شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

باب الاستثناء المنقطع

الاستثناء المنقطع (١) ينقسم قسمين : قسم يتصوّر فيه الاتصال مجازا وأهل الحجاز لا يجيزون فيه إلّا النصب لأنّه فضلة بعد تمام الكلام ، ولا يجيزون فيه البدل من الأول ، لأنه ليس من جنسه ، فيكون بدل بعض من كل. وبنو تميم يجيزون فيه ما يجيزون في المتصل من الاستثناء والبدل ، لأنّهم لما جعلوه بالمجاز كأنّه بعض الأول ، ساغ لهم فيه البدل ، وذلك : «ما في الدار أحد إلّا حمارا» ، بالنصب على لغة أهل الحجاز.

ويجوز في لغة بني تميم الرفع على البدل ، لأنّهم جعلوا «الحمار» كأنّه «أحد». ووجه المجاز في ذلك أحد أمرين : إمّا أن يقام الثاني مقام الأول ليكون المحل للأول ، فلما وجد فيه الثاني جعل كأنه الأول ، لحلوله محله ، وذلك نحو قوله [من الوافر] :

٦٤١ ـ وخيل قد دلفت لها بخيل

تحيّة بينهم ضرب وجيع

__________________

(١) الاستثناء المنقطع هو ما كان فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه.

٦٤١ ـ التخريج : البيت لعمرو بن معديكرب في ديوانه ص ١٤٩ ؛ وخزانة الأدب ٩ / ٢٥٢ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٠ ؛ والكتاب ٣ / ٥٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥٠ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٤٥ ؛ والخصائص ١ / ٣٦٨ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨٠ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٣ ؛ والمقتضب ٢ / ٢٠ ، ٤ / ٤١٣.

اللغة : دلفت لها : تقدّمت إليها.

المعنى : كثيرا ما تقدّمت إلى الخيول المهاجمة بخيول مهاجمة ، وفرسان قادرين على تحيّة أعدائهم بضرب مؤلم ومميت.

الإعراب : وخيل : «الواو» : واو ربّ ، «خيل» : مبتدأ مرفوع محلّا ، مجرور لفظا بربّ المحذوفة. قد : حرف تحقيق وتقريب. دلفت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لها : جار ومجرور متعلقان بـ (دلفت). بخيل : جار ومجرور متعلقان بـ (دلفت). تحية : مبتدأ مرفوع

٤٠١

فجعل «الضرب الوجيع» التحية ، لمّا كانت العادة عند اجتماع الجموع أن يحيّي بعضهم بعضا ، فلما وقع الضرب ، ولم تقع التحية المألوفة ، جعل الضرب تحية لوقوعه موقعها. وكذلك قوله [من الطويل] :

٦٤٢ ـ فإن تمس في قبر برهوة ثاويا

أنيسك أصداء القبور تصيح

لما كان الذي يؤنس به إنّما هو الكلام جعل الصدى ، وإن لم يكن كلاما أنيسا لقيامه مقام الأنيس.

__________________

بالضمّة. بينهم : مفعول فيه ظرف مكان مبني على الفتح في محل جر بالإضافة وبني لأنه ظرف مضاف إلى مبني علما أنّه روي في سائر المصادر بجر «بينهم» وإعرابه ، و «هم» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. ضرب : خبر مرفوع بالضمّة. وجيع : صفة (ضرب) مرفوعة بالضمّة.

وجملة «وخيل قد دلفت لها» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «دلفت» : في محلّ رفع خبر لـ (خيل). وجملة «التحية ضرب» : في محلّ جرّ صفة لـ (خيل).

والشاهد فيه قوله : «تحية بينهم ضرب وجيع» حيث جعل الضرب الوجيع هي التحية بينهم ، وشاهد ثان في البيت هو قوله : «تحية» حيث حذف (ال) التعريف مع إرادتها.

٦٤٢ ـ التخريج : البيت لأبي ذؤيب الهذلي في خزانة الأدب ٣ / ٣١٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٦ ؛ وشرح أشعار الهذليين ١ / ١٥٠ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٠ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٣٤٤ (رها) ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣.

اللغة : رهوة : اسم موضع. أصداء : جمع صدى وهو ذكر البوم ، أو طائر كانت العرب تعتقد أنه يصيح عند قبر المقتول حتى يؤخذ بثأره.

المعنى : إذا ما قتلت ، ودفنت في قبر بموضع رهوة ، صار الصوت المؤنس لك في وحدتك هو نعيب البوم ، أو طيور الصدى تحوم حول القبور وتصيح.

الإعراب : فإن : «الفاء» : حسب ما قبلها ، «إن» : حرف شرط جازم. تمس : فعل مضارع ناقص مجزوم بحذف حرف العلّة ، واسم (أمسى) : ضمير مستتر تقديره (أنت). في قبر : جار ومجرور متعلقان بـ (ثاويا). برهوة : جار ومجرور متعلقان بـ «ثاويا» أيضا. ثاويا : خبر (أمسى) منصوب بالفتحة. أنيسك : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. أصداء : خبر مرفوع بالضمّة. القبور : مضاف إليه مجرور بالكسرة. تصيح : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «تمس» : جملة فعل الشرط لا محلّ لها. وجملة «جواب الشرط» : في بيت لاحق. وجملة «أنيسك أصداء» : في محل نصب حال. وجملة «تصيح» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «أنيسك أصداء القبور» حيث جعل «أصداء القبور» هي (الأنيس).

٤٠٢

فعلى هذا إذا قلت : «ما في الدار أحد إلّا حمارا» تجعل «الحمار» ، كأنّه أحد لقيامه مقام «الأحد» له ، وذلك أنّ «الدار» إنما يتخذها من يعقل من الآدميين ، فلما لم يوجد فيها إلّا ما لا يعقل عومل معاملته لقيامه مقامه ، وعلى ذلك قوله :

وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس (١)

وأما أن يكون أطلق الاسم الأول على مسماه وعلى ما يلابس مسماه. فإذا قال : «ما في الدار أحد إلّا حمارا» ، فكأنّه قال : ما في الدار أحد ولا ما يلابسه. فأراد بالأحد الأحد وما يلابسه ، فيكون ذلك من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورا له ، وكان منه بسبب.

وزعم المازني أن وجه البدل أن يكون أطلق الأحد على الأحد وغيره ، لأنّه اسم لمن يعقل ، فلما اجتمع مع ما لا يعقل ساغ وقوعه عليه ، وعلى ذلك حمل قوله :

 ... ليس بها أنيس

إلّا اليعافير ... البيت

لأنّ «الأنيس» يقع على من يعقل ، فأراد به من يعقل وما لا يعقل وغلّب. وذلك فاسد ، لأنّه غير مطرد في الاستثناء المنقطع ، ألا ترى أنّه لا يسوغ له في مثل قوله [من الخفيف] :

٦٤٣ ـ ليس بيني وبين قيس عتاب

غير طعن الكلى وضرب الرّقاب

__________________

(١) تقدم بالرقم ٣٥٦.

٦٤٣ ـ التخريج : البيت لعمرو (أو عمير) بين الأيهم في حماسة البحتري ص ٣٢ ؛ وسمط اللآلي ص ١٨٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٧ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٣ ؛ ومعجم الشعراء ص ٢٤٢ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٢ / ٨٠ ؛ والمقتضب ٤ / ٤١٣.

اللغة : قيس : اسم قبيلة عربية.

المعنى : حصلت القطيعة والعداوة مع أفراد قبيلة قيس ، فليس بيني وبينهم عتاب الأحبة ، بل قتال فيه ضرب الرقاب بالسيوف ، وطعن الأجواف بالرماح.

الإعراب : ليس : فعل ماض ناقص. بيني : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلّق بخبر (ليس) المقدّم المحذوف. وبين : «الواو» : حرف عطف ، «بين» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة معطوف على «بيني». قيس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عتاب : اسم (ليس) مرفوع بالضمّة. غير : يجوز أن تكون صفة لـ «عتاب» مرفوعة بالضم. طعن : مضاف إليه مجرور بالكسرة. الكلى :

٤٠٣

ألا ترى أنّ «عتابا» لا يقع على من يعقل ، فيسوغ فيه ما ساغ في «أحد». فإن لم يتصور الاتصال على حال من الأحوال ، فالنصب ليس إلّا ، نحو قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(١). وقوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)(٢). وقول الشاعر [من الطويل] :

٦٤٤ ـ حلفت يمينا غير ذي مثنويّة

ولا علم إلّا حسن ظنّ بصاحب

و «الظن» ليس من جنس «العلم» ، و «ابتغاء وجه الله» ليس من جنس «جزاء النعمة» ، و «المرحوم» ليس من جنس «الراحم» ، ولا يتصوّر في شيء من ذلك ما ذكرنا من المجاز ، فلذلك التزم فيه النصب.

__________________

مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على الألف. وضرب : «الواو» : للعطف ، «ضرب» : معطوف على (طعن) مجرور بالكسرة. الرقاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «ليس عتاب بيني ...» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب» حيث استثنى (طعن الكلى وضرب الرقاب) من (العتاب) ، وهذا ما نسميه الاستثناء المنقطع.

(١) سورة هود : ٤٣.

(٢) سورة الليل : ١٩ ـ ٢٠.

٦٤٤ ـ التخريج : البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤١ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٢٣ ، ٣٣٠ ، ٦ / ٢٨٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥١ ؛ والكتاب ٢ / ٣٢٢ ؛ واللمع في العربية ص ١٥١ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٢٢٨.

اللغة : مثنوية : استثناء ، يقال : حلف يمينا ليس فيها ثنيّة ولا مثنويّة ، أي ليس فيها استثناء.

المعنى : لقد أقسمت يمينا لا تراجع عنه ، ولا استثناء فيه ، وليس ذلك عن علم ، بل عن حسن ظنّ بصديقي يبلغ ما يكفي لأحلف.

الإعراب : حلفت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. يمينا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. غير : صفة (يمينا) منصوبة بالفتحة. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة. مثنويّة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. ولا : «الواو» : للاستئناف ، «لا» : حرف نفي يعمل عمل (إنّ). علم : اسم (لا) مبني على الفتح ، وخبرها محذوف بتقدير (لا علم موجود). إلا : حرف استثناء. حسن : مستثنى منصوب بالفتحة. ظنّ : مضاف إليه مجرور بالكسرة. بصاحب : جار ومجرور متعلقان بالمصدر (ظن).

وجملة «حلفت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ولا علم» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه : أن «الظن» ليس من جنس «العلم» ، وهذا على الاستثناء المتقطع.

٤٠٤

باب النفي بـ «لا»

لا يخلو أن تدخل على معرفة أو نكرة. فإن دخل على معرفة لم تعمل شيئا ولزم تكرارها. وزعم أبو العباس أنه لا يلزم تكرارها. وهذا فاسد ، بدليل أنّه لا يخلو أن تجعل : «لا زيد عندك» ، في جواب من قال : «أزيد عندك أم عمرو؟» أو في جواب من قال : «أزيد عندك»؟ فإن جعلته في جواب من قال : «أزيد عندك»؟ فباطل ، لأنّ جوابه : «نعم» أو «لا». وإن جعلته في جواب من قال : «أزيد عندك أم عمرو» ، فجوابه إنّما هو : «لا زيد عندي ولا عمرو» ، فأمّا قوله [من الطويل] :

٦٤٥ ـ بكت جزعا واسترجعت ثمّ آذنت

ركائبها ألّا إلينا رجوعها

__________________

٦٤٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ٤ / ٣٤ ؛ والدرر ٢ / ٢٣٣ ؛ ورصف المباني ص ٢٦١ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١١٢ ؛ والكتاب ٢ / ٢٩٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٦١ ؛ والمقرب ١ / ١٨٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٨.

اللغة : الجزع : الخوف. استرجعت : طلبت الرجوع من الرحيل لصعوبة فراق الأحبّة. آذنت : أعلمت. الركائب : المطيّ.

المعنى : يصوّر الشاعر جزع محبوبته التي فارقته وبكاءها واسترجعت لفراقه.

الإعراب : بكت : فعل ماض ، و «التاء» : للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». جزعا : مفعول لأجله ، أو مفعول مطلق ، أو حال تقديره «جازعة» منصوب. واسترجعت : «الواو» : حرف عطف ، «استرجعت» : فعل ماض ، و «التاء» للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هي». ثمّ : حرف عطف. آذنت : فعل ماض ، و «التاء» للتأنيث. ركائبها : فاعل مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، و «الهاء» : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. أن : تفسيريّة أو مخفّفة من «أنّ» واسمها ضمير الشأن. «لا» : حرف نفي. إلينا : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. رجوعها : مبتدأ مؤخر ، وهو مضاف ، و «ها» : ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة.

٤٠٥

فضرورة ، لأنّه لم يكرر «لا» ، بل كان ينبغي أن ينفي بـ «ليس» أو بغير ذلك من حروف النفي التي لا يلزم تكرارها.

وأمّا قول العرب : «لا نولك أن تفعل» ، فكلام محمول على معناه ، كأنّه قال : لا ينبغي لك أن تفعل ، فكما لا تكرر «لا» مع الفعل ، فكذلك ما في معناه.

فإن قيل : فكيف جاز لـ «لا» أن تعمل في معرفة في قولهم : «قضية ولا أبا حسن لها» (١) ، و «أما البصرة فلا بصرة لك» ، وقول الشاعر [من الوافر] :

٦٤٦ ـ أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن ولا أميّة في البلاد

__________________

وجملة «بكت» : ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة «استرجعت» : معطوفة على سابقتها. وجملة «آذنت» : معطوفة أيضا على الجملة السابقة. وجملة «لا إلينا رجوعها» : تفسيريّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «لا إلينا رجوعها» حيث دخلت «لا» على الخبر «إلينا» ولم تتكرّر ، وهذا شاذّ.

(١) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في خزانة الأدب ٤ / ٥٨. وأبو حسن هو الإمام عليّ بن أبي طالب. يضرب مثلا في مشكلة مستعصية.

٦٤٦ ـ التخريج : البيت لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ص ١٤٧ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٦١ ، ٦٢ ؛ والدرر ٢ / ٢١١ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ، ١٠٤ ؛ والكتاب ٢ / ٢٩٧ ؛ ولفضالة بن شريك في الأغاني ١٢ / ٦٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٦٩ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٦١ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٤٩ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٦٢ ؛ والمقرب ١ / ١٨٩.

اللغة والمعنى : أبو خبيب : عبد الله بن الزبير بن العوام. نكدن : من النكد ، وهو ضيق العيش وتعسّره. أميّة : أي بني أميّة.

يقول : إنّ حياة أبي خبيب أضحت متعسّرة ، لأنّه لم يمنحه ما أراد ، فلا يستطيع أن يعطي السائلين كما يفعل بنو أميّة الذين يعطون بلا حساب.

الإعراب : أرى : فعل مضارع ، والفاعل : أنا. الحاجات : مفعول به أول منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. عند : ظرف متعلّق بمحذوف حال من «الحاجات» ، وهو مضاف. أبي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. خبيب : مضاف إليه مجرور. نكدن : فعل ماض ، والنون : فاعل. ولا : الواو : حالية ، لا : نافية للجنس. أميّة : اسم «لا» مبنيّ على الفتح في محل نصب. بالبلاد : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «لا».

وجملة (أرى الحاجات ..) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (نكدن) الفعليّة في محلّ نصب مفعول به ثان لـ «أرى». وجملة (لا أميّة بالبلاد) الاسميّة في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «ولا أميّة» حيث وقع اسم «لا» النافية للجنس معرفة ، وأوّل على تقدير : ولا مثل أميّة.

٤٠٦

فعلى حذف «مثل» ، فكأنه قال : ولا مثل أبي الحسن ، وفلا مثل البصرة ، ولا مثل أمية ، و «مثل» نكرة على كل حال.

فإن دخلت على اسم نكرة ، فلا يخلو أن يكون مضافا ، أو مطولا ، أو غير ذلك.

فإن كان مضافا أو مطولا جاز فيه وجهان : أن تعمل «لا» عمل «إنّ» فتنصبه وأن تعملها عمل «ليس» فترفعه. لأنّ «لا» نقيضة «إنّ» ، لأنّها للنفي و «إنّ» للإثبات. والنقيض قد يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره ، فحملت عليها لذلك ، ومن أجراها مجرى «ليس» لحظ معناها لأنّها للنفي كما أنّ «ليس» كذلك.

فإن دخلت على غير ذلك من الأسماء ، فلا يخلو أن يكون مفردا ، أو مثنّى ، أو مجموعا جمع سلامة بالواو والنون ، أو بالألف والتاء.

فإن كان مفردا كان منصوبا بغير تنوين.

واختلف في الحركة هل هي حركة إعراب أو حركة بناء. فذهب الزجاجي إلى أنّها حركة إعراب وسقط التنوين تخفيفا ، لأنّ «لا» جعلت مع ما بعدها شيئا واحدا ، فطال الاسم ، فخفّف بحذف التنوين.

وذلك فاسد ، لأنّها لو كانت إعرابا ، لم يجز نعت الاسم على اللفظ وعلى الموضع ، كما لم يجز ذلك في «إنّ» وأخواتها ، فدلّ ذلك على أنّها حركة بناء.

وقد ذهب أكثر النحويين من البصريين إلى أنّها حركة بناء. واختلفوا في موجب البناء. فمنهم من قال : إنّما بني لتضمنه معنى «من» ، كأنّ قائلا قال : هل من رجل في الدار؟ فقال مجيبه : لا رجل في الدار ، لأنّ «لا» نفي عام ، فينبغي أن يكون جوابا لسؤال عام ، وهو الصحيح. ومنهم من قال : إنّما بني لتركّبه ، لأنّه تركب مع «لا» ، وصار كالاسم الواحد مثل «خمسة عشر».

والصحيح الأول لأنّ ما بني من الأسماء لتضمّنه معنى الحرف أكثر مما بني لتركيبه مع الحرف ، نحو قوله [من الرجز] :

٦٤٧ ـ أثور ما أصيدكم أم ثورين

أم هذه الجمّاء ذات القرنين

__________________

٦٤٧ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٤٠ ؛ والخصائص ٢ / ١٨٠ ؛ ورصف

٤٠٧

فإن قيل : كيف عملت «لا» ، وهي تدخل على الاسم والفعل والحرف ، ولا تعمل عندنا إلّا بشرط الاختصاص بما تدخل عليه؟

فنقول : هذه المعاملة مختصة بالأسماء لأنّها في جواب من قال : «هل من رجل» ، كما تقدم.

فإن دخلت على جمع السلامة بالألف والتاء ، مثل : «أذرعات» ، ففيها خلاف. فمن قال : إنّ الحركة في «لا رجل» ، حركة إعراب يقول في النصب هنا : «لا أذرعات» بالكسر. ومن قال : إنّها حركة بناء يقول : لا أذرعات ، بالفتح ولا يجوز الكسر ، لأنّ الحركة ليست عنده لـ «أذرعات» خاصة إنما هي لـ «أذرعات» و «لا».

وهذا الذي قال باطل ، وسيأتي الردّ عليه في داخل الباب.

وأيضا فإنّه قد تقدّم أنّ الأحسن في بناء الاسم أن يكون لتضمن الحرف.

ومن قال : إنّها مبنية لتضمنها الحرف ، يقول في النصب : «لا أذرعات» ، بالكسر ، وحجته أنّ المبنيّ مع «لا» قد أشبه المعرب المنصوب ، ولذلك نعت على اللفظ ، كما أنّ الجمع بالألف والتاء في حال النصب مكسور ، فكذلك يكون مع «لا» ، وهو الصحيح ، وبه

__________________

المباني ص ٣٣٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ١١١ (ثور) ، ١٣ / ٣٣٣ (قرن).

اللغة : أصيدكم : أصيد لكم. الجماء : التي لا قرون لها. القرن : الروق والذؤابة.

المعنى : يخيّرهم فيما يصطاد لهم ، فهل يصطاد ثورا أم ثورين ، أم بقرة لها جديلتان ، أو خصلتا شعر في أعلى رأسها.

الإعراب : أثور ما : «الهمزة» : حرف استفهام ، «ثور ما» : مفعول به مبني على الفتح في محل نصب ، ففتحة الراء في (ثور) فتحة تركيبه مع (ما) ، كفتحة (الراء) في (حضرموت) ، إذ لو كانت فتحة إعراب لوجب التنوين. أصيدكم : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «كم» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. أم : حرف عطف. ثورين : معطوف على (ثور) منصوب بالياء لأنه مثنى. أم هذه : «أم» : حرف عطف ، «هذه» : معطوف على (ثورين) في محلّ نصب مثله. الجماء : بدل من اسم الإشارة (هذه) منصوب بالفتحة. ذات : صفة لـ «الجماء» منصوبة بالفتحة. القرنين : مضاف إليه مجرور بالياء والنون لأنها مثنى.

وجملة «أأصيدكم ثورما» : ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «أثور ما» حيث بنيت كلمة (ثور) على الفتح ، بسبب تركيبها مع الحرف (ما).

٤٠٨

ورد السماع. قال ابن مقبل [من البسيط] :

٦٤٨ ـ أودى الشباب الذي مجد عواقبه

فيه نلذّ ولا لذات للشيب

وروي بكسر التاء من «لذات».

فإن كان مثنى أو مجموعا جمع سلامة لمذكر ، فاختلف النحويون فيه : فمذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، أنّه مبني ، ومذهب أبي العباس المبرد أنّه معرب. واستدل أبو العباس على ذلك بأن قال : لم يوجد اسم مثنى مبنيا في كلام العرب ، فأمّا «هذان» و «اللذان» وأمثالهما ، فصيغ تثنية ، وليست بمثناة في الحقيقة. وأيضا فإنّ الاسم المثنى والمجموع قد طال بالنون والاسم المطوّل في بابه معرب.

وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس باطل.

أما قوله : إنّه لم يوجد اسم مثنى مبنيّا فباطل ، بدليل قولهم : اثنان في العدد ، إذا لم يقصد به الإخبار بل مجرد العدد.

__________________

٦٤٨ ـ التخريج : البيت لسلامة بن جندل في ديوانه ص ٩١ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٠٠ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٧ ؛ والدرر ٢ / ٢٢٤ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٣٨ ؛ والشعر والشعراء ص ٢٧٨ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٢٦ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٩ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٠١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٦.

اللغة والمعنى : العاقبة : النهاية. ومجد عواقبه : أي محمودة نهايته. الشيب : ج أشيب ، وهو الذي ابيضّ شعره.

يقول : إنّ المجد واللذات للشباب ، بعكس المشيب الذي لا يحمل إلا العجز والهرم.

الإعراب : أودى : فعل ماض مبني. الشباب : فاعل مرفوع. الذي : اسم موصول في محلّ رفع نعت «الشباب». مجد : خبر مقدّم مرفوع. عواقبه : مبتدأ مؤخّر مرفوع. وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جر بالإضافة. فيه : جار ومجرور متعلّقان بـ «نلذّ». نلذّ : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : نحن. ولا : الواو : حرف عطف ، لا : النافية للجنس. لذات : اسم «لا» مبني في محل نصب. للشيب : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «لا».

وجملة (أودى الشباب ...) الفعلية لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. وجملة (مجد عواقبه) الاسميّة لا محل لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول. وجملة (فيه نلذّ ...) الفعليّة في محلّ رفع نصب حال .. وجملة (لا لذات للشيب) الاسميّة معطوفة على سابقتها في محل رفع نصب.

والشاهد فيه قوله : «ولا لذات» حيث جاء اسم «لا» ، وهو قوله : «لذات» جمع مؤنث سالما ، ووردت الرواية ببنائه على الكسرة نيابة عن الفتحة ، كما كان ينصب بها لو أنّه معرب ، ويروى ببنائه على الفتح ، والوجهان جائزان.

٤٠٩

وأمّا قوله : إنّ المثنى والمجموع قد طال بالنون فباطل ، لأنّ النون هنا بمنزلة التنوين ، فكما لا يطول الاسم بالتنوين ، فكذلك لا يطول بهذه النون.

فالصحيح ما ذهب إليه سيبويه من أنّه مبنيّ.

فإن قيل : فكيف قلت : «لا مسلمين ولا مسلمين» ، والاسم في باب «لا» إنّما بني على الفتح؟ فالجواب : ما تقدّم من شبه المبنيّ في هذا الباب بالمعرب المنصوب ، فكما أنّ منصوب التثنية بالياء فكذلك يكون بعد «لا».

وهذا يؤيد ما تقدم من أنّ الاسم بني لتضمّن الحرف ، إذ لو بني لجعل الاسم مع «لا» كالشيء الواحد ، لكانت الحركة لـ «لا» مع الاسم ، ولوجب أن يكون المبنيّ مبنيّا على الفتح.

[١ ـ عدم جواز الفصل بين «لا» واسمها] :

ولا يجوز الفصل بين «لا» وما تعمل فيه سواء أكانت بمنزلة «إنّ» أو بمنزلة «ليس» ، فإن فصلت ، بطل عملها ولزم تكرارها ، خلافا لأبي العباس ، فإنّه لا يلزم التكرار عنده.

والخبر لا يخلو أن يكون ظرفا ، أو مجرورا ، أو غير ذلك. فإن كان ظرفا ، أو مجرورا ، فلك فيه وجهان : إن شئت حذفته ، وإن كان غير ذلك فبنو تميم يلتزمون الحذف ، وأهل الحجاز يجيزون الحذف والإثبات.

[٢ ـ العامل في خبر «لا»] :

واختلف النحويون في العامل في خبر «لا» إذا كانت بمعنى «إنّ» ، فمنهم من قال : إنّه ارتفع بـ «لا» ، ومنهم من قال : ارتفع على أنّه خبر ابتداء ، لأنّ «لا» مع ما بعدها بمنزلة المبتدأ ، ولم تعمل فيه «لا» شيئا ، وهو الصحيح. إذ لو كان العامل فيه «لا» ، لأوجب أن لا يتبع الاسم الذي بعدها على موضعه ، لأنك إذا قلت : «لا رجل عاقل في الدار» ، كنت قد حملت على الموضع قبل تمام الكلام ، وذلك لا يجوز.

وأيضا فإنّ «لا» قد غيّرت معنى الابتداء وهو الإيجاب ، وكل ما يغيّر المعنى من

٤١٠

العوامل ، فلا موضع لمعموله أصلا ، نحو : «ليت» ، و «كأنّ» ، فدلّ ذلك على أنّ «لا» جعلت مع الاسم بمنزلة اسم مبتدأ ، ولم تعمل في الخبر شيئا ، ولذلك جاز الحمل على الموضع لتمام الاسم ، ولكون «لا» لا تعلق لها بالخبر.

فإن كان الاسم الواقع بعد «لا» قد عمل فيه عامل ظاهر أو مضمر لم تؤثر فيه «لا» ، وبقي على حاله قبل دخولها ، وذلك نحو قوله : «لا مرحبا ولا أهلا ولا مرحب». فإن قيل : إنّ قولك : «لا مرحب» ، «لا» فيه بمنزلة «ليس» ، فالجواب : إنّ قولك : «لا مرحب» ، دعاء مثل قوله [من الطويل] :

٦٤٩ ـ ونبّئت جوّابا وسكنا يسبّني

وعمرو بن عفرى لا سلام على عمرو

إلّا إذا كان بعدها الفعل الماضي. وأنّ «مرحبا» ليس باسم «لا» ، وأنّ «لا» دخلت على كلام كان معناه الدعاء فنفته.

__________________

٦٤٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٤٢٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٠١ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٢١٨ (سكن) ؛ وللفرزدق في خزانة الأدب ٥ / ٢٣٨ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٤ / ٣٨١.

اللغة : جوّاب وسكن : اسما شخصين تعرّضا لجرير ؛ وكذلك عمرو بن عفرى.

المعنى : لقد أخبروني بهجاء جواب وسكن وعمرو بن عفرى ، وسبابهم التافه لي ، فلا سلام لهم ، ولا راحة أتركهم فيها.

الإعراب : ونبئت : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «نبئت» : فعل ماض مبني للمجهول ، مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. جوّابا : مفعول به منصوب بالفتحة. وسكنا : «الواو» : حرف عطف ، «سكنا» : معطوف على (جوّابا) منصوب بالفتحة. يسبني : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). وعمرو : «الواو» : للعطف ، «عمرو» : معطوف على (سكنا) منصوب بالفتحة. بن : صفة (عمرو) منصوبة بالفتحة. عفرى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. لا : حرف نفي يعمل عمل (إنّ). سلام : اسم (لا) منصوب بالفتحة. على عمرو : جار ومجرور متعلقان بخبر (لا) المحذوف.

وجملة «نبئت» : بحسب الواو. وجملة «يسبني» : في محلّ نصب مفعول به. وجملة «لا سلام على عمرو» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «لا سلام على عمرو» حيث اعتبر (لا سلام) بمنزلة الاسم المبتدأ ، على أساس ضمّ (سلام) ، ولكنّ رواية الديوان واللسان بالفتح ، وعلى هذا تمّ الإعراب.

٤١١

[٣ ـ تابع اسم «لا»] :

وإذا أتبعت الاسم بعد «لا» في هذا الباب ، فلا يخلو أن يكون معربا أو مبنيّا. فإن كان معربا فعلى لفظه ، وإن أتبعت مبنيّا ، فلا يخلو أن تتبعه بنعت أو بعطف. فإن أتبعته بنعت ، فلا يخلو أن يكون النعت مضافا ، أو مطولا ، أو ليس بمضاف ، ولا بمطول.

فإن كان النعت مضافا ، أو مطولا ، فلا يجوز الإتباع فيه إلّا على لفظه ، نحو : «لا رجل صاحب دابّة في الدار» ، و «لا رجل خيرا من زيد في الوجود». فإن كان النعت ليس بمضاف ولا بمطول ، فيجوز لك أن تتبعه على اللفظ وعلى الموضع. فإذا أتبعت على الموضع فالرفع ليس إلّا ، وإذا أتبعت على اللفظ ، فيجوز لك وجهان : النصب والتنوين ، فتقول : «لا رجل عاقلا» ، والنصب بغير تنوين ، نحو : «لا رجل عاقل» ، فتجعل النعت مع المنعوت كالشيء الواحد.

فإن كررت النعت ، جاز لك وجهان : أن تتبعه على اللفظ ، وعلى الموضع. فإذا أتبعت على الموضع ، رفعت فتقول : «لا رجل عاقل كريم» ، فإن أتبعت على اللفظ ، قلت : «لا رجل عاقلا كريما». ولا يجوز النصب من غير تنوين ، لأنّه لا يجعل ثلاثة أسماء كالاسم الواحد.

فإن أتبعت بعطف ، فلا يخلو أن تكرر «لا» أو لا تكررها. فإن لم تكررها ، فيجوز العطف على اللفظ وعلى الموضع ، فتقول : «لا رجل وامرأة» ، على اللفظ ، و «امرأة» ، على الموضع. ولا يجوز في العطف على اللفظ النصب من غير تنوين ، لأنه لا يجعل ثلاثة أشياء كالشيء الواحد.

وحكى أبو الحسن الأخفش : «لا رجل في الدار وامرأة». ووجهه أن تكون «امرأة» اسم «لا» كأنه قال : ولا امرأة.

[٤ ـ تكرار «لا»] :

فإن كرّرت «لا» ، فلا يخلو أن تجعلها زائدة ، أو لا تجعلها زائدة. فإن جعلتها زائدة ، فحكم الاسم حكم ما تقدم. وإن لم تزدها ، فحكم «لا» الثانية على حكم الأولى ، فيجوز لك أن تجريها مجرى «ليس» ومجرى «إنّ». وقول الشاعر [من السريع] :

لا نسب اليوم ولا خلّة

اتّسع الخرق على الراقع (١)

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٥٦.

٤١٢

وقول الآخر [من الكامل] :

٦٥٠ ـ هذا وجدّكم الصغار بعينه

لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب

__________________

٦٥٠ ـ التخريج : البيت من أكثر الشواهد النحويّة المختلف عليها ، فهو لرجل من مذحج في الكتاب ٢ / ٢٩٢ ؛ وهو لضمرة بن جابر في خزانة الأدب ٢ / ٣٨ ، ٤٠ ؛ وهو لرجل من مذحج أو لضمرة بن ضمرة ، أو لهمام أخي جساس ابني مرّة في تخليص الشواهد ص ٤٠٥ ؛ وهو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرّة في شرح شواهد الإيضاح ص ٢٠٩ ؛ وهو لرجل من بني عبد مناف ، أو لابن أحمر ، أو لضمرة بن ضمرة أو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرّة ، أو لرجل من بني عبد مناة في الدرر ٦ / ١٧٥ ؛ وهو لهنيّ بن أحمر أو لزرافة الباهلي في لسان العرب ٦ / ٦١ (حيس) ؛ وهو لرجل من مذحج أو لهمام بن مرة أو لرجل من بني عبد مناة أو لابن الأحمر ، أو لضمرة بن ضمرة في شرح التصريح ١ / ٢٤١ ؛ ولابن أحمر في المؤتلف والمختلف ص ٣٨ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٣٩ ؛ ولرجل من مذحج أو لهمّام أخي جساس بن مرة أو لضمرة بن ضمرة أو لابن أحمر في شرح شواهد المغني ص ٩٢١ ؛ ولهمام بن مرّة في الحماسة الشجريّة ١ / ٢٥٦ ؛ ولعامر بن جوين الطائي أو منقذ بن مرّة الكنانيّ في حماسة البحتري ص ٧٨ ؛ ولرجل من بني عبد مناة بن كنانة في سمط اللآلي ص ٢٨٨ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٤١ ، ٢٤٥ ؛ والأشباه والنظائر ٤ / ١٦٢ ؛ وأمالي ابن الحاجب ص ٥٩٣ ، ٨٤٧ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ١٦ ؛ ورصف المباني ص ٢٦٧ ؛ وشرح الأشموني ص ١٥١ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢٠٢ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٢٩٢ ؛ وكتاب اللامات ص ١٠٦ ؛ واللمع في العربية ص ١٢٩ ؛ ومغني اللبيب ص ٥٩٣ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٧١.

اللغة والمعنى : الصغار : الذل والضيم.

يقول : أقسم بجدكم أنّ هذا الأمر [تفضيل أحد علي] هو الذلّ بعينه ؛ وإن كان ذلك حاصلا فلا أمّ لي ولا أب ؛ أي ساقط الحسب والنسب.

الإعراب : هذا : ها : للتنبيه ، و «ذا» : اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. وجدّكم : «الواو» : حرف قسم وجر ، «جدّكم» : اسم مجرور ، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف. و «كم» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. الصغار : خبر المبتدأ «ذا» مرفوع. بعينه : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف حال. وقيل : الباء : حرف جر زائد ، عين : تأكيد لـ «الصغار». وهو مضاف. الهاء : ضمير في محلّ جر بالإضافة. لا : النافية للجنس. أمّ : اسم «لا» مبنيّ في محلّ نصب. لي : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر «لا». إن : حرف شرط. كان : فعل ماض تام. ذاك : اسم إشارة في محلّ رفع فاعل. ولا : الواو : حرف عطف ، لا : زائدة لتأكيد النفي. أب : معطوف على محلّ «لا» مع اسمها.

وجملة (هذا وجدّكم ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. وجملة (أقسم وجدّكم) الفعلية لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضية. وجملة (لا أمّ لي) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية. وجملة (إن كان ذاك مع جواب الشرط المحذوف) الشرطية لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة.

والشاهد فيه قوله : «ولا أب» حيث جاء «أب» مرفوعا فيكون بذلك معطوفا على محل «لا» مع اسمها.

٤١٣

فيتصور في «لا» من «ولا خلة ولا أب» أن تكون زائدة ، فيكون الاسم معطوفا على الموضع ، ويتصوّر أن تكون بمنزلة «ليس».

[٥ ـ إقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه] :

ويجوز ذلك أن تقحم اللام بين المضاف والمضاف إليه في هذا الباب ، فتقول : «لا أخا لك» ، تريد : لا أخاك ، و «لا أبا لك» ، تريد : لا أباك ، وعليه قوله [من الطويل] :

أخاك أخاك إنّ من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (١)

ومن كلام العرب : «لا يدي لك بها». ومن ذلك قوله [من الرجز] :

٦٥١ ـ أهدموا بيتك لا أبا لكا

وأنا أمشي الدّألى حوالكا

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٦٥.

٦٥١ ـ التخريج : الرجز للضبّ (وهذا ممّا تزعم العرب) في الحيوان ٦ / ١٢٨ ؛ والدرر ١ / ١١٩ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٣٠٩ ؛ والدرر ٢ / ٢١٦ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٢ ؛ والكتاب ١ / ٣٥١ ؛ ولسان العرب ٢ / ١٤ (بيت) ، ١١ / ١٨٧ (حول) ، ١١ / ٢٣٣ (دأل) ؛ والمعاني الكبير ص ٦٥٠ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٤١ ، ١٤٥.

اللغة : الدألى : مشية تشبه مشية الذئب ، عند ما يريد اصطيادا.

المعنى : أتراهم هدّموا بيتك ، وأنا أنتظر كالذئب لأنقضّ عليك.

الإعراب : أهدموا : «الهمزة» : حرف استفهام ، «هدموا» : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. بيتك : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. لا : النافية للجنس. أبا : اسم (لا) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. لك : «اللام» : زائدة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. وأنا : «الواو» : حالية ، «أنا» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. أمشي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). الدألى : مفعول مطلق منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف (نوع من المشي). حوالكا : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بفتحة مقدّرة على الياء المحذوفة (الأصل حواليك) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «هدموا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا أبا لك موجود» : اعتراضية لا محلّ لها. وجملة «أنا أمشي» : في محلّ نصب حال. وجملة «أمشي» : في محلّ رفع خبر (أنا).

والشاهد فيه قوله : «لا أبا لك» حيث جاءت (اللام) زائدة لا معنى لها ، فالأصل (لا أباك).

٤١٤

فإن قلت : وما الدليل على أنّ اللام في قولك : «لا أبا لك» مقحمة؟ قيل : الدليل على أنّها مقحمة أنّ «أباك» و «أخاك» لا يكونان بالألف في حال النصب ، وبالواو في حال الرفع ، وبالياء في حال الخفض ، إلّا إذا كانا مضافين ، وهما بالألف ، فدلّ على أنّهما مضافان واللام مقحمة.

وزعم ابن الطراوة أن اللام هنا ليست مقحمة ، وحمل ذلك على لغة من قال : «أخا» ، بالألف في الأحوال الثلاثة.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّه لو كان كما زعم ، لم يقل : «لا أبا لك» ، جميع العرب ، والعرب قاطبة تقوله : فدلّ على بطلان ما ذهب إليه. وأيضا فإنّ العرب تقول : «لا يدي لك» ، بحذف النون ، والنون لا تحذف إلّا للإضافة ، فدل على أن اللام زائدة ، وحذفت النون للإضافة.

وإن قال : إنّ النون قد تحذف للطول ، وعليه قولهم : «قطا قطا ، بيضك ثنتا وبيضي مائتا» ، يريد : ثنتان ومئتان ، وكذلك قوله [من المتقارب] :

لها متنتان خظاتا كما

أكبّ على ساعديه النمر (١)

في أحد القولين. وكذلك قوله [من الطويل] :

هما خطّتا إما إسار ومنّة

وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر (٢)

فالجواب : إنّما جاء هذا في ضرورة شعر ، وقولهم : «لا يدي لك بكذا» ، في فصيح الكلام. وأيضا فإنّهم قد جاؤوا بذلك على الأصل ، قال الشاعر [من الوافر] :

٦٥٢ ـ أبالموت الذي لا بدّ أنّي

ملاق لا أباك تخوّفيني

__________________

(١) تقدم بالرقم ٥٦٩.

(٢) تقدم بالرقم ٥٦٨.

٦٥٢ ـ التخريج : البيت لأبي حيّة النميري في ديوانه ص ١٧٧ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٠ ، ١٠٥ ، ١٠٧ ؛ والدرر ٢ / ٢١٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١١ ؛ ولسان العرب ١١ / ٢١٠ (خعل) ، ١٤ / ١٢ (أبي) ، ١٥ / ١٦٣ (فلا) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ١٣٢ ؛ والخصائص ١ / ٣٤٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٦ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٥٠١ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ؛ واللامات ص ١٠٣ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٧٥ ؛ والمقرب ١ / ١٩٧ ؛ والمنصف ٢ / ٣٣٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٣٣٧.

المعنى : يقول : أتخوّفينني بالموت الذي لا بدّ أنّه ملاقيني آجلا أم عاجلا ، شئت أم أبيت.

٤١٥

وكذلك قوله [من الطويل] :

٦٥٣ ـ [فقد مات شمّاخ ومات مزرّد]

وأيّ كريم لا أباك يخلّد

__________________

الإعراب : أبالموت : الهمزة : للاستفهام ، بالموت : جار ومجرور متعلّقان بـ «تخوفيني». الذي : اسم موصول مبنيّ في محلّ نعت «الموت». لا : نافية للجنس. بدّ : اسم «لا» مبنيّ على الفتح في محلّ نصب. أنّني : حرف مشبّه بالفعل ، والنون : للوقاية ، والياء : ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». ملاق : خبر «إنّ». لا : نافية للجنس. أباك : اسم «لا» منصوب بالألف لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف ، والكاف : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. وخبر «لا» محذوف. تخوّفيني : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنّه من الأفعال الخمسة. والياء (الأولى) في محل رفع فاعل ، والنون : للوقاية ، والياء (الثانية) في محلّ نصب مفعول به.

وجملة (أبالموت تخوّفيني) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافيّة. وجملة (لا بدّ أنّي ملاق) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول الاسميّ. وجملة (أني ملاق) المؤوّلة بمصدر في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف تقديره «من». وجملة (لا أباك) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها اعتراضيّة.

والشاهد فيه قوله : «لا أباك» حيث استعمل كلمة «أبا» اسما لـ «لا» النافية للجنس ، منصوبة بالألف ، وأضافها إلى ضمير المخاطبة ، وهذا دليل على أنّ قولهم : «لا أبا لك» من باب الإضافة ، واللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، ولو لا ذلك لم تثبت الألف في «أبا».

٦٥٣ ـ التخريج : البيت لمسكين الدارميّ في ديوانه ص ٣١ ؛ والكتاب ٢ / ٢٧٩ ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٤٢ ؛ وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ؛ وكتاب اللامات ص ١٠٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ١٢ (أبي) ؛ والمقتضب ٤ / ٣٧٥.

اللغة : شماخ ومزرّد : لقبا شاعرين أخوين هما : الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان ، وقيل اسمه معقل ؛ ومزرّد بن ضرار ، قيل اسمه يزيد.

المعنى : لقد مات الشاعران المخضرمان مزرد والشمّاخ ، وهكذا كل الفضلاء الكرام سيموتون ، ولا أحد سيبقى.

الإعراب : فقد : «الفاء» : حسب ما قبلها ، «قد» : حرف تحقيق. مات : فعل ماض مبني على الفتح. شماخ : فاعل مرفوع بالضمّة. ومات : «الواو» : للعطف ، «مات» : فعل ماض مبني على الفتح. مزرّد : فاعل مرفوع بالضمّة. وأي : «الواو» : استئنافية ، «أيّ» : اسم استفهام مبتدأ مرفوع بالضمّة. كريم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لا أباك : «لا» : النافية للجنس ، «أبا» : اسم (لا) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، وخبر «لا» محذوف. يخلّد : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، مبني للمجهول ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «مات» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو حسب ما قبلها. وجملة «ومات» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «أيّ كريم يخلّد» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «لا أباك» : اعتراضية لا محلّ لها. وجملة «يخلّد» : في محل رفع خبر (أيّ).

والشاهد فيه قوله : «لا أباك» حيث لم تقحم اللام ، بل جاءت على الأصل.

٤١٦

فإن قيل : فلأي شيء أقحمت اللام؟ فالجواب : إنّها أقحمت لأنّ «لا» لا تعمل في المعارف شيئا ، وما أضيف إلى المعرفة معرفة ، وهذه الأسماء مضافة إلى معرفة ، فزيدت اللام إصلاحا للفظ ، حتى يصير كأنّه غير مضاف.

ويجوز في هذا الباب الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمجرور والظرف ، وإن كان ذلك لا يجوز إلّا في الشعر ، مثل قوله [من البسيط] :

٦٥٤ ـ كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا

أواخر الميس أصوات الفراريج

وسبب ذلك كون المضاف إذا أقحمت عليه اللام في هذا الباب على ضرورة غير المضاف.

وقوله في آخر هذا الباب : «قد تزاد «لا» بين العامل والمعمول».

هذا الذي ذكره لا يكون إلّا بين المضاف والمضاف إليه وبين حرف الجر والمجرور ،

__________________

٦٥٤ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٩٩٦ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ١٠٨ ، ٤١٣ ، ٤١٩ ؛ والحيوان ٢ / ٣٤٢ ؛ والخصائص ٢ / ٤٠٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ١٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٩٢ ؛ والكتاب ١ / ١٧٩ ، ٢ / ١٦٦ ، ٢٨٠ ؛ ولسان العرب ٧ / ٢٤٤ (نقض) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٨٦٣ ؛ ورصف المباني ص ٦٥ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٠٨٣ ؛ وشرح المفصل ١ / ١٠٣ ، ٣ / ٧٧ ، ٤ / ١٣٢ ؛ وكتاب اللامات ص ١٠٧ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٧٦.

اللغة : الإيغال : الإبعاد. الميس : شجر تتخذ منه الرحال والأقتاب. الفراريج : جمع فرّوج ، وهو الصغير من الدجاج.

المعنى : إن أصوات الرّحال والأقتاب عند ابتعاد الإبل بنا أصبحت ضعيفة مثل أصوات الدجاج الصغيرة.

الإعراب : «كأن» : حرف مشبه بالفعل. «أصوات» : اسم «كأن» منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. «من» : حرف جر. «إيغالهن» : اسم مجرور وعلامة جره الكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بحال محذوفة ، «هن» : ضمير متصل في محلّ جر مضاف إليه. «بنا» : جار ومجرور متعلقان بالمصدر «إيغال» المضافة إلى (أواخر). «أواخر» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «الميس» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أصوات» : خبر «كأن» مرفوع بالضمة. «الفراريج» : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.

والشاهد فيه قوله : «كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس» حيث فصل بين المضاف «أصوات» والمضاف إليه «أواخر الميس» بالجارين والمجرورين «من إيغالهن بنا» وأصل الكلام : «كأن أصوات أواخر الميس أصوات الفراريج من إيغالهن بنا».

٤١٧

ويكون على وجهين : على أنها باقية على معناها من النفي ، أو على أنّها زائدة للتأكيد من غير إرادة معنى النفي.

فمثال زيادتها بين الجار والمجرور : «جئت بلا زاد» ، و «غضبت من لا شيء». ومثال زيادتها بين المضاف والمضاف إليه قوله [من الرجز] :

٦٥٥ ـ حنّت قلوصي حين لا حين محنّ

ومثال زيادتها ولا يراد بها النفي قوله [من البسيط] :

٦٥٦ ـ ما بال جهلك بعد الحلم والدّين

وقد علاك مشيب حين لا حين

__________________

٦٥٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب ٤ / ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٩ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٥٨.

اللغة والمعنى : الحنين : صوت الناقة شوقا إلى أصحابها. القلوص : الناقة الشابة. يقول : إنّ ناقته الشابة حنّت إلى أهلها ، ولا سبيل إليهم.

الإعراب : حنّت : فعل ماض ، و «التاء» : للتأنيث. قلوصي : فاعل مرفوع بالضمّة المقدرة على ما قبل الياء ، وهو مضاف ، و «الياء» : ضمير متصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. حين : ظرف زمان منصوب متعلق بـ (حنّت) ، وهو مضاف. لا : النافية للجنس. حين : اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب ، وهو مضاف. محن : مضاف إليه مجرور بالكسرة منع من ظهورها حركة القافية.

وجملة «حنت قلوص» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «حين لا حين محن» حيث جاءت «لا» زائدة. وقيل : الشاهد فيه نصب «حين» بـ «لا» التبرئة ، وإضافة «حين» إلى الجملة ، وخبر «لا» محذوف ، والتقدير : حين لا حين محنّ لها. أي : حنّت في غير وقت الحنين.

٦٥٦ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٥٥٧ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٢٠٥ ، ٤ / ٤٧ ؛ والدرر ٣ / ٨٣ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٠ ؛ والكتاب ٢ / ٣٠٥ ؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٩٧.

اللغة : الحلم : سعة الصدر ، والأناة ؛ وهي ضد الجهل. الحين : الوقت.

المعنى : انتبه لنفسك أيها الشيخ ، فلم يعد الوقت وقت طيش ، وهل بعد الدين والتقوى والوقار ، يكون التصابي والطيش؟!

الإعراب : ما بال : «ما» : اسم استفهام في محلّ رفع مبتدأ ، و «بال» : خبر مرفوع بالضمّة. جهلك : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. بعد : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالمصدر «جهل». الحلم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والدين : «الواو» : للعطف ، «الدين» : معطوف على (الحلم) مجرور بالكسرة. وقد : «الواو» : حالية ، «قد» : حرف تحقيق. علاك : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به.

٤١٨

يريد : حين حين ، أي : في وقته.

__________________

مشيب : فاعل مرفوع بالضمّة. حين : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة ، متعلق بالفعل «علا». لا : حرف زائد. حين : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «ما بال جهلك» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «علاك» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «حين لا حين» حيث زاد بين المضاف (حين) والمضاف إليه (حين) بـ «لا» دون إرادة النفي.

٤١٩

باب دخول ألف الاستفهام على «لا»

إذا أدخلت ألف الاستفهام على «لا» ، فلا يخلو أن تبقى على حالها من النفي ، أو يدخلها معنى التمني أو التحضيض.

فإن بقيت على بابها من النفي ، كانت في العمل بمنزلتها قبل دخول همزة الاستفهام عليها في جميع أحوالها ، وكان حكم الاسم إذا أتبعته كحكمه قبل دخول همزة الاستفهام على «لا» ، فإن دخلها معنى التحضيض ، بطل عملها ، ولزم تنوين الاسم بعدها إن كان ممّا ينون ، لأنّ حروف التحضيض لا يليها إلّا الفعل ظاهرا أو مضمرا ، فيكون الاسم بعدها معربا على حسب ما يقتضيه الفعل من الإعراب.

فإن دخلها معنى التمني ، ففيها وجهان : سيبويه يبقيها على بابها من العمل ، إلّا أنّه لا يتبع الاسم بعدها إلّا على اللفظ ، ولا يجعل لها خبرا ، ولذلك لم يجز الحمل على الموضع ، لأنّه لا يتصوّر أن يلحظ فيها الابتداء ، إذ لا يتصوّر أن يوجد مبتدأ دون خبر.

والمازني يجيز الحمل على الموضع ويجعل لها خبرا ، واستدلّ على ذلك بالاسم بعدها كما يبنى قبل دخول الهمزة ، فكما جرت مع الهمزة مجراها قبل الهمزة في بناء الاسم بعدها ، فكذلك تجري مجراها في جميع الوجوه. وهذا باطل سماعا وقياسا. أمّا السماع فلم يسمع من العرب : ألا رجل أفضل من زيد ، برفع «أفضل». فلو كان لها خبر لسمع ولو في بعض المواضع. ولو كان للاسم بعدها موضع لرفعت صفته في بعض المواضع.

وأمّا القياس فإنّ الهمزة لا يخلو أن تقدّرها داخلة على «لا» وحدها ، أو على الجملة. فإن قدرتها داخلة على الجملة ، لم يجز ذلك ، لأنّا لم نجد جملة يدخلها بجملتها معنى التمني ، وقد وجدنا من الحروف ما له معنى ، فإذا ركّب كان له معنى خلاف الذي كان قبل التركيب نحو «هلّا» و «لو لا».

٤٢٠