شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

ويجوز أيضا : «قام غلاما» ، وأنشد [من الوافر] :

٥١٥ ـ أطوّف ما أطوّف ثم آوي

إلى أمّا ويرويني النقيع

فهذا ما يجوز في غير النداء.

ولقائل أن يقول : لم زعمتم أنّ «يا غلام» مضاف ، وهلّا قلتم أنّه منادى مقبل عليه ، وهذا هو الظاهر؟

والعذر عنه أنّه إنّما زعمنا أنّه مضاف ، لأنّ العرب تحذف منه «يا» ولو كان مقبلا عليه لم يجز ذلك ، لأنّ «يا» لا تحذف إلّا في العلم أو في المضاف ، كقول الشاعر [من الطويل] :

٥١٦ ـ خليليّ مرّا بي على أمّ جندب

[لنقضي لبانات الفؤاد المعذّب]

__________________

٥١٥ ـ التخريج : البيت لنقيع أو لنفيع بن جرموز في المؤتلف والمختلف ص ١٩٥ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٩ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٥ / ٥٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٢ ؛ ولسان العرب ٨ / ٣٦٠ (نقع) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٧ ؛ والمقرب ١ / ٢١٧ ، ٢ / ٢٠٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٣.

اللغة : أطوّف : أتجوّل. النقيع : المحض من اللبن. آوي : ألجأ.

الإعراب : أطوّف : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به ، أو نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا. أطوّف : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا». ثم : حرف عطف. آوي : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : «أنا». إلى : حرف جرّ. أمّا : اسم مجرور بالكسرة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة المنقلبة ألفا ، وهو مضاف ، و «الياء» : المنقلبة ألفا في محلّ جرّ بالإضافة ، والجار والمجرور متعلقان بـ «آوي». ويرويني : «الواو» : حرف عطف ، «يرويني» : فعل مضارع مرفوع ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير في محلّ نصب مفعول به. النقيع : فاعل مرفوع بالضمّة.

وجملة «أطوّف ...» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أطوّف» : الثانية صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «آوي» : معطوفة على الجملة الأولى. وجملة «يرويني» : معطوفة على جملة «آوي».

الشاهد : قوله : «أمّا» حيث قلبت ياء المتكلّم إلى ألف ، والأصل «أمّي» بعد أن قلبت الكسرة التي قبل الياء إلى فتحة.

٥١٦ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٤١ ؛ والأشباه والنظائر ٨ / ٨٥.

اللغة : لبانات الفؤاد : حاجات القلب ، ومطالب النفس.

المعنى : يا صديقيّ اجعلا دربنا مارّا ببيت حلوتي أم جندب ، علّني أقضي منها ما يشتهيه قلبي المعذّب بهواها.

الإعراب : خليلي : منادى مضاف منصوب بالياء لأنه مثنّى ، وحذفت النون للإضافة ، و «الياء» : ضمير

٢٠١

وهم يحذفون هذا فيقولون : (قالَ رَبِّ احْكُمْ)(١) ، و «غلام أقبل» ، فدلّ على أنّه ليس بمقبل عليه ، وإنّما هو مضاف.

واعتذر أبو علي الفارسي لهذا بأنّ الاسم الذي يستعمل في الحنان والرحمة إنّما يكون مضافا ، نحو : «يا أخي» ، و «يا بني» ، و «يا أبي» ، و «يا عبادي» ، وهذا مستعمل في الحنان والرحمة ، فهو على نيّة الإضافة.

وهذه اللغات المتقدمة على مراتب في الفصاحة. فأفصحها : «يا غلام» ، لأنّ المنادى. كثير الاستعمال فهو في موضع الحذف ، وهذه الياء أيضا معاقبة للتنوين ، فجاز حذفها مع أنّ ثمّ ما يدلّ عليها.

ويليه في الفصاحة : «يا غلامي» لأنّه متوسّط ، ألا ترى أنّه قد خفّف ما يستثقل لدوره ولم يحذف شيئا.

ثم يليه : «يا غلاما» ، و «يا غلامي». وأقلّها : «يا غلام» ، لأنّه ليس على الياء دليل. فهذا حكم إضافة المنادى إلى المتكلم.

وقد عوضوا تاء التأنيث من ياء الإضافة في هذا الباب في «الأب» و «الأم» ، فقالوا : «يا أبت» ، و «يا أمّت». ولا يجوز الجمع بين ياء الإضافة وهذه التاء ، كما لا يجوز الجمع بين التاء من «زنادقة» والياء التي تكون في «زناديق».

__________________

متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. مرّا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. بي : جار ومجرور متعلقان بـ (مرّا). على أمّ : جار ومجرور متعلقان بـ (مرّا). جندب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لنقضي : «اللام» : حرف تعليل وجر ، «نقضي» : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة بعد (اللام) ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). لبانات : مفعول به منصوب بالكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. الفؤاد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المعذب : صفة (الفؤاد) مجرورة بالكسرة ، والمصدر المؤول من «أن» المضمرة والفعل «نقضي» مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل «مرّا».

وجملة «مرّا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نقضي» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «خليلي» حيث حذف حرف النداء (يا) لأن المنادى مضاف.

(١) سورة الأنبياء : ١١٢.

٢٠٢

ويجوز أن تقول : «يا أبتا» ، و «يا أمّتا» ، فتجمع بين التاء والألف التي هي عوض من ياء الإضافة.

فإن قيل : فكيف جاز الجمع بينهما وهذه الألف عوض من الياء ، وأنت لا تجمع بين الياء والتاء؟ فالجواب : إنّه لمّا لم يكن يلفظ ما التاء عوض منه استجازوا ذلك. ومن أجاز : «يا غلام» ، بحذف الألف ، فإنّه يجيز أن تقول : «يا أبت» ، و «يا أمّت» ، ويجوز في يا «أمّت» وحده أن تقول : «يا أمّ» ، وذلك أنهم جعلوه بمنزلة «طلحة» كما تقول في ترخيم «طلحة» : «يا طلح» ، وكذلك تقول : «يا أمّ» ، ولم يفعلوا ذلك في بابه.

وتلحق الهاء الألف في هذا الباب في الوقف ، فإن وصلت حذفت الهاء. واختلف في الوقف على الهاء من «يا أبت» ، و «يا أمّت». فذهب الفراء إلى أنّ الوقف عليها بالتاء لأنّها قد صدرت عوضا ، فعوملت معاملة ما عوّضت منه ، فكما لا يجوز قلب الهاء إلى التاء فكذلك هذه.

ومذهب غيره من النحويين أنّ الوقف عليها بالهاء لأنّها علامة تأنيث على كل حال وإن كانت عوضا. وهو الصحيح. ألا ترى أنّه لا خلاف في الوقف على التاء من «زنادقة» بالهاء مع أنها عوض من التاء ، فكذلك هذه التاء.

٢٠٣

باب ما لا يجوز فيه إلّا إثبات الياء

اعلم أنّ هذا المضاف إلى الياء ليس منادى فيقع في محل التغيير. فإذا لم يكن منادى فلا سبيل له إلى الحذف ، بل يترك على الأصل ، فتقول : «يا ابن أخي» ، و «يا صاحب غلامي». هذا هو الحكم في هذا ولم يخرج عنه إلا لفظان ، وهما : «يا بن أمّ» ، و «يابن عمّ» ، فأجازوا فيهما بعد الأصل ثلاثة أوجه : حذف الياء ، فتقول : «يا ابن أمّ» ، كما تقول : «يا غلام». و «يا ابن أمّ» ، كما تقول : «بعلبكّ». و «يا ابن أمّا» ، كما تقول : «يا غلاما».

وهذا لما كثر استعماله في كلامهم ، وصار «يا ابن أمّ» شيئا يعرف به هذا المسمّى ، فصار كالشيء الواحد حذفوا ياءه تارة ، وخفّفوه أخرى بقلبها ألفا ، وبقلب الكسرة فتحة ، وجعلوا الاسمين بمنزلة «بعلبكّ» ، وسلبوا لكلّ واحد منهما معناه ، فبنوه على الفتح ، وفتحوا آخر الاسم الأول.

هذا وجه «يا ابن أمّ» لا ما يقول الأخفش في «يا غلام» من حذف الألف ، لأنا لا نجيزه ولا مستند له إلّا قوله : «بلهف» ، وقد تأوّلناه.

وإذا قلت : «يا ابن أمّ» ، فتحتمل هذه الإضافة معنيين : أحدهما أنّك أردت إضافة الأمّ إليك لا إضافة الابن. والثاني أن تريد إضافة الابن إليك ، فأضفت الأم ، لأنّها صارت آخر الاسم ، فإذا قلت : «يا ابن أمّ» ، على هذا المعنى فكأنّك قلت : يا ابن الأمّ الذي هو لي ، كما تقول : «هذا حبّ رمّاني» ، وليس لك «الرمان» وإنّما لك الحبّ خاصة. وإذا أردت إضافة «الرّمان» إليك قلت : «حبّ رمّاني» ، أي : حب الأصول التي هي لي ، فهما معنيان متباينان فتفهّمهما.

٢٠٤

باب ما لا يقع إلّا في النداء خاصة ولا يستعمل في غيره

الذي لا يستعمل إلّا في النداء خاصة ينقسم قسمين ، مقيس ومسموع. فالمقيس هو كل ما عدل في النداء على «فعال» أو «فعل» أو «مفعلان». والمسموع : «يا هناه» ، و «يا فل» ، و «اللهمّ».

فأمّا «يا هناه» فكناية عن النكرات. واختلف النحويون في الهاء ، فمنهم من قال إنّها زائدة للوقف. ومنهم من قال إنّها من نفس الكلمة ، وحجّته أن قال : لو كانت زائدة لكانت ساكنة ولحذفت في الوصل.

وقوله لا يلزم ، لأنّه قد يجري الوصل مجرى الوقف ، ومثل ذلك قول الشاعر [من الرجز] :

٥١٧ ـ يا مرحباه بحمار ناجيه

إذا دنا قرّبته للسّانيه

__________________

٥١٧ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٠ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٨٨ ، ١١ / ٤٦٠ ؛ والخصائص ٢ / ٣٥٨ ؛ والدرر ٦ / ٢٤٨ ؛ ورصف المباني ص ٤٠٠ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٤٦ ، ٤٧ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٠٤ (سنا) ؛ والممتع في التصريف ١ / ٤٠١ ؛ والمنصف ٣ / ١٤٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

اللغة : ناجية : اسم ؛ وبنو ناجية : قبيلة. السانية : الدلو وأداته ، أو الناقة التي يستقى عليها.

المعنى : يستبشر بقدوم حمار ناجية ، ويضمر في نفسه إن اقترب منه أن يجعله دابّة يستقي عليها.

الإعراب : يا : حرف تنبيه. مرحباه : مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف ، و «الهاء» : هاء السكت وأصلها السكون والسقوط في الوصل ، ولكن حركت وبقيت في الوصل ضرورة وهذا موطن الشاهد ، فقد أجرى الشاعر الوصل مجرى الوقف ، وهذا من الفرائد عند الجمهور. بحمار : جار ومجرور متعلقان بفعل

٢٠٥

والذي قال إنّها من نفس الكلمة يقال له : لا بدّ أن تجعلها زائدة أو أصلية. فإن جعلتها زائدة ، فلا تزاد الهاء بعد الألف إلّا في الوقف خاصة ، وإن جعلتها أصلية تكون الكلمة من باب «سلس» و «قلق» ، لكون الفاء واللام من جنس واحد ، وهذا الباب قليل جدا.

وأيضا فإنّ الذي جعلها من نفس الكلمة يثبت تركيبا لم يثبت ، وهو تركيب «ه ن ا ه» ، وذلك لم يثبت. فهو إذن عندنا «هن» كناية عن الفرج ثم استعمل كناية عن الرجل عند الجفاء ، فإذا قلت : «يا هناه» ، فكأنك قلت : «يا جافي».

وتقول للمذكر : «يا هناه» ، وللمؤنث : «يا هنتاه» ، وتقول في تثنية المذكر على مذهب من جعلها من نفس الكلمة : «يا هناهان» ، وإن شئت ألحقت الألف والهاء. وللمؤنث : «يا هنتان» ، كما تقدّم. وفي الجمع للمذكر : «يا هناهون» ، وإن شئت ألحقت الألف والتاء في المؤنث : «يا هنتاهات» ، وإن شئت ألحقت الألف والهاء.

وأمّا على مذهب من هي عنده زائدة للوقف ، فيقول في تثنية المذكر : «يا هنان» ، وإن شئت قلت : «يا هنانيه» ، وفي المؤنث : «يا هنتان» ، وإن شئت قلت : «يا هنتانيه» ، وفي جمع المذكر : «يا هنون» ، وإن شئت : «يا هنوناه» ، وفي جمع المؤنّث : «يا هنات» ، وإن شئت قلت : «يا هناتاه».

وأمّا «فل» فهو كناية عن علم ولا يستعمل أبدا إلّا في النداء إلّا في ضرورة شعر ، كقوله [من الرجز] :

٥١٨ ـ في لجّة أمسك فلانا عن فل

__________________

محذوف ، بتقدير (أرحّب بحمار). ناجية : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن لضرورة الوزن. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متضمّن معنى الشرط. دنا : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). قربته : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. للسانية : جار ومجرور متعلّقان بـ (قربته).

وجملة «يا مرحباه» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «دنا» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «قرّبته» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة «إذا دنا قربته» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «يا مرحباه» حيث أجرى الشاعر الوصل مجرى الوقف.

٥١٨ ـ التخريج : الرجز لأبي النجم في جمهرة اللغة ص ٤٠٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٨٩ ؛ والدرر ٣ / ٣٧ ؛ وسمط اللآلي ص ٢٥٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٣٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٨٠ ؛ وشرح المفصّل

٢٠٦

وتقول للمؤنّث : «يا فلة».

واختلف فيه النحويون ، فمذهب الفراء أنّه مرخم من «فلان» ، ومذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، أنه غير مرخّم ، وإنّما هو اسم مختص بالنداء. وهو الصحيح.

ومذهب الفراء باطل ، لأنّه أقلّ ما يبقى عليه الاسم بعد الترخيم ثلاثة أحرف ، وسيقوم الدليل على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى. فلو كان ترخيم «فلان» لقالوا : «يا فلا» ، ولجاء على الأصل في بعض المواضع فيقال : «يا فلان» ، فدلّ ذلك على أنّه ليس بمرخّم.

وأما «اللهمّ» ففيه خلاف بين الخليل والفراء. فمذهب الخليل ، رحمه‌الله ، أنّ الميم المشدّدة التي في آخره عوض من حرف النداء ، وكانت مشدّدة ليكون عدّة حروفه على عدّة حروف المحذوف. والدليل على أنّها عوض أنّه لا يجوز الجمع بينهما إلّا في ضرورة شعر ، وذلك نحو قول الشاعر [من الرجز] :

٥١٩ ـ وما عليك أن تقولي كلّما

هلّلت أو سبّحت يا اللهمّ ما

اردد علينا شيخنا مسلّما

__________________

٥ / ١١٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥٠ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ٢٢٩ ؛ والطرائف الأدبيّة ص ٦٦ ؛ والكتاب ٢ / ٢٤٨ ، ٣ / ٤٥٢ ؛ ولسان العرب ٢ / ٣٥٥ (لجج) ، ١٣ / ٣٢٤ ، ٣٢٥ (فلن) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٢٨ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٦٠ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٢٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ٤٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٣٨ ؛ والمقرب ١ / ١٨٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٧.

شرح المفردات : اللجّة : الجلبة واختلاط الأصوات في الحرب.

الإعراب : «في لجة» : جار ومجرور متعلقان بـ «تضلّ» في بيت سابق. «أمسك» : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «فلانا» : مفعول به منصوب. «عن فل» : جار ومجرور متعلّقان بـ «أمسك».

وجملة «أمسك ...» في محلّ نصب مفعول به (مقول القول) والتقدير : «في لجة مقول في شأنها : أمسك ...».

الشاهد : قوله : «عن فل» حيث استعمل «فل» في غير النداء ، فجرّها بحرف الجرّ للضرورة ، وقيل : الأصل «فلان» ، وحذفت الألف والنون للضرورة.

٥١٩ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٣ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٦ ؛ والدرر ٦ / ٢٥٢ ؛ ورصف المباني ص ٣٠٦ ؛ وكتاب اللامات ص ٩٠ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٧٠ (أله) ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

المعنى : عليك أن تقولي كلّما صلّيت أو دعوت الله ـ جلّ وعلا ـ : يا ربّ أعد لنا أبانا مقبلا مسلّما.

٢٠٧

ومذهب الفراء أنّ أصله : يا الله أمّنا بخير ، ثم حذف المجرور والمفعول وحذفت الهمزة تخفيفا كقوله [من الرجز] :

٥٢٠ ـ قلت لشيطاني وشيطاناتي

لا تقربوني ونا في الصّلاة

يريد : فأنا في صلاة.

__________________

الإعراب : «وما» : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «ما» : استفهاميّة في محلّ رفع مبتدأ. «عليك» : جار ومجرور متعلّقان بخبر «ما». «أن» : حرف مصدرية ونصب. «تقولي» : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض ، والتقدير : (وما عليك في قولك). «كلما» : «كل» : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، و «ما» : مصدرية. «هللت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل جر بالإضافة. «أو سبحت» : «أو» : للعطف ، «سبحت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «يا» : حرف نداء. «اللهم» : لفظ الجلالة منادى مبني على الضمّ في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف ، و «الميم» : عوض عن حرف النداء. «ما» : حرف زائد. «اردد» : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). «علينا» : جار ومجرور متعلّقان بـ (اردد). «شيخنا» : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «مسلما» : حال منصوبة بالفتحة.

وجملة «ما عليك» بحسب ما قبلها. وجملة : «تقولي» صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة : «هللت» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة : «سبحت» معطوفة على السابقة فهي مثلها لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «يا اللهم ما» حيث جمع بين حرف النداء والميم التي هي عوض عنها ، وزاد أيضا ميما زائدة ، وذلك نادر إن لم يكن شاذّا.

٥٢٠ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

الإعراب : قلت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لشيطاني : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم ، والجار والمجرور متعلقان بـ (قلت) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وشيطاناتي : «الواو» : للعطف ، «شيطانات» : معطوف على مجرور مجرور مثله بكسرة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. لا تقربوني : «لا» : ناهية ، «تقربوا» : فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. ونا : «الواو» : حاليّة ، «نا» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. في الصلاة : جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف ، بتقدير (وأنا قائم في الصلاة).

وجملة «قلت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا تقربوني» : في محل نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «وأنا قائم في الصلاة» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «ونا في الصلاة» حيث حذفت همزة «أنا» تخفيفا.

٢٠٨

ومذهب الفراء فاسد ، لأنّ الشرط إذا تقدمه الأمر استغنى بالأمر عن جواب الشرط فتقول : «اضرب زيدا إن قام» ، ولا تقول : «اضرب زيدا إن قام فاضربه». وقد جاء في كتاب الله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(١). فلو كان على ما ذكر لم يأت بعد ذلك بـ «أمطر علينا» ، لتقديم الأمر.

وأيضا فإنّه لا يتصوّر أن يتقدّر هنا : يا الله أمّنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، لأنّ ذلك تناقض ، فدلّ ذلك على بطلان ما زعم.

والمقيس في الباب هو ما عدل في النداء عن «فعال» ، أو «فعل» ، أو «مفعلان». وإنّما عدل في النداء ، لأنّ العدل لا يكون إلّا في المعرفة ، وهذه الأسماء لا تكون معرفة إلّا في النداء خاصة.

فأما «فعل» فهو مختص بالنداء ولا يستعمل في غيره. وقد جاء في الحديث : «لا تقوم الساعة حتى يلي أمر الناس لكع ابن لكع». و «لكع» هذا ليس هو الذي اختص بالنداء ، وإنّما هو صفة مثل «حطم» و «لبد» ، فيكون غير «فعل» الذي اختص بالنداء. وكذلك «لكاع» أيضا لا يأتي في غير النداء إلّا في ضرورة كقوله [من الوافر] :

أطوّف ما أطوّف ثم آوي

إلى بيت قعيدته لكاع (٢)

وأما «مفعلان» فزعم أبو القاسم أنّه مما اختص بالنداء. وحكى أبو حاتم السجستاني أنّه قد جاء في غير النداء علما صفة وحكى من كلامهم : «هذا زيد ملأمان» ، و «هذه هند ملأمانة» ، ولذلك امتنع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون.

فإن قيل : إنّما امتنع الصرف للصفة وزيادة الألف والنون ، فالجواب : إنّ الصفة وزيادة الألف والنون لا تمنع الصرف إلّا بشرط أن لا تكون الصفة مؤنّثة بالتاء ، فدلّ ذلك على أنّه علم ، والعلم لا يوصف به.

ويمكن أن يكون هذا بدلا. فإن قيل : إنّ العرب لم تستعمله قطّ إلّا تابعا ، فالجواب : إنّه تابع على طريق البدلية ، وأمّا أن يكون صفة فلا يجوز ، لأنّ الصفة لا تكون إلّا بالمشتق ، والعلمية تذهب منه معنى الاشتقاق ، فحصل من هذا أنّه قد استعمل في غير النداء علما.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٣٢.

(٢) تقدم بالرقم ٧٧.

٢٠٩

باب الاستغاثة

إذا ناديت الاسم على جهة الاستغاثة أو التعجب ، فيجب فتح لامه ، واختلف النحويون فيما تتعلق به هذه اللام. فمنهم من قال : إنّها متعلّقة بما في «يا» من معنى الفعل ، وهو ابن جني. ومنهم من قال : إنّها زائدة.

أمّا مذهب ابن جني ففاسد ، لأنّ معاني الحروف لا تعمل في المجرورات ولا في الظروف. وأما من ذهب إلى أنّها زائدة فباطل ، لأنّه مهما قدر أن لا يزاد الحرف كان أولى ، لأنّ الزيادة ليست بقياس ، فلم يبق إلّا أن تكون متعلّقة بالفعل الذي ينصب المنادى.

فإن قيل : إنّ الذي ينصب المنادى يصل بنفسه وهذا لا يصل بنفسه.

فالجواب : إنّ الفعل المتعدّي إلى مفعول يجوز أن يتعدّى بنفسه وبحرف جر ، نحو : «ضربت زيدا» ، و «ضربت لزيد». قال الله تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ)(١). وهذا قليل مع ظهور الفعل ، فإذا كان الفعل مضمرا كان أقوى.

وأمّا لام المستغاث من أجله فمتعلقة بفعل مضمر قولا واحدا تقديره : أدعوك لزيد.

واختلف في السبب الموجب لفتح لام المستغاث به ، فمنهم من قال : إنّها فتحت تفرقة بينها وبين لام المستغاث من أجله ، واستدلّ على ذلك بأنّك إذا عطفت على المستغاث به ، نحو : «يا لزيد ولبكر» ، كسرت لام المعطوف لأنّه قد زال اللبس.

__________________

(١) سورة النمل : ٧٢.

٢١٠

ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] :

٥٢١ ـ يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشبّان للعجب

بكسر لام «وللشبان».

ومنهم من قال : إنما فتحت اللام مع المستغاث به لأنّه قد وقع موقع المضمر ، فكما أنّ المضمر إذا دخلت عليه اللام فتحت معه ، نحو : «لك» ، و «له» ، فكذلك هذا. فإن قيل : فلأيّ شيء إذا عطفت على المستغاث به تكسر اللام؟

فالجواب : إنّه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه ، بدليل أنّهم يقولون : «يا زيد والرجل» ، فتعطف ما فيه الألف واللام وإن كان لا ينادى إلّا ضرورة.

فإن قيل : فلم لم تكن لام المستغاث به مكسورة ولام المستغاث من أجله مفتوحة فيكون الأمر بالعكس؟ فالجواب : إنّ المستغاث من أجله لم يقع موقع المضمر.

ولا يكون المنادى في هذا الباب إلّا بـ «يا» من بين سائر حروف النداء لأنّها أم الباب ،

__________________

٥٢١ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٤٧ ؛ وخزانة الأدب ١٥٤ ؛ والدرر ٣ / ٤٢ ؛ ورصف المباني ص ٢٢٠ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٨١ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٣ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٦١ ، ١٢ / ٥٦٣ (لوم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٧ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٥٦ ؛ والمقرب ١ / ١٨٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٨٠.

اللغة : شرح المفردات : النائي : البعيد. الكهول : ج الكهل ، وهو من شاب شعر رأسه ، أو من كانت سنّه بين الثلاثين والخمسين.

المعنى : يقول : إنّه يبكيه رغم أنّه من ديار بعيدة عن دياره ، ويدعو الناس ، كهولا وشبّانا ، للعجب من هذا الأمر.

الإعراب : يبكيك : فعل مضارع مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء للثقل ، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. ناء : فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة. بعيد : نعت «ناء» مرفوع بالضمّة الظاهرة وهو مضاف. الدار : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. مغترب : نعت ثان لـ «ناء» مرفوع بالضمّة الظاهرة. يا : حرف نداء واستغاثة. للكهول : اللّام حرف جرّ زائد ، «الكهول» : مستغاث مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه مفعول به لفعل محذوف تقديره «أدعو». وللشبّان : الواو حرف عطف ، «الشبان» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بفعل محذوف تقديره «أدعوكم». للعجب : اللّام حرف جرّ ، «العجب» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بفعل محذوف تقديره : «أدعوكم».

الشاهد فيه قوله : «وللشبان» حيث كسرت لام المستغاث المعطوف لأنّه لم تعد معه «يا».

٢١١

ولا يجوز حذفها ، لأنّ الاستغاثة موضع تكثير الصوت وأنت لو حذفتها لكان ذلك تناقضا.

ولا يجوز الترخيم في هذا الباب للعلة التي تقدمت في امتناع حذف «يا» ، ويجري مجرى الاستغاثة التعجب ، وذلك نحو قول الشاعر [من الطويل] :

٥٢٢ ـ لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم

أدلّ وأمضى من سليك المقانب

وكذلك المنادى إذا كان في غاية من البعد يجري مجرى الاستغاثة ، تقول : «يا لزيد» ، وأنت تريد : «يا زيد».

ويجوز أن تستغيث وتحذف المستغاث به ، فتقول : «يا لزيد» ، بكسر اللام ويحذف المستغاث به لفهم المعنى ، ومن ذلك قول الشاعر [من الرجز] :

٥٢٣ ـ يا عجبا لهذه الفليقه

هل تذهبنّ القوباء الريقه

__________________

٥٢٢ ـ التخريج : البيت لقران الأسدي في الأغاني ٢٠ / ٣٥٤ ؛ والكتاب ٢ / ٢١٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٦٠٤ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٤٤٣ (سلك) ؛ ومعجم الشعراء ص ٣٢٦ ؛ ولمجنون ليلى في ديوانه ص ٦١ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٥٠ (برثن) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ٢٣ ؛ وجمهرة اللغة ص ٣٧٤ ؛ وشرح المفصل ١ / ١٣١ ؛ والمقرب ١ / ١٨٣.

اللغة : برثن : اسم قبيلة ، وقيل : حيّ من بني أسد. أدلّ : أكثر دلالة. سليك : هو سليك بن عمير بن يثربي بن سنان السعدي التميمي (... / ... ـ نحو ١٧ ق. ه / ٦٠٥ م) ، شاعر فاتك ، كان أدلّ الناس بالأرض ، وأعلمهم بمسالكها ، نسب إلى أمه ، فقيل : سليك بن السلكة (الأعلام ٣ / ١١٥). المقانب : جمع مقنب وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل والفرسان.

المعنى : إن خطّاب ليلى أكثر معرفة بالأرض ومسالكها من السليك الملقّب بـ (سليك المقانب).

الإعراب : لخطاب : «اللام» : حرف ابتداء ، «خطاب» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. ليلى : مضاف إليه مجرور بالفتحة المقدّرة على الألف. يا : حرف نداء. لبرثن : «اللام» : حرف جر لإفادة التعجّب ، «برثن» : مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلقان بـ «يا» عند بعضهم ، وبفعل محذوف عند آخرين. منكم : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أعجب) المحذوف. أدلّ : خبر المبتدأ (خطاب) مرفوع بالضمّة. وأمضى : «الواو» : للعطف ، «أمضى» : معطوف على (أدل) مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. من سليك : جار ومجرور متعلقان بـ (أدل). المقانب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «خطاب ليلى أدلّ» : إبتدائية لا محل لها. وجملة «يالبرثن منكم» : اعتراضية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «يا لبرثن» حيث جاء باللام لإفادة التعجّب ، ولم يحذف «يا» النداء.

٥٢٣ ـ التخريج : الرجز لابن قنان في لسان العرب ١ / ٦٩٢ ، ٦٩٣ (قوب) ؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣٤٤ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٦٥ ، ١٠٢٦ ، ١٢٣٣ ؛ والجنى الداني ص ١٧٧ ؛ وشرح التصريح

٢١٢

يريد : يا قوم عجبا ، ونظيره في حذف المنادى قول الشاعر [من البسيط] :

٥٢٤ ـ يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصالحين على سمعان من جار

فلو كانت «لعنة الله» منادى لكانت مفتوحة لأنّها مضافة.

__________________

٢ / ١٨١ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٣٩٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩١ ؛ وكتاب اللامات ص ٨٨ ؛ والمنصف ٣ / ٦١.

اللغة : الفليقة : الداهية. القوباء : داء يقشر الجلد. الريقة : ريق الإنسان أي لعابه.

المعنى : عجب الشاعر من تفل الناس على القوباء لتذهب ، فقال : كيف يغلب الريق القوباء.

الإعراب : يا عجبا : «يا» : حرف نداء وتعجب ، والمنادى محذوف «عجبا» : مفعول مطلق منصوب ، والتقدير : «اعجبوا عجبا». لهذه : «اللام» : حرف جر ، «الهاء» : للتنبيه «ذه» : اسم إشارة في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بـ «عجبا». الفليقه : بدل من اسم الإشارة مجرور مثله بالكسرة المقدرة على آخره منع ظهورها اشتغال المحل بالسكون العارض. هل : حرف استفهام إنكاري. تذهبن : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، و «النون» : نون التوكيد لا محل لها. القوباء : مفعول به منصوب بالفتحة. الريقه : فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة بسبب السكون العارض للشعر.

وجملة «يا عجبا ...» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «تذهبن الريقة» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «يا عجبا» حيث استغاث الشاعر وحذف المستغاث به ، والتقدير : «يا قوم عجبا».

٥٢٤ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٤٤٨ ؛ والجنى الداني ص ٣٥٦ ؛ وجواهر الأدب ص ٢٩٠ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ١٩٧ ؛ والدرر ٣ / ٢٥ ، ٥ / ١١٨ ؛ ورصف المباني ص ٣ ، ٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٢٤ ، ٤٠ ؛ والكتاب ٢ / ٢١٩ ؛ واللامات ص ٣٧ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٣٧٣ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٦١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٤ ، ٢ / ٧٠.

المعنى : يطلب من الله ـ جلّ وعزّ ـ أن يصيب بلعنته جاره سمعان ، ولا يكتفي بطلب لعنة الله ، بل يضيف إليها طلب لعنة الصالحين والأقوام كلّهم.

الإعراب : «يا» : حرف نداء ، والمنادى محذوف والتقدير : «يا هؤلاء» أو : «يا قوم». «لعنة» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. «الله» : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة. «والأقوام» : «الواو» : للعطف ، «الأقوام» : اسم معطوف على «الله» مجرور بالكسرة. «كلهم» : توكيد مجرور بالكسرة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «والصالحين» : «الواو» : للعطف ، «الصالحين» : اسم معطوف على «الأقوام» مجرور بالياء لأنه جمع مذكّر سالم. «على سمعان» : جار ومجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف. «من جار» : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف.

وجملة «يا هؤلاء» ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لعنة الله منصبّة» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «يا لعنة الله» حيث حذف المنادى بعد حرف النداء ، ورفع «لعنة» على الابتداء.

٢١٣

وإذا ذكرت المستغاث به وحده فتحت لامه ، نحو ما جاء في الحديث لمّا طعن العلج عمر رضي‌الله‌عنه ورحمه صاح : «يا لله يا للمسلمين».

فإذا ذكرتهما فتحت لام المستغاث به وكسرت لام المستغاث من أجله ، نحو قول قيس ابن ذريح العامري [من الوافر]

٥٢٥ ـ تكنّفني الوشاة وواعدوني

فيا للنّاس للواشي المطاع

ولا يجوز أن يجمع بين الألف والهاء وبين لام الاستغاثة ، لأنّها عاقبتها ، فكرهوا الجمع بينهما فافهم.

__________________

٥٢٥ ـ التخريج : البيت لقيس بن ذريح في ديوانه ص ١١٨ ؛ والأغاني ٩ / ١٨٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٣١ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٣٣ ؛ والكتاب ٢ / ٢١٦ ، ٢١٩ ؛ واللامات ص ٨٨ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٥٩ ؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٠٣ ؛ ورصف المباني ص ٢١٩ ؛ وشرح المفصل ١ / ١٣١ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٦٣ (لوم) ؛ والمقرب ١ / ١٨٣.

اللغة : تكنّفه : أحاط به. الوشاة : النمّامون.

المعنى : لقد أحاط النمّامون والحاسدون بي ، ووعدوني وهدّدوني ، ولا أدري كيف أطعتهم أيها الناس.

الإعراب : تكنّفني : فعل ماض مبني على الفتح ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الوشاة : فاعل مرفوع بالضمّة. وواعدوني : «الواو» : للعطف ، «واعدوا» : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. فيا : «الفاء» : للاستئناف ، «يا» : حرف نداء واستغاثة هنا. للناس : جار ومجرور متعلقان بفعل النداء المحذوف. للواشي : جار ومجرور متعلقان بفعل النداء المحذوف. المطاع : صفة (الواشي) مجرورة بالكسرة.

وجملة «تكنّفني» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «واعدوني» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة الاستغاثة : استئنافية لا محلّ لها ، وهي «يا للناس للواشي».

الشاهد في قوله : «يا للناس للواشي» حيث فتح لام المستغاث به «للناس» وكسر لام المستغاث من أجله «للواشي».

٢١٤

باب الترخيم

الترخيم في اللغة هو التسهيل والتليين ، وهو في اصطلاح النحويين حذف اواخر الأسماء في النداء.

وهذه التسمية التي أوقعوها على هذا المعنى مناسبة للوضع اللغويّ ، ألا ترى أنّ حذف الآخر من الكلمة تسهيل للنطق بها وتليين له ، ولا يكون هذا الحذف إلّا في النداء.

فإن قيل : ولم لا يكون إلّا في النداء؟ فالجواب إنّه كثير الاستعمال وقد تقدّم ذلك ، فلما كثر استعماله ، خفّفوا اللفظ ، لأنّ ما دار على الألسنة جدير بأن يخفّف.

ولا يكون في باب النداء إلّا في الأسماء التي نقلها من الإعراب إلى البناء ، في هذا النوع يوجد ، هل في البعض أو في الكل؟ لم يتعرّض له (١).

فإن قيل : ولم كان فيما يتغير في النداء؟ فالجواب : إنّ التغير يأنس بالتغيّر. فإن قلت : هلا كان في غير الأعلام ، لأنّ النكرة المقبل عليها قد نقلها النداء من الإعراب إلى البناء ، فلم اختصوه بالأعلام؟

فالجواب : إنّ الأعلام أكثر تغيّرا ، ألا ترى أنّ الأعلام منقولة لا ارتجال فيها إلّا قليلا ، في مذهب ، وإلّا فمنهم من أنكر فيها الارتجال جملة.

فلما كانت أشدّ تغيّرا ، كان الحذف إليها أسرع ، لأنّ التغيير يأنس بالتغيير ، فقد بان أين يكون الترخيم.

__________________

(١) أي : لم يتعرّض له الزجاجيّ.

٢١٥

وإذا أردت أن ترخّم الاسم نظرت إليه ، هل هو ثلاثيّ أو أزيد. فإن كان ثلاثيا لم ترخّمه أصلا ، لأنّهم كرهوا أن يذهبوا من أقلّ الأصول وأن تنهكه الغاية في القلّة.

هذا مذهبنا ، وأمّا الفراء ففصّل ، فقال : لا يخلو الثلاثي من أن يكون ساكن الوسط أو متحرّكه. فإن كان ساكن الوسط لم يجز ترخيمه ، نحو : «زيد» و «عمرو» وأمثالهما. فإن كان متحرّك الوسط جاز ترخيمه ، عنده على اللغتين معا (١). وإنّما لم يرخّم الثلاثي الساكن الوسط ، لأنّه إن حذف بقي على حرفين الثاني منهما ساكن ، فأشبه الأدوات نحو «من» و «عن» وأمثالهما.

والمتحرّك الوسط يقول في ترخيمه : «يا حك» ، و «يا حك» (٢) ، و «يا عم» ، و «يا عم» (٣). وهذا لم يسمع والقياس يدفعه لما قلنا ، فهذا تغيّر لا يحتاج إليه لأنّ الترخيم أولا غير جائز.

فإن كان الاسم الذي تريد أن ترخّمه في آخره تاء التأنيث ، تحذفها قلّت حروفه أو كثرت ، فتقول في «ثبة» و «عدة» وأمثالهما : «يا ثب» ، و «يا عد». وسبب ذلك أن تاء التأنيث غير معتدّ بها في البناء ، فسهل حذفها في هذا الباب لأنّه مبنيّ على التخفيف.

فإن كان الاسم على أزيد من ثلاثة أحرف ، فلا يخلو من أن يكون في آخره زيادتان زيدتا معا ، أو يكون في آخره تاء التأنيث أو يكون قبل آخره حرف مدّ ولين ، أو لا يكون فيه شيء من ذلك.

فإن كان في آخره زيادتان زيدتا معا ، فإنّك تحذفهما معا ، فتقول في «سليمان» و «عمران» و «مروان» : يا سلم ، ويا عمر ، ويا مرو.

وإن كانت فيه تاء التأنيث ، لم تحذف غيرها ، فتقول في «مرجانة» : يا مرجان. وإن كان قبل آخره حرف مد ولين ، حذفته مع الآخر إلّا أن يؤدي إلى بقاء الاسم على حرفين ، فإنّك حينئذ لا تحذف الممدود ، فتقول في مثل : «منصور» و «عمّار» وفي رجل اسمه

__________________

(١) وهذا أيضا مذهب الكوفيين. انظر المسألة التاسعة والأربعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٥٦ ـ ٣٦٠.

(٢) هذا في ترخيم «حكم».

(٣) هذا في ترخيم «عمر».

٢١٦

«محضير» : يا منص ، ويا عمّ ، ويا محض ، وفي «سعيد» و «ثمود» و «زياد» : يا ثمو ، ويا سعي ، ويا زيا.

فإن لم يكن ثمّ شيء من هذا حذفت آخر حرف منه ، وأبقيته على ما كان عليه ، فتقول في «فرزدق» : يا فرزد ، وإن شئت ضممت على لغة من لم ينو. وكذلك : «يا جعف» في «جعفر».

وفصل الفراء هذا فقال : لا يخلو من أن يكون الحرف الذي قبل الآخر ساكنا أو متحركا ، فإن كان متحركا وافقنا ، وإن كان ساكنا مثل «هرقل» فلا يخلو أن ترخّمه على لغة من نوى أو على لغة من لم ينو (١).

فإن رخّمته على لغة من لم ينو قلت : «يا هرق» ، وإن رخّمته على لغة من نوى قلت : «يا هر» ، لأنّه يبقى على ثلاثة أحرف آخرها ساكن يشبه الأدوات. وهذا فاسد من غير وجه ، لأنّ فيه ردّ الاسم إلى حرفين وذلك لم يسمع من كلام العرب. وأيضا فإنّه قد وقع فيما فرّ منه ، ألا ترى أنّه حين رخّم «ثمودا» ، قال : «يا ثمو» ، وهذا بلا شك اسم قد بقي على ثلاثة أحرف والآخر ساكن فينبغي له أن يحذف ويقول : «يا ثم» ، وإلّا فإنّ عمله ليس له وجه.

واعلم أنّ هذه الأسماء التي يجوز ترخيمها ترخّم على اللغتين معا على لغة من نوى وعلى لغة من لم ينو.

ولغة من نوى هي أن يترك الاسم على ما كان عليه من حركة أو سكون ، وكأنّه لم يحذف منه شيئا ، لأنّه ينوي ذلك المحذوف.

ولغة من لم ينو هي أن يقدر الاسم بعد الحذف كأنّه كامل.

واللغتان مطّردتان في جميع الأسماء المرخّمة ، إلّا أن تكون صفة فيها تاء التأنيث ، فإنّها لا ترخم إلّا على لغة من نوى خاصة ، فتقول إذا رخّمت «ضاربة» : «يا ضارب» ، ولا يجوز أن تقول : «يا ضارب» ، لئلا يلتبس بنداء النكرة المقبل عليها.

وإذا رخّمت الاسم على اللغتين ، فلا يخلو الترخيم من أن يؤدّي إلى بقاء ياء أو واو

__________________

(١) انظر المسألة الخمسين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٢١٧

بعد ألف زائدة ، أو إلى تحريك حرف علة وما قبله مفتوح ، أو إلى وقوع واو قبلها ضمة ، أو لا يؤدّي إلى شيء من ذلك.

فإن أدّى إلى شيء من ذلك فلغة من لم ينو ـ من حيث يقدّر ما بقي كاملا ولا يردّ شيئا ـ أن يجري عليه أحكام الأسماء ، فيقول إذا رخم «طفاوة» : يا طفاء ، على هذه اللغة لأنّ هذا قد وقعت في آخره واو قبلها ألف زائدة ، فلذلك قلبت همزة ، وكذلك تفعل لو كان اسمه «قفاية» ، فتقول : «يا قفاء» ، وتقول في «كروان» ، اسم رجل : «يا كرا أقبل» ، بقلب الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وتقول في «ثمود» : يا ثمي ، لأنّ في آخره واو قبلها ضمة.

وأمّا من لا يقدر الاسم بعد الترخيم كاملا ، وينوي المحذوف ، فإنّه يترك الاسم على حاله ، فيقول : «يا طفاو» ، و «يا كروا» ، و «يا ثمو». هذا هو الجاري عندهم ، ولا ينكر ذلك عندهم إلّا في مواضع أبينها إن شاء الله تعالى.

ومن ذلك «قاضون» اسم رجل ، إذا رخمته على اللغتين قلت : «يا قاضي» ، بلا خلاف. أمّا من لم ينو فأمره بيّن لأنّه إذا كان السبب في حذف الياء (١) إلحاق الواو ، والسّبب في ضمّ الضاد إلحاق الواو أيضا ، فعند ما زال ذلك عادت الياء.

وأمّا من نوى فالذي يظهر أن يقول : «قاض» ، ولا يردّ الياء لأنّ الواو في نيته (٢) ، ولا يقلب الواو في طفاوة لأنّ التاء في نيته.

ومن المسائل أن ترخم «رادّا» ، فقياس من نوى : «يا رادّ» بسكون الدال وصلا لأنّ الحرف المدغم في نية التثبيت بالحركة ، فلم يجمع بين ساكنين إلّا على الشرط ، لكن قال النحويون : إنّك تقول : «يا راد» ، وتكسر على هذه اللغة. وإنّما تكسر لأنّها حركة للأصل.

وكذلك لو رخمت «مضارّا» ، لقلت : «يا مضار» ، لأنّ أصلها الضمّ ، فعند ما تضطر إلى التحريك حركت بالحركة التي هي أصل للحرف. فإن لم يكن له أصل في الحركة رجعت إلى الفتح ، مثل : «أسحار» ، تقول : «يا أسحار». ومن هنا أخذ الأستاذ أبو علي الشلوبين أنّ حركة التقاء الساكنين مع الألف أصلها الفتح ، واستدل على صحة مذهبه بأنّ سيبويه ، رحمه

__________________

(١) يريد الياء التي في «قاضيون» وهي أصل «قاضون» جمع «قاض».

(٢) أي : في نيّة المتكلّم أن ينطق بها.

٢١٨

الله ، قد قال : إذا رخّمت «أسحار» على لغة من نوى قلت : «يا أسحار» ، فلو كانت حركة التقاء الساكنين مع الألف لم تقل : «يا أسحار» ، بالفتح.

واستدلّ أيضا بأن سيبويه ، رحمه‌الله ، لمّا علّل بناء «حذام» وبابه على الكسر علله بأنّ الكسر مناسب للتأنيث ، ولو كان أصل حركة التقاء الساكنين مع الألف الكسر لما علّل بهذا.

وهذا كلّه لا دليل فيه. أمّا قوله : «يا أسحار» ، فإنّما عدل سيبويه رحمه‌الله عن حركة الأصل فيه لأنّه لو كسره على الأصل لالتبس بالمضاف إلى المتكلم فلم يبق إلّا الفتح أو الضم ، ولا سبيل إلى الضمّ لئلّا تلتبس لغة من نوى بلغة من لم ينو ، فلم يبق له إلّا الفتح. ومهما أمكن الفرار من اللبس كان أولى.

وأمّا تعليله في باب «حذام» فلا دليل فيه ، لأنّ ذلك معلل بمجموع العلّتين ، ومهما علّل بالعلة الواحدة لم يتعلّل بالأخرى ، فاعتلّ سيبويه ، رحمه‌الله ، بالعلة التي قد تخفى ، وترك العلة بحركة الأصل لبيانها.

فالصحيح إذن أنّ حركة التقاء الساكنين مع الألف أصلها الكسر بمنزلتها مع غيرها من الحروف ، ولا يخرج عن ذلك إلّا بدليل.

ومن المسائل أيضا أن ترخّم «خمسة عشر» ، فإنّك لا بدّ تحذف العجز ، فتصير «يا خمسة». فقياس من نوى أن يقول إذا وقف : «يا خمسة» ، بالتاء المفتوحة لأنّه في نيّة الوصل ، لكن اتفقوا على أنّك تقول : «يا خمسه» بالهاء الساكنة ، فلا بدّ من تبيين هذه المسائل الثلاث.

ولو لا إطباقهم عليها ، لأخذت بالظاهر فيها ، فكنت أقول : «يا قاض» و «يا راد» ، و «يا خمسة» ، وقفا لكن ينبغي للإنسان أن يتّهم نفسه ويجعل التقصير في حقه.

فالذي لاح بعد المطالبة الكثيرة أنّ باب الترخيم كلّه محمول على غيره ، لأنّه لم يستقر فيه حكم فيحمل غيره عليه ، ألا ترى أنّ قولهم : «يا طفاء» ، و «يا كرا» ، إنّما هو مقيس على أبواب التصريف ، فليقس كل لفظ على ما يشبهه من غير باب الترخيم.

ف «يا قاضي» ، إنّما يقاس على التقاء الساكنين وموجب رفض التقاء الساكنين إنّما كان اضطرارا لتعذّر النطق به. فلما زال ما كانت الياء ذهبت لأجله زوالا غير عارض لأنّه زالت

٢١٩

الواو وصلا ووقفا نظرنا ، فوجدناهم متى زال الموجب لأمر ما وصلا ووقفا ، ردّوا ذلك المحذوف ، فقالوا : «لم يخافا» ، وردوا الألف التي كانت إنّما ذهبت لالتقائها مع الفاء الساكنة في «لم يخف» ، لأنّ حركة الفاء في «لم يخافا» لازمة وصلا ووقفا.

فكذلك يقاس الترخيم على غيره ، إذ مسائل الترخيم كلّها محمولة على غير الترخيم. ونهاية الاعتراض ها هنا أن يقال : نيّة المحذوف هو رعيه ، فكيف أثبتّم الياء مع رعي المحذوف؟

فكان الانفصال عن هذا أنّ المحذوف في الترخيم عارض ، والعارض قد يراعى ، تارة ولا يراعى تارة أخرى ، فيقال : الحذف هو القياس. فكان القياس هنا ما دام الحذف عارضا أن لا يعتّدوا به ، وتبقى الياء محذوفة ، لكن اعتدّوا بالعارض ليبقوا على ما استقرّ في كلامهم من ردّ المحذوف إذا زال موجب حذفه وصلا ووقفا.

وهذا لم يثبت غيره في موضع من المواضع ، فالأولى أن لا يخالف ويرتكب معه الوجه الأول في رعي المحذوف لأنّهم يرعونه كيفما كان.

وكذلك «يا راد» ، وحملهم على الكسر أنّه لم يستقر في كلامهم الجمع بين ساكنين بهذا الشرط ، وهو نية التشبّث بالحركة ، فالأولى أن لا ينكسر هذا وأن يرتكب أنّ ذلك المنويّ لا يراعى ، لأنّ من كلام العرب عدم الرعي كما ذكرت لك.

ومما يقوّي ذلك قوله تعالى : (مالِيَهْ هَلَكَ)(١) بثبات الهاء.

وإن كانوا لا يرعون هذا الوصل الملفوظ به فالأحرى والأولى أن لا يرعى ما هو غير ملفوظ به. فهذا وجه الانفصال عما اعترضنا به أوّلا.

وأمّا «يا خمسه» ، عند الوقف ، فإنّك كيفما كنت ، واقف ولا بدّ ، والعرب لا تقف على اللغة الشهرى بالتاء ، ولا تقف بالحركة وصلا ، فلهذا لم تراع المحذوف لأنهم قد لا يراعون الملفوظ به كما قلنا ، فالأحرى هذا إذا أدّى رعيه إلى الخروج عن مهيع (٢) كلام العرب.

__________________

(١) يريد قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)[الحاقة : ٢٨ ـ ٢٩].

(٢) المهيع : الطريق الواسع الواضح.

٢٢٠