شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

وأمّا حكمها ، فإنّها لا تخلو من أن يقع بعدها الفعل أو لا يقع. فإن لم يقع لم تكن عاملة ، وذلك قوله : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(١) ، فإن وقع بعدها الفعل ، فإمّا أن يكون معربا أو مبنيّا. فإن كان مبنيّا لم يظهر لها عمل ، وإن كان معربا فلا يخلو من أن يكون حالا أو مستقبلا.

فإن كان حالا فالرفع ليس إلّا ، لأنّ النصب يخلص للاستقبال ، فلهذا لا يجوز النصب إذ المعنى على الحال.

فإذا كان مستقبلا ، فلا يخلو أن يتقدّمها حرف عطف أو لا يتقدم ، فإن تقدّم جاز الإلغاء والإعمال. وإن لم يتقدم ، فلا يخلو أن تقع بين شيئين متلازمين ، أو تقع صدرا. فإن وقعت بين شيئين متلازمين ، فالإلغاء ليس إلّا ، وإن وقعت صدرا فالإعمال ليس إلّا ، وقد حكي إلغاؤها ، وذلك قليل جدا. وإنّما جاز إلغاؤها وإعمالها بعد حرف العطف لأنّ من راعى كونها لم تتقدم ألغاها ، ومن رأى أنّ حرف العطف لا يطلب الفعل خاصة بل يطلب الجملة ، لم يعتبره ، فلذلك أعمل.

وأمّا إذا توسطت بين شيئين متلازمين فإنّها تلغى ، لأنّ الفعل يطلب ما قبلها وهو مبنيّ عليه ، فصارت إذن لغوا.

فهذه أحكامها على الكمال فافهم.

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢٠.

٢٨١

باب من مسائل «أن» الخفيفة الناصبة للفعل

«أن» تنقسم أربعة أقسام : زائدة ، وحرف عبارة وتفسير ، ومخففة من الثقيلة ، وناصبة للفعل.

فالزائدة تزاد بقياس بعد «لمّا» ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(١). ولا تزاد في غير هذا الموضع إلّا ضرورة ، كقوله :

 ...

كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم (٢)

بخفض «ظبية» في إحدى الروايات.

والتي هي حرف عبارة وتفسير ، وهي الواقعة بعد القول ، أو ما يرجع معناه إلى معنى القول ، ويكون ما بعدها تفسيرا لما قبلها ، ولا موضع لها من الإعراب. نحو : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ)(٣). ونحو : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا)(٤). وانطلق هنا من الانطلاق في الكلام. ويقع بعدها كل جملة.

وأمّا المخفّفة من الثقيلة فمعناها معنى «أن» الناصبة للاسم والرافعة للخبر. ولا يكون اسمها إلّا مضمرا ، ولا يكون ظاهرا إلّا ضرورة.

__________________

(١) سورة يوسف : ٩٦.

(٢) تقدم بالرقم ٢٩٨.

(٣) سورة الأعراف : ٤٣.

(٤) سورة ص : ٦.

٢٨٢

وإن كان خبرها فعلا ، فيشترط فيها أن يفصل بينها وبين الفعل في الإيجاب بالسين أو «قد» أو «سوف» ، وفي النفي بـ «لا».

ومثال الفصل في الإيجاب بالسين قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(١).

ومثاله بـ «لا» في النفي قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً)(٢).

ولا يجوز أن يترك الفصل بينها وبين خبرها ألّا إذا كان الفاصل اسمها ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(٣).

ولا يتقدّمها إلّا أفعال التحقيق ، نحو : «تحققت» و «علمت».

ولا يجوز أن تليها أفعال الشك نحو ظننت ، إلّا أن تريد بذلك تحقيق الظن فكأنّك قلت : ظننت الظن.

وإنّما لم يلها أفعال الشك لأنّ «أن» هنا هي «أنّ» فهي هنا تؤكّد ، ولا يؤكّد إلّا ما ثبت واستقر ، وأفعال الشك لم تثبت ، فلم تؤكّد إلّا إذا أردت بذلك توكيد الظن كما قلنا.

وأمّا الناصبة للفعل ، فلا يخلو أن يقع بعدها الماضي أو المضارع. فإن وقع بعدها الماضي بقي على معناه من المضيّ ، ولا تعمل فيه شيئا لأنّه مبنيّ ، وإن وقع بعدها المضارع ، فإنّها تخلّصه للاستقبال وتنصبه.

وتتقدمها الأفعال التي لا تعطي التحقيق ولا يجوز أن يتقدّمها «علمت» ولا ما في معناها.

وأمّا المخففة من الثقيلة ، فلا يتقدّمها من الأفعال إلا أفعال التحقيق خاصة كـ «علمت» و «رأيت» وما وبمعناها. فإن كان للفعل معنيان : التحقيق وغيره ، جاز لك أن تقدّم «أن» الناصبة للفعل إذا أردت به معنى ما ليس فيه تحقيق. وأن تقدّم «أن» الخفيفة من الثقيلة إذا أردت بها معنى ما فيه تحقيق.

__________________

(١) سورة المزمل : ٢٠.

(٢) سورة طه : ٨٩.

(٣) سورة النجم : ٣٩.

٢٨٣

ف «ظننت» لا تتقدّم إلّا «أن» الناصبة للفعل ، فإن أردت بها معنى «علمت» لم تتقدّم على «أن» ، إلّا أن تكون مخففة من الثقيلة ، نحو : «ظننت أن سيقوم زيد» ، و «زيد علمت أنه سيقوم».

وإنّما كانت «أن» المخففة من الثقيلة بعد أفعال التحقيق لأنّها للتأكيد ، فهي مناسبة لها ، وكانت «أن» الناصبة للأفعال بعد الأفعال التي ليس فيها تحقيق ، لأنّها ليست للتأكيد ، فلم تخالف قبلها.

٢٨٤

باب أفعال المقاربة

وهي عسى ، ويوشك ، وكاد ، وكرب ، وقارب ، واخلولق ، وأخذ ، وجعل ، وطفق.

هذه الأفعال تنقسم قسمين : قسم للأخذ في الفعل ، وهو أخذ ، وجعل ، وطفق ، وقسم لمقاربة ذات الفعل وهي ما بقي.

وتنقسم قسمين : قسم لمقاربة ذات الفعل من غير تراخ ، وقسم لمقاربة ذات الفعل بتراخ. فالذي هو لمقاربة ذات الفعل من غير تراخ : كاد ، وكرب ، وقارب ، واخلولق.

والذي هو لمقاربة ذات الفعل بتراخ : عسى ، ويوشك. ويستعمل الفعل بعدهما بـ «أن» ولا يجوز حذفها إلّا ضرورة. فمثال حذفها في «عسى» قوله [من الوافر] :

٥٥٣ ـ عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

__________________

٥٥٣ ـ التخريج : البيت لهدبة بن خشرم في خزانة الأدب ٩ / ٣٢٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٢ ؛ والدرر ٢ / ١٤٥ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٠٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٤٣ ؛ والكتاب ٣ / ١٥٩ ؛ واللمع ص ٢٢٥ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٨٤ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ١٢٨ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٢٦ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣١٦ ؛ والجنى الداني ص ٤٦٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٦٥ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٦ ؛ والمقرب ١ / ٩٨ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١١٧ ، ١٢١ ؛ ومغني اللبيب ص ١٥٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٧٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

شرح المفردات : الكرب : الهم والغم.

الإعراب : «عسى» : فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. «الكرب» : اسم «عسى» مرفوع. «الذي» : اسم موصول مبني في محل رفع نعت «الكرب». «أمسيت» : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محل رفع اسم «أمسى». «فيه» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «أمسى». «يكون» : فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير

٢٨٥

ومثاله في «يوشك» قوله [من المنسرح] :

٥٥٤ ـ يوشك من فرّ من منيّته

في بعض غرّاته يوافقها

وأما «كاد» و «كرب» فلا يستعمل الفعل بعدها بـ «أن» إلّا ضرورة ، كقوله [من الرجز] :

٥٥٥ ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا

__________________

مستتر فيه جوازا تقديره «هو». «وراءه» : ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فرج» : مبتدأ مؤخّر. «قريب» : نعت «فرج» مرفوع.

وجملة : «عسى الكرب» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «أمسيت فيه» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة : «وراءه فرج» في محل نصب خبر «يكون». وجملة «يكون ...» في محل نصب خبر «عسى».

الشاهد : قوله : «عسى ... يكون وراءه فرج قريب» حيث حذف الشاعر «أن» من خبر «عسى» للضرورة.

٥٥٤ ـ التخريج : البيت لأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٦٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٢٦ ؛ والعقد الفريد ٣ / ١٨٧ ؛ والكتاب ٣ / ١٦١ ؛ ولسان العرب ٦ / ٣٢ (بيس) ، ١٨٨ (كأس) ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ١٨٧ ؛ ولعمران بن حطان في ديوانه ص ١٢٣ ؛ ولأمية أو لرجل من الخوارج في تخليص الشواهد ص ٣٢٣ ؛ والدرر ٢ / ١٣٦ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٣ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٦٨ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٨ ؛ والمقرب ١ / ٩٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٢٩ ، ١٣٠.

اللغة والمعنى : المنيّة : الموت. الغرّات : ج الغرّة ، وهي الغفلة. يوافقها : يصادفها.

يقول : إنّ الذي يفرّ من ساح الوغى طمعا بالنجاة ، فإنّ الموت لا بدّ ملاقيه في غفلة من غفلاته. وبمعنى آخر : إنّ الإنسان مصيره إلى الهلاك لا محالة.

الإعراب : يوشك : فعل مضارع ناقص مرفوع. من : اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع اسم «يوشك». فرّ : فعل ماض ، والفاعل : هو. من منيّته : جار ومجرور متعلّقان بـ «فرّ» ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. في بعض : جار ومجرور متعلّقان بـ «يوافقها» ، وهو مضاف. غراته : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. يوافقها : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : هو ، وها : ضمير في محلّ نصب مفعول به.

وجملة (يوشك ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة. وجملة (فرّ من منيته) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول. وجملة (يوافقها) الفعليّة في محلّ نصب خبر «يوشك».

والشاهد فيه : مجيء خبر «يوشك» غير مقترن بـ «أن» ، وهذا قليل.

٥٥٥ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ؛ والدرر ٢ / ١٤٢ ؛ وشرح شواهد الإيضاح

٢٨٦

ومثاله في «كرب» قوله [من الطويل] :

٥٥٦ ـ سقاهاذووالأحلامسجلاعلىالظما

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا

__________________

ص ٩٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٢١ ؛ والكتاب ٣ / ١٦٠ ؛ ولسان العرب ٣ / ٣٨٣ (كود) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٢١٥ ؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٤١٩ ؛ وأسرار العربية ص ٥ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٢٩ ؛ ولسان العرب ٢ / ٥٩٨ (مصح) ؛ والمقتضب ٣ / ٧٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

اللغة : يمصح : يدرس وتمّحي آثاره. البلى : التّلف والتجربة والاختبار.

المعنى : قارب على الدروس وامحاء الآثار ، لكثرة ما تعرّض للتجارب.

الإعراب : قد : حرف تحقيق. كاد : فعل ماض ناقص من أفعال المقاربة ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هو). من طول : جار ومجرور متعلقان بـ (يمصح). البلى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. أن : حرف مصدرية ونصب. يمصحا : فعل مضارع منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «كاد أن يمصح» : بحسب ما قبلها.

والشاهد فيه قوله : «كاد أن يمصحا» حيث جاء الفعل المضارع بعد (كاد) مسبوقا بـ (أن) ، وهذا ضرورة كما أشار.

٥٥٦ ـ التخريج : البيت لأبي زيد الأسلمي في الدرر ٢ / ١٤٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٠٧ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٨١٥ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٩٣ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣١٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢٣ ؛ وشرح ابن عقيل ص ١٩٦ ؛ والمقرب ١ / ٩٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٣٠.

اللغة والمعنى : ذوو الأحلام : أصحاب العقول. السجل : الدلو. الظمأ : العطش.

يقول : لقد سقاها أصحاب العقول عند ما كانت بأشدّ الحاجة إلى الماء ، وأوشكت على الهلاك.

الإعراب : سقاها : فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر ، وها : ضمير في محلّ نصب مفعول به. ذوو : فاعل مرفوع بالواو لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم ، وهو مضاف. الأحلام : مضاف إليه مجرور. سجلا : مفعول به ثان لـ «سقى» منصوب. على الظما : جار ومجرور متعلّقان بـ «سقى». وقد : الواو : حاليّة ، قد : حرف تحقيق. كربت : فعل ماض ناقص ، والتاء : للتأنيث. أعناقها : اسم «كرب» مرفوع ، وهو مضاف ، وها : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. أن : حرف نصب ومصدري. تقطّعا : فعل مضارع منصوب أصله «تتقطّعا» حذفت تاؤه الأولى للتخفيف ، والفاعل : هي ، والألف : للإطلاق.

وجملة (سقاها ذوو الأحلام) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (قد كربت ...) الفعليّة في محلّ نصب حال. وجملة (أن تقطّعا) الفعليّة في محلّ نصب خبر «كرب».

والشاهد فيه قوله : «أن تقطعا» حيث جاء خبر «كرب» مقترنا بـ «أن» ، وهذا ضرورة.

٢٨٧

وأمّا «قارب» و «اخلولق» فلا يستعمل الفعل بعدهما إلّا بـ «أن» ، ولا يجوز حذفها. وجعل أبو القاسم «قارب» ، مما الأجود فيه أن يستعمل بـ «أن» ، لأنّها ليست من هذا الباب ، لأنّها ليست بداخلة على المبتدأ والخبر ، وبدلالة مجيء مفعولها اسما في صريح الكلام ، فتقول : «قارب زيد القيام» ، وكذلك «اخلولق». وإنّما دخلا في هذا الباب لما فيهما من معنى المقاربة.

وأما «طفق» ، و «أخذ» ، و «جعل» فلا يستعمل الفعل بعدها بـ «أن» ، لأنّ الفعل الذي بعدها للحال و «أن» تخلّص للاستقبال.

وهذه الأفعال كلّها متصرّفة إلّا «عسى» فإنّها غير متصرفة.

وفي «عسى» لغتان : «عسى» ، و «عسي» ، إذا كان فاعلها مضمرا. فإن كان ظاهرا فلا يجوز إلّا الفتح. وتستعمل استعمالين : تستعمل بمعنى «قارب» ، فتحتاج إلى مرفوع ومنصوب إلّا أنّهما ليسا مبتدأ وخبرا ، فتقول : «عسى زيد أن يقوم» ، وتستعمل بمعنى «قرب» فتكتفي بالمرفوع ، فتقول : «عسى أن يقوم زيد».

فإن قيل : فهلا جعلت بمعنى «قارب» وتكون على التقديم. فالجواب : إنّا قد وجدناها استعملت استعمال «قرب» بدليل قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(١). فـ «ربك» هنا فاعل «يبعثك» ، ولا يتصوّر أن يكون فاعلا بـ «عسى» ، لأنّ «مقاما» حال من «يبعثك» ، ولا يجوز أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبيّ.

وإذا استعملت «عسى» استعمال «قارب» ، نحو : «عسى زيد أن يقوم» ، فـ «زيد» اسم «عسى» ، و «أن يقوم» في موضع الخبر ، وعند المبرّد : «زيد» فاعل «عسى» ، و «أن يقوم» في موضع المفعول ، والدليل على ذلك أنّ «أن» وما بعدها تتقدّر بالمصدر ، والمصادر لا تكون أخبارا عن الجثث.

والصحيح أنّ الفعل الذي بعد «عسى» في موضع الخبر ، والدليل على ذلك أنّهم لما

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٩.

٢٨٨

ردّوه إلى الأصل ، نطقوا باسم الفاعل ، ولم ينطقوا بالمصدر ، نحو قوله [من الرجز] :

٥٥٧ ـ أكثرت في القول ملحّا دائما

لا تلحني إنّي عسيت صائما

وأمّا قول أبي العباس أنّ «أن» وما بعدها تتقدّر بالمصدر ، والمصادر لا تكون أخبارا عن الجثث ، فثبت أنّ «أن» وما بعدها في موضع المفعول ، فجوابه أنّ «أن» هنا لا تتقدّر بالمصدر ، لأنّها إنّما أتي بها لتدل على أنّ في الفعل ترجّيا. والدليل على أنّها في موضع الخبر مجيئها على الأصل في قوله : «عسيت صائما» ، ألا ترى أنّ «صائما» خبر؟ ونظير ذلك أعني «أن» الناصبة للفعل لا تتقدّر بالمصدر قولهم : «لعلّ زيدا أن يقوم» ، ومنه قوله عليه‌السلام : «لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من الآخر».

ومنه قوله [من الطويل] :

٥٥٨ ـ لعلّهما أن تبغيا لك حيلة

وأن ترحبا سرّا بما كنت أحصر

__________________

٥٥٧ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٥ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٢٢ ؛ والخصائص ١ / ٨٣ ؛ والدرر ٢ / ١٤٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٣ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ١٦١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٧٥ ؛ وتخليص الشواهد ص ٣٠٩ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣٧٤ ، ٣٧٦ ؛ والجنى الداني ص ٤٦٣ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٢٨ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٤٤ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٤ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٥٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٠.

اللغة : العذل : اللوم.

الإعراب : «أكثرت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «في العذل» : جار ومجرور متعلقان بـ «أكثرت». «ملحا» : حال منصوبة. «دائما» : نعت «ملحا» منصوب. «لا» : الناهية. «تلحني» : فعل مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والنون : للوقاية ، والياء : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «إنّي» : حرف مشبّه بالفعل ، والياء ضمير في محلّ اسم «إنّ». «عسيت» : فعل ماض ناقص ، والتاء : ضمير متّصل مبني في محل رفع اسم «عسى». «صائما» : خبر «عسى» منصوب.

وجملة : «أكثرت» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لا تكثرن» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «إنّي عسيت ...» استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «عسيت» في محلّ رفع خبر «إنّ».

الشاهد : قوله : «عسيت صائما» حيث ورد خبر «عسى» اسما ولم يرد مصدرا. وفي هذا ردّ على من ذهب إلى إمكان تأويل الفعل بعد «عسى» بمصدر.

٥٥٨ ـ التخريج : البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٩٩ ؛ والدرر ٢ / ١٧١ ، ٦ / ٢٧٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٧١ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٣٥.

اللغة : ترحبان وترحّبان : توسعان في المجلس. أحصر : تلجلج في الكلام.

٢٨٩

وقوله أيضا [من الطويل] :

٥٥٩ ـ لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة

عليك من اللائي يدعنك أجدعا

ألا ترى أنّ «لعلّ» من الحروف الداخلة على المبتدأ والخبر ، فلا يتصوّر أن تتقدّر «أن» مع الفعل بالمصدر ، لأنّ المصدر ليس بالشخص.

ألا ترى أنّ التقدير في الحديث : لعلّ أحدكم كان ألحن بحجّته ، وكذلك البيت :

لعلّهما باغيتان لك حيلة ، وكذلك : لعلّك يوما تلمّ عليك ملمّة. وكما لا تتقدّر «أن» مع ما بعدها بالمصدر فكذلك في «عسى» وأخواتها.

__________________

المعنى : قد تقدران على تأمين الحيلة التي توصلني إلى مجلسهما الواسع ، وهو ما كنت لا أقدر على البوح به.

الإعراب : لعلهما : «لعل» : حرف مشبه بالفعل ، و «هما» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها. أن : حرف مصدرية ونصب. تبغيا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «تبغيا» خبر لعل ، وهذا المصدر مؤول بمشتق وكأن التقدير : لعلهما باغيتان. لك : جار ومجرور متعلقان بـ (تبغيا). حيلة : مفعول به منصوب بالفتحة. وأن : «الواو» : حرف عطف ، «أن» : حرف مصدرية ونصب. ترحبا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «ترحبا» معطوف على المصدر المؤول من «أن» والفعل «تبغيا». سرّا : حال منصوبة بالفتحة. بما : «الباء» : حرف جر ، «ما» : اسم موصول. كنت : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسمها. أحصر : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمّة ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا).

وجملة «لعلهما أن تبغيا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تبغيا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

وجملة «ترحبا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «كنت أحصر» : صلة الموصول الاسمي لا محل لها. وجملة «أحصر» : في محلّ نصب خبر (كنت).

والشاهد فيه قوله : «لعلهما أن تبغيا» حيث لا يمكن تأويل «أن» وما بعدها بمصدر.

٥٥٩ ـ التخريج : البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١١٩ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٦٧ ، ٦٩٥ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٧٤ (علل) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٩١ ؛ وشرح المفصل ٨ / ٨٦ ؛ والمقتضب ٣ / ٧٤.

اللغة : تلم : تصيب أو تنزل. الأجدع : مقطوع الأنف والأذن.

المعنى : لا تشمت بموت أخي ، فقد تحل بك داهية ، تضعفك وتذلك.

الإعراب : لعلك : «لعل» : حرف مشبه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب اسمها.

٢٩٠

وهذه الأفعال التي للمقاربة لا يكون فاعل الفعل الذي بعدها إلّا ضمير الاسم الأول.

فإن قيل : فكيف إذن قال الشاعر [من البسيط] :

٥٦٠ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني

ثوبي فأنهض نهض الشارب السّكر

[وكنت أمشي على رجلين معتدلا

فصرت أمشي على أخرى من الشّجر]

__________________

يوما : ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل «تلم». أن تلم : «أن» : حرف نصب ، «تلم» : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. ملمة : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. عليك : جار ومجرور متعلقان بالفعل تلم. من اللائي : «من» : حرف جر ، و «اللائي» اسم موصول في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ (ملمة). يدعنك : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. أجدعا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة.

وجملة «لعلك يوما أن تلم» ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يدعنك» صلة موصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لعل يوما أن تلم ملمة» حيث لا يمكن تأويل «أن» وما بعدها بمصدر كما أوضح المؤلف.

٥٦٠ ـ التخريج : البيتان لعمرو بن أحمر في ملحق ديوانه ص ١٨١ ـ ١٨٢ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣٥٩ ، ٣٦٢ ؛ ولأبي حيّة النمريّ في ملحق ديوانه ص ١٨٦ ؛ والحيوان ٦ / ٤٨٣ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٠٤ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٧٤ ؛ والمقاصد النحويّة ٢ / ١٧٣ ؛ ولابن أحمر أو لأبي حيّة النمري في الدرر ٢ / ١٣٣ ؛ ولأبي حيّة أو للحكم بن عبدل في شرح شواهد المغني ٢ / ٩١١ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٣٠٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٣٠ ؛ وشرح التّصريح ١ / ٢٠٦ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٩ ؛ والمقرب ١ / ١٠١.

اللغة والمعنى : يثقلني : يجهدني ويتعبني. أنهض : أقوم. الثمل : السكران.

الإعراب : وقد : الواو : بحسب ما قبلها ، قد : حرف تحقيق. جعلت : من أفعال الشروع ، والتاء ضمير في محل رفع اسم «جعل». إذا : ظرف يتضمّن معنى الشرط. ما : زائدة. قمت : فعل ماض ، والتاء : فاعل. يثقلني : فعل مضارع مرفوع ، والنون : للوقاية ، والياء : في محل نصب مفعول به. ثوبي : فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل الياء ، وهو مضاف. والياء : في محلّ جرّ بالإضافة. فأنهض : الفاء : حرف عطف ، أنهض : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. نهض : مفعول مطلق منصوب ، وهو مضاف. الشارب : مضاف إليه مجرور. الثمل : نعت «الشارب» مجرور. وكنت : الواو حرف عطف ، كنت : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «كان». أمشي : فعل مضارع ، والفاعل : أنا. على رجلين : جار ومجرور متعلقان بـ «أمشي». معتدلا : حال من فاعل «أمشي» منصوب. فصرت : الفاء حرف عطف ، صرت : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير في محلّ رفع اسم «صار». أمشي : فعل مضارع ، والفاعل : أنا. على أخرى : جار ومجرور متعلّقان بـ «أمشي». من الشجر : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «أخرى».

وجملة (جعلت ...) الفعليّة معطوفة على ما قبلها ، أو استئنافيّة. وجملة (قمت ...) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة (يثقلنى) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير جازم. وجملة

٢٩١

ففيه قولان :

أحدهما أن يكون على حذف المضاف ، فكأنّه قال : وقد جعل ثوبي إذا ما قمت يثقلني ، والآخر : أن يكون محمولا على المعنى كأنّه قال : أثقل بثوبي ، لأنّه إذا أثقله ثوبه ، فقد ثقل هو بثوبه.

وهذه الأفعال لا يخلو أن يكون فاعلها ظاهرا ومضمرا ، فإن كان فاعلها مضمرا ، فإنّه يستتر في حال الإفراد ، ويبرز في حال التثنية والجمع ، إلّا «عسى» فإنّه يجوز فيها وجهان : أن يستتر وأن يبرز.

فمثال أن يبرز قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا)(١). ومثال استتاره قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً)(٢).

وإذا اتصل بهذه الأفعال ضمير نصب ، نحو : «عساك أن تقوم» ، فالأخفش يقول : إنّ الكاف في موضع رفع و «أن تقوم» في موضع نصب كما كان في الظاهر. ومذهب سيبويه أنّ الضمير في موضع نصب و «أن يقوم» في موضع المرفوع. وهو الصحيح ، لأنّه ليس فيه وضع ضمير نصب موضع ضمير رفع.

فإن قلت : إنّ الذي دعا إلى أن يقال أنّ الضمير وإن كانت صيغته صيغة المنصوب في موضع رفع أن يبقى على ما كان عليه مع الظاهر من كون الفعل مع «أن» في موضع نصب ، والظاهر منصوب ، فالجواب : إنّ الشيء قد يعمل في الظاهر خلاف عمله في المضمر ، وقد تبيّن ذلك فافهم.

__________________

(أنهض ...) الفعليّة معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «كنت ...» معطوفة على جملة سابقة. وجملة «أمشي معتدلا» الفعلية في محل نصب خبر «كان». وجملة «أمشي ...» الفعلية في محل نصب خبر «صار».

والشاهد فيه مجيء فاعل الفعل الذي بعد «جعلت» غير ضمير الاسم الأول.

(١) سورة محمد : ٢٢.

(٢) سورة البقرة : ٢١٦.

٢٩٢

باب من المفعول المحمول على المعنى

لا يجوز إلّا حيث يفهم المعنى. واختلف فيه ، فمنهم من أجازه ضرورة ، ومنهم من أجازه ضرورة على التأويل ، أعني أن يحمل على معنى يصحّ الإعراب عليه. ومنهم من أجازه في الكلام اتكالا على فهم المعنى.

فمذهب من أجاز قلب الإعراب لمجرد الضرورة فاسد ، لأنّه ما من ضرورة إلّا وهي يحاول بها على وجه تصحّ عليه.

والذي أجازه على التأويل حجته أنّه إخراج له عن أصله ، فلا ينبغي أن يجوز إلّا لأجل الضرورة مع حمل الكلام على معنى يصحّ عليه ، والذي أجازه في الكلام والشعر استدل بقوله تعالى : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)(١). وإنّما المعنى : لتنوء بها العصبة ، لأنّ معنى «ناء بكذا» : نهض به بثقل والمفاتيح لا تثقل بالعصبة ، وإنّما العصبة تثقل بها. ومن كلام العرب : إنّ فلانة لتنوء بها عجيزتها. ومعلوم أنّ العجيزة لا تنوء بها وإنّما تنوء هي بعجيزتها.

وكذلك قولهم : «عرضت الناقة على الحوض» ، وإنّما يعرض الحوض على الناقة.

وكذلك قولهم : «أدخلت القلنسوة في رأسي» ، والمعنى : أدخلت رأسي فيها. فدلّ هذا على أنّه يجوز في الكلام.

__________________

(١) سورة القصص : ٧٦.

٢٩٣

ومن القلب قوله [من الطويل] :

٥٦١ ـ وتركب خيلّ لا هوادة بينها

وتشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر

ومعلوم أنّ الرماح لا تشقى بالضياطرة وإنّما تشقى الضياطرة بها. وأمّا قوله [من البسيط] :

٥٦٢ ـ مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت

نجران أو بلغت سوءاتهم هجر

__________________

٥٦١ ـ التخريج : البيت لخداش بن زهير في الأضداد ص ١٥٣ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٤٦٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ٤٨٩ (ضطر) ؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٢٣ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٠٣.

اللغة : الهوادة : اللين ، والمشي البطيء. الضياطرة : جمع ضوطر ، وضيطر وهو الرجل الضخم.

المعنى : في المعركة لا تهدأ الخيل ، ولا تعرف اللين ، وتتعذب الرجال الضخام بتلقّي الرماح من الأعداء.

الإعراب : وتركب : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «تركب» : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمّة.

خيل : نائب فاعل مرفوع بالضمّة. لا : حرف نفي يعمل عمل (إنّ). هوادة : اسم (لا) مبني على الفتح في محل نصب. بينها : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بخبر (لا) المحذوف ، بتقدير (لا هوادة موجودة بينها) ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وتشقى : «الواو» : للعطف ، «تشقى» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. الرماح : فاعل مرفوع بالضمّة. بالضياطرة : جار ومجرور متعلقان بـ (تشقى). الحمر : صفة مجرورة بالكسرة.

وجملة «تركب» : بحسب ما قبلها. وجملة «لا هوادة بينها» : في محل رفع صفة لـ (خيل). وجملة «تشقى» : معطوفة على جملة «تركب».

والشاهد فيه قوله : «وتشقى الرماح بالضياطرة» حيث حصل قلب مكاني بين الفاعل والمفعول ، فالرماح لا تشقى بالرجال ، بل العكس هو الصحيح.

٥٦٢ ـ التخريج : البيت للأخطل في ديوانه ص ١٧٨ ؛ وتخليص الشواهد ص ٢٤٧ ؛ والدرر ٣ / ٥ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٢ ؛ ولسان العرب ٥ / ١٩٥ (نجز) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣٣٧ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٤٦٦ ؛ ورصف المباني ص ٣٩٠ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٧٦ ؛ والمحتسب ٢ / ١١٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٥.

اللغة : نجران وهجر ، هما بلدان في اليمن. السوءة : الفاحشة. والقنافذ : جمع مفرده قنفذ : حيوان يعرف بكثرة مسيره ليلا ، وهداجون من الهدج ، وهو مشي الشيخ الضعيف.

المعنى : إنهم أخبث من القنافذ يتسللون ليلا إما للسرقة وإما للفاحشة ، وقد علم بهم أهل اليمن.

الإعراب : مثل : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم وهو مضاف. القنافذ : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. هدّاجون : خبر ثان مرفوع للمبتدأ «هم» وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم. قد : حرف تحقيق. بلغت : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة و «التاء» : للتأنيث. نجران : مفعول به منصوب بالفتحة

٢٩٤

فالشاهد فيه نصب «السوءات» ورفع «هجر» ، وفصيح الإعراب رفع «السوءات» ونصب «هجر» ، لأنّ «السوءات» هي البالغة في الحقيقة لكن لما اضطر رفع ، لأنّ القافية مرفوعة ، لأنّ قبله [من البسيط] :

٥٦٣ ـ أمّا كليب بن يربوع فليس لهم

عند التّفاخر لا ورد ولا صدر

وفي هذا البيت روايتان : رفع «هجر» ونصبها ، فالذي رواه بنصبها قلب في الآخر ، وجعل «هجر» مفعولا بعد «بلغت» ، وفي «قد بلغت» ، ضمير «السوءات» ، وعاد الضمير على ما بعده ، لأنّه في باب الإعمال يعود على ما قبله ، وهي رواية أبي القاسم ، والذي رواه

__________________

الظاهرة. أو : حرف عطف. بلغت : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة و «التاء» للتأنيث. سوءاتهم : مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم وهو مضاف و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة و «الميم» : للجماعة. هجر : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

وجملة «مثل القنافذ» : مع المبتدأ المحذوف ابتدائية لا محل لها. وجملة «بلغت نجران» : في محل نصب حال ، ويمكن أن تكون خبرا ثالثا للمبتدأ المحذوف. وجملة «أو بلغت سوءاتهم هجر» : معطوفة على سابقتها في محل نصب.

والشاهد فيه قوله : «بلغت سوءاتهم هجر» حيث قلب فرفع المفعول به ونصب الفاعل ، ومعلوم أنّ «السوءان» هي البالغة في الحقيقة ، وليس العكس.

٥٦٣ ـ التخريج : البيت للأخطل في ديوانه ص ٩٠ ؛ والكامل ص ٤٧٥.

اللغة : الورد : الإقبال على الماء : والصدر : الرجوع عنه.

المعنى : هؤلاء قوم خاملون ، لا يقدرون على التفاخر بأفعالهم وأنسابهم لا من قريب ولا من بعيد.

الإعراب : أمّا : حرف شرط وتوكيد لا محل لها. كليب : مبتدأ مرفوع بالضمّة. بن : صفة مرفوعة بالضمّة. يربوع : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فليس : «الفاء» : واقعة في جواب شرط مقدّر ، «ليس» : فعل ماض ناقص. لهم : جار ومجرور متعلّقان بخبر (ليس) المحذوف. عند : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بالخبر المحذوف. التفاخر : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لا ورد : «لا» : زائدة لتوكيد النفي ، «ورد» : اسم (ليس) مرفوع بالضمّة. ولا : «الواو» : حرف عطف ، «لا» : حرف زائد لتوكيد النفي. صدر : معطوف على (ورد) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أمّا كليب ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فليس ورد لهم» : جواب شرط جازم مقترن بالفعل محلها الجزم وخبر «كليب» تقديره : «مهما يكن من شيء فليس لهم ...».

وليس في البيت شاهد ، بل جاء به لتوكيد أنّ قافية الشاهد السابق مضمومة.

٢٩٥

برفعها قلب في الأول والثاني ، وهذه الرواية أثبت ، وهي رواية المبرّد.

ومن مذهبه أنّ قلب الإعراب لا يجوز إلّا في الضرورة على التأويل ، فجعل «بلغت» محمولا على المعنى ، فكأنه قال : حملت ، لأنّه إذا بلغت السوءات هجر فقد حملتها هجر ، وكذلك قوله [من الطويل] :

٥٦٤ ـ غداة أحلّت لابن أصرم طعنة

حصين عبيطات السدائف والخمر

الشاهد فيه رفع «العبيطات» ونصب «الطعنة» ، وفصيح الإعراب فيه أن يرفع «الطعنة» وينصب «العبيطات» ، لأنّ «الطعنة» هي المحلّة و «العبيطات» و «الخمر» المحلّتان.

وأما قول أبي القاسم : ومنهم من يرويه برفع «الطعنة» ونصب «العبيطات» ، فليست برواية ، وإنّما هو إصلاح من الكسائيّ ، وذلك أنّ يونس بن حبيب سأل الكسائيّ عن إنشاد هذا البيت ، فأنشده برفع «الطعنة» ونصب «العبيطات» ، فقال له يونس : علام ترفع الخمر؟

__________________

٥٦٤ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ١ / ٢٥٤ ؛ وسمط اللآلي ص ٣٦٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٧٤ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٤٥٦ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٨٧ ؛ وشرح المفصّل ١ / ٣٢ ، ٨ / ٧٠.

شرح المفردات : حصين بن أصرم : اسم رجل أقسم ألّا يأكل لحما ، وألّا يشرب خمرا حتى يقتل ابن الجون الكندي. العبيطات : ج العبيطة ، وهي الذبيحة التي تنحر من غير علّة. السدائف : ج السديفة ، وهي السمينة.

المعنى : يقول : إنّه طعنه طعنة قاتلة أحلّت له أكل اللحوم وشرب الخمر.

الإعراب : «غداة» : ظرف زمان منصوب متعلّق بفعل متقدّم. «أحلّت» : فعل ماض والتاء للتأنيث. «لابن» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أحلّت» ، وهو مضاف. «أصرم» : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. «طعنة» : فاعل «أحلّ». «حصين» : بدل من «ابن أصرم» أو عطف بيان. «عبيطات» : مفعول به لـ «أحلّ» وهو مضاف. «السدائف» : مضاف إليه مجرور. «والخمر» : الواو حرف عطف ، و «الخمر» : فاعل لفعل محذوف تقديره : حلّت له الخمر.

وجملة : «أحلت ...» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «حلت الخمر» المحذوفة معطوفة على السابقة.

ولهذا البيت روايتان : أولاهما بنصب «طعنة» ورفع «عبيطات» و «الحمر» ، وتخرّج هذه الرواية على أنّ «طعنة» مفعول به وإن كان فاعلا في المعنى ، و «عبيطات» فاعل ، و «الخمر» : معطوف عليه ، ولكن الشاعر قد أتى بالفاعل منصوبا وبالمفعول مرفوعا على طريقة من قال : «خرق الثوب المسمار». والرواية الثانية برفع «طعنة» ونصب «عبيطات» ، ورفع الخمر ، وتخريجها على أنّ «طعنة» فاعل «أحلّت» ، و «عبيطات» مفعول به ، والخمر فاعل لفعل محذوف ، أو مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف.

٢٩٦

فقال : على الاستئناف والقطع. فقال له : ما أحسن ما قلت لو لا أن الفرزدق أنشدنيه مقلوبا.

وبيت الفرزدق وهو قوله [من الطويل] :

٥٦٥ ـ وعضّ زمان يابن مروان لم يدع

من المال إلّا مسحتا أو مجلّف

فإنّه أنشده أبو القاسم دليلا على رفع ما بعد حرف العطف على الاستئناف والقطع نظيرا لما تقدم.

وفيه ثلاث روايات : نصب «المسحت» وفتح الدال من «يدع» ، وكسرها ورفع «المسحت» ، وضم الدّال من «يدع» ورده إلى ما لم يسمّ فاعله. وكأنّ أصله «يودع» ، ثم حذفت الواو.

وأمّا على رفع «المسحت» وكسر الدال من «يدع» ، فيكون «المسحت» فاعلا بـ «يدع» و «يدع» مضارع «ودع» بمعنى «بقي» ، يقال : «ودع الرجل في بيته» ، إذا بقي فيه ، ويكون

__________________

٥٦٥ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٦ ؛ وجمهرة أشعار العرب ص ٨٨٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ٣٨٦ ، ١٢٥٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٢٣٧ ، ٨ / ٥٤٣ ؛ والخصائص ١ / ٩٩ ؛ ولسان العرب ٢ / ٤١ (سحت) ، ٩ / ٣١ (جلف) ، ٨ / ٣٨٢ (ودع) ؛ وجمهرة اللغة ص ٤٨٧ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٧٩ ؛ وشرح المفصل ١ / ٣١ ، ١٠ / ١٠٣ ؛ والمحتسب ١ / ١٨٠ ، ٢ / ٣٦٥.

اللغة : عضّ الزمان : شدّته. المسحت : المستأصل الذي لم يبق منه شيء. المجلّف : المستأصل الذي بقي منه شيء يسير.

المعنى : إن شدّة الزمان وقسوته لم يتركا لنا من الرّزق إلا القليل اليسير ، فارحمنا يا بن مروان.

الإعراب : «وعضّ» : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «عض» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. «زمان» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «يا» : حرف نداء. «ابن» : منادى مضاف منصوب بالفتحة. «مروان» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. «يدع» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «من المال» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يدع».

«إلا» : حرف حصر. «مسحتا» : مفعول به منصوب بالفتحة. «أو» : حرف عطف. «مجلّف» : فاعل لفعل محذوف تقديره (أو بقي مجلّف) مرفوع بالضمّة.

وجملة «عضّ زمان» : بحسب ما قبلها. وجملة «لم يدع» : في محلّ رفع خبر للمبتدأ (عضّ). وجملة «بقي مجلف» : في محلّ رفع (معطوفة على جملة «لم يدع»).

والشاهد فيه قوله : «مسحتا أو مجلف» حيث رفع «مجلف» على أنه يستأنف الكلام لجملة جديدة من مبتدأ وخبر (أو مجلف كذلك) ، أو أن «مجلف» فاعل لفعل محذوف مفهوم من السياق تقديره «بقي وللعلماء في تخريج هذا الكلام شيء كثير ، ومنهم من غيّر رواية البيت ليتحاشى التفسيرات هذه.

٢٩٧

«أو مجلّف» ، معطوفا على «المسحت». وفتح الدال من «يدع» ، فيكون «المسحت» مفعولا بـ «يدع».

وفي رفع «أو مجلّف» خمسة أقوال : منهم من قال : إنّه مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وهو أبو القاسم ، ومذهبه فاسد ، لأنّه لا يبتدأ بالنكرة من غير شرط.

ومنهم من قال : إنّه فاعل بفعل مضمر كأنّه قال : أو بقي مجلّف. ومنهم من قال : إنّه خبر ابتداء مضمر تقديره أو الباقي مجلّف ، وكلاهما حسن.

ومنهم من قال : إنّه معطوف على الضمير في «مسحت» ، وهو ضعيف من جهة اللفظ فاسد من طريق المعنى.

فأمّا ضعفه من طريق اللفظ فإنّه لا يعطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد ، ولا طول قائم مقام التأكيد إلّا ضرورة.

وأمّا فساده من طريق المعنى فإنّ «المسحت» هو المستأصل ، و «المجلّف» هو الذي أكثره قد ذهب فلا يتصوّر أن يوصف «المجلّف» بأنّه «مسحت».

ومنهم من قال إنّه مصدر على وزن «مفعّل» نحو قوله تعالى : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)(١). معطوف على «وعضّ». كأنّه قال : وعضّ أو تجليف. وهذا فاسد من طريق المعنى ، لأنّ المسحت : المستأصل ، والمجلّف : الذي ذهب أكثره ، فلا يتصوّر أن يقال : التجليف لم يدع من المال إلّا مسحتا.

وقول أبي القاسم : ومنهم من يرويه : «إلّا مسحت أو مجلّف». محمول على المعنى ، لأنّه إذا قال : لم يدع كأنّه قال لم يبق ، ولم يروه أحد غيره. وأحسن من ذلك أن يكون «يدع» بمعنى «يبقى» كالمكسورة الدال ، ويدلّ على ذلك قول الأسود بن يعفر [من الرمل] :

٥٦٦ ـ أرّق الجفن خيال لم يدع

من سليمى ففؤادي منتزع

__________________

(١) سورة سبأ : ١٩.

٥٦٦ ـ التخريج : البيت لسويد بن أبي كاهل في ديوانه ص ٢٨ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٨٢ (ودع) ؛ وتاج العروس ٢٢ / ٢٤٦ (نزع) ، ٢٩٧ (ودع) ؛ وشرح اختيارات المفضل ص ٨٩١ ؛ ومعجم البلدان ٤ / ٢٥٣ (الفرع) ؛ ولسويد بن كراع في لسان العرب ٨ / ٣٨١ (ودع) ؛ وتهذيب اللغة ٣ / ١٣٩.

اللغة : المنتزع : المقلوع. لم يدع : لم يستقر.

٢٩٨

يريد : لم يبق ، وأمّا قوله [من الرجز] :

٥٦٧ ـ قد سالم الحيّات منه القدما

الأفعوان والشجاع الشجعما

فإنّه أنشده أبو القاسم شاهدا على المفعول المحمول على المعنى.

ولا حجّة له فيه ، لأنّ «الأفعوان» منصوب بإضمار فعل يفسره «سالم» ، فكأنّه قال :

__________________

المعنى : أصاب جفنيّ الأرق ، عند ما زارهما طيف سليمى سريعا ، وصار قلبي منقلعا إليها.

الإعراب : أرّق : فعل ماض مبني على الفتح. الجفن : مفعول به منصوب بالفتحة. خيال : فاعل مرفوع بالضمّة. لم يدع : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «يدع» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). من سليمى : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الألف ، متعلّقان بصفة من «خيال». ففؤادي : «الفاء» : استئنافية ، و «فؤادي» : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. منتزع : خبر مرفوع بالضمّة ، وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «أرق» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لم يدع» : في محلّ رفع صفة لـ (خيال). وجملة «فؤادي منتزع» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لم يدع» حيث أراد بها لم يبق.

٥٦٧ ـ التخريج : الرجز للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٣٣ ؛ وجمهرة اللغة ص ١١٣٩ ؛ وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسيّ أو للدبيريّ ، أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب ١١ / ٤١١ ، ٤١٥ ، ٤١٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٨١ ؛ وللعجاج أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي ، أو للتدمريّ ، أو لعبد بني الحسحاس في الدرر ٣ / ٦ ؛ أو لعبد بني عبس في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٣ ؛ ولمساور العبسي في لسان العرب ١٢ / ٣٦٦ (ضمز) ؛ ولعبد بني عبس في الكتاب ١ / ٢٨٧ ؛ وللدبيري في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٠١ ؛ ولأبي حنّاء في خزانة الأدب ١٠ / ٢٤٠ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٢٢ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٤٣١ ، ٢ / ٤٨٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٥٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٩٩ ؛ ولسان العرب ٨ / ١٧٥ (شجع) ، ١٢ / ٣١٩ (شجعم) ؛ والمقتضب ٢ / ٢٨٣ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٢٤١ ؛ والمنصف ٣ / ٦٩.

اللغة : الأفعوان والشجاع : ذكر الأفعى. الشجعم : الجريء.

المعنى : لقد تصالحت قدماه مع الأفاعي لأنهما أضحتا غليظتين صلبتين لطول ما سار حافيا.

الإعراب : قد : حرف تحقيق. سالم : فعل ماض مبني على الفتحة الظاهرة. الحيات : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. منه : جار ومجرور متعلقان بحال مقدمة محذوفة للقدم. القدما : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، والألف للإطلاق. الأفعوان : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة لفعل محذوف تقديره «سالم». والشجاع : «الواو» : عاطفة و «الشجاع» : اسم معطوف منصوب بالفتحة الظاهرة. والشجعما : «الواو» : حرف عطف ، «الشجعما» : صفة الشجاع منصوبة بالفتحة الظاهرة والألف للإطلاق.

وجملة «قد سالم الحيات القدما» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «الشجاع» مع فعله المحذوف تفسيرية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «قد سالم الحيات منه القدما الأفعوان» حيث أنشد الزجاجي هذا البيت شاهدا على المفعول به المحمول على المعنى. إلّا أنّ الصواب هو في تقدير فعل محذوف تقديره : سالم. والتقدير : سالم القدم الأفعوان.

٢٩٩

سالم القدم الأفعوان ، لأنّ «الحيّات» إذا سالمت القدم فقد سالمها. ولا يتصوّر أن يكون «الأفعوان» بدلا من «الحيّات» على المعنى ، لأنّ البدل تابع للمبدل منه على المعنى في إعرابه إلّا فيما له لفظ وموضع ، فإنّه يبدل منه تارة على لفظه وتارة على موضعه ، وهذا لفظ مرفوع ، وموضعه مرفوع لأنّه فاعل. ويروى هذا البيت :

قد سالم الحيّات منه القدما

فعلى هذا يكون «القدمان» فاعلا ، وحذف النون ضرورة ، كقوله [من الطويل]

٥٦٨ ـ هما خطّتا إمّا إسار ومنّة

وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر

وكذلك قوله [من المتقارب] :

٥٦٩ ـ لها متنتان خظاتا كما

[أكبّ على ساعديه النمر]

__________________

٥٦٨ ـ التخريج : البيت لتأبّط شرا في ديوانه ص ٨٩ ؛ وجواهر الأدب ص ١٥٤ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٤٩٩ ، ٥٠٠ ، ٥٠٣ ؛ والدرر ١ / ١٤٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٥٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٥ ؛ ولسان العرب ٧ / ٢٨٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٨٦ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٠٥ ؛ ورصف المباني ص ٣٤٢ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٢٦ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤٩ ، ٢ / ٥٢.

اللغة : الإسار : الأسر. ومنة : إطلاق من الأسر من غير فدية. الدم : كناية عن القتل.

المعنى : يقول للهذليين : إن سلمت نفسي إليكم فأنا بين أمرين إما الأسر ، وتفضّلكم عليّ بالإطلاق من غير فداء ، وإما القتل ، والقتل خير للحر من أسره وتفضل الناس عليه بالإطلاق.

الإعراب : هما : ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. خطتا : خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون للضرورة. إما : أداة تفضيل وتقسيم. إسار : بدل من (خطتا). ومنة : «الواو» : عاطفة و «منة» : معطوف على (إسار). وإما : «الواو» : عاطفة ، «إما» : حرف تفضيل وتقسيم. دم : اسم معطوف على إسار مرفوع بالضمة الظاهرة. والقتل : «الواو» : حالية ، «القتل» : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة. بالحر : جار ومجرور متعلقان بالخبر أجدر. أجدر : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

وجملة «هما خطتا» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «والقتل أجدر» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «خطّتا» وهو يريد «خطتان» وقد حذف النون للضرورة.

٥٦٩ ـ التخريج : البت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٦٤ ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ٤٦ ؛ وإنباه الرواة ١ / ١٨٠ ؛ والحيوان ١ / ٢٧٣ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٥٠٠ ، ٥٧٣ ، ٥٧٦ ، ٩ / ١٧٦ ، ١٧٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٨٤ ؛ وشرح اختيارات المفضل ٢ / ٩٢٣ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٥٦ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٣٩٨ (متن) ، ١٤ / ٢٣٣ (خظا) ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣٤٢ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٨٠ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٣٠ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢١٨ (سكن) ، ١٥ / ٤٢٩ (الألف) ؛ والمقرب ٢ / ١٨٧ ، ١٩٣ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٢٦.

٣٠٠