شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

فزعم المازني أنّ أبا يحيى اللاحقي أخبره أنّه سأله سيبويه : هل يحفظ بيتا في إعمال «فعل» فوضع له هذا البيت. قال : فالبيت مصنوع.

وهذا الذي ذكره أبو العباس المبرد لا يلتفت إليه لأنّ سيبويه ذكر البيت ولم يذكر أنّ اللاحقيّ هو الذي أنشده ، وسيبويه رحمه‌الله أحفظ لما يرويه من أن ينقله عن غير ثقة ، فلا يطعن في روايته بقول من أقرّ على نفسه بالكذب. وأما قوله :

أو مسحل شنج عضادة سمحج

 ... (١)

فـ «عضادة» عنده منصوب على الظرفية كأنّه قال : في عضادة سمحج ، والظروف لا ينكر أن تعمل فيها هذه الأمثلة إذ قد تعمل فيها روائح الأفعال ، وأما الذي ينكر إعمالها فيه المفعول به.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد. لأنّ «العضادة» اسم للقوائم ، والأسماء ما عدا اسم الزمان والمكان لا تجعل ظروفا تقاس. وأيضا فإنّ المعنى يفسد. لأنّه يكون إذ ذاك قد شبه فرسه في الجري بحمار منقبض في قوائم أتان ، وذلك مناقض لما يريد من وصفه بالجري ، فثبت أنّ شنجا هذا بمعنى مشنج ، كأنّه قال : مشنج عضادة سمحج ، فيكون إذ ذاك قد شبّه فرسه بحمار يطارد أتانا ، فهو يعضها وهي تعضّه.

ومما يدلّ على إعمال «فعل» قول زيد الخيل [من الوافر] :

٤٠٣ ـ أتاني أنّهم مزقون عرضي

جحاش الكرملين لها فديد

__________________

(١) تقدم بالرقم ٤٠٢.

٤٠٣ ـ التخريج : البيت لزيد الخيل في ديوانه ص ١٧٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ١٦٩ ؛ والدرر ٥ / ٢٧٢ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٦٨ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٨٠ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٧٣ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٤٥ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢٤ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣٤٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٢٥ ؛ وشرح قطر الندى ص ٢٧٥ ؛ والمقرب ١ / ١٢٨.

اللغة والمعنى : أتاني : بلغني. مزقون : ج المزق ، وهو صيغة مبالغة من مزق ، تعني : كثير الهتك. العرض : موضع المدح والذم. جحاش : ج جحش ، وهو صغير الحمار. الكرملين : اسم ماء في جبل طيّىء. فديد : صوت الماشية.

يقول : بلغني أنّ هؤلاء الناس قد هتكوا عرضي ، فلم أهتمّ لأقوالهم لأنّهم بمثابة أصوات الجحاش التي ترد ماء الكرملين للشرب.

٢١

فـ «عرضي» منصوب بـ «مزقين» ولا يسوغ فيه غير ذلك.

وأما «كليل موهنا» ، فـ «موهنا» عنده منصوب على الظرف بـ «كليل» ، قال : ومما يدلّ على ذلك أنّه من «كلّ» و «كلّ» لا يتعدّى فكذلك ما أخذ منه.

وهذا الذي ذكره فاسد ، لأنّه قد قدّمنا أنّ «كليلا» ـ على مذهب سيبويه ـ إنما يكون من «كلّل».

فإن قيل : فلعلّه كما ذكر أبو العباس من أنّ «موهنا» منصوب على الظرف ، كأنّه قال :

كليل موهنا ، أي : ضعيف في موهن.

فالجواب : إنه إن حمل على ما ذهب إليه المبرد تناقض مع قوله : «وبات الليل لم ينم» ، ألا نرى أنّه إذا ضعف «موهنا» وكان «عملا» في وقت آخر فإنه في الوقت الذي ضعف فيه قد نام. وكذلك أيضا إن جعل «عمل» بمعنى : تعب كما ذهب إليه بعض الناس ، كان متناقضا ، لأنّه إذا كان ضعيفا تعبا في موهن فقد ينام في ذلك الموهن ، فيتناقض ذلك مع قوله : «وبات الليل لم ينم» ، فثبت أنّ «كليلا» بمعنى : مكلّ موهنا لكثرة خفقه فيه ، كما يقال : «أتعبت نهارك بكثرة عملك فيه». فإن قيل : فلأي شيء جعله مكلّلا موهنا. وإنما هو مكلّل الليل ، بدليل قوله : «وبات الليل لم ينم»؟ فالجواب إنه أوقع «موهنا» موقع مواهن

__________________

الإعراب : أتاني : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف للتعذّر ، والنون : للوقاية ، والياء : ضمير في محلّ نصب مفعول به. أنّهم : حرف مشبّه بالفعل ، و «هم» : ضمير في محلّ نصب اسم «أنّ». مزقون : خبر «أنّ» مرفوع بالواو لأنّه جمع مذكر سالم. عرضي : مفعول به لاسم المبالغة «مزقون» ، وهو مضاف ، والياء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «جحاش» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. الكرملين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه جمع مذكر سالم. لها : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم. فديد : مبتدأ مرفوع. ويجوز اعتبار «جحاش» خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : «هم».

وجملة (أتاني أنّهم ...) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية. والمصدر المؤول «أن» ومعموليها في محل رفع فاعل لـ «أتاني». وجملة (جحاش ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة (لها فديد) الاسميّة في محلّ نصب حال ، أو في محلّ رفع خبر المبتدأ.

والشاهد فيه قوله : «مزقون عرضي» حيث أعمل جمع صيغة المبالغة ، فنصب به المفعول به ، وهو قوله : «عرضي».

٢٢

الليل كلّها ، فهو من وضع المفرد موضع الجمع الجائي في ضرورة الشعر ، نحو قوله [من الوافر] :

٤٠٤ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

[فإنّ زمانكم زمن خميص]

أي : في بعض بطونكم. فثبت إذن أنّ «فعلا» و «فعيلا» يعملان عمل اسم الفاعل قليلا.

[٢ ـ حكمها في العمل] :

وحكم هذه الأمثلة كحكم اسم الفاعل من التقديم والتأخير والإضافة والفصل ، وأنّ الإضافة غير محضة ، وسائر أحكام أسماء الفاعلين إلّا ما ذكره ابن خروف من أنّ هذه الأمثلة قد تعمل عمل اسم الفاعل بمعنى المضيّ ، واستدلّ على ذلك بأنّها لما فيها من معنى المبالغة ساغ ذلك فيها ، وأنشد دليلا على ذلك قوله [من الطويل] :

بكيت أخا اللأواء يحمد يومه

 ... البيت (٢)

__________________

٤٠٤ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٢٣ ؛ وتخليص الشواهد ص ١٥٧ ؛ وخزانة الأدب ٧ / ٥٣٧ ، ٥٥٩ ، ٥٦٠ ، ٥٦٣ ؛ والدرر ١ / ١٥٢ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧٤ ؛ وشرح المفصل ٥ / ٨ ، ٦ / ٢١ ؛ والكتاب ١ / ٢١٠ ؛ والمحتسب ٢ / ٨٧ ؛ والمقتضب ٢ / ١٧٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٠.

اللغة : تعفوا : تمنح لكم العافية.

المعنى : إن الإنسان يجب أن يعمل للأيام الشديدة حسابها ، وحتى الطعام يجب الإقلال منه ، فأول فائدة منه هي الصحة.

الإعراب : كلو : فعل أمر مبني على حذف النون ، لأن مضارعه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. في بعض : جار ومجرور متعلقان بالفعل كلوا. بطنكم : مضاف إليه مجرور ، و «كم» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. تعفوا : فعل مضارع مجزوم (جواب الطلب) بحذف النون من آخره ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. فإن : «الفاء» : استئنافية ، «إن» : حرف مشبه بالفعل. زمانكم : اسم إن منصوب ، و «كم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. زمن : خبر إن مرفوع بالضمة. خميص : صفة للزمان مرفوعة.

وجملة «كلوا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تعفوا» : جواب طلب لا محلّ لها. وجملة «إن زمانكم زمن خميص» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «في بطنكم» حيث جاء المفرد بدل الجمع لضرورة شعرية.

(١) تقدم بالرقم ٣٩٩.

٢٣

ألا ترى أنّه يندب ميّتا ، فدلّ ذلك على أنّه يريد بـ «ضروب» معنى الماضي. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بل هو محمول على حكاية الحال كما تقدّم ذلك في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(١).

__________________

(١) الكهف : ١٨

٢٤

باب الصفة المشبّهة باسم الفاعل

[١ ـ التعريف بالصفة المشبّهة باسم الفاعل] :

الصفة المشبهة باسم الفاعل هي كل صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ لأنها إنّما شبهت باسم الفاعل المأخوذ من الفعل المتعدّي ، فعملت عمله.

ووجه الشبه بينهما أنّها صفة كما أنّ اسم الفاعل كذلك ، وأنّها متحملة للضمير كما أنّ اسم الفاعل متحمّل ضميرا ، وأنّها طالبة للاسم بعدها كما أنّ اسم الفاعل طالب للاسم بعده ، وأنّها تذكّر وتؤنّث وتثنّى وتجمع كما أنّ اسم الفاعل كذلك ، فتقول : «مررت برجل حسن الوجه» ، كما تقول : «مررت برجل ضارب زيدا». فلمّا أشبهته من هذه الوجوه عملت عمله ، فإن نقص من هذه الوجوه شيء لم تعمل ، مثال ذلك : «أفعل من» ، هو صفة متحمل ضميرا طالب الاسم بعده ، تقول : «زيد أفضل من عمرو أبا» ، ولا تقول : «زيد أفضل من عمرو الأب» ، لأنّه قد نقص منه التثنية والجمع والتأنيث.

[٢ ـ أقسام الصفة المشبّهة] :

والصفة المشبهة تنقسم ثلاثة أقسام : قسم اتفق النحويون على أنه يشبّه عموما ، وقسم اتفق النحويون على أنه يشبّه خصوصا ، وقسم فيه خلاف.

فالذي يشبه باسم الفاعل عموما هي كل صفة لفظها ومعناها صالح للمذكّر والمؤنّث ، ونعني بالعموم أنّ تجري صفة المؤنث على المؤنث ، والمذكر على المذكر ، والمذكر على المؤنث ، والمؤنث على المذكر ، مثال ذلك : «مررت برجل حسن الوجه».

٢٥

والذي يشبه باسم الفاعل خصوصا هي كل صفة لفظها ومعناها خاص بالمذكّر أو بالمؤنث ، ونعني بالخصوص أن تجري صفة المذكر على المذكر ، والمؤنث على المؤنث ، مثال ذلك : «عذراء» في المؤنث و «ملتح» في المذكّر ، تقول : «مررت برجل ملتح الابن» ، و «بامرأة عذراء البنت» ، ولا يجوز أن تقول : «مررت برجل أعذر البنت» ، ولا «بامرأة ملتحية الابن» ، لئلا تحدث لفظا ليس من كلام العرب. والذي فيه خلاف كل صفة لفظها صالح للمذكر والمؤنث ومعناها خاصّ بأحدهما ، مثال ذلك : «حائض» في المؤنث و «خصيّ» في المذكر ، فتقول : «مررت برجل خصيّ الابن وبامرأة حائض البنت».

فأما أبو الحسن الأخفش فيجري من هذا صفة المؤنث على المذكّر ، والمذكّر على المؤنث ، نحو : «مررت برجل حائض البنت وبامرأة خصيّ الزوج». ووجه جوازه عنده أنّه لم يحدث لفظا ليس من كلام العرب ، لأنّ «خصيّا» «فعيل» ، و «فعيل» بمعنى «مفعول» يكون للمذكّر والمؤنّث بغير هاء ، وكذلك «حائض» لفظها صالح للمذكر. وهذا الذي ذهب إليه أبو الحسن غير صحيح عند جميع النحويين ، لأنّ هذا الباب مجاز ، والمجاز لا يقال منه إلّا ما سمع ، ولم يسمع من كلامهم مثل : «مررت برجل حائض البنت» ولا «بامرأة خصيّ الزوج». وأيضا فإنّ المجاز لا يقال إلّا حيث تسوغ الحقيقة ، والحيض لا يكون للرجل حقيقة فلا يكون له مجازا ، لأنّ المجاز مشبه بالحقيقة. وكذلك الخصاء لا يكون للمرأة حقيقة فلا يكون لها مجازا.

[٣ ـ شروط الصفة كي تكون مشبّهة] :

والصفة لا تكون مشبّهة حتى تنصب أو تخفض ، لأنّ الخفض لا يكون إلّا من النصب ولا يجوز أن يكون من الرفع لئلا يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه.

وهذه الصفة إذا نصبت أو خفضت تبعت لما قبلها في أربعة من عشرة ، وهي : الرفع ، والنصب ، والخفض ، والتعريف والتنكير ، والتذكير ، والتأنيث ، والإفراد ، والتثنية ، والجمع ، مثل : «مررت برجل حسن الوجه ، وبامرأة حسنة الوجه ، وبرجلين حسني الأب» ؛

٢٦

أما قوله [من الكامل] :

٤٠٥ ـ يا ليلة خرس الدّجاج سهرتها

ببغداد ما كادت إلى الصّبح تنجلي

فأما أبو علي فتأول هذا البيت بأن جعل الليلة لطولها كالجمع فكأنّ كل جزء من هذه الليلة ليلة ، والعرب قد تفعل مثل هذا ، حكى من كلامهم : «ثوب أخلاق» ، و «برمة أعشار» (٢) و «ضبع حضاجر» (٣) ، للعظيم البطن.

وهذا الذي تأول به أبو علي الفارسي حسن لو لا أنّ يعقوب حكى عن الأصمعي أنّ العرب تقول : «ليلة خرس» ، إذا لم يسمع فيها صوت ، والعرب قد تسكن «فعلا» فتقول في «عنق» : عنق ، وفي «أذن» : أذن ، وفي «طنب» : طنب. فعلى هذا لا إشكال في البيت. لأنه من وصف المفرد بالمفرد.

__________________

٤٠٥ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في لسان العرب ٣ / ٩٤ (بغدد) ، ١٣ / ٥٨ (بغدن) ؛ والمخصص ١٦ / ١٦٣ ؛ وتاج العروس (بغدن).

اللغة : ليلة خرس : ليلة لا يسمع فيها صوت.

المعنى : يشتكي الشاعر من ليلة طويلة ، لا تكاد تنجلي ، شديدة الوطأة ، لا يسمع فيها صوت لشيء حتى الدجاج ، وهذه الليلة سهرها الشاعر في بغداد.

الإعراب : يا ليلة : «يا» : حرف نداء ، «ليلة» : منادى نكرة غير مقصودة منصوب بالفتحة. خرس : صفة لليلة منصوبة مثلها. الدجاج : مضاف إليه مجرور. سهرتها : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. ببغداد : «الباء» : حرف جر ، و «بغداد» : اسم مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (سهرت). ما كادت : «ما» : نافية «كادت» فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، و «التاء» : تاء التأنيث الساكنة ، واسمها ضمير مستتر تقديره (هي). إلى الصبح : جار ومجرور متعلقان بخبر كادت. تنجلي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على آخره ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي).

وجملة «يا ليلة خرس» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «سهرتها» : في محلّ نصب صفة. وجملة «ما كادت تنجلي» : في محل نصب صفة. وجملة «تنجلي» : في محلّ نصب خبر كادت.

والشاهد فيه قوله : «يا ليلة خرس الدجاج» حيث وصف المفرد بالجمع.

(١) البرمة : القدر من الحجارة. والأعشار : جمع عشر ، وهو القطعة تنكسر من القدر. وقيل : المعنى : قدر عظيمة لا يحملها إلّا عشرة.

(٢) حضاجر : اسم للذكر والأنثى من الضباع.

٢٧

وإذا رفعت تبعت لما قبلها اثنين من خمسة ، في الرفع ، والنصب ، والخفض ، والتعريف ، والتنكير ، وتبعت لما بعدها في لغة : «أكلتني البراغيث» في واحد من اثنين ، في التأنيث والتذكير ، وفي لغة من يقول : «أكلوني البراغيث» ، في اثنين من خمسة : في التذكير ، والتأنيث ، والإفراد ، والتثنية ، والجمع.

وهذه الصفة لا تعمل إلّا في السببيّ بشرط أن يكون فيه الألف واللام ، مثل : «مررت برجل حسن الوجه» ، أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام مثل : «مررت برجل حسن غلام الأب» ، أو نكرة ، مثل : «مررت برجل حسن وجها» ، أو مضافا إلى الضمير ، مثل : «مررت برجل حسن وجهه».

وأجاز بعض النحويين أن يكون السببي بـ «من» ، واستدلّ على ذلك بقوله [من الرجز] :

٤٠٦ ـ ومهمه هالك من تعرّجا

وهذا لا حجة فيه ، لأنّ هالكا ليس بصفة مشبّهة وإنّما هو واقع موقع مهلك وفاعل قد يقع موقع مفعل ، وحكي من كلام العرب : أورس الشّجر فهو وارس ، وأيفع الغلام فهو يافع.

__________________

٤٠٦ ـ التخريج : الرجز للعجاج في ديوانه ٢ / ٤٣ ؛ وأدب الكاتب ص ٤٣٩ ؛ والأشباه والنظائر ٢ / ٣٩٧ ؛ والخصائص ٢ / ٢١٠ ؛ ولسان العرب ١٠ / ٥٠٤ (هلك) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٩ ؛ والمقتضب ٤ / ١٨٠ ، ١٨١.

اللغة : المهمه : الفلاة الواسعة. تعرّج : سلك.

الإعراب : ومهمه : «الواو» : واو رب ، «مهمه» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ ، وخبر المبتدأ محذوف تقديره تجاوزته. هالك : صفة لمهمه مجرورة على اللفظ. من : اسم موصول في محل نصب مفعول به لاسم الفاعل هالك. تعرجا : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الألف» : للإطلاق ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هو).

وجملة «مهمه تجاوزته» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تعرجا» : صلة الموصول لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «هالك من تعرّجا» حيث جاءت (هالك) عند بعضهم صفة مشبّهة عاملة ، وهي في الحقيقة واقعة مكان «مهلك».

٢٨

[٤ ـ الصفة المعرفة والصفة النكرة] :

والصفة في هذا الباب مشبهة كانت أو غير مشبهة لا تخلو أن تكون معرفة أو نكرة ، فإن كانت نكرة فلا يخلو أن يكون في معمولها الألف واللام ، أو يكون مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، أو نكرة ، أو مضافا إلى الضمير.

فإن كانت فيه الألف واللام ، أو كان مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، مثل : «مررت برجل حسن الوجه» ، و «مررت برجل حسن وجه الأخ» ، جاز في المعمول ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والخفض. أجودها الخفض ، ثم النصب ، ثم الرفع. وإن كان نكرة ، جاز فيه ثلاثة أوجه : أجودها النصب ، ثم الخفض ، ثم النصب على الشبه بالمفعول به ، ثم الرفع.

وإن كان مضافا إلى الضمير جاز فيه ثلاثة أوجه : الرفع في فصيح الكلام ، والنصب والخفض في ضرورة الشعر.

فإن كانت الصفة معرفة ، فلا يخلو أن يكون في معمولها الألف واللام ، أو يكون مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، أو مضافا إلى الضمير أو نكرة.

فإن كان فيه الألف واللام ، أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام ، مثل قولك : «مررت بالرجل الحسن الوجه ، أو الرجل الحسن وجه الأخ» ، جاز فيه ثلاثة أوجه : النصب ، والرفع ، ثم الخفض ، أجودها النصب ، ثم الخفض ، ثم الرفع.

وإن كان مضافا إلى الضمير تصور فيه ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والخفض : الرفع في فصيح الكلام ، والنصب في ضرورة الشعر ، والخفض ممتنع.

وإن كان نكرة تصور فيه ثلاثة أوجه : الرفع ، والنصب ، والخفض : النصب في فصيح الكلام ، والرفع قليل ، والخفض ممتنع.

[٥ ـ معمول الصفة المشبّهة] :

وهذه الصفة لا يخلو أن يكون معمولها مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مخفوضا. فإن كان مخفوضا فبالإضافة. وإن كان منصوبا فلا يخلو من أن يكون معرفة أو نكرة. فإن كان معرفة

٢٩

فعلى التشبيه بالمفعول ، وإن كان نكرة جاز فيه وجهان : أحدهما النصب على التمييز ، وإن شئت نصبت على التشبيه بالمفعول به.

وإن كان مرفوعا ، فلا يخلو أن يكون مضافا إلى الضمير ، أو معرّفا بالألف واللام. فإن كان مضافا إلى الضمير فعلى أن يكون فاعلا. وإن كان معرّفا بالألف واللام ففيه خلاف. فمذهب سيبويه رحمه‌الله أنّه فاعل. وعلى مذهب أبي علي الفارسي أنّه بدل من الضمير الذي في الصفة. والصحيح مذهب سيبويه على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى.

فعلى هذا مسائل هذا الباب المتصوّرة فيه ثماني عشرة. ثلاث في مثل : «مررت برجل حسن الوجه» ، بالرفع ، والنصب ، والخفض. وكذلك المضاف إلى ما فيه الألف واللام ، نحو : «مررت برجل حسن وجه الأخ» ، يجوز فيه أيضا ثلاثة أوجه ، وثلاثة في مثل قولك : «مررت برجل حسن وجهه» ، بالرفع ، والنصب ، والخفض. وثلاثة في مثل : «مررت برجل حسن وجه» بالرفع ، والنصب ، والخفض. ومثل ذلك مع تعريف الصفة ، نحو : «مررت بالرجل الحسن وجه الأخ». وثلاثة في مثل : «مررت بالرجل الحسن وجهه» ، بالرفع ، والنصب ، والخفض. وكذلك «مررت بالرجل الحسن وجه» ، بالرفع ، والنصب ، والخفض.

فجملة مسائل هذا الباب المتصورة ثماني عشرة كما تقدم. امتنع منها مسألتان : «الحسن وجهه» و «الحسن وجه» ، لما يذكر بعد ، فبقي منه ست عشرة مسألة جائزة : ثلاث منها لا تجوز إلّا في ضرورة ، وهي : «حسن وجهه» ، بالنصب والخفض و «الحسن وجهه» ، بالنصب. والباقي منها ، وذلك ثلاث عشرة ، جائزة في الكلام الفصيح ، لكنّ بعضها أقوى من بعض على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى.

قال الأستاذ (١) : والموجب لامتناع «الحسن وجهه» أنّه اجتمع فيه شيئان ضعيفان : أحدهما تكرار الضمير لأنّ الإضافة متى نصبت معمولها فلا بد في الصفة من ضمير مرفوع يعود على الموصوف. والآخر الجمع بين الألف واللام والإضافة. وكل واحد منهما على انفراده ضعيف. فلمّا اجتمع ضعيفان لم تجز المسألة. وأيضا فإنّ الألف واللام عوض من التعريف الذي منعت الصفة لإضافتها إلى معرفة. والألف واللام لما لم يكن من قبيل الإضافة لم يجز أن يكون عوضا منها.

__________________

(١) هو أبو القاسم الزجاجي.

٣٠

وكذلك : «مررت بالرجل الحسن وجه» ، لم يجز لأنه عكس الإضافة ، أعني إضافة المعرفة إلى النكرة ، والباب إضافة النكرة إلى المعرفة وأيضا فإنّ الألف واللام ليس لها ما تكون عوضا منه.

وأما «مررت برجل حسن وجهه» ، بالخفض والنصب ، و «مررت بالرجل الحسن وجهه» ، بالنصب ، فلم يجز إلّا في الضرورة لأنّه يؤدّي إلى تكرار الضمير.

وأما الخلاف الذي ذكرناه في معمول الصفة إذا كان مرفوعا ، وليس فيه إضافة إلى الضمير ، فسببه أنّ الصفة لا بدّ فيها من ضمير يعود على الموصوف ، فإذا قلت : «مررت برجل حسن الوجه» ، فالضمير على مذهبنا محذوف لفهم المعنى ، كأنّك قلت : الحسن الوجه منه.

ومذهب أهل الكوفة أن الألف واللام عوض من الضمير ، والأصل عندهم : «مررت بالرجل الحسن وجهه» ، فأدخلت الألف واللام على «الوجه» ، وصارت عوضا من الضمير ، وهذا فاسد ، لأنّه لا وجه لإدخال الألف واللام على المعرفة ، وأما على مذهبنا فإنّما أدخلناها على النكرة ، والأصل : «مررت برجل حسن وجه منه» ، ثم أدخلت الألف واللام وحذفت الضمير لفهم المعنى. ولما كان حذف الضمير من الصفة قليلا حمله الفارسي على أنّ «الوجه» بدل من الضمير الذي في الصفة حتى لا تخلو الصفة من ضمير. وهذا الذي حمل الفارسيّ على جعل «الوجه» بدلا من الضمير ينبغي أن لا يلتفت إليه ، لأنّه يلزمه أن يجعل «الوجه» بدلا من الضمير بدل بعض من كلّ ، ولا بد في بدل البعض من الكل من ضمير يعود على المبدل منه ، ولا يجوز حذفه إلا في قليل من الكلام. فإذا كان الوجهان كلاهما مفضيان إلى حذف الضمير مما لا يحذف منه إلا قليلا ، فلا فائدة في تكلّف الإضمار.

وينبغي أن يعلم أنّ الرفع في هذا الباب أحسن من النصب والخفض ، لأنّه هو الحقيقة وما عداه مجاز ، ثم يليه الخفض لأنها إذا خفضت ما بعدها كانت في اللفظ غير عاملة ، فقربت من الأصل ، ثم النصب إلّا أن يكون النصب على التمييز لأنّه في رتبة الرفع.

والأصل هذا ما لم يؤدّ الرفع إلى حذف الضمير ، لأنّه يكون إذ ذاك دون النصب والخفض.

والأحسن في معمول هذه الصفة أن يكون معرّفا بالإضافة إلى الضمير ، لأنّه هو الأصل

٣١

ما لم يؤدّ إلى تكرير الضمير ، ثم يليه التعريف بالألف واللام لأنّه يشبه الأصل في أنّ معموله معرّف ، ثم التنكير.

فعلى هذه القوانين المتقدّمة تعتبر مسائل هذا الباب في الجودة ، والرداءة : فأما قول أبي القاسم الزجاجي : والوجه الحادي عشر أجازه سيبويه رحمه‌الله وحده ... ففاسد من غير وجه.

أما سيبويه فلم يجز ذلك بل قال : وقد جاء في الشعر : «حسنة وجهها» ، فقصره على الشعر كما ترى.

وأما قول أبي القاسم : وخالفه في ذلك جميع النحويين من البصريين والكوفيين ، فباطل بل لا يحفظ لأحد من النحويين خلاف لسيبويه في ذلك إلا للمبرد ، فإنّه خالفه فيما ادعى سيبويه رحمه‌الله من مجيء ذلك في الشعر ، وتأوّل البيت على خلاف ما حمله عليه سيبويه رحمه‌الله ، وأنا أذكره بعد إن شاء الله تعالى.

وقوله : «لأنّه قد أضاف الشيء إلى نفسه» ، فاسد ، لأنّ إضافة الشيء إلى نفسه في هذا الباب لا تتصوّر إلّا أن تكون الإضافة من رفع ، وما ذكره سيبويه فالإضافة فيه من نصب. فتبيّن أنّه ليس من إضافة الشيء إلى نفسه ، والدليل على ما ذكره سيبويه من أنّ الإضافة فيه من نصب قوله : «وقد جاء في الشعر : حسنة وجهها» ، فباطل أن تكون الإضافة هنا من رفع ، لأنّه لو كان كذلك لوجب أن تكون «حسن وجهها» ، لأنّ الصفة إذا رفعت الظاهر كانت على حسبه من تذكير وتأنيث ، وإذا رفعت المضمر كانت على حسبه ، فدلّ ذلك على أنّ في «حسن» من قولك : «مررت بامرأة حسن وجهها» ضميرا يعود على «امرأة» ، ويكون «وجهها» إذ ذاك في موضع نصب. واستدلّ سيبويه رحمه‌الله على مجيء ذلك في الشعر بقوله [من الطويل] :

٤٠٧ ـ أمن دمنتين عرّج الركب فيهما

بحقل الرخامي قد عفا طللاهما

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما

__________________

٤٠٧ ـ التخريج : البيتان للشماخ في ديوانه ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٣ ؛ والدرر ٥ / ٢٨١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٧ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٦ ؛ والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٠ ؛ والكتاب ١ / ١٩٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٨٧ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٩٩ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٨ / ٢٢٠ ، ٢٢٢ ؛ والمقرب ١ / ١٤١.

اللغة : الربعان : الدار والمنزل. الصفا : الصخر الأملس ، والجارتان هما الأثفيتان. الكميت : اللون بين الأسود والأحمر. الجونة : السواد. المصطلى : موضع احتراق النار.

٣٢

فـ «كميتا» صفة لـ «الجارتين» وكذلك «جونتا» صفة لـ «الجارتين» ، وفيهما ضمير يعود على «الجارتين» ، وهو مضاف إلى «المصطلى» المضاف إلى ضمير «الجارتين» ، ولو كان «المصطلى» في موضع رفع لكان «جون» مفردا مذكّرا ، لأنّ الصفة إذا رفعت الظاهر كانت على حسبه من تذكير وتأنيث ، وتكون مفردة على كل حال. لقد تبيّن أنّ الإضافة في ذلك من نصب.

وأما المبرد فزعم أنّه لا حجة في البيت لاحتمال أن يكون الضمير الذي في «مصطلاهما» عائدا على «الأعالي» ، فكأنّه قال : جونتا مصطلى الأعالي ، فأعاد الضمير على «الأعالي» على صيغة التثنية ، لأنّهما في المعنى أعليان ، فوقع الجمع موقع التثنية لأنّه من باب «قطعت رؤوس الكبشين» ، فيكون نظير قول الآخر [من الطويل] :

٤٠٨ ـ [رأت جبلافوق الجبال إذا التقت]

رؤوس كبيريهنّ ينتطحان

__________________

الإعراب : ... أقامت : فعل ماض ، و «التاء» : للتأنيث. على ربيعهما : جار ومجرور متعلقان بـ «أقامت» ، وهو مضاف ، و «هما» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. جارتا : فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثنّى ، وهو مضاف. صفا : مضاف إليه مجرور. كميتا : نعت «جارتا» مرفوع بالألف لأنّه مثنّى ، وهو مضاف. الأعالي : مضاف إليه مجرور. جونتا : نعت «جارتا» مرفوع بالألف لأنّه مثنّى ، وهو مضاف. مصطلاهما : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، و «هما» : ضمير متّصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة.

الشاهد فيهما قوله : «جونتا مصطلاهما» حيث ذهب سيبويه إلى أنّ ضمير المثنى «هما» في «مصطلاهما» راجع إلى قوله «جارتا صفا» الموصوف بـ «جونتا» وجعل الصفة مضافة إلى معمولها بدليل حذف النون التي تنوب في المثنى عن تنوين الاسم المفرد ، وكأنّه قد قال : «هاتان جارتا صفا جونتا مصطلى الجارتين» بإضافة الصفة إلى معمولها ، فالصفة المجرّدة من «أل» قد أضيفت إلى معمولها المضاف إلى ضمير عائد على الموصوف.

٤٠٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١٦ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٢٩٩ ، ٣٠١ ؛ والخصائص ٢ / ٤٢١ ؛ ولسان العرب ٦ / ٩١ (رأس).

المعنى : يصف الشاعر قمة جبل عظيم شاهق له رأسان ، يظن من يراهما أن أحدهما يقترب من الآخر فيكادان يتناطحان.

الإعراب : رأت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر جوازا تقديره (هي). جبلا : مفعول به منصوب بالفتحة. فوق : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة للجبل. الجبال : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إذا : ظرفية شرطية متعلقة بالجواب. التقت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث. رؤوس : فاعل مرفوع بالضمة. كبيريهن : مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الياء لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، و «النون» : لجمع

٣٣

وإذا كان على هذا لم يكن مثل «مررت برجل حسن وجهه» ، ألا ترى أنّ «حسن وجهه» وبابه يلزم فيه تكرار الضمير ، لأنّ في «حسن» ضميرا يعود على «الرجل» ، والضمير في «وجهه» يعود على «الرجل» أيضا وليس كذلك : «جونتا مصطلاهما» ، على ما أخذه سيبويه رحمه‌الله ، لأنّ الضمير الذي في «جونتا» يعود على «الجارتين» ، والضمير الذي في «مصطلاهما» يعود على «الأعالي».

والذي يبطل ما ذهب إليه المبرّد فساد المعنى وضعف اللفظ ، أما ضعف اللفظ فإنّ عود الضمير على الظاهر ينبغي أن يكون على حسبه في اللفظ ، وحمله على المعنى قليل. وأمّا فساد المعنى فإنّه يكون المعنى إذ ذاك : جونتا مصطلى الأعالي ، والمصطلى في الحقيقة إنّما هو للجارتين لا للأعالي ، فيصير ذلك بمنزلة قولك : «مررت برجل حسن وجه رأسه» ، فتضيف «الوجه» إلى «الرأس» ، وإنّما هو للرجل ، فكما أنّ العرب لا تقول هذا ، فكذلك لا تقول ما هو بمنزلته. وأيضا فإنّ أهل الكوفة قد حكوا مثل : «مررت برجل حسن وجهه» ، بالنصب.

وإذا ثبت النصب جاز الخفض ، لأنّ الإضافة إنّما تكون منه ، وأنشدوا على ذلك [من الرجز] :

٤٠٩ ـ أنعتها إنّي من نعّاتها

كوم الذّرى وادقة سرّاتها

__________________

المؤنث. ينتطحان : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محل رفع فاعل.

وجملة «رأت جبلا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «التقت» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «ينتطحان» : جواب شرط غير جازم لا محل لها ، وجملة «إذا التقت رؤوس ... ينتطحان» حال من (الجبال) محلها النصب.

والشاهد فيه قوله : «رؤوس كبيريهنّ ينتطحان» حيث وقع الجمع «رؤوس» موقع المثنى بدليل قوله : «ينتطحان».

٤٠٩ ـ التخريج : الرجز لعمر بن لجأ التيميّ في الأصمعيات ص ٣٤ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٢١ ؛ والدرر ٥ / ٢٨٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٨٣ ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ٦ / ٨٣ ، ٨٨.

اللغة : كوم : جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام. الذرى : جمع ذروة ويريد بها السنام. وادقة : من ودق البطن أي اتسع ودنا من السمن.

المعنى : يصف الشاعر نوقا بالضخامة وعظمة الأسنمة والبطون التي اندلعت لكثرة الشحم ، فدنت من الأرض.

٣٤

ففي «وادقة» ضمير يعود على «الأرضى» المتقدّمة الذكر ، و «سرّاتها» منصوبة ، والضمير المتّصل بها يعود على «الأرضى» المتقدّمة أيضا. ومثل «جونتا مصطلاهما» بيت الأعشى في إحدى الروايتين أيضا [من المتقارب] :

٤١٠ ـ فقلت له هذه هاتها

بأدماء في حبل مقتادها

ألا ترى أنّ أدماء فيها ضمير الناقة وهو بعد ذلك مضاف إلى «المقتاد» المضاف إلى ضمير «الناقة» ، ولا تكون الإضافة من رفع ، إذ لو كان كذلك لكان : «آدم مقتادها» ، لأنّ المقتاد مذكر ، والصفة قد تقدّم أنّها تكون من تذكير وتأنيث على حسب فاعلها.

__________________

الإعراب : أنعتها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره : «أنا». إني : «إن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب اسم إن. من نعاتها : جار ومجرور متعلقان بخبر إن المحذوف ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. كوم : مفعول به لفعل محذوف تقديره : أعني. الذرى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. وادقة : نعت «كوم» منصوب بالفتحة. سراتها : اسم منصوب على التشبيه بالمفعول به وعلامة نصبه الكسرة عوضا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. و «ها» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة «أنعتها» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «إني من نعاتها» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أعني كوم الذرى» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «وادقة سراتها» حيث نصبت الصفة المشبّهة الاسم المضاف إلى ضمير الموصوف.

٤١٠ ـ التخريج : البيت للأعشى في ديوانه ص ١١٩ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٢٥٢ (رمم) ؛ ومقاييس اللغة ٢ / ٣٧٩ ؛ وتهذيب اللغة ١٥ / ١٩٢ ؛ وأساس البلاغة (قود) ؛ وتاج العروس (رمم).

اللغة : الأدماء : الناقة البيضاء. المقتاد : القائد.

المعنى : هات هذه الخمرة بهذه الناقة مصحوبة بحبلها.

الإعراب : فقلت : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. له : جار ومجرور متعلقان بالفعل قلت. هذه :

«الهاء» : للتنبيه ، «ذه» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. هاتها : «هات» : اسم فعل أمر مبني على الكسر وفاعله محذوف تقديره أنت ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. بأدماء : جار ومجرور متعلقان بالفعل ، و «أدماء» : ممنوعة من الصرف. في حبل : جار ومجرور متعلقان بصفة لـ (أدماء). مقتادها : مضاف إليه مجرور و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «قلت» : بحسب الواو. وجملة «هاتها» : في محل رفع خبر للمبتدأ هذه. وجملة «هذه هاتها» : في محل نصب مقول القول.

والشاهد فيه أوضحه المؤلف في المتن.

٣٥

باب التعجب

[١ ـ تعريف التعجب وصيغه] :

التعجب استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها ، وخرج بها المتعجّب منه عن نظائره ، أو قلّ نظيره.

فقولنا : «استعظام» لأنّ التعجب لا يصحّ إلا ممّن يصحّ في حقه الاستعظام ، ولذلك لا يجوز أن يرد التعجب من الله تعالى ، فإن ورد فبالنظر إلى المخاطب وذلك نحو قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) ، ونحو قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٢).

وقولنا : «زيادة» ، لأن التعجب لا يجوز إلّا مما يزيد وينقص. فأما الخلق الثابتة فلا يجوز التعجب منها إلّا ما شذّ ، وهو : ما أحسنه ، وما أقبحه ، وما أطوله ، وما أقصره ، وما أهوجه ، وما أنوكه (٣) ، وما أحمقه ، وما أشنعه! وقولنا : «في وصف الفاعل» ، تحرّز من وصف المفعول ، لأنّه لا يجوز التعجب من وصف المفعول ، فلا يجوز أن تقول : «ما أضرب زيدا». وأنت تريد التعجب من الضرب الذي وقع به.

واختلف في السبب المانع من ذلك فمنهم من قال : إنّه لم يجز التعجب منه لئلّا يلتبس

__________________

(١) مريم : ٣٨.

(٢) البقرة : ١٧٥.

(٣) أي : ما أحمقه!

٣٦

بفعل الفاعل ، فهذا يجيز التعجب إذا عدم اللبس ، فيكون قول الرمادي [من الطويل] :

٤١١ ـ ولا شبل أحمى من غزال كأنّه

من السمر والأحراس في حبس ضيغم

جائزا ، لأنّه قد عدم اللبس المانع من التعجب. والدليل من هذا البيت أنّ «أفعل» التي للمفاضلة تجري مجرى فعل التعجّب ، فلا يبنى إلّا مما بني منه.

ومنهم من ذهب إلى أنّه لا يجوز التعجّب من فعل المفعول ، لأنّه ليس للمفعول فيما أوقع به من فعل التعجب كسب ، فأشبه لذلك الخلق والألوان ، إذ ليس ذلك من كسب المتعجّب منه ، فعلى هذا يكون بيت الرماديّ الأول لحنا.

ولا يجوز التعجب عند صاحب هذا المذهب إلّا فيما سمع من ذلك وهو : ما أشعله ، وما أجنّه ، وما أولعه ، وما أخوفه عندي ، وما أحبّه إليّ ، وما أمقته عندي ، وما أبغضه إليّ ، والدليل على جواز «ما أخوفه عندي» قول كعب بن زهير [من البسيط] :

٤١٢ ـ فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه

وقيل إنّك محبوس ومقتول

من ضيغم بثراء الأرض مخدره

ببطن عثّر غيل دونها غيل

__________________

٤١١ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : الشبل : ولد الأسد. أحمى : أكثر حمى ومنعة. السمر : الرماح. الضيغم : الأسد.

المعنى : إنها محميّة بالرماح والحرّاس أكثر مما تحمي الأسود أشبالها.

الإعراب : ولا : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «لا» : نافية للجنس. شبل : اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب. أحمى : خبر «لا» مرفوع بالضمة المقدرة على الالف. من غزال : جار ومجرور متعلقان بـ «أحمى». كأنّه : حرف مشبه بالفعل ، و «الهاء» : ضمير متصل مبني في محل نصب «اسمها». من السمر : جار ومجرور متعلقان بخبر «كأن» المحذوف. في حبس : جار ومجرور متعلقان بخبر «كأن» المحذوف.

وجملة «لا شبل أحمى من غزال» : بحسب الواو. وجملة «كأنه ... في حبس ضيغم» : في محل جر صفة.

والشاهد فيه قوله : «ولا شبل أحمى من غزال» حيث جاء باسم التفضيل من الفعل «حمى» واسم التفضيل يجري مجرى التعجب في شروط بنائه. وهذا دليل على أنه يجوز التعجب من فعل المفعول. وذهب بعضهم إلى أن في هذا البيت لحنا فلا يقاس عليه.

٤١٢ ـ التخريج : البيتان لكعب بن زهير في ديوانه ص ٦٦ ؛ والدرر ٦ / ٢٦٣ ؛ والمقرب ١ / ٧١ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٣١ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٦٦.

٣٧

وقولنا : «خفي سببها» ، تحرّز مما هو غير خفيّ السبب كالألوان فإنّه لا يجوز التعجب منها أصلا عند أهل البصرة إلّا في ضرورة شعرا ، نحو قوله [من البسيط] :

٤١٣ ـ إذا الرجال شتوا واشتدّ أكلهم

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ

__________________

اللغة : ضيغم : من أسماء الأسد ، مخدره : مكانه أي الأسد. عثر : موضع. الغيل : الشجر الملتف.

المعنى : هذا الممدوح أخوف عندي عند ما أكلمه ، وعند ما يقال له إنك إما محبوس وإما مقتول من أسد مفترس يقيم بعيدا في غابات ملتفة ومتداخل بعضها ببعض.

الإعراب : فلهو : «الفاء» : استئنافية ، «اللام» : لام الابتداء ، «هو» : ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ. أخوف : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. عندي : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بـ (أخوف) ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. إذ : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بـ (أخوف). أكلمه : فعل مضارع مرفوع ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا). وقيل : «الواو» : حالية ، «قيل» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. إنك : «إن» : حرف مشبه بالفعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محل رفع اسمها. محبوس : خبر إن مرفوع بالضمة. ومقتول : «الواو» : حرف عطف ، و «مقتول» : اسم معطوف على (محبوس) مرفوع مثله. من ضيغم : جار ومجرور متعلقان بأخوف. بثراء : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف تقديره كائن. الأرض : مضاف إليه مجرور بالكسرة. مخدره : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ببطن : جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف تقديره كائنة. عثر : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف. غيل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. دونها : مفعول فيه ظرف مكان متعلق بخبر مقدم محذوف ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. غيل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.

وجملة «لهو أخوف» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أكلمه» : في محل جرّ بالإضافة. وجملة «قيل إنك» : في محلّ نصب حال وجملة «إنك محبوس» : في محلّ رفع نائب فاعل. وجملة «بثراء الأرض مخدره» : في محل جرّ صفة. وجملة «ببطن عثر غيل» : استئنافية لا محل لها. وجملة «دونها غيل» : في محل رفع صفة.

والشاهد فيهما قوله : «فلهو أخوف عندي من ضيغم» فقد استدل به على جواز استعمال ما أخوفه.

٤١٣ ـ التخريج : البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ١٨ ؛ ولسان العرب ٧ / ١٢٤ (بيض) ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٩ ؛ وأمالي المرتضى ١ / ٩٢ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٠ ؛ وشرح المفصل ٦ / ٩٣ ؛ ولسان العرب ٧ / ١٢٣ (بيض) ، ١٥ / ٩٦ (عمى) ؛ والمقرب ١ / ٧٣.

اللغة : شتوا : دخلوا في الشتاء. اشتد : صار شديدا عسيرا. السربال : القميص ، أو كلّ ما لبس.

المعنى : يهجو أحدهم واصفا إياه بالبخيل الشحيح ، فيقول : عند ما يدخل الناس في فصل الشتاء ، ويعسر عليهم إيجاد ما يأكلونه ، تكون أنت أكثر الناس شحّا ، فطبّاخك لا يعمل ، بل تبقى ملابسه بيضاء ، لأنك لا تولم لأحد ، ولا تطبخ شيئا.

٣٨

ونحو قوله [من الرجز] :

٤١٤ ـ جارية في درعها الفضفاض

[تقطّع الحديث بالإيماض]

أبيض من أخت بني إباض

وأما أهل الكوفة فأجازوا ذلك في السواد والبياض لأنهما أصلان للألوان ، واستدلوا على جوازه في البياض بما قدمناه أوّلا ، وفي السواد بما جاء في صفة جهنم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

الإعراب : «إذا» : ظرف لما يستقبل من الزمان ، يتضمن معنى الشرط ، متعلق بالجواب. «الرجال» : فاعل مرفوع بالضمة لفعل محذوف تقديره (شتا). «شتوا» : فعل ماض مبني على الضم المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. واشتدّ : «الواو» : حرف استئناف ، «اشتد» : فعل ماض مبني على الفتح. «أكلهم» : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «فأنت» : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «أنت» : ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. «أبيضهم» : خبر مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «سربال» : تمييز منصوب بالفتحة. «طباخ» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة : «إذا الرجال شتوا ...» الشرطية ابتدائية لا محل لها. وجملة «شتا الرجال» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «شتوا» : تفسيرية لا محل لها. وجملة «اشتدّ» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «فأنت أبيضهم» : جواب شرط غير جازم لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «أبيضهم» حيث اشتق أفعل التفضيل من اللون الأبيض ، والألوان عادة لا تستخدم في التفضيل مباشرة بل يقال (أكثر بياضا ، أو أشد ، أو أنصع ...).

٤١٤ ـ التخريج : الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٣٣ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٨١ ؛ ولسان العرب ٧ / ١٢٢ (بيض) ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٦٩١.

اللغة : الجارية : الفتيّة من النساء. درعها : قميصها. الفضفاض : الواسع. الإيماض : الإشارة الخفيّة ؛ أو مضت المرأة : أشارت إشارة خفيّة ، أو سارقت النظر. بنو إباض ، قوم اشتهروا ببياض بشرتهم.

المعنى : هذه المرأة البيضاء الفتيّة ، تلبس قميصا واسعا ، أكثر بياضا من بني إباض : وبإشارة صغيرة منها ينقطع حديث الناس لانشغالهم بالنظر إليها.

الإعراب : «جارية» : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هي» مرفوع بالضمّة. «في درعها» : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ «جارية» ، و «ها» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. «الفضفاض» : صفة مجرورة بالكسرة. «تقطّع» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). «الحديث» : مفعول به منصوب بالفتحة. «بالإيماض» : جار ومجرور متعلّقان بـ «تقطع». «أبيض» : خبر مرفوع بالضمّة. «من أخت» : جار ومجرور متعلّقان باسم التفضيل «أبيض». «بني» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. «إباض» : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «هي جارية» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تقطّع» : في محلّ رفع صفة لـ «جارية».

والشاهد فيه قوله : «أبيض» حيث جاء بأفعل التفضيل من البياض ، وهذا ما يجيزه الكوفيون في البياض والسواد ، ويأباه البصريون.

٣٩

لهي أسود من القار. ويقول أمّ الهيثم : هو أسود من حنك الغراب (١). وهذا من القلة بحيث لا يقاس.

وقولنا : «وخرج بها المتعجب منه عن نظائره أو قل نظيره» ، لأنه لا يجوز التعجب إلّا مما كان من الصفات قد يزيد زيادة لا يمكن أن يكون لها نظير ، وإن وجد فقليل ، ولذلك لم يجز التعجّب من الله تعالى إلّا قليلا لأنّه لا نظير له. وإذا جاء فمجاز ومشبّه بما يجوز التعجب منه. ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] :

٤١٥ ـ ما أقدر الله أن يدني على شحط

من داره الحزن ممّن داره صول

__________________

(١) انظر : لسان العرب ١٠ / ٤١٧ (حنك).

٤١٥ ـ التخريج : البيت لحندج بن حندج المرّي في الدرر ٦ / ٢٦٦ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٨٣ ؛ ومعجم البلدان ٣ / ٤٣٥ (صول) ؛ والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٨ ؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٦٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٤٥ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ١٦٧.

اللغة : يدني : يقرّب. على شحط : على بعد. الحزن : موضع ، وكذلك صول.

المعنى : يقول إن الله ـ جلّ وعزّ ـ قادر على تقريب البعيد ، فبقدرته يقترب الذي داره في «الحزن» من الذي داره في «صول».

الإعراب : «ما» : نكرة تامّة بمعنى شيء في محلّ رفع مبتدأ. «أقدر» : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «الله» : لفظ الجلالة مفعول به منصوب لفظا بالفتحة ، مرفوع معنى على أنه الفاعل. «أن» : حرف مصدري ناصب. «يدني» : فعل مضارع منصوب بالفتحة المقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض. «على شحط» : جار ومجرور متعلّقان بـ «يدني». «من» : اسم موصول بمعنى «الذي» في محلّ نصب مفعول به. «داره» : خبر مقدّم مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «الحزن» : مبتدأ مؤخّر مرفوع بالضمة. «ممن» : «من» : حرف جر ، «من» : اسم موصول بمعنى «الذي» في محل جرّ بحرف الجر. «داره» : خبر مقدّم مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «صول» : مبتدأ مرفوع بالضمة.

وجملة «ما أقدر الله» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «أقدر الله» : في محلّ رفع خبر للمبتدأ (ما). وجملة «يدني» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «داره الحزن» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «داره صول» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ما أقدر الله» حيث جاء التعجب هنا مجازيّا ومشبّها بما يجوز التعجب منه ، لأنه لا يجوز التعجب من الله تعالى لأنه لا نظير له.

٤٠