شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

وأما «ابن عرض» (١) فيجوز فيه وجهان : التعريف والتنكير ، لأنّك تقول : «هذا ابن عرض مقبلا ومقبل» ، مسموعان.

وأما «ابن أوبر» (٢) ففيه خلاف ، فمذهب سيبويه أنّه معرفة ، واستدل بامتناعه الصرف. وزعم أبو العباس أنّه نكرة ، واستدلّ على صحة مذهبه بدخول الألف واللام عليه في قوله [من الكامل] :

٥٣٧ ـ ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

وهذا يتخرّج على زيادة الألف واللام في العلم ضرورة ، كما زيدت في قوله [من الطويل] :

٥٣٨ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

__________________

(١) لم أقع على معناه فيما عدت إليه من معاجم.

(٢) ابن أوبر : ضرب من الكمأة.

٥٣٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الاشتقاق ص ٤٠٢ ؛ والإنصاف ١ / ٣١٩ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٦٧ ؛ وجمهرة اللغة ص ٣٣١ ؛ والخصائص ٣ / ٥٨ ؛ ورصف المباني ص ٧٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٦٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٨٥ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٥١ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٩٦ ؛ ولسان العرب ٢ / ٢١ (جوت) ، ٤ / ١٧٠ (حجر) ، ٤ / ٣٨٥ (سور) ، ٤ / ٦٢٢ (عير) ، ٥ / ٢٧١ (وبر) ، ٦ / ٢٧١ (جحش) ، ١١ / ٧ (أبل) ، ١١ / ١٥٩ (حفل) ، ١١ / ٤٤٨ (عسقل) ، ١٢ / ١٨ (اسم) ، ١٤ / ١٥٥ (جنى) ، ١٥ / ٣٠٩ (نجا) ؛ والمحتسب ٢ / ٢٢٤ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٥٢ ، ٢٢٠ ؛ والمقاصد النحويّة ١ / ٤٩٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٤٨ ؛ والمنصف ٣ / ١٣٤.

شرح المفردات : جنى الثمرة : قطفها من الشجرة. الأكمؤ : ج الكمأة ، وهي نوع من الفطر ، يعرف أيضا بـ «شحم الأرض» أو «جدري الأرض» يؤكل مشويّا أو مطبوخا. العساقل : ج العسقول ، وهو نوع من الكمأة. بنات الأوبر : نوع من الكمأة صغار فيها شعر صغير ، بلون التراب ، رديئة الطعم تشبه اللفت.

الإعراب : «ولقد» : الواو بحسب ما قبلها ، واللام موطئة للقسم ، «قد» : حرف تحقيق. «جنيتك» : فعل ماض والتاء فاعل ، والكاف في محلّ نصب مفعول به. «اكمؤا» : مفعول به ثان منصوب .. «وعساقلا» معطوف على «أكمؤا» منصوب. «ولقد» : الواو حرف عطف ، واللام موطئة للقسم. «قد» : حرف تحقيق. «نهيتك» : فعل ماض ، والتاء فاعل ، والكاف في محلّ نصب مفعول به. «عن بنات» : جار ومجرور متعلّقان بـ «نهيتك» وهو مضاف. «الأوبر» : مضاف إليه مجرور.

الشاهد فيه قوله : «بنات الأوبر» حيث زاد «أل» على العلم مضطرّا ، لأنّ «بنات أوبر» علم على نوع من الكمأة رديء. والعلم لا تدخله «أل» فرارا من اجتماع معرّفين : العلمية و «أل» ، فزادها هنا للضرورة.

٥٣٨ ـ التخريج : البيت لابن ميّادة في ديوانه ص ١٩٢ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٢٦ ؛ والدرر ١ / ٨٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٤٥١ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٢ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٤ ؛ ولسان

٢٤١

ولم يجىء دخول الألف واللام على «ابن الأوبر» إلّا في ذلك البيت خاصة ، فدلّ على أنها زائدة.

وما أضيف إلى معرفة فهو معرفة مثله ، إلّا في مواضع منها «غيرك» وأخواته (١) ، واسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، والصفة المضافة إلى الموصوف ، والموصوف المضاف إلى الصفة ، واسم الزمان المضاف إلى الجملة ، و «أفعل من» ، فإنّ الإضافة فيها غير محضة ، وقد تقدّم الكلام على ذلك في باب النعت بما فيه من الخلاف والاتفاق.

__________________

العرب ٣ / ٢٠٠ (زيد) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢١٨ ، ٥٠٩ ؛ ولجرير في لسان العرب ٨ / ٣٩٣ (وسع) ، وليس في ديوانه ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٢٢ ؛ والأشباه والنظائر ١ / ٢٣ ، ٨ / ٣٠٦ ، والإنصاف ١ / ٣١٧ ؛ وأوضح المسالك ١ / ٧٣ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٢٤٧ ، ٩ / ٤٤٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٨٥ ؛ وشرح التصريح ١ / ١٥٣ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٣٦ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٥٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٤.

اللغة وشرح المفردات : الوليد بن يزيد : هو الخليفة الأموي الحادي عشر ، خلف عمّه هشام بن عبد الملك ، وكان يجيد قول الشعر ، ويحبّ شرب الخمرة. الأعباء : ج العبء ، وهو الحمل الثقيل. الكاهل : ما بين الكتفين.

المعنى : يقول : إنّه رأى الوليد بن يزيد منعّما وميمون الطائر ، وقادرا على تحمّل أعباء الخلافة.

الإعراب : رأيت : فعل ماض مبنيّ على السكون ، والتاء : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. الوليد : مفعول به أوّل منصوب بالفتحة. بن : نعت «الوليد» منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. اليزيد : مضاف إليه مجرور بالكسرة. مباركا : مفعول به ثان لـ «رأى» منصوب بالفتحة الظاهرة ، أو حال. شديدا : معطوف على «مباركا» بحرف عطف محذوف ، أو حال ثانية إن عددنا الأولى حالا. بأعباء : الباء : حرف جر ، «أعباء» اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «شديدا» ، وهو مضاف. الخلافة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. كاهله : فاعل «شديدا» مرفوع بالضمة. وهو مضاف ، والهاء : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة : «رأيت الوليد ...» ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «اليزيد» وهنا احتمالان : أوّلهما أنّ الشاعر أدخل «أل» على «يزيد» للضرورة أو للمح الأصل ، فتكون «أل» زائدة ، والاسم ممنوع من الصرف للعلميّة ووزن الفعل ، وإنّما جرّ بالكسرة لدخول «أل» عليه.

وثانيهما أنّ الشاعر قصد تنكير «يزيد» قبل إدخال «أل» عليه ، فأصبح بعد زيادة «أل» ككلمة «الرجل» ونحوه ، ولهذا زالت علميّته ولم يبق فيه سوى علّة واحدة وهي وزن الفعل ، فهو إذن ليس ممنوعا من الصرف ، فلا يصحّ التمثيل به للممنوع من الصرف الذي يجرّ بالكسرة لدخول «أل» عليه.

(١) تقدم الكلام عليها في باب الإضافة.

٢٤٢

باب الحروف التي تنصب الأفعال المستقبلة

قوله : «الحروف التي تنصب الأفعال المستقبلة» فيه مجاز ، لأنّ هذه الحروف منها ما ينصب بنفسه ومنها ما ينصب بإضمار «أن» ، لكن لما كان النصب بعدها أسند إليها مجازا.

وهذه الحروف قد تبيّن حكمها في أول الكتاب على مذهب أهل البصرة. وذلك أنّ هذه الحروف تنقسم قسمين : ناصب بنفسه ، وناصب بإضمار «أن» بعده. فالناصب بنفسه عند أهل البصرة : أن ، ولن ، وإذن ، ولكي ، وكي ، في أحد قسميها.

والناصب بإضمار «أن» ما بقي وينقسم قسمين : قسم ينصبه بإضمار «أن» ، ويجوز إظهارها بعده. وقسم ينصب بإضمار «أن» ، ولا يجوز إظهارها بعده. فالناصب بإضمار «أن» ويجوز إظهارها بعده لام «كي» إذا لم يكن بعدها «لا». وحرف العطف المعطوف به الفعل على الاسم الملفوظ فيه نحو قوله [من الوافر] :

للبس عباءة وتقرّ عيني

[أحبّ إليّ من لبس الشفوف](١)

فإن كان بعدها «لا» لزم إظهارها هروبا من اجتماع المثلين. والذي ينصب بإضمار «أن» ولا يجوز إظهارها بعده ما بقي ، وهو لام الجحود والجواب بالفاء ، والواو ، وأو ، وحتى ، وكي.

والدليل على أنّ «أن» و «لن» ، و «لكي» ، و «كي» ، و «إذن» تنصب بنفسها وما عداها

__________________

(١) تقدم بالرقم ٢٨.

٢٤٣

بإضمار «أن» أنّ «أن» وأخواتها وجد النصب بعدها ولم يقم دليل على النصب بإضمار ، فنسب النصب إليها ، وما بقي إمّا حرف عطف وإمّا حرف جر ، وكلاهما لا ينصب ، فلذلك ادعينا أنّ النصب بعدها بإضمار.

وإنّما ادعينا أنّ المضمر «أن» لأنّها قد ظهرت في بعض المواضع.

ومذهب أهل الكوفة أنّ الناصب بنفسه «أن» ، و «لن» و «إذن» ، و «حتى» ، ولام الجحود ، والناصب بإضمار «أن» ـ ويجوز إظهارها بعده ـ هو «كي» ، و «لكي» وحرف العطف المعطوف به الفعل على الاسم الملفوظ به. وما بقي ينصب عندهم بالمخالفة لا بإضمار «أن» (١).

واستدلوا بأنّ «حتّى» ولام الجحود ينصبان بأنفسهما أنّهما لم يظهر قط بعدهما «أن» ، واستدلّوا على أنّ لام الجحود تنصب بنفسها أنه قد سمع تقديم معمولها عليها كقوله [من الطويل] :

٥٣٩ ـ لقد عذلتني أمّ عمرو ولم أكن

مقالتها ما دمت حيّا لأسمعا

__________________

(١) انظر المسألة التاسعة والسبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٧٥ ـ ٥٧٩ ؛ والمسألة الثمانين ص ٥٧٩ ـ ٥٨٤ ؛ والمسألة الثانية والثمانين ص ٥٩٣ ـ ٥٩٧ ؛ والمسألة الثالثة والثمانين ص ٥٩٧ ـ ٦٠٢.

٥٣٩ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٥٧٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٣٦ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٢٩.

اللغة : عذل : لام وعاتب.

المعنى : لقد عاتبتني أم عمرو مع أنني لم أكن يوما لأسمع عتابها ولومها لي.

الإعراب : «لقد» : اللام حرف ابتداء وتوكيد ، «قد» : حرف تحقيق. «عذلتني» : «عذل» : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر ، «التاء» : تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب ، والنون للوقاية ، والياء : ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. «أم» : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. «عمرو» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «ولم» : الواو عاطفة «لم» : حرف جزم. «أكن» : فعل مضارع ناقص مجزوم وعلامة جزمه السكون الظاهرة. واسمها ضمير مستتر تقديره أنا. «مقالتها» : مفعول به مقدم ، منصوب وهو منصوب بالفتحة الظاهرة ، وهو مضاف ، والضمير مبني على السكون في محل جرّ بالإضافة. «ما دمت» : «ما» : مصدرية ، «دمت» : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك. و «التاء» : ضمير رفع متحرك مبني على الضم في محل رفع اسمها. «حيا» : خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. والمصدر المؤول من ما وما بعدها في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق

٢٤٤

كأنه قال : ولم أكن لأسمع مقالتها ما دمت حيّا ، فـ «مقالتها» معمول لـ «أسمع» وقد تقدم على الكلام. فلو كان النصب بإضمار «أن» لم يجز التقديم. وهذا باطل ، أما قولهم :

إنّ لام الجحود لو كانت تنصب بإضمار «أن» لم يجز تقديم معمولها عليها كما ذكروا فصحيح ، لكنهم قد حكوا تقديم المعمول على «أن» ضرورة ، كقوله [من الكامل] :

٥٤٠ ـ [هلّا سألت وخبر قوم عندهم]

وشفاء غيّك خابرا أن تسألي

__________________

بالفعل المحذوف «أسمع». «لأسمعا» : اللام لام الجحود ، «أسمعا» : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل جر باللام.

وجملة «عذلتني أم عمرو» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «لم أكن ...» : معطوفة على السابقة لا محل لها. وجملة «دمت ...» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

وجملة «أسمع» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. والشاهد فيه قوله : «مقالتها» أراد «ولم أكن لأسمع مقالتها» وقدم منصوب لأسمع عليه ، وفيه لام الجحود ، فاستدل به الكوفيون على أن لام الجحود تنصب بنفسها.

٥٤٠ ـ التخريج : البيت لامرأة من بني سليم في الحماسة البصرية ٢ / ٢٧ ؛ ولها أو لربيعة بن مقروم في خزانة الأدب ٨ / ٤٣٣ ، ٤٣٤ ، ٤٣٥ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٤ / ٢٢٧ (خبر).

اللغة : الغيّ : الضلالة ، والعيّ : العجز. خابرا : خبيرا.

المعنى : أتراك سألت القوم عن الخبر؟! فالخبر موجود لدى القوم ، وشفاء عجزك ، أو شفاء ضلالك ، أن تسألي خبيرا بأسرار القوم.

الإعراب : هلا : حرف استفتاح وتنبيه وحضّ. سألت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. وخبر : «الواو» : استئنافية ، «خبر» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. قوم : مضاف إليه مجرور بالكسرة. عندهم : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بخبر المبتدأ المحذوف ، بتقدير (خبر قوم موجود عندهم) ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وشفاء : «الواو» : استئنافية ، «شفاء» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. غيك : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. خابرا : مفعول به منصوب بالفتحة للفعل (تسألي). أن : حرف مصدري وناصب. تسألي : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «تسألي» خبر للمبتدأ «شفاء».

وجملة «سألت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «خبر قوم موجود عندهم» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «شفاء غيّك ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «تسألي» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «خابرا أن تسألي» حيث تقدم المفعول به على عامله وهو الفعل (تسألي).

٢٤٥

فأحرى إذا كانت «أن» مضمرة.

وإن شئت جعلت «مقالتها» منصوبا بإضمار فعل ، كأنّه قال : ولم أكن لأسمع مقالتها ما دمت حيّا لأسمع.

وأما قولهم : لو كانت ناصبة بإضمار «أن» لظهرت «أن» في بعض المواضع فلا يلزم هذا ، لأنّ من المضمرات ما لا يظهر مثل الفعل المضمر في باب الاشتغال ، فلا حجة لهم في شيء من ذلك. وأيضا فإنّ لام الجحود جارة ولم يثبت لها النصب ، فالأولى أن تبقى على بابها.

وكذلك حتى لم يثبت لها إلّا العطف أو الخفض ، ولم يثبت لها النصب ، فلذلك كان النصب بعدها بإضمار «أن».

وأمّا «كي» عندهم فتنصب بإضمار «أن» على كل حال ، وإن شئت أظهرتها. واستدلّوا بظهور «أن» بعدها في قوله [من الطويل] :

٥٤١ ـ فقالت أكلّ الناس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا

__________________

٥٤١ ـ التخريج : البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٠٨ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٤٨١ ، ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، ٤٨٨ ؛ والدرر ٤ / ٦٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣ ، ٢٣١ ؛ وشرح المفصل ٩ / ١٤ ، ١٦ ؛ وله أو لحسان بن ثابت في شرح شواهد المغني ١ / ٥٠٨ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ١١ ؛ وخزانة الأدب ص ١٢٥ ؛ وجواهر الأدب ص ١٢٥ ؛ والجنى الداني ص ٢٦٢ ؛ ورصف المباني ص ٢١٧ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٣ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٦٧ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٨٣ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥.

اللغة والمعنى : المانح : المعطي ، والواهب. تغرّ : تخدع.

يقول : قالت : أتقدّم لكل الناس المدح والثناء بلسانك ، وأنت في ذلك تغرّهم وتخدعهم. أي أنّه يظهر عكس ما يخفي.

الإعراب : فقالت : الفاء : بحسب ما قبلها ، قالت : فعل ماض ، والتاء : للتأنيث ، والفاعل : هي. أكلّ : الهمزة : حرف استفهام ، كلّ : مفعول به مقدّم لـ «مانحا» ، وهو مضاف. الناس : مضاف إليه مجرور. أصبحت : فعل ماض ناقص ، والتاء : ضمير في محلّ رفع اسم «أصبح». مانحا : خبر «أصبح» منصوب. لسانك : مفعول به ثان لـ «مانحا» منصوب ، وهو مضاف ، والكاف : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. كيما : حرف جرّ للتعليل ، وما : زائدة. أن : حرف نصب ومصدري ، تغرّ : فعل مضارع منصوب ، والفاعل : أنت. وتخدعا : الواو : حرف عطف ، تخدعا : كأعراب «تغرّ» ، والفاعل : أنت. والألف : للإطلاق.

وجملة (قالت ...) الفعليّة بحسب الواو. وجملة (أكلّ الناس أصبحت مانحا ...) الفعليّة في محلّ

٢٤٦

فقالوا : لو كانت ناصبة بنفسها لم يجز إظهار «أن» بعدها.

وهذا لا حجة فيه ، لأنّ هذه الرواية لم تثبت ، والرواية الصحيحة :

 ...

لسانك هذا أن تغرّ وتخدعا

إن ثبتت تلك الرواية فتكون «أن» زائدة للتوكيد بمنزلتها في : «لمّا أن قام زيد». وكذلك زعموا أنّ «لكي» تنصب بإضمار «أن» ، وهذا باطل ، لأنّه يلزم من ذلك دخول حرف الجر على مثله ، وذلك لا يجوز إلّا ضرورة.

وزعم أهل الكوفة أنّ «أن» تضمر في غير ما ذكرنا ، وحكوا : «مره يحفرها» ، و «لا بدّ من تتبعها» ، يريد : مره أن يحفرها ، ولا بدّ من أن تتبعها.

وهذا غير جائز ، وما حكوه من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه ، وإنّما هو على إضمار «إن» من غير عوض كقوله [من الطويل] :

ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى

[وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي](١)

يريد : أن أحضر ، فأضمر «أن» وأبقى عملها.

وأمّا الجواب بالفاء ففيه خلاف ، فمذهب سيبويه رحمه‌الله أنّ النصب بإضمار «أن» ، ومذهب أهل الكوفة أنّ النصب بعدها بالخلاف ، ومذهب الجرميّ أنّ النصب بنفس الفاء (٢) ، واستدل بأنّه وجد الفعل بعدها منصوبا ولم يقم دليل على أنّ النصب بإضمار «أن» ، فجعل النصب بها.

وهذا فاسد ، لأنّ الفاء قد ثبت لها العطف في غير هذا الموضع ، فينبغي أن تحمل على ما ثبت لها من العطفية ، وإذا كانت حرف عطف ، فالنصب بعدها لا يجوز إلّا بإضمار «أن» ، لأنّ حروف العطف لا تنصب.

__________________

نصب مفعول به. وجملة (أن تغرّ) في محلّ جر بحرف الجرّ «كي». وجملة «تخدعا» معطوفة على جملة «تغر».

والشاهد فيه ظهور «أن» المصدريّة بعد «كي» ، وذلك دليل على أمرين : الأوّل أن «كي» دالّة على التعليل ، وليست حرفا مصدريّا ، والثاني أنّ «كي» التعليليّة تقدّر بعدها «أن» إذا لم تكن موجودة.

(١) تقدم بالرقم ٣٠.

(٢) انظر المسألة السادسة والسبعين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٥٧ ـ ٥٥٩.

٢٤٧

واستدل أهل الكوفة على أنّ النصب بالخلاف بأن قالوا : لو كان الثاني داخلا في معنى الأول من نهي أو نفي أو غير ذلك ، لكان معطوفا عليه بلا خلاف ، فلما كان الثاني مخالفا للأول نصب بالخلاف.

وهذا فاسد ، لأنّه لو كان الخلاف ناصبا لقلت : «ما قام زيد بل عمرا» ، فتنصب لمخالفة الثاني الأول.

وأيضا فإنّه ليس الثاني لمخالفة الأول بأولى من نصب الأول لمخالفة الثاني ، فيقال لهم : فلما انتصب الثاني ولم ينتصب الأول دلّ هذا على فساد مذهبكم ، وأنّ النصب بإضمار «أن» لما تعذّر عطف الثاني على الأول للمخالفة التي بينهما ، فعدل عن عطف الفعل على الفعل إلى عطف الاسم على المصدر المتوهم ، فنصب الفعل بإضمار «أن» ، و «أن» وما بعدها في تأويل المصدر ، وعطف هذا الاسم على المصدر المتوهم الدال عليه الفعل المتقدم.

فإذا قلت : «ما تأتينا فتحدّثنا» فكأنك قلت : لا يكون منك إتيان فحديث. وتنصب الفعل الذي بعد الفاء إذا كان مخالفا لما قبله ، وكان ما قبله امرا ، أو نهيا ، أو استفهاما ، أو تحضيضا ، أو عرضا ، أو دعاء ، أو نفيا. فإن كان ما قبله خبرا ، لم يجز النصب بعدها إلّا في ضرورة شعر ، أو نادر كلام ، نحو قول الشاعر [من الوافر] :

٥٤٢ ـ سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا

__________________

٥٤٢ ـ التخريج : البيت للمغيرة بن حبناء في خزانة الأدب ٨ / ٥٢٢ ؛ والدرر ١ / ٢٤٠ ، ٤ / ٧٩ ؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥١ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٩٧ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٣٩٠ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٥ / ١٣٠ ؛ والرد على النحاة ص ١٢٥ ؛ ورصف المباني ص ٣٧٩ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٦٥ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥٥ ؛ والكتاب ٣ / ٣٩ ، ٩٢ ؛ والمحتسب ١ / ١٩٧ ؛ ومغني اللبيب ١ / ١٧٥ ؛ والمقتضب ٢ / ٢٤ ؛ والمقرب ١ / ٢٦٣.

المعنى : يقول : سأغادر منزلي تخلّصا من مجاورة بني تميم الذين لا يرعون حقّ الجار ، وأسكن الحجاز لعلّي أجد هناك راحة لنفسي.

الإعراب : سأترك : السين : حرف تنفيس ، أترك : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. منزلي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء ، وهو مضاف ، والياء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. لبني : اللام : حرف جرّ ، بني : اسم مجرور بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكّر السالم. والجار والمجرور متعلّقان

٢٤٨

فنصب «أستريح» وما قبله واجب.

وإنّما لم ينصب ما بعد الفاء إذا كان ما قبلها واجبا ، لأنّ العطف سائغ ، لأنّ الثاني غير مخالف للأول ، فلا موجب لتكلّف الإضمار.

فعلى هذا لا يخلو أن يكون الكلام المنفيّ قبل جملة اسميّة أو جملة فعليّة. فإن كان قبل جملة فعلية جاز في الفعل الذي بعد الفاء الرفع والنصب. فالرفع له معنيان : أحدهما أن يكون ما بعد الفاء شريكا لما قبلها في المنفي إذا جعلت ما بعد الفاء معطوفا على ما قبلها ، وذلك نحو : «ما تأتينا فتحدّثنا» ، كأنك قلت : ما تأتينا فما تحدّثنا ، فنفيت الإتيان والحديث.

والآخر أن يكون ما بعد الفاء مقطوعا مما قبلها ، فتقول : «ما تأتينا فتحدثنا» ، فنفيت الإتيان ثم أوجبت الحديث ، كأنك قلت : «ما تأتينا فأنت الآن تحدّثنا» ، وعليه قول الشاعر [من الخفيف] :

٥٤٣ ـ غير أنّا لم تأتنا بيقين

فنرجّي ونكثر التأميلا

أي : فنحن نرجّي.

__________________

ب «أترك» ، وهو مضاف. تميم : مضاف إليه مجرور. وألحق : الواو : حرف عطف ، ألحق : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. بالحجاز : جار ومجرور متعلّقان بـ «ألحق». فأستريحا : الفاء : السببيّة ، أستريحا : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة ، والألف : للإطلاق ، والفاعل : أنا. والمصدر المؤوّل من «أن أستريح» معطوف على مصدر منتزع ممّا قبل الفاء ، والتقدير : لحاق فاستراحة.

وجملة (سأترك منزلي) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (ألحق بالحجاز) الفعليّة معطوفة على جملة «سأترك منزلي».

والشاهد فيه قوله : «فأستريحا» حيث نصبه بـ «أن» مضمرة بعد فاء السببيّة من دون أن تسبق بنفي أو طلب ، وهذا ضرورة.

٥٤٣ ـ التخريج : البيت لبعض الحارثيين في خزانة الأدب ٨ / ٥٣٨ ؛ والرد على النحاة ص ١٢٧ ؛ والكتاب ٣ / ٣١ ، ٣٣ ؛ وللعنبري في شرح المفصل ٧ / ٣٦ ؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٢ ؛ والمقرب ١ / ٢٦٥.

اللغة : الترجي : الأمل.

المعنى : إذا لم يأتنا بما يدفع الشك من نفوسنا ، فنحن نأمل خلاف ذلك.

الإعراب : غير : اسم منصوب على الاستثناء. أنّا : «أن» : حرف مشبه بالفعل ، «نا» : ضمير متصل في محل نصب اسمها ، والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها مضاف إليه مجرور. لم تأتنا : «لم» : حرف نفي

٢٤٩

وإذا نصبت أيضا كان له معنيان : أحدهما أن يكون نفي الإتيان ، فانتفى من أجله الحديث ، فكأنّه قال : «ما تأتينا فكيف تحدّثنا» ، أي : إنّ الذي يكون سببا للحديث إنّما هو الإتيان ، وأنت لم تأت فكيف تحدّث؟

والثاني أن يكون أوجب الإتيان ونفي الحديث كأنّه قال : ما تأتينا محدّثا بل تأتي غير محدّث.

وإن كانت الجملة المنفية التي قبل الفاء جملة اسمية ، جاز فيه بعد الفاء وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على معنى واحد من المعنيين وهو القطع ، ولا يجوز العطف لأنه لم يتقدم فعل فتعطف عليه ، والنصب على المعنيين المتقدمين ، نحو : «ما أنت أخونا فنكرمك».

فإن تقدم على الفاء جملة استفهام ، فلا يخلو من أن تكون فعلية أو اسمية. فإن كانت فعلية جاز فيها وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على العطف وعلى الاستئناف كما تقدّم ، والنصب على معنى واحد وهو أن تقدّر الفعل الأول سببا للثاني. فإذا قلت : «هل تأتينا فتحدّثنا»؟ فرفعته ، فأحد المعنيين : هل تأتينا فهل تحدّثنا؟ والمعنى الثاني الاستفهام عن الإتيان وإيجاب الحديث ، فكأنّك قلت : هل تأتينا ، ثم قلت : فأنت الآن تحدّثنا.

فإذا قلت : «فتحدّثنا» ، بالنصب فكأنّك قلت : هل يكون منك إتيان فيكون سببا للحديث؟

فإن كانت الجملة الاستفهامية اسمية ، جاز فيما بعد الفاء أيضا وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع على القطع خاصة : لأنّه لم يتقدم فعل فتعطف عليه ، والنصب على أن

__________________

وقلب وجزم ، «تأت» : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة ، «نا» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (أنت). بيقين : جار ومجرور متعلقان بالفعل (تأت). فنرجي : «الفاء» : استئنافية ، «نرجي» : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن). ونكثر : «الواو» : عاطفة ، «نكثر» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن). التأميلا : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «لم تأننا» : في محلّ رفع خبر (أن). وجملة «نرجي» : في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره (نحن) : وجملة «نحن نرجي» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «نكثر التأميلا» : معطوفة على (نرجي) محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «نرجي» حيث رفعه على القطع والاستئناف.

٢٥٠

يكون سببا للثاني ، وذلك نحو قولك : «أين بيتك فأزورك». بالرفع والنصب. فالرفع على الاستئناف كأنّه استفهم عن مكان البيت ، ثم استأنف فقال : فأنا أزورك. والنصب على السببية كأنه قال : «إن يكن منّي معرفة بيتك يكن مني زيارة لك».

وكذلك جملة التمني لا يخلو من أن يكون فيها فعل أو لا يكون ، فإن كان فيها فعل جاز فيما بعد الفاء وجهان : الرفع والنصب.

والرفع له معنيان : العطف والاستئناف كما تقدم ، والنصب له معنى واحد وهو السببية ، وذلك نحو : «ليتني أجد مالا فأنفق منه».

فالرفع على العطف ، كأنك تمنيت أن تجد المال وتنفق منه ، والقطع كأنّك تمنيت وجدان المال ثمّ أخبرت أنّك تنفق منه إذا وجدته. والنصب على السببية كأنك قلت : إن يكن مني وجدان المال يكن منّي إنفاق منه.

فإن كانت اسمية لم يذكر فيها فعل فالرفع والنصب. فالرفع على القطع ، ولا يجوز العطف كما تقدّم ، والنصب على السببية.

فإن كانت الجملة تحضيضا ، أو عرضا ، أو نهيا ، أو دعاء ، فإنّها لا تكون إلّا فعلية ، ويجوز فيما بعد الفاء الرفع والنصب ، فالرفع على القطع أو الاستئناف ، والنصب على السببية كما تقدم.

فمثاله في العرض : «ألا تنزل عندنا فنتحدّث» ، بالرفع والنصب. ومثاله في التحضيض : «هلّا نزلت عندنا فنكرمك» ، بالرفع والنصب أيضا. ومثاله في الدعاء : «غفر الله لزيد فيدخله الجنة» ، بالرفع والنصب. فأمّا النهي نحو : «لا تضرب زيدا فتندم» ، فيجوز فيه ثلاثة أوجه : الرفع على الاستئناف ، والجزم على العطف ، والنصب على السببية.

وأمّا الأمر فلا يخلو من أن يكون باللام أو بغير اللام ، فإن كان باللام جاز فيه ثلاثة أوجه كالنهي : الرفع على الاستئناف ، والجزم على العطف ، والنصب على السببية ، نحو : «لتكرم زيدا فيكرمك».

فإن كان بغير اللام ، فلا يجوز فيما بعد الفاء إلّا وجهان : الرفع والنصب. فالرفع على القطع والنصب على السببية ، ولا يجوز الجزم على العطف ، لأن «اضرب» لا موضع له من

٢٥١

الإعراب ، وقد يجوز الجزم عطفا على المعنى ضرورة ، كقوله [من الطويل] :

٥٤٤ ـ على مثل أصحابالبعوضة فاخمشي

لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى

فعطف «أو يبك» على معنى «فاخمشي» ، كأنه قال : لتخمشي أو يبك. ومثال ذلك : «أكرم زيدا فيكرمك» ، بالأوجه الثلاثة.

__________________

٥٤٤ ـ التخريج : البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ٨٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٩٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٩٩ ؛ والكتاب ٣ / ٩ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٦٠ (لوم) ؛ ومعجم ما استعجم ص ٢٦١ ، ١٠٣٣ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٢٨ ؛ وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٩١ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٦٠ ، ٦٢ ؛ ولسان العرب ٧ / ١٢١ (بعض) ؛ والمقتضب ٢ / ١٣٢ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٢٥.

اللغة : البعوضة : اسم مكان بعينه ، كانت فيه موقعة قتل فيها جماعة من قوم الشاعر.

المعنى : فلتخمشي وجهك على قتلى موقعة البعوضة ، وليبك عليهم البواكي.

الإعراب : «على مثل» : جار ومجرور متعلقان بالفعل اخمشي. «أصحاب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «البعوضة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «فاخمشي» : الفاء زائدة ، «اخمشي» : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، والياء : ضمير متصل في محل رفع فاعل. «لك» : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم. «الويل» : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. «حرّ» : مفعول به منصوب بالفتحة. «الوجه» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «أو» : حرف عاطف. «يبك» : فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة. «من» : اسم موصول في محل رفع فاعل. «بكى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.

وجملة «اخمشي» : ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «لك الويل» : اعتراضية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يبك» : معطوفة على (اخمشي) لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «بكى» : صلة الموصول الاسمي لا محلّ لها من الإعراب.

والشاهد فيه قوله : «أو يبك» : فالفعل «يبك» مجزوم حملا على معنى «فاخمشي» لأن فعل الأمر أصله فعل مضارع للمخاطب مجزوم بلام الطلب وكأنه قال : «على مثل أصحاب البعوضة فلتخمشي وجهك أو يبك من بكى».

٢٥٢

باب الجواب بالفاء

قد تقدّم الخلاف في الفعل الذي بعدها بم انتصب. هل بها نفسها وهو مذهب الجرمي ، أو بالخلاف وهو مذهب أهل الكوفة ، أو بإضمار «أن» وهو مذهبنا ، وهو الصحيح على ما استقر.

وإنما تنصب في الأجوبة الثابتة ، وعلّة ذلك أنّها لا يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها إلّا في الأجوبة. وأمّا الإيجاب نفسه فلا يتصور فيه الخلاف ، فلهذا يكون ما بعدها أبدا محمولا على ما قبلها ، نحو أن تقول : «يقوم زيد فيقعد» ، ألا ترى أنك لو نصبت لكان المعنى مع الرفع واحدا : لأنك إذا قلت : «يكون قيام فقعود» ، كان معناه معنى : يقوم فيقعد ، فلما استوى المعنيان وكان في أحدهما الحمل والعطف على التوهم لم يجز.

ألا ترى أنّهم يحملون على الأول لمشاكلتهما في اللفظ مع فساد المعنى ، فالأحرى أن يحملوا عليه مع أنّه يكون في تركه الفساد من الطريقين وهما العطف على التوهم وترك اللفظ.

فأمّا إذا لم يكن اللفظ واجبا ، فإنّك إذا حملت على الأول كان للكلام معنى ، وإذا لم تحمل وعدلت ، كان للكلام معنى آخر ، فلهذا تصور النصب حتى يكون لذلك المعنى لفظ يعبر به عنه ، فلا يكون النصب إلّا بالخلاف ، أي : حيث يكون الخلاف. فنزعم نحن أنّ النصب حيث يكون ، وهم يزعمون أنّه يكون بنفس الخلاف. فلنأخذ الأجوبة واحدا واحدا.

وأمّا النهي فلا يكون إلّا بالفعل فتقول : «لا تضرب زيدا فتهينه» ، فما بعد الفاء يتصوّر

٢٥٣

فيه ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والجزم.

فإن جزمت ، فإنه يكون شريكا للأول ، فيكون المعنى : لا تضرب زيدا ولا تهنه.

وإن نصبت كان الفعل منصوبا بإضمار «أن» ، فيكون معطوفا على مصدر الفعل الأول ، فتقول : «لا يكن منك ضرب فيكون بسببه إهانة» ، فهذا يفارق معنى العطف والجزم ، لأنّك في الجزم تنهاه عن الاثنين ابتداء ، وأنت في النصب نهيته عن أن يكون الفعل سببا للثاني ، فهذان معنيان متصوّران.

والرفع يكون على الاستئناف ، فكأنّك لما قلت : «لا تضرب زيدا» ، قلت مخبرا : فأنت تهينه ، فهذا معنى ثالث مفارق لما تقدم.

وأما الأمر فلا بد أن يكون بفعل أو باسم في معنى الفعل. فإن كان بفعل فإمّا أن يكون معربا أو مبنيا. فإن كان معربا تصوّر فيها بعد الفاء ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والجزم ، فتقول : «لتكرم زيدا فتحسن إليه». فإن جزمت كان شريك الأول ، وكان المعنى : «لتكرم زيدا ولتحسن إليه». ومعنى الرفع بيّن وهو الاستئناف ، كأنّه قال بعد فراغه : فأنت محسن إليه. والنصب على العطف على المصدر المتوهم ، وكأنّه قال : ليكن إكرام فيكون بسببه إحسان ، فأنت أمرته بالإكرام الذي يكون بسببه الإحسان ، بخلاف جزم الفعلين فإنّه يكون أمرا بكلّ واحد منهما ابتداء من غير تقييد.

فإن كان الفعل مبنيّا مثل : «قم فنكرم زيدا» ، فإنّ العطف لا يتصوّر ، لأنّه ليس معك ما تعطف عليه ، ألا ترى أنّ الأول مبنيّ ولا يتصوّر إلّا على مذهب أهل الكوفة حيث يزعمون أنه معرب (١).

فإن قلت : أجزمه بإضمار اللام ، فالجواب : إنّه لا يضمر الجازم إلّا في ضرورة ، مثل قوله [من الوافر] :

٥٤٥ ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من شيء تبالا

__________________

(١) انظر المسألة الثانية والسبعين من الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٢٤ ـ ٥٤٩.

٥٤٥ ـ التخريج : البيت لأبي طالب أو للأعشي في خزانة الأدب ٩ / ١١ ؛ وللأعشى أو لحسّان أو لمجهول في الدرر ٥ / ٦١ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣١٩ ، ٣٢١ ؛ والإنصاف ٢ / ٥٣٠ ؛ والجنى الداني ص ١١٣ ؛ ورصف المباني ص ٢٥٦ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٩١ ؛ وشرح الأشموني ٣ / ٥٧٥ ؛

٢٥٤

فإن قيل : يكون حرف العطف قد ناب مناب تكريره ، فالجواب : إنّه لا ينوب حرف العطف إلّا أن يقدّم العامل ، نحو : «قام زيد وعمرو» ، وأنت لم تقدم في «قم» عاملا ، فلم يبق إلا النصب أو الرفع على المعنيين المتقدمين.

فإن كان الأمر باسم فلا يخلو من أن يكون مشتقا من فعل أو لا يكون. فإن لم يكن ، فإنّ النصب لا يتصوّر أصلا ، لأنّه ليس ثمّ ما يدل على المصدر المتوهم ، وذلك : «عليك زيدا فيحسن إليك» ، فإنّما يكون في هذا الرفع خاصة. فإن كان مشتقا فمنهم من شبّهه بهذا ومنع النصب ، لأنّه ليس فعل يدل على المصدر.

ومنهم من أجاز النصب ، وهو الصحيح ، لأنّ لفظه لفظ الفعل ، وذلك : «نزال فأكرمك» ، والجزم لا يتصور على حال.

وأما الاستفهام فلا يخلو من أن يدخل على اسم أو على فعل ، فإن دخل على فعل مثل : «أتقوم فنكرمك» ، جاز الرفع على المعنيين : الاستئناف والعطف ، والنصب على ما ثبت.

فإن دخل على اسم ، فإما أن يكون ذلك الاسم ظرفا أو مجرورا. فإن لم يكن لم يجز

__________________

وشرح شواهد المغني ١ / ٥٩٧ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٣٥ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٩ / ٢٤ ؛ والكتاب ٣ / ٨ ؛ واللامات ص ٩٦ ؛ ومغني اللبيب ١ / ٢٢٤ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٤١٨ ؛ والمقتضب ٢ / ١٣٢ ؛ والمقرب ١ / ٢٧٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٥.

اللغة والمعنى : التبال : سوء العاقبة ، وتبله الدهر : أي رماه بمصائبه.

يخاطب الشاعر النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بقوله : يا محمّد إنّ كلّ النفوس مستعدّة لتفدي نفسك الغالية إذا ما خفت أمرا من الأمور.

الإعراب : محمّد : منادى مبنيّ على الضم ، في محل نصب على النداء. تفد : فعل مضارع مجزوم بلام محذوفة تقديره : «لتفد» وعلامة جزمه حذف حرف العلّة. نفسك : مفعول به منصوب ، وهو مضاف ، والكاف : في محلّ جرّ بالإضافة. كلّ : فاعل مرفوع. وهو مضاف. نفس : مضاف إليه مجرور. إذا : ظرف يتضمّن معنى الشرط. ما : الزائدة. خفت : فعل ماض ، والتاء : فاعل. من شيء : جار ومجرور متعلّقان بـ «خفت». تبالا : مفعول به منصوب. وجواب «إذا» محذوف تقديره : «إذا ما خفت من أمر تبالا لتفد نفسك ...».

وجملة (محمد تفد) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. وجملة (تفد نفسك) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافية. وجملة (خفت من شيء) الفعليّة في محلّ جرّ بالإضافة.

والشاهد فيه قوله : «تفد» يريد : لتفد ، فأضمر لام الأمر ، وهذا من أقبح الضرورات.

٢٥٥

النصب ، نحو : «أين زيد وهل أخوك زيد فنكرمه»؟ لأنه ليس ثم ما يدل على المصدر ، فلم يبق إلّا أن يكون مرفوعا.

فإن كان ثم مجرور أو ظرف ، نحو : «أين بيتك أفي الدار زيد»؟ تصوّر النصب ، لأنّ هذا المجرور قد ناب مناب الفعل ، ولم يعمل العامل فيه ، ألا ترى أنّه يتصور اللفظ به ، فتقول : أفي الدار استقرّ زيد.

فلما كان ثمّ ما يدل عليه ، ولم يكن منسوخا حمل عليه ، بخلاف : «عليك زيدا» ، إذ لا يلفظ بهذا الفعل هنا أصلا ، فلما صار لا يلفظ به لم يجز معاملته فيحمل عليه ، فيجوز هنا الرفع والنصب.

وأمّا العرض فلا يكون إلّا بالفعل فيتصوّر فيما بعد الفاء الرفع والنصب ، فتقول : «ألا تنزل عندنا فنتحدّث». فالرفع على معنيين : الاستئناف والعطف ، فيكون معنى العطف : ألا تتحدّث؟ ومعنى الاستئناف : فنحن نتحدّث. وأما النصب فمعناه : ألا يكون نزول فيكون بسببه حديث.

وأما التحضيض فلا يكون إلّا بالفعل وهو العرض نفسه ، وليس بينهما فرق بأكثر من أنّ العرض ليس فيه طلب ، إنّما هو أن تعرض الفعل ، وكأنك قلت : آثر فعل هذا إن رأيت فعله ، وحين حضضت فالمعنى : افعله ، لأنّك تطلبه ، فالمسألة واحدة (١).

وأمّا التمني فيتصوّر فيه الرفع والنصب على ما تقدم ، فتقول : «ليت زيدا يقوم فأكرمه» ، فترفع إمّا على العطف أو الاستئناف ، أو تنصبه على ما تقدم ، إلّا أن يكون الكلام دون فعل ، فلا يتصوّر النصب ، نحو : «ليت زيدا أخوك».

فإن كان خبر «ليت» ظرفا أو مجرورا جاز النصب كما كان ذلك في الاستفهام نحو : «ليت لي مالا» ، و «ليت زيدا عندك». لأنّ الظرف والمجرور يدلّان على العامل فيهما ، ومع ذلك فهو غير مرفوض.

وأما الدعاء ، فلا بدّ أن يكون بجملة اسمية أو فعلية ، فإن كان بجملة فعلية ، فلا يخلو من أن يكون الفعل معربا أو مبنيا. فإن كان معربا فحكمه حكم المعرب من الأمر والنهي ،

__________________

(١) يقول النحاة : العرض طلب بلين ، والتحضيض طلب بحثّ.

٢٥٦

فيجوز ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والجزم. فتقول : «ليغفر الله لزيد فيدخل الجنة ، ولا يغفر الله له فيدخل النار». فإن كان مبنيا مثل : «غفر الله لزيد» ، تصوّر فيما بعد الفاء النصب وكأنّه قال : ليكن غفران فيكون بسببه كذا ، ويتصور الرفع على العطف خاصة إذا كانت الجملة تفهم الدعاء ، فتقول : «غفر الله لزيد فيدخله الجنة» ، لأنّ هذا لا يتصوّر فيه إلّا الدعاء ، ولا يتصوّر الخبر لأنّا نعلم ذلك ، فإذن ثبت أنّها كانت محمولة على ما قبلها وشريكتها في المعنى.

وإن كانت الجملة لا تعطي الدعاء لم يتصور الرفع إلّا على الاستئناف ، ولا يتصور العطف لأنّه لا يكون الفعل الذي ظاهره الخبر دعاء أصلا ، ألا ترى أنّك لا تقول في : «قام زيد» ، أنّه دعاء. وإنّما قلنا ذلك في «غفر الله لزيد» ، لما دل عليه الدليل إذا امتنع فيه الخبر ، لأنّه يكون كذبا إن جعل خبرا.

وأما النفي ، فلا يخلو من أن يكون معه فعل أو لا يكون ، فإن لم يكن معه فعل ، لم يجز النصب ، نحو : «ما زيد أخوك فيأتينا» ، إلّا أن يكون ثم ظرف أو مجرور فإنّ النصب يتصوّر ، مثاله : «ما لي مال فأنفق منه».

فإنّما يكون ـ إذا لم يكن ظرفا ولا مجرورا ـ مرفوعا على الاستئناف أو على العطف ، عطف جملة فعلية على اسمية ، أو اسمية على فعلية.

فإن لم يكن ثمّ فعل تصور الرفع والنصب. فالرفع إما على الاستئناف ، وإما على العطف. فإن استأنفت كان المعنى : ما تأتينا فأنت تحدّثنا. وإن عطفت كان شريكا للأول في النفي ، فيكون المعنى : ما تأتينا وما تحدّثنا. وإن نصبت فإنّما تنصب على إضمار «أن» ، فتعطف مصدرا على مثله ، فالمعنى إذا نصبت : ما يكون إتيان فحديث ، وعلى هذا المعنى تنصب. وهذا الكلام يقال على معنيين : إمّا : ما يكون إتيان فيكون بسببه حديث ، أي : ما تأتي فكيف تحدّث ، أي : أنّ الحديث كان يكون لو أتيت ، وأنت لا تأتي فكيف تحدّث ، فهو ينفي الحديث والإتيان.

فإن قيل : هذا أحد معنيي الرفع ، قلت : لا بل نفيتهما في الرفع ابتداء ، ونفيت هنا الحديث الذي يكون سببه الإتيان.

٢٥٧

والمعنى الثاني : ما يكون إتيان فحديث ، أي : ما يكون معه حديث إنما يأتي ولا يحدّث ، فقوله : ما يكون إتيان فحديث ، اقتضى هذين المعنيين ، فكان النصب يعطيهما.

وأنت إذا قلت : «لم يقم زيد فعمرو» ، احتمل معنيين : أحدهما لم يقم هذا ولا هذا ، والآخر : لم يقوما إنّما قام أحدهما ، فالنفي اقتضى هذين المعنيين في النصب بخلاف ما تقدّم ، لأنّه لم يقتض النصب إلّا معنى واحدا. والرفع إما بالعطف أو بالاستئناف. هذا إن كان الأول مرفوعا فإن كان منصوبا حملت عليه منصوبا مثله ، وكذلك إن كان مجزوما جزمت ما يحمل عليه ، نحو : «لم تأتنا فتحدّثنا ولن تأتينا فتحدّثنا».

فهذا جملة ما في الفاء.

واعلم أنّه لو كان لفظ ما قبلها نفيا والمعنى على الإيجاب ، فإنّ النصب لا يجوز ، فمن ذلك : «ما زال زيد قائما فتكرمه» ، لأنّ المعنى ثبت على القيام ، فإنّما يكون ما بعدها مرفوعا على جهة الاستئناف.

ومما خالفنا فيه بعض الكوفيين «لعلّ» إذا كانت استفهاما فأجازوا النصب بعدها ، وذلك : «لعلك تحجّ فأحجّ معك» ، أي : هل تحجّ فأحجّ معك؟ فكما يكون النصب في الاستفهام ، فكذلك يكون هنا.

ومما خالفونا فيه «كأنّ» إذا خرجت عن التشبيه ، وأريد بها خلاف معنى التشبيه ، وذلك : «كأنّي بزيد يأتي فنكرمه» ، فهذا معناه : ما هو إلّا يأتي فنكرمه ، وهذا لا يحفظه أهل البصرة ، فإن ثبت قلنا به.

ومما خالفونا فيه أيضا «إنّما» ، وذلك : إنّما هي ضربة من الأسد فتحطّمه ، والنصب عندنا لا يجوز ، لأنّ الكلام موجب.

واعلم أنّ الفاء إذا دخلت على الفعل ، وكان فيه ضمير يعود على ما قبلها ، فلا يخلو أن يرجع الضمير إلى ما نفي الفعل في حقه ، أو إلى ما أوجب في حقه. فإن رجع إلى ما نفي عنه الفعل نصبته ، وإلّا رفعت ، مثاله : «ما جاءني أحد إلّا زيد فأكرمه» ، وإن جعلت الهاء لأحد نصبته ، كأنه قال : «ما جاءني أحد فأكرمه».

٢٥٨

وإن جعلتها لـ «زيد» لم تنصب ، لأن المعنى : جاء زيد فأكرمه ، وذلك لا يجوز.

واعلم أنّ ما قبل الفاء إذا كان له معمول ، وأخّرته إلى ما بعد الفاء نحو : «ما ضربت فأهينه زيدا» ، ففيه خلاف.

فمنهم من أجاز ذلك ، ومنهم من منع. فالمجيز يقول : إنك لم تفصل إلا بمعطوف على الفعل بخلاف : «إن تضرب فهو مكرم زيدا» ، هذا لا يجوز باتفاق ، لأنّك فصلت بما ليس بمعمول للفعل الأول ولا معطوف عليه ، لأنّ الجواب ليس محمولا على الشرط ، ولو كان معطوفا عليه لشركه في المعنى.

والمانع يقول : إنّ الفعل الذي قبل الفاء في تأويل المصدر ، ولهذا صحّ النصب ، والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء. والصحيح أن لا تجيز هذا بإزالة شيء عن موضعه (١) ، لأنّ لمنع النصب لحظة ولإجازته لحظة ، فلو كان القياس لا يقبل مع النصب لأخّرناه ، لكن لا نقول به إلّا أن سمع ، وهذا حسن جدا.

واعلم أنّ الدعاء إذا كان على صيغة الأمر والنهي ، فقد قلنا ان حكمه كحكم الأمر ، ولكن ذلك ليس على الإطلاق ، بل نزيد فيه قيدا ، وهو أن نقول : إلّا أن يكون الأول دعاء عليه ، والثاني دعاء له ، أو بالعكس ، فإنّ النصب هناك لا يجوز ، وذلك : «ليغفر الله لزيد ويقطع يده» ، لا يجوز ، لأنّ اللام الأولى على معنى الدعاء له ، والثانية تجزم على معنى الدعاء عليه ، فلم يجز النصب ولا الجزم ، فإنّما يكون مقتطعا ، ونعلم أنّه دعاء بقرينة ، وهو أنّه لا يمكن أن يكون خبرا (٢).

وخالف أهل الكوفة في «غير» ، فأجازوا النصب بعدها ، لأنّ معناها النفي ، وذلك : «أنا غير آت فأكرمك». وهذا لا يجوز ، لأنّ «غيرا» مع المضاف إليه اسم واحد ، فلا يسوغ أن تقدّر بعدها وما أضيفت إليه مصدرا ، لأنّها لا يصح لها معنى إذ ذاك بخلاف لام الأمر وما ، لأنّك تقدر بعدها المصدر ، فتقول : «ليكن كذلك وما يكون كذا» ، و «غير» لا يتصوّر

__________________

(١) لعل في العبارة سقطا.

(٢) لعل في العبارة سقطا.

٢٥٩

فيها ذلك ، لأنّها مع ما بعدها اسم ، فلا يفصل بينهما بشيء آخر ، لأنّ ذلك إبطالا لوضعها.

ومما ينتصب بعد الفاء الفعل إذا كان بعد أفعال الظن ، وذلك : «حسبته شتمني فأثب عليه» ، لأنّ الفعل هناك لم يثبت فالنصب جائز.

٢٦٠