شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

العرب تجعل المطلوب للمتقدّم منهما ، فغير مسلّم على الإطلاق بل لا يخلو أن يكونا عاملين ، أو غير عاملين ، أو كان أحدهما عاملا والآخر ليس كذلك ، فربما يكون الأمر على ما ذكروا. وأما إذا اجتمع طالبان عاملان فإنّ المعمول للمتأخر منهما ، نحو : «إن لم يقم زيد قام عمرو» ، فـ «يقم» تقدّمه عاملان : «إن» و «لم» ، والذي يعمل فيه إنّما هو المتأخر ، وهو «لم» بدليل أنّ أداة الشرط إذا جزمت فعل الشرط فإنّه يقبح استعمال الجواب غير مجزوم في اللفظ ، بل لا يوجد ذلك إلّا في ضرورة شعر ، وذلك نحو قوله [من الخفيف] :

٤٣٧ ـ من يكدني بسيّىء كنت منه

كالشجا بين حلقه والوريد

فلو كان «يقوم» من : «إن لم يقم زيد قام عمرو» ، مجزوما بـ «أن» لوجب أن لا يجوز في الجواب فعل ماض إلّا في الشعر أو في نادر الكلام ، وكونه من كلام العرب الفصيح دليل على أن الجازم لم دون «إن» لمجاورتها له ، بل إذا كانوا قد لحظوا المجاورة مع فساد المعنى في مثل قولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» ، فجرّوا «خربا» على أنّه صفة لـ «ضبّ» مع أنّ «الخرب» في الحقيقة إنّما هو «الجحر» ، فالأحرى أن يلحظوا المجاورة مع صلاح المعنى.

__________________

٤٣٧ ـ التخريج : البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٥٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٧٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٢٧ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١٠٥ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٥ ؛ والمقتضب ٢ / ٥٩ ؛ والمقرب ١ / ٢٧٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٦٨.

اللغة : الشجا : ما اعترض في حلق الإنسان من عظم ونحوه.

الإعراب : «من» : اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يكدني» : فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «بسيّىء» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يكد». «كنت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «كان» ، وهو جواب الشرط. «منه» : جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «كالشجا» : جار ومجرور متعلّقان بخبر «كان» المحذوف. «بين» : ظرف مكان متعلّق بخبر «كان» المحذوف ، وهو مضاف. «حلقه» : مضاف إليه ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «والوريد» : الواو حرف عطف ، «الوريد» : معطوف على «حلقه» مجرور بالكسرة.

وجملة : «من يكدني ...» الشرطية ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «كنت ...» لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء. وجملتا فعل الشرط وجوابه : في محل رفع خبر «من».

الشاهد فيه قوله : «من يكدني كنت ...» حيث جزم بـ «من» فعلا مضارعا «يكد» وهو فعل الشرط ، وجاء جوابه غير مجزوم في اللفظ لأنه فعل ماض «كنت».

٨١

وأما ما يؤدّي إليه إعمال الثاني في بعض المسائل من الإضمار قبل الذكر على مذهبنا ، وهو الصحيح على ما يبين بعد إن شاء الله تعالى ، ففي مقابلته ما يؤدّي إليه إعمال الأول من الفصل بين العامل والمعمول بجملة أجنبية في جميع المسائل ، وذلك لا يجوز في باب من الأبواب إلّا في هذا الباب لتداخل الجملتين ، واشتراكهما في المعمول.

فما يؤدي في بعض المسائل إلى ما يجوز في قليل من كلام العرب أولى مما يؤدي في جميع المسائل إلى ما لا يجوز في باب من الأبواب إلّا في هذا الباب خاصة. وأيضا فإنّ أكثر السماع إنّما ورد بإعمال الثاني ، وعليه نزل القرآن. قال الله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(١). فـ «قطرا» منصوب بـ «أفرغ» ، فلو كان منصوبا بـ «آتوني» لكان : أفرغه عليه ، وقال الله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٢). فـ «كتابيه» منصوب بـ «اقرأوا» ولو كان منصوبا بـ «هاؤم» لكان : اقرأوه كتابيه.

فثبت بما ذكرنا أنّ الاختيار إعمال الثاني وأنّ إعمال الأول جائز ، ومنه قول الشاعر [من الوافر] :

٤٣٨ ـ ولم أمدح لأرضيه بشعري

لئيما أن يكون أفاد مالا

__________________

(١) الكهف : ٩٦.

(٢) الحاقة : ١٩.

٤٣٨ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٥٣٤.

المعنى : لم أمدح لئيما لأجعله يرضى عنّي ، ويقدّم لي أمواله.

الإعراب : ولم : «الواو» : حسب ما قبلها ، «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. أمدح : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). لأرضيه : «اللام» : حرف تعليل وجرّ ، «أرضي» : فعل مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد (اللام) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (أرضي) مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أمدح) ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). بشعري : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلّقان بـ (أرضيه) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لئيما : مفعول به منصوب بالفتحة. أن : حرف مصدرية ونصب. يكون : فعل مضارع ناقص منصوب بالفتحة ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). أفاد : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). مالا : مفعول به منصوب بالفتحة ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (يكون) مجرور بجار مقدر والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أرضي).

وجملة «ولم أمدح لئيما» : حسب ما قبلها ، أو ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أرضيه» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «يكون أفاد مالا» : صلة الموصول الحرفي أيضا. وجملة «أفاد» : في محلّ نصب خبر (يكون).

٨٢

فـ «لئيما» منصوب بـ «أمدح» بدليل الإضمار في قوله : «لأرضيه».

وكذلك قول الآخر [من الطويل] :

٤٣٩ ـ قطوب فما تلقاه إلّا كأنّما

زوى وجهه أن لاكه فوه حنظل

فأعمل في «حنظل» «زوى» ، ولذلك رفعه وأضمر لـ «لاكه» مفعوله.

فإذن ثبت أنّه يجوز إعمال الأول والثاني في هذا الباب ، وإن كان الاختيار إعمال الثاني كما تقدّم.

فينبغي أن يبيّن كيفيّة كلّ واحد منهما ، فأقول والله الموفّق للصواب بمنّه : لا يخلو أن تعمل في هذا الباب الأول أو الثاني ، فإن أعملت الأول أضمرت في الثاني كلّ ما يحتاج إليه

__________________

والشاهد فيه قوله : «ولم أمدح لأرضيه بشعري لئيما» حيث تأخر المعمول (لئيما) وتقدّم عاملان (الفعلان قبله) ، فأعمل الأوّل.

٤٣٩ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : القطوب : من ضمّ ما بين عينيه غضبا ، أو لشدّة تفكيره. زوى : جمع وقبض. لاكه : مضغه أو علكه. الحنظل : نبات مرّ الطعم.

المعنى : إنه عابس مهموم ، كلّما نظرت إليه اعتقدت أنّ الحنظل قد ضمّ وجمع له وجهه ، بسبب مضغه لهذا الحنظل.

الإعراب : قطوب : خبر لمبتدأ محذوف ، مرفوع بالضمّة ، بتقدير : (هو قطوب). فما : «الفاء» : حرف استئناف ، «ما» : حرف نفي. تلقاه : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). إلا : حرف حصر. كأنما : كافّة ومكفوفة. زوى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. وجهه : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أن : حرف مصدري وناصب. لاكه : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. فوه : فاعل (لاك) مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. حنظل : فاعل (زوى) مرفوع بالضمّة ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (لاك) مجرور بجار مقدر ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (زوى).

وجملة «هو قطوب» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فما تلقاه» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «زوى حنظل وجهه» : في محلّ نصب حال. وجملة «لاكه» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «زوى وجهه أن لاكه فوه حنظل» حيث تأخّر المعمول (حنظل) ، وتقدّمه معمولان (الفعلان قبله) ، الأول يطلبه فاعلا ، والثاني يلطبه مفعولا ، فأعمل الأوّل.

٨٣

من مرفوع أو منصوب أو مخفوض. هذا هو الاختيار عندنا.

وقد يجوز لك أن تحذف معمول الثاني إذا لم يكن مرفوعا في ضرورة شعر كقوله [من مجزوء الكامل] :

٤٤٠ ـ بعكاظ يعشي النّاظري

ن إذا هم لمحوا شعاعه

فشعاعه فاعل بيعشي ، ومفعول لمحوا محذوف تقديره : إذا هم لمحوه.

وإن أعملت الثاني فلا يخلو الأول من أن يحتاج إلى مرفوع أو منصوب أو مخفوض فإن احتاج إلى غير مرفوع فلا يخلو أن يكون مما يجوز حذفه أو لا يكون. فإن كان مما يجوز حذفه حذفته وذلك نحو : ضربت وضربني زيد ، ولا يجوز إضماره قبل الذكر فتقول

__________________

٤٤٠ ـ التخريج : البيت لعاتكة بنت عبد المطلب في الدرر ٥ / ٣١٥ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٢٠ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٤٣ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٤ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ١٩٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٠٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٨٠ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦١١ ؛ والمقرب ١ / ٢٥١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٠٩. وقبله قولها :

سائل بنا في قومنا

وليكف من شرّ سماعه

قيسا وما جمعوا لنا

في مجمع باق شناعه

اللغة والمعنى : عكاظ : سوق تجتمع فيه القبائل العربيّة فيتفاخرون ويتناشدون الشعر ويتبايعون ، وهو بين الطائف ونخلة. يعشي : يضعف البصر. لمحوا : نظروا بسرعة. شعاعه : هنا لمعانه.

تقول : إذا نظر القوم إلى سلاح قومي بعكاظ لزاغ بصرهم من شدّة لمعانه.

الإعراب : بعكاظ : جار ومجرور متعلّقان بقولها «جمعوا» الذي في البيت الذي قبل بيت الشاهد. يعشي : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل. الناظرين : مفعول به منصوب بالياء لأنّه جمع مذكر سالم. إذا : ظرف يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. هم : ضمير منفصل في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده ، أو توكيد للضمير المتّصل بالفعل المقدّر «لمحوا» الذي يفسّره ما بعده. لمحوا : فعل ماض ، والواو : فاعل. شعاعه : فاعل «يعشي» مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء : في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة (يعشي الناظرين) الفعليّة في محل نصب حال من اسم الموصول «ما» في البيت السابق. وجملة (هم لمحوا) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (... لمحوا) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها تفسيريّة.

والشاهد فيه قوله : «يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه» حيث تنازع الفعلان «يعشي» و «لمحوا» معمولا واحدا هو قوله : «شعاعه» ، فأعمل الشاعر العامل الأوّل ، فجعل «شغاعه» فاعلا ، وأعمل العامل الثاني في ضميره ، ثمّ حذف هذا الضمير ضرورة ، والتقدير : «يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه» ، وهذا التقدير شاذّ لأنّ فيه تهيئة العامل للعمل ثمّ حذفه بلا سبب.

٨٤

ضربته وضربني زيد إلّا في ضرورة شعر وذلك نحو قول الشاعر [من مجزوء الرمل] :

٤٤١ ـ علّموني كيف أبكي

هم إذا خفّ القطين

فأعمل في «القطين» «خفّ» وأضمر لـ «أبكي» مفعوله قبل الذكر من غير ضرورة دعت لذلك إذ قد يجوز له حذفه.

فإن كان المنصوب لا يجوز حذفه أصلا ، وذلك كأحد مفعولي «ظننت» وبابه ، ففيه للنحويين ثلاثة مذاهب ، منهم من قال : أضمره قبل الذكر. ومنهم من قال : أضمره وأؤخره وأفرّق بينه وبين الفاعل في ذلك ، كأن الفاعل إذا أضمر كان مع الفعل كالشيء الواحد ، ولذلك يسكّن له آخر الفعل في نحو : «أكرمت» و «ضربت» ، فلم يجز تأخّره لذلك لئلّا يفصل بينه وبين ما يعمل فيه بجملة وهو العامل الثاني ، وأما المفعول فجاز تأخيره لأنّه ليس مع الفعل كالشيء الواحد ، ولذلك لم يسكّنوا له آخر الفعل.

ومنهم من ذهب إلى أنّه يحذف إذ الحذف في هذا الباب إنما هو حذف اختصار ، لأنّه حذف لفهم المعنى ، وحذف الاختصار في باب «ظننت» قد تقدم الدليل على أنّه يجوز.

وهو أصحّ المذاهب ، إذ الإضمار قبل الذكر ، والفصل بين العامل والمعمول لم تدع إليهما ضرورة ، وذلك نحو : «ظنني وظننت زيدا قائما» ، فعلى المذهب الأول تقول : «ظنّنيه وظننت زيدا قائما» ، وعلى الثاني : «ظنّني وظننته زيدا قائما إيّاه» ، وعلى المذهب الثالث :

__________________

٤٤١ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : خفّ القوم : ارتحلوا مسرعين. القطين : أهل الدار ، للواحد والجمع.

المعنى : لقد علّموني كيف أبكي لفراقهم عند رحيلهم مسرعين.

الإعراب : علموني : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. كيف : اسم استفهام مبني على الفتح في محلّ نصب حال. أبكيهم : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متعلق بالفعل (أبكيهم). خفّ : فعل ماض مبني على الفتح. القطين : فاعل (خفّ) مرفوع بالضمّة.

وجملة «علموني» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أبكيهم» : في محلّ نصب مفعول به ثان لـ (علّم). وجملة «خفّ القطين» : في محلّ جرّ مضاف إليه.

والشاهد فيه قوله : «أبكيهم إذا خفّ القطين» حيث تأخر المعمول (القطين) وتقدّمه معمولان (أبكي) و (خفّ) ، فأعمل الثاني الذي يطلبه فاعلا ، وأوجد مفعولا به للأوّل (هم).

٨٥

«ظنّني وظننت زيدا قائما» ، وهو الأولى لما تقدم ، فإن احتاج الأول إلى مرفوع ففي المسألة ثلاثة مذاهب.

مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، الإضمار قبل الذكر ، ومذهب الكسائي حذفه فاعلا كان أو مشبّها بالفاعل ، ومذهب الفراء : أنّ كل مسألة يؤدّي فيها إعمال الثاني إلى الإضمار قبل الذكر على مذهبنا ، أو إلى حذف الفاعل على مذهب الكسائي ، فإنها لا تجوز ولا يوجد ذلك في كلام العرب ، فأما ما وجد من قولهم : «قام وقعد زيد» ، فإنّ «زيد» عنده مرتفع بالفعلين معا ، فلا يجوز عنده إعمال الثاني مع احتياج الأول إلى مرفوع إلّا أن يتساوى العاملان في الرفع ، فيكون الاسم مرفوعا بهما.

وهذا فاسد لأنّه قد تقرر أن كلّ عامل يحدث إعرابا ، وعلى مذهبه يكون العاملان لا يحدثان إلّا إعرابا واحدا. وهذا الذي قاله كسر لما اطرد في كلام العرب من أنه لا بدّ لكل عامل من إحداث إعراب ، وأيضا فالسماع يرد عليه ، ألا ترى قوله [من الطويل] :

٤٤٢ ـ وكمتا مدمّاة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

__________________

٤٤٢ ـ التخريج : البيت لطفيل الغنوي في ديوانه ص ٢٣ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٣ ؛ والرد على النحاة ص ٩٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٨٣ ؛ وشرح المفصل ١ / ٧٨ ؛ والكتاب ١ / ٧٧ ؛ ولسان العرب ٢ / ٨١ (كمت) ، ٤ / ٤١٣ (شعر) ، ١٤ / ٢٧٠ (دمي) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٢٤ ؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٥١٥ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٤٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٠٤ ؛ والمقتضب ٤ / ٧٥.

اللغة : كمتا : جمع أكمت وكميت وهو الذي يخالط حمرته سواد. مدماة : شديدة الحمرة كأنها مغطاة بالدم. متونها : ظهورها. المذهب : المموّه بالذهب. استشعرت : لبسته شعارا وهو ما يلي الجسد من الثياب.

المعنى : يصف خيلا بأنها ذات لون أحمر مائل إلى الذهبي بسبب انعكاس أشعة الشمس على عرقها.

الإعراب : «وكمتا» : «الواو» : عاطفة ، «كمتا» : اسم معطوف على «الخيل» في بيت سابق نصّه

جلبنا من الأعراف أعراف غمرة

وأعراف لبنى الخيل يا بعد مجلب

«مدماة» : صفة لـ «كمتا» منصوبة بالفتحة. «كأنّ» : حرف مشبّه بالفعل. «متونها» : اسم «كأن» منصوب بالفتحة ، و «ها» ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «جرى» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «فوقها» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «واستشعرت» : «الواو» : حرف استئناف ، «استشعرت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). «لون» : مفعول به منصوب بالفتحة. «مذهب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

٨٦

بنصب «لون» ، فأعمل الثاني وهو «استشعرت» مع احتياج الأول وهو «جرى» إلى مرفوع ، وليس العاملان متفقين في العمل ، فيعملهما في «لون» ، فلم يبق إلا مذهب سيبويه رحمه‌الله أو مذهب الكسائي.

أما مذهب الكسائي رحمه‌الله فاستدل على صحة مذهبه في حذف الفاعل بما ورد من قول الشاعر [من الطويل] :

٤٤٣ ـ فإن كان لا يرضيك حتى تردّني

إلى قطرى إلا إخالك راضيا

ففاعل يرضي محذوف. وهذا لا حجة فيه لاحتمال أن يكون أضمر لدلالة راضيا عليه كأنّه قال : لا يرضيك مرض ، ولأنّه قد غلم على من يعود كأنّه قال : لا يرضيك هو أي شيء.

وإنّما لم يجز حذف الفاعل لأنّه لا يخلو من أمرين : أحدهما أن يحذف حذف

__________________

وجملة «كأن متونها ...» : في محلّ نصب صفة لـ «كمتا». وجملة «جرى» : في محل رفع خبر «كأنّ». وجملة «استشعرت» : استئنافية لا محل لها.

الشاهد فيه قوله : «جرى واستشعرت لون» ، حيث تقدّم عاملان «جرى» و «استشعرت» ، وتأخر عنهما معمول واحد «لون» ، الأول يطلبه فاعلا ، والثاني يطلبه مفعولا ، وقد أعمل الثاني ..

٤٤٣ ـ التخريج : البيت لسوار بن المضرب في شرح التصريح ١ / ٢٧٢ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥١ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٤٧٩ ؛ والخصائص ٢ / ٤٣٣ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٦٩ ؛ وشرح المفصل ١ / ٨٠ ؛ والمحتسب ٢ / ١٩٢.

الإعراب : «فإن» : الفاء حرف استئناف ، و «إن» : حرف شرط جازم. «كان» : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر. «لا» : حرف نفي. «يرضيك» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدّرة على الياء للثقل. والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. «حتى» : حرف جرّ. «تردّني» : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت ، والنون حرف للوقاية ، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. والمصدر المؤول من «أن تردّني» في محلّ جرّ بحرف الجرّ ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «يرضيك». «إلى قطريّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تردني». «لا» : حرف نفي. «إخالك» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، وكسرت همزته على غير القياس ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به أوّل. و «راضيا» : مفعول به ثان منصوب.

وجملة «تردني» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة «لا يرضيك» في محل نصب خبر «كان» ، وجملة «لا إخالك راضيا» لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو إذا الفجائية. وجملة فعل الشرط وجوابه استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «فإن كان لا يرضيك» حيث جاء عاملان كلّ منهما يطلب معمولا مرفوعا ، فأضمر اسم «كان» وحذف فاعل «يرضيك» وهذا كما يرى الكسائي.

٨٧

اقتصار ، والآخر أن يحذف حذف اختصار.

أما الاقتصار فلا يتصوّر لأنّك لو قلت : «قام» ، ولم تذكر الفاعل ولا أردت أن تقدّره ، لكنت قد تكلمت بغير مفيد.

وأما حذف الاختصار فلا يتصور أيضا لأنّ العرب قد جعلته مع الفعل كالشيء الواحد ، لما ذكرنا من تسكين آخر الفعل له في مثل قولك : «أكرمت» و «ضربت».

فإن قيل : الدليل على صحة مذهب الكسائي قول الشاعر [من الكامل] :

٤٤٤ ـ لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا

حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم

فأعمل في الحطيم «حيّا» الثاني ، إذ لو أعمل الأول لأضمر في الثاني كل ما يحتاج إليه باتفاق كما تقدّم ، فكان يقول : «حيّيا» ، فلما أعمل الثاني قال : «حيّا» ، وحذف الفاعل ، وكذلك أيضا قول النابغة [من الطويل] :

٤٤٥ ـ تعفّق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذّت نبلهم وكليب

__________________

٤٤٤ ـ التخريج : البيت لابن أذينة في الأغاني ١ / ٢٧٣ ؛ وبلا نسبة في الأغاني ١ / ٢٦٩ ؛ والكامل ص ٣٨٦.

اللغة : الظعائن : جمع ظعينة وهي المرأة في هودجها. الحطيم : جدار الكعبة. زمزم : بئر بمكّة معروفة.

المعنى : لو كان قدّم تحيّاته لأحد قبلهنّ ، لحيّا الحطيم وزمزم وجوه المسافرات الجميلات.

الإعراب : لو : حرف امتناع لامتناع حرف شرط غير جازم. كان : فعل ماض ناقص ، و «اسمه» : ضمير مستتر تقديره (هو). حيّا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. قبلهن : ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالفعل (حيّا) ، و «هن» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. ظعائنا : مفعول به منصوب بالفتحة. حيّا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. الحطيم : فاعل مرفوع بالضمّة. وجوههن : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «هن» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وزمزم : «الواو» : حرف عطف ، «زمزم» : اسم معطوف على (الحطيم) مرفوع بالضمة.

وجملة «كان ...» : فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «حيّا ظعائنا قبلهنّ» : في محلّ نصب خبر (كان). وجملة «حيّا الحطيم» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «لو كان حيا .. حيا» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «حيّا قبلهنّ ظعائنا حيّا الحطيم» حيث تأخر المعمول (الحطيم) وتقدّم عاملان (فعلا «حيّا» الأول والثاني) ، فأعمل الثاني ، وحذف ضمير الفاعل من الأول.

٤٤٥ ـ التخريج : البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٣٨ ؛ والردّ على النحاة ص ٩٥ ؛ وشرح

٨٨

ولو أضمر الفاعل لقال : تعفّقوا ، على مذهب سيبويه رحمه‌الله من إعمال الثاني وكذلك قول الآخر [من الطويل] :

٤٤٦ ـوهليرجع التّسليم أويكشف العمى

ثلاث الأثافي والرّسوم البلاقع

__________________

التصريح ١ / ٣٢١ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٢٥٤ (عفق) ، ١٤ / ٣٥٣ (زبي) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١٥ ؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٣٥٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٣٦ ؛ وشرح الأشموني ص ٢٠٤ ؛ والمقرب ١ / ٢٥١.

شرح المفردات : تعفّق : لجأ واستتر. الأرطى : نوع من الشجر. بذّت : فاقت وغلبت. النبل : السهام. الكليب : جماعة من الكلاب.

المعنى : يقول واصفا البقرة الوحشية بقوله : إنّ الرجال والكلاب قد استتروا في شجر الأرطى لاصطياد البقرة الوحشيّة ، فاستطاعت بفضل سرعتها وقوّتها أن تنجو منهم ، فقد فاتت سهامهم وعجزت عن اللحاق بها كلابهم.

الإعراب : «تعفّق» : فعل ماض. «بالأرطى» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تعفق». «لها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تعفّق». «وأرادها» : الواو حرف عطف ، «أرادها» : فعل ماض ، و «ها» ضمير في محلّ نصب مفعول به. «رجال» : فاعل «أراد» مرفوع. «فبذّت» : الفاء حرف استئناف ، «بذّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». «نبلهم» : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، «هم» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وكليب» : الواو حرف عطف ، «كليب» : معطوف على «رجال» مرفوع بالضمّة.

وجملة : «تعفّق» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أرادها» معطوفة على جملة «تعفّق». وجملة «بذت ...» استئنافية لا محل لها.

الشاهد فيه قوله : «تعفّق ... وأرادها رجال» حيث أعمل عاملين هما : «تعفّق» و «أرادها» في معمول واحد «رجال» ، فأعمل الثاني في المعمول ، وحذف ضمير «الرجال» من «تعفّق» ، ولو أظهره لقال : «تعفّقوا وأرادها رجال».

٤٤٦ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٢٧٤ ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ١٢٢ ، ٢٨٠ ؛ وإصلاح المنطق ص ٣٠٣ ؛ وجواهر الأدب ص ٣١٧ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٢١٣ ؛ والدرر ٦ / ٢٠١ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٠٨ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٢٢ ؛ ولسان العرب ٦ / ٦٧ (خمس) ؛ ومجالس ثعلب ص ٢٧٥ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٥٨ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٤٤ ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٦ ، ٤ / ١٤٤ ؛ والمنصف ١ / ٦٤ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٠.

اللغة : يرجع : يعيد. الأثافي : حجارة الموقد ، وهي ثلاثة. البلاقع : ج البلقع ، وهو المكان الخالي من الإنس.

المعنى : يتساءل الشاعر عمّا إذا كانت ثلاث الأثافي تردّ السّلام ، أو تكشف المشقّة والتعب.

الإعراب : وهل : «الواو» : بحسب ما قبلها ، و «هل» : حرف استفهام. يرجع : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. التسليم : مفعول به. أو : حرف عطف. يكشف : فعل مضارع مرفوع بالضمة. العمى : مفعول به

٨٩

ولو أضمر فاعل الفعل الأول لقال : أو يكشفن ، إذ الفرق بين مذهب سيبويه رحمه‌الله ومذهب الكسائي إنّما يظهر بالتثنية والجمع ، فيبرز الضمير فيهما على مذهب سيبويه رحمه‌الله ، وأما على مذهب الكسائي فالإفراد والتثنية والجمع بمنزلة واحدة لحذف الفاعل.

فالجواب : إنّ الذي يدلّ على صحة مذهب سيبويه أنّه قد حكي من كلام العرب : «ضربوني وضربت قومك» ، و «ضرباني وضربت الزيدين» ، وهذا لا يخرّج إلا على مذهب سيبويه رحمه‌الله.

وأما هذه الأبيات فقد تتخرّج على أن يكون الضمير فيها عائدا على الجمع أو التثنية بلفظ المفرد ، فاستتر كما يستتر في حال الإفراد ، والدليل من كلام العرب على جواز عود الضمير على المثنى والمجموع على حد عوده على المفرد ما حكي من كلام العرب : «هو أحسن الفتيان وأجمله ، وأحسن بني أبيه وأنبله» ، وقد كان ينبغي أن يقول : «وأجملهم» ، و «أنبلهم» ، فأجرى ذلك مجرى المفرد.

ومنه قوله تبارك وتعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(١) ولم يقل : في بطونها ، وكذلك أنشدوا قول الشاعر [من الكامل] :

٤٤٧ ـ ألبان إبل تعلّة بن مسافر

ما دام يملكها عليّ حرام

__________________

منصوب بالفتحة. ثلاث : فاعل مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف. الأثافي : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والرسوم : «الواو» : حرف عطف ، «الرسوم» : معطوف على «ثلاث» مرفوع بالضمّة. البلاقع : نعت «الرسوم» مرفوع.

وجملة «هل يرجع ... بحسب ما قبلها. وجملة «يكشف» : معطوفة على سابقتها.

الشاهد فيه قوله : «يرجع ... أو يكشف ...» حيث أعمل عاملين هما «يرجع» و «يكشف» في معمول واحد هو «ثلاث الأثافي» فأعمل الثاني في المعمول ، وحذف الضمير من الأول ، ولو أضمره لقال : «أو يكشفن».

(١) النحل : ٦٦.

٤٤٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٤٧٢ (علل) ؛ وتاج العروس (أبل) ، (علل).

الإعراب : ألبان : مبتدأ مرفوع بالضمّة وهو مضاف. إبل : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. تعلّة : مضاف إليه مجرور بالفتحة. ابن : نعت مجرور بالكسرة ، وهو مضاف. مسافر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ما : حرف مصدريّ. دام : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : (هو). يملكها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : (هو) ، و «ها» : ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به. والمصدر المؤول من «ما دام يملكها» في محل

٩٠

وطعام عمران بن أوفى مثله

ما دام يسلك في البطون طعام

فقال : «مثله» ، ولم يقل مثلها. وكذلك قول الآخر [من الرجز] :

٤٤٨ ـ مثل القطا قد نتقت حواصله

ولم يقل : «حواصلها» ، وكذلك أيضا أنشدوا قوله [من الرجز] :

٤٤٩ ـ فيها خطوط من سواد وبلق

كأنّه في الجلد توليع الوهق

__________________

نصب مفعول فيه. «علي» : جار ومجرور متعلقان بالخبر «حرام». حرام : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وطعام : «الواو» : حرف عطف ، «طعام» : مبتدأ ، وهو مضاف. «عمران» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. ابن : نعت مجرور بالكسرة ، وهو مضاف. أوفى : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. مثله : خبر مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. ما : حرف مصدري. دام : فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : (هو). يسلك : فعل مضارع للمجهول مرفوع بالضمة. في البطون : جار ومجرور متعلقان بـ «يسلك». طعام : نائب فاعل مرفوع بالضمة.

والمصدر المؤول من «ما دام» في محل نصب مفعول فيه ، متعلق بـ (مثله) لما فيه من معنى التشبيه.

وجملة «ألبان .. حرام» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب ، وجملة «وطعام عمران ... مثله» : معطوفة عليها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يسلك في محل نصب خبر «دام» ، وكذلك جملة «يملكها» ، وجملة «دام مع معموليها» فيما تقدم صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيهما قوله : «مثله» حيث أعاد الضمير مفردا على الجمع «ألبان إبل».

٤٤٨ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٢٠٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٤٧ ؛ والمحتسب ٢ / ١٥٣ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٢٥.

اللغة : القطا : طائر يشبه الحمام. نتقت : سمنت. الحواصل للطير : كالمعدة للبشر.

المعنى : إنها تشبه طيور القطا وقد سمنت وظهرت حواصلها.

الإعراب : مثل : خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره (هي). القطا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. قد : حرف تحقيق وتقريب. نتقت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. حواصله : فاعل مرفوع بالضمة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «هي مثل» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «نتقت حواصله» : حالية محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «مثل القطا قد نتقت حواصله» حيث أعاد الضمير في (حواصله) مفردا على الجمع (القطا).

٤٤٩ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٠٤ ؛ وأساس البلاغة (ولع) ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ٦٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ٥٣ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٨٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ؛ ولسان العرب ٨ / ٤١١ (ولع) ، ١٠ / ٢٩ (بهق) ؛ والمحتسب ٢ / ١٥٤ ؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٥٥.

٩١

ولم يقل «كأنّها». ومنه الأثر : «خير النساء صوالح نساء قريش ، أحناه على ولده وأرعاه على زوجه في ذات يده». ولم يقل : «أحناهنّ» ، ولا «أرعاهنّ».

ومثال عوده مفردا على المثنّى قول الشاعر [من الكامل] :

فكأنّ في العينين حبّ قرنفل

أو سنبلا كحلت به فانهلّت (١)

ولم يقل : كحلتا به. وكذلك أنشدوا أيضا قول النابغة الجعدي [من الهزج] :

لمن زحلوقة زلّ

بها العينان تنهلّ (٢)

ولم يقل : تنهلان ، وكذلك قول الآخر [من الوافر] :

ولو رضيت يداي بها وضنّت

لكان عليّ للقدر الخيار (٣)

ولم يقل : وضنّتا.

فتخرّج الأبيات على هذا ، وأمثال ذلك قليل ، بل الفصيح من كلامهم : «ضربوني وضربت قومك».

__________________

اللغة : فيها : الضمير يعود إلى الحمر الوحشية. البلق : سواد مع بياض. البهق : بياض في الجلد. التوليع : استطالة البهق.

المعنى : يقول في أجسام هذه الحمر الوحشية خطوط مختلفة من سواد حالك ، فخطوط سود في بياض ، كأن الخطوط الموجودة في أجسامها استطالة بياض في الجلد.

الإعراب : «فيها» : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم. خطوط : مبتدأ مرفوع مؤخر. من سواد : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع صفة للخطوط. وبلق : «الواو» : حرف عطف ، «بلق» : اسم معطوف على سواد مجرور مثله وسكّن للضرورة. كأنه : «كأن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب اسم كأن. في الجلد : جار ومجرور متعلقان بحال من (توليع). توليع : خبر كأن مرفوع بالضمة. البهق : مضاف إليه مجرور بالكسرة وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «فيها خطوط» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «كأنه توليع» : في محل رفع صفة ثانية لخطوط.

والشاهد فيه قوله : (كأنه) حيث ذكّر الضمير مع كونه عائدا على (خطوط) فحقه التأنيث.

(١) تقدم بالرقم ١٧٩.

(٢) تقدم بالرقم ١٧٨.

(٣) تقدم بالرقم ١٧٧.

٩٢

[٢ ـ عود الضمير على اللفظ] :

وقد يعود الضمير في هذا الباب على اللفظ لا على المعنى ، وذلك نحو : «ظننت وظننت زيدا قائما» ، المعنى : وظنني قائما ، فعاد الضمير على «قائم» الأول لفظا لا معنى ، ألا ترى أنّه لا يريد : وظنّني ذلك القائم المذكور ، لأنّ القائم المذكور هو زيد ، فلو كان الضمير عائدا عليه لفظا ومعنى لكان المعنى : وظنّني زيد نفسه ، وذلك لا يتصوّر.

ولما خفي هذا الوجه عن أبي الحسن بن الطراوة منع هذه المسألة لفساد معناها ، والدليل على أنّ الضمير يعود على الظاهر في اللفظ لا في المعنى قول الشاعر [من الطويل] :

٤٥٠ ـ أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم

ونحن خلعنا قيده فهو سارب

أراد : ونحن خلعنا فحلنا فهو سارب ، فعاد الضمير على «الفحل» المتقدم الذكر

__________________

٤٥٠ ـ التخريج : البيت للأخنس بن شهاب التغلبي في شعراء النصرانية ص ١٨٧ ؛ ولسان العرب ١ / ٤٦٢ (سرب) ؛ وتاج العروس ٣ / ٥٣ (سرب) ؛ وتهذيب اللغة ١٢ / ٤١٤ ؛ وجمهرة اللغة ص ٣٠٩ ؛ والتنبيه والإيضاح ١ / ٩٤ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٨ / ٧٦ (خلع) ؛ وكتاب العين ١ / ١١٨ ؛ وتاج العروس ٢٠ / ٥٢٦ (خلع).

اللغة : قاربوا : أدنوا ، جعلوه قريبا منهم. السارب : المتروك للرعي.

المعنى : أرى الأقوام حريصة على فحولها ، فهي تقيدها بأماكن قريبة منها ، بينما نطلق فحلنا يرعى كيف شاء ، لا نخاف عليه أحدا ، لأننا أقوياء.

الإعراب : أرى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). كل : مفعول به منصوب بالفتحة. قوم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قاربوا : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» ؛ للتفريق. قيد : مفعول به منصوب بالفتحة. فحلهم : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ونحن : «الواو» : حالية ، «نحن» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. خلعنا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. قيده : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. فهو : «الفاء» : للاستئناف ، «هو» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. سارب : خبر (هو) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أرى» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «قاربوا» : في محلّ نصب حال. وجملة «نحن خلعنا» : في محلّ نصب حال. وجملة «خلعنا» : في محلّ رفع خبر (نحن). وجملة «هو سارب» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «خلعنا قيده» حيث عاد الضمير (الهاء) على (فحلهم) ، وهو غير المطلوب حقيقة.

٩٣

والمراد إنّما هو غيره. ومنه قول النابغة [من البسيط] :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد (١)

أراد : ونصف حمام آخر مثل هذا الحمام ، لأنّه قد كان تمنى الحمام كله ، فمحال أن يتمنّى بعد ذلك نصفه ، فثبت أنّه أعاد الضمير على اللفظ وهو يريد غيره لموافقته له في اللفظ ، ومثل ذلك كثير. وقد أوضحت ذلك وبينته بأكثر من هذا البيان في الباب الذي بعد هذا ، فعلى ما ذكرنا من القوانين يكون إجراء مسائل هذا الباب إن شاء الله تعالى.

ومما ذكرناه في أول الباب في حدّ الإعمال يتبيّن إذن فساد من ألحق قول امرىء القيس [من الطويل] :

٤٥١ ـ فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ولم أطلب قليل من المال

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٥٣.

٤٥١ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٩ ؛ والإنصاف ١ / ٨٤ ؛ وتذكرة النحاة ص ٣٣٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ، ٤٦٢ ؛ والدرر ٥ / ٣٢٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٦٤٢ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٩٩ ؛ والكتاب ١ / ٧٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١١٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٠١ ، ٣ / ٦٠٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٨٠ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٥٦ ؛ والمقتضب ٤ / ٧٦ ؛ والمقرب ١ / ١٦١.

اللغة والمعنى : أسعى : أجدّ ، أعمل. أدنى معيشة : حياة عاديّة.

يقول : لو أنه يسعى لحياة عاديّة لكفاه قليل من المال ، ولكنّه يسعى في طلب الملك والسيادة لذلك يتوجّب عليه الجدّ والسعي المستمرّ.

الإعراب : فلو : الفاء : حرف عطف ، لو : حرف امتناع لامتناع. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. ما : حرف مصدريّ. أسعى : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة للتعذّر ، والفاعل : أنا ، والمصدر المؤوّل من «ما وما بعدها» في محلّ نصب اسم «أنّ». لأدنى : جار ومجرور متعلّقان بخبر «أنّ» ، والمصدر المؤوّل من «أنّ واسمها وخبرها» في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره : «لو ثبت كون سعيي» ، وهو مضاف. معيشة : مضاف إليه مجرور. كفاني : فعل ماض ، والنون : للوقاية ، والياء : في محلّ نصب مفعول به. ولم : الواو : حرف اعتراض ، لم : حرف نفي وجزم وقلب. أطلب : فعل مضارع مجزوم ، والفاعل : أنا ، والمفعول به محذوف تقديره «ولم أطلب الملك ...». قليل : فاعل «كفى» مرفوع. من المال : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «قليل».

وجملة (لو أسعى ...) معطوفة على جملة سابقة. وجملة (كفاني ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة (لم أطلب) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة.

٩٤

بالإعمال ، لأنّ «كفاني» يطلب «قليلا» و «لم أطلب» يطلب «الملك» ، كأنّه قال : ولم أطلب الملك ، لأنّ حقيقة الإعمال أن يتقدّم عاملان كل واحد منهما طالب للمعمول ، و «لم أطلب» لا يتسلّط هنا على القليل ، ألا ترى أنّه لا يصح : لو أنّ سعيي لأدنى معيشة لم أطلب قليلا من المال ، لأنّه إذا لم يسع لأدنى معيشة ، فإنما يطلب الكثير ، فكان حقه أن يقول : لطلبت القليل ، فهو غير متسلّط عليه ، فلهذا قلنا إنّه ليس من باب الإعمال ، والعامل إنّما هو «كفاني».

فإن قيل : لأيّ شيء جعلت «لم أطلب» جوابا لـ «لو» وعطفت على «كفاني» حتى لزم هذا؟ وهلّا جعلت الجملة في قوله : «ولم أطلب» ، معطوفة على قوله : «فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني». وكأنّه قال : وأنا لم أطلب قليلا ، فيتصور توجيهه عليه ، فيكون من باب الإعمال.

فالجواب : إنّ هذا لا يتصوّر ، وقد كان الأستاذ أبو علي الشلوبين يجعله من الإعمال بهذا الطريق ، ووجه بطلان أنّ العاملين في هذا الباب لا بدّ أن يشتركا ، وأدنى ذلك بحرف العطف حتى لا يكون الفصل معتبرا ، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول ، وذلك نحو قولك : «جاءني يضحك زيد» ، فتجعل في «جاءني» ضميرا أو في «يضحك» حتى لا يكون هذا الفعل فاعلا ، وأقل ذلك حرف العطف حتى تكون الجملتان قد اشتركتا أدنى اشتراك ، فيسهل الفصل.

وأما إذا جعلت : «ولم أطلب» معطوفا على «فلو أنّ ما أسعى» ، فإنّك تفصل بجملة أجنبية ليست محمولة على الفعل الأول ، فتكون إذ ذاك بمنزلة : «أكرمت وأهنت زيدا» ، والعرب لا تتكلّم بهذا أصلا.

وسيبويه ، رحمه‌الله ، لم يجىء به على الإعمال ، بل جاء به على أنّه من غير الإعمال ، ألا ترى إلى قوله : «فإنها رفع» لأنّه لم يجعل القليل مطلوبا ، وإنما المطلوب عنده الملك ، فـ «أطلب» لا يتوجه على القليل ألا تراه يقول : ولو لم يرد ذلك ونصب لفسد المعنى.

__________________

والشاهد فيه قوله : «كفاني ولم أطلب قليل» ، حيث جاء قوله : «قليل» فاعلا لـ كفاني» ، وليس البيت من باب التنازع ، لأن من شرط التنازع صحّة توجّه كلّ واحد من العاملين إلى المعمول المتأخّر مع بقاء المعنى صحيحا ، والأمر ههنا ليس كذلك ، لأنّ القليل ليس مطلوبا.

٩٥

فإن قيل : فكيف جاء به الفارسيّ على الإعمال.

فالجواب : إنّه أراد بقوله من الإعمال أنّه شبه للإعمال لتداخل الجملتين في العطف ، ونظير هذا ما أنشده في التذكرة على أنّه من شبه الإعمال لكثير عزّة [من الطويل] :

٤٥٢ ـ وإنّي وإن صدّت لمثن وقائل

عليها بما كانت إلينا أزلّت

فما أنا بالدّاعي لعزّة بالرّدى

ولا شامت إن نعل عزّة زلّت

__________________

٤٥٢ ـ التخريج : البيت لكثير عزة في ديوانه ص ١٠١ ؛ ولسان العرب ١١ / ٣٠٧ (زلل) ؛ وتهذيب اللغة ١٣ / ١٦٥ ؛ وأمالي القالي ٢ / ١٠٩ ؛ وتزيين الأسواق ١ / ١٢٤ ؛ وتاج العروس (زلل).

اللغة : صدت : مانعت وتمنّعت : مثن : مادح ، من الثناء. أزلت إليه : أعطته وأسدت إليه نعمة. الردى : الهلاك. الشامت : الذي يفرح بمصيبة غيره. زلت : زلقت.

المعنى : سأبقى على مديحي لها ، وذكري لمحاسنها وما أفضلت به عليّ ، حتى لو تمنّعت ، ولن أكون من يدعو عليها بالموت ، ولا أفرح إذا زلقت نعلها.

الإعراب : وإني : «الواو» : حسب ما قبلها ، «إني» : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (إنّ). وإنّ : «الواو» : حالية ، «إن» : حرف شرط جازم. صدت : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). لمثن : «اللام» : المزحلقة ، «مثن» : خبر (إن) مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء المحذوفة بسبب التنوين. وقائل : «الواو» : حرف عطف ، «قائل» : معطوف على (مثن) مرفوع بالضمة. عليها : جار ومجرور متعلّقان بـ (مثن). بما : جار ومجرور متعلقان بـ (مثن). كانت : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : للتأنيث ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هي). إلينا : جار ومجرور متعلقان بـ (أزلت). أزلت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). فما : «الفاء» : استئنافية ، «ما» : حجازية تعمل عمل (ليس). أنا : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. بالداعي : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «الداعي» : اسم مجرور لفظا ، مرفوع على أنه خبر (ما). لعزة : جار ومجرور بالفتحة عوضا الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، متعلّقان بـ (الداعي). بالردى : جار ومجرور متعلقان بـ (الداعي). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. شامت : معطوف على محل (الداعي). إن : حرف شرط جازم. نعل : فاعل لفعل محذوف. عزة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. زلت : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «إني لمثن» : حسب ما قبلها. وجملة «إن صدت» : حالية محلها النصب. وجملة «صدت» جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «كانت إلينا أزلت» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «أزلت» : في محلّ نصب خبر (كانت). وجملة «فما أنا بالداعي» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «زلت» : تفسيرية لا محلّ لها.

والشاهد فيهما قوله : «لمثن وقائل عليها بها» حيث فصل بالعاطف (الواو) والمعطوف (قائل) بين (مثن) ومعمولها (عليها).

٩٦

لأنه لما عطف فصل بين العامل ومعموله ، وذلك أنّ معمول «مثن» إنما هو «عليها» ، وقد فصل بينهما بقوله : «وقائل» ، ومعمول «قائل» إنما هو : فما أنا بالداعي لعزّة بالردى ، أو فصل بينهما بمعمول مثن ، فإذن قد جعل هذا يشبه الإعمال لتداخل الجملتين بالعطف حتى يسوغ ذلك الفصل. كذلك يكون مذهبه في بيت امرىء القيس.

فإن قيل : إذا لم يكن من الإعمال فكيف أجزتم الفصل بجملة أجنبية؟ فالجواب : إنها غير أجنبية ، لأنا إنما جعلناها معمول «لم أطلب الملك» ، فإذا كانت كذلك كانت مشتركة لأنها في معنى : كفاني القليل ، ألا ترى أن «لم أطلب الملك» يكون جوابا لـ «لو» وما ذاك إلا لأنّ المعنى واحد.

فهذا نهاية الكلام في هذا البيت.

٩٧

باب ما يجوز تقديمه من المضمر على الظاهر وما لا يجوز

[١ ـ أقسام الضمائر].

لا بدّ في هذا الباب من معرفة الضمائر وأحكامها في التفسير ومعرفة مراتب الأسماء حتى يعلم ما يجوز تقديمه من المضمر على الظاهر وما لا يجوز.

فأمّا الضمائر فبيّنت في باب النعت بما أغنى عن إعادتها ها هنا ، وهي تنقسم ثلاثة أقسام : ضمير متكلم ، وضمير مخاطب ، وضمير غائب.

فضمير المتكلم والمخاطب لا يحتاجان إلى تفسير ، لأنّ المشاهدة تفسّرهما.

وأما ضمير الغيبة فينقسم قسمين : قسم يحتاج إلى تفسير وقسم لا يحتاج إلى تفسير. فالذي لا يحتاج إلى تفسير الضمير الذي يفسّره ما يفهم من سياق الكلام ، لأنّه قد علم ما يغني عنه ، وذلك نحو قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١) يعني الشمس ، وكذلك قوله تعالى : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ)(٢) يعني على ظهر الأرض ، وكذلك : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(٣) يعني القرآن.

وما بقي فلا بدّ له من مفسّر ، وينقسم قسمين : قسم يفسّره ما قبله ، وقسم يفسّره ما بعده ، فالذي يفسّره ما بعده ينقسم أيضا قسمين. قسم يفسّره المفرد وقسم تفسّره الجملة. فالذي تفسره الجملة ضمير الأمر والشأن والقصة ، وذلك نحو قول الله تبارك وتعالى : (قُلْ

__________________

(١) سورة ص : ٣٢.

(٢) سورة فاطر : ٤٥.

(٣) سورة القدر : ١.

٩٨

هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١) ، أي : الأمر الله أحد. وكذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ)(٢) ، أي : إنّ الأمر من يأت ربّه مجرما فإنّ له جهنّم. وكذلك قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٣) ، أي : فإنّ القصة.

والذي يفسّره المفرد : المضمر في «نعم» و «بئس» وفي «ربّ» وفي باب الإعمال إذا أعملت الثاني واحتاج الأول إلى مرفوع ، فاعلا كان أو مشبّها به ، على مذهب أهل البصرة.

وفي باب البدل خلاف ، هل يعود الضمير فيه على ما بعده أو لا يعود عليه؟ فمنهم من أجاز أن يعود الضمير فيه على البدل وإن كان مؤخّرا عنه لفظا وتقديرا وهو الأخفش. ومنهم من منع.

والصحيح أنّه يجوز ، وقد حكي عن العرب ، ومنه أنشدوا قول الشاعر [من الرجز] :

٤٥٣ ـ قد أصبحت بقرقرى كوانسا

فلا تلمه أن ينام البائسا

__________________

(١) سورة الإخلاص : ١.

(٢) سورة طه : ٧٤.

(٣) سورة الحج : ٤٦.

٤٥٣ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الدرر ١ / ٢٢١ ، ٦ / ١٢ ، ٦٢ ؛ ورصف المباني ص ٦٨٩ ؛ والكتاب ٢ / ٧٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٦٦ ، ٢ / ١١٧ ، ١٢٧.

اللغة : القرقرى : اسم مكان في اليمامة. الكانسة : الظبي تدخل بيتها. البائس : المسكين.

المعنى : لقد نامت الإبل بعد شبعها وكأنها الظباء في أوكارها ونام راعيها ، فلا لوم عليه.

الإعراب : قد أصبحت : «قد» : حرف تحقيق ، «أصبحت» : فعل ماض مبني على الفتح و «التاء» : للتأنيث ، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي. بقرقرى : «الباء» : حرف جر ، «قرقرى» : اسم مجرور بالفتح المقدر على الألف للتعذر ، والجار والمجرور متعلقان بـ «الكوانس» (جمع اسم فاعل ، وهو خبر أيضا). كوانسا : خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة والألف للإطلاق. فلا : «الفاء» : استئنافية ، «لا» : ناهية جازمة. تلمه : فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهرة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. أن ينام : «أن» : حرف مصدري ونصب ، «ينام» : فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والمصدر المؤول من (أن) والفعل (ينام) منصوب بنزع الخافض. البائسا : بدل من الهاء في (تلمه) منصوب والألف للإطلاق.

وجملة «أصبحت بقرقرى» : ابتدائية. وجملة «فلا تلمه» استئنافية. والمصدر المؤول من (أن ينام) صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : (لا تلمه أن ينام البائسا) حيث عاد الضمير «الهاء» على «البائس» ، و «البائس» بدل من الضمير «الهاء».

٩٩

فالهاء في «تلمه» عائدة على «البائس» ، و «البائس» بدل منها. وكذلك أيضا قول الآخر [من الطويل] :

٤٥٤ ـ وقد مات خيراهم فلم يهلكاهم

عشيّة بانا رهط كعب وحاتم

فالضمير في «خيراهم» عائد على «رهط» ، و «رهط» بدل منه.

والذي يفسّره ما قبله ينقسم ثلاثة أقسام : قسم يفسّره ما قبله لفظا لا معنى. وذلك نحو قولك : «عندي درهم ونصفه» ، فالهاء في اللفظ عائدة على «الدرهم» المتقدم الذكر وإن كان المراد درهما آخر ، لأنّه معلوم إذا كان عنده درهم فإنّ نصف ذلك الدرهم المذكور عنده ، فلو عاد الضمير عليه لفظا ومعنى لكان عيّا. ومنه قول النابغة [من البسيط] :

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا ونصفه فقد (٢)

أي : ونصف حمام آخر مثله. وكذلك قوله [من الطويل] :

أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم

ونحن خلعنا قيده فهو سارب (٣)

أي : قيد فحلنا.

__________________

٤٥٤ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ص ٧٦٤ (طبعة الصاوي) ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٦٧ (خير) ؛ والتنبيه والإيضاح ٢ / ١١٩.

اللغة : الرهط القوم والقبيلة. كعب وحاتم : كعب بن مامة الإيادي وحاتم الطائيّ ، وكلاهما يضرب به المثل في الكرم.

الإعراب : وقد : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «قد» : حرف تحقيق. مات : فعل ماض. خيراهم : فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنّى ، وهو مضاف ، و «هم» : ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. فلم : الفاء حرف عطف و «لم» : حرف جزم. يهلكاهم : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والألف ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل ، و «هم» : ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. عشية : ظرف منصوب متعلق بـ «يهلكاهم». بانا : فعل ماض ، والألف ضمير متصل مبنيّ في محل رفع فاعل. رهط : بدل من الضمير في «خيراهم» مجرور بالكسرة. كعب : مضاف إليه مجرور. وحاتم : حرف عطف واسم معطوف مجرور.

وجملة «وقد مات» بحسب الواو ، وجملة «فلم يهلكاهم» معطوفة على جملة «مات». وجملة «بانا» في محل جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه : عود الضمير في «خيراهم» على متأخر ، وهو «رهط» الذي هو بدل من الضمير.

(١) تقدم بالرقم ١٥٣.

(٢) تقدم بالرقم ٤٥٠.

١٠٠