابة للحق أنّى دعوا اليه ، متجاوزين عقبة التوافق الاجتماعي بقوة الإرادة ، وبصيرة الإيمان.

لقد كان حبيب النجار سابقا ، كما كان حزقيل من السابقين ، أمّا سيد السابقين فقد كان الإمام علي (ع) الذي سبق الرجال في الإيمان بالإسلام.

ولنا أن نتصور ملامح السابقين الشخصية ، وتحدّيهم لظروفهم وتعرّضهم للآلام والضغوط الهائلة ، كل ذلك من خلال نظرة الى سيرة هذه القدوات الثلاث ، لقد تجاوزوا أولا : عقبة التردد والشك بقوة العقل ، ومضاء التفكير ، فلم يرتابوا في الحقيقة بمجرد غفلة الناس عنها ، ولم يأبهوا بالرأي العام الذي خالف الحق وناهضه ، ولم تساورهم الظنون في الداعي الى الحق بسبب الاعلام المضلل ، أو الدعايات الكاذبة. كانوا كما الجبل الأشمّ ، يتحدون أعاصير التهم والافتراءات.

٣٨٩

ان ثقة الإنسان بعقله واعتداده بشخصيته الداخلية ، ويقينه بالحق ، وعزيمته في الانتماء اليه والدفاع عنه ، وإيمانه بحتمية انتصاره ، إنّ كل ذلك مكونات شخصية السابق.

وبعد تجاوز شكوك النّفس ، ووساوس الشيطان ، والالتحاق بالحق يواجه السابق عناد المجتمع ، وتصلبه في الباطل ، مما يجعله وجها لوجه مع ضغوط هائلة. ابتداء من الافتراء والسخرية ، وانتهاء بالتجويع ، والتعذيب ، والنفي ، والقتل ، ومرورا بالمقاطعة الاجتماعية ، فاذا تحدّاها ، وانتصرت الرسالة ، برزت صعوبات جديدة حيث تقبل الدنيا عليه بكل ما لها من إغراء النساء ، وزينة المال والأولاد ، وشهوة الرئاسة والسلطة ، فاذا تحداها واجه تيارا اجتماعيا جديدا من الذين التحقوا بالركب طمعا في الدنيا ، وانبهروا بزخارفها ، وأخذوا يفرّغون الدّين من محتوياته ، ويبدّلون الكلم عن مواضعه.

وبكلمة : إن حياة السابقين سلسلة من الصراعات التي لا تنتهي .. فهو إذا بحاجة الى جهاد متواصل ، كما أنه بحاجة الى مبادرات مستمرة ، وقرارات حاسمة وتاريخية ، لا ينفك عنها حتى يأتيه اليقين ، وذلك عند ما يلقى ربه راضيا مرضيا.

و(السَّابِقُونَ) هم الأولون قدما نحو الخير ، وإيمانا ومعرفة ببصيرتهم ووعيهم ، وعملا بتوكلهم على الله ، وثقتهم بأنفسهم ، وشجاعتهم حيث يكسرون بذلك طوق العادة ، ويخرجون عن جاذبية المحيط ، ويتجاوزون السقوف المصطنعة بالرّيادة والمبادرة والإبداع ، (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (١)

وهم الاسبق كما ونوعا في الخير ، ولا يرون النوع من زاوية التقوى والإخلاص فقط ، إنّما من زاوية الإتقان أيضا لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ

__________________

(١) المائدة / ٥٤

٣٩٠

أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (١). أما فاعلية السبق فهي ترتكز عند هذا الفريق على الأمور التالية

١ ـ طموح الامامة والقيادة. وهو طموح مشروع في الإسلام ، قال تعالى يحكي صفات عبادة المقربين : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٢) ولكنهم لا يبحثون عن هذا الطموح من خلال الحسب والنسب ، أو المقاييس المادية الاخرى ، انما يسعون اليه عمليا بالحق ومن خلال الكفاءة ، والسبق أهم شروطها ، كما قال ربنا سبحانه : «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً».

٢ ـ التنافس في الخير مما يفرض عليهم الأخذ بكل أسباب التفوق ، ولكن بعيدا عن حالات الصراع النفسية والعملية ، كقوله سبحانه : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ».

٣ ـ الرغبة في ثواب السابقين ، والخشية من التقصير. قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ* أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) (٣).

ويبدو أن السابقين في كل أمة هم طليعة تلك الامة وشهداؤها ، وهم الحواريون الذين يلتفون حول القيادة الالهية الرشيدة ، وقد جاء في الحديث عن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) :

«السباق خمسة : فانا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وصهيب سابق الروم ، وبلال سابق الحبش ، وخباب سابق النبط». (٤)

__________________

(١) الملك / ٢

(٢) الفرقان / ٧٤

(٣) المؤمنون / ٥٧ ـ ٦١

(٤) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٢١٠

٣٩١

وجاء في حديث مأثور عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انه قال : « أتدرون من السابقون الى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سألوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» (١).

وبالرغم من ان تطبيق الحديث على هذه الآية غير واضح إلّا أنّه يهدينا الى ميزات السابقين بصفة عامة.

[١١ ـ ١٢] (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)

إن أعظم جزاء السابقين القربى من رب العزة ، ويتجلّى في الكرامة العظيمة التي أعدّت لهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)

قالوا في معنى الثلّة : إنها من ثللت الشيء ، أي قطعته ، ومعناها : فرقة ، لكن من هم الأولون والآخرون؟ قال بعضهم : من مضى من السابقين في الأمم السابقة أكثر لأن الأنبياء كانوا أكثر ، بينما السابقون في هذه الأمة قليلون لأن النبي واحد ، وكأنهم زعموا أن السابقين لا يكونون إلا من أصحاب النبي الذين سبقوا الآخرين في الايمان به.

وقال آخرون : الأولون والآخرون هم من هذه الامة ، وإنما كان الأولون أكثر لأنهم نهضوا بأعباء الدعوة أيّام غربته ، بيد أن ظاهر الآية ينسجم مع التفسير الأول ، وقد استوحى بعض المفسرين من هذه الآية الكريمة : أن القرون الاولى خير من التي تلتها ، بينما العكس هو المفهوم من الآية ، إذ كلما كثر عدد المؤمنين قل عدد السابقين لأن أهمية السابق تحركه في الاتجاه المخالف للناس ، ولذلك كان

__________________

(١) تفسير نمونه / ج ٢٣ ـ ص ٢٠٥ نقلا عن تفسير المراغي / ج ٢٧ ـ ١٣٤

٣٩٢

الايمان والإنفاق قبل الفتح أعظم درجة من الايمان والإنفاق بعده.

وقد روى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أنّه لما نزل هذا شق على أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فنزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) * (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فقال النبي : «انني لأرجو ان تكونوا ربع أهل الجنة ، بل ثلث أهل الجنة ، بل نصف أهل الجنة ، وتقاسمونهم في النصف الثاني» (١).

ويستلهم من بعض النصوص : أن السابقين هم بعض المقربين ، فقد يكون في الآخرين من ليس بسابق ، ولكنه يتساوى في الفضل معهم ، بما أوتي من درجة الايمان ، وقوة اليقين ، وبما وفق له من مسارعة في الخيرات.

نقرأ في نص مأثور عن الامام الصادق «عليه السلام» يقول لبعض اتباعه : «أنتم السابقون الأولون ، والسابقون الآخرون ، والسابقون في الدنيا إلى ولايتنا ، وفي الآخرة إلى الجنة» (٢)

ويبين نص آخر مروي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : «فالسابقون هم رسل الله وخاصة الله من خلقه ، جعل فيهم خمسة أرواح ، أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء ، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله عزّ وجلّ ، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزّ وجلّ ، وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون» (٣).

ويعدد حديث آخر مأثور عن الامام موسى الكاظم (عليه السلام) جواري

__________________

(١) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٢٠٠

(٢) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٢٠٩

(٣) المصدر / ص ٢٠٥

٣٩٣

الرسول والأئمة عليهم السلام ويعتبرهم السابقين (١)

ويبدو من حديث آخر أن التفاضل في الايمان يتساوى فيه الأولون والآخرون ، فقد روى عن الامام الصادق (عليه السلام) أنه سئل : ان الايمان درجات ومنازل ، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟

قال : «نعم» فقال السائل صفه لي رحمك الله حتى أفهمه ، قال : «إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ، ثم فضلهم على درجات في السبق إليه ، فجعل كل امرء منهم درجة سبقه ، لا ينقصه فيها من حقه ، ولا يتقدم مسبوق سابقا ، ومفضول فاضلا ، تفاضل بذلك أوائل هذه الامة وأواخرها ... (الحديث)» (٢).

ومن ذلك كله نستوحي ان مفهوم السبق أشمل من مجرد التقدم الزمني الى الايمان ، إذ يتسع للتسارع في الخيرات ، والمبادرة الى درجات الايمان ، وقد سأل الراوي الامام الصادق (ع) في ذات النص السابق آنفا عن درجات الاستباق فقال : اخبرني عما ندب الله عزّ وجلّ المؤمنين اليه من الاستباق الى الايمان ، فقال : قول الله عزّ وجلّ : «سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ» وقال : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» (٣).

فلا يجوز ان يقنط لاحق من روح الله ، وما أعده الله للمقربين اليه من الدرجات الرفيعة ، ويبرر قنوطه بأنه قد تأخر زمنيّا عن الأولين. كلا .. إن معارج

__________________

(١) راجع المصدر / ص ٢١٠

(٢) راجع المصدر / ص ٢٠٨ ، والحديث مفصل

(٣) المصدر

٣٩٤

التكامل إلى الله معدّة لكل من شاء ان يحلّق في أجواء القرب من ربّ العباد.

[١٥] (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)

مصفوفة ، قالوا : الوضن النسج المضاعف والنضد ، ودرع موضونة : محكمة في النسج ، والسرير الموضون : الذي سطحه بمنزلة المنسوج.

وقال بعضهم : إن أسرة الجنة منسوجة بخيوط الذهب ، مشبكة بالدر والياقوت والزبرجد.

[١٦] (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ)

الاتكاء علامة الارتخاء ، وعدم وجود ما يشغلهم غير التلذذ بألوان النعم الالهية ، والتقابل دليل المحبة والود المتبادل بينهم. أو ليست قلوبهم طاهرة من الغل ، والحسد ، والحقد؟

وراحتهم الخالدة يومئذ هي جزاء اجتهادهم الدائب في الدنيا ، فكم أتعبوا أجسادهم في طاعة الله ، وكم قاوموا ضغوط الحياة ، وواجهوا الطغاة والمترفين ، وكم تحملوا من الأذى النفسي والجسدي؟!

[١٧] (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) إن أفضل خدمة بين الأحباب خدمة الغلمان ، وبالذات حينما تكون نضارة شبابهم أبدية ، فهم مخلدون لا تعتريهم خشونة الرجال ، ولا تأتي على جمالهم وأناقتهم ، ودماثة أخلاقهم طوارق الليل والنهار.

[١٨] (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)

٣٩٥

إنهم يصبون لذيذ الشراب من أكواب وأباريق في كؤوس جميلة ، ويقدمونها لأهل الجنة.

قالوا : يختلف الكوب عن الإبريق في العرى والخراطيم ، أما الكأس فهي إناء الشرب ، وقيل : لا يقال : كأس إلا إذا كان فيها شراب ، والا فهي زجاجة ، ولا يقال : كوز ، إلا إذا كانت له عروة ، وإلا فهو كوب (١) ، وتتساءل : ما هذا الترتيب؟ يبدو أن الأكواب هي الانية الكبيرة المليئة بالخمر ، وتغرف منها بالأباريق ، ثم تصبّ الخمرة في الكأس للتناول ، كل ذلك لاضفاء جو المرج واللذة والكرامة في جلسات المؤانسة.

وقالوا : المعين الجاري ، حيث أن خمرة الجنة تجري من عيون ، ويبدو أن الوصف ليس فقط لما في الكأس ، بل لما في الأكواب والأباريق أيضا. وقيل في جريان الماء : فاذا كان ظاهرا جاريا على وجه الأرض فهو معين وسنم (٢).

[١٩] (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ)

فهي ليست كشراب الدنيا يصيب الإنسان بصداع ودوار ، أو يذهب بعقولهم.

قالوا : النزف : السكر ، وقيل : لا ينفذ شرابهم ، وتساءل الفخر الرازي : لماذا قيل : «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها» ولم يقل (منها) فأجاب : لأن الصفة هنا صفة الشراب ، ولو كان صفة الشخص لحسن القول : فلان لا يصدّع من الشراب (٣).

ولعلّ تقديم الشراب على الطعام لان الاحساس بالعطش أشد ، والشراب أول

__________________

(١) فقه اللغة للثعالبي / ص ١٥

(٢) المصدر / ص ٢٨٥

(٣) تفسير الرازي / ج ٢٩ ـ ص ١٥٢

٣٩٦

ما يكرم به الضيف والله العالم.

[٢٠] وبعد بيان نعمة المؤانسة والشرب جاء دور الطعام ، وربما قدّمت الفاكهة لأنها أذوق ، كما ان العادة تقتضي تقديمها في الضيافة.

(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ)

فالفواكه موجودة بأنواعها ، ومبذولة بلا نصب ، ويبقى الاختيار بأيديهم ، ويبدوا ان نعمة الحرية تتجلى عند أهل الجنة في كل أبعادها. بلى. انهم عاشوا في الدنيا أحرارا ، ورفضوا التسليم للطغاة والمترفين وشهوات الذات ، فأسبغ عليهم ربهم نعمة الحرية بأوسع معانيها.

[٢١] الآن وقد ارتووا ، وفتحت الفواكه شهية الطعام عندهم ، تطوف عليهم الموائد التي فيها أنواع من لحم الطير.

(وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)

ويبدو ان لحوم الطير أشهى وأطهر ، ولذلك خصت بالذكر في الكتاب ، وجاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق (ع) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) انه قال : «سيد إدام الجنة اللحم» (١).

وروي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) : انه قال : «ان في الجنة طيرا مثل أعناق البخت ، تصطف على يدي ولي الله ، فيقول أحدها : يا ولي الله! رعيت في مروج تحت العرش ، وشربت من عيون التسنيم ، فكل مني ، فلا يزلن يفتخرن بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها ، فتخر بين يديه على ألوان

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٢١٢

٣٩٧

مختلفة ، فيأكل منها ما أراد فاذا شبع تجمع عظام الطائر ، فطار يرعى في الجنة حيث شاء» (١).

[٢٢ ـ ٢٣] وإذا فرغوا من جلسات المؤانسة ، ومن الشراب ، والفاكهة ، والطعام ، آووا الى فرشهم ليجدوا فيها فاكهتها المفضلة ، لقد أعدت لهم زوجاتهم من الحور العين.

(وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)

إن تلاقي روح الزوجين يتم عبر العين ولذلك فان أروع الجمال جمالها ، وحين تكون العين حوراء : سوادها شديد ، وبياضها شفاف ، ثم تكون واسعة ، فانها تكون جذابة ورائعة ، أما سائر أعضائهن فهي لامعة بيضاء ، أرأيت اللؤلؤ حين ينفتح عنه الصدف كيف يشعّ بياضا؟

[٢٤] إن هذه النعم العظيمة توافيهم بفضل الله ، جزاء لأعمالهم ، لكي يزدادوا تلذذا بها ، وإحساسا بأهميتها. أرأيت الذي يحصل على نعمة بلا سعي لا يعتز بها ، كمن يتلقاها بسعيه فيحس انه كان على حق ، وأن اختياره كان حكيما رشيدا.

(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)

وقد روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ما يرغب عباد الله في الجنة ، حيث قال : خلق الله الحور العين ، من أصابع رجليها إلى ركبتها من الزعفران ، ومن ركبتها الى ثديها من المسك الأذفر ، ومن ثديها الى عنقها من العنبر الأشهب ، ومن عنقها الى رأسها من الكافور الأبيض ، عليها سبعون ألف حلّة مثل شقائق

__________________

(١) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٢٠٤

٣٩٨

النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها نورا ساطعا ، كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر ، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها وهي تنادي : هذه ثواب الأولياء ، (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

[٢٥ ـ ٢٦] بعد راحة الجسد يحدثنا السياق عما يريح القلب ، فأوّله : اعتزاز النفس بماضيها ، وحسن انتخابها لسعيها ، والثاني : طهارة الجو من الكلام البذيء ، فلا يتنابزون بالألقاب ، ولا يترامون التهم والغيبة ، ولا يمشون بالنميمة. كلا .. ولا يقولون لبعضهم : أثمت ، وفعلت كذا ، وتركت كذا ، كما يقول البعض للمؤمنين في الدنيا ، وكما يتبادل غيرهم القول دائما.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً)

من الغيبة والتهمة والنميمة.

(وَلا تَأْثِيماً)

فحشا ، واستهزاء وسخرية.

لقد صبروا أياما قليلة على جراحة اللسان ، ولم ينهزموا أمام الدعاية البذيئة التي نفثتها أبواق الشياطين ، فأعقبتهم راحة طويلة من الحياة الهنيئة.

وإذا فكرنا في أسباب الشقاء في الدنيا لعلمنا أن أشدها أثرا ، وأبلغها ألما هي سموم الألسنة البذيئة ، ولا أثر لها في الجنة. لما ذا؟ لان هذه الالسنة تنطق عن قلوب مليئة بالأحقاد ، والآلام ، والعقد ، والجنة نظيفة من كل ذلك ، فقد نزع الله سبحانه

__________________

(١) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٢٠٦

٣٩٩

عن قلوب أهلها كل غل ، وتحاسد ، وطمع ، وحرص ، كما رفع عنهم الآلام ، وأسبغ عليهم النعم ، فانعدمت عوامل اللغو والتأثيم.

(إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)

إن الاخطار التي تحيق بأهل الدنيا ، وتفرز الصراعات ، والعداوات ، والخوف ، والقلق ، والنفاق ، انها معدومة في الجنة ، فكل ما فيها طمأنينة ، وسكينة ، وأمن ، وراحة ، ولا بد إذا أن تنعكس كل تلك النعم الظاهرة في الافئدة وعلى الألسن في قول السلام ، هذا يسلم عليك وأنت ترد عليه السلام.

بلى. أهل الجنة صنعوا لأنفسهم في الدنيا مجتمع السلام ، والحب ، والتعاون ، فلم يحسدوا أحدا على نعمة ، ولم يحقدوا على أحد لمصلحة ، ولم يحجبوها عن الله بالوساوس والظنون ، ولم يدنسوا ألسنتهم بالفحش والسباب ، فأعطاهم الله كل ذلك كاملا وافيا في الجنة. رزقنا الله جميعا توفيق طاعته في الدنيا ، ونعيم جنته في الآخرة.

٤٠٠