شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

والذي يسمع من المعدول على «فعال» : ثناء ، وثلاث ، ورباع ، وأحاد ، وعشار ، إلّا أنّ «أحاد» و «عشار» قليلان.

واختلف فيما عدا هذا المسموع من «مفعل» و «فعال» هل يقاس عليه أو لا ، فمنهم من قاسه ومنهم من لم يقسه ، وهو الصحيح ، لأنه لم يكثر كثرة توجب القياس.

واختلف في السبب الذي أوجب أن يمنع هذا العدل الصرف. فمنهم من قال : إنّما للعدل في اللفظ والمعنى. أمّا العدل في اللفظ فلأنّ «مثنى» معدول عن لفظ «اثنين» ، وأمّا العدل في المعنى فهو أنّك إذا قلت : «جاء القوم مثنى» ، تعني : جاء القوم اثنين اثنين ، وإذا جاء القوم اثنين اثنين ، فاثنين فاثنين يعطي ذلك.

ومنهم من قال : إنّما منع الصرف للعدل والتعريف. ومنهم من قال : إنّما منع الصرف للعدل والصفة وهو الصحيح.

وأما قول من قال : إنما امتنع الصرف للعدل في اللفظ والمعنى ففاسد ، لأنّه لم يثبت العدل في المعنى من العلل المانعة الصرف ، وإنّما ثبت من هذا الباب العدل في اللفظ.

وأمّا من قال : إنّما امتنع الصرف للعدل والتعريف فباطل ، لأنّه يرد عليه بقوله تعالى :

__________________

وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٥٦٧ ؛ والجنى الداني ص ٦١٩ ؛ وشرح المفصل ١ / ٦٢ ، ٨ / ٥٧ ؛ واللمع ص ٢٣٨ ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٤٤ ؛ والمقتضب ٣ / ٣٨١.

اللغة : أنيسه : ضد وحشه ، ولعلّها معدولة عن أناسه. تبغّى : تطلب.

المعنى : إن أهلي موجودون في واد تسكنه الحيوانات المتوحشة ، فألطف وآنس ما فيه ذئاب تطلب الناس وتطاردها واحدا ، أو اثنين معا. أو : هم في واد بشره كالذئاب التي تطارد الناس.

الإعراب : ولكنما : «الواو» : حرف استئناف ، «لكنما» : كافّة ومكفوفة. أهلي : مبتدأ مرفوع بالضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بواد : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الياء المحذوفة بسبب تنوين الاسم المقصور ، متعلّقان بخبر (أهلي) المحذوف ، بتقدير (أهلي موجودون أو مقيمون). أنيسه : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ذئاب : خبر (أنيسه) مرفوع بالضمّة. تبغى : (أصلها تتبغى) فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). الناس : مفعول به منصوب بالفتحة. مثنى : صفة (ذئاب) مرفوعة بضمّة مقدّرة على الألف. وموحد : «الواو» : للعطف ، «موحد» : معطوف على (مثنى) مرفوع بالضمّة.

وجملة «أهلي مقيمون» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أنيسه ذئاب» : في محلّ جرّ صفة لـ (الوادي). وجملة «تبغى» : في محلّ رفع صفة لـ (ذئاب).

والشاهد فيه قوله : «مثنى وموحد» حيث جاء بالعددين (واحد واثنان) معدولين إلى (مثنى وموحد).

٣٤١

(أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(١). فـ «مثنى» صفة لـ «أجنحة» و «أجنحة» نكرة ، فلو كان «مثنى» معرفة لم ينعت به النكرة ، وإن قال إنّ «مثنى» بدل فالجواب : إنّ البدل بالأسماء المشتقة يقلّ ، ويدلّ على بطلان مذهبه قوله [من الطويل] :

٥٩٦ ـ [يفاكهنا سعد ويغدو لجمعنا]

بمثنى الزّقاق المترعات وبالجزر

بإضافة «مثنى» إلى «الزقاق» ، ولو كان علما لم يضف.

فإن قال : قد يضاف العلم قليلا ، مثل قول الشاعر [من الطويل] :

٥٩٧ ـ علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشّفرتين يماني

__________________

(١) سورة فاطر : ١.

٥٩٦ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١١٣ ؛ والدرر ١ / ٩٦ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ٢٧.

اللغة : يفاكهنا : يمازحنا. الزقاق : جمع زقّ وهو السّقاء ، أو ما يشرب به. المترعات : الملأى حتى آخرها. الجزر : جمع جزور وهو البعير المذبوح ، وأراد هنا اللحم المشوي منه.

المعنى : يصف خمّارا اسمه سعد ، يمازح روّاد خمّارته ، ويأتيهم بكؤوس الشراب الملأى ، واللحوم المشويّة.

الإعراب : يفاكهنا : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.

سعد : فاعل مرفوع بالضمّة. ويغدو : «الواو» : للعطف ، و «يغدو» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الواو ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). لجمعنا : جار ومجرور متعلقان بـ (يغدو) ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بمثنى : جار ومجرور متعلقان بـ (يغدو). الزقاق : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المترعات : صفة مجرورة بالكسر. وبالجزر : «الواو» : للعطف ، «بالجزر» : جار ومجرور متعلقان بـ (يغدو) لأنه معطوف على «بمثنى».

وجملة «يفاكهنا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ويغدو» : معطوفة عليها لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «بمثنى الزقاق» حيث أضاف النكرة (مثنى) إلى المعرفة «الزقاق» ، وفي هذا دليل على أن (مثنى) ليس علما.

٥٩٧ ـ التخريج : البيت لرجل من طيّىء في شرح شواهد المغني ١ / ١٦٥ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٧١ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٨٩ ، ١٩١ ؛ وجواهر الأدب ص ٣١٥ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٢٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٥٢ ، ٤٥٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٨٦ ، ٢ / ٤٤٢ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٥٣ ؛ وشرح المفصل ١ / ٤٤ ؛ ولسان العرب ٣ / ٢٠٠ (زيد).

اللغة : علاه بالسيف : ضربه به. يوم النقا : معركة من معارك بني طيّىء. شفرتا السيف : حدّاه. الماضي : القاطع. يماني : نسبة إلى اليمن.

٣٤٢

فيقال هذا قليل ، والأولى أن يحمل على الكثير.

ويدلّ على بطلان مذهبه أيضا قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(١). لأنّ «مثنى» حال ، والحال لا يجيء معرفة ، فدلّ على بطلان مذهبه.

[٤ ـ الاسم غير المنصرف الذي دخلت عليه «أل» أو أضيف] :

وكل غير منصرف إذا دخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجرّ. ومنهم من قال : انصرف. وسبب اختلافهم في هذا اختلافهم في تسمية المنصرف منصرفا.

فالذي يقول : إنّما سمّي منصرفا لأنّ في آخره صريفا يجعل هذا منجرّا لا منصرفا. والذي قال : إنّه إنّما سمّي منصرفا ، لأنّه انصرف عن شبه الفعل يجعل هذا منصرفا. والأول هو الصحيح ، لأنه ليس فيه صريف ، لأنه لو كان المنصرف إنّما سمّي منصرفا لانصرافه عن شبه الفعل للزم أن لا يوجد اسم منصرف إلّا وقد كان قبل ذلك قد أشبه الفعل ، وذلك باطل ، ألا ترى أن «زيدا» منصرف ولم يشبه الفعل في موضع.

واختلف في السبب الذي أوجب انجرار الاسم إذا دخل عليه الألف واللام أو أضفته.

فمنهم من قال : إنّ الألف واللام والإضافة من خواص الأسماء. فإذا دخلت على الاسم يضعف شبهه بالفعل.

__________________

المعنى : لقد ضرب زيد من قبيلتنا زيدا من قبيلتكم يوم النقا بسيفه الأبيض القاطع الحدّين المصنوع في اليمن.

الإعراب : علا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. زيدنا : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يوم : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل (علا). النقا : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف. رأس : مفعول به منصوب بالفتحة. زيدكم : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة والميم علامة جمع الذكور العقلاء. بأبيض : جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، متعلّقان بـ (علا). ماضي : صفة (أبيض) مجرور بكسرة مقدّرة على الياء. الشفرتين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى.

يمان : صفة ثانية لـ (أبيض) مجرورة بكسرة مقدّرة على الياء المحذوفة.

وجملة «علا زيدنا» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «زيدنا» و «زيدكم» حيث أضاف العلم إلى الضمير.

(١) سورة النساء : ٣.

٣٤٣

فإن قيل : فينبغي أن ينجرّ إذا دخل عليه حرف الجر ، مثل : «مررت بأحمد» ، لأنّ حروف الجر من خواص الأسماء فالجواب لصاحب هذا المذهب أن تقول : إذا دخل على الاسم الذي لا ينصرف الألف واللام أو أضيف ، ضعف فيه جانب الشبه بالفعل. وإذا دخل عليه حرف الجر زادت ضعفا فانجرّت ، بخلافها إذا دخل عليها حرف الجر والشبه فيها متمكن.

وهذا المذهب مع هذا باطل ، لأنّه ينبغي إذا صغّر الاسم الذي لا ينصرف ، أو نعت ، ثم دخل عليه حرف الجرّ أن يجرّ ، وهم لا يجرونه ، فدلّ على بطلان مذهب هذا القائل.

ولهذا القائل أن يفرّق بين الصفة والتصغير ، وبين الإضافة والألف واللام بأن يقول : الصفة والتصغير ليس اتصالهما بالموصوف كاتصال الألف واللام بالاسم ، ولا كاتصال المضاف بالمضاف إليه ، فلذلك لم يقو قوّتهما.

وأمّا التصغير فقد وجد في الأفعال ، نحو : «ما أميلح زيدا» ، بخلاف الألف واللام التي للتعريف وللإضافة ، ألا ترى أنّه لم توجد الألف واللام المعرفة داخلة على الفعل في موضع ، وكذلك لم تضف الفعل إلى غيره في موضع من المواضع. والأحسن أن تقول إنّما لم يجر لأنّ الألف واللام والإضافة يعاقبان التنوين ، والاسم إذا دخله التنوين ينجرّ ، فكذلك إذا دخله ما يعاقبه.

[٥ ـ الاسم الذي لا ينصرف في المعرفة والنكرة] :

قوله : «فأمّا ما لا ينصرف في المعرفة ويصرف في النكرة فذلك اثنا عشر جنسا ... الفصل منها ، كل اسم أعجمي».

ينبغي أن يزيد في هذا الفصل ما لم تكن عجمته جنسية ، لكنه استغنى عن هذا بالمثال.

وقوله : وإن كان على ثلاثة أحرف انصرف فيهما.

هذا مذهب أهل البصرة وأمّا ابن قتيبة وعيسى بن عمر ، فإنّه عندهما يجري مجرى المؤنث الثلاثي. فإن كان متحرّك الوسط منع الصرف ، وإن كان ساكن الوسط ، كان فيه وجهان ، والأفصح فيه عندهما الصرف.

وذلك باطل ، بدليل أنّه لم يسمع في «لوط» ونحوه إلّا الصرف ، وأما «حمص»

٣٤٤

و «جور» و «ماه» (١) ، فامتنعت الصرف لاجتماع التعريف مع التأنيث مع العجمة ، ولو لم يضف له التأنيث لكان مصروفا.

قوله : ومنها كل اسم على وزن الفعل المستقبل .. الفصل.

كل اسم على وزن الفعل المستقبل ، فلا يخلو أن يكون منقولا من فعل أو لا يكون. فإن كان غير منقول من فعل ، فإنّه يمتنع الصرف لوزن الفعل والتعريف ، كرجل سمّي «أفكل».

فإن كان منقولا من فعل ، فلا يخلو أن يسمّى به وفيه ضمير ، أو لا يكون فيه ضمير. فإن سمّيت به وفيه ضمير ، فالحكاية ليس إلّا ، مثل قول الشاعر [من الرجز] :

٥٩٨ ـ نبّئت أخوالي بني يزيد

ظلما علينا لهم فديد

فإن سميّت به وليس فيه ضمير ، فإنّه يمتنع الصرف لوزن الفعل والتعريف. فإن نكرته بعد التسمية ، فإنّه ينصرف قولا واحدا سواء كان منقولا من فعل أو لم يكن ، لأنّه لم يبق فيه

__________________

(١) جور وماه : مدينتان بفارس

٥٩٨ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٢ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٢٧٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ١١٧ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٨٨ ، ٤ / ٣٧٠ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٢٨ ؛ ولسان العرب ٣ / ٢٠٠ (زيد) ، ٣٢٩ (فدد) ؛ ومجالس ثعلب ص ٢١٢ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٢٦.

شرح المفردات : نبئت : أخبرت. الفديد : الجلبة والصياح.

المعنى : يقول : لقد أخبرت أن بني يزيد يكثرون من الصياح علينا ليلحقوا بنا الأذى.

الإعراب : «نبئت» : فعل ماض للمجهول ، والتاء ضمير في محلّ رفع نائب فاعل. «أخوالي» : مفعول به ثان منصوب ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «بني» : بدل من «أخوال» منصوب بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف. «يزيد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية. «ظلما» : مفعول لأجله منصوب. «علينا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «ظلما» أو «فديد». «لهم» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ. «فديد» : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمّة.

وجملة : «نبئت» الفعليّة ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لهم فديد» الاسميّة في محلّ نصب مفعول به ثالث لـ «نبّئت».

الشاهد : قوله : «يزيد» حيث سمّى به ، وأصله فعل مضارع ماضيه «زاد» مشتمل على ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» فهو منقول من جملة مؤلّفة من فعل وفاعل.

٣٤٥

إلّا علة واحدة ، وليس فيه شبه أصيل ، لأنّه في الأصل فعل وهو الآن اسم.

قوله : ومنها كل اسم في آخره ألف ونون ... إلى آخره.

وهذا صحيح إلّا أنّه ينبغي أن يزيد فيه : ولم يجمع على «فعالين» ولا صغّر على «فعيلين». وهذه النون تعلم زيادتها من أصالتها بالاشتقاق ، فإن قضى عليها الاشتقاق بالزيادة ، فهي زائدة ، وإن قضى عليها بالأصالة ، فهي أصيلة. وإن لم يعلم لها اشتقاق ، فالأولى أن تحمل على الزيادة ، لكثرة زيادتها ، إلّا أن يكون اسم نبات على «فعّال» مثل «رمّان» ، كان فيه خلاف. فسيبويه يزعم أنّ هذه الألف والنون زائدتان ، لأنّها قد كثرت زيادتهما. وأبو الحسن الأخفش يقول : قد كثر في أسماء النبات «فعّال» ، فينبغي أن تحمل النون على الأصالة.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، لأنّ زيادة الألف والنون في «فعلان» أكثر من مجيء أسماء النبات على «فعّال» ، على أنه إن ثبت ما حكي من كلامهم : «أرض رمنة» ، ثبت أنّ «رمّانا» «فعّال».

ومما يعلم به أصالة النون الواقعة بعد الألف ، إذ لا يتقدم الألف إلّا حرفان ، نحو : «قران» فإنّ نونه أصلية إذ لا يتصور جعل الألف والنون زائدتين لبقاء الاسم على أقل من ثلاثة أحرف.

وكذلك أيضا يعلم أصالة النون بأن يكون الاسم من باب «جنجان» ، لأنّك إذا حملت النون على الأصالة كان الاسم من باب «صلصلت» ، وهو كثير ، فإن حملتها على الزيادة ، كان من باب «سلس» أعني مما فاؤه ولامه من جنس واحد.

قوله : ومنها كلّ اسم مؤنث ... الفصل.

كل اسم في آخره تاء التأنيث ، فإنّه يمتنع الصرف للتعريف والتأنيث كـ «فاطمة» و «عائشة» ، و «طلحة» ، فإن نكّرته بعد التسمية به ، صرفته لأنّه لم يبق فيه إلّا علّة واحدة.

٣٤٦

قوله : ومنها كل اسم مؤنث على ثلاثة أحرف ... الفصل.

المؤنث الثلاثي لا يخلو أن يكون ساكن الوسط ، أو متحرك الوسط. فإن كان متحرك الوسط ، فيمتنع الصرف للتعريف والتأنيث ، فإن نكّرته انصرف قولا واحدا ، لأنّه لم يبق فيه إلّا علّة واحدة فقط.

فإن كان ساكن الوسط ، فلا يخلو أن يكون منقولا من مذكّر أو لا يكون ، فإن لم يكن منقولا من مذكّر ، فلا يخلو أن يضاف إليه علّة واحدة أو أزيد ، فإن انضاف إليه أزيد من علة ، فيمتنع الصرف ، وإن انضاف إليه علّة واحدة ، فيجوز فيه وجهان : الصرف ومنعه ، فمن لحظ التأنيث والتعريف منعه الصرف ، ومن لحظ خفته بسكون وسطه ، جعل الخفة معادلة لإحدى العلتين.

فإن كان منقولا من مذكّر امتنع الصرف ، لأنّ فيه التعريف والتأنيث ، وخروجه عن الخفيف ، وهو التذكير ، إلى الثقيل ، وهو التأنيث ، ولا يجوّز غير ذلك إلّا عيسى بن عمر ، فإنه يجريه مجرى المؤنّث الذي لم ينقل من مذكر ، فيجيز فيه الصرف ومنعه.

وأمّا كلّ مؤنّث على أكثر من ثلاثة أحرف ، فإنه يمتنع الصرف ، فإن نكّرته انصرف.

قوله : «ومنها كل اسم معدول عن فاعل .. الفصل».

نقول : «فعل» ينقسم أربعة أقسام : جمع مثل «غرر» و «درر» ، واسم نكرة مفرد ليس بصفة ، نحو : «نغر» (١) و «صرد» (٢) ، وصفة ، مثل «حطم» (٣) ، و «لبد» (٤) ، واسم علم ، مثل : «عمر» ، و «زفر» ، و «قثم».

فأمّا الجمع واسم النكرة الذي ليس بصفة والصفة فمصروفة في المعرفة والنكرة. وأمّا العلم فلا يخلو أن يكون له أصل في النكرات أو لا يكون. فإن كان له أصل في النكرات ، فإنّك تصرفه إلّا أن يقوم دليل من سماع على منعه الصرف ، مثل «عمر» فيعلم أنّه ليس بمنقول من نكرة.

وإن لم يكن له أصل في النكرات ، فتمنعه الصرف إلّا أن يقوم دليل من سماع على صرفه ، مثل ما حكي من أنّهم يقولون : «فلان بن أدر».

__________________

(١) النّغر : طائر كالعصفور.

(٢) الصرد : طائر كالعصفور.

(٣) حطم : الرجل القليل الرحمة للماشية.

(٤) لبد : كثير.

٣٤٧

قوله : «ومنها كل اسم على بناء الفعل الماضي ... الفصل».

نقول : كل اسم مقول من الفعل الذي لا نظير له في الأسماء لا يخلو أن تنقله وفيه ضمير أو خاليا من الضمير. فإن كان فيه ضمير ، فإنّك تحكيه ، مثل : «تأبّط شرّا» ، وعليه قوله [من المتقارب] :

٥٩٩ ـ على أطرقا باليات الخيا

م إلّا الثّمام وإلّا العصيّ

في أحد القولين.

فإن نقلته ، وليس فيه ضمير ، فإنك تمنعه الصرف ما لم يخرجه الإعلال إلى وزن من أوزان الأسماء ، فإن أخرجه الإعلال إلى ذلك ، فلا يخلو أن ينطق له بأصل ، مثل : «قيل» و «بيع» ، فإنّه مصروف أبدا ، وعليه : «ما رأيته من شبّ إلى دبّ» ، وفي الأثر : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قيل وقال» ، فإنّه قد نطق له بأصل ، مثل أن تسمّي رجلا بـ «ضرب» المخففة من «ضرب» ، مثل قوله [من الرجز] :

٦٠٠ ـ [هيّجها نضح من الطلّ سحر

وهزّت الريح الندى حين قطر]

لو عصر منه البان والمسك انعصر

__________________

٥٩٩ ـ التخريج : البيت لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب ٢ / ٣١٧ ، ٧ / ٣٤٢ ؛ وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٠٠ ؛ وشرح المفصل ١ / ٣١ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٢٢٤ (طرق) ؛ ومعجم ما استعجم ١ / ١٦٧ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٣٩٧ ؛ وللهذلي في خزانة الأدب ٧ / ٣٢٦ ؛ وشرح المفصل ١ / ٢٩ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٣٣٣.

اللغة : أطرقا : اسم موضع. باليات : قديمات. الثمام : نوع من النبات يحشى به خصاص البيوت ، ويستر به جوانب الخيمة. العصي : ج العصا ، وهي قضيب غليظ ، أو خشب تبنى بها بيوت الأعراب.

المعنى : يقول : إنّ الديار قد بليت ولم يبق منها إلّا الثمام والعصي.

الإعراب : على أطرقا : جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الديار في بيت سابق. باليات : حال ثانية ، وهي مضافة. الخيام : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إلّا : حرف استثناء. الثمام : (بالرفع) مبتدأ خبره محذوف تقديره : «إلّا الثمام باقية» ، و (بالنصب) منصوب على الاستثناء. وإلّا : «الواو» : حرف عطف ، و «إلّا» : زائدة. العصي : معطوف على «الثمام».

الشاهد : قوله : «أطرقا» فإن أصله فعل أمر ، ثم غدا اسم علم.

٦٠٠ ـ التخريج : الرجز لأبي النجم في أدب الكاتب ص ٥٣٨ ؛ وإصلاح المنطق ص ٣٦ ؛ وشرح

٣٤٨

فلا يخلو أن تعتد بالعارض أو لا تعتد ، فإن اعتددت العارض صرفته ، وإن لم تعتد بالعارض منعت الصرف.

فإن سكّنته بعد التسمية مثل أن تسمّي رجلا بـ «ضرب» ثم تسكّن عينه ، فتقول : «ضرب» منعته الصرف. فإن نكّرته صرفته.

قوله : ومنها كل اسمين جعلا اسما واحدا .. الفصل.

الصواب أن يقول بعد هذا : ولم يتضمّن معنى الحرف ، فإن تضمّن معنى الحرف بني ، مثل «خمسة عشر» ، إلّا أنّه استغنى بالمثال عن ذلك. فإن لم يتضمن معنى الحرف ، فللعرب فيه ثلاثة أوجه :

__________________

شافية ابن الحاجب ١ / ٤٣ ؛ والكتاب ٤ / ١١٤ ؛ ولسان العرب ٤ / ٥٨١ (عصر) ؛ والمنصف ١ / ٢٤ ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٢٩٤ ؛ واللامات ص ٣٦ ؛ والمنصف ٢ / ١٢٤.

اللغة : هيّجها : أثارها النضح : رشاش الماء. الطل : المطر الضعيف. البان : نوع من الشجر له زهرة طيبة الريح.

المعنى : أثارها رشاش الماء من المطر في وقت السحر ، وهزّت الريح قطرات الماء عند ما هطلت في الصباح ، فكأنّها مصنوعة مما طابت رائحته وضاع شذاه ، حتى لو أنك عصرت ثيابها لسال المسك من قدودها الجميلة كغصون البان.

الإعراب : «هيجها» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. «نضح» : فاعل مرفوع بالضمّة. «من الطلّ» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة من «نضح». «سحر» : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، وسكّن لضرورة الشعر ، متعلق بـ «هيج». «وهزت» : «الواو» : حرف عطف ، «هزت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. «الريح» : فاعل مرفوع بالضمّة. «الندى» : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. «حين» : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بـ «هزّ». «قطر» : فعل ماض مبني على الفتح ، وسكّن لضرورة الشعر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «لو» : حرف شرط غير جازم. «عصر» : فعل ماض مبني للمجهول ، مبني على الفتح. «منها» : جار ومجرور متعلقان بـ «عصر». «البان» : فاعل مرفوع بالضمّة. «والمسك» : «الواو» : حرف عطف ، «المسك» : اسم معطوف على مرفوع ، مرفوع مثله بالضمّة. «انعصر» : فعل ماض مبني على الفتح ، وسكّن لضرورة الشعر ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «هيّجها» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «هزت» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «قطر» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «لو عصر انعصر» : استئنافية لا محل لها. وجملة «انعصر» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لو عصر» بتسكين الصاد وحقّها التحريك.

٣٤٩

أحدها أن تبنيه حملا على «خمسة عشر» وبابه ، فتقول : «جاءني حضرموت وبعلبك» ، و «رأيت حضرموت» ، و «مررت ببعلبك».

والآخر أن تجعل الإعراب في الأول ، وتضيفه إلى الثاني ، فتقول : «جاءني حضرموت» ، و «رأيت حضرموت» ، و «مررت بحضرموت».

والثالث أن تعربه إعراب ما لا ينصرف ، فتقول : «جاءني بعلبك» ، و «رأيت بعلبك» ، و «مررت ببعلبك».

قوله : ومنها كل اسم في آخره ألف الإلحاق ... الفصل.

كل اسم في آخره ألف الإلحاق ، فإنك إذا سمّيت به امتنع الصرف لشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث ، وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث في أنّها زائدة في آخر الاسم ، كما أنّ ألف التأنيث زائدة ، ولا تدخله تاء التأنيث ، كما أنّ ما أنّث بالألف لا تدخله تاء التأنيث.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم يمتنع الصرف «أرطى» إذا كان نكرة؟

فالجواب : إنّ ألف الإلحاق في حال التنكير لا تشبه ألف التأنيث لأنها قد تلحقها تاء التأنيث ، فتقول : «أرطأة» ، وألف التأنيث لا تلحقها تاء التأنيث ، هذا إذا سمّيت بـ «أرطى» على لغة من يقول : «مأروط» (١) ، فجعل همزته أصلية والألف زائدة ، ومن قال : «مرطى» ، فالألف عنده أصلية.

فإذا سميّت به امتنع الصرف للتعريف ، ووزن الفعل. فإن نكّرته بعد التسمية ، انصرف لأنّه لم يبق فيه إلّا علة واحدة ، وهي وزن الفعل.

قوله : ومنها كل مذكّر سمّيته بمؤنث ... الفصل.

نقول إذا سمّيت مذكرا باسم مؤنث ، فلا يخلو أن يكون فيه علم التأنيث ، أو لا يكون.

فإن كان فيه علم التأنيث ، فإنه يمتنع الصرف ، قلّت حروفه أو كثرت. وإن لم يكن في

__________________

(١) مأروط : مدبوغ بالأرطى.

٣٥٠

آخره تاء التأنيث ، فلا يخلو أن يكون ثلاثيا أو أزيد.

فإن كان أزيد ، فإنّه يمتنع الصرف للتعريف وقيام الحرف الرابع مقام تاء التأنيث.

والدليل على أنّ المؤنث الذي هو أزيد من ثلاثة أحرف وليس فيه تاء التأنيث أنّ الحرف الرابع يقوم فيه مقام تاء التأنيث ، أنّهم إذا صغّروا اسما ثلاثيّا ، نحو : «هند» ، فإنّهم يقولون في تصغيره : «هنيدة» ، ويردّون تاء التأنيث. وإذا صغروا الرباعيّ الذي ليس في آخره تاء التأنيث ، نحو : «زينب» يقولون في تصغيره : «زيينب» ، ولا يلحقون تاء التأنيث ، فدلّ على أنّ الحرف الرابع يقوم مقام تاء التأنيث.

ما لم يكن التأنيث تأنيث جمع ، فإنّه لا يعتدّ به ، مثل رجل سميّته بـ «كلاب» جمع «كلب» ، لأنّه مصروف أبدا ، لأنّ الجمع يجوز فيه وجهان : التذكير والتأنيث. فالتذكير على معنى جمع ، والتأنيث على معنى جماعة ، فلا يلزم هذا التأنيث.

إلّا «كراعا» و «ذراعا» ، لكثرة تسمية المذكّر بهما صرفا ، وبعض العرب يمنع الصرف من «كراع».

فإن كان الاسم أقل من ثلاثة أحرف فإنّه مصروف أبدا.

قوله : ومنها كل مؤنث سميته باسم مذكّر ... الفصل.

كل مؤنث سميته باسم مذكّر ، فإنّه يمتنع الصرف للتأنيث والتعريف أبدا بلا خلاف ، إلّا أن يكون على ثلاثة أحرف فإنّ فيه خلافا.

فزعم عيسى أنّك إذا سمّيت امرأة بـ «زيد» فإنّه يجوز فيه وجهان مثل «هند» لأنّه صار من أسماء المؤنّث حكم له بحكم المؤنث.

وهذا الذي قال باطل ، لأنّه يزيد على المؤنث الذي لم ينقل من مذكّر بالخروج على الخفيف وهو المذكّر ، إلى الثقيل وهو المؤنث ، وقد تقدم الكلام على ذلك.

[٦ ـ التسمية بالفعل] :

وهذه مسائل من التسمية لم يذكرها أبو القاسم ، فأحببت أن أبيّن أحكامها. فمن ذلك أن تسمّي رجلا بالفعل مع علامة التأنيث ، مثل : «ضربت» ، فلا يخلو أن يكون فيه ضميرا أو

٣٥١

لا يكون. فإن كان فيه ضمير ، فالحكاية ليس إلّا ، وإن لم يكن فيه ضمير ، فإنّه يمتنع الصرف للتعريف والتأنيث ، وتقف على التاء كما تقف على التاء اللاحقة للاسم ، فتقلبها هاء ، فتقول : «جاءني ضربه» ، و «مررت بضربه». فإن سميّت رجلا بالفعل مع علامة التثنية ، أو علامة الجمع ، فلا بدّ من لحاق النون لأنّ الفعل قد صار اسما والاسم إذا كان في آخره علامة تثنية أو جمع ، فلا بدّ من النون بعدهما ، ويكون حكمها حكم التسمية بالتثنية والجمع.

والاسم المثنى إذا سمي به جاز فيه وجهان : أحدهما أن تحكي التثنية فتقول : «جاءني زيدان» ، و «رأيت زيدين» ، و «مررت بزيدين».

والآخر : أن تجعل الإعراب في الآخر ، فتقول : «جاءني زيدان» ، و «رأيت زيدان» ، و «مررت بزيدان» ، تمنعه الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون.

وكذلك الاسم المجموع إذا سمّي به جاز فيه وجهان : الحكاية ، فيكون رفعه بالواو ونصبه وخفضه بالياء ، فتقول : «هذه قنّسرون» ، و «رأيت قنّسرين» و «مررت بقنّسرين».

والآخر : أن تجعل الإعراب في النون ، وتقلب الواو ياء ، لأنه لم يوجد اسم معرب في آخره واو ونون زائدتان ، فتقول : «هذا زيدين» ، و «رأيت زيدينا» و «مررت بزيدين».

فإن سمّيت بجمع المؤنث السالم ، فيجوز فيه وجهان : الحكاية ، فتقول : «جاءني مسلمات» ، و «رأيت مسلمات» ، و «مررت بمسلمات».

والثاني : أن تمنعه الصرف للتأنيث والتعريف ، فتقول : «جاءني مسلمات» ، و «رأيت مسلمات» ، و «مررت بمسلمات».

وزعم أبو العباس المبرّد أنه يجوز : «مررت بمسلمات» ، بالكسر من غير تنوين ، وحذف التنوين ، لأنّه في مقابلة نون الجمع ، فلما زال عن الجمعية زالت النون ، فصارت التاء بمنزلة الياء والواو في الجمع ، فلا تمنع الصرف.

وهذا الذي قاله باطل ، لأنّ التاء على كل حال تعطي التأنيث مع أنّها بمنزلة الياء والواو في الجمع ، فلا تمنع الاسم الصرف لاجتماع علّتين فيه ، ورواية من روى [من الطويل] :

٦٠١ ـ تنوّرتها من أذرعات [وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عال]

__________________

٦٠١ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣١ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٥٦ ؛ والدرر ١ / ٨٢ ؛

٣٥٢

بالكسر من غير تنوين غير صحيحة.

[٧ ـ التسمية بالحرف] :

فإن سمّيت بالحروف ، فلا يخلو أن يكون حرف معنى ، أو حرف هجاء. فإن كان حرف معنى ، فلا يخلو أن يكون على حرف واحد ، أو على حرفين ، أو على أزيد.

فإن كان على أزيد من حرفين مثل «منذ» إذا جرّت ، وكذلك «ثمّ» فإنّ حكمه حكم الاسم يكون معربا ، فتقول : «جاءني منذ» ، و «رأيت منذا» ، و «مررت بمنذ». وإن كان على حرفين ، فلا يخلو أن يكون الثاني حرف علة ، أو حرفا صحيحا. فإن كان حرفا صحيحا ،

__________________

ورصف المباني ص ٣٤٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٩٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١٩ ؛ وشرح التصريح ١ / ٨٣ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٥٩ ؛ وشرح المفصّل ١ / ٤٧ ؛ والكتاب ٣ / ٢٣٣ ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ١٩٦ ؛ والمقتضب ٣ / ٣٣٣ ، ٤ / ٣٨ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٤١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٤ ؛ وشرح المفصّل ٩ / ٣٤.

شرح المفردات : تنوّرتها : تبصّرت نارها من بعيد. أذرعات : بلد في أطراف الشام. يثرب : اسم مدينة ، وهي التي هاجر إليها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بعد ، فسمّيت المدينة المنوّرة. أدنى : أقرب. نظر عال : أي يحتاج إلى نظر بعيد.

المعنى : يتوهّم الشاعر أنّه نظر إلى النار المشبوبة في دار الحبيبة ، وهو بعيد عنها يتحرّق لرؤيتها ، ويتمنّى لقاءها.

الإعراب : «تنوّرتها» : فعل ماض مبنيّ على السكون ، والتاء ضمير متّصل في محل رفع فاعل ، و «ها» : ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به. «من أذرعات» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تنوّرتها». «وأهلها» : الواو حالية ، «أهلها» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة ، «بيثرب» : جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف تقديره : «موجودون». «أدنى» : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. «دارها» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «نظر» : خبر المبتدأ مرفوع. «عال» : نعت «نظر» مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة لأنّه اسم منقوص.

وجملة : «تنوّرتها ...» الفعلية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «وأهلها بيثرب» الاسمية في محلّ نصب حال. وجملة «أدنى دارها نظر» الاسمية استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «أذرعات» حيث يجوز فيه الكسر بلا تنوين ، لأنه جمع بحسب أصله ، وعلم لمؤنّث بحسب حاله ، فجرّ بالكسرة كما يجر جمع المؤنّث السالم ، ومنع من التنوين كما يمنع العلم المؤنّث. وهذه إحدى روايات البيت وقد رفضها المؤلف وأوضح السبب.

٣٥٣

فإنّه يجعل الإعراب عليه ، ويجري مجرى الأسماء المنقوصة كـ «يد» و «دم» ، فتقول : «جاءني من» ، و «رأيت منا» ، و «مررت بمن».

وإن كان الثاني حرف علة ، فإنّك تزيد عليه حرف علة آخر من جنس حرف العلّة. فإن كان ياء زدت ياء ، وإن كان واوا زدت واوا ، وأدغمت الياء في الياء ، والواو في الواو.

فلو سميّت رجلا بـ «أو» لقلت : «جاءني أوّ» ، و «رأيت أوّا» ، و «مررت بأوّ» ، وعليه قوله [من المديد] :

٦٠٢ ـ علّقت أوّا تردّده

إنّ أوّا ذاك أعيانا

ومثل قول الآخر [من الخفيف] :

٦٠٣ ـ ليت شعري وأين منّي ليت

إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء

__________________

٦٠٢ ـ التخريج : البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٩٣ ؛ والأشباه والنظائر ٥ / ١٩٢ ؛ وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٨٧ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٦٩ (أمالا) ؛ والمقتضب ١ / ٢٣٥.

اللغة : علّقت : أحبّت. أوّ : اسم رجل. أعيانا : أتعبنا.

المعنى : إنها أحبّت هذا الرجل (أوّا) ، وصارت تردّد اسمه في كل حين ، إن هذا الرجل قد أتعبنا بلا شك.

الإعراب : علقت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). أوّا : مفعول به منصوب بالفتحة. تردده : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). إنّ : حرف مشبّه بالفعل. أوّا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. ذاك : اسم إشارة في محلّ نصب بدل من (أوّا). أعيانا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «علّقت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تردده» : في محلّ نصب حال. وجملة «إنّ أوّا ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أعيانا» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «أوّا» حيث جاء حرف العطف (أو) اسما لرجل ، فزيدت فيه (واو) وأدغمت فيما قبلها وصار ثلاثيا معربا.

٦٠٣ ـ التخريج : البيت لأبي زبيد الطائي في ديوانه ص ٢٤ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١١١ ، ٦ / ٢٧٥ ، ٣٨٨ ، ٧ / ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٢١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١١ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٣٠ ، ١٠ / ٥٧ ؛ والشعر والشعراء ١ / ٣١٠ ؛ والكتاب ٣ / ٢٦١ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٥٤ (أوا) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٦٨ ،

٣٥٤

وإنّما فعلت ذلك ، لأنّك لو لم تزد عليه حرفا من جنس الثاني ، لأدّى ذلك إلى بقاء الاسم المعرب على حرف واحد ، وذلك أنك لو جعلت الإعراب في الحرف الثاني من غير أن تزيد عليه ، لوجب أن يدخله التنوين علامة على التمكن ، ثم تستثقل الحركة في حرف العلة ، فيلتقي ساكنان : حرف العلة والتنوين ، فيحذف حرف العلّة لذلك ، فيبقى الاسم على حرف واحد ، وذلك باطل.

فإن كان حرف المعنى على حرف واحد ، فلا يخلو أن يكون ساكنا أو متحرّكا. فإن كان متحركا ، أشبعت الحركة حرفا من جنسها ، فيصير على حرفين ثانية حرف علة ، فيكون حكمه حكم «لو» إذا سمّيت بها.

فإن كان ساكنا ، حركته بالكسرة ، وفعلت به ما فعلت بالتسمية بالحرف المكسور. وإنّما حركته بالكسر ، لأنّك تضيف إليه في التسمية به حرفا ، إذ لا يمكن أن يكون الاسم الظاهر على حرف ، وأشيع الحروف في الزيادة حروف العلة ، فتزيد حرف علة ساكنا ، لأنّه مهما أمكن زيادة الحرف ساكنا كان أولى من زيادته متحركا ، فيلتقي ساكنان ، فتحرك لأنّه لا يمكن الابتداء بالساكن ، وأصل حركة التقاء الساكنين الكسر ، فتحرّكه بالكسر ، فلذلك يصير

__________________

٤١٠ ، ٨٤٩ ؛ ودّرة الغواص ص ٣٢ ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٦٥ ؛ والمقتضب ١ / ٢٣٥ ، ٤ / ٣٢ ، ٤٣ ؛ والمنصف ٢ / ١٥٣ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٧٠٨ (هلل).

اللغة : ليت شعري : عبارة تستخدم للتمني والرجاء. العناء : التعب.

المعنى : لا تردّد قول : ليته كان كذا ، ولو كان كذا ، فإنّ هاتين الكلمتين تتعب من يستخدمهما ويردّدهما ، ومع ذلك أتمنى أن أعلم الحقيقة ولكن أين مني ما أتمناه.

الإعراب : ليت : حرف مشبّه بالفعل لإفادة التمنّي. شعري : اسم (ليت) منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، و «خبرها» محذوف تقديره (مساعف). وأين : «الواو» : للاستئناف ، «أين» : اسم استفهام في محلّ نصب ظرف مكان متعلق بالخبر المقدم المحذوف. مني : جار ومجرور متعلقان بحال من اسم «ليت». ليت : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، خبره محذوف ، بتقدير (أين ليت موجودة مني). إنّ : حرف مشبّه بالفعل. ليتا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة ، وخبرها محذوف بتقدير (إنّ ليتا عناء). وإنّ : «الواو» : للعطف ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل. لوّا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. عناء : خبر (إنّ) مرفوع بالضمّة.

وجملة «ليت شعري موجود» : ابتدائية لا محلّ لها. ومفعول «شعري» في بيت لاحق. وجملة «وأين ليت موجودة مني» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «إن ليتا ...» : استئنافية ، لا محلّ لها. وجملة «إن لوّا عناء» : معطوفة على سابقتها لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «إن لوّا» حيث زاد واوا على «لو» وأدغمها في الواو عند ما اعربها وعاملها معاملة الأسماء المعربة.

٣٥٥

حكمه حكم التسمية بالحرف المكسور.

[٨ ـ التسمية بحرف من حروف الهجاء] :

فإن سميت بحرف هجاء ، فحكمه في التسمية حكم التسمية بحرف المعنى الذي على حرف واحد.

وزعم بعض النحويين أنّك ترد حرفا من أصول الكلمة. واختلف في ذلك ، فمنهم من قال : يكون للأقرب ، ومنهم من قال : يكون اللام أبدا. وزعم بعضهم أنّك ترد جميع حروف الكلمة ، فإذا سمّيت بالضاد من «ضرب» ، فمنهم من يقول : «ضا» ، وهو مذهبنا. ومنهم من يقول : «ضر» ، ومنهم من يقول : «ضب» ، ومنهم من يقول : «ضرب».

والصحيح الأول وما عداه فاسد ، لأنّه يلبس بالتسمية بالكلمة كلها ، أو بالتسمية بأكثر من حرف واحد منها.

٣٥٦

باب أسماء القبائل والأحياء والسور والبلدان

[١ ـ أسماء القبائل والأحياء] :

اعلم أن أسماء القبائل لا يخلو أن تكون منقولة من اسم أب أو أمّ ، أو غير منقولة.

فمثال المنقولة من اسم أم : «سدوس» و «سلول» ، في أحد القولين ، و «باهلة».

والدليل على أنّ «سدوس» منقول من اسم أمّ قوله [من الوافر] :

٦٠٤ ـ إذا ما كنت مفتخرا ففاخر

ببيت مثل بيت بني سدوسا

__________________

٦٠٤ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٤٤.

اللغة : البيت : المقصود به هنا النسب.

المعنى : إن كنت تريد الافتخار ، فليكن لك نسب كريم كنسب بني سدوس.

الإعراب : إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط متعلق بالفعل «فاخر». ما : زائدة. كنت : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسمها. مفتخرا : خبر (كنت) منصوب بالفتحة. ففاخر : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «فاخر» : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). ببيت : جار ومجرور متعلقان بـ (فاخر). مثل : صفة (بيت) مجرورة بالكسرة. بيت : مضاف إليه مجرور بالكسرة. بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. سدوسا : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوض عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، والألف للإطلاق.

وجملة «كنت مفتخرا» : في محل جر بالإضافة. وجملة «فاخر» : جملة جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «إذا ما كنت ... ففاخر» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «بني سدوسا» حيث جاء بالاسم (سدوس) دليلا على أن اسم القبيلة منقول من اسم «أم» بدليل منعه من التنوين.

٣٥٧

ومثال المنقول من اسم أب «معدّ» ، و «تميم» ، و «جذام» ، و «لخم». وغير المنقول منها مثل «قريش» ، و «ثقيف» ، و «يهود» ، و «مجوس» ، ونحوه.

فإن كان منقولا من اسم أب أو أمّ ، فلا يخلو أن تضيف إليه «ابنا» أو لا تضيفه. فإن أضفت إليه «ابنا» فإنّه يبقى على ما كان عليه في الأصل ، لأنّه ليس باسم للقبيلة. فإن كان فيه مانع للصرف منعت منه الخفض والتنوين ، وإلّا صرفته. فإن لم تضف إليه ، فلا يخلو أن يكون على نيّة الإضافة ، أو على غير نية الإضافة. فإن كان على نيّة الإضافة ، فحكمه حكم المضاف إليه «ابن». وإن كان على غير نيّة الإضافة ، فلا يخلو أن تقصد به قصد الحي أو قصد القبيلة.

فإن قصدت به قصد الحيّ صرفته ، إلّا أن يكون فيه ما يوجب منع الصرف. وإن قصدت به قصد القبيلة ، منعته الصرف للتأنيث والتعريف.

وكذلك وإن كان منقولا من اسم أب ، إلّا أنّه لم يستعمل على إضافة «ابن» و «ابنة» إليه ، نحو : «معدّ» ، و «كلب» ، لأنّه لا يقال : «بنو معدّ» ، ولا «بنو كلب» ، وإن كان «معدّ» اسم الأب وهو معدّ بن عدنان ، و «كلب» كذلك اسم الأب ، وهو كلب بن وبرة.

وقد قيل : بنو معدّ ، قليلا. قال الشاعر [من الخفيف] :

٦٠٥ ـ غنيت دارنا تهامة في الدّهر

وفيها بنو معدّ حلولا

__________________

٦٠٥ ـ التخريج : البيت للمهلهل في لسان العرب ١٥ / ١٣٩ (غنا) ؛ وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في المخصص ١٧ / ٤٢ ؛ وتاج العروس (غني).

المعنى : ارتفعت منزلة ديارنا في موضع تهامة ، على مرّ الزمان ، لأن أبناء معدّ نزلوا بها وسكنوها.

الإعراب : غنيت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. دارنا : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. تهامة : بدل من (دار) مرفوع بالضمّة. في الدّهر : جار ومجرور متعلقان بـ (غنيت). وفيها : «الواو» : حالية ، «فيها» : جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف والتقدير بنو معد كائنون فيها حلولا. بنو : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. معد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. حلولا : حال من فاعل الخبر «كائنون».

وجملة «غنيت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «بنو معدّ فيها حلولا» : حالية محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «بنو معدّ» حيث صرّح بإضافة «ابن» إلى «معد» وهذا قليل.

٣٥٨

وأسماء القبائل والأحياء تنقسم خمسة أقسام. قسم لا يستعمل إلّا اسما للقبيلة ، وذلك يهود ، ومجوس ، وآدم.

والدليل على أنّ «يهود» قصد به قصد القبيلة ، منع صرفه في قوله [من الطويل] :

٦٠٦ ـ فأنت أولى من يهود بمدحة

إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب

والدليل على أنّ «مجوس» قصد به قصد القبيلة قوله [من الوافر] :

٦٠٧ ـ [أحار ترى بريقا هبّ وهنا]

كنار مجوس تستعر استعارا

__________________

٦٠٦ ـ التخريج : البيت لرجل من الأنصار في ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٦٠ ؛ وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٥٤ ؛ ولسان العرب ٣ / ٤٣٩ (هود).

اللغة : المدحة : قصيدة المديح. تؤنّب : تلام ، أو تردّ أقبح ردّ.

المعنى : أنت أحق بالمديح من اليهود ، وإذا ما صدحت بقصيدة المديح فلن تجد من يلومك أو يردّ عليك ردّا قبيحا.

الإعراب : فأنت : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. أولى : خبر مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. من يهود : جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، متعلّقان بـ (أولى). بمدحة : جار ومجرور متعلقان بـ (أولى). إذا : ظرف زمان متضمن معنى الشرط متعلق بـ «تؤنب». أنت : ضمير منفصل في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده. يوما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلّق بالفعل «قلتها». قلتها : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. لم تؤنب : «لم» : حرف جزم وقلب ونفي ، «تؤنب» : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسرة لضرورة القافية ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت).

وجملة «فأنت أولى» : بحسب ما قبلها. وجملة «قلت أنت» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «قلتها» : تفسيرية لا محل لها. وجملة «لم تؤنب» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «إذا قلت لم تؤنب» : صفة لـ «مدحة» محلها الجر.

والشاهد فيه قوله : «من يهود» حيث منع (يهود) من الصرف لأنه قصد به القبيلة.

٦٠٧ ـ التخريج : البيت مملط ، صدره لامرىء القيس ؛ وعجزه للتوأم اليشكري في ديوان امرىء القيس ص ١٤٧ ؛ ولسان العرب ٦ / ٢١٣ (مجس) ، ولامرىء القيس في شرح شواهد الإيضاح ص ٤٣٨ ؛ والكتاب ٣ / ٢٥٤ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٦ / ٢١٤ ، ٢١٥ (مجس) ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٦٠ والمقرب ٢ / ٨١.

اللغة : أحار : يا حارث. الوهن : منتصف الليل. المجوس : عبدة النار.

المعنى : هل ترى ـ أيّها الحارث ـ بريقا سطع في منتصف الليل ، يشبه نار المجوس التي يديمون اشتعالها لعبادتها؟!

٣٥٩

فمنع صرف «مجوس».

والدليل على أن آدم قصد به قصد القبيلة قوله [من الكامل] :

٦٠٨ ـ سادوا البلاد وأصبحوا في آدم

بلغوا بها بيض الوجوه فحولا

فعاد عليه الضمير مؤنثا وصرفه ، لأنّه جعله نكرة أو للضرورة.

__________________

الإعراب : أحار : «الهمزة» : حرف نداء ، «حار» : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على الثاء المحذوفة للترخيم في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. ترى : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). بريقا : مفعول به منصوب بالفتحة. هبّ : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). وهنا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلّق بـ (هبّ). كنار : «الكاف» : اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق وهو مضاف ، و «نار» : مضاف إليه. مجوس : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. تستعر : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). استعارا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة.

وجملة «أنادي حارث» (جملة النداء) : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ترى» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «هبّ» : في محلّ نصب صفة لـ (بريقا). وجملة «تستعر» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «كنار مجوس» حيث منع (مجوس) من الصرف لأنه قصد به اسم القبيلة.

٦٠٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الدرر ١ / ١٠٠ ؛ والكتاب ٣ / ٢٥٢ ؛ ولسان العرب ٦ / ١٠ (أنس) ، ١٢ / ١٢ (أدم) ؛ وهمع الهوامع ١ / ٣٥.

اللغة : سادوا : ترأسوا ، وتروى : شادوا : أي : بنوا. الفحول وبيض الوجوه : قصد بهما السادة المشاهير.

المعنى : سادوا الناس من نسل آدم وصاروا لهم قادة وسادة ، أو عمّروا البلاد فصاروا للناس سادة وقادة.

الإعراب : سادوا : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. البلاد : مفعول به منصوب بالفتحة. وأصبحوا : «الواو» : للعطف ، «أصبح» : فعل ماض ناقص مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع اسمها ، و «الألف» : للتفريق. في آدم : جار ومجرور متعلقان بـ (فحولا). بلغوا : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للإطلاق. بها : جار ومجرور متعلقان بـ (بلغوا). بيض : مفعول به منصوب بالفتحة. الوجوه : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فحولا : خبر (أصبح) منصوب بالفتحة.

وجملة «سادوا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أصبحوا فحولا» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «بلغوا» : حال من «آدم» إذا جعل معرفة ، ونون للضرورة ، وصفة من «آدم» إذا جعل نكرة.

والشاهد فيه قوله : «في آدم بلغوا بها» حيث أنّث (آدم) بدليل ضمير المؤنّث في (بها) ، لأنه جعلها اسما للقبيلة.

٣٦٠