شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

فزعم الأصمعي أنّ الرواية الصحيحة فيه : «فيا راكبا» ، من غير تنوين. فعلى هذا لا حجّة فيه ، لأنّه يجوز أن يكون من نداء النكرة المقبل عليها ، ثم أجري مجرى المندوب ، لأنّ العرب قد تلحق ذلك في المنادى ، أعني أنّها تلحق آخره ما تلحق آخر المندوب ، وعلى تقدير صحة رواية من روى بالتنوين لا حجة فيه ، لأنّه قد يجوز أن يحمل على ما حملت عليه هذه الأبيات التي قبله.

وكذلك ما جاء من قولهم : «يا عجبا» ، لا حجة فيه على نداء النكرة ، لأنّه يجوز أن تكون «يا» فيه تنبيها لا حرف نداء ، كـ «ها» من «هذا» ، ويكون «عجبا» مصدرا منصوبا بإضمار فعل ، ويجوز أن تكون «يا» فيه حرف نداء والمنادى محذوف ، وهو منصوب على إضمار فعل ، كأنّه قال : يا قوم اعجبوا عجبا.

قال : فإذا أمكن حمل هذه الأبيات على ما ذكرنا ، فلا حجة فيها.

وهذا كلّه من نداء النكرة غير المقبل عليها ، إذ لا يستحيل النداء من غير إقبال على شخص بعينه كما يقول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدي» ، ولا يقصد من الناس أحدا بل من أجابه فهو مراده.

وإذا لم يستحل نداء النكرة ، فإنّ حمل هذه الأبيات عليها أولى من حملها على الضرورة ، والدليل على جواز نداء النكرة غير المقبل عليها قول العرب : «يا رجلا عاقلا» ، ووصفهم له بالنكرة ، ولو كان مقبلا عليها ، لكان معرفة فيجب أن يوصف بمعرفة ، كما قالوا : «يا فاسق الخبيث» ، فوصفوه بالمعرفة.

فإن قلت : إنّما يريد الشاعر بقوله :

أدارا بحزوى هجت للعين عبرة

 ... (١)

__________________

نافية للجنس. تلاقيا : اسم مبنيّ على الفتح في محلّ نصب اسم «لا». والألف : للإطلاق. وخبر «لا» محذوف تقديره : «أن لا تلاقي حاصل لنا».

وجملة (فيا راكبا) الفعليّة على تقدير : «أدعو راكبا» لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة. وجملة (عرضت) في محل جزم فعل الشرط. وجملة (فبلّغن) الفعليّة في محلّ جزم جواب الشرط. والمصدر المؤول من (أن وما بعدها) في محلّ نصب مفعول به ثان. وجملة (لا تلاقيا) الاسميّة في محل رفع خبر «إنّ».

والشاهد فيه قوله : «أيا راكبا» حيث زعم الأصمعي أن الرواية الصحيحة فيه : «فيا راكبا» من غير تنوين فيكون من نداء النكرة المقصودة ، ثم أجري مجرى المندوب. وإذا كان منونا فعلا فقد يكون للضرورة.

(١) تقدم بالرقم ٤٩٩.

١٨١

دارا بعينها ، بدليل قوله : «هجت للعين عبرة» ، فالجواب : إنّ الأبلغ من طريق المعنى أن لا يريد دارا معيّنة من ديار حزوى بل مأوى من ديار حزوى هاج عبرته ، أيّ دار كانت ، وكذلك قول الآخر.

لعلّك يا تيسا نزا في مريرة

 ... (١)

وإن كان قد كنّى بالتيس عن معلوم عنده ، فهو مجهول عند المخاطب أيضا ، فهما نكرتان لأنّ الاسم إنّما يكون معرفة إذا كان معلوما عند المخاطب كما هو عند المتكلم. وأما إذا كان معلوما عند المتكلم مجهولا عند المخاطب ، فهو نكرة. وأيضا فإنّ الشاعر وإن كان قد كنى بالتيس عن معلوم عنده ، وكنّى الآخر بالنخلة عن معلومة عنده ، فإنّ المكنّى به مجهول عندهما ، ألا ترى أنّ النخلة التي كنّى بها لا تخصّ نخلة دون نخلة ، وكذلك التيس لا يخصّ تيسا دون تيس ، فأمّا قول الصلتان [من الطويل] :

٥٠٢ ـ فيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن في كليب تواضع

فنصب «شاعرا» ، وهو إنما يريد «جريرا» خاصة ، فكان ينبغي أن يكون مبنيّا على الضم ، فخرجه سيبويه ، رحمه‌الله ، على أن يكون المنادى محذوفا ، و «شاعرا» منصوب على الإغراء ، كأنه قال : يا قوم عليكم شاعرا.

__________________

(١) تقدم بالرقم ٤٩٨.

٥٠٢ ـ التخريج : البيت للصلتان العبدي في خزانة الأدب ٢ / ١٧٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٦٥ ، ٥٦٨ ؛ والشعر والشعراء ١ / ٥٠٨ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧٨ ؛ والكتاب ٢ / ٢٣٧ ؛ ولسان العرب ١ / ٧١٣ (كرب) ؛ والمؤتلف والمختلف ص ١٤٥ ؛ ومعاهد التنصيص ١ / ١١٩ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٤ / ٢١٥.

اللغة : كليب : اسم قبيلة عربية.

المعنى : يريد أن جريرا شاعر ونابغة في قبيلة وضيعة.

الإعراب : فيا : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «يا» : حرف نداء. شاعرا : منادى منصوب بالفتحة. لا : حرف نفي يعمل عمل (إن). شاعر : اسم (لا) منصوب بالفتحة. اليوم : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بـ «لا» لما فيها من معنى النفي ، أو بـ «مثله» لما فيها من معنى التشبيه. مثله : خبر (لا) مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. جرير : خبر لمبتدأ محذوف. ولكن : «الواو» : استئنافية ، «لكن» : حرف استدراك. في كليب : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدّم محذوف. تواضع : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمة ، بتقدير (تواضع موجود في كليب)

١٨٢

واختلف النحويون في السبب الذي لأجله بني العلم في النداء والنكرة المقبل عليها ، فمنهم من زعم أنهما بنيا لوقوعهما موقع الضمير ولشبههما به في الإفراد والتعريف.

أما شبههما به في التعريف فبيّن جدا. وأمّا وقوعهما موقع الضمير فإنّهما مقبل عليهما مخاطبان ، والخطاب إنّما ينبغي أن يكون بضمائره المختصة به ، ألا ترى أنك تقول للمخاطب : «قمت» ، ولا تقول له : «قام زيد» ، إذا كان اسمه زيدا.

والدليل على أنّ الوضع في الأصل إنما هو للضمير مجيئه على ذلك في ضرورة الشعر. قال الشاعر [من الرجز] :

٥٠٣ ـ يا أقرع بن حابس يا أنتا

أنت الذي طلّقت عام جعتا

قد أحسن الله وقد أسأتا

__________________

وجملة «فيا شاعرا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «لا شاعر مثله» : في محلّ نصب صفة لـ (شاعرا). وجملة «تواضع موجود في كليب» : استئنافية لا محل لها. وجملة «هو جرير» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «فيا شاعرا» حيث نصب «شاعرا» مع أنه يريد شاعرا معروفا ، وليس نكرة غير مقصودة.

٥٠٣ ـ التخريج : الرجز للأحوص في ملحق ديوانه ص ٢١٦ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٦٤ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٣٢ ؛ ولسالم بن دارة في خزانة الأدب ٢ / ١٣٩ ـ ١٤٣ ، ١٤٦ ؛ والدرر ٣ / ٢٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٦٣ ؛ وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٣٢٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٥٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٣ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٠١ ؛ وشرح المفصل ١ / ١٢٧ ، ١٣٠ ؛ والمقرب ١ / ٧٦ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

شرح المفردات : الأبجر : في الأصل ، العظيم البطن.

الإعراب : «يا» : حرف نداء. «أقرع» : منادى مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب. «بن» : نعت «أقرع» منصوب ، تبعه في المحلّ ، وهو مضاف. «حابس» : مضاف إليه مجرور. «يا» : حرف نداء. «أنتا» : منادى مبنيّ على الضم في محلّ نصب ، والألف للإطلاق. «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «الذي» : اسم موصول في محلّ رفع خبر المبتدأ. «طلّقت» : فعل ماض ، والتاء ضمير في محلّ رفع فاعل. «عام» : ظرف زمان منصوب ، متعلق بـ «طلّقت». «جعتا» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنت» ، والألف للإطلاق.

وجملة النداء : «يا أقرع» ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة النداء الثانية : «يا أنت» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «أنت الذي ...» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «طلقت» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «جعتا» في محلّ جرّ بالإضافة.

الشاهد قوله : «يا أنتا» حيث نادى الضمير ممّا يدلّ أنّ المنادى العلم والمنادى النكرة المقبل عليها وضعا موضع الضمير.

١٨٣

ومع أنّ الضمير للمخاطب فلا يجوز نداء المخاطب إلّا في ضرورة شعر ، لأنّ المنادى إنّما تناديه إذا كان معرضا عنك ، وإذا أتيت بالمضمر لم يعلم هل المقصود هو أو غيره فيكون سببا للبس ، وإذا أتيت بظاهر علم أنّه المراد دون غيره. ولم يبن المطوّل ولا المضاف ، لأنّهما قد نقص شبههما عن المضمر لأنّ المضمر مفرد ، والمضاف والمطوّل ليسا كذلك ، ولم تبن النكرة لأنّها قد نقص شبهها عن المضمر من جهة أنّها نكرة ، والمضمر إنّما هو معرفة ، فلما كان أشبه المناديات بضمير المخاطب العلم والنكرة المقبل عليها بنيا ، وكان بناؤهما على حركة ، لأنّ لهما أصلا في التمكن.

وكانت الحركة ضمّة لشبهها بـ «قبل» و «بعد» ، ووجه الشبه بينهما أنّ «قبل» و «بعد» يبنيان في حال الإفراد ، ويعربان في حال الإضافة ، وكذلك المنادى يبنى في حال الإفراد ، ويعرب في حال الإضافة ، فلذلك بني على ما بني عليه «قبل» و «بعد» وهو الضم.

ومنهم من قال : إنّه لما اختلط بالصوت ، وصار معه كالشيء الواحد ، وصار مع النداء لتحريك المنادى ، فأشبه «جوت» (١) ، و «عدس» (٢) وما أشبههما من الأصوات التي يقصد بها تحريك شيء معيّن من البهائم ، والأصوات مبنية فبنيت هي لأنّها صارت كأنّها بعض الصوت.

ولم تبن النكرة غير المقبل عليها لأنّها لم تختلط بالصوت ، لأنّك لم تقبل عليها بالنداء ، ولم يبن المضاف لأنه قد تمكن في الإضافة ، ولا المطوّل لشبهه بالمضاف ، وأيضا فإنّه يضعف جعلهما مع حرف النداء كالشيء الواحد. وكلاهما وجه وحسن جدا.

[٣ ـ حذف حرف النداء] :

ويجوز حذف حرف النداء من المنادى المفرد العلم لدلالة الإقبال عليه ، نحو قوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٣)

ولا يجوز حذفه من النكرة غير المقبل عليها ، لأنّه ليس في الكلام إقبال يقوم مقامه ،

__________________

(١) جوت : اسم صوت لدعاء الإبل إلى الماء.

(٢) عدس : اسم صوت لزجر البغل.

(٣) سورة يوسف : ٢٩.

١٨٤

ولا مما يصلح من المناديات أن يكون صفة لـ «أيّ» ، وذلك مثل النكرة المقبل عليها ، وأسماء الإشارة ، فلا تقول في «يا رجل» : رجل ، إلّا في ضرورة شعر كقوله [من الطويل] :

٥٠٤ ـ [وحتّى يبيت القوم في الصّيف ليلة]

يقولون نوّر صبح والليل عاتم

يريد : يا صبح ، ونحو قولهم : افتد مخنوق (٢) ، وأطرق كرا (٣) ، يريد : افتد يا مخنوق ، وأطرق يا كرا.

وإنّما لم يحذف حرف النداء لئلا يكثر الحذف ، لأنّه في الأصل : يا أيّها الرجل ،

__________________

٥٠٤ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ١٢٧ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٥٩٧ (نوم) ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٥ / ٢٤٠ (نور) ؛ وتاج العروس ١٤ / ٣٠٣ (نور).

المعنى : كي يسهر القوم ليلة صيفيّة ، يقولون للصباح : تعال ، ولا يزال الليل مظلما.

الإعراب : وحتى : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «حتى» : حرف جرّ. يبيت : فعل مضارع منصوب بـ «أن» مضمرة بعد (حتى) ، وعلامة نصبه الفتحة ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «يبيت» مجرور بـ «حتى» والجار والمجرور متعلقان بالفعل «يقولون». القوم : فاعل مرفوع بالضمّة. في الصيف : جار ومجرور متعلقان بـ (يبيت). ليلة : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة. يقولون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. نور : فعل أمر مبني على السكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). صبح : منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محلّ نصب. والليل : «الواو» : حاليّة ، «الليل» : مبتدأ مرفوع بالضمّة. عاتم : خبر مرفوع بالضمّة.

وجملة «يبيت» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «يقولون» : بحسب الواو لأن التقدير ويقولون حتى يبيت. وجملة «نوّر» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «والليل عاتم» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «نوّر صبح» حيث حذف حرف النداء قبل النكرة ، وذلك من ضرورات الشعر.

(٣) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في مجمع الأمثال ٢ / ٧٨ ؛ والمستقصى ١ / ٢٦٥.

يضرب في الحثّ على تخليص الرجل نفسه من الأذى والشدة.

(٤) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١ / ١٩٤ ، ٣٩٥ ؛ وجمهرة اللغة ص ٧٥٧ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ٣٧٦ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٢١٩ (طرق) ، ١٥ / ٢٢٠ (كرا) ؛ ومجمع الأمثال ١ / ٤٣١ ؛ والمستقصى ١ / ٢٢١. ومنهم من يكمل المثل ، فيقول : «أطرق كرا إنّ النعامة (أو : النعام) في القرى».

يضرب لمن يتكبّر ، وقد تواضع من هو أشرف منه ، أو يضرب للرجل يتكلّم عنده يظن أنه المراد بالكلام ، فيقول المتكلم ذلك ، أي : اسكت فإني أريد من هو أنبل منك. وقيل : يضرب مثلا للرجل الحقير إذا تكلّم في الموضع الجليل لا يتكلم فيه أمثاله.

١٨٥

فحذفت «أيّا» وصلتها والألف واللام ، فلو حذفت «يا» لتوالى الحذف ، فلم يجز لذلك حذفها.

وكذلك لا يجوز : «هذا» ، وأنت تريد : يا هذا ، لأنّه الأصل : يا أيهذا الرجل ، فلو حذفت حرف النداء لتوالى الحذف أيضا ، ولا يجوز هذا في ضرورة شعر لأنّ فيه إبهاما يمنع من ذلك ، لأنّك إذا قلت : هذا ، ففيه من الإبهام ما أشبه به النكرة فلذلك لحّن أبو الطيّب في قوله [من الرجز] :

٥٠٥ ـ هذي برزت لنا فهجت رسيسا

[ثم انثنيت وما شفيت نسيسا]

[٤ ـ تعريف المنادى المعرفة] :

واختلف في المنادى الذي كان قبل النداء معرفة بماذا تعرّف. فمنهم من زعم أنّه معرفة بالنداء ، وأنّ تعريف العلمية قد زال عنه.

__________________

٥٠٥ ـ التخريج : البيت للمتنبي في ديوانه ٢ / ٣٠١ ؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٤٤٤ ؛ والمقرب ١ / ١٧٧.

اللغة : رسيسا : من الرسيس وهو ابتداء الحب ، انثنى : مال وعاد. نسيسا : من النسيس وهو من تبقى به شيء من الروح والنسيس فضلة الروح وبقيتها.

المعنى : يا من ظهرت لنا فسبيتنا بجمالك ثم عدت عنا ، فزدتنا بك تعلقا.

الإعراب : هذي : «الهاء» : للتنبيه ، «ذي» : اسم إشارة في محل نصب بحرف النداء المحذوف «يا». برزت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. لنا : جار ومجرور متعلقان بالفعل برزت. فهجت : «الفاء» : عاطفة ، «هجت» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. رسيسا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. ثم انثنيت : «ثم» : حرف عطف ، «انثنيت» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. وما : «الواو» : حالية ، «ما» : نافية. شفيت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. نسيسا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

وجملة «برزت» : استئنافية لا محل لها. وجملة «انثنيت» : معطوفة على (برزت). وجملة «وما شفيت نسيسا» : في محل نصب حال. وجملة «هذي» : ابتدائية لا محل لها.

والتمثيل به قوله : «هذي» حيث حذف حرف النداء من اسم الإشارة على عادة الكوفيين.

١٨٦

واستدلّ على صحة مذهبه بأنّ النداء قد عرّف المنادى الذي هو النكرة المقبل عليها ، فمحال أن يدخل على المعرفة وهي باقية على تعريفها لئلا يجتمع على الاسم تعريفان.

ومنهم من زعم أنّه باق على تعريفه. واستدلّ بأنّ من الأسماء ما لا يسوغ تنكيره كأسماء الإشارة ، ألا ترى أنّ المعنى الذي تعرفت به وهو الإشارة باق فيها وإن ناديتها.

وهذا المذهب هو الصحيح ، لأنّ النداء لا ينبغي أن يعرف من حيث هو خطاب ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «أنت رجل قائم» ، فخاطبت ، فإنّ الرجل لا يتعرف بخطابك إيّاه ، بل بقي على تنكيره ، وإنّما تعرّفت به النكرة المقبل عليها من حيث ناب مناب الألف واللام ، فإذا قلت : «يا رجل» ، فأصله : يا أيّها الرجل ، فلذلك لم تحذف حرف النداء منه ، لأنّه عوض من الألف واللام ولئلا يكثر الحذف ، وقد تقدّم ذلك.

ولم يجمع بين حرف النداء والألف واللام لئلّا يكون كالجمع بين العوض ، والمعوض إلّا في ضرورة ، كقوله [من الرجز]

٥٠٦ ـ فيما الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسباني شرّا

__________________

٥٠٦ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٠ ؛ والإنصاف ١ / ٣٣٦ ؛ والدرر ٣ / ٣٠ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٤ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩ ؛ واللامات ص ٥٣ ؛ واللمع في العربية ص ١٩٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٥ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٤٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

الإعراب : «فيا» : الفاء بحسب ما قبلها ، «يا» : حرف نداء. «الغلامان» : منادى مبنيّ على الألف لأنّه مثنّى ، وهو في محلّ نصب. «اللذان» : اسم موصول في محلّ نصب نعت «الغلامان». «فرّا» : فعل ماض ، والألف ضمير في محلّ رفع فاعل. «إيّاكما» : مفعول به لفعل التحذير المحذوف تقديره : «أحذر» ، وهو مضاف ، و «كما» : في محلّ جرّ بالإضافة. «أن» : حرف نصب ومصدرية. «تكسباني» : فعل مضارع منصوب بحذف النون ، والألف في محلّ رفع فاعل ، و «الياء» : ضمير في محلّ نصب مفعول به أوّل. والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل جر بحرف جر محذوف تقديره : «من» ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف «أحذر». «شرّا» : مفعول به ثان لـ «تعقب».

وجملة النداء : «يا الغلامان» بحسب ما قبلها. وجملة : «فرّا» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : أحذر إياكما» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «تكسباني» صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «فيا الغلامان» حيث جمع حرف النداء «يا» مع «أل» التعريف ، وهذا غير جائز إلّا في الشعر.

١٨٧

وكذلك أيضا قوله [من الوافر] :

٥٠٧ ـ من أجلك يا التي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عنّي

وإذا كان تعريفها الاسم في : «يا رجل» ، من حيث هو عوض من الألف واللام لا بحق الأصل ، ثبت إذن أنّ «زيدا» من «يا زيد» وأمثاله باق على تعريفه. فأمّا قولهم : «يا ألله» ، فإنّما جمعوا بين حرف النداء والألف واللام فيه لأنّهما عوض من همزة «إله» ، كما يجوز أن يقال : «يا إله» ، فكذلك «يا ألله». والدليل على أنّهما عوض منها أنه لا يجمع بينهما ، فلا يقال : «يا الإله» ، ويبقى على ما كان عليه من المعنى ، بدليل أنّ الله تبارك وتعالى لا يقع إلّا على المعبود حقيقة وأمّا الإله فيقع على كلّ معبود بحق أو باطل ، فلما كانت الألف واللام عوضا مع كثرة استعمال الاسم ، لأنّ الداعية إلى نداء الله تعالى أكيد ، مع إجرائه مجرى العلم ، نودي كما ينادى العلم ، ولذلك لم يقل : «يا الناس» ، وإن كانت الألف واللام فيه عوضا من الهمزة ، بدليل أنّه لا يقال «الأناس» إلّا في ضرورة الشعر ، وذلك نحو قول الشاعر

__________________

٥٠٧ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٣٠ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ١٧٩ ؛ والجنى الداني ص ٢٤٥ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٣ ؛ والدرر ٣ / ٣١ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٢٩٩ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨ ؛ والكتاب ٢ / ١٩٧ ؛ واللامات ص ٥٣ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٢٤٠ (لتا) ؛ والمقتضب ٤ / ٢٤١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

اللغة : تيّمته : ذلّلته لكثرة عشقه لها. الودّ : الحب.

المعنى : كلّ ما جرى كان يا من ذلّلت قلبي العاشق لك ، بالرّغم من أنّك تبخلين بالمحبّة عليّ.

الإعراب : «من أجلك» : جار ومجرور متعلقان ببيت سابق ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. «يا» : حرف نداء. «التي» : اسم موصول مبني على السكون ، منادى معرفة في محلّ نصب على النداء. «تيّمت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «قلبي» : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «وأنت» : «الواو» : حالية ، «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «بخيلة» : خبر مرفوع بالضمّة. «بالود» : جار ومجرور متعلّقان بالخبر. «عني» : جار ومجرور متعلّقان بالخبر.

وجملة «تيّمت قلبي» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة «وأنت بخيلة» : في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «يا الّتي» حيث دخلت «يا» على «التي» ، ودخول حرف النداء على ما فيه «أل» لا يجوز عادة ، ودخولها هنا ضرورة.

١٨٨

[من مجزوء الكامل] :

٥٠٨ ـ إنّ المنايا يطّلع

ن على الأناس الآمنينا

لأنّه لم يكثر استعماله ولا جرى مجرى العلم فافهم ذلك.

[٥ ـ تابع المنادى] :

وإذا أتبعت المنادى فلا يخلو من أن يكون معربا أو مبنيّا ، فإن كان معربا ، فلا يخلو من أن تتبعه ببدل ، أو عطف نسق ، أو غير ذلك من التوابع. فإن أتبعته ببدل أو عطف نسق ، كان حكم الاسم التابع كحكمه لو باشر العامل الذي هو حرف النداء ، فيكون مبنيّا على الضم إن كان معرفة ، أو منصوبا إن كان نكرة أو مضافا. لأنّ حرف العطف ناب مناب العامل ، والبدل أيضا في نية استئناف «يا».

فإن كان غير ذلك ، أتبعته على لفظه ، فتقول : «يا عبد الله العاقل» ، و «يا عبد الله نفسه» ، و «يا عبد الله زيدا» ، و «يا عباد الله أجمعين» ، لأنّه منصوب اللفظ والموضع.

فإن كان المنادى مبنيّا ، فلا يخلو التابع من أن يكون بدلا ، أو عطف نسق ، أو لا يكون. فإن لم يكن ، فلا يخلو من أن يكون مضافا ، أو لا يكون.

فإن كان مضافا ، كان منصوبا أبدا ، فتقول فيه : «يا زيد نفسه» ، و «يا زيد صاحب

__________________

٥٠٨ ـ التخريج : البيت لذي جدن الحميريّ في خزانة الأدب ٢ / ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٥ ، ٢٨٨ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ٣١٢ ؛ والجنى الداني ص ٢٠٠ ؛ وجواهر الأدب ص ٣١٣ ؛ والخصائص ٣ / ١٥١ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ٢٩٦ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩ ، ٥ / ١٢١.

المعنى : لا تأمنوا أيها الناس ، فالموت بالمرصاد لكلّ آمن.

الإعراب : إنّ : حرف مشبّه بالفعل. المنايا : اسم (إنّ) منصوب بفتحة مقدّرة على الألف. يطلعن : فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. على الأناس : جار ومجرور متعلّقان بـ (يطلعن). الآمنينا : صفة (الأناس) مجرورة بالياء لأنها جمع مذكّر سالم ، و «النون» : عوض عن التنوين ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «إنّ المنايا يطّلعن» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يطّلعن» : في محلّ رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «الأناس» حيث جاءت للضرورة بدلا من (الناس) كما قال.

١٨٩

عمرو». وإن كان الإتباع هنا على الموضع ، لأنّ المبنيات إنّما تتبع على مواضعها ، فلا سؤال فيها.

فإن كانت الإضافة غير محضة ، جاز الرفع والنصب ، مثال ذلك قول الشاعر [من السريع] :

٥٠٩ ـ يا صاح يا ذا الضامر العنس

والرّحل ذي الأقتاب والحلس]

يجوز الرفع والنصب في «الضامر» ، لأنّه بمنزلة الحسن الوجه. وإنّما فرقوا بين الإضافة المحضة وغير المحضة من جهة أنّ المضاف الذي تكون إضافته غير محضة يشبه المفرد من حيث أنّ معموله ليس من تمامه ، ألا ترى أنّه يفصل بين العامل والمعمول نيّة التنوين ، لأنّ هذه الإضافة في نيّة الانفصال ، ولا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، فلما كان عندهم قريبا من المفردات جاز فيه الرفع والنصب.

فإن كان التابع مفردا جاز فيه الحمل على اللفظ وعلى الموضع ، فأمّا الموضع فلا سؤال فيه ؛ وأمّا اللفظ فلأنّ هذا المبنيّ أشبه المعرب من حيث أنّ الاسم لم يكن مبنيّا إلّا بعد «يا» ، فصارت كأنّها معربة.

__________________

٥٠٩ ـ التخريج : البيت لخالد بن مهاجر في الأغاني ١٠ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١٣٦ ؛ ولخزز بن لوذان في خزانة الأدب ٢ / ٢٣٠ ، ٢٣٣ ؛ والكتاب ٢ / ١٩٠ ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٣٠٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٠ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٨ ؛ ومجالس ثعلب ١ / ٣٣٣ ، ٢ / ٥١٣ ؛ والمقتضب ٢ / ٥٤ ، ٤ / ٢٢٣ ؛ والمقرب ١ / ١٧٩.

اللغة : شرح المفردات : الضامر : قليل اللحم ، وفي المطيّ كناية عن كثرة الأسفار. العنس : الناقة الشديدة. الرحل : ما يوضع على ظهر المطيّة لتركب. الأقتاب : ج القتب ، وهو سير يربط به الرحل. الحلس : كساء يوضع على ظهر المطيّة تحت البرذعة.

المعنى : يا صاحبي ، يا صاحب الناقة الشديدة التي أهزلها السفر الطويل والترحال المتواصل ، والرحل المشدود بسير عريض فوق الحلس.

الإعراب : يا : حرف نداء. صاح : منادى مرخّم ، أصله «صاحب» مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب. يا : حرف نداء. ذا : اسم إشارة منادى مبنيّ في محلّ نصب. الضامر : نعت «ذا» ويجوز فيه الرفع إتباعا له على اللفظ ، أو النصب إتباعا له على المحلّ الإعرابي ، وهو مضاف. العنس : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والرّحل : الواو حرف عطف ، «الرحل» : معطوف على «العنس» مجرور بالكسرة. ذي : نعت «الرجل» مجرور بالياء لأنّه من الأسماء الستّة ، وهو مضاف. الأقتاب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والحلس : الواو حرف عطف ، «الحلس» : معطوف على «الأقتاب» مجرور بالكسرة.

الشاهد فيه قوله : «يا ذا الضامر العنس» فإنّ «ذا» منادى مبنيّ ، و «الضامر العنس» نعت مقترن بـ «أل» ، وقد روي بالرفع والنصب ، فدلّ مجموع الروايتين على أنّ النعت إذا كان بهذه المنزلة جاز فيه الوجهان.

١٩٠

فإن قلت : لم خصّوا التابع إذا كان مفردا بهذا ، ولم يفعلوا ذلك بالمضاف؟ قيل : لأنّ التابع منادى في المعنى ولو نودي المضاف لم يكن إلّا نصبا ، وغير المضاف إذا كان منادى يكون مرفوعا ، فإذا قلت : «يا زيد العاقل» ، فكأنك قلت : «يا العاقل» ، ولو ناديت «العاقل» لكان رفعا ، فكذلك «يا زيد وعمرو» ، لأنك إذا ألحقت المنادى التنوين فمذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، رفعه ، خلافا لأبي عمرو بن العلاء.

فإن كان التابع بدلا أو معطوفا بحرف نسق كان حكمه كحكمه لو باشر «يا» إلّا أن يكون المعطوف بالواو فيه الألف واللام ، فللنحويين فيه أربعة أقوال. فسيبويه ، رحمه‌الله ، يجيز الرفع والنصب في : «يا زيد والغلام» ، ويختار الرفع. وأبو عمرو يجيز الرفع والنصب ، ويختار النصب. والمبرّد مذهبه كمذهب أبي عمرو ، إلّا أن تكون الألف واللام للمح الصفة ، فإنّه يختار مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، إلّا أن يكون المنادى نكرة مقبلا عليها ، فإنّه لا يجيز إلا الرفع ، فتقول : «يا رجل والغلام أقبلا».

أمّا أبو عمرو فيحتج على صحة مذهبه بأنّه في المعنى منادى لنيابة حرف العطف مناب «يا» ، والمنادى إذا كان معربا كان منصوبا ، فكذلك هذا ، وأجاز الرفع تشبيها له بسائر التوابع. وهذا خطأ ، لأنّه إنّما كان يحكم له بحكم المعرب لو صحت مباشرته لـ «يا». وأما الألف واللام فتمنع من ذلك فلمّا تعذّرت المباشرة لم تكن بمنزلة المباشر ، فصار كسائر التوابع.

وأمّا المبرّد فيبطل مذهبه بالذي بطل به مذهب أبي عمرو ، وتفريقه بين «يا زيد والرجل» ، و «يا زيد والعبّاس» ، أنّ العباس علم فهو بمنزلة : عباس ، فكما أنّ عباسا لو كان هنا لكان مرفوعا فقلت : «يا زيد وعباس» ، فكذلك مع الألف واللام. ويجيز النصب وعيا للفظ لأنّه بمنزلة : والرجل.

وأمّا الأخفش فمذهبه في يا رجل أنّه معرب لأنّه بنيّة : «يا أيّها الرجل». وناب «يا» مناب الألف واللام ، فلهذا أسقط التنوين ، فإن صحّ أنّه معرب فالقول قوله ، لأنّ المعرب لا يتبع إلّا على لفظه ، وإن ثبت أنّه مبنيّ بطل قوله ، والسماع يرد عليه لأنّهم قالوا : «يا حسن الحبيب».

واعلم أنك إذا أتبعت التابع ، فإنّ ذلك التابع يكون على حسب التابع الأول ، ولا

١٩١

ينكسر ذلك أصلا ، فتقول على هذا : «يا زيد العاقل ذو الجمّة وذا الجمّة» ، بالنصب إن جعلته نعتا للمنادى ، والرفع إن جعلته نعتا للعاقل. وإنّما أتبع المنادى المبنيّ على لفظه وعلى موضعه ، وسائر المبنيات إنّما تتبع على مواضعها خاصة ما عدا المبنيّ في باب «لا» فإنّه كالمنادى المبنيّ في أنّه يتبع على اللفظ وعلى الموضع ، لأنّ البناء في هذين البابين أشبه الإعراب لأنّه بناء حدث عند اقترانه بحرف ، فصار كأنّ الحرف أحدثه ، ألا ترى أنّ النكرات إنّما بنيت عند اقترانها بـ «لا» ، وكذلك المنادى إنّما بني عند اقترانه بحرف النداء ، فصار بمنزلة الإعراب يحدث في المعرب عند اقتران العامل به ، لكنّ الفرق بينه وبين البناء في هذين البابين أنّه يحدث بالعامل ، وليس كذلك البناء في باب «لا» ولا في باب النداء.

وما عدا ذلك من المبنيات فلا يشبه الإعراب ، لأنّه لم يحدث بعد شيء ما ، فيجعل ذلك الشيء كأنّه فيه ، ألا ترى أنّ «هؤلاء» مبنيّ بعد عامل الرفع والنصب والخفض ، فلمّا لم تشبه المعرب لم تتبع إلّا على موقعه خاصة.

فإن قيل : كيف جاز «يا هذا العاقل والعاقل» ، بالرفع والنصب ، وإنّما جاز الرفع في : «يا زيد العاقل» ، على اللفظ ، وهذا ليس لفظه كلفظ المرفوع فيحمل عليه النصب؟ فالجواب : إنّ «زيدا» لما أشبه لفظ المرفوع في النداء وأنت إذا أشرت إلى «زيد» ، وهو في موضع رفع كان حكمه كحكم المرفوع ، فكذلك إذا أشرت إليه وهو في موضع ما يشبه المرفوع وهو النداء.

[٦ ـ تنوين المنادى في الضرورة] :

فإذا نوّن المنادى للضرورة كما ينون ما لا ينصرف ، فاختيار سيبويه ، رحمه‌الله ، الرفع واختيار أبي عمرو بن العلاء النصب.

وحجة أبي عمرو أنّ المنادى بمنزلة ما لا ينصرف في موضع الخفض في أنّه مضموم في اللفظ ، وموضعه نصب ، كما أنّ ما لا ينصرف في موضع الخفض مفتوح وهو في موضع خفض. فكما أنّ التنوين يردّ ما لا ينصرف إلى أصله من الخفض ، فكذلك يردّ المنادى إلى أصله.

وحجة سيبويه ، رحمه‌الله ، أنّ هذا المضموم قد عومل معاملة المرفوع كما أنّ المرفوع

١٩٢

مما لا ينصرف إذا نوّن بقي على لفظه ، فكذلك المنادى. وأيضا فإنّ الموجب لبناء المنادى باق ، وإنّما اضطررت إلى التنوين خاصة فينبغي أن يلحقه ولا يغيّر كما يلحق التنوين «أيّة» وغيره من المبنيّات ، ولا يغير.

ولا يجوز في باب النداء عطف نكرة مقبل عليها على غيرها من الأسماء ، لأنّك إذا قلت : «يا زيد ورجل» ، لم يبق ما هو عوض من الألف واللام.

ولا يجوز عطف النكرة غير المقبل عليها على منادى نكرة مقبل عليها ، لأنّ حرف العطف ينوب مناب حرف النداء ، والنداء فيهما مختلف ، أعني أنّ النداء في النكرة الثانية من غير إقبال عليها وفي النكرة الأولى مقصود به الإقبال ، فلا يجوز لذلك.

١٩٣

باب الاسمين الذين لفظهما واحد والآخر مضاف منهما

إذا تكرر الاسم المنادى للفظه فلا يخلو من أن ترفع الأول أو تنصبه. فإن رفعته فيجوز فيما بعده ، ثلاثة أوجه. وذلك قولك : «يا زيد زيد عمرو». أحدها : أن يكون بدلا ، والثاني عطف بيان ، والثالث أن يكون منادى مستأنفا محذوفا منه حرف النداء.

فإن نصبت الأول فيكون نصبه على وجهين. إمّا أن يكون أصله : «يا زيد زيد عمرو» ، فأتبعت حركة الدال من «زيد» الأول حركة الدال من «زيد» الثاني ، ويكون الثاني عطف بيان. وإمّا أن يكون أصله : يا زيد عمرو زيد عمرو ، وفيه خلاف بين سيبويه ، رحمه‌الله ، وأبي العباس المبرّد.

فسيبويه ، رحمه‌الله ، يقدر الأصل : يا زيد عمرو زيد عمرو ، ثم حذف عمرو الثاني لدلالة الأول عليه ، فبقي : يا زيد عمرو زيد ، ثم قدم «زيد» ، وأقحم بين المضاف والمضاف إليه.

وأما المبرد فيقدر الأصل : يا زيد عمرو زيد عمرو ، فحذف «عمرو» من الأول لدلالة الثاني عليه. واستدلّ المبرّد على صحّة ما ذهب إليه بأنّ في كلا المذهبين حذفا ، وفي مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، تقديم وإقحام ، فما ذهبنا إليه أولى.

وهذا الذي قال ليس بصحيح ، لأنّ المضاف إليه إذا حذف ، عاد التنوين ، نحو : «أعطيته بعض الدراهم» ، فإذا حذفت قلت : بعضا ، إلّا أن يكون في اللفظ كالمضاف ، وذلك نحو قول الشاعر [من مجزوء الكامل] :

٥١٠ ـ إلّا علالة أو بدا

هة قارح نهد الجزاره

__________________

٥١٠ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ٢٠٩ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٧٢ ، ١٧٣ ، ٤ / ٤٠٤ ،

١٩٤

فحذف التنوين من «بداهة» لأنّه في اللفظ كالمضاف ، وحذف من «علالة» لأنّه المضاف حقيقة.

وأيضا فإنّ مذهب أبي العباس المبرّد على غير طريقة الحذف لأنّه لا يحذف الأول لدلالة الثاني عليه وإنّما يحذف الثاني لدلالة الأول عليه. والدليل على فساد مذهبه أنّه لا يخلو أن تقدّر «إلّا علالة قارح أو بداهة قارح» ، أو تقدّر «أو بداهته» ، فإن قدّر : «أو بداهة قارح» ، فلا يجوز إعادة الأول بلفظه إلّا قليلا. فلم يبق إلّا أن تقدّر : أو بداهته ، فإذا حذف «قارح» الأول لم يبق للضمير ما يعود عليه. وسيبويه ، رحمه‌الله ، حذف الضمير من «بداهة» ، وأقحم «أو بداهة» بين المضاف والمضاف إليه ، ومنه قول الشاعر [من المنسرح] :

٥١١ ـ يا من رأى عارضا يسرّ به

بين ذراعي وجبهة الأسد

__________________

٦ / ٥٠٠ ؛ والخصائص ٢ / ٤٠٧ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٩٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١١٤ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٢٢ ؛ والشعر والشعراء ١ / ١٦٣ ؛ والكتاب ١ / ١٧٩ ، ٢ / ١٦٦ ؛ ولسان العرب ٤ / ١٣٥ (جزر) ، ١١ / ٤٦٩ (علل) ، ١٣ / ٤٧٥ (بده) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٥٣ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٢٦ ؛ ورصف المباني ص ٣٥٨ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٢٨ ؛ والمقرب ١ / ١٨٠.

اللغة : علالة الفرس : جريه بعد جري ؛ وبداهته : أوّل جريه. القارح من الخيل : الذي بلغ أقصى أسنانه ، فاكتملت. النهد : الغليظ السمين. الجزارة : اليدان والرجلان والعنق.

المعنى : سنغير عليكم بخيولنا القادرة على الكرّ والفرّ.

الإعراب : إلا : حرف استثناء. علالة : مستثنى بـ «إلا» منصوب ، وهو مضاف ، وحذف المضاف إليه لدلالة المضاف إلى تابع «علالة» أي : «بداهة». أو بداهة : «أو» : حرف عطف ، «بداهة» : معطوف على (علالة) منصوب بالفتحة. قارح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. نهد : صفة (قارح) مجرور بالكسرة. الجزارة : مضاف إليه مجرور بالكسرة وسكّن للضرورة الشعرية.

والشاهد فيه قوله : «علالة أو بداهة» حيث حذف التنوين من (علالة) لأنه أضيف إلى مضاف إليه محذوف كما لاحظنا في الإعراب ، وحذفه من (بداهة) لأنه في اللفظ كالمضاف.

٥١١ ـ التخريج : البيت للفرزدق في خزانة الأدب ٢ / ٣١٩ ، ٤ / ٤٠٤ ، ٥ / ٢٨٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٢١ ؛ والكتاب ١ / ١٨٠ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٥١ ؛ والمقتضب ٤ / ٢٢٩ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١ / ١٠٠ ، ٢ / ٢٦٤ ، ٣٩٠ ؛ وتخليص الشواهد ص ٨٧ ؛ وخزانة الأدب ١٠ / ١٨٧ ؛ والخصائص ٢ / ٤٠٧ ؛ ورصف المباني ص ٣٤١ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٢٩٧ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٦ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٠٢ ؛ ولسان العرب ٣ / ٩٢ (بعد) ، ١٥ / ٤٩٢ (يا).

١٩٥

فإذا قلت : «يا زيد بن عمرو» ، فلا يخلو أن ترفع «زيدا» أو تنصبه. فإن رفعته فيجوز لك فيما بعده أربعة أوجه. أحدها أن يكون بدلا ، والثاني أن يكون نعتا ، والثالث أن يكون عطف بيان ، والرابع أن يكون منادى محذوفا منه حرف النداء.

فإن كان الأول منصوبا كان ما بعده نعتا ، ويكون أصله : «يا زيد بن عمرو» وأتبعت حركة الدال حركة ما بعده. فمن لغته أن يقول : «جاءني زيد بن عمرو» يحذف التنوين لالتقاء الساكنين ، فيقول هنا : «يا زيد بن عمرو». وأما ما زعم أبو العباس المبرد من أنّ «ابن عمرو» مقحم فباطل ، لأنّ المقحم إذا حذف لم يختل المعنى بحذفه ، وأنت لو قلت : «يا زيد عمرو» ، لكان معناه مخالفا لمعنى : يا زيد بن عمرو.

__________________

اللغة : العارض : السحاب يعترض الأفق. ذراعا الأسد : كوكبان يدل ظهورهما على نزول المطر. جبهة الأسد كواكب سميت كذلك لموقعها من برج الأسد ، فهي له بموقع الجبهة من الرأس.

المعنى : أيها القوم ، من يبشرّني برؤية الغمام بين موقعي ذراعي ، وجبهة الأسد في السماء ، فيفرح ، ونفرح لأن هذا يعني المطر والخصب.

الإعراب : يا من : «يا» : حرف نداء ، «من» : اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب على النداء. رأى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. عارضا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة. يسرّ به : «يسرّ» : فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو ، «به» : جار ومجرور متعلقان بالفعل يسر. بين : مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق بالفعل رأى وهو مضاف. ذراعي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة. وجبهة الأسد : «الواو» : عاطفة ، «جبهة» : اسم معطوف على ذراعي مجرور بالكسرة الظاهرة وهو مضاف ، «الأسد» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

وجملة «يا من رأى» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «رأى» : صلة الموصول لا محل لها. وجملة يسرّ به» : في محل نصب صفة لـ «عارضا».

والشاهد فيه قوله : «بين ذراعي وجبهة الأسد» حيث كان الأصل ـ على مذهب سيبويه ـ : «بين ذراعي الأسد وجبهته» فحذف الضمير من «جبهته» ، وأقحم «وجبهة» بين المضاف والمضاف إليه «ذراعي الأسد».

١٩٦

باب إضافة المنادى إلى ياء المتكلم

إذا أضفت المنادى إلى نفسك فيه لغات. أجراها أن تقول : «يا غلامي» ، وهو الأصل. والثانية : يا غلامي ، وفيها قولان : أحدهما أنّه يا غلامي ، ثم سكّن تخفيفا والأصل الحركة ، لأنّ ما كان من المبنيّات على حرف واحد لا يبنى إلّا على حركة.

والآخر : أنّ التسكين هو الأصل ، لأنّ الذي بني على حركة إنّما كان لتعذّر الابتداء به ، وأمّا إذا كان متصلا بغيره ، فلا بدّ أن يكون ساكنا كالتنوين وهاء السكت.

والثالثة : «يا غلام» ، فتحذف الياء وتجتزىء بالكسرة عنها. وعلّة ذلك أنّ الياء معاقبة للتنوين ، وكما يحذف التنوين من المنادى المقصود كذلك ما عاقبه مع أنّ الياء حرف ساكن ، وقبله دليل عليه.

ولا يجوز على هذا حذف الكاف من «غلامك» ، وإن كانت معاقبة للتنوين وعلى حرف واحد ، لأنّه لا دليل عليه إذا حذفت. فلمجموع هذه العلل التي ذكرت لك حذفتها العرب.

واللغة الرابعة أن تقول : «يا غلاما» ، وذلك أنّه كره حذف حرف لمعنى ، وكره الثقل وهو الكسرة مع الياء. وقد كان في لغة طيّىء فاشيا قلب كل ياء قبلها كسرة ألفا ، فتقول في «الناصية» : الناصاة ، وفي «الأدوية» : الأدواة ، وفي «رضي» : رضا ، فعزموا هنا على القلب.

واللغة الخامسة : «يا غلام» ، ووجه هذا ـ والله أعلم ـ أنّه لما حذف المعاقب فلتنوين بني على الضم كما يبنى الذي ليس مضاف إذا حذف تنوينه.

١٩٧

فهذه خمس لغات. وزعم أبو الحسن الأخفش أنّه يجوز : «يا غلام» ، تجتزىء بالفتحة عن الألف. وهذا خارج عن القياس ، ألا ترى أنّ الذي قال : «يا غلاما» إنّما آثر ألا يحذف ، فإذا حذف فقد تناقض ، مع أنّ الألف فيها من الخفة بحيث لا تحذف ، وإنما يكون ذلك في الكسرة والياء.

والذي غرّ ـ في هذا ـ الأخفش قول الشاعر [من الوافر] :

٥١٢ ـ فلست براجع ما فات منّي

بلهف ولا بليت ولا لو انّي

__________________

٥١٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٦٣ ، ١٧٩ ؛ والإنصاف ١ / ٣٩٠ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ٣٧ ؛ وخزانة الأدب ١ / ١٣١ ؛ والخصائص ٣ / ١٣٥ ؛ ورصف المباني ص ٢٨٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٥٢١ ، ٢ / ٧٢٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٣٢ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥١٢ ؛ ولسان العرب ٩ / ٣٢١ (لهف) ؛ والمحتسب ١ / ٢٧٧ ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٢٤٨ ؛ والمقرب ١ / ١٨١ ، ٢ / ٢٠١ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٦٢٢.

اللغة : شرح المفردات : فات : انقضى. اللهف : التحسّر ، وبلهف : أي أن يقول «يا لهف». بليت : أي يا ليت.

المعنى : يقول : ليس باستطاعته أن يعيد ما مضى بالتلهّف أو بقوله : «يا ليت».

الإعراب : فلست : الفاء بحسب ما قبلها ، «لست» فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع اسم «ليس». براجع : الباء حرف جرّ زائدة ، «راجع» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنّه خبر «ليس». ما : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به لـ «راجع». فات : فعل ماض مبنيّ على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». منّي : حرف جرّ ، والياء ضمير متّصل مبنيّ في محل جرّ بحرف الجرّ. والجار والمجرور متعلّقان بالفعل «فات». بلهف : الباء حرف جرّ ، والمجرور محذوف تقديره : «قولي : يا لهفا» ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «راجع» ، و «لهف» : منادى منصوب لأنّه أضيف إلى ياء المتكلّم المحذوفة ، وعوّض عنها بالألف التي حذفت أيضا ، وبقيت الفتحة للدلالة عليها. ولا : الواو : حرف عطف ، و «لا» : حرف نفي. بليت : الباء حرف جرّ والمجرور محذوف تقديره : «قولي : يا ليتني» ، والجار والمجرور متعلّقان بـ «راجع» ، و «يا» : حرف نداء ، والمنادى محذوف. ليتني : حرف مشبّه بالفعل ، والنون للوقاية ، والياء : ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب اسم «ليت» ، وخبرها محذوف تقديره : «ليتي فعلت ...» ، ولا : حرف نفي. لو : حرف امتناع لامتناع. أني : حرف مشبّه بالفعل ، والياء ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب اسم «إنّ» ، وخبرها محذوف.

وجملة : «لست براجع ...» معطوفة على جملة سابقة. وجملة «فات» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يا لهفا» في محل نصب مفعول به. وجملة «يا ليتني» في محلّ نصب مفعول به. وجملة «أن» وما بعدها المؤوّلة بمصدر في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف هو شرط «لو» تقديره : «لو ثبت فعلي كذا ...» وجوابها محذوف.

١٩٨

قال : فهو قد حكى قوله : «يا لهف» ، ولو لم يكن على الحكاية لقال : بلهف. فهو قد حكى قوله قبل هذا على أنّه قال : يا لهف ، وإلّا فما الذي حكى؟ وهذا غير مرضيّ ، لأنّ ما ذكرنا من القياس يدفعه ، ولا يحفظ إلّا في هذا خاصة مع أنّه لا دليل فيه ، ألا ترى أنّه يمكن أن يكون قد حذف الألف ضرورة ، كما قال الشاعر [من الرجز] :

٥١٣ ـ أقبل سيل جاء من عند الله

[يحرد حرد الجنّة المغلّه]

فالصحيح أنّه ليس فيه إلّا خمس لغات كما ذكرت لك.

وهل يجوز هذا في غير النداء أو لا ، مسألة خلافية.

أما «غلام» ، و «غلاما» ، و «غلام» فجائزات كلّها ، فتقول : «جاء غلام» ، وتجتزىء

__________________

الشاهد فيه قوله : «بلهف» و «بليت» فإن كلّا منهما منادى بحرف نداء محذوف ، وأصل كلّ منهما مضاف إلى ياء المتكلّم ، ثمّ قلبت ياء المتكلّم في كلّ منهما ألفا بعد أن قلبت الكسرة التي قبلها فتحة ، ثمّ حذفت من كلّ منهما الألف المنقلبة عن ياء المتكلّم ، واكتفي بالفتحة التي قبلها. وهذا ممّا أجازه الأخفش مستدلّا بهذا البيت على ما ذهب إليه من الجواز.

٥١٣ ـ التخريج : الرجز لقطرب في خزانة الأدب ١٠ / ٣٥٦ ؛ وسمط اللآلي ص ٣١ (ونسب ، أيضا ، كما في هامش هذا الكتاب إلى حسان بن ثابت وحنظلة بن مصبح) ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٦٠ ، ٥٠١ ، ٩٦٢ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٧٢١ ؛ ولسان العرب ٣ / ١٤٥ (حرد) ، ١١ / ٥٠٤ (غلل) ؛ ومعجم ما استعجم ص ٧٨٥.

اللغة : يحرد حرده : يقصد قصده ، ويأتي نحوه. المغلّة : التي تعطي الغلّة وهي الدّخل الذي تحصل عليه من الزرع والثمر والنتاج ... الخ.

المعنى : لقد جاء السيل قادما نحو الجنّة التي تعطي الخير ، والله ـ جلّ وعزّ ـ هو من أرسله إلينا.

الإعراب : أقبل : فعل ماض مبني على الفتح. سيل : فاعل مرفوع بالضمّة. جاء : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). من عند : جار ومجرور متعلقان بـ (جاء). الله : لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وسكّن لضرورة القافية. يحرد : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). حرد : مفعول مطلق منصوب بالفتحة. الجنة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المغلة : صفة (الجنة) مجرورة بالكسرة ، وسكّنت لضرورة القافية.

وجملة «أقبل» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «جاء» : في محلّ رفع صفة لـ (سيل). وجملة «يحرد» : في محلّ نصب حال.

والشاهد فيه قوله : «من عند الله» حيث حذف الألف الملفوظة في لفظ الجلالة بعد اللام لضرورة الوزن.

١٩٩

بالكسرة لكن قليلا ، وتقول : «جاءني غلام» ، فيجوز أيضا على قلّة ، وأنشدوا قوله [من الوافر] :

٥١٤ ـ ذريني إنّما خطئي وصوبي

عليّ وإنّما أنفقت مال

فهذا عند أبي عمرو جائز ، والمعنى عنده : وإنّما أهلكت مالي. وردّه أبو زيد الأنصاري ، وقال : معناه : إنّ الذي أهلكت مال لا عرض. والقول الأول أحبّ إليّ ، وسبب ذلك أنّه يكون مطابقا للصدر لأنه يقول لها : اتركيني فإنّ خطئي وصوابي عليّ وإنّما أهلكت مالي فلا تلوميني. وإذا قلت : وإنّ الذي أهلكت مال لا عرض ، فهو يعتذر لها وليس في صدر البيت اعتذار بل زجر لها.

__________________

٥١٤ ـ التخريج : البيت لأوس بن غلفاء في إنباه الرواة ١ / ١٢٠ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٣١٣ ؛ والدرر ٥ / ٥٦ ؛ والشعر والشعراء ٢ / ٦٤٠ ؛ ولسان العرب ١ / ٥٣٥ (صوب) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٤٩ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٤٦ ؛ ولابن عنقاء (أغلب الظن أنه تحريف لابن غلفاء) الفزاريّ في الأشباه والنظائر ٦ / ١٩٤ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٠٥١ ، ١٣١١.

اللغة : ذريني : اتركيني. صوبي : صواب ما أفعله.

المعنى : اتركيني أفعل ما يحلو لي ، فما أفعله ينعكس عليّ وحدي ، خطأ كان أم صوابا ، فإنما أنا أنفق مالي ، وعرضي وافر مصان.

الإعراب : ذريني : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بياء المخاطبة المؤنثة ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. إنما : كافّة ومكفوفة. خطئي : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وصوبي : «الواو» : للعطف ، «صوب» : معطوف على (خطئي) مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. عليّ : جار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف ، بتقدير (خطئي مردود عليّ). وإنما : «الواو» : استئنافية ، «إنما» : «إن» : حرف مشبّه بالفعل ، «ما» : اسم موصول في محلّ نصب اسم «إن». أنفقت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. مال : خبر «إنّ» مرفوع بالضمّة ، بتقدير (وإنما أنفقته مال).

وجملة «ذريني» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «خطئي عليّ» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «وإن الذي أنفقته مال» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أنفقت» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «أنفقت مال» حيث رفع (مال) على أنه قصد (مالي) ثم حذف ياء الملكيّة وضمّ اللام.

٢٠٠