من هدى القرآن - ج ٧

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-10-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٣٩٩

ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)

٤١

لما ذا الامتراء وكيف نزيله؟

هدى من الآيات :

كنا مع عيسى (عليه السلام) وقد بشّر برسالته صبيا ، وأمر الناس بأن يعبدوا ربهم.

والقرآن الحكيم يوقفنا هنا ليبيّن لنا حقيقة هامة وهي : إنّ الخلاف العقائدي الذي انتشر حول عيسى (عليه السلام) ، إنما كان بسبب عدم معرفة الله ، والجهل بصفاته وأسماءه وبقدراته الواسعة المطلقة ، وبكيفية خلقه للأشياء ، وإن هذا الخلاف ينبع من ضعف الايمان بالآخرة.

أن خلق الله للكون إنما هو خلق أرادي إذ يقول للشيء : كن ، فيكون دون أدنى تأخير ، لذلك فربنا تعالى لا يحتاج الى أن يتخذ ولدا أو معينا يرثه ، بل هو الذي يرث ما في السموات وما في الأرض جميعا ، والذين قاسوا ربهم بأنفسهم لم يعرضوا الفرق الشاسع بين طبيعة المخلوق وصفات الخالق ، لذلك قالوا : عيسى ابن الله.

٤٢

والايمان بالآخرة يسقط الخلافات الدينية ، لأن قسما كبيرا من هذه الخلافات نابع من الأهواء والشهوات ، ومن عدم تحمل مسئولية العلم ، ومن إن الذين كلّفوا ببيان العلم اختاروا شهواتهم على دينهم فباعوا علمهم ببضع دراهم معدودة.

فالقرآن الحكيم يذكر الناس بيوم القيامة أبدا ليبيّن إن هذه الخلافات تتبخر إذا كان الايمان بالمعاد إيمانا راسخا ، ذلك أن الإنسان يختلف مع الآخرين في الدين حينما لا يتخذ الدين محورا لحياته ، بل تكون أهواؤه وشهواته هي المحور أما لو اتخذ الدين محورا بحث عنه بجد وفكّر بموضوعية. فإنّ الله سيؤيده لمعرفة الحقائق بسهولة.

بينات من الآيات :

كن فيكون :

[٣٤] (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ)

أي إن هذه القصة التي نقلها القرآن الحكيم عن عيسى كانت قول الحق الذي لا ريب فيه ، أما الناس فإنهم يمترون ويجادلون فيه لعدم معرفتهم بالله وبالبعث ويوضح القرآن ذلك فيما يلي من الآيات :

[٣٥] (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ)

إن من الصفات الألوهية صفة القدرة والهيمنة والخلق ، فكيف يتخذ الخالق من مخلوقيه ولدا له؟!

الولد واحد من إثنين : أما أن يكون ولدا بالتبنّي أو بالولادة ، فالولد بالتبنّي إنما يكشف عن حاجة الأب الى ذلك الولد ، والله سبحانه أسمى من أن يتخذ ولدا بالتبنّي لأنه قادر لا يحتاج إلى شيء.

٤٣

أما لو افترضنا أن الولد بالولادة فهناك نظرية فلسفية معقدة تقول بأن الكون قد خرج من الله كما تخرج أشعة الشمس من القرص ، وكما تخرج الأوهام من القلب ، وكما يصدر الماء الرافد من النبع ـ فسبحان الله! ـ إن هذا إلّا قول جاهلي بعيد عن صفة الألوهية والربوبية وتناقض في ذات الوقت ، إن طريقة خلقه سبحانه للأشياء هي مجرد الارادة والمشيئة ، فقد خلق الله المشيئة ثم خلق الأشياء بالمشيئة .. يقول : (كُنْ فَيَكُونُ) وليس لفظة (كن) تعني التلفظ بها ، وإنما هي مجرد الارادة. وليس خلقه للأشياء عن طريق الممارسة والمعالجة ، حتى يخرج شيء من شيء فيسمى بالولادة وإنما عن طريق الأمر والإبداع ، إذن فنسبة الأولاد إلى الله خطأ ، وإذا صحت هذه الفكرة فلا بد أن تصح في الكون كله فنقول بأن السماوات والأرضين وما فيهما أولاد لله ، لأنها كلها خرجت من الله ـ سبحانه ـ حسب هذا القول الجاهلي ، وهذا قول متناقض في ذاته فكيف يكون المخلوق خالقا؟!

حينما يلد شيء من شيء فلا بد أن يكون الوليد من جنس الوالد ومما لا جدال فيه أن الابن فيه كل الصفات الموجودة في والده ، وليس في مجال البشرية فقط وإنما كل شيء ، فأشعة الشمس صفاتها نفس صفات الشمس ، والماء الذي يخرج من النبع صفاته نفس صفات النبع .. وهكذا فلا بد أن تكون الأشياء المخلوقة في الكون تحمل صفات الخالق .. (صفة الحياة .. الخلود .. الثبات وعدم التغيّر) وهذه الصفات غير موجودة في الخلق وإنما هي صفات منحصرة في الخالق فقط. ولو افترضنا وجودها في المخلوق إذا لما كانت هنالك حاجة الى الخالق!

وأساسا فان هذه الفكرة متناقضة يرفضها العقل ، والله سبحانه ينسف هاتين الفكرتين معا في آية واحدة حينما يقول :

«ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ»

ولما ذا يتخذ الله ولدا؟ إن ذلك ليس من صفات الألوهية ، فالله سبحانه غني عن

٤٤

كل شيء ، وغير محتاج الى شيء ، فما حاجته الى أن يتخذ من بين مخلوقاته ولدا؟!

ومن جهة ثانية ان خروج الولد من الله لا بد أن يكون عن طريق التناسل أو الانقسام وهذا غير وارد لأن الله سبحانه غير مركّب من أجزاء وإلا أفتقد صفة الكمال المطلق التي تشهد له بها كل ذرة من ذرأت هذا الكون.

(إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

إنّ الله خلق الكون بهذه الطريقة أنه يقضي أمرا فيقول له : كن فيكون ، وليست خلقته بصدور شيء عنه أو ولادته منه سبحانه. (١)

[٣٦] أما رسالة عيسى فلم تكن رسالة تدعو الناس الى عبادته ، وإنما تدعوهم الى عبادة الله وحده ، وكيف يدعو الإله الى عبادة غيره لو كان عيسى إلها ـ حاشا لله ـ؟!

الصراط المستقيم :

(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)

هناك تساؤل : ما هي العلاقة بين الجملتين في هذه الآية الجملة الأولى التي تقول (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) والجملة الثانية التي تقول : (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ؟)

إن العلاقة هي علاقة العمل بالفكر ، وبالتالي علاقة الحياة الدنيا بالآخرة ، إن إيمانك بالله وعبوديتك المطلقة له هما اللذان يرسمان خريطة مسيرتك في الحياة ويعطيانك الضوء الكافي لتحركك نحو الله ، (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فاذا عبدت

__________________

(١) عالج المؤلف هذا البحث بتفصيل في كتاب «العرفان الإسلامي».

٤٥

الله وحده فسوف ترسم لنفسك الصراط المستقيم الذي يؤدي بك الى الله ، أما إذا لم تعبد ربك فان حياتك سوف تكون منحرفة ، ولا يمكنك أن تصل الى أهدافك ، وهذه هي العلاقة بين الجملتين.

بالرغم من إن هذه كانت رسالة عيسى الى قومه إلّا أنّ قومه اختلفوا فيه اختلافا واسعا حتى أن قسطنطين إمبراطور الروم جمع ألفين ومائة وسبعين من الأساقفة في مجمع كبير وطرح عليهم سؤالا خلاصته : من هو عيسى؟

فاختلفوا بينهم الى عشرات الآراء ، بعضهم قال : إن عيسى هو الله نزل الى الأرض ، ثم رجع الى السماء وبعضهم قال : إن عيسى إنما هو ابن الله ولنا إلهان هما : الأب والابن ، وبعضهم قال : إنه واحد من ثلاثة الأب والابن وروح القدس ، وبعضهم قال : هو جزءان : جزء إلهي وجزء بشري ، وبعض قال : إنه عبد الله .. وهكذا ، ولم يتفق منهم سوى ثلاثمائة ونيّف اجتمعوا على رأي واحد. فاعتبره الامبراطور الرأي الحائز على الأكثرية النسبيّة (حوالي سدس الآراء فقط) وجعله الرأي السائد الذي لا يزال أقوى النظريات الشائعة اليوم بينهم.

وفي الحقيقة إن هؤلاء اختلفوا في عيسى هذا الاختلاف الشاسع ، بالرغم من إن القضية كانت واضحة جدا [فالذي خلق الكون هو الذي خلق عيسى وطريقة خلقه لعيسى هي نفس طريقة خلقه للكون (كُنْ فَيَكُونُ)] وهذه الآية تشير الى الاختلاف بالرغم من أنها لا توضح أسبابه.

الحزبية طريق الضلالة :

[٣٧] (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)

الناس العاديّون كانوا على الفطرة ، ثم بعد ذلك ظهرت بينهم أحزاب مختلفة

٤٦

ولم يكن هدف تلك الأحزاب (الحقيقة) إنما كان هدفهم شيئا آخر وهو (أنفسهم أو طائفتهم) ولعله ـ لذلك ينسب القرآن الاختلافات الى التحزب.

في البداية ينشأ التحزب ثم يتبعه الاختلاف ، فلكي أجمع أنا مجموعة من الناس حولي ولكي يجمع منافسي مجموعة أخرى من الناس حوله ، فلا بد أن نخلق نوعا من الاختلاف بيننا حتى أكون أنا شيئا وهو شيئا آخر ، وخيال البشر يستطيع أن يكشف أبدا بعض الفروقات ، وأن يخلق بعض الأمور الخلافية ، لأن الخلاف ليس أصلا إنما هو فرع للمتحور الذاتي. ولكن تتبخر هذه الخلافات التحزبية المصطنعة في يوم القيامة.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

يذكرنا القرآن بأن هذا الخلاف لم يكن خلافا دينيا ، ولم يكن من أجل الله ، إنما كان من أجل شهواتهم وأهوائهم بدليل وصفهم بالكفر ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وعبارة (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) تشير الى موقفهم يوم القيامة.

[٣٨] (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا)

لو تراهم ولو تسمعهم في ذلك اليوم الذي يأتون فيه الى الله سبحانه لاكتشفت بأن الظالمين في هذه الدنيا كانوا في ضلال مبين ، فبدل أن يبحثوا عن طريقة لانقاذ أنفسهم من نار جهنم ، ومن أهوال يوم القيامة ، فإنهم أخذوا يبحثون عن الدنيا وعن بعض الشهوات البسيطة والأنانيات والخلقيات الضيقة.

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي ليكن سمعك وبصرك متوجها إلى هؤلاء في ذلك اليوم حتى ترى وتسمع واقعهم وهم يقفون خائفين مرتجفين في المشهد العظيم أمام الله سبحانه وتعالى.

٤٧

(لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

إن الظالمين اليوم في ضلال ظاهر يمنعهم عن إحساسهم بذلك عدم تصورهم للمصير ولو تصوروه لما اختلفوا ، بل اتخذوا الدين مقياسا لهم ، ولتحاكموا إليه بدل أن يختلفوا فيه.

[٣٩] (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)

أعمالهم ـ أفكارهم ـ طاقاتهم تذهب سدى ، ويبقى لديهم شيء واحد يكون زادهم الى القيامة ، وهو الحسرة والندامة ، لأنه في ذلك اليوم لا يجدون طريقة للعودة ولا يجدون فرصة أخرى لتصحيح مسيرتهم وإصلاح ما أفسدوه من أنفسهم.

(وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

لكن الناس اليوم في غفلة عن ذلك اليوم ، وهم لا يؤمنون ، وعند ما يزعمون أنهم مؤمنون فإنهم يكذبون لأنهم لو كانوا كذلك لما اختلفوا ، ولما تحزّبوا ، بل اعتصموا جميعا بحبل الله.

في الحديث الشريف ، أنه يؤتى يوم القيامة بكبش أملح فيوضع بين أهل الجنة وأهل النار ، بعد أن يستقر أصحاب الجنة في نعيمهم وأصحاب النار في جحيمهم ، فينادي المنادي يا أهل الجنة هل تعرفون هذا الكبش؟ إنه الموت ، فيذبح ، فآنئذ تكون الحسرة الكبرى لأهل النار لأنهم لا يموتون فيتخلصون من العذاب ، ولا يخفف عنهم العذاب فيستريحون ، وإنه لو ظل الموت موجودا في الآخرة لمات أهل الجنة فرحا بنقل الموت عنهم وبقاءهم خالدين في الجنة ، ولمات أهل النار حسرة على خلودهم في النار.

٤٨

الله الوارث :

[٤٠] (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ)

هذه الأرض وما عليها من مباهج ومتع ليست لهم ، انها بالتالي تعود إلينا فنحن الوارثون لها ، وهم بدورهم يعودون إلينا ليحاسبوا فلما ذا التحزب والاختلاف من أجل هذه المتع الزائلة؟ من هنا نقول : إن الخلافات البشرية خصوصا تلك التي تتقولب ضمن الأديان والرسالات السماوية يجب أن ننسفها بطريقتين :

الطريقة الأولى : بتذكرة الناس بربهم ، ليؤمنوا بخالق الكون.

الطريقة الثانية : بتذكرة الناس بيوم القيامة.

ولو عرف الناس ربهم لانتهى الخلاف النابع من الجهل ، ولو عرف الناس أنهم سيبعثون في القيامة لانتهى الخلاف النابع من الجهالة ولأن الخلاف اما يأتي من الجهل وأما من الجهالة ، لا غيرهما فانه يتلاشى مع معرفة الله والايمان بالآخرة.

٤٩

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى

______________________

٤٦ [واهجرني مليّا] : فارقني دهرا طويلا.

٤٧ [حفيا] : برّا لطيفا.

٥٠

أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)

٥١

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ

هدى من الآيات :

علاقة الإنسان بربه يجب أن تكون فوق علاقاته الأخرى بل تكون موجّهة لسائر العلاقات ، وإطارا لسائر الروابط الاجتماعية ، وفي طليعتها رابطة الإنسان بأسرته.

ومن القضايا الطبيعية في حياة الإنسان ، استلهامه من أبيه : الفكرة والخبرة ، فالأجيال البشرية تتلاحق ويرث كل جيل ، أفكار السابقين ، ويورثها للاحقين ، والله سبحانه قد أركز في الإنسان غريزة التقليد واتباع الآباء ، كما أركز في الآباء غريزة التعليم لنقل أفكارهم الى أبنائهم بل وإكراههم عليها.

بيد إن هذه الغريزة التي هي من السنن الكونية يجب أن لا تترك بعيدة عن التوجيه ، بل على الإنسان أن يوجهها في ذاته ويوجهها في الآخرين ، فالابن الذي يطيع والده ويتبعه من دون تفكير لا يكون فقط عاجزا عن ابتداع تجارب جديدة ، بل يكون أيضا غير صالح لنقل التجربة فالتجربة ينقلها جيل يكتوي بنارها ، ويعرف قيمتها ويستهلمها بإرادته وحريته ، أما الجيل الذي يضطر الى قبول تجربة السابقين

٥٢

واستلهام أفكارهم فانه لا يمكنه أن يعرف قيمة التجربة ، وبالتالي لا يمكنه أن يستفيد من هذه الخبرة شيئا كثيرا ، إذ يصبح آلة عمياء لا يستوعب الحقائق التي تجري حوله.

من هنا .. يركز القرآن الحكيم في هذه الآيات على مسألة نقل الأفكار من الجيل السابق الى الجيل اللاحق ويحدد في ذات الوقت طريقة التعامل بين الأجيال.

كثيرا ما يفكر الجيل الناشئ فيجد أن أفكار الأجيال السابقة إنما هي أفكار خاطئة وغير سليمة ، ولذلك يتوجه هذا الجيل نحو التغيير والإصلاح وتطوير الأفكار والأساليب ، فيحدث الصراع بين الأجيال ، كل جيل يوجه الحياة الى طرف معيّن وهذا ليس من مصلحة المجتمع ، فالمجتمع الذي يعيش صراع الأجيال ينهار بسرعة ولا تكتسب الأجيال الناشئة فيه تجارب الأجيال السابقة.

وفي هذه الآية الكريمة نجد القرآن الحكيم يركز على طريقة التعامل بين الأجيال ليقول : حتى لو كان الخلاف حول محور أساسي كعبادة الله فينبغي أن يتم عبر أساليب مرنة ، لذلك نجد إبراهيم يوجه خطابه لأبيه قائلا : «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي».

ولكن إذا لم تنفع المرونة ينبغي أن يكون الاعتزال ، لأنه هو الحل الأخير ، فحينما وجد إبراهيم إن أباه لم يهتد ، وإن قضية التوحيد لا يمكن أن تخضع لأهواء والده ولضلالات الأجيال السابقة ، فانه قرر أن يثور. ولكن كيف كانت ثورته؟

إنه لم يقتل أباه ، ولم يتمرّد عليه ، وإنما اعتزل ما يعبد بعد أن جادله بالحسنى وأعتقد أن هذين الاسلوبين ، الأسلوب المرن ثم أسلوب الاعتزال هما أمثل طريقة للتعامل بين الأجيال في قضايا الصراع وفي حالات التغيير.

٥٣

هناك ملاحظة تبدو في هذه الآيات وهي : إن القرآن الحكيم يركز الضوء هنا على مشهد واحد فقط من قصة إبراهيم الخليل (عليه الصلاة والسلام) ، وهو مشهد الحوار مع أبيه ، بينما ترك سائر المشاهد كمشهد صراعه مع النظام القائم ومع المجتمع الجاهلي ، ولعل السبب ان هذه السورة تركز على موضوع علاقة الإنسان بأسرته ، وعلاقته بالأقربين إليه.

كما إن القرآن الحكيم يبيّن حقيقة أخرى وهي : إن الإنسان الذي يترك أهله ويعتزلهم لوجه الله ، فان الله سبحانه سوف يعوضه بآخرين ، أحسن منهم ، والقرآن الحكيم يؤكد هذه الفكرة في هذا المشهد من حياة إبراهيم الخليل ، حيث يبيّن بأن الله قد عوّضه عن أسرته السابقة بأسرة جديدة ، وجيل جديد ، ووهب له إسماعيل وإسحاق ويعقوب وذريّة طيّبة منهم ، ونجد تكرارا لهذه الفكرة في الدرس القادم.

بيّنات من الآيات :

[٤١] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا)

كان إبراهيم قدوة وكان صدّيقا ، صدّق بكل ما أنزله الله ، ان بعض الناس يصدّقون ويعملون بما أنزل الله ولكن بشرط أن لا يتعارض ومصالحهم ، أو لا يكون صعبا ، بينما إبراهيم كان صدّيقا آمن بكل ما أنزله الله من هدى وبرامج برغم كل الضغوط والصعوبات ، وكان نبيّا مرسلا من قبل الله.

[٤٢] (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)

لقد وصل إبراهيم بفطرته وبهدى ربه الى نتيجة وهي : إن عبادة الآلهة الحجرية خطأ لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تستطيع أن تفعل شيئا.

٥٤

في كثير من الأوقات يصل أبناء البشر الى نقطة محورية فطرية واضحة ولكنهم بعدئذ يتركون الأمر ، ولا يفكرون تفكيرا جدّيا في متابعة ما توصلوا إليه ، بل كل إنسان يعيش في مجتمع فاسد تبرق له بعض الأحيان من هدى ربه بارقة هدى ، لو سار وراءها لاهتدى ، ولذلك نرى إن هؤلاء الذين يعيشون في أقاصي الأرض بعيدين عن هدى الرسالات الإلهية ، تبقى لله عليهم حجة تتمثل في أنهم في بعض لحظات حياتهم يصلون الى بعض النتائج الأولية ، ويجب أن تكون لديهم الشجاعة الكافية للاستمرار في الأخذ بها والبحث عمّا وراءها ، أما إذا كانوا جبناء فلله عليهم حجة ، لما ذا جبنوا ولما ذا لم يهتدوا بنور عقلهم حين أضاء لهم الطريق؟

بعد رحلة قفل أبو ذر الغفاري راجعا الى قبيلته ، واتجه الى صنمها يتبرك به كعادتهم حين يعودون من سفر يبدءون بأصنامهم فبرقت في نفسه بارقة هدى؟! فسأل نفسه : إن الصنم ليس إلا صخرة صمّاء ، فلما ذا أعبد الحجر الأصم؟ وما عساه أن يفعل بي؟ فقرر أن يجربه ، ففكر في خطة بأن يضع أمام الصنم شيئا من الطعام والشراب ، فاذا أكل وشرب فلا بد أنه على حق وهكذا فعل ، فوضع أمامه قدحا من اللبن وجلس عنده ناحية يراقب ، فلم يطعم الصنم شيئا فقال : ربما يخجل مني ، فذهب واختبأ وراء صخرة وأخذ يراقبه ، وبعد فترة إذا بثعلبان يأتيان ويشربان اللبن ، ثم يتبولان على الصنم ويغادران المكان دون أن يمسهما الصنم بأذى فأنشد أبو ذر يقول :

أربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد هان من بالت عليه الثعالب

فترك عبادة الأصنام.

إن مثل هذا المشهد كان يتكرر عند كثيرين في التاريخ الجاهلي ، ولكن لم يكن أحدهم يمتلك شجاعة أبي ذر ، لذلك فأنهم كانوا يسايرون الأوضاع الفاسدة ، ولا يجدون في أنفسهم حرجا من ذلك؟

٥٥

إن الإنسان قد يفكر تفكيرا حرّا وعلى أثر تفكيره هذا يكتشف انحرافا كبيرا فيهتدي بسببه الى كل البرامج الرسالية ، فاذا عارضة والداه في تلك النقطة ستتكشف له سائر النقاط وتصبح هذه النقطة البسيطة بداية المسيرة طويلة ، هكذا نجد إبراهيم يقول لوالده : «يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً» ..

وحينما اكتشف إبراهيم تلك النقطة تشجع واستمر في محاولات الكشف ، فكشفت له نقطة أخرى وهي : إن إتباعه لأبيه خطأ ، لأن أباه يعبد صنما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا.

إن هذه قفزة جديدة لا يصل إليها الإنسان عادة ، خصوصا الإنسان الذي يعيش في جوّ عائلي مغلق يفرض عليه إتباع والده ، لكن إبراهيم وصل الى تلك القفزة بشجاعته وباتباعه لفطرته ...

ولاية الشيطان :

[٤٣] (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ)

إن مقياس الطاعة والتقليد هو العلم ، فاذا كنت أنا أعلم منك فلا بد أن تكون أنت الذي تطيعني وليس العكس! ..

(فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا)

واجه إبراهيم (ع) أباه بهذه الشجاعة ، حيث طلب منه أن يتّبعه لأنه يمتلك العلم ، وهذه إشارة بأن الاعتبار الأول في القيادة العلم ، وليس شرطا عمر القائد أو منزلته.

[٤٤] (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا)

٥٦

عرض إبراهيم على أبيه في البداية أن لا يعبد الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ، وهنا يقول له : لا تعبد الشيطان ، فالشيطان هنا هو الذي يتجسد لهم على صورة صنم ، أو على شكل ووساوس نفسية فيزين لهم عبادة غير الله ، وما دام الشيطان عصيا لله ، فهو ـ بطبيعة الحال ـ لا يهدي الى سبيل الرشاد ، بل يقود الناس على ما هو عليه من العصيان.

لما ذا وضع الله كلمة (الرحمن) في مقابل الشيطان ، ولم يضع مثلا «الرب»؟ ربما لكي يوضح حقيقة هامة ، وهي إن الشيطان هو حالة ضد الرحمة ونقيض لها.

وعموما فليس المقصود من عبادتهم الشيطان مجرد عبادة الصنم الذي لا يضر ولا ينفع ، بل المقصود أيضا عبادة الشيطان المتمثل في الطواغيت أو سدنة الأصنام الذين ينتفعون مباشرة من عبادة هؤلاء.

[٤٥] (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا)

إن الإنسان الذي يريد أن يجمع بين الحق والباطل ، بين الهدى والضلال ، بين الخير والشر ، فانه سيجد أن الخير والهدى قد تبخرا ولم يبق معه سوى الشر والضلالة ، إذ لا يمكن أن يجتمع عند الإنسان الخير والشر معا ولا بد أن يذهب أحدهما وإذا تمادى البشر في عبادة الشيطان فان الله يسلب منه ضوء العقل فيصبح وليا للشيطان الى الأبد ، وهذا عذاب عظيم يمس الذين يتبعون الشيطان.

ولعلّ الآية تنفي ـ بصورة إيحائية ـ فكرة ضالة يبثها الشيطان في روع تابعيه خلاصتها : إن الله يبغضه وإنما الشيطان يحميه من غضب الرب .. ويسفه السياق هذا الزعم.

أولا : بأن الله هو الرحمن. ولا يبغض أحدا لذاته بل بسبب فعاله القبيحة.

٥٧

وثانيا : إنّ إتباع الشيطان عذاب وشر مستطير وليس فيه أية فائدة.

هذا هو حوار إبراهيم الذي يتميّز بعدة سمات :

أولا : إنه حوار هادئ.

ثانيا : إنه يتدرج ويتصاعد شيئا فشيئا ، ففي البداية يقول لم؟ ثم يقول لا تعبد ، ثم يقول اتبعني ، ثم يقول : إنه يخشى أن تكون وليّا للشيطان.

في الواقع إن عم إبراهيم الذي يخاطبه إبراهيم (ع) بالأب لأنه كان يعيش في بيته كان فعلا وليا للشيطان ، بيد إن إبراهيم لم يجابهه بالحقيقة مرة واحدة ، ولكن لننظر الى الآخر ما ذا يقول في حوارة ...

الإرهاب في المحيط العائلي :

[٤٦] (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)

لم يقل أراغب أنت عن الحق يا إبراهيم ، لأن الحق والباطل لم يكن محورا لعمل «آزر» عم إبراهيم ، إنما قال عن آلهتي لأنه أراد أن يفرض سيطرته وهيمنته.

(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ)

هذا هو الإرهاب العائلي يقول : لأن لم تنته لأرجمنّك ، وأرجمنك اما بمعنى أن أقذفك بالحجارة كما يرجم مرتكبوا الكبائر ، وهو أشد أنواع الاعدام ، واما بمعنى اني لأرجمنّك بالضلالة فأقول إنك مارق ، أو أتهمك بتهمة كبيرة أمام المجتمع. ومن سياق الآية يتبيّن أن المقصود هو المعنى الثاني للرجم وليس الاعدام.

(وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)

٥٨

في البداية هدده بالرجم والتشهير ، ثم أمره بأن يهجره ، أي يخرج من بيته نهائيا وهذه عملية نراها اليوم عادة بين الآباء ، حيث يقوم الواحد منهم بطرد ولده إذا وجد لديه عملا ثوريّا أو أنه ينتمي الى حركة إسلامية أو يقوم بنشاطات سياسية ...

مواجهة الإرهاب :

[٤٧] عند ما رأى إبراهيم إن الأمر قد وصل الى هذا الحد ، وإنه إذا هجر أسرته فانه سوف تتكرس فيهم ضلالتهم ، لذلك :

(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ)

لعلّ إبراهيم (ع) كان يريد أن يتبع تكتيكا آخر بعد أن وصلت مواجهته الصريحة مع أبيه الى طريق مسدود ، وهو أن يبحث عن وسائط خير يمكن أن يقنعوا الأب بدعوته الحقة ، وهذه الفكرة التي نستوحيها من الآية تفيدنا كثيرا في حياتنا العملية ، إذ أن كثيرا من الشباب الذين تتفتح بصائرهم على الهداية والايمان يريدون أن ينقلوا تلك الهداية الى آبائهم أو أعمامهم أو إخوانهم الكبار ، ولكنهم غالبا ما يصطدمون بالحواجز التقليدية التي تحول دون تقبل هؤلاء ممن هم أصغر منهم سنّا وتجربة ، فلا يكون أمام الأولاد إلا أن يلجأوا الى الطرق غير المباشرة فيبحثون عن أصدقاء أو معارف لآبائهم يشترط فيهم كبر السن والوعي الثوري ، ليقوموا بدور الوسيط في تبليغ الرسالة.

(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)

قال إبراهيم لأبيه سأطلب لك المغفرة من الله ، فهو يحبني ويبرّ إليّ ، وكان إبراهيم في استغفاره يريد هداية أبيه ، كما جاء في آية أخرى ، فلما تبيّن له إن أباه لا يريد أن يهتدي وأنه مصرّ على الضلال تركه وشأنه.

٥٩

[٤٨] (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا)

يقول إبراهيم لأبيه أنت تريد أن تطردني من البيت ، وتقول لي واهجرني مليّا ، حسنا ـ فأنا بدوري سوف أعتز لكم وأترككم ، ولكن حين أترككم ، فأن عندي ملجأ آخر ألتجأ إليه وهو الذي يبعد عني الشقاء حينما أدعوه وألتجأ إليه ، بلى إنه الله ربّي.

الأسرة الفاضلة :

[٤٩] (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)

لقد أصبح إبراهيم مؤسسا لحضارة ، ولخط فكري ، فوهب له الله من رحمته إسحاق ويعقوب.

(وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا)

إن الله وهب لإبراهيم إسحاق وإسماعيل أخوين ، ولكن القرآن يقول وهبنا له إسحاق ويعقوب ليبين استمرارية الخط الرسالي.

[٥٠] (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)

لقد أصبح هؤلاء مضرب الأمثال في العالم ، فحينما يريد الناس أن يضربوا مثلا لأسرة فاضلة ، فأنهم يضربون إبراهيم وأبناءه مثلا لذلك ، ولا يزال هذا الأمر منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وإلى هذا اليوم ، فهناك أكثر من ألفي مليون إنسان في العالم يكرمون إبراهيم (ع) عبر التاريخ ، وهذا بعض معاني لسان صدق عليّا أي ان

٦٠