شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

حرك بالفتح حملا على التثنية. وذلك فاسد ، لأنّ فيه حمل المفرد ، وهو أصل على التثنية وهي فرع.

وأمّا الحرف والاسم فيجريان على القانون الذي ذكرنا.

ثم نرجع إلى تتبّع الألفاظ المبنية التي ذكرها أبو القاسم في هذا الباب. قوله : فالمبنيّ منها على الضم «حيث» ، و «قبل» ، و «بعد» ، و «قطّ» ، و «أول» ، والمنادى المفرد في الأسماء الأعلام ، نحو : «يا زيد».

هذا الفصل فيه ثلاث سؤالات : لم بنيت؟ ولم بنيت على حركة؟ ولم خصّت بحركة من غيرها؟

فالجواب عن السؤال الأول أن تقول : أما «حيث» إذا كانت شرطا ، فهي مبنية لتضمّنها معنى حرف الشرط ، وإن كانت ظرفا ، فإنها تبنى لشبهها بالحرف في افتقارها ، إذ لا تستعمل إلّا مضافة ، أو في إبهامها كما أنّ الحرف مبهم. وأمّا «قبل» و «بعد» و «أول» فبنيت لشبهها بالحرف في افتقارها لما بعدها ، لأنّها قطعت عن الإضافة ، والمضاف مراد ، فالاسم من طريق المعنى مفتقر للمضاف المحذوف.

وأمّا «قطّ» ، فإنّها تكون بمعنى «كافيك» ، نحو : «قطك درهمان» ، كأنك قلت : كافيك درهمان ، وتكون ظرفا ، نحو قولك : «ما رأيته قطّ» ، أي : فيما انقطع من عمري. فإذا كانت بمعنى «كافيك» ، فبنيت لتضمّنها معنى الحرف وهو لام الأمر ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قطك درهمان» ، فإنّه في معنى : ليكفك درهمان ، وإذا كانت ظرفا فتبنى لشبهها بالحرف في إبهامها ، لأنّها تقع على كل ما تقدم من الزمان ، كما أنّ «من» إذا أردت التبعيض أتيت بها في كل متبعض.

وأمّا المنادى المفرد فيبنى لوقوعه موقع ضمير الخطاب وهو مبنيّ ، فبني لوقوعه موقعه ، أو لاختلاطه بالصوت ، فصار مع الاسم كأنه حرف يراد به تحريك المنادى.

والجواب عن الثاني أن تقول : أمّا «حيث» ، فبنيت في الأصل على السكون ، ثم حركت لالتقاء الساكنين. وأمّا «قبل» و «بعد» و «أوّل» والمنادى المفرد ، فبنيت على حركة لأن لها أصلا في التمكن والبناء حادث عليها.

٤٨١

وكذلك قطّ ، لأنّها منقولة من القط ، وهو القطع إلى الظرف ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ما رأيته قطّ» ، فمعناه فيما انقطع من عمري.

والجواب عن الثالث أن تقول : أمّا «حيث» ، ففيها ثلاث لغات : الضمّ ، والفتح ، والكسر. أمّا الضمّ فتشبيها بـ «قبل» و «بعد» ، لأنّها مضافة إلى الجملة ، والإضافة في الحقيقة إنّما هي إلى المفرد ، فكأنّها مقطوعة عن الإضافة. وأما الفتح ، فطلبا للتخفيف أو إتباعا. وأمّا الكسر ، فعلى أصل التقاء الساكنين.

وأمّا «قبل» و «بعد» و «أول» فحركت بحركة لم تكن لها في حال الإعراب ، وهي الضمة ، ألا ترى أنّك تقول : «قبلك» ، و «بعدك» ، و «من قبلك» ، و «من بعدك» ، ولا يجوز الرفع.

وأمّا «قطّ» إذا كانت ظرفا فحركت بالضم تشبيها بـ «قبل» و «بعد» ، ووجه الشبه أنّها تدلّ على ما تقدّم من الزمان كقبل.

والمنادى المفرد بني على الضمّ لشبهه بـ «قبل» و «بعد» في أنّه لا يبنى إلّا في حال الإفراد ، ويعرب في حال الإضافة كـ «قبل» و «بعد».

وقوله : والمبنيّ على الكسر من الأسماء «أمس» و «هؤلاء» ، و «حذام» ، و «نزال» ، وبابه ، وقوله للأمة في النداء : «يا لكاع» ، وبابه ...

في هذا الفصل أيضا ثلاث سؤالات : لم بنيت؟ ولم بنيت على حركة؟ ولم خصّت بتلك الحركة من غيرها؟

فالجواب أن تقول : أمّا «أمس» فبنيت لتضمنها معنى الحرف ، وهو الألف واللام ، لأنّه معرفة بغير ألف ولام ولا إضافة.

والدليل على أنه معرفة وقوعه على اليوم الذي يليه يومك.

وأمّا «هؤلاء» فمبنيّ لشبهه بالحرف في الافتقار إلى المشار أو في الإبهام لأنّ لهؤلاء إشارة إلى كل مشار إليه من الجموع.

وأمّا «حذام» وبابه ، فقد تقدّم الخلاف فيه في باب «فعال» ، وكذلك «نزال».

وأمّا «جير» فمبنيّ لشبهه بالحرف في قلة تصرفه ، لأنّه لم يستعمل إلّا في القسم خاصة.

٤٨٢

وأمّا «غدار» فمبنيّ لوقوعه موقع المبنيّ مثل المنادى المفرد. والجواب عن الثاني أن تقول : أما «أمس» فمبنيّ على الأصل ، وهو السكون ، ثم حرك بالكسر على أصل حركة التقاء الساكنين ، وكذلك «هؤلاء» ، و «حذام» ، و «قطام» ، وبابه ، و «جير» ، و «نزال».

فإن قيل : ولأيّ شيء لم تحرك «جير» بالفتح طلبا للتخفيف؟

فالجواب : أنّ ما جاء على أصله لا ينبغي أن يسأل عنه. وأيضا فإنّه لم يكثر استعماله كـ «كيف» و «أين» ، فلذلك لم تكن الداعية إلى تخفيفه كالداعية إلى تخفيفهما.

وأمّا «يا غدار» فمبنيّ على حركة تشبيها له بالمنادى الذي استعمل في غير النداء ، وكانت الحركة فيه كسرة لأنّه أبدا ـ أعني «فعال» ـ لا يقع إلّا على مؤنّث ، والكسر من علامات التأنيث.

قوله : والمبنيّ منها على الفتح ، «أين» ، و «كيف» ، و «حيث» (١).

ففيها ثلاث سؤالات : لم بنيت؟ ولم بنيت على حركة؟ ولم خصّت بالحركة من غيرها؟

فالجواب عن الأول أن تقول : إنّ «أين» و «كيف» و «أيّان» ، إذا كانت شرطا فإنّها مبنيات لتضمنها معنى حرف الشرط. وإذا كانت استفهاما ، فإنّها مبنيات لتضمنها معنى حرف الاستفهام.

وأمّا «حيث» فقد تقدم الكلام في الموجب لبنائها ، ولم بنيت على حركة ، ولم خصت بالحركة من غيرها فيما تقدم.

والجواب عن الثاني أن تقول : إنّما بني «أين» و «كيف» و «أيّان» على السكون ، ثم حركت لالتقاء الساكنين وكانت الحركة فتحة إما طلبا للتخفيف ، وإما اتباعا للحركة الأولى منها.

وأمّا «ثمّ» ففيها سؤالان : لم بنيت على حركة؟ ولم كانت الحركة فتحة؟

__________________

(١) كذا ، و «حيث» مبنيّة على الضمّ. والذي في الجمل : أين ، وكيف ، وأيان ، وثمّ. وسيأتي في الجواب «أين» و «كيف» و «أيان».

٤٨٣

فالجواب عن الأول أنها بنيت على أصل البناء وهو السكون ، وإنّما حرّكت لالتقاء الساكنين.

والجواب عن الثاني كون الحركة فتحة طلبا للتخفيف.

قوله : والمبنيّ منها على الوقف «من» ، و «كم» ، و «قط» ، و «إذ» ...

هذا الفصل فيه سؤال واحد وهو : لم بنيت هذه الأسماء؟

والجواب عن ذلك أن تقول : أما «من» ، فإذا كانت شرطا فلتضمّنها معنى الشرط ، وإذا كانت موصولة فلشبهها بالحرف في افتقارها لما بعدها. وكذلك إذا كانت موصوفة ، لأنّ الصفة لازمة لها ، فأشبهت الصلة.

وأمّا «كم» فإنّها إذا كانت استفهامية ، فلتضمنّها معنى حرف الاستفهام ، وإذا كانت خبرية فلشبهها بـ «ربّ» في أنّها للمباهاة والافتخار ، كما أنّ «كم» كذلك ، ولمناقضتها لها في مذهب من يرى ذلك.

وأمّا «قطّ» ، فقد تقدّم الكلام عليها. وأما «إذ» فبنيت لشبهها بالحرف في الافتقار ، ألا ترى أنّها مفتقرة لما تضاف إليه ، وأيضا فإنّها متوغلّة في الإبهام لأنّها تدلّ على كل ما تقدّم من الزمان.

وما بقي من الباب فقد تقدّم التنبيه عليه.

٤٨٤

باب المخاطبة

غرضه في هذا الباب أن يذكر أسماء الإشارة بالنظر إلى الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، والتذكير ، والتأنيث. وقد بيّن ذلك في باب النعت ، فلا يحتاج إليه ، وأن يذكر أيضا اختلاف حرف الخطاب اللاحق أسماء الإشارة بالنظر إلى الإفراد ، والتثنية ، والجمع ، والتذكير ، والتأنيث ، وهو الكاف. وحكمه في ذلك حكم الكاف التي هي ضمير ، وقد تقدّم تبيين الضمائر كلها ، فلا يحتاج أيضا إلى إعادة شيء منها.

وسمّى هذا الباب باب المخاطبة ، ليذكر أحكام حرف الخطاب فيه ، وأسماء الإشارة وهي لا تستعمل إلّا للحضور.

وحكم هذا الباب أن يجعل اسم الإشارة على حسب المسؤول عنه من إفراد ، أو تثنية ، أو جمع ، أو تذكير ، أو تأنيث ، وحرف الخطاب على حسب المسؤول. فتكون المسائل في هذا الباب ستة وثلاثين مسألة.

وذلك أنّ المسؤول عنه إمّا مثنّى ، أو مفرد ، أو مجموع ، وكلّ واحد من هذه الثلاثة إمّا مذكّر وإما مؤنث. فالمسؤول عنه ستة أنواع.

والمسؤول على ذلك الحد ينقسم ستة أقسام. وستة مضروبة في ستة مبلغها ستة وثلاثون.

بيان ذلك أنّك لا تخلو أن تسأل مفردا عن مفرد ، أو مثنّى عن مثنّى ، أو جمعا عن جمع ، أو مفردا عن مثنّى أو مجموع ، أو مثنّى عن مفرد أو مجموع ، أو جمعا عن مفرد أو مجموع ، أو جمعا عن مفرد أو مثنّى.

فإذا سألت المفرد عن المفرد ، تصور في ذلك أربعة مسائل : أن تسأل مذكّرا عن مذكر ، أو مؤنثة عن مؤنثة ، أو مذكّرا عن مؤنثة ، أو مؤنثة عن مذكر.

٤٨٥

ومثال ذلك في سؤال الاثنين عن الاثنين والجماعة عن الجماعة فيكون اثنتي عشرة مسألة. وفي سؤال المفرد عن الاثنين والجماعة ثمانية مسائل.

أو تسأل مذكرا عن مذكّرين أو مذكرين أو مؤنّثتين أو مؤنّثات.

فإن كان المسؤول المفرد مؤنثا كان لك فيه أربعة أوجه.

فهذه ثمانية مسائل في سؤال المفرد عن الاثنين والجماعة ، وثمانية في سؤال الاثنين عن المفرد والجماعة ، ومثلها في سؤال الجماعة عن المفرد والاثنين ، فيكون مبلغها أربعة وعشرين ، والاثنتي عشرة مسألة المتقدمة. فمبلغ جميع المسائل ستة وثلاثون.

وإنما تبلغ هذه المسائل هذا المبلغ على أن تستعمل اسم الإشارة أو حرف الخطاب على اللغة الفصيحة فيهما.

فإن جعلت اسم الإشارة على لغة من يجعلها في كل حال كما يكون الواحد المذكر ، وجعلت حرف الخطاب على لغة من يجعلها على كل حال كما يجعلها للواحد المذكر ، وعلى هذه اللغة ما روي من قوله [من المتقارب] :

٦٧٩ ـ فلا وأبيك ابنة العامريّ

[لا يدّعي القوم أنّي أفر]

بفتح الكاف ، وعلى لغة من يفتح الكاف للمذكر ويكسرها للمؤنث ويفرد في جميع

__________________

٦٧٩ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٥٤ ؛ وخزانة الأدب ١ / ٣٧٤ ، ١١ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٣٥ ؛ والشعر والشعراء ١ / ١٢٨ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٤٦ ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٩٦ ؛ وبلا نسبة في المحتسب ٢ / ٢٧٣.

المعنى : أنا لست جبانا يا ابنة العامري ، لا ، وأقسم بأبيك بطلان ما يقوله بنو تميم كذبا من أنني أهرب من القتال.

الإعراب : فلا وأبيك : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لا» : زائدة ، و «الواو» : حرف جرّ وقسم. أبيك : مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، والجار والمجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. ابنة : منادى مضاف منصوب بالفتحة ، وفعل النداء وحرفه محذوفان. العامري : مضاف إليه مجرور بالكسرة. لا يدعي : «لا» : نافية ، «يدعي» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء. القوم : فاعل مرفوع بالضمّة. أني : حرف مشبّه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسمها. أفر : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، وسكّن لضرورة القافية ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، والمصدر المؤول من (أنّ) ومعموليها مفعول به للفعل (يدّعي).

وجملة القسم : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة النداء : اعتراضية لا محلّ لها. وجملة «لا يدعي» : جواب القسم لا محلّ لها. وجملة «أفر» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «وأبيك» حيث روي بفتح «الكاف» ، والخطاب للمؤنث ، فقد جعل حرف الخطاب على لغة من يجعلها على كل حال كما يجعلها للواحد المذكر.

٤٨٦

المسائل لم يبلغ هذا العدد بل كانت كلها على لفظ واحد أو على لفظين في لغة من يفتح الكاف للمذكّر ويكسرها للمؤنث.

فإن سألت مفردا عن مفرد في المذكّر قلت : «كيف ذاك الرجل يا رجل؟ أو ذلك أو ذانك».

فإن سألت مفردا عن مفرد في المؤنّث قلت : «كيف تلك المرأة يا امرأة؟ أو تيك أو تالك».

فإن سألت مفردة مؤنثة عن مفرد مذكّر قلت : «كيف ذاك الرجل يا امرأة؟ أو ذلك أو ذانك».

فإن سألت مفردا مذكّرا عن مفردة مؤنّثة قلت : «كيف تلك؟ أو تالك أو تيك المرأة يا رجل».

فإن سألت مفردا مذكّرا عن مذكّرين قلت : «كيف ذانك أو ذانّك الرجلان يا رجل»؟

فإن سألت مفردا مذكّرا عن مؤنثتين قلت : «كيف تانك أو تانّك المرأتان يا رجل»؟

فإن سألت مفردا مذكّرا عن مؤنثات قلت : «كيف أولاك وأولائك النسوة يا رجل»؟

فإن سألت مفردة مؤنثة عن مذكّرين قلت : «كيف ذانك أو ذانّك أو ذانيك الرجلان يا امرأة»؟

فإن سألتها عن مذكرين قلت : «كيف أولاك وأولئك وأولالك الرجال يا امرأة»؟

فإن سألتها عن مؤنثتين قلت : «كيف تانك أو تانيك المرأتان يا امرأة»؟

فإن سألتها عن مؤنثات قلت : «كيف أولاك وأولئك وأولالك النسوة يا امرأة»؟

فإن سألت مذكّرين عن مفرد قلت : «كيف ذالكما الرجل يا رجلان»؟

فإن سألت مذكّرين عن مذكّرين قلت : «كيف ذانكما أو ذانّكما أو ذانيكما الرجلان يا رجلان»؟

فإن سألت مذكّرين عن مذكرين قلت : «كيف أولئكما وأولالكما الرجال يا رجلان»؟

فإن سألت مذكّرين عن مؤنثة (١) قلت : «كيف ذانكما أو ذانّكما أو ذانيكما»؟

__________________

(١) قوله : «عن مؤنثة» لا يصحّ على المثال الآتي.

٤٨٧

وإن سألت مذكّرين عن مؤنثة قلت : «كيف تانكما أو تيكما أو تالكما المرأة يا رجلان»؟

فإن سألت مذكّرين عن مؤنثتين قلت : «كيف تانكما أو تانّكما أو تالكما المرأتان يا رجلان»؟

فإن سألت مذكرين عن مؤنثات قلت : «كيف أولاكما أو أولئكما أو أولالكما النسوة يا رجلان»؟

فإن سألت مؤنّثتين عن مؤنثة قلت : «كيف تلكما أو تيكما أو تالكما المرأة يا امرأتان»؟

فإن سألت مؤنثتين عن مؤنثتين قلت : «كيف تانكما أو تالكما أو تانيكما المرأتان يا امرأتان»؟

فإن سألت مؤنثتين عن مؤنثات قلت : «كيف أولاكما وأولئكما وأولالكما النسوة يا امرأتان»؟

فإن سألت مؤنثتين عن مذكر قلت : «كيف ذاكما أو ذالكما أو ذانكما الرجل يا امرأتان»؟

فإن سألت مؤنثتين عن مذكرين : «كيف ذانكما أو ذانّكما أو ذانيكما الرجلان يا امرأتان»؟

فإن سألت مؤنثتين عن مذكرين قلت : «كيف أولاكما وأولئكما الرجال يا امرأتان»؟

فإن سألت جماعة مذكرين عن مفرد مذكر قلت : «كيف ذاكم أو ذالكم أو ذانكم الرجل يا رجال»؟

فإن سألتهم عن مذكرين قلت : «كيف ذانكم أو ذانكم الرجلان يا رجال»؟

فإن سألتهم عن مثلهم قلت : «كيف أولئكم وأولاكم وأولالكم الرجال يا رجال»؟

فإن سألتهم عن مفردة مؤنثة قلت : «كيف تيكم أو تالكم أو تلكم المرأة يا رجال»؟

فإن سألتهم عن مؤنثتين قلت : «كيف تانكم أو تالكم أو تلكم المرأتان يا رجال»؟

٤٨٨

فإن سألتهم عن مؤنثات قلت : «كيف أولاكم وأولالكم وأولئكم النسوة يا رجال»؟

فإن سألت مؤنثات عن مفرد مذكر قلت : «كيف ذاكنّ أو ذالكنّ أو ذانكنّ الرجل يا نسوة»؟

فإن سألتهنّ عن مذكرين قلت : «كيف ذانكنّ أو ذالكنّ أو ذانيكنّ الرجلان يا نسوة»؟

فإن سألتهنّ عن مذكرين قلت : «كيف أولئكنّ وأولالكنّ وأولاكنّ الرجال يا نسوة»؟

فإن سألتهنّ عن مفردة مؤنثة قلت : «كيف تيكنّ أو تالكنّ أو تلكنّ المرأة يا نسوة»؟

فإن سألتهنّ عن مؤنثتين قلت : «كيف تانكنّ أو تالكنّ أو تانيكنّ المرأتان يا نسوة»؟

فإن سألتهنّ عن مثلهن قلت : «كيف أولائكن وأولاكنّ وأولالكنّ النسوة يا نساء»؟

٤٨٩

باب الهجاء

قصده في هذا الباب أن يبيّن حكم الألف التي من نفس الكلمة المتطرفة في الخط. لا يخلو أن تكون ثانية ، أو ثالثة ، أو أزيد. فإن كانت ثانية ، كتبتها بالألف على كل حال مثل «ما» و «لا». وإن كانت ثالثة ، فلا يخلو أن تكون منقلبة عن واو ، أو عن ياء ، أو مجهولة الأصل.

فإن كانت منقلبة عن واو كتبت ألفا على لفظها ، مثل : «عصا» ، وإن كانت منقلبة عن ياء ، كتبت ياء ، مثل : «رحى» ، وإن كانت مجهولة الأصل ، فلا يخلو أن تمال ، أو لا تمال. فإن أميلت كتبت ياء ، مثل : «بلى» ، و «متى».

وسبب أن كتبت ياء أنّ الإمالة بابها أن تكون من الألفات فيما هو منقلب عن الياء. فإن لم تمل فلا يخلو أن يكون لها حالة ترجع فيها إلى الياء أو لا تكون. فإن كانت لها حالة ترجع فيها إلى الياء كتبت ياء ، نحو : «إلى» و «على» و «لدى» ، لأنّك إذا أضفتها إلى المضمر ، قلبتها ياء ، نحو : «عليه» ، و «لديه» ، و «إليه» ، فلذلك كتبت ياء.

وإن لم تكن لها حالة ترجع فيها إلى الياء ، كتبت ألفا على كل حال ، مثل «ألا» ، و «أما».

فإن كانت قبل الألف ياء فإنّك تكتبها أبدا ألفا ، مثل : «الحيا» ، هروبا من اجتماع المثلين في الخط ، كما يهربون من اجتماعهما في اللفظ.

فإن كانت في أزيد من ثلاثة أحرف ، كتبت أبدا ياء على كل حال ، نحو : «ملهى»

٤٩٠

و «مصطفى» ، إلّا أن يكون ما قبلها ياء ، فإنّك تكتبها ألفا ، مثل : «يحيا» ، و «استحيا» ، و «أعيا» ، إلّا يحيى فإنّهم يكتبونه بالياء شذوذا.

وزعم بعض النحويين أن كل ما آخره ألف قبلها ياء يكتب ألفا إلّا اسم العلم ، فرقا بين اللفظ المكتوب به مسمى به وغير مسمى به.

وقد يجوز أن تكتب كل ما تقدم بالألف وذلك قليل جدا.

وزعم الفارسي أنّه لا يكتب كل ما تقدم ذكره إلّا بالألف أبدا. واحتج بأن قال : قد وجدت الهمزة منقلبة عن ياء وعن واو في مثل «قائم» ، و «بائع» ، و «كساء» ، و «رداء» ، ولا تكتب أبدا إلّا صورتها ، ولا يفرق بين ما الهمزة فيه منقلبة عن ياء أو واو.

وهذا الذي احتج به لا حجة فيه ، لأن الألف إذا كانت منقلبة عن ياء ، فقد ترجع إلى الياء في حال من الأحوال ، نحو : «رحى» ، يقولون : «رحيان» ، وكذلك «رمى» يقولون : «رميت» ، فلما كانت الألف قد تصير ياء في بعض المواضع ، جعلوا الخط في سائر المواضع على ذلك ، والهمزة لا تعود إلى أصلها في موضع من المواضع.

ومذهب الكوفة مثل مذهب أهل البصرة إلّا فيما هو على وزن «فعل» أو «فعل» مثل «هدى» و «رضى» ، فإنّهم يكتبونه أبدا بالياء.

وزعم الكسائي أنّه سمع من العرب في «حمى» و «رضى» الوجهان ، فيقولون : «حميان» و «رضيان» ، و «حموان» ، و «رضوان». فمن ثناهما بالياء كتبهما بالياء ، ومن ثناهما بالواو كتبهما بالألف.

فإن كانت بعد هذه الألف تاء ، مثل : «قطاة» و «زكاة» ، فإنّك تكتبها ألفا على كل حال ، وكذلك ان اتصل بها ضمير نحو : «رماه».

وتعتبر ما الألف فيه منقلبة عن ياء أو واو في الأسماء بالتثنية وبأن تبني من الاسم فعلا على «فعل» ، وتردّه إلى نفسك ، فيكون بالياء ، وبأن تكون العين منه ياء أو واوا ، فتعلم أبدا أنّ الألف منقلبة عن ياء.

ومن الفعل فيما كان منه على وزن «فعل» بمضارعه ، وتردّ الفعل إلى نفسك. وبمجيء المصدر على «فعل» أو «فعلة» ، وما كان على غير وزن «فعلة» ، فتعتبره بمجيء المصدر على «فعلة» أو «فعلة».

٤٩١

والاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة ، لا يخلو أن يكون معربا أو مبنيا. فإن كان معربا ، فلا يخلو أن يكون منصرفا ، أو غير منصرف. فإن كان منصرفا ، فلا يخلو أن يكون فيه الألف واللام ، أو إضافة ، أو ليس كذلك.

فإن كان ليس بمضاف ولا فيه الألف واللام ، فلا يخلو أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا. فإن كان مرفوعا ، أو مخفوضا ، كتبته بغير ياء مثل قاض وغاز وداع ، ويجوز أن تكتبه بياء قليلا جدا.

وسبب ذلك أن الخط محمول على الوقف ، والوقف في مثل هذا يكون بغير ياء في الفصيح وبالياء قليلا ، فلذلك كان الخط بغير ياء أحسن منه بالياء.

فإن كان منصوبا ، فتكتبه بالياء ، وتبدل من التنوين ألفا حملا على الوقف.

فإن كان مضافا ، فلا تجوز كتابته إلّا بالياء على كل حال.

فإن كان فيه الألف واللام ، فلا يخلو أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا.

فإن كان مرفوعا ، أو مخفوضا ، كتبته بالياء على لغة من يقف بالياء ، وبغير الياء على لغة من يقف بغير ياء ، فتقول : «هذا القاضي» ، ويعامل الألف واللام معاملة التنوين. ويجوز أن تكتبه بغير ياء. فإن كان منصوبا كتبته بالياء.

فإن كان غير منصرف ، فلا يخلو أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا. فإن كان مرفوعا ، أو مخفوضا ، كتبته بغير ياء ، مثل : «جوار» و «غواش» ، وإن كان منصوبا كتبته بالياء. فإن كان مبنيّا ، فلا يخلو أن يكون مبنيّا في باب النداء ، أو في غير باب النداء.

فإن كان مبنيّا في باب النداء ، ففي الوقف عليه خلاف ، فمنهم من يقف عليه بالياء ، ومنهم من يقف عليه بغير ياء ، فمن مذهبه أن يقف عليه بالياء ، يكتبه بالياء ومن مذهبه أن يقف عليه بغير ياء ، يكتبه بغير ياء.

وإن كان مبنيّا في غير النداء ، فإنّك تكتبه بالياء أبدا على كلّ حال.

٤٩٢

باب آخر من الهجاء

الهجاء ينقسم قسمين : قسم للسمع ، وقسم لرأي العين. فالذي هو للسمع هو خطّ العروضيين. وذلك أنهم يكتبون ما يسمعون خاصة لأنّ الذي يعتدّ به في صنعة العروض إنّما هو ما لفظ به.

والهجاء ينقسم سبعة أقسام : ممدود ، ومقصور ، ومهموز ، ومنقوص ، وما زيد فيه ، أو نقص منه ، وما كتب على لفظه.

فالمقصور هو ما في آخره ألف ، وقد تقدم ذكره. والمنقوص قد تقدم ذكره ، وهو ما في آخره ياء قبلها كسرة. وأما المهموز فقد أفردنا له بابا. والممدود بعض المهموز ، وسيذكر.

وأمّا الذي نقص منه فمحصور ، وكذلك ما زيد فيه. وما عدا هذا فهو المكتوب على لفظه.

والذي زيد فيه في الخط ينقسم قسمين : قسم زيد فيه فرقا بين مشتبهين ، وقسم زيد فيه لغير فرق.

فما زيد فيه فرقا بين مشتبهين كتابتهم «مائة» بالألف فرقا بينه وبين «منه». وكانت الزيادة من حروف العلة ، لأنّها تكثر زيادتها. وكان حرف العلة ألفا لأنّ الألف تشبه الهمزة ، وأيضا فإنّ الفتحة من جنس الألف.

وجعل الفرق في «مائة» ولم يجعل في «منه» لأمرين : إمّا لأنّ «مائة» اسم و «منه» حرف ، والاسم أحمل للزيادة من الحرف. وإمّا لأن «المائة» محذوفة اللام. دليل ذلك قولهم : «أمأيت الدراهم» ، فجعل الفرق في «مائة» بدلا من المحذوف مع كثرة الاستعمال. ولذلك لم يفصلوا بين «فئة» و «فيه» لعدم كثرة الاستعمال.

٤٩٣

فإن جمعت فبإجماع أنّك لا تزيد الألف ، نحو : «مئين» و «مئات». وإن ثنيّت ففيه خلاف. فمنهم من يزيد الألف ، ومنهم من لا يزيد الألف. والذي لا يزيد الألف يقول : قد زال الموجب ، والذي يزيد يقول : التثنية مبنية على لفظ الواحد أبدا ، أعني أنّها يسلم فيها بناء الواحد ، فجرت في الخط على حكم الواحد.

ومما زادوا فرقا بين مشتبهين زيادة الواو في «أولئك» ، فرقا بينه وبين «إليك». وكانت الزيادة من حروف العلة ، لأنّ حروف العلة ، كما تقدم ، تكثر زيادتها ، وكانت الزيادة الواو ، لأنّ الواو من جنس الضمة ، وجعل الفرق في «أولئك» ، ولم يجعل في «إليك» ، لأن «أولئك» اسم و «إليك» حرف ، والاسم أحمل للزيادة من الحرف.

ومما زادوا فرقا بين مشتبهين زيادتهم الواو في «عمرو» فرقا بينه وبين «عمر» ، وكانت الزيادة من حروف العلة ، لأنّ حروف العلة ثلاثة : الواو ، والألف ، والياء ، لم تكن الألف لئلا يلتبس المرفوع بالمنصوب ، ولم تكن الياء لئلا يلتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم ، مثل : «يا عمري» ، فلم يبق ما يزاد إلّا الواو. وجعلت الزيادة في «عمرو» ، ولم تجعل في «عمر» لأنّ «عمرا» أخفّ من «عمر» ، وذلك أنّ «عمرا» منصرف و «عمر» غير منصرف.

ومما زادوا فرقا بين مشتبهين في مذهب بعض أهل الخط زيادتهم الواو في «يا أوخيّ» ، فرقا بينه وبين «يا أخي». وكانت الزيادة من حروف العلة للعلة التي تقدمت ، وكانت الواو لأنّها من جنس الضمة. وجعلت في «أوخيّ» ، ولم تجعل في «أخي» لأنّ «أوخيّ» قد غيّر بالتصغير ، والتغيير يأنس بالتغيير ، فلذلك كان في «أوخيّ». وأيضا فإنّ التصغير فرع ، والفرع أحمل للزيادة.

ومذهب أكثر أهل الخط أنّها لا تزداد ، وسبب ذلك أنّ التصغير فرع عن التكبير ، وليس هو بناء أصل. وأيضا فإنّ «أوخيّ» لم يكثر استعماله.

ومما زادوا فيه فرقا زيادتهم الألف في واو الضمير. واختلفوا في ذلك ، فمنهم من ذهب إلى أنّ هذه الألف زيدت فارقة بين واو الضمير وواو العطف ، وذلك في ما كان من واوات الضمير منفصلا ، وذلك نحو : «كفروا» و «وردوا» ، ألا ترى أن «كفروا» لو ورد بعده فعل ، لالتبس بالعطف ، إذ يمكن أن يكون «كفروا» فعل ، ثم حملت الضمائر غير المفصولة على المفصولة.

وهذا غير مرضي ، لأنّك إذا زدت الألف التبس بـ «كفر» و «أفعل».

ومنهم من ذهب إلى أنها زيدت فارقة بين واو الضمير والواو التي من نفس الكلمة.

٤٩٤

وهؤلاء يذهبون إلى أنّه لا يجوز زيادة الألف في مثل «لم يغزوا» ، لأنه لا يلتبس واوه بالواو التي من نفس الكلمة ، إذ لو كانت من نفس الكلمة لأذهبها الجازم.

ومنهم من ذهب إلى أنّها فارقة بين الضمير المنفصل والضمير المتصل في مثل «ضربوهم» ، إذ لو كانت الهاء والميم تأكيدا للضمير وضربوهم إذا كانت مفعولة (١). وهذا اللبس لا يعرض إلّا مع واو الضمير ، فألحقت الألف لواو الضمير إذا كان بعدها ضمير منفصل ، أعني ضمير الرفع ، وأسقطت مع ضمير النصب ، ثم زيدت بعد كل واو جمع ، وإن لم يلحقها ضمير متّصل.

وأما الذي زيد لغير الفرق ، فكلّ إدغام يكون من كلمتين ، فإنّك تكتب الحرف المدغم على الأصل قبل الإدغام ، فكتب : «من يومين» بالنون ، على الأصل ، ولذلك جعلوا للام التعريف المدغمة فيما بعدها صورة ، نحو : «الرجل» ، لأنّها من كلمة وما أدغمت فيه من كلمة أخرى ، إلّا الموصولات فإنّ لام التعريف منها لا تثبت لها صورة نحو : الذي والتي ، لأنّها لما لزمت الموصول صارا كأنهما كلمة واحدة ، إلّا اللذين فإنّك تكتبه بلامين.

ومنهم من ذهب إلى أنّ لام التعريف إنما كتبت مفصولة لئلا يلتبس الخبر بالاستفهام عن النكرة ، ألا ترى أنك لو كتبت : أرجل فعل كذا ، لالتبس بقولك : أرجل فعل كذا؟ وكذلك حكم لام التعريف إذا دخل عليها لام الجر ولام الابتداء ، إلّا أن يفضي ذلك إلى اجتماع ثلاث لامات في نحو : للّيل وللّسان ، فإنك لا تثبتهما في الخط ، إلّا أنك أثبت ألف الوصل مع لام الابتداء فرقا بين لام الابتداء ولام الجر.

وأمّا «أن» إذا وقعت بعدها «لا» ، ففيها ثلاثة مذاهب : منهم من يكتب «أن» مفصولة النون من «لا» على ما ينبغي أن تكتب عليه كل مدغم من كلمتين. ومنهم من يكتب نون «أن» مفصولة من لام الابتداء إذا كانت «أن» مخففة من الثقيلة ، لفصل الاسم المضمر بين النون وبين «لا» ، فإذا كانت الناصبة للفعل كتبتها متصلة على اللفظ.

ومنهم من يكتب النون مفصولة ان أدغم بغنة ، وغير مفصولة إن أدغم بغير غنّة ، لأنه إذا أدغم بغنة ، فكأنه قد أبقى بعض النون ، وإذا أدغم بغير غنّة لم يبق للنون أثر ، والصحيح أن تكتب مفصولة على كل حال.

وأما «ممّا» فلا يخلو أن تكون «ما» الداخلة عليه «من» حرفا أو اسما ، فإن كانت حرفا ، فإنك لا تفصل نون «من» و «ما» لأنّهما قد صارا كالكلمة الواحدة ، فإن دخلت على «ما» التي هي اسم ، فلا يخلو أن تكون «ما» استفهامية أو خبرية. فإن كانت استفهامية كتبت

__________________

(١) كذا ، وواضح أن في العبارة سقطا ، فالعبارة مضطربة.

٤٩٥

متصلة ، نحو : «ممّ»؟ وتحذف ألف «ما» لدخول حرف الجر عليها ، لأنّها لما حذفت منها الألف ، صار حرف الجر كأنّه عوض منها ، فنزلت معه منزلة اللفظ الواحد.

وإن كانت غير استفهامية ، كتبتها مفصولة على قياس ما هو من كلمتين.

وأما «ممّن» فلا يخلو أن تكون «من» منه استفهامية أو غير استفهامية.

فإن كانت استفهامية ، كتبتها متصلة إجراء لـ «من» مجرى «ما» ، لأنّها أختها. وإن كانت غير استفهامية ، كتبتها مفصولة على قياس ما هو من المدغمات على حرفين من كلمتين.

ومما نقص منه كل جمع على وزن «مفاعل» أو «مفاعيل» إذا كان بعد عدد ، نحو : «ثلاثة دراهم» ، فمنهم من يحذف الألف منه ، إلّا أن يؤدّي إلى الجمع بين مثلين ، نحو : «دنانير» فإنّك تكتبه بالألف لئلا يؤدّي إلى اجتماع المثلين ، وهو النونان.

وقد ثبتت الألف في جميع ذلك قليلا.

ومما نقص منه الألف كل اسم أعجمي قد كثر استعماله ، نحو : «ابراهيم» ، و «اسماعيل». فإن لم يكثر استعماله ، نحو : «طالوت» و «جالوت» كتبته بالألف.

ومما نقص منه الألف كلّ اسم علم قد كثر استعماله ثانيه ألف ، نحو : «قاسم» ، و «حارث» ، و «مالك» ، و «خالد».

ومنهم من يشترط : إلّا أن يؤدي حذفه إلى لبس ، مثل : «عامر» ، فإنّك لو حذفت الألف لالتبس بـ «عمر» ، وقد يكتب كلّه بالألف قليلا.

ومما نقص منه الألف كل جمع بالألف والتاء ، وهذا الجمع لا يخلو أن يكون فيه ألف سوى الف الجمع أو لا يكون. فإن كانت فيه ألف سوى ألف الجمع ، فيجوز في ألف الجمع الحذف والإثبات ، والحذف أحسن ، نحو : «سموات».

فإن لم يكن فيه ألف سوى ألف الجمع جاز فيه وجهان : حذفها وإثباتها ، وإثباتها أحسن ، نحو : «مسلمات».

ومما حذف منه همزة الوصل : «بسم الله الرحمن الرحيم» ، إذا كان مبتدأ. فإن تقدمه شيء لم يحذف منه شيء.

ومنهم من قال : لم يحذف من «اسم» ولا في موضع وما جاء على صورة الحذف فإنّما

٤٩٦

هو على لغة من يقول : «بسم الله» ، ثم خفف ، كما يقولون في «إبل» : «إبل» ، وعليه قوله [من الرجز] :

٦٨٠ ـ باسم الذي في كلّ سورة سمه

[قد وردت على طريق تعلمه]

ومما حذف منه همزة الوصل : «ابن» ، بشرط أن يكون مفردا مذكّرا صفة واقعا بين اسمين علمين ، أو ما يقارب العلمين ، وهو الكنية واللقب.

ومما نقص منه كل ما في أوله همزة الوصل إذا تقدّمها همزة الاستفهام ، نحو : «استخرج» ، فتدخل عليه همزة الاستفهام ، فتقول : «أستخرج»؟ إلّا أن تكون همزة الوصل مفتوحة ، نحو : «أألرجل» (٢)؟ ، فإنك تثبتها في الخط ، وسبب ذلك لو قلت : «الرجل» ، وحذفتها ، لالتبس الخبر بالاستفهام ، فلذلك ثبتت في الخط ، فتقول : «أالرجل»؟ فإن تقدّم همزة الوصل المفتوحة لام الجر حذفت ، نحو : «للرجل».

ومما نقص منه ما يجتمع فيه ألفان ، نحو : «كساء» ، أو «رداء» ، و «يا إبراهيم» ، و «يأيّها». ومما نقص منه ما يجتمع فيه ثلاث ألفات ، مثل : «سماوات» ، تحذف منه ألف واحدة ، فتبقى ألفان ، ومنهم من يحذف ألفين ، وتبقى واحدة. والذي يحذف واحدة يفرّ من توالي الحذف.

__________________

٦٨٠ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٨ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٥٨ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٧٦ ؛ وشرح المفصل ١ / ٢٤ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٠١ ، ٤٠٢ (سما) ؛ والمقتضب ١ / ٢٢٩ ؛ والمنصف ١ / ٦٠ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٦٦.

المعنى : يقسم بالله الذي ذكر اسمه في كلّ سور القرآن الكريم ، وهذه السور تدلّنا على طريق واضح نعلمه حقّا.

الإعراب : «باسم» : جار ومجرور متعلّقان بفعل القسم المحذوف. «الذي» : اسم موصول في محلّ جرّ بالإضافة. «في كلّ» : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدّم محذوف. «سورة» : مضاف إليه مجرور بالكسرة. «سمه» : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «قد» : حرف تحقيق. «وردت» : فعل ماض مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي (يعود على سورة) ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة. «على طريق» : جار ومجرور متعلّقان بـ «وردت». «تعلمه» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.

وجملة القسم المحذوفة : «أقسم» : ابتدائيّة لا محل لها. وجملة «في كل سورة سمه» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة «وردت ...» : في محل جرّ صفة لـ «سورة». وجملة «تعلمه» : في محل جرّ صفة لـ «طريق».

الشاهد فيه قوله : «بسم الذي» حيث ما جاء على صورة الحذف إنما هو تخفيف لا حذف.

(١) وتقلب الألف فيه مدّة : آلرجل.

٤٩٧

ومما نقص منه ما اجتمع فيه واوان ، مثل : «طاووس» و «ناووس» (١) و «رؤوس» إلّا أن يكثر الحذف ، نحو : «اشتوى» ، فإنّك إذا ألحقت به واو الضمير ، فتقول : «اشتووا» ، فتبقى الواو ساكنة مع الألف فتحذف الألف ، فلو حذفت الواو لكثر الحذف.

ومما حذف منه ما اجتمع فيه ثلاث ياءات مثل : «النبيّين» ، فتحذف واحدة منها فيبقى اثنتان (٢).

ومما نقص منه أسماء الأعداد ، نحو : «ثلاثة» ، و «ثمانية» ، و «ثلاثة عشر» ، و «ثمانية عشر» إلّا ما حذف منه ، فإنّه لا يحذف لئلا يكثر الحذف ، نحو : «ثمان عشرة» أو «ثمان» لأنّه قد حذفت الياء ، فلو حذفت الألف لكثر الحذف.

ومما حذف منه الألف كلّ جمع سلامة بالواو والنون ثانيه ألف ، من الصفات بشرط أن تدخل الألف واللام عليه ، نحو : «الضاربين» ، و «الغانمين» ، و «الكافرين» ، إلّا أن يكون جمع السلامة مدغما أو منقوصا. فإن كان مدغما ، مثل : «العادّين» ، فإنك لا تحذف منه الألف ، لئلا يتوالى عليه الإجحاف بالحذف والإدغام.

وكذلك إن كان منقوصا ، مثل : «القاضين» ، فإنّك لا تحذف منه الألف لئلا يكثر الحذف.

ومن الحذف حذفهم الألف من أسماء الإشارة ، مثل «أولئك» ، لكثرة الاستعمال.

وما بقي فهو مكتوب على لفظه بالنظر إلى الابتداء والوقوف ، نحو : «يأتيك» ، يكتب بالألف نظرا إلى الابتداء ، أو «قائمة» تكتبها بالهاء نظيرا إلى الوقف. وينقسم قسمين : قسم كان ينبغي أن يكتب موصولا ، فكتب مفصولا ، وقسم كتب على ما يجب أن يكتب عليه.

فالذي كتب موصولا ، وكان ينبغي أن يكتب مفصولا كتابتهم «إنّ» وأخواتها إذا دخلت عليها «ما» الحرفية موصولة ، فرقا بينها وبين «ما» الاستفهامية ، وكان الذي كتب موصولا «ما» الحرفية ، لأنّ الحرف أشد اتصالا بما قبله من الاسم. والذي كتب موصولا ، وكان ينبغي أن يكتب مفصولا كل كلمتين إذا كان الواحد منهما على حرف ، نحو : «بك» ، تكتب الباء على حرف متصلة بما بعدها ، إلّا أن تكون من الحروف التي لا تتصل ، فإنّها تكتب مفصولة نحو : «وزيد».

وكذلك «منك» تكتب من متصلة بالضمير ، لأنّه على حرف واحد ، كذلك «منها» و «منه» لأن هذه زوائد على الضمير.

__________________

(١) كذا ، كتبت الكلمتان بواوين ، والوجه أن تكتبا بواو واحدة ، والكتابة بواوين جائزة اليوم.

(٢) وهذا الحذف غير سائغ اليوم.

٤٩٨

وكان ينبغي أن يبيّن حكم الخط والنقط لقوله في الباب : واعلم أنّ هذه الحروف الثماني والعشرين لها تسع عشرة صورة ، على عدد الصور التي ثبتت في «أبي جاد» لأنّها إمام الكتّاب ... الفصل.

السبب في أن جعلت بعض الحروف على صورة واحدة ، وباقيها على صور مختلفة تقاربها من المخرج أو في الصفات على حسب ما نذكر في باب الإدغام ، وما ليس له مقارب فيما ذكر كتب على صورة منفردة ليست لغيره من الحروف ، على أنّه كان الأولى أن يجعل لكل حرف صورة حتى لا يقع التباس بين الحروف أصلا ، ولذلك دخل لسان العرب من التصحيف ما لا يدخل غيره من الألسنة.

فلما كانت بعض هذه الحروف على صورة واحدة ، احتاجوا إلى النقط للتفرقة بين الحروف.

فما كان من هذه الصور لحرفين ، فاختلف أهل النقط فيهما. فمنهم من ينقط أحدهما ويترك الآخر. ومنهم من ينقط نقطة فوق الصورة لأحد الحرفين ، ونقطة تحت الصورة للحرف الآخر.

فحجة الأول أن نقطها لأحد الحرفين وترك نقطها للآخر مزيل للبس ، وهو أخصر. وحجة الذي نقطها للحرفين أنّه قد يمكن أن يتوهم لو تركت لأحدهما غير منقوطة ، لتوهّم أنّه نسي نقطها.

فالذي ينقطها لأحد الحرفين يجعل النقطة بواحدة فوق الصورة ، ويغفلها للآخر ، وعلى ذلك أمر كل صورة بحرفين إلّا الصورة التي للشين والسين. فإنما أغفلت السين ونقطت للشين ثلاثة ، لأنها لو نقطت بواحدة ، لأمكن أن يتوهم أنّها ثلاثة أحرف ، نحو : «بين» أو «نتن» أو غير ذلك ، فلذلك نقطوها بثلاث فقط لأنه لا يمكن أن يتوهّم أنّ كلمة فاؤها وعينها ولامها من جنس واحد.

فإن كانت الصورة لثلاثة أحرف ، أحرف نقطت لأحدهما بواحدة من فوق وللآخر واحدة من أسفل ، وأهملت الثالث ، نحو : الجيم ، والحاء ، والخاء.

فإن كانت لخمسة أحرف ، وهو أقصى ما جعلت له الصور ، نقطت لأحدها بنقطة من فوق ، وللثاني من أسفل ، وللثالث بنقطتين من فوق ، وللرابع بنقطتين من أسفل ، وللخامس بثلاث من فوق ، وذلك نحو : النون ، والياء ، والباء ، والتاء ، والثاء.

وما كان من الصور لحرف واحد لا يحتاج إلى نقط.

وأما الحركات فلما كانت بعض الحروف عملت على صورها فالضمة واو صغيرة على

٤٩٩

هذه الصورة (ا) ، والفتحة ألف صغيرة ممتدة على طول الحرف ، ولو لم تكن كذلك لالتبست بالألف ، وصورتها (ا) ، والكسرة ياء صغير وجعلت من أسفل الحرف ، لأنها قد يخل بها سرعة الخط ، فتلتبس بالفتحة وصورتها (ا).

وأما السكون فصورته صاد صغيرة على هذه الصورة (اٌ) ، وهي الصاد من صفر لأنّ الصفر : الخالي. ولذلك جعلت علامة على كون الحرف صفرا من الحركة ، وذلك يطرد في كل ساكن إلّا في حروف المدّ واللين ، فإنّها لم تحتج إلى علامة لأنّها لا يتوهم أنها متحركة. ومنهم من يجعل عليها علامة.

وأما المدّ فصورته مد وهو مد خط ، ومعناه الأمر بالمد.

وأما الشدّ فصورته كصورة الشين ، إلّا أنها أصغر منها على هذه الصورة (اّ) وهي الشين من شديد ، علامة على أن الحرف شديد.

وأما الصلة ، فلما كانت علامة على اتصال حركة الحرف بالساكن الذي دخلت عليه همزة الوصل ، وكان الذي اتصل بالساكن إنّما هو امتداد صوت الحركة ، جعل علامة كعلامة المد ، وكانت مع الحركة المضمومة في وسط ألف الوصل ، ومع الكسرة في أسفله ، ومع المفتوحة في أعلاه.

٥٠٠