شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

باب «نعم» و «بئس»

[١ ـ اختلاف النحاة فيهما] :

اعلم أنّ «نعم» و «بئس» من قبيل الأفعال إلّا أنّ النحويين أفردوا لهما بابا ، لأنّ لهما أحكاما ليست لغيرهما من الأفعال ، وسنذكرها إن شاء الله تعالى.

واختلف هل هما فعلان أم لا ، منهم من ذهب إلى أنّهما فعلان وهم أهل البصرة ، ومنهم من ذهب إلى أنّهما اسمان وهو الفراء وكثير من أهل الكوفة (١). والذي ذهب إلى أنّهما فعلان استدلّ على ذلك برفعهما الفاعل ، وليسا من قبيل الأسماء العاملة عمل الفعل ، وبنائهما على الفتح ، ولو كانا اسمين لكانا معربين إذ لا موجب لبنائهما ، وبتحملهما الضمير في قولك : «نعم رجلا زيد» ، بل قد حكى : نعما رجلين الزيدان ، ونعموا رجالا الزيدون ، على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى ، أو بلحاق علامة التأنيث لما على حدّ ما تلحق الأفعال ، أعني أنّها تسقط مع المذكر وتثبت مع المؤنث ، نحو : «نعم الرجل» ، و «نعمت المرأة».

والذاهبون إلى أنّهما اسمان استدلّوا على صحّة مذهبهم ، بكونهما لا مصدر لهما وبكونهما لا يتصرّفان ، وهذا الذي استدلّوا به لا حجّة فيه ، لأنّه قد وجد من الأفعال ما لا يتصرّف ولا مصدر له كـ «عسى».

واستدلّوا أيضا بدخول حرف الجر عليهما وحكوا من كلام العرب : «نعم السير على بئس العير». وحكى عن بعض العرب أنّه ولد له بنت قيل له : نعم الولد هي ، فقال : والله ما

__________________

(١) انظر المسألة الرابعة عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٩٧ ـ ١٢٦.

٦١

هي بنعم الولد ، نصرها بكاء وبرّها سرقة. وأنشدوا في دخول حرف الجر على «نعم» قول الشاعر [من الرجز] :

٤٢٤ ـ صبّحك الله بخير باكر

بنعم طير وشباب فاخر

وأنشدوا أيضا قوله [من الوافر] :

٤٢٥ ـ فقد بدّلت ذاك بنعم بال

وأيام لياليها قصار

ولا حجة لهم في شيء من هذا.

أما قولهم : «على بئس العير» ، فيكون على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ،

__________________

٤٢٤ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الدرر ٥ / ١٩٥ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٨٢ (نعم) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٤.

المعنى : أراد : صبحك الله بخير واستقرار وشباب نضر ، وطيور سعادة ورخاء فوق أرضك.

الإعراب : صبحك : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. الله : لفظ الجلالة ، فاعل مرفوع بالضمة. بخير : جار ومجرور متعلقان بالفعل. باكر : صفة للخير مجرورة مثله. بنعم : جار ومجرور بدل من (بخير). طير : مضاف إليه مجرور بالكسرة. وشباب : «الواو» : حرف عطف ، «شباب» : اسم معطوف على خير مجرور مثله. فاخر : صفة لشباب مجرورة مثلها.

وجملة «صبحك الله» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «بنعم» حيث دخل حرف الجر (الباء) على (نعم) ، مما يدلّ على اسميتها عند بعضهم.

٤٢٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في رصف المباني ص ١٨٠ ؛ والمقرب ١ / ٦٥.

المعنى : ... لقد ذهبت أيام الهناء والعافية ، وحلت محلها أيام الشقاء وليالي الأرق والهم الطوال.

الإعراب : فقد : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «قد» : حرف تحقيق. بدلت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. ذاك : «ذا» : اسم إشارة في محل نصب مفعول به ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. بنعم : جار ومجرور ، متعلقان بالفعل (بدلت). بال : مضاف إليه مجرور بالكسرة. وأيام : «الواو» : حرف عطف ، «أيام» : اسم معطوف على الاسم المجرور بالباء مجرور مثله. لياليها : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة ، و «ها» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. قصار : خبر مرفوع.

وجملة «بدلت ذاك» : بحسب الفاء. وجملة «لياليها قصار» : في محلّ جرّ صفة لـ (أيام).

والشاهد فيه قوله : «بنعم» حيث دخل حرف الجر (الباء) على (نعم).

٦٢

كأنّه قال : على عير بئس العير ، وعلى ذلك يتخرّج : والله ما هي بنعم الولد ، بولد نعم الولد ، ونظير ذلك قول الشاعر [من الرجز] :

والله ما زيد بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه (١)

فأدخل الباء على «نام» وهو فعل تقديره : والله ما زيد برجل نام صاحبه ، ثم حذف رجل وأقيم «نام صاحبه» مقامه لأنّه صفة له.

وأما قولهم : «بنعم طير وشباب فاخر» ، و «بنعم بال» ، فإنّ «نعم» اسم للخير الباكر واسم للعافية في قوله : «بنعم بال» ، بدليل إضافتهما إلى ما بعدهما ولا يضاف إلّا الاسم وكأنّهما في الأصل : نعم ، التي هي فعل فسمّي بها وحكيت ، ولذلك فتحت الميم معها مع دخول حرف الجر عليها. ونظير ذلك : «قيل» و «قال» ، فإنّ العرب لما جعلتهما للقول حكيا ، وعلى ذلك جاء الأثر : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قيل وقال وعن إضاعة المال. فإذا تبيّن أنّه لا حجة فيما استدلّوا به على أنّهما اسمان ، تبين أنّهما فعلان بما تقدّم من الدلالة القاطعة.

[٢ ـ لغاتهما] :

وفي «نعم» أربع لغات : نعم ، بكسر النون وإسكان العين ، وهي الأفصح وكثرتها تغني عن الاستشهاد عليها. و «نعم» ، بكسر النون والعين ، وعليه قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)(٢). ونعم ، بفتح النون وكسر العين ، وعليه أنشدوا قول الشاعر [من الرمل] :

٤٢٦ ـ ما أقلّت قدم ناعلها

نعم الساعون في الأمر المبرّ

__________________

(١) تقدم بالرقم ١١٥.

(٢) البقرة : ٢٧١.

٤٢٦ ـ التخريج : البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٥٨ (مع اختلاف كبير في الرواية) ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٣٧٦ ، ٣٧٧ ؛ والدرر ٥ / ١٩٦ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٨٧ (نعم) ؛ والمحتسب ١ / ٣٤٢ ، ٣٥٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٤ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٢٨ ؛ والمقتضب ٢ / ١٤٠.

اللغة : أقلّت : حملت. الناعل : لابس النعل. الأمر المبرّ : هو الأمر الذي يعجز الناس عن دفعه وإبطاله.

٦٣

و «نعم» ، بفتح النون وتسكين العين.

وفي بئس لغتان : بئس ، بفتح الباء ، وبئس ، بكسرها.

[٣ ـ فاعلهما] :

ولا يكون فاعلهما إلّا فيه الألف واللام ، نحو قولك : «نعم الرجل» ، و «بئس الغلام» أو ما أضيف إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : «نعم غلام الرجل» ، و «بئس غلام المرأة» ، و «نعم فتى العشيرة عمرو» ، أو مضمرا على شريطة التفسير ، وذلك نحو قولك : «نعم رجلا زيد» ، أو مضافا إلى نكرة ، وذلك قليل جدا وبابه الشعر.

وسبب ذلك أنهم عزموا على أن لا يكون فاعلهما إلّا الجنس أو ما يفهم منه الجنس ، نحو قولك : «غلام الرجل» ، إذ معلوم أنّه لا يكون الجنس غلام واحد.

وإنّما لم يجىء فاعلهما مضافا لنكرة إلّا في الشعر ، لأنّ النكرة لا يفهم منها الجنس إلّا في بعض المواضع ، وذلك نحو قولهم : «رجل خير من امرأة». فمثال ما جاء من ذلك في «نعم» قول الشاعر [من البسيط] :

٤٢٧ ـ فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

وصاحب الركب عثمان بن عفانا

__________________

المعنى : ما أحسن الذين يسعون في تخفيف ما يزعج الناس ، ويعجزهم ، هذا التفضيل يبقى ما بقيت أقدام الناس تحملهم.

الإعراب : «ما» : مصدرية زمانية. «أقلت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. «قدم» : فاعل مرفوع بالضمّة. والمصدر المؤول من «ما» وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان. «ناعلها» : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. «الساعون» : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكّر سالم. «في الأمر» : جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل «الساعون». «المبر» : صفة لـ «الأمر» مجرورة بالكسرة ، وسكّنت لضرورة الشعر.

وجملة «أقلت» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «نعم الساعون» استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «نعم» بالتحريك بفتح النون وكسر العين.

٤٢٧ ـ التخريج : البيت لكثير بن عبد الله النهشلي في الدرر ٥ / ٢١٣ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٠ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١٧ ؛ وله أو لأوس بن مغراء أو لحسان في خزانة الأدب ٩ / ٤١٥ ، ٤١٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٣١ ؛ وليس في ديوان حسان ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ٦٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٦. ـ ـ

٦٤

ومثال ما جاء في «بئس» قوله [من الرجز] :

٤٢٨ ـ بئس قرينا يفن هالك

أمّ عبيد وأبو مالك

واختلف في «من» و «ما» الموصولتين وما أضيف إليهما ، فمنهم من أجاز أن يكونا فاعلين لهما ، ومنهم من منع. فالمجيز استدلّ على ذلك بالقياس والسماع. أما القياس فإنهما في معنى ما فيه الألف واللام ، ألا ترى أنّهما بمعنى «الذي» و «التي». وأمّا السماع

__________________

الإعراب : فنعم : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، و «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. صاحب : فاعل مرفوع ، وهو مضاف. قوم : مضاف إليه مجرور. لا : نافية للجنس. سلاح : اسم «لا» مبنيّ في محلّ نصب. لهم : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «لا». وصاحب : «الواو» : حرف عطف ، و «صاحب» : معطوف على «صاحب» الأولى ، مرفوع ، وهو مضاف. الركب : مضاف إليه مجرور. عثمان : مبتدأ مؤخّر ، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هو». بن : نعت «عثمان» مرفوع ، وهو مضاف. عفّان : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «نعم صاحب قوم» : بحسب ما قبلها. وجملة «لا سلاح لهم» : في محل جرّ نعت قوم. وجملة «نعم صاحب الركب» : معطوفة على الجملة الأولى.

الشاهد فيه قوله : «نعم صاحب قوم» حيث ورد فاعل «نعم» ، وهو قوله : «صاحب» نكرة مضافة إلى نكرة.

٤٢٨ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أمالي القالي ٢ / ١٨٣ ؛ والدرر ٥ / ٢١٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٧٨٩ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٤٩٦ (ملك) ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٦.

اللغة : اليفن : الشيخ الطاعن في السن. أم عبيد : الفلاة اللماعة التي لا ماء فيها ، أو السنة المجدبة أبو مالك : الجوع.

المعنى : يذم الشاعر أن يقترن الهرم والكبر بالفقر والجوع والأماكن القاحلة التي لا خير فيها.

الإعراب : بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. قرينا : فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة. يفن : مضاف إليه مجرور بالكسرة. هالك : صفة ليفن مجرور مثلها. أم عبيد : «أمّ» مبتدأ مؤخر مرفوع ، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره : «هما» ، «عبيد» : مضاف إليه مجرور. وأبو مالك : «الواو» : حرف عطف ، «أبو» : اسم معطوف على مرفوع ، مرفوع مثله وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة ، «مالك» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «بئس قرينا يفن» في محل رفع خبر المبتدأ «أم عبيد» ، أو ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «بئس قرينا يفن» حيث جاء بفاعل «بئس» اسما نكرة مضافا إلى اسم نكرة.

٦٥

فقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(١). وقول الشاعر [من البسيط] :

٤٢٩ ـ فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه

ونعم من هو في سرّ وإعلان

وهذا الذي استدلّ به لا حجة فيه بل القياس أن يكون فاعل «نعم» و «بئس» على حسب ما استقر فيهما بالسماع ما أمكن ، وأمّا السماع فمؤوّل.

أما قوله تعالى : «فنعمّا هي» ، فأصله : فنعم ما هي. وما بمنزلة شيء في موضع نصب على التمييز وهي خبر ابتداء مضمر ، وجاء التمييز بـ «ما» وإن كانت شديدة الإبهام لاختصاصها بالنعت وحذف اسم الممدوح وهو الإبداء لدلالة : (إِنْ تُبْدُوا)(٣) عليه كأنه قال : فنعم شيئا هو ، أي الإبداء ، وكذلك «فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه» «من» فيه بمنزلة شيء و «ضاقت مذاهبه» في موضع الصفة ، فيكون مثل قول الآخر :

فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

[وصاحب الركب عثمان بن عفانا](٤)

__________________

(١) البقرة : ٢٧١.

٤٢٩ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٠٩٨ ، ١٣٠٨ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤١٠ ، ٤١١ ، ٤١٢ ، ٤١٤ ؛ والدرر ١ / ٣٠٣ ، ٥ / ٢١٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٧٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٤١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٧٩٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٩١ (زكا) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٤٨٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٩٢ ، ٢ / ٨٦.

اللغة : مزكأ : ملجأ. الضيق : عدم السعة للمكان ، والضر للمعنى. المذهب : المعتقد.

المعنى : كيف أخاف العيش ، ولي ملجأ ، وهو بشر بن مروان الأموي ونعم من لجأت إليه.

الإعراب : فنعم : الفاء : بحسب ما قبلها ، «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. مزكأ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة وهو مضاف. من : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. ضاقت : فعل ماض مبني على الفتحة و «التاء» : للتأنيث. مذاهبه : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ونعم : «الواو» : عاطفة ، و «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتحة الظاهرة. من : اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل رفع فاعل. هو : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، وخبره محذوف ، والتقدير من هو مثله. في سر : جار ومجرور متعلقان بـ (نعم). وإعلان : «الواو» : عاطفة ، «إعلان» : اسم معطوف على سر مجرور بالكسرة الظاهرة.

وجملة «ونعم مزكأ» : بحسب الواو. وجملة «ضاقت» : صلة موصول لا محل لها. وجملة «نعم من» : معطوفة على جملة نعم لا محل لها. وجملة «من هو مثله» : صلة الموصول لا محل لها.

والشاهد : فيه قوله : «نعم من هو» : حيث أجاز بعضهم أن تكون «من» الموصولية فاعلا لـ «نعم» و «بئس».

(٢) البقرة : ٢٧١.

(٣) تقدم بالرقم ٤٢٧.

٦٦

واسم الممدوح محذوف لفهم المعنى. وكذلك قوله : «من هو في سر وإعلان» ، «من» فيه في موضع نصب على التمييز بمنزلة شيء ، و «هو في سر وإعلان» جملة في موضع الصفة واسم الممدوح محذوف لفهم المعنى.

[٤ ـ حذف الممدوح أو المذموم] :

ولا بدّ لهما أن يذكر معهما اسم الممدوح أو اسم المذموم ، ولا بدّ من ذكر التمييز إذا كان الفاعل مضمرا. وقد يجوز حذفهما لفهم المعنى.

فمن حذف اسم الممدوح لفهم المعنى قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١). تقديره : نعم العبد أيّوب ، فحذف «أيّوب» لفهم المعنى.

ومن حذف اسم الممدوح والتمييز معا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» ، فقوله : فبها ، أي : فبالرخصة أخذ ، وقوله : و «نعمت» ، أي : نعمت رخصة الوضوء. فحذف التمييز وهو «رخصة» ، واسم الممدوح وهو «الوضوء» لفهم المعنى.

ولا يكون اسم الممدوح والمذموم أبدا إلّا أخصّ من فاعلهما. فلو كان أعمّ منه أو مساويا له لم يجز ، لأنّه ليس فيه بيان ، نحو : «نعم الرجل زيد» ، فـ «زيد» أخص من الرجل لأنّ الرجل يكون «زيدا» وغيره ، ولو قلت : «نعم الرجل إنسان» ، لم يجز لأنّ الإنسان أعمّ من الرجل ، لأنه يطلق على الرجل والمرأة ، فإذا قلت : «نعم الرجل» ، علم أنه إنسان ، فلا فائدة في ذكر الإنسان بعد ذلك.

ولو قلت : «نعم الجمل جمل» ، و «نعم البعير جمل» ، على لغة من يجعل البعير لا يقع إلّا على الجمل لم يجز أيضا ، لأنّه ليس فيه فائدة ، وقد يجوز : «نعم البعير جمل» ، على لغة من يجعل البعير يقع على الجمل والناقة.

__________________

(١) ص : ٤٤.

٦٧

[٥ ـ تقدم الممدوح والمذموم وتأخرهما] :

وإذا ذكرت اسم الممدوح أو المذموم فلا يخلو أن تقدّمه على «نعم» و «بئس» أو تذكره بعدهما. فإن ذكرته بعدهما فمن يجعلهما اسمين يجعل «نعم» و «بئس» مبتدأين ، والاسم الذي بعد الممدوح أو المذموم خبرهما ، أو يجعلهما خبرين والاسم الذي بعدهما مبتدأ ، وكأنه قال : الممدوح زيد والمذموم عمرو ، ومن يجعلهما فعلين فإنه يجعل اسم الممدوح أو المذموم إذا تقدم مبتدأ ، و «نعم» و «بئس» جملتان في موضع الخبر.

فإن قيل : فكيف جاز أن تقع الجملة في موضع الخبر بغير رابط فيها وليست المبتدأ في المعنى؟ فالجواب : إنّ للنحويين في ذلك مذهبين :

كأنّه قال : زيد هو نعم الرجل ، وعمرو هو بئس الرجل ، وهو مذهب ابن السيد ، وهو فاسد لأنّ الجملة من «نعم» ، و «بئس» إذ ذاك تكون في موضع خبر ذلك المضمر ، فيحتاج فيها إلى رابط آخر.

ومنهم من ذهب إلى أنّ فاعلهما لعمومه أغنى عن الضمير ، ألا ترى أنّه يراد به الجنس. ولقائل أن يقول : وما الدليل على ذلك؟ أعني على أنّه يراد به الجنس فالجواب : إنّ الذي يدل على ذلك شيئان :

أحدهما التزامهم في الفاعل الألف واللام أو الإضافة إلى ما فيه الألف واللام ، أو أن يكون مضمرا يفسره اسم الجنس ، فلو لا أنّه يراد به اسم الجنس لما التزمت فيه الألف واللام الدالة على الجنس أو ما هو بمنزلتهما.

والآخر : إنّه يجوز في فصيح كلام العرب : «نعم المرأة» ، و «نعمت المرأة» ، بإلحاق العلامة وحذفها ، ولا يجوز : قام المرأة ، إلّا شذوذا نحو ما حكي من كلامهم : «قال فلانة» ، فلو لا أنّه بمعنى الجنس لما ساغ ذلك. فيكون إذ ذاك بمنزلة : «قال النساء» ، و «قالت النساء» ، في أنّه حمل تارة على معنى جمع ولم تلحق العلامة ، وتارة على معنى الجماعة فلحقت العلامة ، فلا وجه لقول من قال : إنّ الذي سوّغ ذلك في «نعم» و «بئس» كونهما لا يتصرفان لأنّ «ليس» لا يتصرّف ولا يجوز : «ليس المرأة» ، فإن قيل : فكيف أسند فعل المدح والذم وهما «نعم» و «بئس» إلى الجنس وإنّما الممدوح بعضه وهو الاسم الذي تأتي به تبيينا لفاعلهما؟

فالجواب : إنّ الذي يتصوّر في ذلك وجهان : أحدهما أن تريد الجنس حقيقة ، وكأنّك

٦٨

قلت : زيد نعم جنسه الذي هو الرجال ، فإذا أثنيت على جنسه انجرّ له الثناء معهم ، والاخر : أن تجعل الممدوح هو جميع الجنس كلّه مبالغة ، فإذا قلت : زيد نعم الرجل ، فكأنّك قلت : زيد نعم زيد الذي هو من جنس الرجال. والعرب قد تجعل المفرد بمنزلة الجنس كله مبالغة في المدح ، من كلامهم : «أكلت شاة كلّ شاة» فجعل الشاة المأكولة هي جميع الشاء مبالغة ، ومنه قولهم : «كلّ الصيد في جوف الفرا» (١) فجعل «الفرا» الذي هو حمار الوحش لجلالته بمنزلة جنس للصيد. وقد صرّح المتنبي بهذا المعنى فقال [من السريع] :

٤٣٠ ـ وليس لله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

وكذلك يفعل في اللام ، وعلى هذا الوجه ينبغي أن تحمل التثنية وجمعه في قولهم : «الزيدان نعم الرجلان» ، و «الزيدون نعم الرجال» ، والجنس لا يثنّى ولا يجمع ، وعلى هذا الوجه الآخر يجوز تثنيته وجمعه ، لأنّك تجعل كلّ واحد من التثنية أو من الجمع كأنّه جميع الجنس مجازا ، فتسوغ التثنية والجمع.

__________________

(١) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في الأمثال النبوية ٢ / ٤٨ ؛ وتمثال الأمثال ٢ / ٥١٨ ؛ وجمهرة الأمثال ١ / ١٦٥ ، ٢ / ١٦٢ ؛ والحيوان ١ / ٣٣٥ ، ٢ / ٢٥٦ ؛ وفصل المقال ص ١٠ ؛ وكتاب الأمثال ص ٣٥ ؛ ولسان العرب ١ / ١٢١ (قرأ) ، ١٢ / ١٠٤ (جلهم) ، ١٣ / ٤٨٥ (جله) ؛ والمستقصى ٢ / ٢٢٤ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ١٣٦.

يضرب في الواحد الذي يقوم مقام الكثير لعظمه.

٤٣٠ ـ التخريج : البيت لأبي نواس في ديوانه ١ / ٣٤٩.

المعنى : ليس باستطاعة أحد أن ينكر على الله قدرته على جعل جميع الصفات الحسنة في رجل واحد.

الإعراب : ليس : فعل ماض ناقص. لله : اللام : حرف جرّ. الله : اسم الجلالة مجرور بالكسرة الظاهرة. والجار والمجرور متعلّقان بـ «مستنكر». بمستنكر : الباء : حرف جرّ زائد ، «مستنكر» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس». أن : حرف نصب. يجمع : فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». والمصدر المؤوّل من «أن يجمع» في محل رفع اسم «ليس». العالم : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. في : حرف جرّ. واحد : اسم مجرور بالكسرة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «يجمع».

وجملة «ليس على الله بمستنكر ...» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب.

والتمثيل به في تأكيد فكرة جعل المفرد بمنزلة الجنس كلّه مبالغة في المدح.

٦٩

فإن قلت : ألم تزعم أنّ سيبويه رحمه‌الله لا يجيز : «زيد قام أبو عمرو» ، إذا كان «أبو عمرو» كنية لـ «زيد» ، لأنّه ليس في الجملة ضمير للأول ولا تكرار بلفظه ، وأنتم قد فعلتم ذلك في «زيد نعم الرجل»؟

فالجواب : إنّ الذي لأجله منع سيبويه ، رحمه‌الله «زيد قام أبو عمرو» هو أنّ «أبا عمرو» لا يفهم منه أنّ المراد به «زيد» ، ولو لا ذلك لجازت المسألة. وأما «زيد نعم الرجل» ، فليس ثمّ ما يلتبس به «زيد» لأنّه للجنس كله ، والجنس لا ثاني له فيلتبس به. ولما خفي وجه التثنية فيه والجمع مع الجنسية على ابن ملكون اعتقد أنّه لا يراد بفاعلها إلا الاسم الممدوح خاصة. وأجاز خلوّ الجملة من رابط على مذهب أبي الحسن الأخفش في إجازته : «زيد قام أبو عمرو» ، و «أبو عمرو» كنية لـ زيد» ، وقد تقدم الدليل على أنّ المراد بفاعلهما الجنس.

وقد تقدم الدليل على أنّ المراد بفاعلهما الجنس.

فإذا تأخّر اسم الممدوح أو المذموم بعد «نعم» و «بئس» كان فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون خبر ابتداء مضمر ، والآخر : أن يكون مبتدأ والخبر محذوف وكأنّه في الوجهين لما قال : «نعم أو بئس الرجل» قيل له : فمن هذا الممدوح أو المذموم ، فقال : «زيد» ، على تقدير : هو زيد ، أو على تقدير : زيد الممدوح وزيد المذموم.

والثالث : أن يكون مبتدأ «ونعم الرجل» جملة في موضع الخبر ، وقد تقدّم على المبتدأ ، فيكون أمره كأمر : «زيد نعم الرجل» ، وخبر المبتدأ قد يتقدّم عليه وإن كان جملة ، كقول الشاعر [من الطويل] :

إلى ملك ما أمّه من محارب

أبوه ولا كانت كليب تصاهره (١)

__________________

(١) تقدم بالرقم ٢٣٤.

٧٠

[٦ ـ فاعلهما المضمر] :

وإن كان فاعلهما مضمرا ، لم يبرز في حال التثنية والجمع استغناء بتثنية التمييز وجمعه عنه في قولك : «نعم رجلين الزيدان» ، و «نعم رجالا الزيدون».

هذا هو كلام العرب ، وحكى أبو الحسن الأخفش أنّ من العرب من يبرز الضمير فيقول : «نعما» ، و «نعموا» ، وحكى ذلك في كتابه عن أبي محمد وأبي صالح السليل ، ثم قال بعد ذلك : إنّي لا آمن أن يكونا قد فهّما التلقين.

ولا يجوز الجمع بين فاعلهما والتمييز والفاعل ظاهر ، فأما قوله [من الوافر] :

٤٣١ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

ف «زادا» منصوب بـ «تزوّد» ، و «مثل» منصوب على الحال ، وكأنه في الأصل صفة لـ «مثل» (٢) فقدّم فانتصب على الحال لأنّ النكرة إذا تقدّمت نصبت على الحال ، تقديره : تزوّد زادا مثل زاد أبيك فينا فنعم الزاد زاد أبيك.

__________________

٤٣١ ـ التخريج : البيت لجرير في خزانة الأدب ٩ / ٣٩٤ ، ٣٩٩ ؛ والخصائص ١ / ٨٣ ، ٣٩٦ ؛ والدرر ٥ / ٢١٠ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٥٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٣٢ ؛ ولسان العرب ٣ / ١٩٨ (زود) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٠ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١ / ٢٦٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٦٢ ؛ ومغني اللبيب ص ٤٦٢ ؛ والمقتضب ٢ / ١٥٠.

المعنى : يخاطب الشاعر ممدوحه ويدعوه للسير على خطى أبيه في الجود والعطاء اللذين عرف بهما.

الإعراب : «تزوّد» : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت». «مثل» : حال منصوبة ، وهو مضاف. «زاد» : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف. «أبيك» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فينا» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تزوّد». «فنعم» : الفاء استئنافية ، «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. «الزاد» : فاعل مرفوع. «زاد» : مبتدأ مؤخّر ، وهو مضاف. «أبيك» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «زادا» : مفعول به لـ «تزود» ، منصوب.

وجملة : «تزوّد» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «نعم الزاد ...» استئنافية لا محلّ لها من الإعراب ، أو في محل رفع خبر للمبتدأ «زاد» ، وتكون بذلك جملة : «زاد أبيك نعم» استئنافية.

الشاهد فيه قوله : «فنعم الزاد زادا» حيث لا يجوز الجمع بين فاعل «نعم» والتمييز إذا كان الفاعل ظاهرا.

(١) الصواب لـ «زاد».

٧١

ولا يجوز إدخال «من» على تمييزها ، فأمّا قول الشاعر [من الوافر] :

٤٣٢ ـ تخيّره فلم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهام

فمن القلة بحيث لا يقاس عليه.

ولا يقع تمييزا في هذا الباب ولا في غيره من الأسماء المتوغلة في الإبهام شيء إلّا أن يخصص بالوصف.

[٧ ـ إلحاق علامة التأنيث بفاعلهما] :

وفاعلهما إذا كان اسما مذكرا لم تلحقه علامة التأنيث وإن كان مؤنثا جاز إلحاق علامة التأنيث على معنى جماعة وحذفها على معنى جمع كما تقدم ، إلا أن يكون مذكرا كنّي به عن مؤنّث ، أو مؤنثا كنّي به عن مذكّر ، فإنّك تعامل الفاعل إذ ذاك معاملة ما كنّيت به عنه ،

__________________

٤٣٢ ـ التخريج : البيت لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب اللّيثي في الدرر ٥ / ٢١١ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٩٦ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٣٣ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٧ ، ٤ / ١٤ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٣٩٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٦٥ ؛ والمقرب ١ / ٦٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٦.

شرح المفردات : تخيّره : اصطفاه. يعدل : يساوي. تهام : منسوب إلى تهامة ، وهي بلاد شمال الحجاز.

المعنى : يقول راثيا هشام بن المغيرة : إنّ الموت قد اصطفاه ولم يساو بينه وبين غيره من الناس ، ولنعم هذا التهاميّ من رجل كامل الصفات.

الإعراب : «تخيّره» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو» ، والهاء ضمير في محلّ نصب مفعول به. «فلم» : الفاء : حرف عطف ، «لم» : حرف جزم. «يعدل» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «سواه» : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «فنعم» : الفاء حرف استئناف ، «نعم» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. «المرء» : فاعل مرفوع. «من» : حرف جرّ زائد. «رجل» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه تمييز. «تهام» : نعت «رجل» مجرور.

وجملة : «تخيّره ...» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لم يعدل ...» معطوفة على الجملة السابقة. وجملة : «نعم المرء ...» استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «من رجل» حيث جرّ بـ «من» ما كان حقّه أن ينصب على أنّه تمييز.

٧٢

فتقول : «هذه الدار نعمت البلد» ، فتلحق العلامة وإن كان البلد مذكّرا ، لأنّك أردت به الدار ، وتقول : «هذا البلد نعم الدار» ، فلا تلحق العلامة وإن كانت الدار مؤنثة ، لأنّك عنيت بها البلد وهو مذكر. ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] :

٤٣٣ ـ أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة

دعائم الزّور نعمت زورق البلد

فألحق العلامة وإن كان «الزورق» مذكّرا لأنّه كناية عن «الناقة».

[٨ ـ بناء الفعل الثلاثي على «فعل»] :

وكلّ فعل ثلاثي يجوز فيه أن يبني على وزن «فعل» يراد به معنى المدح أو الذم ويكون حكمه إذ ذاك كحكم «نعم» و «بئس» في الفاعل ، وفي التمييز ، وفي ذكر اسم الممدوح.

وزعم المبرد أنه يكون فاعله كل اسم بخلاف «نعم» ، فأجاز : «حبّ زيد». وذلك باطل ، بل العرب إذا صيّرت الفعل على وزن «فعل» ، وأرادت به معنى المدح أو الذم ، فمنهم من يدخله مع ذلك معنى التعجب ، ومنهم من لا يدخله ذلك. فمن أدخله معنى التعجب جاز أن يكون فاعله كل اسم ، ومن لا يدخله معنى التعجب كان حكمه كحكمها في

__________________

٤٣٣ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٧٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٢٠ ، ٤٢٢ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٣٦ ؛ ولسان العرب ١٠ / ١٤٠ (زرق) ، ١٢ / ٥٨٧ (نعم) ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ٦٨.

اللغة : الحرة : الناقة الكريمة. العيطل : طويلة العنق. ثبجاء : ضخمة الثبج أي الصدر. مجفرة : عظيمة الجنب. الدعائم : القوائم. الزور : أعلى الصدر ؛ وكلها صفات للناقة.

المعنى : يصف الشاعر ناقته بأنها كريمة ، طويلة العنق ، ضخمة قوائمها قوية ومتينة ، ولهذه الصفات يشبّهها بالزورق ، لأنها تحمل الحمل الثقيل.

الإعراب : أو : حرف عطف. حرة : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمة. عيطل : صفة مرفوعة بالضمة لحرة. ثبجاء : صفة ثانية مرفوعة مثلها. مجفرة : صفة ثالثة لحرة مرفوعة مثلها. دعائم : مفعول به منصوب. الزور : مضاف إليه مجرور. نعمت : فعل ماض لإنشاء المدح مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. زورق : فاعل مرفوع بالضمة. البلد : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «هي حرة ...» : معطوفة على كلام سابق. وجملة «نعمت زورق» : في محلّ رفع صفة رابعة.

والشاهد فيه قوله : «نعمت زورق البلد» : حيث ألحق تاء التأنيث وإن كان المخصوص بالمدح «زورق» مذكرا ، لأنه كناية عن الناقة.

٧٣

جميع ما ذكر ، ومنه قوله تبارك وتعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(١) ، وكذلك : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(٢). وكذلك : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ)(٣). وأشباه ذلك كثير.

والدليل على أنّه يراد به معنى التعجب قوله [من المديد] :

حبّ بالزور الذي لا يرى

منه إلّا صفحة أو لمام (٤)

فزاد الباء في فاعل «حبّ» لما دخل الكلام معنى «أحبب بالزور» ، الذي يراد به معنى التعجب مراعاة للمعنى ، فافهم.

__________________

(١) الصف : ٣.

(٢) الكهف : ٥.

(٣) الأعراف : ١٧٧.

(٤) تقدم بالرقم ٤١٨.

٧٤

باب «حبّذا»

[١ ـ اختلاف النحاة فيها] :

اعلم أنّ «حبّذا» مركّبة من «حبّ» و «ذا» ، إلا أنّ النحويين اختلفوا فيها فمنهم من ذهب إلى أنّ «حبّ» مع «ذا» لم يجعلا كشيء واحد ، بل «ذا» عندهم فاعل «حبّ» والاسم الواقع بعد اسم الإشارة يجوز فيه على مذهب هؤلاء من الإعراب ما يجوز في اسم الممدوح أو المذموم في باب «نعم» و «بئس» ، فيكون خبر ابتداء مضمر ، وكأنّه قال : «هو زيد» ، أي : المحبوب زيد ، أو مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير : زيد المحبوب ، فحذف الخبر ، أو يكون مبتدأ و «حبّذا» في موضع خبره ، واستغنى باسم الإشارة عن الضمير ، كما كان ذلك في قوله تبارك وتعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(١). في قراءة من رفع «لباس التقوى» ، أي : هو خير.

والذاهبون إلى أنّ «حبّذا» ليست بمنزلة كلمة واحدة منهم من زعم أنّ إفراد العرب لها في جميع الأحوال وكونها لم تتغيّر بالنظر إلى التثنية والجمع شذوذ. فلذلك لم يقل : «حبّذان» ولا «حبّ أولاء» بل جرى مجرى المثل ، فكما لا يتغيّر المثل بل يبقى على صورة واحدة ، فكذلك هو ، ألا ترى أنّك تقول : «الصيف ضيّعت اللبن» (٢) للمفرد ، والمثنى ،

__________________

(١) الأعراف : ٢٦.

(٢) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في أمثال العرب ص ٥١ ؛ وجمهرة الأمثال ١ / ٣٢٤ ، ٥٧٥ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٥ ؛ والدرّة الفاخرة ١ / ١١١ ؛ والفاخر ص ١١١ ؛ وفصل المقال ص ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ؛ وكتاب الأمثال ص ٢٤٧ ؛ ولسان العرب ٨ / ٢٣١ (ضيع) ، ٩ / ٢٠٣ (صيف) ، ١١ / ٣١٤ (زول) ، ١٤ / ١١ (أبي) ؛ والمستقصى ١٠ / ٣٢٩ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ٦٨.

يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه.

٧٥

والمجموع ، والمؤنث ، والمذكر بلفظ واحد. وهذا فاسد لأنّه إذا أمكن أن يحمل اللفظ على غير الشذوذ كان أولى.

ومنهم من زعم أنّ «ذا» إنّما كان مفردا مذكرا على كل حال لأنّه إشارة إلى مفرد مذكر محذوف والتقدير عنده في «حبّذا زيد» : حبذا حسن زيد ، وكذلك «حبّذا الزيدان» : حبّذا حسن الزيدين ، وكذلك حبّذا الزيدون ، أي : حبّذا حسن الزيدين ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهو مذهب ابن كيسان ، وهو فاسد لأنّ العرب إذا حذفت المضاف وأقامت المضاف إليه مقامه ، فإنّما تجعل الحكم من تذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع وغير ذلك على حسب الملفوظ به لا على حسب المحذوف ، فتقول : «اجتمعت اليمامة» ، ولا تقول : «اجتمع اليمامة» ، وإن كان الأصل قبل الحذف : اجتمع أهل اليمامة.

ومنهم من ذهب إلى أنّ «حبّ» مع «ذا» بمنزلة كلمة واحدة ، واستدلّوا على ذلك بكون اسم الإشارة لا يتصرّف بحسب المشار إليه ، ولو كان باقيا على بابه لتصرّف كتصرفه في غير هذا الموضع ، وبكون العرب لا تفصل بين «حبّ» و «ذا» بشيء فلا تقول : حبّ في دار ذا زيد ، تريد : «حبّذا في دار زيد» ، وهو أولى من حمل «ذا» على الشذوذ.

والذاهبون إلى أنّهما بمنزلة شيء واحد منهم من ذهب إلى أنّ «حبّذا» كلّه فعل ، ومنهم من ذهب إلى أنّه اسم كلّه.

والذاهب إلى أنّه فعل استدلّ على صحة مذهبه بأنّ الفعل هو الأسبق والأكثر حروفا ، فينبغي أن يغلّب على الاسم.

والذاهبون إلى أنّه اسم استدلّوا على ذلك بأنّ تغليب الاسم على الفعل أولى من تغليب الفعل على الاسم ، لأنّ الأسماء أصل الأفعال ، والأصول أبدا تغلّب على الفروع إذا اجتمعت. وأيضا فإنّه قد وجد من الأسماء ما هو مركّب ، نحو : «بعلبكّ» ، و «رام هرمز» ، و «خمس عشرة» ، وأمثال ذلك كثير ، ولم يوجد من الأفعال ما هو مركّب. وأيضا فإنّ العرب قد تدخل عليه حرف النداء كثيرا ، ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] :

٤٣٤ ـ يا حبّذا جبل الريّان من جبل

وحبّذا ساكن الريان من كانا

__________________

٤٣٤ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ١٦٥ ؛ والدرر ٥ / ٢٢٠ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٣ ؛ ولسان العرب ١ / ٢٩١ (حبب) ؛ ومعجم ما استعجم ص ٦٩٠ ، ٨٦٧ ؛ والمقرب ١ / ٧٠ ؛ وشرح

٧٦

والنداء من خواصّ الأسماء.

فإن قيل : فلعلّ ذلك على حذف المنادى ، تقديره : يا قوم حبّذا ، أو تكون «يا» تنبيها لا حرف نداء ، فالجواب : إنّ كثرة ذلك في «حبّذا» ، وقلّته مع غيرها من الأفعال دليل على أنّها اسم ، وهذا هو أصحّ هذه المذاهب في «حبّذا».

فمن جعل «حبّذا» كلّه فعلا جعل الاسم الواقع بعده مرفوعا به ، ومن جعل «حبّذا» كلّه اسما واحدا كان حبّذا عنده من باب المبتدأ والخبر ، فيجوز عنده أن يكون «حبّذا» مبتدأ وزيد خبره أو عكسه ، وكأنّه قال : الممدوح زيد. فمن جعله على ما تقدّم من كون «حبّ» ليست مع «ذا» كشيء واحد ، ألحقه بـ «نعم» و «بئس» لشبهه بنعم في أنّه فعل مدح كما أنّ نعم كذلك ، وفي أنّ فاعله لا يكون جميع الأسماء بل لا يكون فاعله إلّا «ذا» وفي أنّه لا بدّ من ذكر اسم الممدوح. ويخالف «نعم» في أنّ فاعله لا يكون بالألف واللام ، ولا مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، ولا مضمرا على شريطة التفسير ، وفي أنّه يجوز الجمع بين فاعل «حبّذا» وإن كان اسما ظاهرا وبين التمييز ، وفي أنّه يجوز دخول «من» على تمييزها في مثل قول الشاعر

يا حبّذا جبل الريّان من جبل

وحبّذا ساكن الريان من كانا

ومن جعل «حبّذا» كلمة واحدة فلا تشبه «نعم» عنده إلّا في مجرد المدح.

__________________

شواهد المغني ص ٨٩٨ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٨٨ ؛ وأسرار العربية ص ١١١ ؛ والجنى الداني ص ٣٥٧ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ١٩٧ ، ١٩٩ ؛ وشرح المفصل ٧ / ١٤٠ ؛ والدرر ٥ / ٢٢٢.

الإعراب : «يا» : حرف تنبيه. حبّذا : «حبّ» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح ، مبني على الفتح ، «ذا» : اسم إشارة مبني ، في محل رفع فاعل. جبل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. الريّان : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. من : حرف جر زائد. جبل : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه تمييز. وحبذا : «الواو» : حرف عطف ، «حبّذا» : «حب» : فعل ماض جامد لإنشاء المدح ، مبني على الفتح ، «ذا» اسم إشارة مبني في محل رفع فاعل. ساكن : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. من : اسم موصول مبني ، في محل نصب خبر «كائنا» المحذوف ، والتقدير : كائنا من كان. كان : فعل ماض ناقص ، و «اسمها» ضمير مستتر تقديره : «هو» يعود إلى «من» ، و «خبرها» محذوف.

وجملة «حبّذا» : في محل رفع خبر مقدم للمبتدأ «جبل الريان». وجملة «حبذا» الثانية : في محل رفع خبر مقدم للمبتدأ «ساكن الريان». وجملة «يا حبذا جبل الريان» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «حبذا ساكن الريان» : معطوفة على السابقة لا محل لها.

٧٧

[٢ ـ الاسم المنصوب بعدها] :

والاسم المنصوب بعد «حبّذا» لا يخلو من أن يكون مشتقا أو غير مشتق. فإن كان غير مشتق كان تمييزا ، نحو قولك : «حبّذا رجلا» ، فإن كان مشتقا ففيه خلاف بين النحويين.

منهم من زعم أنّه حال ، ومنهم من زعم أنّه تمييز ، وهو مذهب أبي عمرو ، واستدلّ على ذلك بجواز دخول «من» عليه ، فتقول في «حبّذا زيد راكبا» : «حبّذا من راكب زيد».

ونقيض «حبّذا» : «لا حبّذا» ، كما أنّ نقيض «نعم» : «بئس» ، وعليه قوله [من البسيط] :

٤٣٥ ـ لا حبّذا أنت يا صنعاء من بلد

[ولا شعوب هوى منّي ولا نقم]

__________________

والشاهد فيه قوله : «يا حبذا» حيث يرى ابن عصفور ، في دخول «يا» على «حبذا» ، دليلا على اسمية «حبذا». وعليه يكون الإعراب كالتالي : «يا» : حرف نداء. «حبذا» منادى مبني ، في محل نصب. «جبل» : مبتدأ مؤخر مرفوع ، خبره «حبذا» ، أو هو الخبر و «حبذا» المبتدأ.

٤٣٥ ـ التخريج : البيت للمرار العدويّ ، ويقال : زياد بن منقذ ، ويقال : زياد بن حمل ، ويقال. المرار بن منقذ في خزانة الأدب ٥ / ٢٥٠ ؛ والدرر ٥ / ٢٢٦ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٨٩ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٥٧ ؛ وله أو لبدر أخي المرار بن سعيد في شرح شواهد المغني ١ / ١٣٤ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٧ / ١٣٩ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٨٩.

اللغة : صنعاء : اسم لمدينة في اليمن ، ولقرية في غوطة دمشق قديما. شعوب : الموت ، واسم قبيلة. نقم : جبل مطلّ على صنعاء اليمن قرب غمدان.

المعنى : لم أحبّك يا صنعاء ، ولست موضعا أرتاح إليه وفيه ، وحتى جبل (نقم) وقبيلة (شعوب) لا أحبّهما ولا أهواهما.

الإعراب : لا حبذا : «لا» : حرف نفي ، «حب» : فعل ماض جامد ، «ذا» : اسم إشارة في محل رفع فاعل. أنت : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر. يا صنعاء : «يا» : حرف نداء ، «صنعاء» : منادى مفرد علم مبني على الضمّ في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. من بلد : «من» : حرف جر زائد ، «بلد» : اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه تمييز. ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. شعوب : اسم معطوف على (أنت) مرفوع بالضمّة. هوى : تمييز منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. مني : جار ومجرور متعلّقان بصفة محذوفة لـ (هوى). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. نقم : اسم معطوف على (شعوب) مرفوع بالضمّة.

وجملة «لا حبذا» : في محلّ رفع خبر مقدّم لـ (أنت). وجملة النداء : اعتراضية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لا حبذا أنت» حيث جاء بـ (لا حبذا) التي للذم وهي نقيض (حبذا).

٧٨

باب الفاعلين والمفعولين الذين يفعل كل واحد منهما

بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر

[١ ـ التعريف بهذا الباب ومذاهب النحاة فيه] :

وهذا الباب يسميّه النحويون باب الإعمال ، وهو أن يتقدّم عاملان فصاعدا ، ويتأخّر عنهما معمول فصاعدا كلّ واحد منهما يطلبه من جهة المعنى ، نحو قولك : «ضربني وضربت زيدا» ، فـ «زيد» معمول وقد تقدّم عاملان ، وهما «ضربت» و «ضربني» ، وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى ليعمل فيه ، فـ «ضربني» يطلبه على أنّه فاعل ، و «ضربت» يطلبه على أنّه مفعول. وقد يكون المتقدم أزيد من عاملين ، وعليه قول الشاعر [من الطويل] :

٤٣٦ ـ سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا

فسيّان لا حمد لديك ولا ذمّ

__________________

٤٣٦ ـ التخريج : البيت للحطيئة في ديوانه ص ١٩٤ ورواية العجز فيه :

* فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد*

والأغاني ٢ / ١٦٠.

اللغة : الطائل : الفضل والغنى. سيان : مثلان.

المعنى : لجأ إليك الفقراء فلم تبخل عليهم ، ولكنك لم تعطهم ما يغني ، فصار المدح والذمّ متماثلين فيما أعطيت.

الإعراب : سئلت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع نائب فاعل. فلم : «الفاء» : للعطف ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. تبخل : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). ولم : «الواو» : للعطف ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. تعط : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة من آخره ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت).

٧٩

فقد تقدّم في هذا الباب على «الطائل» ثلاثة عوامل وهي : «سئلت» ، و «تبخل» ، و «تعطي» ، وكل واحد منها يطلبه من جهة المعنى ويمكن إعماله فيه.

وهذا البيت يجوز فيه إعمال الأول والثاني باتفاق من أهل البصرة والكوفة. واختلف في أيّهما أولى بالإعمال ، فالاختيار عند أهل البصرة إعمال الثاني ، والاختيار عند أهل الكوفة إعمال الأول (١).

واحتجّ أهل الكوفة على صحّة مذهبهم بأنّ المتقدّم أولى بالإعمال لاعتناء العرب به وجعله في أول الكلام. ومما يقوّي مذهبهم أن يقولوا : قد وجدنا من كلام العرب أنّه متى اجتمع طالبان وتأخر عنهما مطلوب وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى ، فإنّ التأثير للمتقدّم منهما.

دليل ذلك القسم والشرط إذا اجتمعا ، فإنّ العرب تبني الجواب على الأول منهما ، وتحذف جواب الثاني لدلالة جواب الأول عليه ، تقول : «إن قام زيد والله يقم عمرو» ، و «والله إن قام زيد ليقومنّ عمرو» ، فكذلك ينبغي أن يكون الاختيار إعمال الأول.

واحتجّوا بأنّ إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر في بعض المسائل على مذهبنا أو إلى حذف الفاعل على مذهب الكسائي ، على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى ، وإعمال الأول لا يؤدي إلى شيء من ذلك ، فلذلك كان إعمال الأول أولى.

وهذا كله لا حجة فيه. أما قولهم : إذا اجتمع طالبان وتأخر عنهما مطلوب ، فإنّ

__________________

طائلا : مفعول به منصوب بالفتحة. فسيان : «الفاء» : للاستئناف ، «سيان» : خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : فالأمر سيان ، مرفوع بالألف والنون لأنه مثنى (سيّ) بمعنى مثل. لا حمد : «لا» : نافية تعمل عمل (ليس) عند الحجازيين ، ومهملة عند التميميين ، «حمد» : مبتدأ مرفوع بالضمة ، أو اسم (لا) مرفوع بالضمّة. لديك : ظرف مكان في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بالخبر ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، وخبر (لا) [أو خبر المبتدأ] محذوف تقديره (موجودا) [أو موجود]. ولا ذمّ : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي ، «ذمّ» : معطوف على «حمد» مرفوع. إعراب (لا حمد) نفسه.

وجملة «سئلت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فلم تبخل» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «ولم تعط» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «الأمر فسيّان ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «لا حمد لديك» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا» حيث تأخر المعمول (طائلا) عن ثلاثة عوامل هي الأفعال قبله.

(١) انظر المسألة الثالثة عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٨٣ ـ ٩٦.

٨٠