شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

باب «أمس»

إذا لم يكن معرّفا بالألف واللام ، ولا بالإضافة ، ولا منكّرا ، ولا مجموعا ، ولا مصغّرا ، فلا يخلو أن يكون ظرفا أو غير ظرف.

فإن كان ظرفا ، فهو مبنيّ على الكسر ، ويكون له معنيان : أحدهما أن تريد به اليوم الذي قبل يومك ، والآخر أن تريد به ما تقدّم يومك ، وذلك لا يكون إلّا مجازا ، وعليه قوله [من الطويل] :

٧٣٣ ـ لعمري لقوم قد ترى أمس فيهم

مرابط للأمهار والعكر الدّثر

__________________

٧٣٣ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١١٢ ؛ وجمهرة اللغة ص ٧٧٠ ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ١١١ ؛ ولسان العرب ٤ / ٢٧٧ (دثر).

اللغة : الأمهار : جمع مهر وهو صغير الخيل. العكر : القطعة من الإبل ما بين خمسين إلى مئة. الدثر : المال الكثير.

المعنى : يا لغنى هؤلاء القوم فأنت ترى بوضوح ما كانوا يملكونه بالأمس من خيول وإبل وأموال كثيرة.

الإعراب : لعمري : «اللام» : لام القسم ، «عمري» : مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، والخبر محذوف بتقدير (لعمري قسمي). لقوم : «اللام» : واقعة في جواب القسم ، «قوم» : خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : لهم قوم. قد : حرف تحقيق. ترى : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنت). أمس : ظرف زمان في محلّ نصب مفعول فيه ، متعلق بـ «ترى» على تأويل المضارع بالماضي كما يرى بعض النحاة في هذا البيت. فيهم : جار ومجرور متعلقان بـ (ترى). مرابط : مفعول به منصوب بالفتحة. للأمهار : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ (مرابط). والعكر : «الواو» : للعطف ، «العكر» : معطوف على (الأمهار) مجرور

٥٦١

لأنّه أراد بأمس ما مضى مما تقدّم يومه الذي كان فيه.

فإن كان ظرفا ، ففيه لغتان : لغة أهل الحجاز بناؤه على الكسر ، وعليه قوله [من الكامل] :

٧٣٤ ـ اليوم أعلم ما يجيء به

ومضى بفصل قضائه أمس

وبنو تميم يعربونه إعراب ما لا ينصرف.

وزعم الزجاج وأبو القاسم أنّ «أمس» إذا كان ظرفا يجوز فيه البناء على الفتح ، واستدلّ على ذلك بقوله [من الرجز]

٧٣٥ ـ لقد رأيت عجبا مذ أمسا

__________________

بالكسرة. الدّثر : صفة (العكر) مجرورة بالكسرة ، وسكّنت لضرورة الشعر.

وجملة «لعمري قسمي» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «هم قوم» : جواب قسم لا محل لها. وجملة «ترى» : صفة لـ «قوم» محلها الرفع.

والشاهد فيه قوله : «ترى أمس فيهم» حيث جاء بـ (أمس) مبنيّة على الكسر في محلّ نصب على الظرفية الزمانية وأراد بها ما مضى مما تقدم من يومه الذي كان فيه.

٧٣٤ ـ التخريج : البيت لأسقف نجران في الحيوان ٣ / ٨٨ ؛ وسمط اللآلي ص ٤٨٦ ؛ ولسان العرب ٦ / ٩ (أمس) ؛ والمقاصد النحويّة ٤ / ٣٧٣ ؛ وله أو لتبع بن الأقرن في شرح التّصريح ٢ / ٢٢٦ ؛ ولبعض ملوك اليمن في كتاب الصناعتين ص ٢٠١ ؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٣٤ ؛ والدرر ٣ / ١٠٦ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٥ ؛ ومراتب النحويين ص ١٠٣ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩.

اللغة والمعنى : بفصل قضائه : أي بقضائه الفاصل ، أي القاطع الذي لا تردّد فيه.

يقول : أنا أعلم ما يحمله إليّ اليوم ، أمّا أمس فقد انتهى بخيره وشرّه ، وفصل قضائه.

الإعراب : اليوم : ظرف زمان منصوب متعلّق بـ «أعلم». أعلم : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : أنا. ما : اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به. يجيء : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل : هو. به : جار ومجرور متعلّقان بـ «يجيء». ومضى : الواو : حرف عطف ، مضى : فعل ماض والفاعل : هو. بفصل : جار ومجرور متعلّقان بـ «مضىّ». وهو مضاف. قضائه : مضاف إليه مجرور ، وهو مضاف ، والهاء : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. أمس : ظرف زمان مبنيّ على الكسر في محلّ نصب.

وجملة (اليوم أعلم ...) الاسميّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها ابتدائية أو استئنافية. وجملة (يجيء به) الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب لأنّها صلة الموصول. وجملة (مضى بفصل قضائه) الفعليّة معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب.

والشاهد فيه بناء «أمس» على الكسر ، وذلك على لغة أهل الحجاز.

٧٣٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في أسرار العربية ص ٣٢ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ١٣٢ ؛ وخزانة الأدب

٥٦٢

وهذا لا حجة فيه ، لأنّ «أمس» ليس بظرف ، وإنّما هو اسم بدليل دخول حرف الجرّ عليه ، لأن دخول حرف الجر على الظرف ينقله عن الظرفية ، بدليل أنّ «وسط» إذا كان ظرفا ، فهو ساكن العين ، نحو : «جلست وسط الدار» ، وإذا كان اسما ، فهو متحرك العين ، نحو : «هذا وسط الدار» ، فإذا دخل حرف الجر على «وسط» حركت عينها ، فتقول : «جلست في وسط الدار». وإذا كان غير ظرف ، فلا يخلو أن يكون في موضع رفع ، أو نصب ، أو خفض. فإن كان في موضع نصب أو خفض ، لم يجز فيه عندهما إلّا البناء على الكسر ، أو الفتح. وإن كان في موضع رفع ، فهو عندهما يجوز فيه الوجهان : البناء ، والإعراب إعراب ما لا ينصرف.

ودليلهما أنّ «أمس» إذا كان غير ظرف ، وكان في موضع نصب أو خفض ، يجوز فيه البناء على الفتح ، نحو قوله [من الرجز] :

لقد رأيت عجبا مذ أمسا

وهذا لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون معربا إعراب ما لا ينصرف ، وأيضا فإنّ الدليل على أنّه ليس بمبنيّ على الفتح أنّه لم يأت إلّا في موضع خفض ولو كان مبنيا لجاء مثل : «شهدت زيدا أمس».

فإن كان معرّفا بالألف واللام ، أو بالإضافة ، أو منكّرا ، أو مجموعا ، أو مصغّرا ، فإنّه معرب أبدا على كل حال.

__________________

٧ / ١٦٧ ، ١٦٨ ؛ والدرر ٣ / ١٠٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٥٣٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ؛ وشرح قطر الندى ص ١٦ ؛ وشرح المفصّل ٤ / ١٠٦ ، ١٠٧ ؛ والكتاب ٣ / ٢٨٤ ؛ ولسان العرب ٦ / ٩ ، ١٠ (أمس) ؛ وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٩٥ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٣٥٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٥٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩ ؛ وجمهرة اللغة ص ٨٤١ ، ٨٦٣.

الإعراب : لقد : اللام موطّئة للقسم. قد : حرف تحقيق. رأيت : فعل وفاعل. عجبا : مفعول به منصوب بالفتحة. مذ : حرف جر. أمس : اسم مجرور بالفتحة عوضا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف ، والألف للإطلاق.

والشاهد فيه قوله : «مذ أمسا» حيث بنيت «أمس» على الفتح ، هذا على رأي بعضهم ، وهي اسم غير منصرف.

٥٦٣

باب أسماء الفاعلين والمفعولين

قصده في هذا الباب أن يبين أسماء الفاعلين والمفعولين ؛ فأمّا اسم الفاعل فلا يبنى إلّا من فعل متصرف. وأما اسم المفعول فلا يبنى إلّا من كلّ مبنيّ لما لم يسمّ فاعله.

واسم المفعول لا يخلو أن يكون من فعل ثلاثي ، أو أزيد من ثلاثة أحرف. فإن كان من فعل ثلاثي ، فاسم المفعول منه على وزن «مفعول» قياسا. فإن كان من فعل زائد على ثلاثة أحرف ، فيأتي أبدا على وزن الفعل المضارع المبنيّ لما لم يسم فاعله ، إلّا أنّك تبدل من حرف المضارعة ميما مضمومة خاصة.

واسم الفاعل لا يخلو أن يكون من فعل ثلاثي أو أزيد ، فإن كان من فعل ثلاثي ، فلا يخلو أن يكون على وزن «فعل» ، أو «فعل» ، أو «فعل».

فإن كان من «فعل» ، فهو أبدا على وزن «فعيل» ، نحو : «ظرف» ، فهو «ظريف» ، و «كرم» فهو «كريم». وإن كان من فعل فلا يخلو أن يكون متعدّيا ، أو غير متعدّ. فإن كان متعديا فهو أبدا على وزن «فاعل» ، نحو : «علم» فهو «عالم».

وإن كان غير متعدّ ، فاسم الفاعل يأتي منه على وزن «فعيل» ، نحو : «عمي» فهو «عم» ، وعلى وزن «أفعل» ، نحو : «عشي» فهو «أعشى» ، وعلى وزن «فعلان» ، نحو : «صدي» فهو «صديان». فإن كان من فعل زائد على ثلاثة أحرف ، فاسم الفاعل منه يأتي على وزن الفعل المضارع إلّا أنّك تبدل من حرف المضارعة ميما ، نحو : «متغافل» من «تغافل». وشذّ من ذلك : «أورق الشجر» ، فهو «وارق» ، و «أورس» ، فهو «وارس» ، و «أيفع الغلام» ، فهو «يافع» ، على وزن «فاعل» من المزيد. وشذّ منه أيضا «ألقح» فهو «ملقح» (١).

__________________

(١) كذا ، والوجه أن يقول «لاقح» ، و «ملقح» قياسي من «ألقح» ، وليس شاذا.

٥٦٤

باب الحروف التي ترفع ما بعدها بالابتداء والخبر

وتسمى حروف الرفع

هذه الترجمة ظاهرها التناقض ، وذلك أنّها إذا كانت رافعة فلا يتصور أن يكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء ، لأنّ المبتدأ معرّى من العوامل اللفظية ، فكيف يتصور في الشيء الواحد في حين واحد أن يكون معرّى من العوامل اللفظية عامل فيه لفظ قبله.

وهذا الاعتراض مندفع بأن يكون فاعل ترفع ضمير المخاطب ، كأنّه قال : ترفع أيها المخاطب ما بعدها بالابتداء والخبر. وقد روي : يرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، فعلى هذه الرواية لا طعن فيه أصلا (١).

وقصده في هذا الباب أن يذكر كل كلمة يجوز وقوع المبتدأ والخبر بعدها ، وليست الكلمة المتقدمة لازمة للكلام ، بل يجوز إسقاطها ، فيبقى ما بعدها كلاما مستقلّا بنفسه ، ويشترط أن تكون تلك الكلمة لا تكون إلّا مصدرا. فإن قيل : فقد ذكر في هذا الباب حروفا وغير حروف ، والترجمة تقتضي أنّ كل ما يقع في الباب إنما هو من جنس الحروف.

فالجواب عن هذا أحد شيئين : إمّا أن يكون أخذ الحرف بمعنى الكلمة فيقع إذ ذاك على الاسم ، والفعل ، والحرف. وإما أن يكون جعل «أين» ، و «كيف» و «متى» حروفا مجازا لتضمّنها معنى الحرف ، وكذلك «بينما» و «بينا» أطلق عليها لفظ الحرف لشبهها به فيما ذكرناه من وقوع المبتدأ والخبر بعده ولزوم الصدرية.

فإن قيل : لأيّ شيء لم يذكر في هذا الباب «ما» و «لا»؟ فالجواب عن ذلك : أنّه إنّما لم يذكرهما في هذا الباب لأنّهما لم يحدثا فيما بعدهما معنى من المعاني ، فلذلك كانتا

__________________

(١) يريد بقوله : «فعلى هذه الرواية» أنّه جاء في بعض نسخ الجمل كذا.

٥٦٥

كأنّهما في الكلام ، وإنما هما وصلة يراد بها الإبعاض ، فلا تعلق لهما بما بعدهما لا لفظا ولا معنى ، بل هي أصوات منفردة بما بعدها ، وما بعدها لم يتقدمه شيء.

وأمّا همزة الاستفهام فاستغني عنها بـ «هل».

وهذه الأدوات تنقسم قسمين : قسم لا يقع بعده إلّا الجملة. وقسم يقع بعده المفرد والجملة. فالذي يقع بعده المفرد والجملة : «متى» ، و «أين» ، و «كيف» ، و «بينا» ، فإن وقع بعدها المفرد ، كانت في موضع الخبر ، نحو : «كيف زيد»؟ و «أين عمرو»؟ و «متى القيام»؟ و «بينا قيام زيد قام عمرو».

وإن وقع بعدها الجملة ، كانت في موضع نصب على الظرف بما بعدها إلّا «كيف» ، فإنّ في إعرابها خلافا. فعلى مذهب سيبويه تكون منتصبة على الظرف لأنّها عنده من باب الظروف. فإذا قلت : «كيف زيد قائم»؟ فتقديره عنده : على أيّ حال زيد قائم؟ ومذهب الأخفش أنّها من الأسماء ، فإذا قلت : «كيف زيد قائم»؟ فتقديره عنده : أمسرعا زيد قائم أم غير مسرع؟ ويكون في موضع نصب على الحال.

وذلك فاسد ، لأنّ الحال خبر من الأخبار ، و «كيف» استفهام ، فلا يصح وقوعها خبرا. والصحيح ما ذهب إليه سيبويه. والذي يدل على صحة مذهبه أنّ «كيف» لا تتصرف ، أعني أنّها لا تستعمل فاعلة ، ولا مفعولة ، ولا يدخل عليها حرف جر ، وباب الأسماء غير المتصرفة أن تكون ظروفا. وأيضا فإنّها إذا جعلت ظرفا ، كانت في تقدير : أصحيح ، أم سقيم ، أم مريض ، أم ضعيف ، أم غير ذلك من الأحوال التي يمكن السؤال عنها.

ومهما أمكن أن يكون اللفظ في معنى واحد ، كان أولى من أن يكون له مفسّرا بما لا ينحصر من الألفاظ.

فإن قيل : فكيف تجعل ظرفا ، وهي ليست باسم زمان ولا مكان؟ فالجواب : انّها واقعة على الأحوال ، والحال قد تشبه بالظرف ، فيقال : «زيد في حال حسنة» فكذلك «كيف».

وأمّا الذي لا يقع بعده إلّا الجملة فما بقي ، ولا موضع له من الإعراب ، لأنّه حرف. وأمّا «بينما» ففيها خلاف ، فمنهم من جعلها من قبيل ما لا يليه إلّا الجملة. ومنهم من جعلها من قبيل ما يليه الجملة تارة والمفرد أخرى. فأجازوا : «بينما قام زيد قام عمرو» ، على زيادة «ما». والعامل في «بينما» و «بينا» جوابهما. ولا يعمل فيهما ما بعدهما ، لأنّهما مضافان

٥٦٦

إليه ، ولا يعمل المضاف إليه فيما أضيف إليه ، ولذلك ذهب كثير من النحويين إلى زيادة «إذ» في مثل قوله [من الخفيف]

٧٣٦ ـ بينما نحن بالأراك معا

إذ أتى راكب على جمله

لأنّ «إذ» مضافة إلى ما بعدها ، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وهذا قد يسوغ على غير زيادة «إذ» ، وذلك أن تقدّر قبل «بينما» و «بينا» عاملا يفسره ما بعده.

وقد تقدم الخلاف في الغاء «إنّما» وأخواتها وإعمالها ، والصحيح من ذلك. وقوله [من الكامل] :

٧٣٧ ـ بينا تعانقه الكماة [وروغه

يوما أتيح له جريء سلفع]

__________________

٧٣٦ ـ التخريج : البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٨٨ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٣٦٦ ، ٢ / ٧٢٢ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٣٩ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٧ / ٦٣ ، ٧٣ ؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٧٨٤.

اللغة : الأراك : واد قرب جبل الهذيل.

المعنى : فوجئنا ، بينما كنا بوادي الأراك ، يقدوم رجل على جمله إلينا.

الإعراب : بينما : ظرف مكفوف بما. نحن : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. بالأراك : جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. معا : حال. إذ : حرف للمفاجأة لا محل له. أتى : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. راكب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. على جمله : جار ومجرور متعلقان باسم الفاعل «راكب». و «جمل» : مضاف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة «نحن بالأراك معا» ابتدائية لا محل لها. وجملة «أتى» : استئنافية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «إذ أتى» حيث جاءت «إذ» زائدة لا عمل لها ، لأنها مضافة إلى ما بعدها فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها.

٧٣٧ ـ التخريج : البيت لأبي ذؤيب في الأشباه والنظائر ٢ / ٤٨ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢٥٨ ، ٧ / ٧١ ، ٧٣ ، ٧٤ ؛ والدرر ٣ / ١٢٠ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٥ ، ٢ / ٧١٠ ؛ وشرح أشعار الهذليين ١ / ٣٧ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٣ ، ٢ / ٧٩ ؛ وشرح المفصل ٣ / ٣٤ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٦٥ (بين) ؛ وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٢٢ ؛ ورصف المباني ص ١١ ؛ وشرح المفصل ٤ / ٩٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٢١١.

اللغة : الكماة : جمع كمي وهو المقاتل الذي ستر نفسه بالسلاح. روغه : مصدر راغ أي : مال وحاد عن الشي. جريء : ذو جرأة. سلفع : جسور واسع الصدر.

المعنى : إن هذا البطل الشجاع بينما كان يعانق الشجعان ويروغ عنهم أي يلتحم بهم أحيانا ويبتعد أخرى ، قدّر له شجاع جسور ذو جرأة فأرداه قتيلا. والمراد : أن الشجاع لا تعصمه شجاعته وجرأته من الموت.

٥٦٧

ويروى : تعانقه ، بالرفع والخفض. وزعم أبو محمد بن السيد أنّ رواية الخفض غير جائزة ، لأنّ «تعانقه» مصدر «تعانق» ، و «تفاعل» لا يتعدى.

وهذا الذي ذهب إليه باطل ، بل في ذلك تفصيل. وهو أنّ التاء الداخلة على فاعل لا تخلو أن تدخل عليه وهو متعدّ إلى واحد أو إلى اثنين. فإن كان متعدّيا إلى اثنين ، صار متعدّيا إلى واحد ، نحو : «عاطيت زيدا الدرهم». وإن كان متعدّيا إلى واحد ، صار غير متعدّ ، نحو : «ضارب زيد عمرا» ، تدخل عليه التاء ، فتقول : «تضارب زيد وعمرو» ، وقد تدخل على المتعدّي إلى واحد ، فيبقى على تعدّيه ، نحو قولك : «تجاوزت موضع كذا» ، ومنه قوله [من الطويل] :

٧٣٨ ـ تجاوزت أحراسا [عليها ومعشرا

عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي]

__________________

الإعراب : بينا : ظرف مكان منصوب متعلق بالفعل (أتيح) ، و «الألف» : للإشباع. تعانقه : مضاف إليه مجرور ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. الكماة : مفعول به منصوب للمصدر «تعانق». وروغه : «الواو» : حرف عطف ، «روغه» : اسم معطوف على «تعانقه» مجرور مثله ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. يوما : مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالمصدر تعانقه. أتيح : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. له : جار ومجرور متعلقان بالفعل أتيح. جريء : نائب فاعل مرفوع بالضمة. سلفع : صفة لجريء مرفوعة مثلها.

وجملة «أتيح له جريء» : ابتدائية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «بينا تعانقه» حيث أضيفت «بين» إلى المصدر «تعانق» وهو مفرد في معنى الفعل على أن الألف للإشباع أي زائدة ، ولم تمنع من الإضافة ، وذلك حمل لها على معنى «حين». فإن وقع بعدها اسم ذات لم يجز إلا الرفع.

٧٣٨ ـ التخريج : البيت لامرىء القيس في ديوانه ص ١٣ ؛ وجمهرة اللغة ص ٧٣٦ ؛ وخزانة الأدب ١١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥١ ؛ ولسان العرب ٤ / ٤٠٢ (شرا) ؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص ٢٩٢.

اللغة : تجاوزت : قطعت أو مررت. أحراسا : جمع حرس ، ومفرده حارس. حراصا : جمع حريص. يسرون : يظهرون ، أو يكتمون.

المعنى : لقد ذهبت لزيارتها متجاوزا أخطارا كثيرة ، من عيون حراس يراقبون قدومي إليها ، وقوم يودّون قتلي.

الإعراب : تجاوزت : فعل ماض مبني على السكون و «التاء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. أحراسا : مفعول به منصوب بالفتحة. عليها : جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ «أحراسا». ومعشرا : «الواو» : عاطفة ، و «معشرا» : معطوف على «أحراسا» منصوب بالفتحة. عليّ : جار ومجرور متعلقان بـ (حراصا) لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل. حراصا : صفة معشرا ، منصوبة بالفتحة. لو يسرون : «لو» : حرف

٥٦٨

ووجهه عندي أن لا تقدّر التاء داخلة على «فاعل» ، بل أصل بنفسها ، فكذلك «تعانق» يكون من هذا القبيل ، إلّا أنّ ذلك يكون مما يحفظ ولا يقاس عليه.

__________________

مصدري ، و «يسرون» : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل. مقتلي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلّم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة.

وجملة «تجاوزت» : ابتدائية لا محلّ لها. والمصدر المؤول من «لو يسرون مقتلي» في محلّ جرّ بدل الاسم المجرور وهو «الضمير في عليّ». وجملة «يسرون» : صلة الموصول لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «تجاوزت أحراسا» حيث دخلت التاء على الفعل المتعدي إلى واحد وبقي على تعدّيه.

٥٦٩

باب ما ينصب على إضمار الفعل

المتروك إظهاره

المنصوبات تنقسم ثلاثة أقسام : قسم ينتصب بفعل ظاهر ولا يجوز إضماره ، وذلك كل فعل إذا أضمرته لم يكن عليه دليل لا من لفظ متقدم عليه ، ولا من تسلط حال. وقسم ينتصب بفعل ، إن شئت أظهرته ، وإن شئت أضمرته ، وهو كل فعل إذا أضمر كان له ما يدلّ عليه إمّا من لفظ متقدّم وإما من تسلط حال.

وقسم ينتصب بفعل مضمر ، ولا يجوز إظهاره ، وهو الذي أراد أبو القاسم ، وذلك يحفظ حفظا ولا يقاس عليه. وهو المنادى ، والمنصوب على باب الاشتغال ، وإيّاك ، والاسم الذي بعد الواو في : «إيّاك والأسد». والاسم الذي بعد الواو في : «ويحه وأخاه» ، و «أهلك والليل» ، و «ما أنت وزيدا» ، و «ما شأنك وزيدا» ، والمصادر الموضوعة موضع الأمر إذا كرّرت ، نحو : «ضربا ضربا» ، و «الحذر الحذر» ، و «النجاء النجاء». والمصادر الموضوعة موضع الدعاء ، وهي سقيا ، ورعيا ، وجدعا ، وسحقا ، وبعدا ، وأفّة ، وتفّة ، ودفرا ، وتعسا ، وبؤسا ، وبهرا ، وهي من الأسماء الموضوعة موضع فعل الدعاء ، وهي مؤنثة.

وما استعمل من المصادر المضافة الموضوعة موضع الفعل في الخبر ، وهي : سبحان الله ، وريحانه ، وقعدك الله ، وعمرك الله ، وما وضع من الأسماء مضافا موضع فعل الدعاء ، وهي : ويحه ، وويله ، وويسه ، وعوله ، ولا تستعمل «عوله» إلّا بعد «ويله».

وما وضع من المصادر المثنيات موضع الفعل ، وهي : حنانيك ، وسعديك ، ولبّيك ،

٥٧٠

ودواليك ، وهذاذيك ، و «بعت الشاء شاة بدرهم» ، و «أخذته بدرهم فصاعدا ، وبدرهم فزائدا» ، وما وضع من المصادر موضع فعل التعجب وهي : «أكذبا وحلفا».

وكل مصدر أو صفة بعد «أمّا» بشرط أن لا يكون ما بعدها يعمل فيه ، مثل : «أمّا سمينا فسمين وأما عالما فعالم».

والمصادر المشبهات إذا تقدّم قبلها ما يدل على الفعل ، مثل : «له صوت صوت حمار» ، و «له صراخ صراخ الثكلى» ، و «له دقّ دقّك بالمنحاز حبّ الفلفل» (١) ، و «من أنت وزيدا»؟ و «كليهما وتمرا» (٢) ، و «هذا ولا زعماتك» ، و «نعمة عين ونعما عين» ، و «نعام عين» ، و «كرامة ومسرّة» ، و «لا كيدا ولا رغما ولا غمّا».

وكذلك كل صفة وضعت موضع الفعل ، مثال : «أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى»؟ وكل اسم ينتصب بفعل مضمر على (٣) ، وقد تقدّم مثل : «انته أمرا قاصدا» ، و «وراءك أوسع لك» ، و (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ)(٤).

والمصادر الموضوعة موضع الفعل في الخبر ، مثل : «ما أنت سيرا» ، و «إنّما أنت شرب الإبل» ، و «مرحبا وأهلا وسهلا» ، و «سبّوحا قدّوسا» ، و «إن تأتني فأهل الليل والنهار» ، و «كلّ شيء ولا هذا».

وكل اسم وضع موضع الفعل في الخبر ، مثل : «أقائما وقد قعد الناس»؟ و «عائذا بالله».

وأمّا المناديات ، فإنّها تنصب بفعل مضمر ، ولا يجوز إظهاره. فإذا قلت : «يا رجلا» ، فتقديره : أنادي رجلا ، ثم حذف «أنادي» ، ونابت «يا» منابه ، فلذلك لم يجز إظهاره ، لأنّه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض منه.

__________________

(١) المنحاز : الهاون ، آلة يدقّ بها.

(٢) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في جمهرة الأمثال ٢ / ١٤٧ ؛ والفاخر ص ١٤٩ ؛ وفصل المقال ص ١١٠ ؛ وكتاب الأمثال ص ٢٠٠ ؛ والمستقصى ٢ / ٢٣١ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ١٥١ ، ٢٨٧.

والمثل قاله رجل مرّ بإنسان وبين يديه زبد وسنام وتمر ، فقال له الرجل : أنلني ممّا بين يديك. فقال : أيهما أحبّ إليك : زبد أم سنام؟ فقال الرجل : كليهما وتمرا ، أي : كليهما أريد ، وأريد تمرا.

يضرب في كلّ موضع خيّر فيه الرجل بين شيئين ، وهو يريدهما معا.

(٣) بعد هذه الكلمة نقص.

(٤) سورة النساء : ١٧١.

٥٧١

وزعم بعض النحويين أنّه انتصب بما في «يا» من معنى الفعل.

ومنهم من ذهب إلى أنّه انتصب بنفس «يا» ، واستدلّ على ذلك بأن قال : الدليل على أنّه منصوب بـ «يا» وليس منصوبا بفعل مضمر أنّه لو أظهروا الفعل الذي تدّعون إضماره لغيّر المعنى ، وذلك أنّك إذا قلت : «يا زيد» ، فهو نفس النداء ، و «أنادي زيدا» ليس بنفس النداء ، وإنّما هو إخبار بأنّه يقع منه نداء.

وهذا الذي ذهب إليه هذا الذاهب فاسد ، وذلك أنّ الحرف إذا اختص باسم واحد لا يعمل فيه إلّا جرّا ، وهذا قد عمل فيه نصبا ، فدلّ على بطلان ما ذهب إليه من أنّ «يا» هي الناصبة مع أنّها لا تختص ، وذلك أن «يا» للتنبيه في الأصل ، فهي غير مختصة بدخولها على الاسم والفعل والحرف. فمثال دخولها على الفعل قوله [من الطويل] :

ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال

 ... (١)

ومثال دخولها على الحرف قوله [من مجزوء الكامل] :

يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا (٢)

وأمّا قوله : «إنّ إظهار الفعل يغيّر المعنى» ، فالجواب : إنّ الأفعال تنقسم قسمين : قسم هو كناية عن معنى ، مثل : «قام زيد» ، وقسم هو المعنى نفسه ، مثل قولك : «أحلف بالله لأفعلنّ كذا» ، ألا ترى أنّ قولهم : «أحلف» ، هو القسم بنفسه ، وكذلك المنادى يكون على تقدير : «أنادي» ، ويكون «أنادي» هنا المراد به نفس النداء.

وأمّا المنصوب في باب الاشتغال ، فهو منصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره. وإنّما لم يجز إظهاره لأنّه جعل الفعل الذي بعده كأنّه عوض منه ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض منه.

ومنهم من ذهب إلى أنّه منصوب بالفعل الذي بعده وهو الفراء (٣). وذلك أنّ عدم الإضمار أحسن من تكلفه. قال فإن قيل : تعدّى «ضربت» لمفعولين وإنّما يتعدى إلى مفعول واحد ، فالجواب : انّه لما كان المفعول هو الضمير في المعنى ساغ أن يعمل فيه.

__________________

(١) تقدم بالرقم ١٩.

(٢) تقدم بالرقم ٢٠.

(٣) انظر المسألة الثانية عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٨٢ ـ ٨٣.

٥٧٢

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ العرب تقول : «زيدا مررت به» ، و «مررت» لا تعمل نصبا ، فثبت هنا إضمار الفعل. وأيضا فإنّ الشيء لا يقتضي مما يطلبه إلّا شيئا واحدا.

فأمّا إيّاك ، فهو منصوب بإضمار فعل لا يجوز إظهاره ولم يستعمل إلّا بمعنى الأمر ، فإذا قلت : «إيّاك» ، فتقديره : «إيّاك باعد» ، ولا تقدّره قبل إيّاك ، لأنّه لا يتعدى الفعل إلى مضمر المتّصل. وإنّما لم يظهر الفعل لأنّ «إيّاك» تتنزّل منزلته ، وتتحمل الضمير كما يتحمّله الفعل. والدليل على أنّه قد يتحمل الضمير الذي يتحمله الفعل قوله [من المتقارب] :

٧٣٩ ـ فإيّاك أنت وعبد المسي

ح أن تقربا قبلة المسجد

ف «عبد المسيح» معطوف على المضمر في «إيّاك» ، و «أنت» تأكيد له.

وأمّا الاسم الذي بعد الواو في : «إيّاك والأسد» ، وأمثاله تقديره : «إيّاك باعد واحذر الأسد» ، إلّا أنّ هذا الفعل الذي ينتصب «الأسد» بإضماره لا يظهر لأنّ ما في «إيّاك» من التحذير يدل عليه. فإن حذفت الواو لم تلزم إضمار الفعل ، نحو قوله [من الطويل] :

٧٤٠ ـ إيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشرّ دعّاء وللشرّ جالب

__________________

٧٣٩ ـ التخريج : البيت لجرير في ملحق ديوانه ص ١٠٢٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٠ ؛ والكتاب ١ / ٢٧٨ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٣ / ٢١٣.

المعنى : يحذّر جرير الفرزدق وصديقه الأخطل (أشار إليه بعبد المسيح) من الاقتراب من المساجد.

الإعراب : فإياك : «الفاء» : استئنافية ، «إياك» : ضمير نصب منفصل في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره (أحذّر). أنت : ضمير منفصل في محلّ نصب توكيد للضمير (إياك). وعبد : «الواو» : حرف عطف ، «عبد» : معطوف على الضمير (إياك) منصوب بالفتحة. المسيح : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أن : حرف مصدري وناصب. تقربا : فعل مضارع منصوب بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، و «الألف» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. والمصدر المؤول من «أن» والفعل «تقربا» مفعول به ثان للفعل «أحذر» أو مجرور بالحرف ، والتقدير : احذر إياك الاقتراب أو من الاقتراب ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «احذر» المحذوف. قبلة : مفعول به منصوب بالفتحة. المسجد : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة «فإياك أحذّر» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «تقربا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «عبد المسيح» حيث عطفه على (إياك) بعد أن أتى بالضمير المنفصل (أنت) توكيدا للضمير (إياك).

٧٤٠ ـ التخريج : البيت للفصل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة ٤ / ٧٦ ؛ وخزانة الأدب ٣ / ٦٣ ؛ ومعجم الشعراء ص ٣١٠ ؛ وله أو للعرزميّ في حماسة البحتري ص ٢٥٣ ؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب

٥٧٣

تقديره : دع المراء. ولو كان في الكلام لجاز إظهار هذا الفعل.

وأمّا «امرأ ونفسه» ، و «شأنك والحجّ» ، و «رأسك والحائط» فالأول من هذه الأسماء ينتصب بإضمار «دع» أو ما في معناه. والثاني ينتصب به بواسطة الواو على معنى «مع» ، تقديره : دع امرأ ونفسه ، أي مع نفسه ، واترك رأسك والحائط ، وخذ شأنك والحجّ ، وكذلك «أهلك والليل» ، تقديره : بادر أهلك والليل ، وبادر الليل ، أي : بادر أهلك قبل الليل.

وأمّا «أخوه» من «ويحه وأخاه» ، فينتصب على الفعل الذي ينتصب عليه «ويحه» وسيبيّن. وأمّا «ما شأنك وزيدا» ، و «ما أنت وزيدا» ، فـ «زيدا» منصوب بإضمار الملابسة تقديره : ما شأنك وملابسة زيد ، وما أنت وملابسة زيد ، ولم يظهر الفعل في جميع ذلك لجريانه مجرى المثل في كثرة الاستعمال.

وأمّا المصادر الموضوعة موضع الفعل إذا كررت ، نحو : «ضربا ضربا» ، و «الحذر الحذر» ، و «النجاء النجاء» ، فإنّها منصوبة بفعل أمر من لفظها لا يجوز إظهاره لنيابة التكرار منابه.

وأمّا ما وضع من المصادر موضع فعل أيضا ، وهو : «سقيا ورعيا» ، و «خيبة وجدعا» ، و «عقرا وسحقا» ، و «أفّة وتفّة» ، و «دفرا» ، و «تعسا» ، و «بؤسا» ، و «نتنا» ، و «بهرا» ، فما

__________________

ص ٦٨٦ ؛ والخصائص ٣ / ١٠٢ ؛ ورصف المباني ص ١٣٧ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٢٨ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٢٥ ؛ والكتاب ١ / ٢٧٩ ؛ وكتاب اللامات ص ٧٠ ؛ ولسان العرب ١٥ / ٤٤١ (أيا) ؛ ومغني اللبيب ص ٦٧٩ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ١١٣ ، ٣٠٨ ؛ والمقتضب ٣ / ٢١٣.

شرح المفردات : المراء : الجدال والمنازعة. جالب : مسبّب.

المعنى : ينصح الشاعر بعدم المراء لأنّه مسبّب للشرّ.

الإعراب : «فإيّاك» : الفاء بحسب ما قبلها ، «إياك» : ضمير منفصل مبنيّ في محلّ نصب مفعول به لفعل التحذير المحذوف. «إيّاك» : توكيد لفظي للسابق. «المراء» : مفعول به منصوب ، لفعل محذوف تقديره : دع المراء. «فإنه» : الفاء استئنافية ، «إنه» : حرف مشبّه بالفعل ، والهاء ضمير في محلّ نصب اسم «إنّ». «إلى الشرّ» : جار ومجرور متعلّقان بـ «دعّاء». «دعّاء» : خبر «إن» مرفوع. «وللشرّ» : الواو حرف عطف ، «للشرّ» جار ومجرور متعلّقان بـ «جالب». «جالب» : معطوف على «دعّاء» مرفوع.

وجملة : «إياك إياك» استئنافية. وجملة «إنّه دعّاء» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «إيّاك إيّاك المراء» حيث حذف الواو فلم يلزم إضمار الفعل وجاز إظهاره.

٥٧٤

كان منها له فعل من لفظه ، انتصب به ، وما لم يكن له فعل من لفظه ، انتصب بفعل من معناه ، نحو : «دفرا» ، و «أفّة» ، و «تفّة». وأما «نوعا» فلا يستعمل إلّا تابعا لـ «جوع». وأما «تربا وجندلا» ، و «فاها لفيك» ، فأسماء منصوبة بأفعال مضمرة على معنى الدعاء تقديره : جعل الله في فيه ترابا ، ووضع الله في فيه جندلا ، أي : أماته الله إذ لا يكون الترب والجندل في فيه إلّا بعد موته ، وكذلك : «فاها لفيك» ، أي : جعل الله فم الداهية لفيك. والدليل على أنّه يريد الداهية قوله [من المتقارب] :

٧٤١ ـ وداهية من دواهي المنو

ن يرهبها النّاس لا فا لها

فجعل للداهية فما.

وأما «هنيئا مريئا» فصفتان منصوبتان بفعل مضمر على أنّهما حالان. فإذا قلت لمن هو في حال نعيم : «هنيئا لك» ، فكأنّك قلت : أدام الله لك ما أنت فيه من النعيم هنيئا. وكذلك «مريئا» ، إلّا أنّه لا يستعمل وحده. وكذلك لا يحفظ.

__________________

٧٤١ ـ التخريج : البيت لعامر بن جوين الطائي في خزانة الأدب ٢ / ١١٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٠٣ ؛ وبلا نسبة في الكتاب ١ / ٣١٦ ؛ ولسان العرب ١٣ / ٥٢٨ (فوه).

اللغة : الداهية : الأمر العظيم. لا فا لها : ليس لها فم.

المعنى : وربّ أمر عظيم مما يميت ويهلك ، يخشاه الناس لأنهم لا يعرفون كيف يتّقونه ، فكأنه لا فم له يفصح به عمّا يريد بهم.

الإعراب : وداهية : «الواو» : واو ربّ ، «داهية» : اسم مجرور لفظا ، مرفوع محلّا على أنه مبتدأ. من دواهي : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على الياء ، متعلّقان بصفة محذوفة لـ (داهية). المنون : مضاف إليه مجرور بالكسرة. يرهبها : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الناس : فاعل مرفوع بالضمّة. لا : حرف نفي يعمل عمل (إنّ). فا : اسم (لا) منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. لها : جار ومجرور متعلقان بخبر (لا) المرفوع المحذوف.

وجملة «وداهية يرهبها» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «يرهبها» : في محلّ رفع خبر لـ (داهية). وجملة «لا فا لها» : في محلّ رفع ، أو جرّ صفة لـ (داهية).

والشاهد فيه قوله : «وداهية ... لا فا لها» حيث جعل للداهية فما.

٥٧٥

وأما «سبحان الله» و «ريحانه» ، فإنّهما منصوبان بفعل من معناهما لأنّهما لا يستعمل فعل من لفظهما ، ألا ترى أنّه لا يقال : «سبحت» ولا «راح» ، بمعنى استرزق. فأما «سبّحت» بالتشديد فمعناه : قلت : سبحان الله. ومعنى [من السريع] :

٧٤٢ ـ سبّحن تنزيها وريحانا

استرزاقا.

وأما «معاذ الله» ، فمنصوب بفعل من لفظه تقديره : أعوذ بالله معاذا. وأما «عمرك الله» ، فمعناه : أسألك ببقاء الله. و «عمر» مصدر من «عمّر» على حذف الزيادة بمعنى تعمير ، فتقديره : «عمر من الله عمّرتك به تعميرا» ، أي : سألته بعمر الله ، أي : ببقاء الله ، قال الشاعر [من الكامل] :

٧٤٣ ـ عمّرتك الله الجليل فإنّني

[ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي]

__________________

٧٤٢ ـ التخريج : لم أقع على قائل هذا الشطر ، ولا على تتمته فيما عدت إليه من مصادر.

اللغة : تنزيها : إبعادا وتنحية عن القبح والشرّ. ريحانا : استرزاقا.

المعنى : قلن : سبحان الله ، إيمانا منهن بأنه الرزاق البعيد عن القبح.

الإعراب : سبّحن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، و «النون» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. تنزيها : مفعول لأجله منصوب بالفتحة. وريحانا : «الواو» : للعطف ، «ريحانا» : معطوف على (تنزيها) منصوب بالفتحة.

والجملة ابتدائية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «سبحن تنزيها وريحانا» بمعنى : قلن : سبحان الله ، استرزاقا منه.

٧٤٣ ـ التخريج : البيت لعمرو بن أحمر في ديوانه ص ٦٠ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٥٦ ؛ والكتاب ١ / ٣٢٣ ؛ وبلا نسبة في لسان العرب ٤ / ٦٠٢ (عمر) ؛ والمقتضب ٢ / ٣٢٩ ؛ والمنصف ٣ / ١٣٢.

اللغة : عمرتك الله : سألت الله أن يطيل عمرك. ألوي : أعطف. اللب : القلب.

المعنى : أسأل الله أن يطيل عمرك ، فأنا أعطف عليك لو أنّك ممّن تقبل قلوبهم النصيحة.

الإعراب : عمّرتك : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. الله : لفظ الجلالة مفعول به ثان منصوب بالفتحة. الجليل : صفة (الله) منصوبة بالفتحة. فإنني : «الفاء» : استئنافية ، «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب اسم (إنّ). ألوي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). عليك : جار ومجرور متعلقان بـ (ألوي). لو : حرف تمنّ لا

٥٧٦

وأما «قعدك الله» فمعناه «حفظك الله» ، وهو منصوب بإضمار فعل من معناه. وأما ويحه وويسه وويله وعوله وويبه فمنصوبة بأفعال من معناها لأنّ معنى «ويحه» و «ويسه» رحمة له ، ومعنى «ويله» و «ويبه» : حسرة له. وأما «عوله» فإتباع لـ «ويله» ولا تستعمل بغير «ويله» ، فكأنّه مشتق من العويل وهو صوت الباكي.

ومن الناس من ذهب إلى أنّه قد استعمل من «ويح» و «ويس» و «ويل» أفعال ، فهي على مذهبه منصوبة بأفعال من لفظها ، فتقدير «ويحه» : واح ويحه ، وكذلك «وال ويله» ، و «واس ويسه» ، وأنشد [من الهزج] :

٧٤٤ ـ فما وال ولا واح

ولا واس أبو هند

وهذا البيت فيما زعموا مصنوع ولا يعلم له قائل.

وأما «حنانيك» ، و «لبّيك» ، و «سعديك» ، و «هذاذيك» ، و «دواليك» ، فمصادر منصوبة بأفعال مضمرة. فأما «حنانيك» ، و «هذاذيك» ، و «دواليك» ، فالأفعال الناصبة لها

__________________

محلّ له. أنّ : حرف مشبّه بالفعل. لبك : اسم (أنّ) منصوب بالفتحة ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يهتدي : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «عمرتك» : ابتدائية للدعاء لا محلّ لها. وجملة «فإنني ألوي» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «ألوي» : في محلّ رفع خبر (إن). وجملة «يهتدي» : في محلّ رفع خبر (أنّ).

والشاهد فيه قوله : «عمرتك الله» حيث جاء بفعل من لفظ (عمرك).

٧٤٤ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح التصريح ١ / ٣٣٠ ؛ والممتع في التصريف ٢ / ٥٦٧ ؛ والمنصف ٢ / ١٩٨.

اللغة : وال : أكثر من ذكر الويل الذي هو حلول الشرّ. واح : أكثر من ذكر الويح الذي هو كلمة رحمة. واس : أكثر من ذكر الويس الذي هو الفقر ، أو ما يريده الإنسان (من الأضداد).

الإعراب : فما : «الفاء» : حسب ما قبلها ، «ما» : نافية. وال : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف زائد لتوكيد النفي. واح : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ولا : «الواو» : للعطف ، «لا» : حرف زائد لتوكيد النفي. واس : فعل ماض مبني على الفتح. أبو : فاعل مرفوع بالضمّة. هند : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

والشاهد فيه قوله : «فما وال ولا واح ولا واس» حيث استخدم أفعالا من لفظ المصادر (الويل) و (الويح) و (الويس).

٥٧٧

من لفظها ، كأنه في التقدير : أحنّ حنانيك ، وتقدير قوله [من الرجز] :

٧٤٥ ـ ضربا هذاذيك وطعنا وخضا

[يمضي إلى عاصي العروق النّحضا]

ضربا تهذّ فيه هذاذيك ، أي : ضربك في حال أنّك تهذّ هذاذيك.

وتقدير قوله [من الطويل] :

٧٤٦ ـ إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله

دواليك حتى كلّنا غير لابس

__________________

٧٤٥ ـ التخريج : الرجز للعجاج في ديوانه ١ / ١٤٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ٦١٥ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ١٠٦ ؛ والدرر ٣ / ٦٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣١٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ١١٩ ؛ والمحتسب ٢ / ٣٧٩ ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٣٩٩ ؛ وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١٥٨ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣١٣ ؛ والكتاب ١ / ٣٥٠ ؛ ولسان العرب ٣ / ٥١٧ (هذذ) ؛ ومجالس ثعلب ١ / ١٥٧ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٨٩.

شرح المفردات : هذاذيك : إسراعا بعد إسراع. طعنا وخضا : أي طعنا يصل إلى الجوف. يمضي : يوصل. عاصي العروق : هو الذي لا ينقطع دمه. النحض : اللحم المكتنز.

المعنى : يقول : اضرب ضربا بعد ضرب بلا هوادة ، واطعن طعنا يصل إلى الجوف ، ويوصل اللحم بالعروق التي يسيل دمها بلا انقطاع.

الإعراب : «ضربا» : مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف تقديره : «اضرب ضربا». «هذاذيك» : مفعول مطلق منصوب بالياء لأنّه مثنّى ، وهو مضاف ، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «وطعنا» : الواو حرف عطف ، «طعنا» : مفعول مطلق منصوب. «وخضا» : نعت «طعنا» منصوب. «يمضي» : فعل مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «إلى عاصي» : جار ومجرور متعلقان بـ «يمضي» ، وهو مضاف. «العروق» : مضاف إليه مجرور. «النّحضا» : مفعول به منصوب ، والألف للإطلاق.

وجملة «اضرب» المحذوفة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة : «اطعن» المحذوفة معطوفة على جملة : «اضرب». وجملة : «يمضي» في محلّ نصب نعت «طعنا».

الشاهد : قوله : «هذاذيك» حيث انتصب المصدر «هذاذيك» بفعل من لفظه والتقدير : تهذّ هذاذيك.

٧٤٦ ـ التخريج : البيت لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ١٦ ؛ وجمهرة اللغة ص ٤٣٨ ؛ والدرر ٣ / ٦٥ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٧ ؛ وشرح المفصل ١ / ١١٩ ؛ والكتاب ١ / ٣٥٠ ؛ ولسان العرب ٣ / ٥١٧ (هذذ) ، ١١ / ٢٥٣ (دول) ؛ والمقاصد النحوية ٣ / ٤٠١ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٢٧٢ ؛ والخصائص ٣ / ٤٥ ؛ ورصف المباني ص ١٨١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣١٣ ؛ ومجالس ثعلب ١ / ١٥٧ ؛ والمحتسب ٢ / ٢٧٩ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٨٩.

شرح المفردات : البرد : الثوب المخطّط. دواليك : تداولا بعد تداول.

٥٧٨

تداولنا دواليك. ودل على تداولنا قوله :

إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله

 ...

وأما «سعديك» فمعناه إجابة بعد إجابة ، فكأنّه قال : إسعادا بعد إسعاد ، أي : كلما أمرتني أطعتك وساعدتك على ذلك. وكذلك «لبّيك» معناه : لزوما لطاعتك. وكأنه من «ألبّ بالمكان» إذا أقام به ، ولزم. فهي منصوبة بأفعال من معناها.

وهذه المصادر ، أعني «حنانيك» وإخوته مثناة بلا خلاف ، إلّا «لبّيك» فإنّ فيه خلافا. فمذهب سيبويه أنّه تثنية «لبّ» ، كما أنّ «حنانيك» تثنية «حنان». ومذهب يونس أنه اسم مفرد كأنّه عنده قبل الإضافة : «لبّى». وقلبت ألفه ياء لإضافتها إلى المضمر ، نحو : «لديك» و «عليك».

وهذا فاسد بدليلين : أحدهما أنّ «لبّيك» قد ثبتت فيه الياء مع إضافتها إلى الظاهر في

__________________

المعنى : يقول : إنّهم يشقّون الأبراد تأكيدا على دوام المودّة. وكان العرب يزعمون أنّ المتحابين إذا شقّ كلّ واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودّتهما ولم تفسد.

الإعراب : «إذا» : ظرف زمان يتضمّن معنى الشرط ، متعلّق بجوابه. «شقّ» : فعل ماض للمجهول. «برد» : نائب فاعل مرفوع. «شقّ» : فعل ماض للمجهول. «بالبرد» : جار ومجرور متعلّقان بـ «شقّ». «مثله» : نائب فاعل مرفوع ، وهو مضاف ، والهاء ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «دواليك» : مفعول مطلق منصوب بالياء لأنّه مثنّى ، وهو مضاف ، والكاف في محلّ جرّ بالإضافة. «حتى» : حرف ابتداء. «كلّنا» : مبتدأ مرفوع بالضمّة ، وهو مضاف ، و «نا» : ضمير في محلّ جرّ بالإضافة. «غير» : خبر المبتدأ مرفوع ، وهو مضاف. «لابس» : مضاف إليه مجرور

وجملة : «إذا شق ...» الشرطية ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «شقّ» في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «شقّ مثله» جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «كلنا غير لابس» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : قوله : «دواليك» حيث انتصب المصدر «دواليك» بفعل من لفظه والتقدير : تداولنا دواليك.

ملاحظة : روي عجز البيت :

* دواليك حتّى ليس للبرد لابس*

والبيت من مقطوعة مكسورة الرويّ ، وقبله :

فكم قد شققنا من رداء منيّر

ومن برقع عن طفلة غير عانس

٥٧٩

مثل قوله [من المتقارب] :

٧٤٧ ـ دعوت لما نابني مسورا

فلبّى فلبّي يدي مسور

والآخر : أنه قد سمع «لبّ» ، ولم يسمع «لبّى» اسما ، قال الشاعر [من الطويل] :

٧٤٨ ـ دعوني فيا لبّيّ إذ هدرت لهم

شقاشق أقوام فأسكتها هدري

__________________

٧٤٧ ـ التخريج : البيت لرجل من بني أسد في الدرر ٣ / ٦٨ ؛ وشرح التصريح ٢ / ٣٨ ؛ وشرح شواهد المغني ٢ / ٩١٠ ؛ ولسان العرب ٥ / ٢٣٩ (لبى) ؛ والمقاصد النحويّة ٣ / ٣٨١ ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٢ / ٩٢ ، ٩٣ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧٩ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٣١٢ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٨٣ ، ٣٨٥ ؛ والكتاب ١ / ٣٥٢ ؛ ولسان العرب ١ / ٧٣١ (لبب) ، ٤ / ٣٨٨ (سور) ؛ والمحتسب ١ / ٧٨ ، ٢ / ٢٣ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٩٠.

شرح المفردات : نابني : أصابني. مسور : اسم رجل. لبّى : أجاب. لبّي يدي مسور : أي دعاء لمسور بأن يجاب دعاؤه كلّما دعا إجابة بعد إجابة.

المعنى : يقول : لمّا نكبني الدهر دعوت مسورا ، فلبّى دعائي ، فدعا له بالتوفيق ودوام النعمة.

الإعراب : «دعوت» : فعل ماض ، والتاء فاعل. «لما» : جار ومجرور متعلّقان بـ «دعوت». «نابني» : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء ضمير في محلّ نصب مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «مسورا» : مفعول به. «فلبى» : الفاء : حرف عطف ، «لبّى» : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : «هو». «فلبّي» : الفاء : استئنافيّة ، «لبّي» : مفعول مطلق منصوب بالياء لأنّه مثنّى ، وهو مضاف. «يدي» : مضاف إليه مجرور بالياء لأنّه مثنّى ، وهو مضاف. «مسور» : مضاف إليه مجرور.

وجملة : «دعوت مسورا» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «نابني» صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «لبى» معطوفة على الابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة : «... لبّي» معطوفة استئنافية.

الشاهد : قوله : «فلبّي يدي» حيث أضاف «لبّي» إلى الاسم الظاهر «يدي» فثبتت الياء في «لبّي».

٧٤٨ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٠٩ ؛ ومغني اللبيب ٢ / ٥٧٨.

اللغة : دعوني : استعانوا بي وطلبوني. لبي : إجابة بعد إجابة. هدرت : من هدر البعير إذا ردد صوته في حنجرته. شقاشق : جمع شقشقة ، وهي أن يكثر الخطيب الكلام بلا فائدة.

المعنى : لقد دعاني أصحابي واستغاثوا بي ، فلبيت دعاءهم وأسكتّ الأعداء بهدري وبلاغتي وفصاحتي.

الإعراب : دعوني : فعل ماض مبني على ضم مقدر على ألف محذوفة لالتقاء الساكنين ، وبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة و «الواو» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محل نصب مفعول به. فيا : «الفاء» : حرف اعتراض ، «يا» : حرف تنبيه. لبي : مفعول مطلق لفعل محذوف ، منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بالمثنى ، و «الياء» : ضمير متصل في محل جر بالإضافة. إذ : ظرف لما مضى من الزمان متعلق بالفعل دعوني. هدرت : فعل ماض مبني على الفتح ،

٥٨٠