من هدى القرآن - ج ٧

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-10-6
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٣٩٩

وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ

______________________

١١ [قصمنا] : أهلكنا ، وأصل القصم كسر الظهر الذي يكون مع الصوت.

١٣ [ما أترفتم فيه] : أي أسباب ترفكم من زخارف الدّنيا ، والترفه النعمة.

١٥ [حصيدا] : أي محصودا ، قد شملهم العذاب حتى كأنّهم السنبل المحصود الذي يقطع فلا حياة له.

٢٨١

عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)

______________________

١٨ [زاهق] : زائل مضمحل ، والزاهق من الأضداد ، يقال للهالك زاهق ـ وللسمين من الدواب زاهق ـ وزهقت نفسه تزهق زهوقا.

١٩ [لا يستحسرون] : الاستحسار ـ الانقطاع عن إعياء ، يقال : استحسر فلان عن عمله ـ يعني انقطع عنه إعياء.

٢٠ [لا يفترون] : أي لا يأخذهم الفتور والضعف عن العبادة.

٢٨٢

هدفية الحياة

هدى من الآيات :

يتحدث القرآن هنا عن الجزاء الذي ينتظر الإنسان اللامسؤول الذي اتخذ الحياة لهوا ولعبا ، وحين يحل العذاب فلن يفلح كلّ من يحاول الهرب منه لأنّ حكومة الله لا يستطيع الفرار منها أحد ، ويأتي النداء الى هؤلاء بأن عودوا الى تلك الأسباب التي دعتكم الى الذنب ، فانظروا هل إنها تشفع لكم اليوم شيئا؟ وهل تنفعكم الأموال التي كنزتموها والأولاد الذين من أجلهم تركتم عبادة الله و.. و..؟

إنّ هذا اليوم كان نتيجة اللاأبالية واللاجدّية في الحياة ، وكما يقول القرآن الحكيم : إنّ نظام الكون قائم على الحقّ وليس على اللعب واللهو.

إنّ الكون الذي تعيش فيه ـ أيها الإنسان ـ وتخضع لقوانينه وسننه ، أنشأه الله بعلمه وقدرته للحقّ فكيف تريد بالرغم من ضعفك وضآلتك ، أن تخرج من دائرة الحقّ الى دائرة اللهو واللعب؟! إنّ ذلك شيء محال!!

٢٨٣

يؤكد القرآن الحكيم هذه الفكرة مرة أخرى فيخبرنا : كما إن السماء والأرض خلقتا بحقّ وليس بلعب ، فكذلك المجتمعات ، ولذلك فان السنن الحاكمة فيها هي سنن الحقّ ، وهذه السنن يجب أن تحكم المجتمعات كما تحكم في الأرض والسماوات ولكن بفارق واحد وهو : إنها تحكم في السماوات والأرض بصورة مباشرة وفورية ولكنها تحكم في المجتمعات بصورة غير مباشرة بعد إعطاء الفرصة ، وتقديم الإنذار ، وبعد محاولة هداية وإصلاح ، وهذه نعمة كبيرة من الله ، فلو كان الإنسان يحاسب على كلّ خطأ فورا وبدون إعطاء أيّ فرصة للتوبة ، لتحولت حياته إلى جحيم.

ولكن إعطاء الفرصة شيء ، وتطبيق الحقّ شيء آخر ، فليس معنى إعطاء الفرصة إن الله سبحانه قد نسي الحقّ الذي فطر عليه السماوات والأرض ، وجعله محورا للخليقة جميعا ، بل إن الله لا يزال ينصر الحقّ ، وسوف يطبقه ويدمغ به الباطل.

إنّ أيّ شيء ينحرف عن سنة الحياة ، سرعان ما ينتهي ويتلاشى. إذن يجب علينا أن نتمحور حول الحقّ كما يقرره القرآن الحكيم بأن الحقّ هو عبادة الله وعدم إشراك أحد معه في ألوهيته ، فكما إنّ الملائكة والأرواح والسماوات والأرضين كلّها تعبد الله وتخضع له كذلك الإنسان.

وهناك فكرة أخرى توحي بها هذه الآيات وهي : إن الإيمان الصادق هو الإيمان بأن محور الكون هو الحقّ ، فالكون جدّ لا لعب ولا لهو فيه ، وهذا الإيمان هو ضمان لاثارة إحساس الإنسان بالمسؤولية في حياته الدنيا ، كما إنّ اللهو واللعب هما عدوّا إحساس الإنسان بمسؤوليته.

٢٨٤

بينات من الآيات :

جزاء الظلم :

[١١] (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ)

إنّ نعم الله التي تحوطنا قد توحي إلينا بفكرة خاطئة وهي : بما إن الله أرحم الراحمين فهو لن يعذب أحدا. ولكي ننسف هذه الفكرة ، ونقتلع جذورها من أنفسنا لا بدّ لنا من قراءة التاريخ ، والسير في الأرض لنرى آثار الماضين كيف انتهوا وكيف جاءهم عذاب الله ، فان الله سبحانه وتعالى قد قصم كثيرا من القرى ودمرها بظلمها لأنها رفضت أن تؤمن بالحقّ وتنصاع له ، فالقضية ـ إذا ـ جدّية ، وما ينذرنا الله به قد وقع فعلا بالنسبة لمن سبقونا ، لذلك ينبغي أن نخاف فلا نالوا جهدا عن مواجهة هذا المصير السيء.

ونلاحظ في هذه الآية لفتة لطيفة في التعبير القرآني ، حيث يقول : «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ» ، ثمّ يقول : «وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ» ، فلما ذا لا يقول القرآن وكم قصمنا من قوم وأنشأنا بعدهم قوما آخرين؟ أو وكم قصمنا من قرية وأنشأنا بعدها قرى أخرى؟

والجواب هو حينما يقصم الله سبحانه وتعالى قرية فانه لا يهلك أهلها فقط ، ويترك العمارات والشوارع والمصانع سالمة ، وانما يدمر كلّ شيء فيها ، مرة واحدة ، وحينما ينشئ قوما آخرين فانه لا ينشئ معهم قراهم ، ومعابدهم ومصانعهم ، بل يخلقهم ، وبعد ذلك يقول لهم : اسعوا في الأرض أي اصنعوا حضارتكم بأنفسكم ، فهم المسؤولون عن بناء البيوت والشوارع وتأسيس المصانع.

[١٢] (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ)

٢٨٥

إنّ إرهاصات غضب الله عليهم كانت قائمة ، ولكنهم تغافلوا عنها ، ولو انهم تحسسوا بها وتابوا الى الله قبل نزول البأس والعذاب لقبلت توبتهم ، مثلما قبلت توبة قوم يونس (ع) ، ولكنهم بقوا على حالتهم حتى أحسوا بأس الله ولمسوه لمسا ، آنئذ قاموا يركضون ، وظنّوا أنّ الهرب ينفعهم.

[١٣] (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ)

إلى أين تركض أيها الظالم؟! لما ذا تخرج من قريتك التي عمرتها والزينة التي جمعتها؟ ارجع وابق هناك حتى نهدم بيتك على رأسك ، وعند ما نفجّر مصنعك نفجّره وأنت فيه ، وعند ما ننسف بيتك ننسفه معك.

ولعلّ الآية تشير الى إنّ الركض لا ينفع ، كما إن كلمة «لعلّكم تسألون» في ذيل الآية ربما توحي بالسؤال الشائع من الأطلال وبقية آثار الشعوب ، وكأنهم بعد الدمار يتحولون الى عبرة للأجيال القادمة حيث يقفون على ديارهم ويسألونهم : أين حضارتكم التي أترفتم فيها ، أين مساكنكم التي اطمأننتم إليها؟! كما جاء في رائعة منسوبة الى الامام عليّ عليه السلام :

ناداهم سائل من بعد دفنهم

أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين سائلهم

تلك الوجوه عليها الدود ينتقل

والسؤال هو : من يناديهم بهذا النداء؟ والجواب : إنّه واقع حالهم ـ كما يبدو لي ـ ، وكأن كلّ من اطّلع على وضعهم ناداهم بهذا النداء.

ويظهر أنّ الآية توحي أيضا بفكرة هامة هي :

إنّ أيّ بشر يظلم نفسه أو يظلم الآخرين اغترارا بعامل مادي ، فان العذاب

٢٨٦

سوف يأتيه انطلاقا من ذلك العامل نفسه. فمثلا قوم فرعون كانوا معجبين بالمياه المتدفقة عبر النيل ، حتى إنهم كانوا يعبدون الماء ، وكانوا يختارون في أول الربيع أجمل فتاة عندهم فيلقونها في نهر النيل قربانا لهذا الإله ، وكان فرعون يقول : «وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي» ، فانتقم الله منهم انطلاقا من ذلك الماء نفسه حيث أغرقهم فيه.

وقوم عاد كانوا يفتخرون بالبيوت الصخرية وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ويتصورون إنّ تلك البيوت سوف تخلدهم وتمنع عنهم البأس ، فبعث الله سبحانه وتعالى إليهم برياح كانت تحطم هذه الصخور وتهدمها عليهم ، وهكذا غيرهم. فيكون معنى (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) ارجعوا الى تلك النعم التي بسببها انحرفتم وضللتم لكي تروها وهي تتحول عليكم نقمة.

(وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ)

قبل أن ينحرف الإنسان ، ويظلم الآخرين من أجل الحصول على متاع الدنيا وحطامها ، عليه أن يسأل نفسه أولا : هل إنّ هذه الأشياء ستنفعه يوم الجزاء ، وهل سترفع عنه العذاب عند ما يقع؟! وبعد أن يفكر في الأمر جيدا ، عليه أن يفعل ما يشاء ويتحمل المسؤولية في كلّ أعماله وتصرفاته.

[١٤] (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)

[١٥] لقد اعترفوا بخطئهم وظلمهم ولكن الاعتراف جاء متأخرا! حيث استمروا ينادون على أنفسهم بالويل حتى لحظة النهاية.

(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)

٢٨٧

لقد حصدهم العذاب حصدا كما تحصد المكائن الزراعية الضخمة السنابل ، فلم تقم هناك لأحد منهم قائمة ، ثم خمدوا كما تخمد الجمرة فلا حرارة ولا حركة.

هدفية الخلق :

[١٦] لما ذا يا إلهي فعلت هذا؟! أليس هؤلاء عبادك؟! أو لست أرحم الراحمين؟! بلى ربنا أرحم الراحمين ولكنه خلق السماوات والأرض بالحقّ ، وهؤلاء تجاوزوا قيم الحقّ.

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)

إنّ هؤلاء اتخذوا الحياة لعبا فكان هذا مصيرهم.

[١٧] (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ)

إن كانت الخليقة بلا هدف ، فان الله كان ينتزع منها الهدفية ، ويتخذها لهوا ، أي يجعلها بلا غايات مرسومة ، ولا سنن دائمة ، ولا قوانين دقيقة تفرض على أصغر جزيئة في الذرة بنفس الصرامة التي تفرض على أعظم مجردة في الفضاء.

وحيث نرى كلّ شيء يسعى نحو هدفه ، أو بتعبير أفضل يسير الى غايته ، فهل من المعقول أن يكون خلق الإنسان عبثا ، وبلا هدف (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ)؟

كلّا .. أنت بدورك تخضع لقانون الهدف ، وبالتالي لمعادلة المسؤولية والجزاء.

وفي معنى الآية أقوال شتى إلّا إن هذا المعنى العام يمكن أن يستوحى من كلّ تلك الأقوال.

٢٨٨

[١٨] (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)

وهذه هي سنة الله الثابتة في الكون على مرّ العصور والدهور ، وعلى الإنسان أن يبني حياته على أساس ، إذا أراد أن يفوز ويحقق أهدافه ويتجنب مصارع الردى وينجو من العذاب المحتوم.

وكلمات الآية صاعقة شديدة الوقع نافذة الى عمق الضمير ، فالحقّ يقذف (يرمي بقوة وربما من مكان بعيد وقد يتأخر قليلا ليقطع المسافة ولكنّه يصل حتما) ، ثمّ إنّه يهدف أمّ الرأس حيث الدماغ ، ويتلاشى الباطل ويضمحل فلا يبقى منه شيء أبدا.

والآية تبصرنا بواقع الخليقة والأنظمة السائدة عليها ، وتوحي إلينا بضرورة تزكية أنفسنا من خلال معرفة تلك الأنظمة ، فقانون الجاذبية الذي يسقط به الحجر من عل ، ليس بأقوى من قانون سقوط الظالم من كرسي الحكم!

[١٩] (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ)

هذا الحقّ يجب أن يتجسد في واقع السلوك البشري ، كما تجسد في واقع سلوك الملائكة وسلوك عباد الله الصالحين ، الذين لا يستكبرون عن عبادته ويفعلون ما يؤمرون.

[٢٠] (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)

الحياة يجب أن تكون جدّيّة ، ويجب أن يسبّح الإنسان ربّه دونما تعب أو استكبار.

٢٨٩

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)

______________________

٢١ (هُمْ يُنْشِرُونَ) : أي يقدرون على نشر الأموات واحيائهم؟

٢٩٠

لا للتبرير .. نعم لتحمّل المسؤولية

هدى من الآيات :

ما أبهض ثقل المسؤولية على قلب البشر ، يكاد فؤاده يتصدع حين يعلم إنّه لمسؤول ، أمام خالق السماوات والأرض لا يخفى عليه شيء في السماء والأرض.

وكذلك تراه يبحث عما يخفف عنه هذا الثقل الباهظ ، وينجّيه ـ بزعمه ـ من سؤال بارئه.

ويفند السياق القرآني ـ في إطار تحسيسه بواقع المسؤولية ـ هذا الزعم ، ويقول : هل الآلهة تنشر الموتى؟ أو لا يعلمون أن لو كان في السماوات والأرض آلهة إلّا الله لفسدتا وتفطرتا؟ تقدس رب العرش عما يصف المشركون ، إنّه فوق التأثر بخلقه ، فهم يسألون عن أفعالهم ، وهو لا يسأل عما يفعل. ثم يطالبهم بالبرهان ، ويؤكد إنّ كلّ الرسالات الالهية تتفق على كلمة التوحيد ، وان شرك هؤلاء نابع من إعراضهم عن الحقّ.

٢٩١

وربما زعموا إنّ الملائكة الأشداء هم أولاد الله ، أو لا يعلمون إنهم عباد مكرمون (مقربون الى الله وهذا سرّ قدرتهم) ، وانهم لا يظهرون رأيهم بل يطيعون أمر ربهم ، وان الله تعالى محيط بهم علما ، وانهم لا يشفعون إلّا باذنه ، وانهم يخشون ربهم؟ فكيف يعارضونه؟ وانهم مجزيون على أعمالهم ، فلو قال أحدهم إفكا إنّه إله من دون الله يجزيه ربّه جهنم كما يجزي سائر الظالمين.

بينات من الآيات :

[٢١] من العوامل التي تبعد الإنسان عن إحساسه بالمسؤولية وتعطيه مبررا لتنصله عنها في الحياة هو الاعتقاد بإله غير الله ، أنى كانت صورة ذلك الإله ، وأنى كان اسمه.

بل إن تعلق الإنسان بأيّ شيء تعلقا ذاتيا بعيدا عن الله ، يدعوه الى أن يتقرب الى ذلك الشيء ويجعله واسطة بينه وبين الله في زعمه ، لا لشيء إلّا لكي يتخلص من ثقل المسؤولية ، ذلك لأنه من الصعب جدا على الإنسان الاحساس بأنه مسئول أمام قوة قاهرة عليمة حكيمة محيطة به ، تجازيه على كلّ صغيرة وكبيرة تبدر منه ، لذلك فهو يحاول ـ جهده ـ أن يتهرب من هذه المسؤولية ، ولو لا إحساس المؤمنين برحمة الله لما استطاع أيّ منهم أن يتحمل ضغط المسؤولية على قلبه.

والقرآن الحكيم يؤكد ـ المرة تلو الأخرى ـ على عدم وجود أيّ شيء أو شخص يمكنه أن يقف أمام قدرة الله ، وذلك لكي يواجه الإنسان ربه عاريا عن كلّ التبريرات والحجج الواهية ، وبالتالي يصبح جديا في حياته ، ويترك اللهو واللعب ، ومن ثمّ يتحمل هذا الحمل العظيم وهو أمانة المسؤولية التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا.

٢٩٢

وتؤكد هذه الآية إن الإله الحقيقي هو الذي يستطيع أن يحيى الأموات ، فهل هذه الآلهة المزعومة تستطيع ذلك؟ أم هل يقدر أحد أن يدعي ذلك؟ كلا بل تراهم يعترفون في لحظات الحاجة ، عن مدى ضعفهم واستكانتهم ، حتى إن نمرود الذي ادعى ـ مرة ـ إنه يحيى ويميت ، انهار عند ما رأى النيران الملتهبة ـ التي عمل جلاوزته المستحيل من أجل تأجيجها وتهيئتها لحرق شخص واحد ـ قد خمدت وتحولت الى برد وسلام على إبراهيم ، فقال : من أراد أن يتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم ، وكذلك بهت حينما حاجّ إبراهيم في ربّه ، وذلك عند ما قال له : إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأت به من المغرب.

كلّ شيء في السماء والأرض من أصغر شيء الى أكبر شيء ، دليل على وحدة الربوبية في الوجود ، حيث إن الانسجام والتناغم الدقيق الذي نراه فيما بين الأنظمة المختلفة التي تحكم الكون دليل وجود مدبر له ، فالنظام الذي يدير أضخم المجرات هو نفس النظام الذي يدير الذرة الصغيرة المتواضعة.

يقول الامام عليّ (ع) : «ما دلّتك الدلالة إلّا على إنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة» ، بلى لأن النظام الذي يحكم الدورة الحياتية في جسد النملة هو نفس النظام الذي يحكم انتقال الماء والهواء والأملاح في هيكل النخلة.

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ)

وهكذا تبيّن هذه الآية فكرة وحدانية الله سبحانه وتعالى ، في حياتنا العملية وقد سبق أن قلنا : إنّ توحيد الله سبحانه وتعالى ، توحيدا حقيقيا هو أحد أبرز العوامل التي تساعد الإنسان على تحمّل المسؤولية في الحياة ، وهو ما تسعى الى ترسيخه سورة الأنبياء ، كما إن الاعتقاد بآلهة من دون الله هو أحد أبرز التبريرات التي تحول دون

٢٩٣

تحمّل المسؤولية.

[٢٢] (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)

لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى ، إذا لاضطرب النظام فيهما ، لأنّ تعدد السلطة يسبب فساد المملكة واختلال أمورها ، جاء في حديث نجده في كتاب التوحيد باسناده إلى هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله (ع) وكان من قول أبي عبد الله له : «لا يخلو قولك : إنّما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويين فلم لا يدفع واحد منهما صاحبه وينفرد بالتدبير ، وإن زعمت إن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت إنّه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني ، وإن قلت : إنّهما اثنان لا يخلو من أن يكونا متفقين من كلّ جهة أو متفرقين من كلّ جهة ، فلما رأينا الخلق منتظما ، والفلك جاريا ، واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر دلّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر إنّ المدبر واحد ، ثمّ يلزمك إن ادّعيت إثنين فلا بدّ من فرجة بينهما حتى يكونا إثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما ، فليزمك ثلاثة ، فان ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهما فرجتان فيكون خمسا ، ثمّ يتناهى في العدد الى ما لا نهاية في الكثرة» (١)

هذا من الناحية العقلية ، أما من الناحية النفسية فان فكرة تعدد الآلهة جاءت لتعكس حالة التبرير والصراع عند البشر ، ذلك إن الأساطير التي تتحدث عن تعدد الآلهة وإن كانت خرافة وبعيدة عن الحقّ والحقيقة إلّا إنّها تمثل انعكاسا لنفسية واضعيها والمعتقدين بها ، لذلك فباستطاعتنا أن نكتشف من خلالها طبيعة البشر عبر

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٤١٧ ـ ٤١٨.

٢٩٤

الأزمنة المختلفة ، ونصل الى قناعة بأنّه وإن تغيرت صورة الإنسان وأشكال حياته فان طبيعته لم ولن تتغير.

والأساطير دائما تقصّ علينا قصص الآلهة المزعومة وهي تقاتل بعضها أو لا أقل تتنافس مع بعضها في السلطة وتقرّ بأن كلّ إله له تفكير وإرادة يختلف تماما عن شركائه الآخرين.

مثلا يزعم المجوس وجود إلهين كبيرين هما : (أهور مردا) إله الخير و (أهريمن) إله الشر ، (أهريمن) هذا خلق الشر ، فخلق (أهور مردا) الخير مضادا له ، والصراع قائما بينهما. وفي بعض المذاهب المسيحية المنحرفة نرى هذه الأسطورة أيضا ، وهي إنّ الأب يريد أن يعذب الناس ، فيأتي الابن ويشفع لهم رغما عن أبيه!

وفي الأساطير اليونانية القديمة كثيرا ما نقرأ عن معارك طاحنة تجري بين الآلهة في السماء. ومن هنا نعرف إنّ فكرة تعدد الآلهة نابغة من حالة الفرار عن المسؤولية والبحث عن ملجأ موهوم يخلص الفرد من ثقل الجزاء ، وإن الزعم بتعدد الآلهة يعكس حالة الصراع الداخلي بين الشهوات والعقل ويأتي لتبرير الشهوات التي تأمر بها النفس الأمارة أمام العقل الناهي عنها أو النفس اللوامة.

إنّ كلّ ذلك دليل على إنّه إذا كان الآلهة متسالمين مع بعضهم البعض إذا لم تكن هذه الحاجة المزعومة الى الآلهة المتعددة ، لان احتياج الإنسان المزعوم للاعتقاد بتعدد الآلهة ينعدم آنئذ.

لذلك نرى القرآن الحكيم يبيّن بأن فكرة تعدد الآلهة المنعكسة عن تناقض الذات ، والتي تعتقد بأن في السماوات والأرضين آلهة متصارعة إنّما هي فكرة خاطئة لأن وجود سلطات متصارعة في الكون يؤدي لفساده واختلال نظام

٢٩٥

الموجودات.

(فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)

رب العرش رمز لإله السماوات والأرض وكلّ شيء ، والعرش يعني القدرة والهيمنة ، وليس هو مكان يجلس عليه ربنا سبحانه وتعالى ، ولعلّ هذه الخاتمة البليغة توحي بأن عدم معرفة الله هو السبب لتصور شريك له ، إذ أن الزعم بوجود شريك للرب دليل على جهل صاحبه بأن الله سبحانه هو الملك الجبار الذي لا يغلب سلطانه ، ولا يمكن الفرار من حكومته.

[٢٣] ودليل قدرة الله المطلقة وسلطانه الشامل العظيم إنّه فوق السؤال ، وإنّه لا أحد يخرج عن إطار المسؤولية أمامه :

(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)

[٢٤] (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ)

كما إننا نأتي بالبرهان والدليل على ألوهية الله ، فعليكم أيها المشركون أن تأتوا ببرهان ودليل على ألوهية آلهتكم. وإنّ هذه الآية توحي بفكرة هامة وهي : إن الذين يدعون وجود إله غير الله سبحانه وتعالى ، إنّما يزعمون ذلك انطلاقا من أهواء نفسية يبررون بها عدم التزامهم بمسؤولياتهم أمام الله ، فاذا طالبتهم ببرهان عقلي أو حجة منطقية فسيعجزون عن ذلك وتتبخر دعاويهم ، حيث لا تصمد ظلمات أنفسهم أمام وهج الحقيقة.

(هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي)

٢٩٦

هذه ليست فكرة جديدة موضوعة في رسالة السماء ، فكلّ الرسالات الالهية تؤكد على وحدانية الله.

ومن عوامل الضلالة النفسية ، إحساس الإنسان بضرورة التوافق الاجتماعي ، والقرآن الحكيم يذكرنا هنا ـ وفي آيات عديدة ـ بأنّ كثرة الضالين ليست دليل صدقهم ، بل الحقّ المدعم بالبرهان العلمي هو المقياس ..

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ)

[٢٥] وإذا كان الناس في بلد (مثل مكة يوم نزلت فيها هذه الآيات) يشركون بالله ، فان هؤلاء هم خط الضلالة ، وفي مقابلهم صراط الهدى أقدر وأعمق جذورا.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)

إن رسالات الله لا تختلف في فكرة التوحيد ، وما نراه في بعض الديانات من تعدد الآلهة إنّما هو نتيجة التشويه ، والتحريف الذي طرأ عليها ، وإلّا فان اليهودية الحقيقية والمسيحية الأصلية وكلّ ما سبقها من الديانات إنّما هي كالإسلام تدعو الى توحيد الله ، وعدم عبادة غيره بأيّ حال من الأحوال ، وبأيّة صورة من الصور ، وسواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

شفاعة الرسل :

[٢٦] (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)

هناك أناس طيبون صالحون ، ولكن هؤلاء ليسوا أولادا لله ، إنّما هم عباد الله ، وإن صفتهم الوحيدة هي صفة الكرامة من الله ، فلا تتصور ـ أيها الإنسان! ـ أن

٢٩٧

يأتي أحد من هؤلاء يوم القيامة لينقذك من عذاب الله إذا كنت أسخطته في حياتك.

[٢٧] (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)

عباد الله لا يقولون الكلام الذي لا يقوله الله ، فهم امتداد لرسالة الله وسلطته لذلك فإنهم لا يشكلون تناقضا مع ألوهية الله وسلطته المطلقة.

[٢٨] (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)

في بعض الحكومات الفاسدة ، تفرض السلطة قانونا ما ، ولكن أيّ متلاعب يستطيع خرق هذا القانون بأن يضع مبلغا من المال في يد أحد المسؤولين ، فيساعده على مخالفة هذا القانون والالتفات حوله.

ولكنّ الإنسان لا يستطيع أن يفعل مثل ذلك أمام الله وسننه ، فملائكة الله وعباده المكرمون لا يأخذون الرشوة ، ولا يحاولون أن يفعلوا أيّ شيء خارج نطاق مشيئة الله سبحانه.

(وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)

الرسل والملائكة هم بدورهم يخافون الله ، ويعرفون إنه محيط بهم فكيف يشفعون لأحد ويدخلونه الجنّة من دون أمر الله وعلمه؟!

جاء حديث مأثور عن النبي (ص) في ذكر ما رأى في المعراج وفيه قال (ص) :

«ثمّ أمررنا بملائكة من ملائكة الله عزّ وجل خلقهم الله كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبح الله ويحمده

٢٩٨

من كلّ ناحية بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله ، فسألت جبرئيل عنهم فقال : كما ترى خلقوا ، إن الملك منهم الى جنب صاحبه ، ما كلمه قط ، ولا رفعوا رؤوسهم الى ما فوقها ، ولا خفضوها الى ما تحتها ، خوفا وخشوعا ، فسلمت عليهم فردوا عليّ إيماء برؤوسهم ولا ينظرون إليّ من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة أرسله الله الى العباد رسولا ونبيا ، وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلموه؟ قال : فلما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشروني بالخير ليّ ولأمتي» (١)

إذا لتسقط كلّ التبريرات السخيفة التي يحاول بها الإنسان تبرير تنصله من مسئوليات أفعاله في الدنيا ، وليبقى عاريا أمام أعماله ، وآنئذ فقط يصلح عمله وتزكو نفسه.

[٢٩] إن أولئك الذين لهم ميزة في الحياة من عباد الله الصالحين ، إنّما هم مكرمون بعبادتهم لله وخضوعهم لحاكميته المطلقة ، ولو قال أحد منهم بأنّي إله من دون الله للقي مصير الظالمين.

(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)

فلا يمكن إذن أن نتوسل بآلهة أخرى لتنقذنا من عذاب الله ، وهكذا يهدم القرآن فكرة الأصنام التي يتشبث بها الإنسان لكي يبعد نفسه عن المسؤولية ومن ثمّ الجزاء.

__________________

(١) نور الثقلين / ج ٣ ـ ص ٤١٧.

٢٩٩

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً

______________________

٣١ [فجاجا] : الفجاج جمع فج ، وهو الطريق الواسع بين جبلين

٣٠٠