شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

يريد : وما الحديث عنها بالحديث المرجّم. فـ «عنها» يتعلّق بـ «هو» الذي يراد به الحديث عندهم. وهذا لا حجة فيه ، لأنّه يمكن أن يكون متعلقا بالمرجّم ، وجاز تقديمه عليه وإن كان في معنى الموصول ضرورة ، ويجوز أن يكون متعلقا بإضمار فعل ، كأنّه قال : أعني عنها ، أو يكون التقدير : وما هو عنها مرجّما بالحديث المرجّم ، وحذف «مرجّما» الأول لدلالة الثاني عليه.

[٢ ـ الاختلاف بين المصدر واسم الفاعل] :

واعلم أنّ هذا الباب خالف باب اسم الفاعل في أشياء منها أنّه لا يجوز أن يتقدّم معموله عليه ، وسبب ذلك أنّه مقدّر بـ «أن» والفعل ، و «أن» من الموصلات ولا يتقدّم على الموصول من صلته شيء.

وخالفه أيضا في أنّه يعمل بمعنى الحال والاستقبال ، وبمعنى المضيّ وفي أنّ الإضافة فيه محضة بخلاف اسم الفاعل.

وإذا اتبعت المخفوض في هذا الباب ، فلا يخلو من أن تتبعه على اللفظ أو على الموضع. فإن اتبعته على اللفظ فالخفض ليس إلا ، نحو : «يعجبني ضرب زيد عمرا ومحمد». وإن أتبعته على الموضع فإن كان الموضع موضع رفع ، أتبعته بالرفع وإن كان موضع نصب أتبعته بالنصب.

__________________

ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل ، والميم : لجمع الذكور. وذقتم : الواو حرف عطف ، «ذقتم» : كإعراب «علمتم». وما : الواو حرف عطف ، «ما» : من أخوات «ليس». هو : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «ما». عنها : «عن» : حرف جر ، و «ها» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلّقان بـ «هو». بالحديث : الباء حرف جرّ زائد ، «الحديث» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ما». المرجّم : نعت «الحديث» مجرور لفظا منصوب محلّا.

وجملة «وما الحرب إلا ما علمتم» بحسب الواو. وجملة : «علمتم» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «ذقتم» معطوفة على جملة «علمتم». وجملة «ما هو عنها بالحديث المرجم» معطوفة على جملة «ما الحرب ...».

الشاهد فيه قوله : «وما هو عنها» حيث أرجع الضمير «هو» إلى «الحديث» وليس إلى «الحرب» لأنّ الحرب مؤنثّة ، وإرجاعه إليها يفسد المعنى. وهذا ما حمل الكوفيين على اعتبار أنّ المصدر المضمر عامل كفعله.

١٢١

باب العدد

[١ ـ أنواع العدد وحكم كلّ نوع] :

العدد على أربعة أنواع : مفرد ، ومضاف ، ومركّب ، ومعطوف.

فأمّا المفرد فإنّك تقول في المذكّر منه : واحد ، اثنان ، وفي المؤنّث : واحدة ، واثنتان وثنتان ، والعشرون ، والثلاثون ، وسائر العقود.

والمضاف من ثلاثة إلى عشرة ومائة وألف. والمركّب من أحد عشر إلى تسعة عشر. والمعطوف العقود المعطوفة على النيّف من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين. فأمّا الواحد ، والاثنان ، والواحدة ، والثنتان ، والاثنتان فلا يجوز فيهما الإضافة أصلا. وإنّما لم يجز فيها ذلك لأنّ ذكر المعدود يغني عن ذكر العدد. فلو ذكرته مع المعدود لكان عيّا ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رجل» ، علم أنّه واحد ، وإذا قلت : «امرأة» ، علم أنّها واحدة ، وإذا قلت : «رجلان» ، علم أنّهما اثنان ، وإذا قلت : «امرأتان» ، علم أنّهما اثنتان ، فلذلك لم تجز إضافتهما إلى المعدود إلّا ضرورة ، كقوله [من الرجز] :

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١)

وكان ينبغي أن يقال حنظلتان ، إلّا أنّه لمّا اضطرّ جمع بين العدد والمعدود ، وأتى بالمعدود غير مثنى ليكون للعدد فائدة.

هذا حكم المفرد ؛ وأما المضاف من ثلاثة إلى عشرة ، فلا يخلو أن تريد بالعدد المعدود أو العدد مجردا من المعدود. فإن أردت العدد مجردا من المعدود كان كلّه بالتاء ،

__________________

(١) تقدم بالرقم ٤٣.

١٢٢

كقوله : «ستة نصف اثني عشر» ، و «ثلاثة نصف ستة» ، فهذا لم ترد به إلّا العدد خاصة. وسبب ذلك أنّ العدد كله مؤنّث ، وأصل المؤنث أن يكون بالتاء فجاء هذا على أصله.

فإن أردت بالعدد المعدود ، فلا يخلو من أن تذكره أو لا تذكره. فإن ذكرته كان بالتاء مع المذكّر ، وحذفها مع المؤنث.

واختلف في سبب ذلك ، فمنهم من قال : العدد كلّه مؤنّث ، فما كان منه بالتاء التي للتأنيث ، فهو بمنزلة مؤنّث فيه علامة التأنيث ، وما كان منه بغير تاء فهو بمنزلة مؤنّث لا علامة فيه للتأنيث ، وهذا مذهب أبي القاسم.

ومنهم من قال : إنّ العدد من ثلاثة إلى عشرة في المعنى جمع ، وقد وجد في الجموع ما هو مذكّر ويجمع بتاء التأنيث ، وما هو مؤنّث ويجمع بغير تاء التأنيث ، نحو : «عقاب» و «أعقب» ، ويقولون في جمع «غراب» ، وهو مذكّر : «أغربة» ، ومن لغته تذكير اللسان يقول : «ثلاثة ألسن» ، ومن لغته تأنيثها يقول : «ثلاث ألسنة» ، فكذلك هذا.

ومنهم من قال : إنّما كان عدد المذكر بالتاء لأنّه لو كان بغير تاء ، لأوهم أنّه مذكّر لأنّه مضاف إلى مذكّر ولفظه المذكر ، والعدد هو المعدود في المعنى ، وهم قد جعلوا العدد مؤنّثا فأدخلوا فيه التاء ليرتفع الإبهام.

ومنهم من قال : إنّ العدد كلّه مؤنث ، فجعلت تاء التأنيث في المذكّر منه لأنّه أخف مع المؤنث ولم يجعلوها في المؤنث لئلا ينضاف ثقل العلامة إلى ثقل التأنيث. وجميع هذه التعليلات حسنة جدا.

فإن لم تذّكر المعدود في اللفظ ، فالفصيح أن يبقى الأمر على ما كان عليه لو ذكرت المعدود. ويجوز أن يحذف منه كله تاء التأنيث ، وحكى الكسائي عن أبي الجراح : «صمنا من الشّهر خمسا» ، ومعلوم أنّ الذي يصام إنّما هو الأيام ، والأيام مذكّرة.

وكذلك قوله [من الطويل] :

٤٧٤ ـ وإلّا فسيري حيثما سار راكب

تيمّم خمسا ليس في سيره يتم

__________________

٤٧٤ ـ التخريج : البيت لعمرو بن شأس في ديوانه ص ٧٢ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٦٤٦ (يتم) ؛ وأمالي القالي ٢ / ١٨٩ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٨٠ ؛ وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ١٥٠ ؛ وتاج العروس (يتم) ؛ وبلا نسبة في ديوان الأدب ٣ / ٢١٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٤١١.

١٢٣

يريد خمسة أيام.

والمعدود لا يخلو من أن يكون له جمع قلّة خاصة أو جمع كثرة خاصة أو الجمعان معا. فإن كان له أحدهما أضفته إليه بالضرورة. وإن كان له جمعان فالأحسن أن تضيفه إلى جمع القلة ، وذلك أنّ جموع القلّة إنّما هي من ثلاثة إلى عشرة ، فنوسب بين العدد والمعدود.

وجموع القلّة مما كان منها على وزن «أفعل» ، و «أفعال» ، و «أفعلة» ، و «فعلة» ويجمعها قول الشاعر [من البسيط] :

٤٧٥ ـ بأفعل وبأفعال وأفعلة

وفعلة يعرف الأدنى من العدد

وجموع السلامة كلها جموع قلّة.

__________________

اللغة : اليتم : الإبطاء ، والحاجة.

المعنى : أو اتجهي حيث سار راكب خمسة أيام متتالية ، قاصدا الوصول دون إبطاء.

الإعراب : وإلا : «الواو» : بحسب ما قبلها ، و «إلا» : تقديرها : إن لا فـ «إنّ» حرف شرط جازم ، و «لا» : نافية لا عمل لها وفعل الشرط محذوف والتقدير : وإلّا يكن منك كذا فسيري. فسيري : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «سيري» : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. حيثما : «حيث» : اسم مبني على لضم في محل نصب على الظرف المكانية متعلق بالفعل «سيري» ، و «ما» : زائدة ، و «حيث» : فيها معنى الشرط. وحذف جوابها لدلالة ما تقدم عليه. سار : فعل ماض مبني على الفتحة. راكب : فاعل مرفوع بضمة ظاهرة. تيممّ : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). خمسا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل (تيمّم). ليس : فعل ماض ناقص. في سيرة : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. يتم : اسم (ليس) مؤخر مرفوع وسكّن لضرورة القافية.

وجملة «إلا فسيري» بحسب الواو. وجملة «فسيري» : جواب شرط جازم مقترنة بالفاء محلها الجزم. وجملة «سار راكب» : مضاف إليها محلها الجر. وجملة «تيمم» : في محل رفع صفة لـ (راكب). وجملة «ليس في سيره يتم» : في محل رفع صفة ثانية.

والشاهد فيه قوله : «تيمم خمسا» فقد حذف المعدود «أياما» فجاز حذف التاء من العدد.

٤٧٥ ـ التخريج : البيت لأبي الحسن الدّباج في خزانة الأدب ٨ / ١٠٦ وبعده :

وسالم الجمع أيضا داخل معها

فهذه الخمس فاحفظها ولا تزد

١٢٤

[٢ ـ المضاف إليه العدد] :

والمضاف إليه العدد لا يخلو من أن يكون جمعا ، أو اسم جمع ، أو اسم جنس. فإن كان جمعا فإنّك تعتبر واحده. فإن كان مذكّرا ألحقت العدد علامة تأنيث ، وإن كان مؤنثا لم تلحقها. وأهل بغداد يعتبرون المفرد إلّا أن يكون الجمع مؤنث اللفظ ، فإنّ المعتبر عندهم لفظ المضاف إليه العدد ، فيقولون : «ثلاث حمّامات» ، ونحن لا نقول إلّا : «ثلاثة حمّامات» ، بإدخال التاء في «ثلاثة» لأن واحده «حمّام» وهو مذكّر. وإن كان اسم جمع ، فلا يخلو أن يكون لمن يعقل أو لما لا يعقل. فإن كان لمن يعقل فحكمه حكم المذكّر وإن كان لما لا يعقل فحكمه حكم المؤنّث.

وإن كان اسم جنس جاز فيه التذكير والتأنيث ، والغالب عليه التأنيث ، قال الله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(١). وقال في موضع آخر : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٢). إلّا ألفاظا استعملت مذكّرة من اسم الجنس ، وهي : عنب ، وجوز ، وسدر.

ولا يخلو أن يكون المعدود صفة أو جامدا. فإن كان جامدا ، فالأحسن فيه الإضافة ، نحو : «ثلاثة بغال» ، ثم الفصل بـ «من» ، نحو : «ثلاثة من البغال» ، ثم النصب على التمييز ، نحو : «ثلاثة رجالا».

فإن كان صفة ، فالأحسن فيه الإتباع ، نحو : «ثلاثة قرشيّون» ، ثم يليه النصب على الحال ، نحو : «ثلاثة قرشيّين» ، ثم الإضافة نحو : «ثلاثة قرشيّين» ، وهو أضعفها.

__________________

المعنى : هذه أوزان العدد بين الواحد والتسع ويزيد عليها جمع السالم.

الإعراب : بأفعل : جار ومجرور متعلقان بالفعل (يعرف). وبأفعال : «الواو» : عاطفة ، «بأفعال» : جار ومجرور متعلقان بالفعل (يعرف). وأفعلة : «الواو» : عاطفة ، «أفعلة» اسم معطوف على مجرور ، مجرور مثله بكسرة ظاهرة. وفعلة : «الواو» : عاطفة ، و «فعلة» : اسم معطوف مجرور بكسرة ظاهرة. يعرف : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة ظاهرة. الأدنى : نائب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. من العدد : جار ومجرور متعلقان بالفعل (يعرف).

وجملة «يعرف الأدنى» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «بأفعل وبأفعال وأفعلة وفعلة» وهي أوزان الأعداد في جمع القلّة مضافا إليها الجموع السالمة لأنها جموع قلّة.

(١) سورة الحاقة : ٧.

(٢) سورة القمر : ٢٠.

١٢٥

وسبب ضعفه أنّه يجيء مستعملا استعمال الأسماء ، أعني أنّه يلي العامل ، ولا تستعمل الصفة استعمال الأسماء بقياس.

[٣ ـ العدد الزائد على العشرة] :

فإذا زاد على العشرة فإنّك تبقي النيّف على أصله من التذكير والتأنيث إلّا أنّك تبدل من «واحد» : «أحدا» ومن «واحدة» : «إحدى» ، ويجوز «واحد» و «واحدة» لكنه قليل جدا. وأما العشرة فإنّها تكون بتاء التأنيث مع المؤنث وبحذفها مع المذكّر وتسكين الشين مع المؤنّث ، ويجوز كسرها ، فتقول : «إحدى عشرة» ، بتسكين الشين ، و «إحدى عشرة» ، بكسرها ، وتفتح الشين مع المذكّر.

وسبب ذلك أي أن حذفت التاء مع المذكر وأثبتت مع المؤنّث ، أنّها لو ثبتت مع المذكر لاجتمع في الكلمة تأنيثان.

فإن قيل : إنّك إذا قلت : «ثنتا عشرة» ، في المؤنّث فإنّك قد جمعت بين تأنيثين ، فالجواب : إنّ التاء في «ثنتا» للإلحاق وليست للتأنيث ، والدليل على ذلك أنّ علامة التأنيث لا يكون ما قبلها إلّا متحركا ، وهذه قبلها ساكن ، فدلّ على أنّها ليست للتأنيث.

فإن قيل : إنّ «إحدى عشرة» قد جمع فيها بين علامتي تأنيث ، فالجواب : إنّ التأنيث مخالف في اللفظ فلذلك جمع بينهما.

[٤ ـ حكم النيّف] :

والنيّف مبنيّ مع العقد لتضمّنه معنى الحرف ، فإذا قلت : «خمسة عشر» ، فكأنك قلت : خمسة وعشرة ، فلما تضمّنت معنى الحرف بنيت ، إلّا «اثني عشر» فإنّه معرب ، فإن قيل : فلأيّ شيء لم يبن؟ فالجواب : إنّه اسم مثنّى ، والأسماء المثنيّات لا توجد مبنيّة بعد العوامل في موضع أصلا.

فإن لم يسند إليه شيء بني ، نحو : اثنين في العدد إذا قلت : واحد اثنان ، وقصدت به مجرد العدد من غير إخبار ، وهو مع ذلك عزيز الوجود.

١٢٦

فإن قيل : فلأي شيء بني «عشر» من قولك : «اثني عشر»؟ فالجواب : إنّه وقع موقع النون من «اثنين».

وأجاز أهل الكوفة أن تضيف النيّف إلى العدد ، فتقول : «هذا أحد عشر». واستدلّوا على ذلك بقوله [من الرجز]

٤٧٦ ـ علّق من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجّته

وهذا من الشذوذ بحيث لا يقاس ، وهو مشبه بـ «بعلبك» ضرورة.

ويجوز أن تضيف النيّف والعقد إلى اسم ، وإذا أضفته جاز لك فيه وجهان ، أحدهما : أن يبقى على بنائه ، والآخر أن يعرب ويجعل إعرابه آخر الاسم المركب ، فتقول : «هذا أحد عشرك وعشرك».

وأجاز الفراء أن تضيف النيّف إلى العقد والعقد إلى الاسم ، فتقول : «هذا أحد عشرك» ، بشرط أن يكون العقد مضافا إلى الاسم. وهذا باطل لأنّه لم يسمع من كلامهم.

ولا يجوز إضافة «اثني عشر» إلى الاسم ، لأنّه لا يخلو أن تحذف «عشرا» أو تثبته. فإن أثبتّه كنت كمن جمع بين التنوين والإضافة ، لأنّ «عشرا» إنّما بني لوقوعه موقع النون ، وإن حذفت التبس بإضافة «اثنين» ، فلذلك لا يجوز إضافته إلى الاسم. هذا حكم النيّف إلّا «ثمانية عشر» فإنّك تقول للمؤنث : ثماني عشرة ، بالياء الساكنة ، وإن شئت حركتها بالفتح

__________________

٤٧٦ ـ التخريج : الرجز لنفيع بن طارق في الحيوان ٦ / ٤٦٣ ؛ والدرر ٦ / ١٩٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٧٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٨ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٠٩ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٤٣٠ ، ٤٣٢ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٦٢٧ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٣٨ (شقا) ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٤٩.

اللغة : شرح المفردات : كلّف : حمّل في مشقّة. الشقوة : العسر. العناء : التعب.

الإعراب : «كلف» : فعل ماض للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «من عنائه» : جار ومجرور متعلقان بـ «كلّف» ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وشقوته» : الواو حرف عطف ، «شقوته» : معطوف على «عنائه» ، والهاء في محلّ جرّ بالإضافة. «بنت» : مفعول به ثان ، وهو مضاف. «ثماني» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف. «عشرة» : مضاف إليه مجرور. «من حجّته» : جار ومجرور متعلّقان بـ «كلّف» وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.

الشاهد : قوله : «ثماني عشرة» حيث أضاف «ثماني» إلى «عشرة» ، وبعض الكوفيين يجيزون إضافة النيّف إلى العشرة.

١٢٧

فتقول : ثماني عشرة. ويجوز حذف الياء وفتح النون فتقول ثمان عشرة ، ومنه قول الشاعر [من الكامل] :

٤٧٧ ـ ولقد شربت ثمانيا وثمانيا

وثمان عشرة واثنتين وأربعا

ويجوز تسكين العين في المركب إذا أردت المذكر ، فتقول : «أحد عشر» ، كراهة توالي الحركات ، وقد قرىء : (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً)(٢). إلّا في «اثني عشر» فإنّه لا يجوز لأنّه يؤدّي إلى الجمع بين ساكنين.

[٥ ـ التمييز بعد العدد المركب] :

ويكون التمييز في المركب مفردا منصوبا ، ولا يجوز أن يكون جمعا ، فأمّا قوله تعالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً)(٣). فـ «أسباطا» ليس بتمييز ، والدليل على ذلك أنّ واحده «سبط» ، والسبط ذكر ، فكان ينبغي أن يقول : اثني عشر أسباطا ، فقوله : «عشرة» ، بتاء التأنيث دليل على أنّه ليس بتمييز ، وإنّما التمييز محذوف ، فكأنّه قال : اثنتي عشرة فرقة أسباطا ، و «أسباطا» بدل من «اثنتي عشرة».

__________________

٤٧٧ ـ التخريج : البيت للأعشى في لسان العرب ١٣ / ٨١ (ثمن) ؛ ولم أقع عليه في ديوانه.

الإعراب : ولقد : الواو بحسب ما قبلها ، واللام موطئة للقسم ، و «قد» : حرف تحقيق. شربت : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. ثمانيا : مفعول به منصوب. وثمانيا : الواو حرف عطف ، و «ثمانيا» معطوف على «ثمانيا» الأولى. وثمان عشرة : الواو حرف عطف ، و «ثمان عشرة» اسم مبني على فتح الجزءين معطوف على «ثمانيا». واثنتين : الواو حرف عطف. و «اثنتين» معطوف على «ثمانيا» منصوب بالياء لأنّه مثنى. وأربعا : الواو عطف ، «أربعا» معطوف على «ثمانيا» منصوب.

الشاهد فيه قوله : «ثمان عشرة» حيث جاءت «ثمان» محذوفة الياء ومفتوحة النون.

(١) سورة يوسف : ٤.

(٢) سورة الأعراف : ١٦٠.

١٢٨

[٦ ـ الفصل بين العدد والتمييز] :

ولا يجوز الفصل بين التمييز والعدد إلّا في ضرورة شعر كقوله [من الكامل] :

٤٧٨ ـ في خمس عشرة من جمادى ليلة

لا أستطيع على الفراش رقادي

وكذلك قوله [من المتقارب] :

٤٧٩ ـ على أنّني بعد ما قد مضى

ثلاثون للهجر حولا كميلا

فهذا هو حكم المركب.

__________________

٤٧٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الدرر ٤ / ٤٢ ؛ والمقتضب ٣ / ٥٦ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٥٤.

المعنى : لا أستطيع النوم في الليلة الخامسة عشرة من جمادى.

الإعراب : في : حرف جار. خمس عشرة : جزءان مبنيان على الفتح في محل جر بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (أستطيع). من جمادى : جار ومجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر ، متعلقان بحال من (ليلة). ليلة : تمييز منصوب بفتحة ظاهرة. لا : نافية. أستطيع : فعل مضارع مرفوع بضمة ظاهرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا). على الفراش : جار ومجرور متعلقان بالفعل (أستطيع). رقادي : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل الياء لانشغال المحل بالحركة المناسبة ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة «لا أستطيع» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «في خمس عشرة من جمادى ليلة» فقد فصل بين العدد «خمس عشرة» وتمييزه «ليلة» للضرورة الشعرية.

٤٧٩ ـ التخريج : البيت للعباس بن مرداس في ديوانه ص ١٣٦ ؛ وتهذيب اللغة ١٠ / ٢٦٦ ؛ وأساس البلاغة (كمل) ؛ وكتاب العين ٥ / ٣٧٩ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٥٩٨ (كمل) ؛ وتاج العروس (كمل).

اللغة : كميل : كامل ، وهو مبالغة منه على وزن (فعيل).

المعنى : لقد مضى ثلاثون عاما كاملة على الهجر.

الإعراب : على : حرف جر. أنني : «أن» : حرف مشبه بالفعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب اسمها ، والمصدر المؤول من «أنّ» ومعموليها مجرور بـ «على» والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف تقديره : الأمر كائن على أنني. بعد ما : «بعد» : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، و «ما» : مصدرية ، والظرف متعلق بخبر (أنّ) المحذوف ، والمصدر المؤول من «ما» والفعل «مضى» في محل جر بالإضافة ، والتقدير : بعد مضي. قد : حرف تحقيق. مضى : فعل ماض مبني

١٢٩

[٧ ـ حكم المعدود مع العقود] :

فإذا انتهت إلى العشرين استوى المذكّر والمؤنّث في لفظ «العشرين» ، فتقول للمذكّر والمؤنث : عشرون ، وكذلك سائر أسماء العقود كلّها. ويكون التمييز منصوبا إلّا في المائة والألف ، وسنذكر حكم تمييزها إن شاء الله تعالى.

والنيّف على العشرين حكمه حكم ما كان عليه في حال إفراده ، ويكون تمييزه بعد عطف النيّف عليه منصوبا.

وأمّا المائة والألف فيكون تمييزها مخفوضا مفردا ، وإنّما كان مفردا لأنّه عقد من العقود وتمييز العقود مفرد ، وكان مخفوضا لأنّهما أشبها «عشرة» في أنّهما عقد كما أنّها عقد ، و «عشرة» أيضا تعشير الآحاد كما أنّ «مائة» تعشير العشرات ، و «ألف» تعشير المئين. فلذلك كان مخفوضا.

وحكم تثنيتهما كحكمهما في الإفراد والتمييز وخفضه ، فتقول : «مائتا رجل وألفا ثوب». ولا يجوز إثبات النون ونصب التمييز إلّا ضرورة كقوله [من الوافر] :

٤٨٠ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب المسرّة والفتاء

__________________

على فتحة مقدرة على الألف للتعذر. ثلاثون : فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، و «النون» : عوض عن التنوين في الاسم المفرد. للهجر : جار ومجرور متعلقان بالفعل (مضى). حولا : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة. كميلا : صفة منصوبة بفتحة ظاهرة.

وجملة «على أنني» : ابتدائية لا محلّ لها. والمصدر المؤول من «أن» ومعموليها في محل جر بحرف الجر (على).

والشاهد فيه قوله : «مضى ثلاثون للهجر حولا كميلا» فقد فصل بين العدد «ثلاثون» وتمييزه «حولا» للضرورة الشعرية كما هو واضح.

٤٨٠ ـ التخريج : البيت للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى ١ / ٢٥٤ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٨٥ ؛ والدرر ٤ / ٤١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٧٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٢٥ ؛ والكتاب ١ / ٢٠٨ ، ٢ / ١٦٢ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٤٥ (فتا) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٣٥ ؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص ٢٩٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٠٣٢ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٦٢٣ ؛ وشرح المفصّل ٦ / ٢١ ؛ ومجالس ثعلب ص ٣٣٣ ؛ والمقتضب ٢ / ١٦٩ ؛ والمنقوص والممدود ص ١٧.

شرح المفردات : الفتاء : الفتوّة.

المعنى : يقول : إذا كبر الإنسان في السنّ ذهبت لذاذته وفتوّته.

الإعراب : «إذا» : ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط متعلّق بجوابه. «عاش» : فعل ماض. «الفتى» :

١٣٠

فإذا زاد على «المائة» و «الألف» نيّف كان حكم النيّف باقيا على ما كان عليه من إسقاط علامة التأنيث منه مع «المائة» لأنّها مؤنّثة ، وإدخالها فيه مع الألف لتذكيره. ويجوز أن تقول : ثلاثمائة ومئين ، فمن قال : «مائة» ، راعى معناها من الجمعية ومن قال «مئين» لم يراع المعنى وراعى لفظها من الإفراد ، فاحتاج إلى الجمع ، ومنه قوله [من الطويل] :

٤٨١ ـ ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائي وجلّت عن ملوك الأعاجم

وأما الألف فلم يراع إلّا اللفظ خاصة.

__________________

فاعل مرفوع. «مئتين» : مفعول به منصوب بالياء لأنّه مثنّى. «عاما» : تمييز منصوب. «فقد» : الفاء واقعة في جواب الشرط ، «قد» : حرف تحقيق. «ذهب» : فعل ماض. «المسرّة» : فاعل مرفوع. «والفتاء» : الواو حرف عطف ، «الفتاء» : معطوف على المسرة مرفوع.

وجملة : «إذا عاش» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «عاش ...» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «ذهب المسرة والفتاء» جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «مئتين عاما» حيث نصب الاسم بعد «مئتين» للضرورة ، وكان الوجه حذف نون «مئتين» وخفض ما بعدها ، إلّا أنّها شبّهت للضرورة بالعشرين ونحوها مما يثبت نونه ، وينصب ما بعده.

٤٨١ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٣١٠ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٧٠ ـ ٣٧٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٧٢ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٣١٧ (ردى) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٦٢٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٨ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٢١ ، ٢٣ ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٠.

شرح المفردات : الرداء : الثوب. جلّت : زالت ومنعت.

المعنى : يقول : إنه وفى للملوك بثلاثمئة بعير ، وزالت عن ملوك العجم.

الإعراب : «ثلاث» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «مئين» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكر السالم. «للملوك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «وفى». «وفى» : فعل ماض. «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ «وفى». «ردائي» : فاعل «وفى» مرفوع ، وهو مضاف ، والياء في محلّ جرّ بالإضافة. «وجلت» : الواو حرف عطف ، «جلّت» : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هي». «عن ملوك» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جلّت» ، وهو مضاف. «الأعاجم» : مضاف إليه مجرور.

وجملة : «ثلاث مئين ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «وفى بها» في محلّ رفع خبر المبتدأ. وجملة : «جلّت» معطوفة على جملة «وفى».

الشاهد : قوله : «ثلاث مئين» حيث جمع «مئة» على «مئين» فلم يراع معنى «مئة» من الجمعية ، بل راعى لفظها من الإفراد ، فاحتاج إلى الجمع.

١٣١

باب تعريف العدد

العدد ينقسم أربعة أقسام : مفرد ، ومضاف ، ومركّب ، ومعطوف. فالمفرد إذا أردت أن تعرّفه أدخلت عليه الألف واللام ، فقلت : الثلاثة ، والأربعة ، والخمسة. والمفرد هو من واحد إلى عشرة. فيتصوّر في تعريفه ثلاثة أوجه ، فتقول : «الثلاثة الرجال» ، و «الثلاثة رجال» ، و «ثلاثة الرجال».

فأمّا الوجه الأول فأهل البصرة لا يجيزون ذلك ، وأهل الكوفة يجيزونه قياسا على «الحسن الوجه». وهذا خطأ لأنّه إنّما جاز الجمع بين الألف واللام والإضافة في باب «الحسن الوجه» لأنّ الإضافة فيه غير محضة والإضافة هنا محضة فلا يجوز الجمع بينها وبين الألف واللام أصلا.

وأما الوجه الثاني وهو : «الثلاثة رجال» ، بدخول الألف واللام على الأول وإضافته إلى الثاني ، فلا يجوز بإجماع من أهل البصرة والكوفة ، لأنّه على غير طريق الإضافة ، وهو إضافة المعرفة إلى النكرة.

فأمّا الوجه الثالث وهو أن تدخل الألف واللام على الثاني وتعرّف به الأول ، نحو قولك : «ثلاثة الرجال» ، فهو جائز بإجماع من أهل البصرة والكوفة ، وعليه أنشدوا قول الشاعر [من الطويل] :

وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى

ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع (١)

واختلف في تعريف المركّب من «أحد عشر» إلى «تسعة عشر» ، فأهل الكوفة يدخلون

__________________

(١) تقدم بالرقم ٤٤٦.

١٣٢

الألف واللام في الأول والثاني ، فيقولون : «عندي الأحد العشر درهما» ، وأهل البصرة لا يجيزون إلّا إدخال الألف واللام في الأول خاصة ، فيقولون : «عندي الأحد عشر درهما» (١)

وسبب ذلك عندهم أنّ المركب مبنيّ فصار كالاسم الواحد ، فلا يعرّف إلّا مثل ما يعرّف به الاسم الواحد. والاسم الواحد لا يتعرّف إلّا بأن تدخل الألف واللام في أوله خاصة ، ولا يعرّف بأن تدخل الألف واللام في الوسط منه ، فكذلك يكون العدد.

وحكى أبو زيد ، رحمه‌الله ، عن العرب : «الأحد العشر الدرهم» بإدخال الألف واللام على الأول والثاني وعلى التمييز ، وذلك شاذّ جدّا ، وهو عندنا يتخرج على زيادة الألف واللام في التمييز ، لأنّ التمييز لا يكون أبدا إلّا نكرة. وأجاز بعض النحويين إدخال الألف واللام في النيّف والعقد والتمييز ، وهذا خطأ لما قدمناه أولا.

والمعطوف هو من أحد وعشرين إلى تسعة وتسعين ، تعريفه عندنا أن تدخل الألف واللام على الأول والثاني ، فتقول : «عندي الواحد والعشرون درهما» ؛ وهو جائز بإجماع من جميع النحويين.

وأجاز بعض النحويين أن تدخل الألف واللام في النيّف وتترك إدخاله في العقد ، فأجاز أن تقول : «عندي الأحد وعشرون درهما». وهذا المذهب فاسد جدّا ، لأنّه لا يتعرف الثاني بإدخال الألف واللام على الأول ، لأنّه ليس معه كالشيء الواحد ، فلا بدّ إذا أردت تعريف الثاني من أن تدخل الألف واللام عليه.

__________________

(١) انظر المسألة الثالثة والأربعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣١٢ ـ ٣٢٢.

١٣٣

باب «ثاني اثنين» و «ثالث ثلاثة»

هذا هو باب اسم الفاعل المشتق واستعماله من «ثاني اثنين» إلى «تاسع تسعة عشر». وقد حكي : «عاشر عشرين». وما عدا هذا فلم يسمع منه شيء. فنبدأ بالكلام من واحد إلى عشرة.

فإذا بنيت اسم الفاعل من الواحد إلى العشرة ، كان للمذكّر بغير تاء وللمؤنّث بالتاء ، وذلك نحو قولك : واحد وواحدة ، وثان وثانية ، وثالث وثالثة ، ورابع ورابعة ، وخامس وخامسة ، وخام وخامية ، ومنه أنشدوا قول الشاعر [من البسيط] :

٤٨٢ ـ مضت ثلاث سنين منذ حلّ بها

وعام حلّت وهذا التّابع الخامي

__________________

٤٨٢ ـ التخريج : البيت للحادرة (قطبة بن أوس) في لسان العرب ٦ / ٦٧ (خمس) ، ١٤ / ٢٤٣ (خما) ؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ٣٠١ ؛ والدرر ٦ / ٢٢٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٢ ؛ والمقرب ١ / ٣١٥ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٣٦٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٥٧.

المعنى : لقد مر بنا خمس سنين منذ حللنا هنا.

الإعراب : مضت : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، و «التاء» للتأنيث. ثلاث : فاعل مرفوع بالضمة. سنين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. منذ : مفعول فيه ظرف زمان مبني على الضم في محل نصب متعلق بالفعل «مضت». حلّ : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو). بها : جار ومجرور متعلقان بالفعل (حل). وعام : «الواو» : حرف عطف ، و «عام» : اسم معطوف على «ثلاث» مرفوع مثله. حلت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتحة ، و «التاء» : للتأنيث ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). وهذا : الواو : استئنافية. «الهاء» : للتنبيه ، و «ذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. التابع : خبر مرفوع بالضمة. الخامي : صفة مرفوعة بالضمة المقدرة على السين المحذوفة ، أو على الياء التي حلّت محلّها.

١٣٤

يعني : الخامس. وسادس وساتّ وساد للمذكر ، ومنه قول الشاعر [من الطويل] :

٤٨٣ ـ بويزل عام قد أذاعت بخمسة

وتعتدّني إن لم يق الله ساديا

وسادسة وساتتة وسادية ، وسابع وسابعة ، وثامن وثامنة ، وتاسع وتاسعة ، وعاشر وعاشرة.

فأمّا «واحد» فلا يجوز إضافته أصلا ، وما عداه يجوز إضافته إلى العدد الذي أخذ منه إلّا «ثانيا» ، فإنّه لا تجوز إضافته إلى «واحد» أصلا بإجماع. فلا يجوز أن تقول : «عندي ثاني واحد» ، وقد أجاز ذلك بعض النحويين قياسا ، والصحيح أنّ هذا الباب موقوف على السماع.

__________________

وجملة «مضت ثلاث سنين» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «حل بها» : في محل جر بالإضافة. وجملة : «حلت» : في محل جر بالإضافة. وجملة «هذا التابع الخامي» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وهذا التابع الخامي» فقد جاء اسم الفاعل (خامي) مشتقا من العدد خمسة واسم فاعله «الخامس».

٤٨٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٤١ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٤٧ ؛ ولسان العرب ٨ / ٩٩ (ذيع) ؛ والمقرب ١ / ٣١٥.

اللغة : بويزل : تصغير بازل وهو الجمل الذي ظهر نابه. أذاعت به : ذهبت به ، وطمست معالمه. لم يق الله : لم يحفظني ربّي. ساديا : سادسا.

المعنى : يشبّه امرأته ببعير ظهر نابه منذ عام ، ثم يخبرنا أنها تزوّجت خمسة رجال ، وماتوا عنها ، وها هي تعتبره السادس إن لم يحفظه الله جلّ وعزّ.

الإعراب : بويزل : خبر مرفوع بالضمّة لمبتدأ محذوف تقديره (هي). عام : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قد : حرف تحقيق. أذاعت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). بخمسة : جار ومجرور متعلقان بـ (أذاعت). وتعتدّني : «الواو» : حرف عطف ، «تعتدّ» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي) ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. إن : حرف شرط جازم. لم : حرف جزم وقلب ونفي. يق : فعل مضارع مجزوم بـ (لم) ، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ، والكسرة عوض عن الياء المحذوفة. الله : لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة. ساديا : مفعول به ثان لـ (تعتدّني) منصوب بالفتحة.

وجملة «هي بويزل عام» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أذاعت» : في محلّ رفع صفة. وجملة «وتعتدني» : معطوفة على جملة «أذاعت». وجملة «إن لم يق» : حالية محلها النصب ، وجملة «يق الله» : جواب الشرط لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «ساديا» حيث جاء باسم الفاعل مشتقا من العدد (ستة). وهو للمذكر.

١٣٥

فإن كان مضافا إلى العدد الذي أخذ منه ، لم يجز فيه إلّا الإضافة ، نحو : «هذا ثاني اثنين وثالث ثلاثة» ، وكذلك إلى عشرة ، فلا يجوز فيه العمل فتقول : «ثالث ثلاثة ورابع أربعة وخامس خمسة».

وزعم أبو العباس ثعلب أنّه يعمل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأجازه ، وهو خطأ ، ووجه فساده أنّه ليس له فعل يحمل عليه في العمل ، ألا ترى أنّه لا يجوز لك أن تقول : «ثلّثت الثلاثة» ، فأما قوله : «يجوز ذلك على تقدير متمّم ثلاثة ومكمّل أربعة» ، فخطأ ، لأنّه إذا كان التقدير : متمّم ثلاثة ، فكأنّه قال : متمّم نفسه ، لأنّه من الثلاثة ، فيلزمه في هذا تعدّي فعل المضمر إلى الظاهر نحو : «زيدا ضرب» ، إذا أردت أنّه ضرب نفسه ، وذلك لا يجوز أصلا.

فإن أضفته إلى العدد الذي ليس هو مشتّقا منه ، نحو : «ثالث اثنين» ، فهذا مسموع ، و «رابع ثلاثة» ، و «خامس أربعة» ، إلى «عاشر تسعة» ، فلا يخلو أن يكون بمعنى المضيّ ، أو بمعنى الحال والاستقبال.

فإن كان بمعنى المضيّ ، فلا يجوز فيه إلّا الإضافة ، وإن كان بمعنى الحال والاستقبال فيجوز فيه الوجهان : الإضافة والعمل. فمثال الإضافة : «ثالث اثنين ورابع ثلاثة». ومثال الإعمال : «ثالث اثنين ورابع ثلاثة» ، بالتنوين والنصب. وهذا يعمل عمل فعله لأنّه قد سمع استعمال الفعل من «ثلاثة» ، حكي من كلامهم : «ثلّثت الرجلين» ، و «ربّعت الثلاثة» ، وكذلك تفعل إلى قولك : «عشّرت التسعة».

وأما من «أحد عشر» إلى «تسعة عشر» ، فلا يخلو اسم الفاعل من أن يكون مفردا أو مضافا. فإن كان مفردا قلت : حادي عشر ، ثاني عشر ، ثالث عشر ، رابع عشر ، إلى تاسع عشر ، فتشتق اسم الفاعل من النيّف إلى العشرة ، وتبنيه مع العشرة ويكون بغير تاء إذا أردت المذكّر ، وبالتاء إذا أردت المؤنّث.

فإن استعملته مضافا ، فلا يخلو أن تضيفه لعدده الذي اشتقّ منه أو لغيره ، فإن كان مضافا لعدده الذي اشتقّ منه جاز فيه ثلاثة أوجه : أحدها أن تقول : «حادي عشر أحد عشر» ، ويجوز أن تحذف «عشر» من الأول لدلالة الثاني عليه ، فتقول : «حادي أحد عشر» ، فـ «حادي» معرب لأنّ الذي كان أوجب بناءه قد زال ، و «أحد عشر» باق على بنائه لما قدمناه.

١٣٦

ويجوز أن تقول : حادي عشر ، فتحذف «عشر» من الأول وتحذف «أحدا» من الثاني ، وتعربهما لأنّ الذي أوجب بناءهما قد زال.

وحكى الكسائي إعراب الأول وبناء الثاني. وحكي من كلامهم : «أليسوا ثالث عشر» ، بإعراب «ثالث» وبناء «عشر». ووجهه أنّه جعل الثلاثة المحذوفة من قوله : «ثلاثة عشر» ، مرادة فبنى «عشرا» من أجل ذلك ، وحذف «عشرا» من الأول وهو لا يريده ، فأعرب «ثالثا» لذلك. وهذا من الشذوذ والقلّة بحيث لا يقاس عليه.

وزعم بعضهم أنّه يجوز بناء كلّ واحد من الاسمين لحلوله محل المحذوف من صاحبه. وهذا باطل ، لأنّه يحتمل أن يكون ما ورد من قولهم : «ثالث عشر» مفردا ، فمن أين نعلم أنّه قد حذف منه «أحد عشر» ، وأما إذا أعرب ففيه دليل على أنّه لو كان غير محذوف لم يجز فيه الإعراب لما ذكرناه من تضمّنه معنى الحرف.

وأما إذا كان مضافا لغير العدد الذي اشتقّ منه ، فلا يجوز فيه إلّا الإضافة ، نحو قولك : «هذا ثاني عشر أحد عشر». وإن شئت حذفت «عشرا» من الأول لدلالة الثاني عليه ، فقلت : «ثاني أحد عشر» ، ولا يجوز أن تحذف «أحدا» من الثاني لئلا يلتبس بالعدد الموافق.

وإنّما لم يجز هنا العمل لأنّه ليس له فعل يحمل عليه ، ألا ترى أنّ فعله الذي كان يكون محمولا عليه يلزم أن يكون مركّبا مثله ، وذلك غير موجود في الأفعال.

وأمّا المعطوف على «العشرين» وما بعدها من أسماء العقود فعلى حكمه من واحد إلى عشرين. وأما العقود من نحو «العشرين» و «الثلاثين» ، فمنهم من يقول : «متمّم عشرين ومكمّل ثلاثين» ، وهذا باطل ، لأنّه يلزمه أن يكمّل نفسه ويتمّم نفسه ، كما تقدم في الرد على ثعلب في إجازته : هذا ثالث ثلاثة.

والصحيح أن يقول : هو كمال العشرين وتمام الثلاثين ، أو يأتي بأسماء العقود كما هي فيقول : العشرون والثلاثون إلى تمام العقود.

١٣٧

باب ما يحمل من العدد على اللفظ لا على المعنى

ظاهر كلام أبي القاسم أنّ العدد بابه أن يحمل على المعنى ، إلّا ما ذكر فإنّه يحمل على اللفظ. وهذا المذهب فاسد بل العدد كله يحمل على اللفظ إلّا ثلاثة ألفاظ شذّت ، وسأذكرها إن شاء الله تعالى.

وأعني بقولي : «إنّ العدد محمول على اللفظ» ، أنّه لا يعتبر في العدد هل المعدود واقع على مؤنث في المعنى أو على مذكر ، بل المعتبر اللفظ. فإن كانت العرب قد أخبرت عنه إخبار المؤنث ، كان العدد عدد مؤنث وإن كان واقعا على مذكّر ، وإن كانت العرب قد أخبرت عنه إخبار المذكّر ، كان العدد عدد مذكّر وإن كان واقعا على مؤنث.

والمعتبر من الجموع مفردها لا لفظها ، فتقول : «عندي ثلاثة حمّامات» ، لأنّ الواحد «حمّام» وهو مذكّر ، خلافا لأهل بغداد فإنّهم يعتبرون الجمع إذا كان لفظه مؤنثا ، نحو : «حمّامات» ، فتقول : «عندي ثلاث حمّامات». والصحيح أنّه لا يعتبر إلّا المفرد.

والمعتبر من أسماء الجموع لفظها ، فما كان منها لمن يعقل ، فحكمه حكم المذكر ، لأنّ الإخبار عنه إخبار المذكر ، قال الله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ)(١). فعلى هذا القول ، ثلاثة قوم.

وما كان منها لما لا يعقل ، فحكمه حكم المؤنّث لأنّ الإخبار عنه إخبار المؤنّث ،

__________________

(١) سورة النمل : ٤٨.

١٣٨

فتقول : «عندي ثلاث إبل وثلاث ذود» ، ومنه قول الشاعر [من الوافر] :

٤٨٤ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي

وشذّ من ذلك «أشياء» لأنّهم يقولون : «ثلاثة أشياء» ، فيبنون العدد على مفرد وهو شيء ، وكان القياس أن يبنى العدد عليه لأنّه اسم جمع على وزن ، «فعلاء» ، كالطرفاء (٢).

واسم الجنس (٣) إذا كان لما يعقل فهو مؤنث والمعتبر من أسماء الجنس لفظها ، وهي جائز فيها التذكير والتأنيث ، والغالب عليها التذكير فتقول : «له عندي ثلاث نخل وثلاثة نخل» ، قال الله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(٤). وقال :  (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٥). فوصف به المذكّر.

__________________

٤٨٤ ـ التخريج : البيت للحطيئة في ديوانه ص ٢٧٠ ؛ والأغاني ٢ / ١٤٤ ؛ والإنصاف ٢ / ٧٧١ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ ، ٣٦٩ ، ٣٩٤ ؛ والخصائص ٢ / ٤١٢ ؛ والكتاب ٣ / ٥٦٥ ؛ ولسان العرب ٣ / ١٦٨ (ذود) ، ٦ / ٢٣٥ (نفس) ؛ ولأعرابيّ أو للحطيئة أو لغيره في الدرر ٤ / ٤٠ ؛ ولأعرابيّ من أهل البادية في المقاصد النحوية ٤ / ٤٨٥ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٦ / ١٩٥ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٦٢٠ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٧٠ ؛ ومجالس ثعلب ١ / ٣٠٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٥٣ ، ٢ / ١٧٠.

شرح المفردات : الذود : القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر. جار : ظلم.

المعنى : يقول : لقد جار عليه الزمان وأفقده ناقة حلوبا بعد أن كانت ثلاثا لثلاثة أشخاص.

الإعراب : «ثلاثة» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «نحن ثلاثة» ، وقيل : «ثلاثة» : مبتدأ مرفوع خبره محذوف تقديره : «ثلاثة أنفس وثلاث ذود متساوون» وهو مضاف. «أنفس» : مضاف إليه مجرور. «وثلاث ذود» : معطوفة على «ثلاثة أنفس» فهي مثلها. «لقد» : واقعة في جواب قسم محذوف ، و «قد» : حرف تحقيق. «جار» : فعل ماض. «الزمان» : فاعل مرفوع. «على عيالي» : جار ومجرور متعلّقان بـ «جار» ، وهو مضاف ، والياء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «نحن ثلاثة ...» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة القسم المحذوفة : «أقسم» لا محل لها من الإعراب. وجملة : «لقد جار الزمان» جواب القسم لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «ثلاث ذود» حيث عامل ما لا يعقل «ذود» معاملة المؤنث فجاء العدد «ثلاث» مذكرا ، وفي البيت شاهد آخر هو قوله : «ثلاثة أنفس» حيث أنّث العدد ومن حقّه أن يذكّر لأنّ النفس مؤنّثة ، والقياس : «ثلاث أنفس» ، وقد أنّثها لكثرة إطلاق النفس على الشخص ، وهو مذكّر.

(١) الطرفاء : شجر كثير الأصناف.

(٢) هو الذي لا يختص بواحد دون غيره من أفراد جنسه نحو : «تراب» ، ويقابله اسم العلم. واسم الجنس قسمان : إفرادي نحو : «زيت» ، وجمعيّ نحو : «عرب».

(٣) سورة الحاقة : ٧.

(٤) سورة القمر : ٢٠.

١٣٩

وقوله : «عندي ثلاث من البطّ ذكور» ، من حمله على حكم العدد كما تقدم لأنّه من أسماء الجنس يجيز في عدده التذكير والتأنيث. فإذا قدّمت الذكور قلت : «ثلاثة» ، لأنّ الذكور جمع ذكر والمعتبر واحده. ولو قلت «ثلاث» ولم تلحظ الذكور ولحظت البطّ جاز ، لكن الأولى أن تلحظ المقدّم.

وثلاثة الألفاظ التي شذّت : «نفس» ، و «عين» ، و «دابّة» ، فكان ينبغي أن يقول : «عندي ثلاث أنفس» ، وإن أردت بالأنفس ذكورا لأنّ الواحد «نفس» ، وهو يخبر عنه إخبار المؤنث وإن كان واقعا على مذكّر. لكن كلام العرب : عندي «ثلاثة أنفس» إذا أردت ذكورا أو إناثا ، حملا على المعنى ، ومنه قوله [من الوافر] :

ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي (١)

فإن قيل : ولعل هذا على لغة من ذكّر «النفس» وذلك قليل ، قال الله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ)(٢) فأخبر عنها إخبار المؤنث ثم قال بعد ذلك : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها)(٣). فخاطبها خطاب المذكّر. فالجواب : إنّ تذكير «النفس» في الآية من الحمل على المعنى ، وذلك قليل لا لغة. فالذي يقول : «ثلاثة أنفس» ، إنّما يقوله على معنى «شخص» ، والشخص مذكّر.

واللفظة الثانية العين التي يراد بها الربيئة (٤) مؤنّثة ، تقول : «جاءت عين القوم» وتقول في العدد : عندي ثلاثة أعين ، فيكون حكم عدده حكم المذكر حملا على المعنى لأنّ الربيئة وإن كانت مؤنّثة فإنّها واقعة على «رجل» وهو مذكّر.

واللفظة الثالثة دابّة فإنّها مؤنثة تقول : هذه دابّة ، وقعت على مذكّر أو مؤنّث ، إلّا أنّك تقول في العدد : ثلاثة دوابّ ، فتلحق التاء على معنى أشخاص ، ويقوي ذلك أنّ دابة صفة فكأنّ الأصل : ثلاثة أشخاص دواب ، فحذف الموصوف وهو أشخاص وأقيمت صفته مقامه وبقي لفظ العدد على ما كان عليه قبل حذف الموصوف.

__________________

(١) تقدم بالرقم ٤٨٤.

(٢) سورة الزمر : ٥٦.

(٣) سورة الزمر : ٥٩.

(٤) الربيئة : طليعة الجيش الكشّافة التي ترقب العدو.

١٤٠