شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

[٢ ـ أقسام أدوات الاستثناء] :

وهذه الأدوات تنقسم أربعة أقسام : حرف ، واسم ، وفعل ، وما استعمل حرفا ، وفعلا.

فالحرف : «إلّا» و «حاشا» ـ في مذهب سيبويه ـ ومذهب المبرّد أنّها قد تكون «فعلا» ، واستدلّ على ذلك بما حكى من كلامهم : اللهمّ اغفر لي ولمن سمعني حاشى الشيطان وأبا الأصبع. وبقول النابغة [من البسيط] :

[ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه]

ولا أحاشي من الأقوام من أحد (١)

قال : فقوله : «أحاشي» مضارع «حاشى» ، فدلّ ذلك على أنّها فعل. وهذا باطل بل «أحاشي» فعل مأخوذ من «حاشى» على حد ما تشتق الأفعال من الحروف ، نحو قولهم : «سوّفته» ، إذا قلت له : سوف أفعل كذا ، ونحو قولهم : «سألتك حاجة فلوليت» ، أي : قلت لو لا كذا وكذا ، وكذلك «ولا أحاشي» ، معناه : ولا أقول : حاشى فلان ، وإنّما الدليل فيما حكي إن صحّ.

والاسم «غير» و «سوى» ، و «سوى» ، و «سواء» ، والفعل : «ليس» ، و «لا يكون» ، و «عدا» ، و «ما عدا» ، و «ما خلا» ، وقد حكي بـ «ما خلا» ، الجر ، فتكون «ما» حينئذ زائدة لا مصدرية وتكون «خلا» حرفا.

والذي استعمل فعلا وحرفا «خلا» ، إلّا أنّ الغالب عليها الفعلية ، فتكون فعلا إذا نصبت ما بعدها ، وتكون حرفا إذا انخفض ما بعدها.

واختلف النحويون في قدر البعض المخرج ، فمنهم من ذهب إلى أنّه يجوز أن يخرج الأكثر ويترك الأقل ، واستدل على ذلك بقوله [من البسيط] :

٦٢٨ ـ أدّوا التي نقصت تسعون من مائة

ثمّ ابعثوا حكما بالحقّ قوّالا

__________________

(١) تقدم بالرقم ٣٤٠.

٦٢٨ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

المعنى : يطلب منهم أن يؤدّوا أوّلا ما أنقصوه ـ وهو كثير ـ ثم يحكّموا بعد ذلك حكما اعتاد قول الحق.

٣٨١

ووجه الدليل من هذا البيت أنّ الاستثناء إخراج الثاني من الأول ، وهذا الشاعر قد أخرج تسعين من مائة ، فكما ساغ له ذلك في غير الاستثناء ، فكذلك يجوز في الاستثناء.

وهذا الدليل فاسد ، لأنّه إنّما لم يجز إخراج الأكثر وترك الأقل عند من ذهب إلى ذلك ، لأنّه يؤدّي إلى وضع اسم الكل على الأقل. ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام القوم إلّا أربعة أخماسهم» ، كنت قد أوقعت القوم على خمسهم وذلك غير جائز ، وإذا قلت : «قام القوم إلّا خمسهم» كنت قد أوقعت القوم على أكثرهم وذلك جائز. ألا ترى أنّ العرب تقول : «قام القوم» ، إذا قاموا بأجمعهم أو قام أكثرهم ، فلا يلزم في البيت شيء من ذلك ، فاستدلالهم به فاسد.

واستدلّوا أيضا بقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)(١). فاستثنى «الغاوين» من «العباد» ، وهم أكثر من المؤمنين ، بدليل قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(٢). وهذا أيضا لا حجّة لهم فيه ، لأنّ «العباد» حيث أضافهم الله تعالى إلى نفسه ، فإنّهم يراد بهم المؤمنون ، والإضافة إضافة تقريب ، فكأنّه قال : إنّ المؤمنين ليس لك عليهم سلطان.

وقوله : «إلّا من اتّبعك من الغاوين» ، استثناء منقطع ، وليس مخرجا من الأول ، كأنّه

__________________

الإعراب : أدوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. التي : اسم موصول في محلّ نصب مفعول به. نقصت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). تسعون : خبر لمبتدأ محذوف ، بتقدير (والنقص تسعون من مائة). من مائة : جار ومجرور متعلقان بصفة من «تسعون». ثم : حرف عطف. ابعثوا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. حكما : مفعول به منصوب بالفتحة. بالحق : جار ومجرور متعلقان بـ (قوالا). قوالا : صفة (حكما) منصوبة بالفتحة.

وجملة «أدوا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «نقصت» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «النقص تسعون من مئة» : اعتراضية ، أو تفسيرية لا محلّ لها. وجملة «ابعثوا» : معطوفة على جملة «أدوا» لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «تسعون من مائة» حيث أخرج الأكثر (تسعون) وترك الأقل (العشرة) ، وهذا مما لا يعتدّ به.

(١) سورة الحجر : ٤٢.

(٢) سورة ص : ٢٤.

٣٨٢

قال : لكن من اتّبعك من الغاوين فلك عليهم.

ومنهم من ذهب إلى أنّه يجوز أن يكون المخرج النصف فما دون ، واستدل على ذلك بقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ، نِصْفَهُ)(١). ووجه الدليل في هذه الآية أنّ القليل مستثنى من الليل والمراد به النصف ، بدليل أنّه قد أبدل منه النصف بدل شيء من شيء قالوا : ولا يجوز أن يكون أبدل منه بدل بعض من كل حتى كأنّه قال : قم نصف القليل ، لأنّ القليل منهم فلا يعلم قدر نصفه.

وهذا الذي استدلّوا به لا حجة فيه ، بل النصف بدل من القليل بدل بعض من كل ، ويكون القليل معيّنا بالعرف ، أي : بالعادة أن يسمّى قليلا.

والدليل على فساد ما ذهبوا إليه من أنّ النصف بدل من القليل بدل شيء من شيء أنّ من قام الليل إلّا نصفه لا يقال فيه انّه قد قام الليل إلّا قليلا.

ومنهم من ذهب إلى أنّه لا يجوز أن يكون المستثنى عقدا من العقود. واستدلّ على ذلك بأنّ كلام العرب مبنيّ على الاختصار ، فإذا قلت : عندي مائة إلّا عشرة كان نقيض كلامهم ، لأنّه أخصر من هذا أن تقول : عندي تسعون.

فإن لم يكن المستثنى عقدا جاز ، نحو قولك : «عندي مائة إلّا ثلاثة» ، لأنه أخصر من قوله : «عندي سبعة وتسعون» ، أو مثله ، فجاز لذلك.

وهذا فاسد ، لأنّه مبنيّ على أنّه يجوز الاستثناء من العدد ، وذلك فاسد ، لأنّ أسماء العدد نصوص ، والنصوص لا يجوز الاستثناء منها ، لأن الاستثناء منها يؤدّي إلى إخراج النص عن نصّيّته ، ألّا ترى أنّك إذا قلت : «عندي ثلاثة إلّا واحدا» ، كنت قد أوقعت الثلاثة على الاثنين ، وذلك لا يجوز ، وإنّما يجوز أن تقول : «قام القوم إلّا عشرة». ولا يلزم فيه ما قال من عدم الاختصار.

فأمّا قوله تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٢) ، فإنّما جاز الاستثناء فيه عن اسم العدد ، لأنّه قد يدخله اللبس ، ألا ترى أن هذا القدر قد يؤتى به على جهة التكثير ، فيقال : أقعد ألف سنة ، أي : أقعد زمنا طويلا ، فلما كان قد يدخله الاحتمال جاز الاستثناء

__________________

(١) سورة المزمل : ٢ ـ ٣.

(٢) سورة العنكبوت : ١٤.

٣٨٣

منه ، وتبيّن بالاستثناء أنه لم يستعمل اسم العدد للتكثير.

وكذلك ما جاء من الاستثناء من الأعداد التي يجوز أن تستعمل على جهة التكثير ينبغي أن يكون العدد فيها هذا الذي ذكرناه.

والصحيح أنّ المخرج أقل من النصف أبدا ، وما قلّ كان أحسن لما ذكرنا من أن العرب قد توقع لفظ العموم على الأكثر ، ولا تضعه على الأقل.

[٣ ـ شروط المستثنى منه] :

ويشترط في المستثنى منه ألا يكون نصّا ، ولذلك لم يجز الاستثناء من أسماء الأعداد كما تقدم.

وكذلك يشترط أن لا يكون المستثنى مبهما ، فلا تقول : «قام قوم إلا بعضهم» ، لأنّ ذلك لا فائدة فيه. ويشترط في المخرج بالاستثناء أن يكون نصّا أو ظاهرا جاريا مجرى النصّ.

ولا يجوز إخراج ما هو مبهم في نفسه ، فلا تقول : «قام القوم إلّا رجالا» ، لأنه قد يجوز أن يكون الرجال النصف أو أقل أو أكثر ، فلا فائدة في الاستثناء إذ ذاك.

[٤ ـ ناصب المستثنى بـ «إلّا»] :

واختلف النحويون في الناصب للاسم المستثنى بـ «إلّا» ، وفي نصب «غير» ، وما في معناها من الأسماء ، نحو : «سوى» ، و «سوى» ، و «سواء» ، فمنهم من ذهب إلى أنّ الاسم الواقع بعد «إلّا» انتصب بما في «إلّا» من معنى الفعل (١).

وهذا المذهب خطأ لأنّ الحرف لا يعمل إذا كان مختصا باسم واحد إلّا جرّا. وأيضا فإنّه يبطل بـ «غير» وما في معناها من الأسماء ، ألا ترى أنّه منصوب وليس قبله إلّا ، فإذا ثبت أنّ الناصب في «غير» ليس هو «إلّا» ، فكذلك الاسم المنصوب بعد «إلّا» منصوب بما انتصبت به «غير». فإن قلت : إنّما انتصب بما في «إلّا» من معنى الفعل ، فذلك فاسد ، لأنّ المعاني لا تعمل إلّا في الظروف والمجرورات والأحوال ، وهو مذهب المازني.

__________________

(١) انظر المسألة الرابعة والثلاثين في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٢٦٠ ـ ٢٦٥.

٣٨٤

ومنهم من ذهب إلى أنّه منصوب بالفعل بواسطة «إلّا» ، وانتصب «غير» وما في معناه بالفعل من غير واسطة ، وهو مذهب أبي سعيد وابن الباذش. وشبهه ابن الباذش في ذلك بالظروف ، فكما أنّ الفعل يصل إلى الظرف بحرف الجر ، فكذلك ما بعد «إلّا» بمنزلته ، فلا يصل الفعل إليه إلّا بواسطتها ، «وغير» لأنّها مشبهة بالظرف المبهم ، فكما أنّ الفعل يصل إلى الظرف المبهم بنفسه ، فكذلك «غير» وما في معناها.

وهذا المذهب أيضا خطأ ، لأنّه قد تنصب هذه الأسماء وإن لم يتقدمها فعل ، نحو قولك : «القوم إخوتك إلّا زيدا».

ومنهم من ذهب إلى أنّه منتصب لمخالفته للأول ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «قام القوم إلّا زيدا» ، أنّ ما بعد «إلّا» منفيّ عنه القيام ، وما قبلها موجب له القيام ، وهو مذهب الكسائيّ.

وهذا باطل ، لأنّ الخلاف لو كان يوجب النصب ، لأوجبه في قولك : «قام زيد لا عمرو» ، لأنّ ما بعد «لا» مخالف لما قبلها ، ولوجب النصب في مثل : «ما قام زيد لكن عمرو» ، لأنّ ما بعد «لكن» مخالف لما قبلها ، وأمثال ذلك كثيرة.

ومنهم من ذهب إلى أنّ «إلّا» مركبة من «إنّ» و «لا» ، ثم خففت نون «إنّ» ، وأدغمت في «لا» ، وجعلت كالكلمة الوحدة ، وإذا نصبت ما بعدها ، غلّبت حكم «إنّ» والخبر محذوف ، وإذا رفعت ، غلّبت حكم «لا» ، فعطفت ، وهو مذهب الفراء. وهذا القول بيّن الفساد بأدنى تأمل ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن لا يجوز مثل : «ما قام إلّا زيد» ، لأنّ هذا الموضع لا تصلح فيه «لا» ولا «إنّ». وأيضا فإنّ الخبر الذي ادعى حذفه لم يظهر في موضع ، وبالجملة فهذا المذهب دعوى لا دليل عليها.

ومنهم أيضا من ذهب إلى أنّه انتصب عن تمام الكلام ، وهو الصحيح ، وهو في ذلك بمنزلة التمييز.

[٥ ـ الاستثناء بـ «إلّا» في الكلام الموجب والكلام المنفي] :

ولا يخلو الكلام الواقع قبل «إلّا» من أن يكون موجبا أو منفيّا. فإن كان موجبا ، فلا

٣٨٥

يخلو أن يكون موجبا في اللفظ ، أو في اللفظ والمعنى. فإن كان الكلام موجبا في اللفظ والمعنى ، فلا يجوز إلّا النصب ، نحو : «قام القوم إلّا زيدا» ، إلّا أن تجعل «إلّا» وما بعدها صفة لما قبلها ، فيكون الإعراب على حسب ما تكون «إلّا» ، وما بعدها صفة له ، نحو : «قام القوم إلّا زيد» ، يريد : غير زيد ، ولا يجوز الوصف بـ «إلّا» إلّا في موضع يصلح فيه الاستثناء بـ «إلّا» ، فلا يجوز أن تقول : قام عمرو إلا زيدا ، لأن الاستثناء لا يسوغ هنا ..

ويخالف الوصف بـ «إلا» وما بعدها الوصف بغير ذلك من الصفات في أنه يجوز أن يوصف بها الظاهر ، والمضمر ، والمعرفة ، والنكرة.

ويخالف أيضا الوصف بـ «إلّا» وما بعدها الوصف بـ «غير» في أنّه يجوز أن تقوم «غير» مقام موصوفها ولا يجوز ذلك في «إلّا».

ولا يجوز التفريغ مع الإيجاب والاستثناء من محذوف إذا كان ذلك يؤدّي إلى حذف عمدة لا يجوز حذفها ، فلا تقول : «قام إلّا زيدا» ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى بقاء الفعل بلا فاعل ، فأما قوله [من الخفيف] :

٦٢٩ ـ قتلك ابن البتول إلّا عليّا

 ...

وقولهم : «ما قام إلّا زيد إلّا عمرا» ، فإنّ الاستثناء من المحذوف إنّما ساغ هنا لأنّه لا يؤدي إلى بقاء الفعل بلا فاعل.

فإذا كان الكلام الواقع قبل «إلّا» موجبا في اللفظ منفيا في المعنى ، جاز أن يحكم له بحكم الموجب بالنظر إلى لفظه ، وبحكم المنفيّ بالنظر إلى معناه ، وذلك إذا كان الفعل خبرا لمبتدأ قد توجه عليه حرف النفي ، أو موضع معمول لناسخ من نواسخ المبتدأ قد توجه عليه أيضا حرف النفي ، وذلك نحو قولك : «ما أحد يقول ذلك إلّا زيدا» ، على الاستثناء من

__________________

٦٢٩ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

الإعراب : قتلك : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ابن : مفعول به للمصدر (قتل) منصوب بالفتحة. البتول : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إلا : حرف استثناء. عليا : مستثنى منصوب بالفتحة.

والشاهد فيه قوله : «إلا عليّا» حيث استثنى من المصدر الموجب.

٣٨٦

الضمير في «يقول» لأنّه منفيّ في المعنى ، وكلاهما حسن (١). وعلى ذلك قوله [من المنسرح] :

٦٣٠ ـ في ليلة لا نرى بها أحدا

يحكي علينا إلّا كواكبها

فأبدل كواكبها من الضمير المرفوع في يحكي. وكذلك قوله [من البسيط] :

٦٣١ ـ حموا حمى بطعان ليس يمنعه

إلّا طعانهم للموت من حانا

__________________

(١) يريد : الرفع والنصب في «زيد».

٦٣٠ ـ التخريج : البيت لعدي بن زيد في ملحق ديوانه ص ١٩٤ ؛ والدرر ٣ / ١٦٤ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ؛ والكتاب ٢ / ٣١٢ ؛ ولعدي بن زيد أو لبعض الأنصار في شرح شواهد المغني ص ٤١٧ ؛ ولأحيحة بن الجلاح في الأغاني ١٥ / ٣١ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٣٤٨ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ؛ وبلا نسبة في الكتاب ٢ / ٢١٨ ؛ والمقتضب ٤ / ٤٠٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٥.

المعنى : سهرنا في ليلة أنس حلوة ، لم يكن فيها رقيب ينمّ علينا ، نام الجميع ، وغفلوا عنّا عدا كواكب السماء ونجومها.

الإعراب : في ليلة : جار ومجرور بدل من (إذا) في بيت سابق. لا نرى : «لا» : نافية ، «نرى» : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (نحن). «بها» : جار ومجرور متعلّقان بـ (نرى). أحدا : مفعول به منصوب بالفتحة. يحكي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). علينا : جار ومجرور متعلّقان بـ (يحكي). إلا : حرف يفيد الحصر. كواكبها : بدل من فاعل (يحكي) مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه.

وجملة «لا نرى» : في محلّ جرّ صفة لـ (ليلة). وجملة «يحكي» : في محلّ نصب صفة لـ (أحدا).

والشاهد فيه قوله : «يحكي علينا إلا كواكبها» حيث أبدل «كراكبها» من الضمير المرفوع في الفعل «يحكي».

٦٣١ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ص ٨٧٥ (طبعة الصاوي).

اللغة : الحمى : كل ما تخاف عليه فهو حماك. الطعان : الضرب بالرّماح.

المعنى : لقد دافعوا عن ممتلكاتهم وديارهم بقدرتهم على طعن الأعداء برماحهم ، ولا يمنع طعناتهم إلا الموت الذي يطعن من حانت منيته منهم.

الإعراب : حموا : فعل ماض مبني على الضم المقدّر على الألف المحذوفة منعا لالتقاء الساكنين (الألف والواو) ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. حمى : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. بطعان : جار ومجرور متعلقان بـ (حموا). ليس : فعل ماض ناقص ،

٣٨٧

فأبدل «طعانهم» من الضمير المرفوع في «يمنعه» لأنّه خبر للضمير الذي في «ليس» ، فحمله على المعنى.

وقد يجوز أن تجعل «إلّا» أيضا صفة كما تقدم.

فإن كان الكلام الواقع قبل «إلّا» منفيّا ، فلا يخلو أن يكون ما قبلها مفرّغا (١) لما بعدها أو غير مفرغ. فإن كان مفرغا ، فيكون الاسم على حسب ما يطلب العامل من رفع أو نصب أو خفض. وإن كان غير مفرغ ، جاز فيما بعد «إلّا» وجهان ، أحسنهما أن يكون مبدلا من الاسم الذي قبله على حسب إعرابه من رفع أو نصب أو خفض ، لأنّ فيه مجانسة الاسم الذي بعد «إلّا» لما قبلها من الإعراب ، والمجانسة مما تلحظها العرب وتؤثرها.

والثاني : النصب على الاستثناء. ويجوز جعل «إلّا» أيضا صفة كما تقدم.

ومن الناس من لم يجز البدل إلّا بشرط أن يكون المبدل منه لفظا لا يستعمل إلّا في النفي ، نحو : «ما قام أحد إلّا زيدا» ، فأما : «ما قام القوم إلّا زيدا» ، فلا يجوز فيه عنده إلّا النصب.

وذلك باطل بدليل قراءة من قرأ : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ)(٢). برفع «القليل» على البدل من الضمير ، والضمير ليس من الألفاظ المختصة بالنفي.

ويجري مجرى النفي : «قلّ رجل يقول ذاك إلّا زيد» ، وقد يستعمل في مقابلة «كثر» ، فإذا استعملت بمعنى النفي ، فإجراؤها مجراه بيّن ، وإذا استعملت في مقابلة «كثر» أجروها أيضا مجرى النفي ، ووجه ذلك لحظهم فيها أنّها نفي لكثر.

فإذا قال : «قلّ رجل يقول ذاك» ، فكأنه قال : لم يكثر القائلون ذلك من الرجال.

__________________

واسم (ليس) ضمير مستتر. يمنعه : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. إلا : حرف استثناء مهمل. طعانهم : فاعل مرفوع بالضمّة ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. للموت : جار ومجرور متعلقان بـ (حانا). من : اسم موصول في محل نصب مفعول به للمصدر (طعان). حانا : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، و «الألف» : للإطلاق.

وجملة «حموا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يمنعه» : في محلّ نصب خبر (ليس). وجملة «حانا» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ليس يمنعه إلا طعانهم» حيث اعتبر أن (طعان) بدل من الفاعل المستتر لـ (يمنعه). وعلى هذا التخريج أعربنا.

(١) الاستثناء المفرّغ هو ما لم يذكر فيه المستثنى منه ، وعكسه غير المفرّغ.

(٢) سورة النساء : ٦٦.

٣٨٨

[٦ ـ تكرير المستثنيات] :

وإذا كررّت المستثنيات ، فلا يخلو أن يكون الأول هو الثاني أو لا يكون. فإن كان هو الثاني جرى الأول على حسب ما قدمنا ، وكان الثاني على حسب إعراب الأول ، مثل قوله [من الرجز] :

٦٣٢ ـ مالك من شيخك إلّا عمله

إلّا رسيمه وإلّا رمله

فـ «الرسيم» و «الرمل» هما عمله ، وهما ضربان من العدو.

فإذا كان الثاني غير الأول ، فلا يخلو أن يمكن استثناء بعضها من بعض أو لا يمكن. فإن يمكن فهي مستثنيات من الاسم الأول كلها ، نحو : «قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا بكرا».

إلا أن يكون الاستثناء من معدود ، نحو قولك : «لفلان عندي عشرة إلّا واحدا إلّا ثلاثا» ، فإنّ في ذلك خلافا.

فمنهم من ذهب إلى أنّها مستثنيات من المعدود الأول.

__________________

٦٣٢ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في الدرر ٣ / ١٦٧ ؛ ورصف المباني ص ٨٩ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٣٢ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٥٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣١١ ؛ والكتاب ٢ / ٣٤١ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١١٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٧.

شرح المفردات : الرسيم والرمل : نوعان من السير.

المعنى : يقول : لا ينفعك من شيخك إلّا عمله ، والسير بك سيرا رفيقا لبلوغ هدفك.

الإعراب : «ما» : حرف نفي. «لك» : جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف. «من شيخك» : جار ومجرور متعلّقان بخبر محذوف ، وهو مضاف ، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «إلّا» : حرف حصر. «عمله» : مبتدأ مؤخّر ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «إلّا» : حرف زائد. «رسيمه» : بدل من «عمله» مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «وإلّا» : الواو حرف عطف ، «إلّا» : زائدة. «رمله» : معطوف على «رسيم» مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء في محلّ جرّ بالإضافة.

الشاهد : قوله : «إلّا عمله إلّا رسيمه وإلّا رمله» حيث كرّر الشاعر المستثنى وكان الأول هو الثاني فجعل من الأول بدلا ثم عطف عليه الثاني.

٣٨٩

ومنهم من ذهب إلى أنّ الأول مستثنى من العدد الأول ، والآخر ليس كذلك. فعلى المذهب الأول : إذا قلت : «لفلان عندي عشرة إلّا واحدا إلّا ثلاثا» ، فقد أقررت بستة ، لأنّك طرحت الواحد والثلاثة من العشرة ، وعلى الثاني ، وهو قول الفراء : تكون قد أقررت باثني عشر ، فكأنك قلت : لفلان عندي عشرة إلّا واحدا ليسوا الثلاثة التي تقررت له عندي ، فيكون له عندي تسعة وثلاثة.

والصحيح الأول ، لأنّه مهما أمكن أن يكون المستثنى متّصلا لم يحمل على الانفصال ، وما ذهب إليه الفراء لا يتصور إلّا على الانفصال.

وإن أمكن ففي ذلك خلاف ، فمنهم من ذهب إلى أنّ بعضهم مستثنى من بعض ، ومنهم من ذهب إلى أنّها مستثنيات من الأول ، ومنهم من ذهب إلى أنّها يجوز فيها الأمران وهو الصحيح ، إلّا أنّ الأظهر فيه أن يكون الاستثناء من المستثنى ، لأنه يجيء عليه صرف الاستثناء إلى الأقرب.

والدليل على جواز الاستثناء من المستثنى قوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ)(١) ، فاستثنى «آل لوط» من المجرمين ، واستثنى المرأة من آل لوط.

فإذا قلت : «قام القوم إلّا عشرة إلّا سبعة إلّا أربعة إلّا اثنين» ، فالاثنان مستثنيان من الأربعة ، والأربعة مستثناه من السبعة ، والسبعة مستثناة من العشرة. فإذا أردت معرفة قدر المستثنى ، فاطرح المستثنى الآخر من الذي قبله ، وما بقي فاطرحه من الذي قبله إلى أن تصل إلى الاستثناء الأول ، فما بقي فهو المستثنى. مثاله «قام القوم إلّا أربعة إلّا ثلاثة إلّا واحدا» (٢) ، المستثنى من هذه المسألة اثنان ، وذلك أنك إذا طرحت واحدا من الثلاثة فالباقي اثنان ، وإذا أزلتها من الأربعة فالباقي اثنان ، فالمستثنى إذن اثنان.

وإن شئت اعتبرت ذلك بأن تسقط الاستثناء الأول من المستثنى منه ، ثم تضيف ما بقي إلى ما بعد المسقط ، ثم تخرج من الجميع ما بعد ، ثم تضيف ما بقي إلى ما بعد المسقط إلى أن تنتهي إلى الآخر ، فإذا انتهيت إليه علمت أنّ ما بقي هو المقرّ به وما عدا ذلك مستثنى.

__________________

(١) سورة الحجر : ٥٩ ـ ٦٠.

٣٩٠

مثال ذلك ما تقدم من قولنا : «عندي عشرة إلّا أربعة إلّا ثلاثة إلّا واحدا» ، فتخرج الأربعة من العشرة ، فيبقى ستة ، فتضيفها إلى ما بعد الأربعة ، وهي ثلاثة ، فيكون المجموع تسعة ، ثم تسقط الواحد منها ، فيبقى ثمانية ، فيكون المستثنى اثنين.

وإذا كررت المستثنيات في النفي ، وكان الفعل رافعا رفعت أحد المستثنيات تشغل به الفعل ، ونصبت الباقي على الاستثناء من المحذوف لفهم المعنى ، وجاز الاستثناء من المحذوف لأنّه لا يفضي هنا إلى بقاء الفعل دون فاعل ، وذلك : «ما قام إلّا زيد إلّا عمرا إلّا بكرا».

[٧ ـ حكم «غير» والاسم المعطوف بعدها] :

وحكم إعراب «غير» في الاستثناء في جميع ما ذكرناه في نفي أو إيجاب حكم الاسم الواقع بعد «إلّا».

وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد «إلّا» فإنّه يعطف عليه على حسبه في الإعراب.

وإذا عطفت على الاسم الواقع بعد غير ، فإن شئت عطفت عليه بالخفض وإن شئت عطفت عليه على حسب ما كان الاسم عليه من الإعراب لو كان بدل غير «إلّا» ، فتقول : «ما قام القوم غير زيد وعمرو» ، على اللفظ ، و «عمرا» على الموضع ، لأنك لو قلت : «قام القوم إلّا زيدا» لكان نصبا.

و «سوى» و «سوى» و «سواء» بمنزلة «غير» في المعنى ، إلا أنّها أبدا تكون في موضع نصب على الظرف ، فإذا قلت : «قام القوم سواك وسواك وسواءك» ، فكأنّك قلت : قام القوم مكانك وبدلك.

ولا تستعمل بعد عامل مفرغ ، فلا تقول : «ما قام سواك» ، كما تقول : «ما قام غيرك» ، وكذلك لا تقول : «ما ضربت سواك» ، ولا «مررت بسواك» ، كما تقول : «ما ضربت غيرك وما مررت بغيرك» ، لأنّها ألزمت الظرفية كما ذكرت لك.

٣٩١

وأما «حاشى» ففيها لغتان : «حاشى» و «حشى» ، والدليل على ذلك قول الشاعر [من الوافر] :

٦٣٣ ـ حشى رهط النّبيّ فإنّ منهم

بحورا لا تكدّرها الدّلاء

وما بعدها مخفوض أبدا على مذهب سيبويه ، لأنها حرف جر كما تقدم ، وأما ما حكي من قولهم : «حاشى الشيطان وأبا الإصبع» ، فإن صح فـ «حاشى» عند من يقول ذلك فعل ، ولا يتصور أن تكون حرفا بمنزلة «إلّا» ، لأنه لو كان كذلك ، لجاز فيما بعدها الرفع ، كما جاز فيما بعد «إلّا» في قولك : «ما قام القوم إلّا زيد» ، فكنت تقول : «ما قام القوم حاشى زيد» ، فذلك لا يقال ، فدلّ ذلك على أنّها عند من نصب بها فعل.

وأما عدا في قولك : «قام القوم عدا زيدا وما عدا زيدا» ، ففعل ، ولو كانت حرفا بمنزلة «إلّا» لجاز فيما بعدها الرفع أيضا كما جاز فيما بعد «إلّا» ، وأيضا فإن «ما» المصدرية قد دخلت على «عدا» وهي لا تدخل إلّا على فعل.

وأما «خلا» فتستعمل فعلا وحرفا ، فمن جرّ بها فهي عنده حرف ، ولا يجوز أن تكون عنده اسما بمنزلة «غير» ، لأنّه لم يوجد فيها من أحكام الأسماء شيء وكذلك «حاشى» ، فمن

__________________

٦٣٣ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص ٥٦٧ ؛ ورصف المباني ص ١٧٩ ؛ ولسان العرب ١٢ / ١٧٠ (خرم) ، ١٤ / ١٨٢ (حشا).

اللغة : حشى وحاشى : حرف استثناء وجرّ بمعنى استثنيت وبرّأت. رهط النبي : قومه وقبيلته.

المعنى : استثني قوم النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمنهم السادة الكرماء كالبحور التي لا تتعكّر ، أو يتغير صفاؤها من دلو سوء يرمى فيها أو أكثر.

الإعراب : حشى : حرف جرّ شبيه بالزائد. رهط : اسم مجرور بالكسرة لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به ، والجار والمجرور متعلقان بالبيت السابق. النبي : مضاف إليه مجرور بالكسرة. فإن : «الفاء» : حرف استئناف ، «إن» : حرف مشبّه بالفعل. منهم : جار ومجرور متعلقان بخبر (إنّ) المحذوف. بحورا : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. لا : حرف نفي. تكدّرها : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الدلاء : فاعل مرفوع بالضمّة.

وجملة «إن منهم بحورا» : استئنافية لا محل لها. وجملة «لا تكدّرها» : في محلّ نصب صفة لـ (بحورا).

والشاهد فيه قوله : «حشى رهط النبي» حيث استخدم (حشى) حرف جرّ.

٣٩٢

خفض بها لا تكون اسما لما ذكر في «خلا» ، وهما مفترقان لما بعدهما ، فينبغي أن يحملا على الحرفية.

ومن نصب بـ «خلا» فهي عنده فعل ، ولا يتصور أن تكون حرفا بمنزلة «إلّا» لامتناع الرفع بعدها ، فمثال النصب بها قوله [من الطويل] :

٦٣٤ ـ خلا الله ما أرجو سواك وإنّني

[أعدّ عيالي شعبة من عيالكا]

فإذا دخلت على «خلا» و «عدا» «ما» المصدرية التزم فيما بعدها النصب ، لأنّ «ما» المصدرية لا تدخل إلّا على الفعل.

هذا مذهب سيبويه. وقد حكى غير سيبويه الخفض بـ «ما خلا» ، فعلى ذلك عنده «ما» زائدة لا مصدرية و «خلا» حرف.

ويكون موضع «خلا» و «عدا» و «حاشى» إذا كانت أفعالا النصب على الحال ، كأنك قلت : «قام القوم مخالين زيدا ومعادين زيدا» ، أي : متجاوزين زيدا ومحاشين زيدا ، أي : تاركين زيدا.

وقد يجوز أن تكون الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل هي جملة مستأنفة جاءت

__________________

٦٣٤ ـ التخريج : البيت للأعشى في خزانة الأدب ٣ / ٣١٤ ؛ ولم أقع عليه في ديوانه ؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٣٨٢ ؛ وحاشية يس ١ / ٣٥٥ ؛ والدرر ٤ / ١٦٤ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٣٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٦٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٤٢ (خلا) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ١٣٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٦ ، ٢٣٢.

اللغة : أعدّ : أحسب. عيالي : أهل بيتي. شعبة : طائفة.

المعنى : يقول : إنّني لا أؤمّل الخير من سواك بعد الله ، لأنّك لا تدّخر وسعا في التفضّل والإحسان إليّ وإلى عيالي الذين أعتبرهم شعبة من عيالك.

الإعراب : «خلا» : فعل ماض جامد مبني ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا. «الله» : اسم الجلالة مفعول به منصوب. «ما» : حرف نفي. «أرجو» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنا». «سواك» : مستثنى منصوب. وهو مضاف ، والكاف : ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. «وإنني» : «الواو» : استئنافية ، «إنني» : حرف مشبه بالفعل واسمه. «أعدّ» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : «أنا». «عيالي» : مفعول به ، وهو مضاف ، والياء ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. «شعبة» : مفعول به ثان. «من عيالكا» : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف نعت لـ «شعبة» ، وهو مضاف ، والكاف ضمير في محلّ جرّ بالإضافة ، والألف للإطلاق.

وجملة : «أرجو» ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «أعدّ» في محل رفع خبر «إنّ».

الشاهد : قوله : «خلا الله» حيث وقعت «خلا» فعلا نصبت بعدها مفعولا.

٣٩٣

أثر جملة لتدل على الاستثناء ، فيكون ذلك نظير قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ)(١) ، بعد قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً)(٢) ألا ترى أنّ ذلك يغني عن أن تقول : الأعراب أشدّ كفرا ونفاقا إلّا من يؤمن بالله واليوم الآخر.

فإذا دخلت «ما» المصدرية على «خلا» و «عدا» فإن المصدر المقدر من «ما» مع الفعل في موضع نصب على الحال ، ولا يجوز غير ذلك.

وأما «ليس» و «لا يكون» ففعلان ، ويلزم إضمار اسميهما في هذا الباب ، ويكون الضمير مفردا على كل حال ، لأنه يراد به البعض وهو مفرد مذكر ، وينتصب المستثنى على أنه خبر لهما ، وذلك قولك : «قام القوم ليس زيدا» ، و «قام القوم لا يكون زيدا» ، كأنك قلت : قام القوم ليس هو زيدا ، ولا يكون هو زيدا ، أي : ليس بعضهم ولا يكون بعضهم ، ويكون الضمير عائدا على الفاعل الذي ينطوي عليه الكلام المتقدم. ألا ترى أنك إذا قلت أو عنيت بذلك قوما من جملتهم زيد ، حصل في خلد المخاطب أنّ بعض القائمين زيد ، فتقول : «ليس زيدا» ، تريد : ليس بعضهم زيدا أيّها المخاطب كما توهمت من قولي : «قام القوم» ، وتكون الجملة التي هي «ليس زيدا» ، و «لا يكون زيدا» ، في موضع الحال أو لا موضع لها من الإعراب كما تقدم في «خلا» و «عدا».

ولا يجوز استعمال شيء من هذه الأفعال بعد عامل مفرغ ، لأنّ الفعل لا يكون فاعلا ، ولا مفعولا ، ولا مجرورا ، فلا تقول : «ما قام خلا زيدا» ، ولا «ما ضربت ليس زيدا ، ولا يكون عمرا» ، و «ما مررت بعدا زيدا». فإن جعلتهما صفتين لما تقدم كان الضمير على حسب الأول ، وذلك قولك : «قام القوم لا يكونون زيدا» ، و «قام النساء ليس الهندات»

وأما «لا سيّما» فمن النحويين من أدخلها في هذا الباب كما ذكرنا فيما تقدم. وذلك خطأ ، لأن الاستثناء كما تقدم إخراج بعض من كل ، وأنت إذا قلت : «قام القوم لا سيما زيد» ، فـ «زيد» داخل مع القوم في القيام ، بخلاف الاسم الواقع بعد «إلّا».

والعذر لمن أدخلها في هذا الباب أنّ زيدا قد خرج به عن أن يكون على صفة القوم في القيام ألا ترى إنك إذا قلت : «قام القوم لا سيما زيد» ، فـ «زيد» مشارك للقوم في القيام إلّا

__________________

(١) سورة التوبة : ٩٩.

(٢) سورة التوبة : ٩٧.

٣٩٤

أنّ قيامه أكثر من قيام كل واحد منهم ، فلما كان فيها هذا القدر من الإخراج جعلها لذلك من هذا الباب.

وأما «بله» ، فإدخالها في باب الاستثناء فاسد ، لأنّك إذا قلت : «قام القوم بله زيدا» ، فإنما معناه عندنا : دع زيدا ، ولا يتعرض للإخبار عنه ، وليس المعنى إلّا زيدا ، قال الشاعر [من الكامل] :

٦٣٥ ـ تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكفّ كأنّها لم تخلق

ألا ترى أنّ المعنى : دع الأكفّ فهذه صفتها ، ولم يرد استثناء «الأكفّ» من «الجماجم».

وانفردت «إلّا» و «غير» بجواز حذف المستثنى بعدهما ، فتقول : «قام القوم ليس إلّا وليس غير».

__________________

٦٣٥ ـ التخريج : البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص ٢٤٥ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٢١١ ، ٢١٤ ؛ والدرر اللوامع ٣ / ١٨٧ ؛ وشرح شواهد المغني ص ٣٥٣ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٤٧٨ (بله) ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢١٧ ؛ وتذكرة النحاة ص ٥٠٠ ؛ والجنى الداني ص ٤٢٥ ؛ وخزانة الأدب ٦ / ٢٣٢ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢١٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٩ ؛ وشرح المفصل ٤ / ٤٨ ؛ ومغني اللبيب ص ١١٥ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٦.

اللغة والمعنى : تذر : تترك. الجماجم : ج الجمجمة ، وهي عظم الرأس. ضاحيا : بارزا للشمس. هاماتها : رؤوسها. بله : اسم فعل بمعنى «دع».

يقول : إنّ سيوفنا تقطع الرؤوس وتذروها على الأرض ، فدع الأكفّ لأنّها بالقطع أولى.

الإعراب : تذر : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : هي. الجماجم : مفعول به منصوب. ضاحيا : حال منصوبة. هاماتها : فاعل لاسم الفاعل «ضاحيا» مرفوع ، وهو مضاف ، و «ها» : في محلّ جرّ بالإضافة. بله : اسم فعل أمر بمعنى «دع» ، والفاعل : أنت. الأكفّ : مفعول به منصوب. كأنّها : حرف مشبّه بالفعل ، و «ها» : اسمها. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تخلق : فعل مضارع للمجهول مجزوم ، وحرّك بالكسر للضرورة الشعريّة ، ونائب الفاعل : هي.

وجملة (تذر الجماجم) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائيّة ، أو استئنافيّة. وجملة (بله الأكفّ) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها استئنافيّة. وجملة (كأنّها لم تخلق) الاسميّة في محلّ نصب حال. وجملة (لم تخلق) الفعليّة في محلّ رفع خبر «كأنّ».

والشاهد فيه قوله : «بله الأكف» ، حيث لم يرد الشاعر استثناء «الأكفّ» من «الجماجم» ، بل أراد دع الأكفّ ... ، فإدخال «بله» في باب الاستثناء فاسد.

٣٩٥

باب الاستثناء المقدم

الاستثناء المقدّم لا يخلو أن يتقدّم على المستثنى منه أو على صفته ، فإن تقدم على المستثنى منه ، فلا يجوز فيه إلّا النصب.

وزعم بعض النحويين أنّه يجوز فيه النصب على الاستثناء ، وأن يكون ما بعد «إلّا» مبنيّا على ما قبلها ، ويكون المستثنى منه تابعا للاسم الذي قبله على الصفة أو على البدل.

وهذا الذي ذهب إليه باطل ، لأنّه إذا قال : «ما قام إلّا زيدا أحد» ، فلا يخلو أن يجعل «أحد» فاعل «قام» ، و «إلّا زيدا» بدلا منه ، أو يجعل «إلّا زيدا» فاعلا و «أحد» بدلا منه.

فإن جعل «أحد» فاعلا بـ «قام» و «إلا زيدا» بدلا منه ، فباطل ، لأن البدل تابع وحكم التابع أن يكون بعد المتبوع.

فإن جعله فاعلا و «أحدا» بدلا منه فباطل ، لأنّ «أحد» أعم من «زيد» ، فلو جعلته بدلا ، لكان عكس البدل ، لأنّه ليس من أقسام البدل بدل كلّ من بعض.

وقد يجوز ذلك على وضع العام موضع الخاص ، فيكون بدل الشيء من الشيء إلّا أنّه لا يجوز ذلك إلا ضرورة ، مثل قوله [من الطويل] :

٦٣٦ ـ رأت إخوتي بعد الولاء تتابعوا

فلم يبق إلّا واحد منهم شفر

__________________

٦٣٦ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الدرر ٣ / ١٦٣ ؛ ورصف المباني ص ٨٨ ؛ ولسان العرب ٤ / ٤١٩ (شفر) ؛ والمقرب ١ / ١٦٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٢٥.

اللغة : ما بالدار شفر (بضم الشين وفتحها) : ما فيها أحد.

المعنى : لقد شاهدت كيف تتابع إخوتي بعد ما كانوا مجتمعين على كلمة واحدة ولاء وعهدا ، فلم يبق منهم إلا واحد.

٣٩٦

أي : لم يبق واحد منهم إلّا واحد.

ونظير ذلك من وضع العام موضع الخاص قوله [من الرجز] :

٦٣٧ ـ أحبّ ريّا ما حييت أبدا

ولا أحبّ غير ريّا أحدا

فأبدل «أبدا» من «ما حييت» ، وهو أعمّ منه. وكذلك قول الآخر [من الطويل]

٦٣٨ ـ نهاني أبي عن لذّة أن أنالها

فقلت دع التّقييد ويحك في الخمر

__________________

الإعراب : رأت : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). إخوتي : مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. بعد : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل «تتابعوا». الولاء : مضاف إليه مجرور بالكسرة. تتابعوا : فعل ماض مبني على الضم ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الألف» : للتفريق. فلم : «الفاء» : عاطفة ، «لم» : حرف جزم وقلب ونفي. يبق : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة (الألف) من آخره. إلا : حرف استثناء ملغى. واحد : فاعل مرفوع بالضمّة. منهم : جار ومجرور متعلقان بصفة من «واحد». شفر : بدل من (واحد) مرفوع بالضمّة.

وجملة «رأت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «تتابعوا» : في محلّ نصب حال. وجملة «فلم يبق» : معطوفة على جملة «تتابعوا».

والشاهد فيه قوله : «إلا واحد منهم شفر» حيث جاء البدل والمبدل منه على وضع الخاص موضع العام ، بدل شيء من شيء ، وهذا ضرورة شعرية كما قال.

٦٣٧ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

المعنى : أنا أحب ريّا ، وسأبقى طوال عمري أحبها ، ولن أحب سواها.

الإعراب : أحبّ : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). ريا : مفعول به منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف. ما : ظرفية زمانية. حييت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، والمصدر المؤول من «ما» والفعل بعدها مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل «أحب» والتقدير : أحب ريا مدة حياتي. أبدا : ظرف زمان منصوب لأنه بدل من المصدر المؤول «مدة حياتي». ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف نفي. أحبّ : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). غير : مستثنى منصوب بالفتحة. ريّا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. أحدا : بدل من (غير) منصوب بالفتحة.

وجملة «أحبّ» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ولا أحب» : معطوفة على جملة (أحب) لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ما حييت أبدا» حيث أبدل (أبدا) من المصدر المؤول المنصوب على الظرفية الزمانية ، فوضع العام موضع الخاص.

٦٣٨ ـ التخريج : لم أقع عليهما فيما عدت إليه من مصادر.

٣٩٧

فلست على ما كان منّي براكب

حراما سواها ما حييت مدى الدّهر

فجعل «مدى الدهر» بدلا من «ما حييت» ، وهو أعم منه ، فكذلك في مسألتنا جعل «أحد» بدلا من «إلّا زيدا» ، وهو أعمّ منه.

فإن تقدّم على صفة المستثنى منه ، فلا يجوز فيه إلّا النصب على الاستثناء ، وهو مذهب المازني. وأجاز يونس وغيره البدل ، لأنّ الصفة النية بها أن تكون إلى جانب المبدل

__________________

المعنى : لقد نهاه والده عن تعاطي الخمرة ونيل لذّاتها ، فقال له : اترك القيود والحلال والحرام في موضوعها ، فأنا لن أرتكب حراما غيرها مدة حياتي ، وطوال الزمن.

الإعراب : نهاني : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. أبي : فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. عن لذة : جار ومجرور متعلقان بـ (نهاني). أن : حرف مصدري ونصب. أنالها : فعل مضارع منصوب بأن بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «أنال» بدل من «لذة» محله الجر والتقدير : نهاني عن لذّة نوالها. فقلت : «الفاء» : استئنافية ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. دع : فعل أمر مبني على السكون ، وحرّك بالكسرة منعا لالتقاء الساكنين ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). التقييد : مفعول به منصوب بالفتحة. ويحك : مفعول مطلق لفعل مهمل ، و «الكاف» : حرف خطاب. في الخمر : جار ومجرور متعلقان في (التقييد). فلست : «الفاء» : للاستئناف ، «لست» : فعل ماض ناقص ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع اسم (ليس). على : حرف جر. ما : اسم موصول في محلّ جرّ بحرف الجر ، والجار والمجرور متعلقان بـ «راكب». كان : فعل ماض تام مبني على الفتح ، والفاعل مستتر تقديره «هو» يعود على «ما». مني : جار ومجرور متعلقان بـ (كان). براكب : «الباء» : حرف جرّ زائد ، «راكب» : اسم مجرور لفظا منصوب محلّا على أنه خبر (ليس). حراما : مفعول به منصوب بالفتحة لاسم الفاعل (راكب). سواها : «سوى» : مستثنى منصوب بفتحة مقدّرة على الألف ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. ما : ظرفية. حييت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، والمصدر المؤول من «ما» و «حييت» منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ «راكب». مدى : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بفتحة مقدّرة على الألف ، وهو بدل من المصدر المؤول من «ما» والفعل «حييت». الدهر : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «نهاني» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فقلت» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ويحك» اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة «دع» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول). وجملة «فلست» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «كان مني» : صلة الموصول لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ما حييت مدى الدهر» حيث جعل (مدى الدهر) بدلا من المصدر المؤول المنصوب على الظرفية الزمانية.

٣٩٨

وليس يلزم في ذلك ما يلزم في تقديمه على المستثنى منه من تقديم التابع على المتبوع ، ولا من وضع العام موضع الخاص ، وهو مع ذلك ضعيف ، لأنّه يؤدي إلى الفصل بين الصفة والموصوف بالبدل ، وحكم البدل إذا اجتمع مع الصفة أن تكون الصفة مقدمة على البدل.

هذا هو الأكثر من كلامهم ، والنصب أضعف ، لأنّه يلزم فيه الفصل بين الصفة والموصوف بالاستثناء ، والفصل بين الصفة والموصوف لا يجوز إلّا في ضرورة ، نحو قوله [من الطويل] :

أمرّت من الكتّان خيطا وأرسلت

رسولا إلى أخرى جريّا يعينها (١)

ففصل بين «رسول» وصفته بقوله : «إلى أخرى».

والشاهد في قوله [من الطويل] :

٦٣٩ ـ وما لي إلّا الله [لا ربّ غيره

وما لي إلّا الله غيرك ناصر]

تقديم «إلّا الله» و «غيرك» وهما مستثنيان على المستثنى منه وهو «ناصر». وقوله [من الطويل] :

٦٤٠ ـ وما لي إلّا آل أحمد [شيعة

وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب]

__________________

(١) تقدم بالرقم ١١٨.

٦٣٩ ـ التخريج : البيت للكميت بن زيد في ديوانه ١ / ١٦٧ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩٣ ؛ والكتاب ٢ / ٣٣٩ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٤ / ٤٢٤.

الإعراب : وما : «الواو» : حسب ما قبلها ، «ما» : حرف نفي مهمل. لي : جار ومجرور متعلّقان بخبر مقدم محذوف. إلا : حرف استثناء. الله : لفظ الجلالة مستثنى منصوب بالفتحة. لا : حرف نفي يعمل عمل (إن). رب : اسم (لا) منصوب بالفتحة. غيره : خبر (لا) مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. وما : «الواو» : للعطف ، «ما» : حرف نفي مهمل. لي : جار ومجرور متعلقان بالخبر. إلا : حرف استثناء. الله : لفظ الجلالة مستثنى بإلا منصوب بالفتحة. غيرك : مستثنى منصوب بالفتحة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. ناصر : مبتدأ مرفوع بالضمّة.

وجملة «وما لي إلا الله ...» : حسب ما قبلها. وجملة «لا ربّ غيره» : اعتراضية لا محل لها. وجملة «ما لي غيرك ناصر» : معطوفة على الأولى.

والشاهد فيه قوله : «ما لي إلا الله ناصر» و «مالي غيرك ناصر» حيث قدّم المستثنى في الجملتين على المستثنى منه (ناصر).

٦٤٠ ـ التخريج : البيت للكميت في شرح هاشميات الكميت ص ٥٠ ؛ والإنصاف ص ٢٧٥ ؛

٣٩٩

تقديم المستثنى وهو آل أحمد ومشعب الحق على المستثنى منه وهو مشعب وشيعة.

فإن عطفت على الاستثناء المقدم ، فإنه يفارق العطف على المستثنى المؤخر. فإنّه يجوز في العطف النصب على اللفظ والرفع على المعنى ، فتقول : «ما قام إلّا زيدا أحد وعمرا» ، على لفظ «زيد» ، و «عمرو» على ما كان يجوز لو تأخر ، ألا ترى أنك لو قلت : «ما قام أحد إلّا زيد» لجاز في «زيد» الرفع. وهذا الوجه ضعيف جدا.

وأما إذا كان المستثنى مؤخّرا ، فإنّه لا يجوز أن يكون المعطوف إلّا على حسب إعراب المعطوف عليه.

__________________

وتخليص الشواهد ص ٨٢ ؛ وخزانة الأدب ٤ / ٣١٤ ، ٣١٩ ، ٩ / ١٣٨ ؛ والدرر ٣ / ١٦١ ؛ وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٥ ؛ وشرح التصريح ١ / ٣٥٥ ؛ وشرح قطر الندى ص ٢٤٦ ؛ ولسان العرب ١ / ٥٠٢ (شعب) ؛ واللمع في العربية ص ١٥٢ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ١١١ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٢٦٦ ؛ وشرح الأشموني ١ / ٢٣٠ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٠٨ ؛ ومجالس ثعلب ص ٦٢ ؛ والمقتضب ٤ / ٣٩٨.

اللغة والمعنى : آل أحمد : أي أتباع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). الشيعة : الأتباع والأنصار. مذهب : طريق.

يقول : ليس لي من أنصار إلّا أتباع محمد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وليس لي من طريق إلّا طريقهم لأنّه قويم وصحيح.

الإعراب : وما : الواو : بحسب ما قبلها ، ما : حرف نفي. لي : جار ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر المبتدأ. إلّا : حرف استثناء. آل : مستثنى منصوب ، وهو مضاف. أحمد : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف للعلميّة ووزن الفعل. شيعة : مبتدأ مرفوع. وما : الواو : حرف عطف ، ما : حرف نفي. لي : جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف. إلّا : حرف استثناء. مشعب : مستثنى منصوب ، وهو مضاف. الحق : مضاف إليه مجرور. مشعب : مبتدأ مؤخّر مرفوع.

وجملة (ما لي إلّا آل آحمد شيعة) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائيّة أو استئنافية. وجملة (ما لي إلّا مشعب الحق مشعب) الاسميّة معطوفة على جملة «ما لي إلا آل أحمد شيعة».

والشاهد فيه قوله : «آل» وقوله : «مذهب» حيث تقدّم المستثنى على المستثنى منه ، فنصبه ، وهذا هو الوجه. ويروى «مشعب» مكان «مذهب».

٤٠٠