شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

في إحدى الروايتين.

ومن ذلك قول العرب : «قطا قطا ، بيضك ثنتا وبيضي مائتا» (١).

وأمّا قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(٢). في قراءة من قرأ «زيّن» ، فبنى الفعل للمفعول ، فليس من هذا الباب لأنّه يتصوّر فيه وجهان : أحدهما أن يكون «شركاؤهم» فاعلا بفعل مضمر ، يدلّ عليه ما قبله كأنه قال : زيّنه شركاؤهم.

والآخر أن يكون فاعلا بـ «قتل» ، والأول أحسن لأمرين ، أحدهما : أنّ المصدر لا يضاف إلى المفعول مع وجود الفاعل إلّا في قليل. والآخر : أنّ الشركاء ليسوا بقاتلين وإنما هم مزيّنون ، وبذلك على ذلك القراءة الثانية وهي قراءة من قرأ «زيّن» بفتح الزاي ، ولا يكون الشركاء قاتلين إلّا مجازا فافهم.

__________________

اللغة : المتنتان : جانبا الظهر حول العمود الفقري. فرس خظاة : مكتنزة. أكبّ : جلس مهتمّا.

المعنى : يصف فرسا بأنها سمينة ، مكتنزة الظهر ، كأن نمرا جلس متحفّزا فوق ظهرها.

الإعراب : لها : جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ (متنتان). متنتان : مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى ، وخبره محذوف بتقدير (متنتان موجودتان). خطاتا : صفة (متنتان) مرفوع بالألف ، وحذفت النون للضرورة. كما : «الكاف» : حرف جرّ وتشبيه ، «ما» : مصدرية ، والمصدر المؤول من (ما) والفعل (أكب) مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلقان بصفة ثانية لـ (متنتان). أكب : فعل ماض مبني على الفتح. على ساعديه : جار ومجرور متعلّقان بـ (أكب) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. النمر : فاعل (أكب) مرفوع بالضمّة ، وسكّن لضرورة القافية.

وجملة «لها متنتان ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أكبّ» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «خظاتا» حيث حذف النون للإضافة وهو يريد «خظاتان».

(١) تزعم العرب أن هذا القول تقوله الحجلة للقطاة. انظر : الخصائص ٢ / ٤٣١.

(٢) سورة الأنعام : ١٣٧.

٣٠١

باب الحروف التي تجزم الأفعال المستقبلة

الجوازم تنقسم قسمين : جازم لفعل واحد ، وجازم لفعلين.

فالجازم لفعل واحد : لم ، ولمّا ، وألم ، وألمّا ، ولام الأمر ، و «لا» في النهي.

فأمّا «لم» و «لما» فهما لنفي «فعل» ، وهو الماضي المنقطع من زمن الحال ، تقول : «عصى آدم ربّه ولم يندم» ، تريد فيما مضى.

وأمّا «لمّا» فهي لنفي «قد فعل» ، وهو الماضي المتصل بزمن الحال ، نحو : «عصى إبليس ربّه ولمّا يندم». تريد لم يندم إلى الآن.

وأمّا «لا» فهي للنهي ، نحو : «لا تفعل». وأما اللام فهي للأمر ، نحو : «ليفعل». ولا يخلو الفعل الذي يقع بعد هذه الحروف من أن يكون معربا بحركة أو بحرف ، فإن كان معربا بحرف فجزمه بحذف ذلك الحرف منه ، نحو : «لم يفعلا» ، و «لم يفعلوا» ، و «لم تفعلي».

وإن كان معربا بحركة ، فلا يخلو أن يكون صحيح الآخر ، أو معتله ، أو مهموزه. فإن كان صحيح الآخر ، فجزمه بسكون آخره ، نحو : «لم يضرب» ، و «لم يخرج». وإن كان معتل الآخر بالياء أو بالواو أو بالألف ، فجزمه بحذفها من آخره. وقد يجزم بسكون آخره فيقال : «لم يقضي» ، و «لم يغزو» ، و «لم يخشى» ، وذلك قليل جدا وعليه قوله :

ألم يأتيك والأنباء تنمي

 ... (١)

__________________

(١) تقدم بالرقم ٣٤٣.

٣٠٢

فجزم «يأتيك» بسكون آخره.

واختلف في ذلك ، فمنهم من جعل ذلك على إجراء المعتل مجرى الصحيح ، فلم يجز ذلك إلّا في الياء والواو ، فإنّه يجوز أن تجري مجرى الصحيح ، فيظهر الإعراب في آخرها في الرفع ، فتقول : «يغزو» ، و «يرمي» ، ولا يجوز ذلك في الألف أصلا ، لأنّه لا يظهر فيها الإعراب. وهو الصحيح ، ولذلك قلّ في الواو ، لأنّ ظهور الضمة في الواو أثقل منه في الياء ، وقد جاء ذلك على قلته ، قال الشاعر [من البسيط] :

٥٧٠ ـ هجوت زبّان ثمّ جئت معتذرا

من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع

ومنهم من جعل ذلك على حذف الضمة المقدرة في الياء والواو ، وأجاز ذلك في الألف ، واستدلّ بقوله تعالى : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(٢) ، في قراءة حمزة ، ويقول

__________________

٥٧٠ ـ التخريج : البيت لزبان بن العلاء في معجم الأدباء ١١ / ١٥٨ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ؛ والدرر ١ / ١٦٢ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٦٣٠ ؛ وشرح التصريح ١ / ٨٧ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٦ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ١٠٤ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٩٢ (يا) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٤ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٣٧ ؛ والمنصف ٢ / ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

اللغة : زبّان : اسم رجل.

المعنى : لقد شتمت زبّان ، ثم اعتذرت له ، فكأنّك لم تشتمه ، ولم تتركه سالما.

الإعراب : «هجوت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل. «زبّان» : مفعول به منصوب بالفتحة. «ثم» : حرف عطف. «جئت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «معتذرا» : حال منصوبة بالفتحة. «من هجو» : جار ومجرور متعلّقان بالفعل «جئت». «زبّان» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون. «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. «تهجو» : فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ، و «الواو» زائدة للضرورة الشعرية. والفاعل ضمير مستتر تقديره «أنت».

«ولم» : «الواو» : للعطف ، «لم» : حرف جزم ونفي وقلب. «تدع» : فعل مضارع مجزوم بـ «لم» وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره «أنت».

وجملة «هجوت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جئت» : معطوفة على جملة لا محلّ لها. وجملة «تهجو» : في محل نصب حال. وجملة «لم تدع» : معطوفة على السابقة فهي مثلها في محل نصب.

الشاهد فيه قوله : «تهجو» حيث أجرى الشاعر الفعل «تهجو» المعتل مجرى الفعل الصحيح فلم يحذف حرف العلة عند الجزم. ومنهم من يرى أن الواو محذوفة وهذه للإشباع وعليه أعربنا.

(١) سورة طه : ٧٧.

٣٠٣

الشاعر [من الرجز] :

٥٧١ ـ إذا العجوز غضبت فطلّق

ولا ترضّاها ولا تملّق

وذلك لا حجة فيه ، لأنّ قوله : «ولا تخشى» ، منقطع كأنّه قال : وأنت لا تخشى. وأمّا قوله : «ولا ترضّاها» ، فالألف فيه إشباع ، وألف الأصل محذوف للجزم.

وأمّا المهموز الآخر ، فلا يخلو أن تخفّف همزته ، أو لا تخفف. فإن لم تخفّف ، جرى مجرى الصحيح ، نحو : «لم يقرأ» ، و «لم يخطىء» ، فإنّ جزمه بسكون آخره كالصحيح ، ولا يعتدّ بالعارض فيه ، فيجزم بحذف آخره ، كما يجزم المعتل ، وعليه قوله [من الطويل] :

٥٧٢ ـ جريء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم

__________________

٥٧١ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ديوانه ص ١٧٩ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ؛ والدرر ١ / ١٦١ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٦ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩ ؛ والخصائص ١ / ٣٠٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٧٨ ؛ وشرح التصريح ١ / ٨٧ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ١٨٥ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٩ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ١٠٦ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٣٢٤ (رضي) ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٣٨ ؛ والمنصف ٢ / ٧٨ ، ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

اللغة : ترضّاها : اطلب رضاها. تملّق : أصلها تتملّق فخفّف حاذفا إحدى التائين ، وتملّقه : تودّد إليه وتلطّف له بلسانه دون قلبه.

الإعراب : «إذا» : ظرف لما يستقبل من الزمان. «العجوز» : فاعل فعل محذوف تقديره «غضبت». «غضبت» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «هي» (يعود على العجوز). «فطلّق» : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «طلّق» : فعل أمر مبني على السكون ، وحرّك بالكسر لضرورة الشعر ، و «الفاعل» ضمير مستتر تقديره «أنت» (يعود للمخاطب). «ولا» : «الواو» : عاطفة ، «لا» : ناهية جازمة. «ترضاها» : فعل مضارع مجزوم بـ «لا» الناهية ، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره «أنت». «ولا» : «الواو» : عاطفة ، «لا» : ناهية جازمة. «تملّق» : فعل مضارع مجزوم بـ «لا» الناهية ، وعلامة جزمه السكون ، وحرّك بالكسر لضرورة الوزن ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره أنت».

وجملة «إذا العجوز ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «غضبت العجوز» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة : «غضبت» الثانية تفسيرية لا محل لها. وجملة «فطلّق» : جواب شرط غير جازم لا محل لها. وجملة «لا ترضاها» : معطوفة على «فطلّق». وجملة : «لا تملّق» : معطوفة على «فطلّق».

الشاهد فيه قوله : «ترضّاها» حيث أشبع فتحة «الضاد» في «ترضّها» فنشأت «الألف».

٥٧٢ ـ التخريج : البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٤ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ١٧ ، ٧ / ١٣ ؛ والدرر ١ / ١٦٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٩ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٠ ؛ وشرح شواهد المغني

٣٠٤

واعلم أنه لا يجوز حذف الجازم وإبقاء عمله إلّا في لام الأمر خاصة ، وذلك ضرورة ، كقوله [من الوافر] :

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من شيء تبالا (١)

يريد : لتفد.

ولا يجوز حذف المجزوم بهذه الحروف وإبقاءها إلّا في «لمّا» خاصة ، نحو : «سرت إلى المدينة ولمّا» ، تريد : ولمّا أدخلها ، لكن حذفت لفهم المعنى. وإنّما جاز ذلك في «لمّا» وحدها ، لأنّها نفي «قد فعل» ، فكما يجوز حذف الفعل والاكتفاء بـ «قد» ، نحو قوله [من الكامل] :

 ...

لما تزل برحالنا وكأن قد (٢)

أي : وكأن قد زالت ، فكذلك في نفسه (٣).

__________________

١ / ٣٨٥ ؛ والممتع في التصريف ١ / ٣٨١ ، ٢ / ٤٢٨ ؛ وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٦ ؛ والمقرب ١ / ٥٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٢.

اللغة : يبد : أصلها يبدأ ، وخفّف الهمزة لتصير ألفا ، ثم حذفها بسبب الجزم.

المعنى : يتابع وصف حصين بن ضمضم : فهو شجاع لا يستكين لأحد ، بل يعاقب من ظلمه بسرعة وشدّة ، وإن لم يبادره أحدهم بالظلم ، ظلم هو الآخرين.

الإعراب : جريء : صفة (أسد) في بيت سابق ، مجرورة بالكسرة. متى : اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل «يعاقب». يظلم : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بالسكون ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). يعاقب : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بظلمه : جار ومجرور متعلقان بـ (يعاقب) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. سريعا : حال منصوبة بالفتحة. وإلا : «الواو» : للعطف ، «إلا» : «إن» : حرف شرط جازم ، و «لا» : النافية. يبد : فعل مضارع مبني للمجهول ، مجزوم بالسكون المقدّر على الهمزة المحذوفة ، أو بحذف حرف العلّة من آخره (الألف) ؛ و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). بالظلم : جار ومجرور متعلقان بـ (يبدأ). يظلم : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسر لضرورة القافية.

وجملة «يظلم» : مضاف إليها محلها الجر. وجملة «يعاقب» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها. وجملة «يبد» : جملة فعل شرط لا محلّ لها. وجملة «يظلم» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها. وجملة «متى يظلم يعاقب» صفة ثانية لـ «أسد» ومحلها الجر ، وكذلك جملة «إلا يبد يظلم» صفة لـ «أسد».

والشاهد فيه قوله : «وإلّا يبد» حيث جزم الفعل (يبدأ) بحذف الألف العارضة المنقلبة عن الهمزة ، وبقيت الفتحة للدلالة عليها.

(١) تقدم بالرقم ٥٤٥.

(٢) تقدم بالرقم ١٤.

(٣) كذا ويبدو أن في العبارة سقطا.

٣٠٥

باب الأمر والنهي

اعلم أنّ الأمر لا يخلو أن يكون لمخاطب أو غائب أو متكلم. فإن كان لغائب كان باللام ، ولا يجوز أن يكون بغير اللام. وسبب ذلك ، أعني أن كان أمر الغائب باللام ، أن يلتبس بأمر المخاطب.

فإن كان الأمر للمخاطب ، فلا يخلو من أن يكون مبنيّا للمفعول ، أو للفاعل. فإن كان للمفعول ، فلا بدّ من اللام ، ولا يجوز حذفها لتوالي الحذف ، ألا ترى أنّه قد حذف الفاعل وقام المفعول مقامه ، فكرهوا توالي الحذف.

فإن كان مبنيّا للفاعل جاز فيه وجهان : الأمر باللام ودونها ، وهو الأفصح ، فتقول : «لتضرب» ، و «اضرب».

وإن كان الأمر باللام ، فهو مجزوم الآخر. وإن كان بغير لام ، فلا يخلو أن يكون ما بعد حرف المضارعة متحرّكا في اللفظ ، أو في التقدير ، أو ساكنا. فإن كان متحركا في اللفظ ، حذفت حرف المضارعة ، وسكنت آخره ، فقلت في «يقوم» : «قم». وإن كان متحرّكا في التقدير ، نحو : «يكرم» حذفت حرف المضارعة ، ورددت المحذوف ، وسكّنت آخره ، فقلت : «أكرم».

فإن كان ما بعد حرف المضارعة ساكنا ، فإنّك تجلب همزة الوصل إذا حذفت حرف المضارعة ، لأنّه لا يبتدأ بساكن ، ثم تنظر ثالث الفعل ، فإن كان مكسورا أو مفتوحا ، كانت الهمزة مكسورة ، نحو : «اذهب» ، و «اضرب» ، وإن كان مضموما ضممت ، نحو : «اقتل».

٣٠٦

واختلف أهل الكوفة والبصرة في الأمر بغير لام ، فزعم أهل الكوفة أنّه معرب وزعم أهل البصرة أنّه مبنيّ (١). والصحيح أنّه مبنيّ لأمور منها : أنّ الفعل أصله البناء ، وإنّما أعرب منه ما أشبه الاسم وهذا لم يشبه الاسم ، فبقي على أصله من البناء.

ومنها أنّه لو كان معربا ، لكان مجزوما ، ومجزوم دون جازم لا يتصوّر ، ولا يجوز أن يكون الجازم مضمرا لضعفه ، ألا ترى أنّ الجار لا يضمر مع أنّه أقوى منه ، ولا يلتفت إلى قوله [من الوافر] :

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

 ... (٢)

لشذوذه (٣).

واستدل الكوفيون على أنّه معرب بأنّ البناء لزوم الآخر سكونا أو حركة ، ولم يوجد الحذف من علامات البناء ، ووجدناه من علامات الإعراب ، نحو : «ليغز» ، وهم يقولون : «اغز» ، و «ارم» ، فدلّ على أنّه معرب.

ولا حجة لهم في هذا ، لأنّ من كلام العرب إذ أشبه شيء شيئا عومل معاملته ، ألا ترى أنّه لما أشبه المبنيّ في باب «لا» التي للتبرئة ، وفي النداء المعرب ، أتبعوه على لفظه وإن كان المبنيّ لا يجوز إتباعه إلّا على الموضع خاصة ، فكذلك لما أشبه «اغز» «لتغز» ، في معناه وفي حروفه ، وأنّه فعل أمر مثله ، عاملوه معاملته في الحذف ، فثبت أنّه مبنيّ.

__________________

(١) انظر المسألة الثانية والسبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٢٤ ـ ٥٤٩.

(٢) تقدم بالرقم ٥٤٥.

(٣) قال المؤلف قبل قليل إنّه ضرورة.

٣٠٧

باب ما يجزم من الجوابات

اعلم أنّ جواب الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والعرض ، والتحضيض مجزوم.

وقول أبي القاسم : «والجحد» ، غلط ، لأنّه إنّما جزم جواب الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والعرض ، والتحضيض لشبهه بالشرط وفعله ، وذلك إذا قلت : «قم» ، أو «لا تقم» ، أو «ليت لي مالا» ، لم توجب شيئا ولم تنفه ، فأشبه «إن يقم» ، في أنّك لم توجب شيئا ولم تنفه ، وليس كذلك النفي.

واختلف في سبب جزم هذه الجمل ما بعدها. فمنهم من ذهب إلى أنّها جزمت لكونها متضمّنة معنى الشرط ، لأنّك إذا قلت : أطع الله يغفر لك ، فإنّما جزم جواب «أطع الله» لأنّه ضمّن معنى «إن تطع».

ومنهم من ذهب إلى أنّها إنّما جزمت لنيابتها مناب الشرط وفعله ، فالأصل عندهم في : «أطع الله يغفر لك» : إن تطع الله يغفر لك ، فحذف «أطع الله» ، وأقيم «إن تطع الله» (١) مقامه.

وهذا هو الصحيح ، لأنّ العامل لا يوجد جملة في موضع ، وإذا كان التقدير في أطع

__________________

(١) العكس هو الصحيح.

٣٠٨

الله يغفر لك على ما ذكر من حذف أداة الشرط وفعله كانت الجملة الأولى جازمة بنيابتها مناب الجازم لا بحق الأصل.

واختلف أهل البصرة والكوفة متى يجزم جواب النهي. فمذهب أهل البصرة أنّه لا يجوز جزم جواب النهي حتى يسوغ فيه دخول حرف الشرط عليه مع أداة النهي ، نحو : «لا تعص الله يغفر لك» ، لأنّه يسوغ أن تقول : «إن لا تعص الله يغفر لك» ، ولا يجوز «لا تعص الله تندم» ، لأنّه لا يسوغ أن تقول : «إن لا تعص الله تندم».

ومذهب أهل الكوفة أنّه يجوز جزم جواب النهي إذا صحّ معنى الشرط ، وصحّ وقوع الفعل المنهيّ عنه مع أداة النهي ، أو دونها بعد أداة الشرط ، فيجيزون : «لا تعص الله تندم» ، لأنّه قد ضمّن «لا تعص» معنى «إن تعص الله تندم». وهذا فاسد ، لأنّ الجملة الأولى نائبة مناب أداة الشرط وفعله ، ولا يجوز أن تناب منابها حتى يكون الفعل المنهيّ عنه موافقا لفعل الشرط في الحرف الداخل عليه ، فلا يجوز : «لا تعص الله تندم» ، لأنّك إذا قدّرت في الأصل : إلّا تعص الله إن تعص الله تندم ، لم يجز أن تقيم «إلّا تعص الله» ، مقام «إن تعص» ، لأنّه غير موافق له في الحرف الداخل عليه.

وأمّا ما ورد في الحديث من حملهم : «لا تشرف يصبك سهم» ، فإنّه من تسكين المرفوع الذي لا يجوز إلّا ضرورة أو في قليل من الكلام ، نحو قول امرىء القيس [من السريع] :

٥٧٣ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل

__________________

٥٧٣ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٢٢ ؛ وإصلاح المنطق ص ٢٤٥ ، ٣٢٢ ؛ والأصمعيات ص ١٣٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ٩٦٢ ؛ وحماسة البحتري ص ٣٦ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٦ ، ٨ / ٣٥٠ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ؛ والدرر ١ / ١٧٥ ؛ ورصف المباني ص ٣٢٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٨٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦١٢ ، ١١٧٦ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٦ ؛ وشرح المفصل ١ / ٤٨ ؛ والشعر والشعراء ١ / ١٢٢ ؛ والكتاب ٤ / ٢٠٤ ؛ ولسان العرب ١ / ٣٢٥ (حقب) ، ١٠ / ٤٢٦ (دلك) ، ١١ / ٧٣٢ (وغل) ؛ والمحتسب ١ / ١٥ ، ١١٠ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٦٦ ؛ والاشتقاق ص ٣٣٧ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٥٢ ، ٣ / ٤٦٣ ، ٤ / ٤٨٤ ، ٨ / ٣٣٩ ؛ والخصائص ١ / ٧٤ ، ٢ / ٣١٧ ، ٣٤٠ ، ٣ / ٩٦ ؛ والمقرب ٢ / ٢٠٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٤.

اللغة والمعنى : استحقب الشيء : أي شده وحمله خلفه. وهنا بمعنى ارتكب. الإثم : الخطأ الكبير.

٣٠٩

فأمّا المثال الذي أتى به أبو القاسم بجزم جواب النهي وهو : «لا تقصد زيدا تندم» ، فالظاهر أنّه أخذ مذهب أهل الكوفة ، لأنه لم يرد «إن لا تقصد زيدا تندم» ، وإنّما أراد : «إن تقصد تندم».

فإن لم تضمّن الجملة معنى الشرط ، ارتفع الفعل ، نحو : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(١). وكذلك قول الشاعر [من البسيط] :

٥٧٤ ـ كرّوا إلى حرّتيكم تعمرونهما

كما تكرّ إلى أوطانها البقر

__________________

الواغل : الداخل على قوم من غير أن يدعى إلى مشاركتهم في طعامهم أو شرابهم.

أي : إنّه مرتاح البال ، لم يرتكب أيّ إثم يعاقبه عليه الله ، ولم يكن متطفلا.

الإعراب : فاليوم : الفاء : حسب ما قبلها ، اليوم : ظرف متعلّق بـ «أشرب». أشرب : فعل مضارع مرفوع ، وسكّن للتخفيف ، والفاعل : أنا. غير : حال من فاعل «أشرب» منصوب ، وهو مضاف : مستحقب : مضاف إليه مجرور. إثما : مفعول به لاسم الفاعل «مستحقب». من الله : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف صفة لـ «إثما». ولا : الواو : حرف عطف ، لا : لتأكيد النفي. واغل : اسم معطوف على «مستحقب» مجرور. وجملة (أشرب غير مستحقب) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية.

والشاهد فيه قوله : «أشرب» حيث سكّن الباء ضرورة. ويروى : «فاليوم أسقى» ، وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه.

(١) سورة الصف : ١٠.

٥٧٤ ـ التخريج : البيت للأخطل في ديوانه ص ١٧٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٧ ؛ والكتاب ٣ / ٩٩ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٥١ (وطن) ؛ ومعجم ما استعجم ص ٤٨١ ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ٢٧٣.

اللغة : كرّوا : ارجعوا. الحرّة : أرض ذات حجارة سود نخرة. تعمرونها : تجعلونها عامرة.

المعنى : يعيّر الشاعر خصومه بالنزول إلى الحرّة لحصانتها وامتناع الدليل بها.

الإعراب : كروا : فعل أمر ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. إلى حريتكم : جار ومجرور متعلّقان بـ «كرّوا» وهو مضاف ، و «كم» ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. تعمرونها : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو ضمير في محلّ رفع فاعل. كما : الكاف حرف جرّ و «ما» مصدرية. تكرّ : فعل مضارع مرفوع. إلى أوطانها : جار ومجرور متعلقان بـ «تكرّ» ، وهو مضاف و «ها» ضمير في محل جرّ بالإضافة. البقر : فاعل مرفوع بالضمّة.

وجملة «كرّوا» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «تعمرونها» في محلّ نصب حال. والمصدر المؤوّل من «أن» وما دخلت عليه في محلّ جرّ بحرف الجرّ.

الشاهد فيه قوله : «تعمرونها» حيث رفعه لأن الجملة لم تضمّن معنى الشرط بل وقعت موقع الحال بتقديره : «كرّوا عامرين».

٣١٠

باب الجزاء

[١ ـ أدوات الجزاء] :

قوله : وحروف الجزاء كذا .. إلى آخره.

سمّى أدوات الجزاء حروفا ، ومنها ما هو اسم ، ومنها ما هو حرف ، لأحد أمرين : إما لأنّها قد تضمنت معنى الحروف ، وإما أن يكون قد أخذ الحرف لغة ، والحرف لغة يقع على الاسم والفعل والحرف.

وأدوات الجزاء هي : إن ، وإذ ما ، ومن ، وما ، ومهما ، وأيّ ، وكيف ، في مذهب من يجازي بها وهو قطرب ، ومتى ، وأيّان ، وأيّ حين ، وإذا في الشعر ، وأنّى ، وأيّ مكان ، وحيث.

وهذه الأدوات تنقسم قسمين : حرف واسم ، فالحرف «إن» و «إذ ما». في مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، والاسم ما بقي.

ومذهب المبرد أنّ «إذ ما» اسم ، وسبب ذلك أنّ «إذ» قد ثبت لها الاسمية ، فلا تخرج عن ذلك ما أمكن. وهذا فاسد ، لأنّ «إذ» إذا كانت ظرف زمان فهي لما مضى ، وفعل الشرط أبدا مستقبل ، فيناقض معناها معنى الشرط. والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من أنّها ركبت مع «ما» ، وصارت معها كالشيء الواحد ، وبطل معناها ، لأنّها صارت جزء كلمة.

واختلف في «مهما» ، فزعم بعضهم أنّها مركّبة من «مه» و «ما» ، وزعم بعضهم أنّها اسم مفرد موضوع لمعنى لا أكبر عن صغيره فعلك ولا أصغر عن كبيره. فمن قال إنّها مركبة

٣١١

من «مه» و «ما» ، فلا يخلو أن يجعلهما كالشيء الواحد ، أو لا يجعلها ، فإن لم يجعلهما كالشيء الواحد ، فلا يخلو الجازم من أن يكون «مه» أو «ما» ، فإن كان الجازم «مه» ، فلا ينبغي له أن يجزم إلا فعلا لأنّه بمنزلة الأمر ، والأمر لا يطلب إلّا جوابا خاصة ، وهذا قد جزم فعلين ، فدلّ ذلك على بطلان قوله.

وإن قال : إن الجازم «ما» ، فباطل ، لأنّ العرب تقول : «مهما تمرر أمرر به» ، فلا تفصل بين حرف الجزم والمجزوم بشيء ، فدل على بطلان قوله. ومن قال : إنّ «مه» مع «ما» كالشيء الواحد ، فيقال له : لا يدّعى التركيب إلّا بدليل ، ولا دليل على ذلك.

ومن قال : إنّ مهما مركبة من «ما ما» ، ثمّ قلب الألف هاء هروبا من اجتماع المثلين ، نحو قولهم في «حيحيت» : «حاحيت» ، فممكن إلّا أنّه يضعف ذلك لكونه لم ينطق بهذا الأصل في موضع. فإذا ثبت فساد الوجهين ، لم يبق إلا أن يكون اسما واحدا. وأمّا قوله [من الطويل] :

٥٧٥ ـ أماويّ مهمن يستمع في صديقه

أقاويل هذا الناس ماويّ يندم

__________________

٥٧٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح المفصل ٤ / ٨ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٥٤٢ (مهه).

اللغة : ماوي : مرخّم ماويّة : اسم امرأة.

المعنى : يا ماويّة إنّ من يستمع لأقاويل الناس وافتراءاتهم على صديقه ، فلا يشك في أنه سيندم.

الإعراب : أماويّ : «الهمزة» : حرف نداء للقريب لا محلّ لها. «ماويّ» : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. مهمن : «مه» : اسم فعل أمر بمعنى (اكفف أو توقف) ، «من» : اسم شرط في محلّ رفع مبتدأ. (والأفضل ـ برأيي ـ إعرابها كلّها (مهمن) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ). يستمع : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). في صديقه : جار ومجرور متعلقان بـ (أقاويل) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أقاويل : مفعول به منصوب بالفتحة. هذا : اسم إشارة في محلّ جرّ مضاف إليه. الناس : بدل من اسم الإشارة مجرور بالكسرة. ماوي : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة في محلّ نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف. يندم : جواب الشرط فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسر لضرورة القافية ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «فعل الشرط وجوابه» : في محلّ رفع خبر المبتدأ (مهمن). وجملة «يستمع» : فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «يندم» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها. وجملة «ماوي» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «ماويّ» : الثانية اعتراضية لا محل لها. وجملة «مهمن يستمع يندم» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «مهمن» حيث أدخل اسم فعل الأمر (مه) على (من) الشرطية.

٣١٢

فإنّه أدخل «مه» على «من» الشرطية.

و «كيف» ، وفيها خلاف ، فزعم قطرب أنّه يجوز الجزاء بها بالقياس لا بسماع من العرب ، وذلك أنّه قال : في «كيف» معنى الشرط ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «كيف يكن أكن» ، فمعناه : على أيّ حال يكون أكون عليه. وهذا باطل ، لأنّه يلزم أن يكون على جميع أحواله ، وهذا يستحيل إلّا أن يقترن بالكلام قرينة تخلّص الوصف الذي التزم إلى تساويه فيه ، مثل :

«كيفما يكن من قام أكن».

[٢ ـ أقسام أدوات الجزاء] :

وهذه الأدوات تنقسم ثلاثة أقسام ، قسم تلزمه «ما» وحينئذ يجازى بها. وقسم لا تدخله «ما». وقسم أنت فيه بالخيار.

فالذي تلزمه «ما» «إذ» ، و «حيث» ، فتلزمهما «ما» عوضا من الإضافة. وفي «إذ» أيضا لأنّها قد ركّبت معها ، ولذلك انتقلت عن الاسميّة.

والذي أنت فيه بالخيار «إن» ، و «متى» ، و «أيّ» ، و «أين» ، فمثاله في «أي» قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(١). ومثاله في «أين» : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(٢). ومثاله في «متى» قوله [من الطويل] :

٥٧٦ ـ [ورحنا يكاد الطّرف يقصر دونه]

متى ما ترقّ العين فيه تسهّل

وما عدا هذا لا تدخله «ما».

__________________

(١) سورة الإسراء : ١١٠.

(٢) سورة النساء : ٧٨.

٥٧٦ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٣ ؛ وشرح المعلقات السبع ص ٥٠ ؛ وشرح المعلقات العشر ص ٧٣.

اللغة : الطرف : العين المبصرة. يقصر : يعجز ، يدركه القصور. ترقّ : مجزوم تترقّى العين أي تنظر إلى أعلاه. تسهّل : تنحدر إلى أسفل.

٣١٣

[٣ ـ الأفعال التي تأتي بعد أدوات الجزاء وحكمها] :

وهذه الأدوات لا بدّ أن تدخل على جملتين فعليتين ، فلا يخلو الفعلان أن يكونا ماضيين ، أو مستقبلين ، أو أحدهما ماضيا والآخر مستقبلا.

فإن كانا مستقبلين ، فإنّك تجزمهما جميعا إلّا أن تدخل على الجواب الفاء ، فإنّك ترفعه ، ولا يجوز الرفع إذا لم تدخل إلّا ضرورة ، كقوله [من الرجز] :

٥٧٧ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

أراد : فتصرع وحذف الفاء ضرورة.

__________________

المعنى : عدنا تكاد عيوننا تعجز عن النظر إلى هذا الفرس لشدة حسن صفاته ، وما تكاد العين تنظر إلى أعلاه حتى تنخفض ناظرة إلى قوائمه.

الإعراب : ورحنا : «الواو» : للعطف ، «رحنا» : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. يكاد : فعل مضارع ناقص. الطرف : اسم (يكاد) مرفوع بالضمّة. يقصر : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). دونه : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بالفعل (يقصر) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. متى : اسم شرط جازم في محلّ نصب على الظرفية الزمانية ، متعلّق بالفعل «تسهّل». ما : حرف زائد لا محلّ لها. ترقّ : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة (الألف). العين : فاعل مرفوع بالضمّة. فيه : جار ومجرور متعلقان بـ (ترقّ). تسهل : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، وحرّك بالكسر لضرورة القافية ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «ورحنا» : معطوفة على جملة «فظل طهاة ...» في البيت السابق ، لا محلّ لها. وجملة «يكاد الطرف يقصر» : في محلّ نصب حال. وجملة «يقصر» : في محلّ نصب خبر (كاد). وجملة «ترقّ» : فعل الشرط الظرفي في محل جر بالإضافة. وجملة «تسهل» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها. وجملة «متى ما ترقّ العين فيه تسهل» : حالية محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «متى ما» حيث دخلت (ما) جوازا على (متى).

٥٧٧ ـ التخريج : الرجز لجرير بن عبد الله البجلي في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٢١ ؛ والكتاب ٣ / ٦٧ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٦ (بجل) ؛ وله أو لعمرو بن خثارم العجلي في خزانة الأدب ٨ / ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٧ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٠ ؛ ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر ١ / ٢٧٧ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٠٢ ؛ والإنصاف ٢ / ٦٢٣ ؛ ورصف المباني ص ١٠٤ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٦ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٤٩ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٥٤ ؛ وشرح المفصل ٨ / ١٥٨ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٥٥٣ ؛ والمقتضب ٢ / ٧٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٧٢.

الإعراب : «يا» : حرف نداء. «أقرع» : منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب. «بن» : نعت «أقرع» ، تبعه في المحلّ منصوب ، وهو مضاف. «حابس» : مضاف إليه مجرور. «يا أقرع» : توكيد لفظي للنداء الأوّل. «إنّك» : حرف مشبّه بالفعل ، والكاف ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «إن» : حرف شرط جازم.

٣١٤

فإن كانا ماضيين ، فلا يظهر فيهما جزم ، وهما في موضع جزم. وإن كان أحدهما مستقبلا والآخر ماضيا ، فيقدّم الماضي ويؤخر المستقبل ، نحو : «إن قام زيد يقم عمرو». ولا يقدّم المستقبل ويؤخر الماضي إلّا ضرورة.

[٤ ـ دخول الفاء على جواب الجزاء والحكم في ذلك] :

ويجوز في الجواب الجزم والرفع إذا دخلت الفاء ، والرفع إن لم تدخل الفاء. فتقول : «إن قام زيد فيقم عمرو» ، و «إن قام زيد فيقوم عمرو» ، وإن «قام زيد يقوم عمرو» ، على إرادة التقديم.

فإن كان الفعل الأول ماضيا أو مستقبلا ، وكان الجواب أمرا أو نهيا أو دعاء أو استفهاما ، فلا بدّ من الفاء ، نحو ؛ «إن يقم زيد فاضربه» ، و «إن لم يقم فلا تضربه» ، و «إن قام فغفر الله له» ، و «إن قام فهل أنت ضاربه».

وإن كانت الجملة الأولى فعلية وكان الجواب جملة اسمية ، فلا بدّ من الفاء أو «إذا» ، نحو : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١). (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٢). ولا يجوز حذف الفاء إلّا ضرورة وذلك كقوله [من البسيط] :

٥٧٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشّر عند الله مثلان

__________________

«يصرع» : فعل مضارع للمجهول مجزوم لأنّه فعل الشرط. «أخوك» : نائب فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «تصرع» : فعل مضارع للمجهول ، وهو جواب الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : «أنت».

وجملة النداء : «يا أقرع» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «إنك إن يصرع ...» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «إن يصرع أخوك تصرع» في محلّ رفع خبر «إنّ». وجملة : «تصرع» جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «إن يصرع ... تصرع» حيث ورد جواب الشرط «تصرع» مرفوعا دون أن تدخل عليه الفاء ، وهذا نادر وضعيف.

(١) سورة آل عمران : ١٨٦.

(٢) سورة الروم : ٣٦.

٥٧٨ ـ التخريج : البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٨٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٩ ؛ وله أو

٣١٥

[٥ ـ اجتماع الاسم والفعل بعد أداة الجزاء] :

وإذا وقع بعد أداة الشرط اسم وفعل فالاختيار أن يليها الفعل ، ولا يجوز تقديم الاسم وإضمار الفعل إلّا في ضرورة شعر ، كقوله [من الرمل] :

صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل (١)

وذلك ما عدا «إن» ، فإنّه يجوز أن يليها الاسم ويؤخر الفعل في الكلام ، وتقديم الفعل أحسن ، قال الله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)(٢). إلّا أن يكون الفعل مجزوما ، فلا يجوز تقديم الاسم إلّا ضرورة ، نحو : «إن زيد يقم يقم عمرو».

__________________

لعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٩ / ٤٩ ، ٥٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٧٨ ؛ ولعبد الرحمن بن حسان في خزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ؛ ولسان العرب ١١ / ٤٧ (بجل) ؛ والمقتضب ٢ / ٧٢ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٥٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٤٣٣ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣١ ؛ ولحسان بن ثابت في الدرر ٥ / ٨١ ؛ والكتاب ٣ / ٦٥ ، وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١١٤ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٤٠ ، ٧٧ ، ١١ / ٣٥٧ ؛ والخصائص ٢ / ٢٨١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٦ ؛ وشرح المفصل ٩ / ٢ ، ٣ ؛ والكتاب ٣ / ١١٤.

الإعراب : «من» : اسم شرط مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. «يفعل» : فعل مضارع مجزوم لأنّه فعل الشرط ، وعلامة جزمه السكون وحرّك بالكسر منعا من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «الحسنات» : مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. «الله» : مبتدأ مرفوع بالضمة. «يشكرها» : فعل مضارع مرفوع ، و «ها» ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «هو». «والشر» : الواو حرف استئناف ، «الشر» مبتدأ مرفوع «بالشر» : جار ومجرور متعلّقان بـ «مثلان». «عند» : ظرف مكان منصوب ، وهو مضاف. «الله» : اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. «مثلان» : خبر المبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنّى.

وجملة : «من يفعل ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «يفعل» في محل رفع خبر للمبتدأ «من». وجملة : «الله يشكرها» في محل جزم جواب شرط جازم على تقدير اقترانه بالفاء. وجملة : «يشكرها» في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة : «الشر بالشر ...» استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «الله يشكرها» حيث حذف الفاء الرابطة لجواب الشرط من الجملة الاسميّة ، وذلك للضرورة الشعريّة. والتقدير : «فالله يشكرها». وأجازه بعضهم إذا علم.

(١) تقدم بالرقم ٢٣٩.

(٢) سورة التوبة : ٦.

٣١٦

[٦ ـ اجتماع الشرط والقسم] :

وإذا اجتمع الشرط والقسم فإنّك تبني الجواب للمتقدّم منهما ، فتقول : «والله إن قام زيد ليقومنّ عمرو» ، فأمّا قول الشاعر [من الطويل] :

حلفت لها إن يدلج الليل لا يزل

 ... (١)

فإنّه لم يضمن «حلفت» معنى القسم ، ولذلك بنى الجواب على الشرط.

وإذا اجتمع الشرط والاستفهام فمذهب سيبويه أن يبنى الجواب على الشرط ، ويدخل الاستفهام على الجملة من الشرط والجزاء بأسرها. ومذهب يونس أنّ الفعل يبنى على الاستفهام ، نحو : «أإن قام زيد يقم عمرو» ، ويونس يقول : «يقوم عمرو». والصحيح مذهب سيبويه بدليل قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ)(٢). لأنّه لا يجوز أن يكون التقدير : أفهم الخالدون فإن متّ ، لأنّ الذي يقول : «أنت ظالم إن فعلت» ، فيحذف الجواب لدلالة ما تقدّم عليه ، لا يقول : «أنت ظالم فإن فعلت» ، فإنّ الفاء حرف استئناف تمنع ما قبلها ان يفسره ما بعدها.

[٧ ـ حذف فعل الشرط والجواب] :

ويجوز حذف فعل الشرط والجواب وذلك إذا فهم المعنى ، فمثال حذف فعل الشرط وإبقاء الجواب قوله [من الوافر] :

٥٧٩ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام

__________________

(١) تقدم بالرقم ٣٨١.

(٢) سورة الأنبياء : ٣٤.

٥٧٩ ـ التخريج : البيت للأحوص في ديوانه ص ١٩٠ ؛ والأغاني ١٥ / ٢٣٤ ؛ والدرر ٥ / ٨٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٥١ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٧ ، ٩٣٦ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٤٣٥ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٧٢ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ٢١٥ ؛ ورصف المباني ص ١٠٦ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٩١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٥٩٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٦٩ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٦٩ (أما لا) ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٤٧ ؛ والمقرب ١ / ٢٧٦ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٦٢.

اللغة والمعنى : الكفء : المشابه والمثل. المفرق : وسط الرأس. الحسام : السيف القاطع.

يقول : طلّق زوجتك لأنّك غير مناسب لها ، وإلّا ضرب رأسك بالحسام.

٣١٧

وقوله [من الطويل] :

٥٨٠ ـأقيموا بني النّعمان عنّي صدوركم

وإلّا تقيموا صاغرين الرّؤوسا

__________________

الإعراب : فطلّقها : الفاء : بحسب ما قبلها ، طلّقها : فعل أمر مبنيّ. والفاعل : أنت ، و «ها» في محلّ نصب مفعول به. فلست : الفاء : حرف استئناف أو تعليل ، لست : فعل ماض ناقص ، والتاء : ضمير في محلّ رفع اسم «ليس». لها : جار ومجرور متعلّقان بـ «كفء». بكفء : الباء : حرف جرّ زائد ، كفء : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر «ليس». وإلّا : الواو : حرف عطف ، إلّا : أصلها : إن لا. إن : حرف شرط. لا : نافية. وفعل الشرط محذوف تقديره : «تطلّقها». يعل : فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط ، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة من آخره. مفرقك : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والكاف : في محلّ جرّ بالإضافة. الحسام : فاعل مرفوع بالضمّة.

وجملة (طلّقها ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة ، أو استئنافيّة ، أو معطوفة على جملة سابقة. وجملة (لست بكفء لها) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة أو تعليليّة. وجملة (إلّا يعل) الفعليّة معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (يعل مفرقك الحسام) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء أو «إذا».

والشاهد فيه قوله : «وإلّا يعل» حيث حذف فعل الشرط لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : إلّا تطلّقها يعل مفرقك الحسام.

٥٨٠ ـ التخريج : البيت ليزيد بن الخذاق في شرح اختيارات المفضل ص ١٢٨٦ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ١٢ / ٤٩٩ (قوم) ؛ وتاج العروس (قوم).

اللغة : أقيموا عنا : أزيلوا أو أبعدوا ونحّوا. صاغرين : مرغمين ، كارهين.

المعنى : ابتعدوا عنّا يا بني النعمان ، فإن لم تفعلوا برضى ابتعدتم مرغمين.

الإعراب : أقيموا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. بني : منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. النعمان : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عني : جار ومجرور متعلقان بـ (أقيموا). صدوركم : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «كم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وإلا : «الواو» : استئنافية ، «إلا» : مركبّة من «إن» : الشرطية ، و «لا» : النافية. تقيموا : فعل مضارع مجزوم (جواب الشرط) بحذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. صاغرين : حال منصوبة بالياء والنون لأنه جمع مذكر سالم. الرؤوسا : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «أقيموا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تقيموا» : جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء ، لا محلّ لها. وجملة «إلا تقيموا» جملة استئنافية لا محل لها ، وجملة «تفعلوا» المقدرة جملة فعل الشرط لا محل لها ، وجملة «بني النعمان» : اعتراضية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «وإلا تقيموا» حيث حذف فعل الشرط ، بتقدير «وإن لا تفعلوا تقيموا».

٣١٨

ومثال حذفهما معا قوله [من الرجز] :

قالت بنات العمّ يا سلمى وإن

كان عييّا معدما ، قالت وإن (١)

[٨ ـ إبطال عمل أسماء الشرط] :

وأسماء الشرط إن تقدمها عامل ، بطل عملها ما عدا حرف الجر والإضافة إلى اسم الشرط. فمثال دخول حرف الجر : «بمن تمرر أمرر به». ومثال أن تضيف إلى اسم الشرط : «غلام من تضربه أضربه».

فإن لم يدخل عليها حرف جر ، فلا يخلو اسم الشرط من أن يكون اسم زمان أو مكان أو غير ذلك.

فمثال ظرف الزمان : «متى ما يقم أقم». ومثال ظرف المكان : «حيثما تكن أكن معك». ومثال المصدر : «أيّ ضرب تضرب أضرب مثله».

فإن كان غير ذلك من الأسماء ، فلا يخلو الفعل الذي بعدها من أن يكون متعدّيا أو غير متعدّ ، فإن كان غير متعدّ فهي مبتدآت. وإن كان متعدّيا ، فلا يخلو فاعله من أن يكون ضميرا يعود على اسم الشرط أو غير ذلك.

فإن كان فاعل الفعل ضميرا يعود على اسم الشرط ، فهي مبتدآت. وإن كان غير ذلك ، فلا يخلو الفعل أن يكون قد أخذ مفعوله ، أو لم يأخذه. فإن كان لم يأخذه فهي مفعوله. وإن كان قد أخذ مفعوله ، فيجوز فيها وجهان : الرفع على الابتداء ، والنصب على الاشتغال.

وإذا تقدّم أسماء الشرط «لكن» ، أو أضيف إليها ظرف زمان ، فإنّ الفعل يرتفع ، ويبطل معنى الشرط ، كقوله [من الطويل] :

٥٨١ ـ[وماذاك أنكان ابن عمّيولا أخي]

ولكن متى ما أملك الضّرّ أنفع

__________________

(١) تقدم بالرقم ٣٠٧.

٥٨١ ـ التخريج : البيت للعجير السلولي في خزانة الأدب ٩ / ٦٦ ، ٧٠ ، ٧٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٥٤ ؛ والكتاب ٣ / ٧٨.

المعنى : ولم يكن فعلي ذاك لأنه كان ابن عمي ، أو كان أخي ، بل لأنني كريم أعفو عند المقدرة على الضرر.

٣١٩

ولا يجوز إبقاؤها على ما كانت عليه من الجزم إلّا ضرورة ، كقوله [من الطويل] :

٥٨٢ ـ على حين من تلبث عليه ذنوبه

يجد فقدها إذ في المقام تدابر

__________________

الإعراب : وما : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «ما» : نافية لا عمل لها. ذاك : اسم إشارة في محلّ رفع مبتدأ. أن : حرف مصدري. كان : فعل ماض ناقص ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «كان» مجرور بحرف مقدر ، والتقدير : وما ذاك لكونه ابن عمي ، والجار والمجرور متعلقان بخبر المبتدأ «ذاك» ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هو). ابن : خبر (كان) منصوب بالفتحة. عمي : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. أخي : معطوف على (ابن) منصوب مثله بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ولكن : «الواو» : للاستئناف ، «لكن» : حرف استدراك وإضراب. متى ما : «متى» : اسم شرط جازم في محلّ نصب على الظرفية الزمانية ، متعلّق بالفعل (أنفع) ، «ما» : زائدة. أملك : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). الضرّ : مفعول به منصوب بالفتحة. أنفع : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا).

وجملة «ذاك أن كان ...» : بحسب ما قبلها. وجملة «كان ابن عمي» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «أملك» : مضاف إليها محلها الجر. وجملة «أنفع» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «ولكن متى ما أملك» حيث تقدّمت (لكن) (متى) الاسمية الشرطية فكفّتها عن العمل وارتفع الفعلان بعدها.

٥٨٢ ـ التخريج : البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢١٧ ؛ وإصلاح المنطق ص ٣٦١ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٦١ ، ٦٢ ، ٦٢ ، ٦٥ ؛ والدرر ٥ / ٨٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٧ ؛ والكتاب ٣ / ٧٥ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٦٢.

اللغة : الذنوب : الدلو الكبيرة إذا كانت ملأى. التدابر : أن يولي كلّ واحد من المتخاصمين للآخر ظهره (دبره).

المعنى : من تبق عليه الحجة والدليل يتمنّ فقدانها ، وفي مقام التفاخر يولي الخصم دبره لخصمه.

الإعراب : «على» : حرف جر. «حين» : اسم مبني على الفتح في محلّ جرّ بحرف الجر. «من» : اسم شرط في محل رفع مبتدأ. «تلبث» : فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط. «عليه» : جار ومجرور متعلّقان بـ (تلبث). «ذنوبه» : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «يجد» : فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه جواب الشرط ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «فقدها» :

مفعول به منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «إذ في» : «إذ» : للتعليل ، «في» : حرف جر. «المقام» : اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بخبر مقدّم محذوف. «تدابر» : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمّة.

وجملة «من تلبث ذنوبه يجد» الشرطية في محل جر بالإضافة. وجملة «تلبث ذنوبه» في محل رفع خبر للمبتدأ (من). وجملة : «يجد» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. وجملة : «في المقام تدابر» استئنافية لا محل لها.

٣٢٠