من هدى القرآن - ج ١٠

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١٠

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-12-0
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٠٤

صورتان لحضارتين

هدى من الآيات :

يبدو أنّ سورة سبأ تتمحور حول علاقة الإنسان بالحضارة ، حيث تعرض آياتها نموذجين منها ، يتمثل الأوّل في قصة آل داود الذين اتخذوا الملك وسيلة لعمارة الأرض ، وإصلاح الناس ، وشكر الله ، ويتمثل الثاني في قصة سبأ وقرى أخرى ، حيث لم تنفعهم الحضارة الزراعية التي أنعم الله بها عليهم ، انما ازدادوا كفرا بدل الشكر ، وتوغلا في الجاهلية.

ومن اختلاف هاتين القصتين نعرف : أنّ السلطة ـ كما القوة ـ ليست شيئا مكروها أو ممدوحا بذاتها عند الإسلام ، أو في نظر العقل ، انما موقف الإنسان منها هو الذي يضفي عليها صفة الخير أو الشر ، فاذا اتخذها طريقا للخير كانت خيرا والا فشر.

كما نستفيد من واقع القصتين أن هناك أجلين لحياة الإنسان ولما يعطيه ربه من

٤٤١

النعم :

الاول : هو الأجل المسمى المحدد عند الله ، وهو العمر الطبيعي للإنسان.

الثاني : الأجل المعلق والذي يستنزله الإنسان بعمله ، فيطول إذا كان العمل خيرا كالصدقة والإحسان ، ويقصر إذا كان شرّا كقطيعة الرحم.

فبالنسبة للحضارات لا تبقى للأبد لأن هناك سنة الهية عليا تقضي بفناء الإنسان ، وبوار ملكه بعد ان ينقضي أجله المسمى ، قال ربنا سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) وقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ).

وهكذا نجد ان الحضارات تسير ضمن دورة معينة ، فعادة ما يعقب نموها وازدهارها التدهور والانحطاط ، والذي يمكننا ان نسميه بالأجل الطبيعي للحضارة.

ولكن الناس كثيرا ما يستعجلون هذه السنة بعصيانهم وكفرهم ، الأمر الذي يسبب موت كثير من الحضارات في ريعان شبابها ، فقد كان من المتوقع لألمانيا قبل الحرب العالمية ان تصير سيدة أوروبا صناعيا وحضاريا ، ولكنها ماتت في أيام شبابها بسبب طيش هتلر ، ومبادئ الحزب النازي ، وبسبب الثقافة العنصرية التي انتشرت عند الشعب الألماني فاستجاب لتلك القيادة الرعناء. فعمر الحضارات اذن طويل لو لا أخطاء أصحابها.

ان قصة سليمان ووالده (ع) صورة للحضارة التي امتدت فترة من الزمن ، ثم انتهت بصورة طبيعية ، بينما قصة سبأ الذي انتهت حضارتهم بسيل العرم صورة مناقضة تجسد النهاية غير الطبيعية. فداود وسليمان (ع) ضربا مثالا للحضارة البشرية النموذجية ، ولما تم المثل انتهت حضارتهم ، فهي بدأت من نشأتها حتى صارت شبابا ثم هرمت وماتت ، لكن حضارة سبأ ماتت في شبابها.

٤٤٢

بينات من الآيات :

(١٤) أبقى الله نبيه سليمان (ع) منتصبا عل عصاته بعد الموت ، وذلك بهدف فضيحة الجن الذين كانوا يدّعون بأنهم يعلمون الغيب ، ولإبطال الاعتقاد السائد لدى قسم من الناس بأنهم كذلك ، والذي تحول الى نمط من الثقافة الجاهلية بل عبادة ، ولعل لهذه الحادثة أثرها الكبير في القضاء على الجانب الأكبر من عبادة الجن الشائعة في التاريخ.

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ)

ولعل القضاء هنا هو اجراء القدر الأول.

(ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ)

وهي الأرضة.

(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)

اي العصا التي يتوكأ عليها ، والاعتماد على العصا ليس دليلا على العاهة أو المرض ، لان موسى (ع) المعروف ببطشه وقوته كان يتوكأ عليها أيضا : (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١)

وحينما أكلت الأرضة العصا التي يعتمد عليها سليمان خر إلى الأرض.

(فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ)

__________________

(١) طه / (١٨).

٤٤٣

ولهذه الآية تفسيران :

الأول : أن معناها بعد ان خر جسد سليمان (ع) الى الأرض عرفت الجن بموته الذي مضى عليه عام واحد ، فتمنوا علم الغيب ، إذ لو أوتوا ذلك لما بقوا يعملون هذه المدة ، ويشير هذا الأمر الى ان الجن كانوا مسخرين بالقوة ، وما كانوا يقدرون على التمرد ضد سليمان في حياته.

الثاني : انه لما خر جسد سليمان إلى الأرض ، وكان الجن قد عملوا له سنة كاملة ، دون علم بموته ، افتضح أمرهم عند الناس ، وانكشف للجميع أنهم لا يعلمون الغيب ، إذ لو كانوا كذلك لما بقوا يعملون شيئا لا يريدونه ، ولعلنا نستفيد من آخر الآية : (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) ان خضوع الإنسان الى حاكم لا يرتضيه سواء كان الحاكم صالحا كسليمان ، أو طالحا كفرعون ، أو حتى قيام الإنسان بعمل لا يقتنع به ، من أشد الأمور ايلاما وعذابا له ، أو ربما كان هؤلاء الجن من العصاة فأراد سليمان عذابهم بالأعمال الشاقة.

قال الامام الباقر عليه السلام :

«ان سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ قال ذات يوم لأصحابه : ان الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، سخر لي الريح ، والانس ، والجن ، والطير ، والوحوش ، وعلمني منطق الطير ، وأتاني من كلّ شيء ، ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تمّ لي سرور يوم الى الليل ، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد ، فأصعد أعلاه وأنظر الى ممالكي ، ولا تأذنوا لأحد على ما ينغّص عليّ يومي ، قالوا : نعم ، فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده ، وصعد إلى أعلى موضع من قصره ، ووقف متكئا على عصاه ينظر الى ممالكه سرورا بما أعطي ، إذ نظر الى شابّ حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ، فلما بصر به

٤٤٤

سليمان (ع) قال له : من أدخلك الى هذا القصر ، وقد أردت أن أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت؟! قال الشاب : ادخلني هذا القصر ربه ، وبإذنه دخلت ، قال : ربه أحق به مني فمن أنت؟ قال : انا ملك الموت ، قال : وفيما جئت؟ قال : جئت لا قبض روحك ، قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم سروري ، وأبى الله عز وجل ان يكون لي سرور دون لقائه ، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه ، فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله ، والناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي ، فافتتنوا فيه ، واختلفوا ، فمنهم من قال : ان سليمان قد بقي متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ، ولم يأكل ، ولم يشرب ، انّه لربّنا الذي يجب علينا ان نعبده ، وقال قوم : ان سليمان ساحر ، وانه يرينا انه وقف متكئ على عصاه ، يسحر أعيننا وليس كذلك ، فقال المؤمنون : ان سليمان هو عبد الله ونبيه ، يدبر الله أمره بما يشاء ، فلما اختلفوا بعث الله عز وجل دابة الأرض ، فدبت في عصاه ، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا ، وخر سليمان من قصره على وجهه ، فشكرت الجن للأرضة صنيعها ، فلأجل ذلك لا توجد الارضة في مكان الا وعندها ماء وطين ، وذلك قول الله عز وجل : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ)» (٢)

(١٥) ثم يضرب القرآن مثلا آخر وذلك من تاريخ اليمن ، كشاهد على الحضارة التي تموت فجأة وقبل أجلها الطبيعي ، وسبأ التي تذكّرنا بها القرآن قبيلة عاشت على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية ، وكانت تتقلب في نعماء الله حتى بطرت معيشتها ، فتكبرت عن الشكر له ، ولم ترع العوامل المسببة للخير ، فدمر الله سدّها الذي تقوم عليه حضارتها الزراعية ، فانهارت وبادت ، وتبددت القبيلة حتى انقرض كيانها ، فضرب بها المثل العربي : (تفرقوا أيادي سبأ).

__________________

(٢) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٢٤).

٤٤٥

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ)

وكان ينبغي لهؤلاء ان لا يقفوا عند الآية ، انما يستدلوا بها على الحقيقة التي تهدي إليها ، وهي كما تبين آخر الآية معرفة رب النعم وهو الله ، ومن ثم شكره لتزداد النعمة وتدوم ، والملاحظ ان الله استخدم للتعبير عما فيه سبأ من النعيم كلمة «مساكن» ولم يقل بيوت ، ولعل المسكن هو البيت الذي يأوي اليه الإنسان مطمئنا مرتاحا ساكنا ، بينما البيت هو محل المبيت ، وربما أتاه الإنسان قلقا حزينا.

وقوله عز وجل : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) يكشف عن الطبيعة الجغرافية ، ذلك لأنه يفهم من هذا التعبير وجود نهر يقسم البلاد الى شطرين ، ولعل هذا النهر يتصل بالسد حيث تفرغ المياه فيه ليحملها الى الجنان التي على جانبيه.

وكان من المفروض ان تستفيد سبأ مما تنتجه الأرض ، عارفين بأنه من عند الله ، ثم يشكرونه.

(كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ)

وقد أمر الله آل داود بذلك ، فلما استجابوا وشكروا استمرت حضارتهم ، حتى وافاها أجلها الطبيعي بموت سليمان ، أما هؤلاء فلم يشكروه ، مما أدى الى اندحار حضارتهم.

والمجتمع حينما تكون مسيرته العامة الشكر لله مباشرة ، أو الشكر للعباد قربة له ، فانه يصبح مجتمعا فاضلا خيّرا ، أو كما يعبر القرآن :

(بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ)

لأنه يسير في ركاب الحق ، اما بالنسبة للذنوب والأخطاء الجانبية فانها لا تقضي

٤٤٦

على الحضارات ، بالذات إذا لم يكن مصدرها التحدي والعناد ، انما يصلحها الله ويغفرها.

(وَرَبٌّ غَفُورٌ)

(١٦) كانت هذه دعوة الله لهم ولا تزال تشمل البشرية جيلا بعد جيل ، لكنهم رفضوها.

(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ)

والفاء تفيد العطف والتعقيب بلا فاصل ، فالآية اذن تشير الى سرعة التكذيب ، كما تشير الى سرعة الجزاء ، وهذا يدل على ان حضارتهم لم تبق كثيرا ، وربما دلّت على ان حضارتهم مهما طالت فإن الله يختصر المسافة بين التكذيب والجزاء ، فمهما عاشوا فهو قليل عند الله حقير.

يقول علي بن إبراهيم : «وكانت لهم عن يمين وشمال ، عن مسيرة عشرة أيام فيها لا يقع عليه الشمس من التفافها ، فلما عملوا المعاصي ، وعتوا عن أمر ربهم ، ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا ، بعث الله ـ عز وجل ـ على ذلك السد الجرذ ، وهي الفأرة الكبيرة ، وكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجال ، وترمي بها ، فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خرب ذلك السد ، فلم يشعروا حتى غشيهم السيل ، وخرب بلادهم ، وقلع أشجارهم» (٣)

(وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)

__________________

(٣) المصدر / ج (٤) / ص (٣٢٧).

٤٤٧

وقد اختلف المفسرون في معنى الخمط والأثل ، الا أنهما كما يبدو شجرتان بريّتان شوكيّتان ، قد تكون إحداهما الأراك والأخرى السمر ، وكذلك السدر من الأشجار التي تقاوم الجفاف.

(١٧) ويبين الله السبب الرئيسي الذي يقف خلف هذه النهاية المدمرة الا وهو الكفران بالنعمة.

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا)

بالله وبأنعمه.

(وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)

ومن هذا المقطع نستفيد فكرتين : فمن جانب هناك إشارة الى أن الجزاء يشمل كل كفور ، دون ان يختص بهذه الجماعة التي يذكرها القرآن ، ومن جانب آخر يوضح تعبير «كفور» بأن الرب يعطي فرصة للعباد عند الخطيئة ، المرة بعد الأخرى رحمة بهم ، فهو لا يأخذهم بالعذاب في بادئ الأمر ، انما بعد الإصرار على الذنب ، وصيغة المبالغة «كفور» تدل على تكرار الكفر بالنعمة.

هكذا بادت الحضارة الزراعية التي انتشرت ربوعها على أطراف شبه الجزيرة ، التي لم يكن الرجل يحتاج وهو يمشي بين أغصانها المتدلية بأصناف الثمر لكي يقطف منها ما يشاء ، الا للقليل من الجهد ، وحلت محلها حياة متخلفة.

(١٨) ثم ينتقل بنا السياق الى تجربة حضارية ثالثة ، من واقع القرى التي امتدت من اليمن حتى مكة والمدينة ، والتي تميزت بالظهور وهو الارتفاع أو القوة أو الشهرة ، وبالنظام والامتداد ، وأخيرا بالأمن الذي يعتبر من أعظم نعم الله على

٤٤٨

الإنسان.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ)

اي بين أهل سبأ الذين مرّ الحديث عنهم في الآيات السابقة.

(وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها)

وهي مكة وما حولها.

(قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ)

ولعل هذه اشارة الى النظام ، حيث جعل الله السير فيها مقدورا ، ويعتبر ذلك ميزة لحضارة هذه القرى ، لأنها كانت تعيش في منطقة جبلية يصعب السير فيها ، وربما كانت جبالها ووديانها تبتلع القوافل الضائعة.

(سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)

وهذه العبارة توحي لنا بمعنيين : أحدهما : سعة الحضارة ، إذ يسير فيها الإنسان أيّاما وليالي ، فهي إذن ممتدة شاسعة المساحة ، وثانيهما : الأمن الذي كانت تتمتع به هذه القرى ، والجدير بالذكر أن الأمن في ذلك الزمان وفي هذه المنطقة التي يحدثنا عنها القرآن بالذات كان أمرا نادرا بسبب عصابات قطّاع الطرق ، والوحوش.

(١٩) لكن هؤلاء رفضوا هذه الخيرات والمعطيات ، التي تمخضت عنها الحضارة الجديدة ، وبدأوا يحنون الى الماضي ، حيث القبلية والتفرقة الحاكمة ، وحيث الروح الفردية المستبدة.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)

٤٤٩

ولعلهم في هذا الجانب وبهذه الروح يشبهون بني إسرائيل ، حيث تقدمت بهم الحضارة حتى صار أكلهم يتنزّل عليهم من السماء منّا وسلوى ، لكنهم رفضوه ، وأخذهم الحنين الى القديم من البقل والعدس والفوم ، فذمهم الله على هذه النفسية السلبية المتخلفة وقال : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) (٤) ويصف الله هذه الروحية بأنها صورة للظلم الذي يعود على صاحبه بالضرر والفساد.

(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ)

ومضربا للمثل في خاتمة السوء ، وتهدينا الآية الى نهاية هؤلاء ، حيث تحولوا من الواقع المتحضر القائم على الأرض ، الى مجرد احدوثة على ألسنة الناس ، والقرآن الكريم يشير الى ان حضارتهم انما تبددت بسبب الروح الفردية التي نخرت كيانها فيقول :

(وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)

حيث تحولت النزعة الانانية الى واقعها المرّ ، ولا ريب ان الحضارة تولد بالجهود الجماعية المنظمة ، حيث تتركز الجهود ، وحين تنعدم الروح الجماعية ، والتفكير المشترك ، والسعي الموحد ، تؤول الى الدمار.

وفي تفسير الآية عن الامام الصادق (ع) قال :

«هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ، ينظر بعضهم الى بعض ، وأنهار جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا بنعم الله عز وجل ، وغيّروا ما بأنفسهم ، ففرق قراهم ، وخرّب ديارهم ، واذهب بأموالهم» (٥)

__________________

(٤) البقرة / (٦١).

(٥) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٢٩).

٤٥٠

وقصص هذه الحضارات الأربع تنطوي على كثير من الدروس والعبر التي تنفع البشرية في مسيرتها الحضارية الصاعدة ، والبشرية أحوج ما تكون وهي تنشد الرقي ان تدرس تجارب الحضارات الأخرى ، وبالذات الماضية منها ، لأنها مرّت بدورة حضاريّة كاملة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)

انها ليست قصصا للتسلية واللهو ، بل تحمل مشاهدها الدروس والعبر ، وحتى يستوعب الإنسان الفرد أو الامة ذلك عقليا وأهم منه عمليا لا بد ان تتوفر فيه صفات معينة : أبرزها الصبر الدائم ، والشكر الكثير ، لأن الصبر آية سكينة النفس ، وحصافة العقل ، وبعد النظر ، ومعرفة عواقب الأمور ، وكل تلك الصفات ضرورية لوعي الحقائق ، ومعرفة غيب الاحداث ، وما ورائيات الظواهر التاريخية.

أما الشكر فانه دليل العلم ، فالجاهل لا يرى أسبابا للنعم ، ولا يفهم ان لكل ظاهرة حادثة عوامل ، أوجدت بها ، وتستمر معها ، وبالتالي لا يبلغ الى معرفة من أنعم عليه فلا يشكره ، هكذا تتصل صفة الشكر والصبر بعالم المعرفة ، وهكذا تزيد المعرفة بالشكر والصبر.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى : ان عبرة هذه القصص هي الشكر والصبر.

فالقصص الأربع من حضارتي داود وسليمان ، وحضارتي سبأ والقرى التي امتدت منها الى مكة المكرمة ، تلهمنا درس الصبر والشكر ، فسليمان وداود (ع) انما تقدمت حضارتهما ، واستقامت الى أجلها الطبيعي حينما صبرا وجدّا في تأسيسها ، وشكرا الله حفاظا لها من الزوال ، اما الحضارتان الأخريان فدمرتا بنهاية غير طبيعية ، لانعدام صفتي الصبر الذي يعبر عن الجد والاستقامة ، والشكر الذي يجسد

٤٥١

الاتصال الحقيقي بحبل الله ، والمحافظة على أسباب الرقي ، واللذان يعتبران روحا لأية حضارة.

وكلمة أخيرة : هل ان شبه الجزيرة التي استضافت الحضارات ، والتي انبعثت فيها آبار النفط بالخير والبركة ، سوف يستفيد أهلها وحكامها من قصص آبائهم ، فتكون حضارتا داود وسليمان (ع) مثلا لهم ، أم لن يعتبروا بتاريخهم ، ولا يصبروا على دين الله ولا يشكروا له ، فتكون الحضارتان الأخيرتان أمثولة لهم؟!

٤٥٢

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ

٤٥٣

يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)

___________________

٢٦ [يفتح] : يحكم حكما حقا ، وكان الأمر مسدودا بين الخصمين والحاكم يفتح بينهما حين يعطي لكل حصته ، لئلا يبقى الأمر بينهما مختلطا متصلا.

٤٥٤

بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

هدى من الآيات :

كثيرة هي الآيات القرآنية التي تنسف الأفكار التبريرية وغيرها ، مما يحول بين الإنسان والسعي ، فالحق وبالذات في كلياته العامة واضح كالشمس إلا أن الهوى يحجبه عن عقل الإنسان ، ولكي تبرر النفس البشرية تثاقلها عن تطبيق الحق وانحرافها عنه فانها تلجأ الى الأفكار الباطلة ، ولا بد لمن يريد العودة الى الرشاد من نسف هذه الأفكار ، ورفع تلك الحجب ، لكي يتصل عقله اتصالا مباشرا بالحق ، وهذا من أهم أهداف الآيات القرآنية ، إذ نجدها تبطل الأفكار التبريرية الواحدة تلو الأخرى ، فاذا بها تجابه فكرة شفاعة الأنداد ببيان حقيقة التوحيد ، وتنسف فكرة الاطمئنان الى الدنيا بان الدنيا مرحلة بسيطة في حياة البشر ، وتبطل الجبر بتأكيد ارادة الإنسان ومسئوليته.

وأول ما يعالجه هذا الدرس ـ الذي جاء لينقض جانبا من الثقافة السلبية ـ هو فكرة الحتمية ، فالكثير من الناس يسعون لتبرير واقعهم المنحرف (السياسي)

٤٥٥

كخضوعهم للسلطات الجائرة ومؤسساتها ، أو (الاجتماعي) كاستجابتهم لضغوط الاباء والمجتمع أو (الاقتصادي) كاستجابتهم للنظم الاقتصادية الفاسدة وما أشبه بفكرة الجبر والإكراه ، وإذا أراد البشر تحدي حتمية اتباع إبليس ، ومن يجسده في الدنيا ، فعليه ان يتسلح بالإيمان بالآخرة ، لأنه يعلو به على الحتميات ، فلو هدده الطاغوت بالقتل إذا لم يتحول الى عميل له ، وعبد يسعى في خدمته وأهدافه ، ولقال : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) وإذا توعده بالسجن قال : (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وهذا المنطق هو الذي جعل السحرة يستقيمون أمام جبروت فرعون وظلمه.

بينات من الآيات :

(٢٠) حينما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أبى إبليس ـ الذي جمع معهم لعبادته ـ السجود تكبرا ، فطرده الله بعد ان حذر البشر منه ، فقال : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) لكن إبليس اكتشف نقاط الضعف في الإنسان من حبّ للمال والسلطان ، فظن في نفسه أنه قادر على اغوائه (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (١) والله يؤكد ان إبليس وجد لظنونه مصداقا بين الناس.

(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)

ولعلنا نستفيد من هذا التعبير أن إبليس ظن أنه سوف يتخذ من أبناء آدم نصيبا مفروضا ، ثم سعى حتى جعل ذلك الظن الذي ظنه صادقا وذلك بإغواء الناس.

بلى. ان إبليس عدوّ خطير لأنه قد خطط سلفا للإيقاع بالبشر ، وسعى جاهدا لتنفيذ تلك الخطط.

__________________

(١) النساء / (١١٨).

٤٥٦

وهكذا اتبعه الناس أجمعون ، الا مجموعة من الناس هم الفريق المؤمن بالله واليوم الآخر.

(فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

ولا يدل هذا الاستثناء ، على ان الفريق الآخر من المؤمنين اتبعوا إبليس ، إذ معنى «من» هنا التفسير والبيان ، أي اتّبعه الا فريقا وهم المؤمنون.

ومن أهم مصاديق صرف الشيطان للإنسان عن الحق هو إضلاله عن اتباع القيادة الصادقة ، وهذا ما يفسر الروايات التي جاءت مؤوّلة الآية الكريمة بأنها تعني القيادة الرسالية. (٢)

(٢١) ولكن هل جبر الانصياع الى أمر إبليس ، حتى يبرر الإنسان انحرافه بأن لا حول له ولا طول تجاه ضغوطه واساليبه الماكرة؟ بالطبع كلا .. والله ينفي هذه الحتمية بعد الاشارة الى عدمها ، من خلال تقسيم الناس الى مطيعين لإبليس ومخالفين له ، إذ لو كانت حتمية تقضي بالخضوع له لما تمرد عليه فريق المؤمنين ، فالناس إذن هم الذين يقررون طاعة الرب أو اتباع إبليس.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ)

يقهرهم به ، بلى. ان وسائل الشيطان والطغاة كثيرة وماكرة ، ولكن الإنسان قادر على مواجهتها ببصيرة الإيمان ، وسلاح التوكل ، ولو تسلح بهما لما أضعفت نفسيته ولما ضللته وسائل الاعلام والتوجيه المنحرفة وغيرها.

والله يؤكد ان الهدف في خلق إبليس ليس إضلال الناس ، فحاشا لله ان يريد

__________________

(٢) راجع نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٣٣ ـ ٣٣٤).

٤٥٧

إضلال عباده وقد خلقهم ليرحمهم ، وان أراد ذلك لما بقي أحد مؤمنا ، وانما خلقه ليمتحن الناس من خلاله.

(إِلَّا لِنَعْلَمَ)

علما واقعيّا.

(مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ)

والا فان الله بكل شيء عليم ، يعلم بمعرفته وخبرته المطلقة المؤمن من الكافر. والآية تؤكد على الايمان بالآخرة هو حجر الزاوية في مسيرة الإنسان وتحديد مصيره ، بل وفي ايمانه ، وبالتالي فان شكّه فيها يبعثه على الشك العام في سائر الحقائق.

(وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)

يسجل للإنسان أو عليه كل عمل وحركة ، ويحفظها في كتابه الذي يلقاه يوم القيامة منشورا.

ونستوحي من الآية ان ثمة سلطانا محدودا لإبليس على بني آدم ، لا يبلغ درجة الحتم بل يقف عند حدود الضغط ، وان الحكمة من إعطاء إبليس هذا السلطان المحدود ابتلاء البشر ليعرف مدى ايمانهم بالآخرة ، فمن كان ايمانه بها ثابتا فانه يثبت امام إرهاب إبليس ومن يتبعه ويمثله من اولي القوة والثروة والتضليل ، الا ترى كيف صمد السحرة بعد ايمانهم برب موسى وهارون (ع) امام تهديد فرعون لأنهم كانوا واثقين من اليوم الأخر ، فلم يفلح إبليس وخليفته فرعون من النيل من صلابتهم شيئا. تعال نقرأ القرآن :

(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ

٤٥٨

تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣)

وهكذا كل من تعرض لضغط أولياء الشيطان عليه ان يتذكر الآخرة ليصمد امامهم.

(٢٢) والفكرة التبريرية الاخرى التي يعالجها هذا الدرس ، هي فكرة الشفاعة ، التي تعني الاعتماد على قوى أخرى تنقذ الإنسان من نار جهنم كالأصنام ، وقد أقحمت هذه الأفكار في المسيحية تحت عنوان الفداء ، إذ كانوا في القرون الوسطى والى اليوم يذهبون للكنائس من أجل الحصول على صك الغفران.

ولا شك ان الاعتقاد بوجود منقذ غير الله يفرض على الله شفاعته صورة أخرى للشرك.

(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ)

من الشركاء ، وخضعتهم لهم ، وهم كما يبدو ثلاثة أصناف من الشركاء :

الأول : أصحاب الثروة ، الذين يظن الناس أنهم يرزقونهم ، وأنهم لما يظهر لهم من ثروتهم وملكهم يشاركون الله في ملكه للحياة ، والقرآن ينفي ملكيتهم ولو بمقدار الذرة المتناهية في الصغر.

(لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)

الثاني : أصحاب السلطة ، والزعم بأن شخصا أو نظاما يشارك الرب في إدارة

__________________

(٣) الشعراء / (٤٩ ـ ٥١).

٤٥٩

الخليقة ، وتدبير شؤون السموات والأرض ، وينفي السياق ذلك بقوة.

(وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ)

الثالث : وسائط القوة والثروة ، من الجنود والخدم والوزراء ، والقرآن ينفي ان يكون للأنداد شرك حتى بهذا القدر.

(وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)

(٢٣) وانما كانت تعبد هذه الأصنام طمعا في شفاعتها ، وينقض القرآن هذا الاعتقاد فيقول :

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)

الشفاعة هي الدعاء وما يترتب عليه ، والله ليس مجبورا ان يستجيب لأحد دعاءه في حق نفسه أو في حق الآخرين مهما كان هذا مقربا عند الله ، ويبيّن القرآن هذا المعنى في قول الله الى حبيبه محمد (ص) : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (٤)

اذن لا مجال لفكرة الفداء في الرسالة الالهية ، بلى. ان الله شفيع للإنسان ، ويقبل شفاعة الآخرين فيه حينما تكون عنده مؤهلاتها ، حيث يقول ربنا سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٥) فمعنى الشفاعة الحقيقي اذن هو ما تقدمت الاشارة اليه وهو ما تؤكده هذه الآية الكريمة. بان يشعر الإنسان نفسه بالذنب ، وبضرورة التوبة

__________________

(٤) التوبة / (٨٠).

(٥) النساء / (٦٤).

٤٦٠