شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

فإن قيل : هلّا من لغته أن ينوي في «ثمود» : يا ثمي ، لأنّ «يا ثمو» خرج عن كلامهم ، فلا ينبغي أن يراعى في ذلك المحذوف لأنّه يؤدي إلى ما لم يوجد؟

فالجواب : إنّ الواو المتطرفة المضموم ما قبلها لم تمتنع لذاتها ، وبما امتنعت لما يؤدّي إليه ذلك من مخافة لحاقه بالإضافة وياءي النسب ، فيكثر الترخيم وأنت في حال الترخيم قد أخذت من ذلك ، فلا يعبأ بها فرعي المحذوف ، إذن ها هنا ممكن. وكذلك أيضا يمكن في «كروان» و «طفاوة» رعي المحذوف ولا يؤدّي إلى مثل المسائل الأولى لأنّ تحريك الواو وانفتاح ما قبلها عارض ، فصار بمنزلة لا يلتفت إلى العارض فيها ، فلذلك لم يلتفت هنا إلى حذف الألف والنون ، فحملت الشيء على نظيره.

وكذلك «طفاوة» ، لأنّ هذا الإعلال عارض ، فلا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا ، فاحتملت الواو طرفا.

وكل مرخّم يجوز ترخيمه على اللغتين معا ، إلّا ما ذكرنا من الصفات ، فإنّها لا ترخّم إلّا على لغة من نوى خاصة ، لأنّه يلتبس بما ليس بمرخّم. وكذلك إذا رخّمت «يا حبلويّ» ، فإنّك تقول : يا حبلو ، ولا تقول : «يا حبلى» ، لما يؤدي إليه من أن يكون ألف التأنيث منقلبة ، ولا يجوز أن تكون ألف التأنيث منقلبة أصلا.

وأيضا فالترخيم في كل اسم جار على اللغتين ، إلّا في هذين الموضعين. وممّا فيه خلاف «طيلسان» ، فهل تقول : «يا طيلس أقبل»؟ ففيه خلاف.

قال أبو عمرو : سألت أبا عثمان كيف ترخم «طيلسانا» على لغة من لم ينو؟ فقال : أقول : «يا طليس أقبل» ، فقلت له : ألم تزعم أنه لا يكون «فيعل» في الصحيح؟ فقال لي : قد علمت أنّي أخطأت إنّما أقول : «يا طيلس».

والصحيح أن يجوز ، لأنّ الأوزان لا تراعى في الترخيم ، ألا ترى أن «حار» إنّما هو «فاع» ، وذلك لا يوجد.

وقد كنا ذكرنا ترخيم المدغم الذي قبل آخره حرف مد ولين ، فإن لم يكن قبل آخره حرف مد ولين ، مثل : «محمرّ» ، و «مفرّ» ، فقياس من نوى أن يقول : «يا محمر» ، لأنّ الموجب لسكون الراء قد زال ، و «يا مفر» ، لأنّ الموجب لفتح الفاء قد زال ، لكنهم يقولون : «يا محمر» ، و «يا مفر» ، وعلّة ذلك أنّ هذا الأصل لم ينطق به قط في موضع ،

٢٢١

فصار مماتا ، فلذلك لم يرجعوا إليه.

وأمّا من لم ينو ، فإنّه يقول : «يا مفر» ، و «يا محمر» ، ونهايته أن يضم خاصة ، ولا يرد إلى الأصل لأنّ الأصل قد رفض.

ومن مسائل هذا الباب «سفيرج» ، إذا سمّيت به ، ثم رخّمته بعد ذلك. يزعم أبو الحسن الأخفش أنك إذا رخمته ، قلت : «يا سفيرل» ، فرددت اللام لأنّك إنّما حذفتها لئلا تخرج عن مثال التصغير ، فإذا حذفت الجيم عادت لأنّه لا يخرج بها الاسم عن مثال التصغير أصلا.

ورد عليه أبو العباس المبرد فقال : «سفيرج» ، إذا رخّمته لا أقول فيه إلّا «يا سفير» ، لأنّ هذا اسم رجل ، فلم ترد فيه قط اللام ، لأنّه إنّما سمّي «سفيرج» ، فاسم الرجل لا يراعى فيه لام لأنّها لم تكن فيه قطّ.

فهذا غير مخالف للأخفش ، وإنّما خالف في نفس الإطلاق خاصة. ألا ترى أنّك إذا سمّيت بـ «سفرجل» ثم صغّرته ثم رخّمته ، لقلت : «يا سفيرل» ، لأنّ في هذا كانت اللام ، وإنّما لم ترد هنالك لأنّك لم تسمّ إلّا بالمصغّر وتلك لم تراع فيها اللام إلّا حين قصدت به أنّه تصغير «سفرجل». وأما حين كان اسما فلا لام فيه. فالصحيح إذن ما قال الأخفش إلّا أنّه أساء في نفس الإطلاق خاصة ، فكان ينبغي أن يحدد اللفظ ، فيقول : إذا سمّيت به رجلا وقد كان مكبّرا اسما لشخص.

ولم ترخّم من الصفات في هذا الباب إلّا «صاح» خاصة ، وعلّته كثرة الاستعمال أيضا.

واعلم أنّك إذا وصفت المرخم فقلت : «يا مال بن فلان» ، فمنهم من زعم أنّه على نيّة النداء ، ولا يجوز عنده أن يوصف المرخّم لأنّك لم تحذف إلّا وقد علم من تعني به ، والوصف إنّما يجيء للبيان فيصير جامعا بين ما يقتضي البيان والإبهام ، وذلك تناقض.

وهذا خلف ، لأنّ المخاطب إنّما يكون يعلم أنّ الاسم «حارث» أو «مالك» ، فإذا علم اللفظ حذفت ، إلّا أنّ ذلك اللفظ لا يعرف ابن من هو ، فلا بدّ فيه من الوصف ، فالحذف

٢٢٢

إنّما ورد على غير ما ورد عليه الوصف ، فهو معلوم من وجه مجهول من وجه آخر.

وعدم الترخيم في جميع الأسماء أحسن من الترخيم إلّا أن يكون الاسم علما فيه تاء التأنيث ، فإنّ الترخيم فيه أحسن لأنّها زائدة ، والنداء موضع تخفيف ، فأرادوا أن يحذفوا هذا الزائد ، ولهذا قيل من كلامهم : «يا عائش». فالترخيم في «حارث» و «مالك» و «عائش» أحسن منه فيما عدا ذلك ، وعدم الترخيم فيها أحسن. ولغة من ينوي أحسن من لغة من لا ينوي.

وبقي في هذا الباب ما في آخره ثلاث زوائد ، نحو : «بردرايا» ، و «حولايا» فمذهبنا أن لا يحذف منه شيء غير الزائدة الأخيرة فتقول : «يا برداري». وزعم الكوفيون أنّ الزوائد أجمع تحذف ، فتقول : «يا برد». وهذا ليس بشيء ، لأنّ العرب لا تحذف إلّا حرفا واحدا ، وإنّما حذفت الألف والنون وألفي التأنيث وياءي النسب ، لأنّهما زائدتان زيدتا معا ، فلم يمكن إبقاء واحدة منهما لأنّها لا توجد قط وحدها ، فلم يمكن أن تبقى وحدها.

وإنّما حذفوا الزائدة في مثل «منصور» لأنّها ساكنة ، ولم يمكن حذف الراء الأصلية وإبقاء الواو الزائدة. ولا يمكن أيضا حذف الواو خاصة لأنّ الحذف إنّما يكون في الأواخر لا في الوسط ، فحذفوا الواو لسكونها حتى إنّها لو تحركت لم تحذف ، ألا ترى أنّهم لو رخّموا «كنهورا» (١) ، لقالوا : «يا كنهو» ، ولم يحذفوا الواو.

وربّما يرد على أهل الكوفة بأنّهم قد اتفقوا معنا على أنّ «مرجانة» لا يحذف منها سوى التاء فكذلك هذا ، وإنّما قال الفراء : «يا ثمو» ، و «يا سعي» و «يا زيا» ، ولم يقل : «يا هرق» ، لأنّ «زيا» موجود ما هو مثله ، نحو : «ربا» ، ومثل «سعي» : «عمي». ولا يجوز ترخيم «ثمود» على لغة من ينوي ، لأنه ليس ثم ما يشبهه ، فإنّما تقول فيه : يا ثمي خاصة. وأما «هرق» فلم يوجد مثله أصلا ، وهذا فرق غير مؤثر.

وقد تبيّن الرّدّ على الفراء بأنّ العرب لم تنته بالحذف في الاسم إلى حرفين.

__________________

(١) الكنهور : السحاب المتراكم الثخين

٢٢٣

ولم يبق من أحكام الترخيم إلّا ما آخره التاء ، نحو : «عائشة» ، فتقول فيه إذا رخّمته : «يا عائش أقبلي» ، فإن وقفت قلت : «يا عائشه». ولا بدّ من الهاء لأنّهم عزموا على حذف التاء وهي حرف معنى ، فكرهوا أن تذهب بالجملة ، فأرادوا أن يكون في الوقت معوّضا منها ، ولا يجوز عدم التعويض إلا في ضرورة شعر. سمع سيبويه ، رحمه‌الله ، من يقول في «حرملة» (١) : «يا حرمل» ، ولا يجوز أن يعوّض منها الألف إلّا في القوافي ، كقوله [من الوافر] :

٥٢٦ ـ [أصبح وصل حبّكم رماما]

وما عهد كعهدك يا أماما

وكذلك قول الآخر [من الوافر] :

قفي قبل التفرّق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٣)

__________________

(١) حرملة : اسم رجل.

٥٢٦ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ٢٢١ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٩٤ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٠ ؛ والكتاب ٢ / ٢٧٠ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٢ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣١ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٢٤٠ ؛ والإنصاف ١ / ٣٥٣ ؛ وأوضح المسالك ٤ / ٧٠ ؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣١٣.

اللغة : الرمام : البالي المهترىء.

المعنى : لم يعد ودّكم وهواكم قويّا كما كان في السابق ، بل صار ضعيفا ، وليس هذا ما تعاهدنا عليه ، يا أمامة.

الإعراب : أصبح : فعل ماض ناقص. وصل : اسم (أصبح) مرفوع بالضمّة. حبكم : «حب» : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «كم» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. رماما : خبر (أصبح) منصوب بالفتحة. وما : «الواو» : للاستئناف ، «ما» : حرف نفي يعمل عمل (ليس). عهد : اسم (ما) مرفوع بالضمّة. كعهدك : جار ومجرور متعلقان بخبر (ما) المحذوف ، بتقدير (وما عهد موجودا) ، و «الكاف» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. يا : حرف نداء. أماما : منادى مفرد علم مبني على الضمّ المقدّر على التاء المحذوفة ، في محل نصب مفعول به لفعل النداء المحذوف ، و «الألف» : عوض عن التاء المحذوفة بسبب الترخيم.

وجملة «أصبح وصل حبكم رماما» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «وما عهد كعهدك» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «يا أماما» حيث رخّم (أمامة) فحذف (التاء) وعوّض عنها (الألف).

(٢) تقدم بالرقم ٢٣٥.

٢٢٤

باب ما رخّمت الشعراء في غير النداء اضطرارا

فيه خلاف بين سيبويه رحمه‌الله والمبرّد ، فأمّا سيبويه فرخّم على اللغتين على لغة من نوى وعلى لغة من لم ينو ، وأما المبرّد فلا يرخّم إلّا على لغة من لم ينو خاصة. ويستدلّ على ذلك بأنّ هذا حذف في غير النداء فصار بمنزلة ما حذف من الأسماء على غير قياس ، نحو : «يد» و «دم» ، وهذا النوع إنّما يكون إعرابه في الحرف الذي يلي المحذوف ولا ينتظر غيره.

وأمّا سيبويه فالذي يحتجّ له به أنّ هذا الحذف وإن كان في غير النداء فهو مشبه به جاز فيه ما جاز في النداء.

والدليل على أنّه مشبّه به أنّه يكون فيما كان الترخيم فيه ، ولو كان على حد الحذف من «يد» لم يكن مقتصرا به على ما عدا الثلاثي ، فكونهم في النداء لا يرخّمون إلّا ما زاد على الثلاثي دليل على أنّه مشبّه بذلك ، إذ لو لم يكن كذلك لجاء من كلامهم : «مررت بعم» ، يريدون : بعمرو ، وهم لا يقولون ذلك. فثبت أنّه وإن كان حذفا في غير النداء ، فهو مشبّه بالترخيم في النداء مع أنّ السماء القاطع قد ورد بذلك ، ومنه قول الشاعر [من البسيط] :

٥٢٧ ـ إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته

أو أمتدحه فإنّ الناس قد علموا

__________________

٥٢٧ ـ التخريج : البيت لابن حبناء (أوس بن حبناء أو المغيرة بن حبناء) في الدرر ٣ / ٤٨ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٠ ؛ والكتاب ٢ / ٢٧٢ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٨٣ ؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٤١ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٧٧ ؛ والمقرب ١ / ١٨٨ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٨١.

٢٢٥

فهذا على لغة من نوى ، وإلّا فكان يلزم على مذهب المبرّد أن يكون «ابن حارث» كما قال [من الطويل] :

٥٢٨ ـ [وهذا ردائي عنده يستعيره

ليسلبني نفسي] أمال بن حنظل

__________________

المعنى : إذا اشتقت لرؤية ابن حارثة ، وإذا مدحته فإن الناس تعلم بما أفعل.

الإعراب : «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل. «ابن» : اسم «إن» منصوب بالفتحة. «حارث» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على التاء المحذوفة للترخيم. «إن» : حرف شرط جازم. «أشتق» : فعل مضارع مجزوم بالسكون لأنه فعل الشرط ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا). «لرؤيته» : جار ومجرور متعلّقان بـ (أشتق) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. «أو أمتدحه» : «أو» : للعطف ، «أمتدحه» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، عطفا على فعل الشرط ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. «فإنّ» : «الفاء» : رابطة لجواب الشرط ، «إنّ» : حرف مشبّه بالفعل. «الناس» : اسم «إنّ» منصوب بالفتحة. «قد» : حرف تحقيق. «علموا» : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل.

وجملة «إن ابن حارث ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فعل الشرط وجوابه» : في محل رفع خبر «إن». وجملة «أمتدحه» : معطوفة على جملة فعل الشرط. وجملة «فإن الناس ...» : في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة «علموا» : في محلّ رفع خبر «إن».

والشاهد فيه قوله : «ابن حارث» حيث رخّم (حارثة) فحذف تاءها ، على لغة من ينتظر ، وهو هنا غير منادى ، وذلك لضرورة الشعر.

٥٢٨ ـ التخريج : البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٥٦ ؛ وسمط اللآلي ص ٩٣٥ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٦٤ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٩٠ ؛ والكتاب ٢ / ٢٤٦ ، ٣ / ٦٩ ؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥٩ ، ١٦٠ ؛ وبلا نسبة في المقرب ١ / ١٨٨.

اللغة : ردائي عنده : شبابي بيد الزمن. أمال بن حنظل : أراد : يا مالك بن حنظلة.

المعنى : إن شبابي وقوتي كرداء يستعيره الزمان مني متى شاء ، ويسلبني حياتي متى شاء يا مالك بن حنظلة.

الإعراب : وهذا : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «هذا» : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ. ردائي : بدل من (هذا) مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. عنده : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بالخبر المحذوف (وهذا ردائي موجود عنده) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جرّ مضاف إليه. يستعيره : فعل مضارع مرفوع بالضمّة ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). ليسلبني : «اللام» : حرف تعليل وجر ، «يسلب» : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، وعلامة نصبه الفتحة ، و «النون» : للوقاية ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو) ، والمصدر المؤول من «أن» المقدرة والفعل «يسلب» مجرور باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل «يستعيره». نفسي : مفعول به ثان منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه. أمال

٢٢٦

فهذا على مذهب أبي العباس.

فقد ثبت الصحيح من المذهبين قياسا وسماعا. وأما قوله [من البسيط] :

٥٢٩ ـ أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته

إنّ ابن جلهم أضحى حيّة الوادي

فلا حجة فيه لأنّه ليس بترخيم ، لأنّهم يسمّون المرأة «جلهم» والرجل «جلهم» ، فدلّ ذلك على أنّه ليس بترخيم. وكذلك قول الآخر [من البسيط] :

٥٣٠ ـ ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا

ولا يرى مثلها عرب ولا عجم

__________________

«الهمزة» : حرف نداء ، «مال» : منادى مفرد علم مرخم مبني على الضمة المقدرة على الكاف المحذوفة. بن : صفة (مالك) منصوبة بالفتحة. حنظل : مضاف إليه مجرور بالكسرة (الظاهرة ، أو المقدّرة على التاء المحذوفة).

وجملة «هذا ردائي عنده» : بحسب ما قبلها. وجملة «يستعيره» : في محل نصب حال. وجملة «أن يسلبني» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة النداء : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «أمال بن حنظل» حيث حذف الكاف من «مالك» ترخيما بعد النداء ، وحذف «التاء» من «حنظلة» ترخيما بدون نداء.

٥٢٩ ـ التخريج : البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص ٣٣ ؛ والكتاب ٢ / ٢٧٢ ؛ ولسان العرب ١٢ / ١٠٤ (جلهم) ، ١٥ / ٣٨٥ (ودي) ؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٢ / ٣٢٩ ، ٣٤٥.

اللغة : جلهم : اسم امرأة ، واسم رجل. أودى بصرمته : ذهب بقطيع إبله الذي تعداده ما بين الثلاثين إلى الأربعين. حيّة الوادي : كناية عن حمايته لحماه كما تحمي الحية واديها.

المعنى : أذهب عباد بن جلهم قطيعه بسبب كرمه ونجدته ، لكنه صار حاميا لحماه يهابه الجميع.

الإعراب : «أودى» : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف. «ابن» : فاعل مرفوع بالضمة.

«جلهم» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف. «عباد» : بدل من (ابن) مرفوع بالضمة. «بصرمته» : جار ومجرور متعلّقان بـ (أودى) ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «إن» : حرف مشبّه بالفعل. «ابن» : اسم (إنّ) منصوب بالفتحة. «جلهم» : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة ، لأنه ممنوع من الصرف. «أمسى» : فعل ماض ناقص ، و «اسمها» : ضمير مستتر تقديره (هو). «حية» : خبر (أمسى) منصوب بالفتحة. «الوادي» : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الياء. وجملة «أودى ابن جلهم» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «إنّ ابن جلهم ...» : استئنافية لا محلّ لها. وجملة «أمسى حيّة الوادي» : في محل رفع خبر (إنّ).

والشاهد فيه قوله : «ابن جلهم» حيث يرى الشارح أنه ليس في البيت ترخيما ، لأنهم يسمّون المرأة «جلهم» وكذلك الرجل ، وعلى هذا التوجيه أعربنا.

٥٣٠ ـ التخريج : البيت لذي الرمة في ديوانه ص ٢٣ ؛ وخزانة الأدب ٢ / ٣٦٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٠ ،

٢٢٧

لا حجة فيه لأنّه كان يسميّها مرّة «ميّا» ومرّة «ميّة» ، فافهم.

__________________

٣٤٥ ؛ والدرر ٣ / ٧ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٨ ؛ والكتاب ١ / ٢٨٠ ، ٢ / ٢٤٧ ؛ ولسان العرب ١٢ / ٣٨٦ (عجم) ؛ ونوادر أبي زيد ص ٣٢ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٦٨. ورواية العجز في جميع هذه المصادر :

* ولا يرى مثلها عجم ولا عرب*

اللغة : مي وميّة : اسم محبوبة الشاعر. تساعفنا : تساعدنا.

المعنى : ما أجمل ديار الحبيبة عند ما كانت تساعدنا باللقاء ، إنها الأحلى بين ديار العرب والفرس والروم.

الإعراب : ديار : منادى مضاف منصوب بالفتحة ، لفعل نداء محذوف. ميّة : مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضا عن الكسرة لأنّه ممنوع من الصرف. إذ : ظرف زمان للماضي في محلّ نصب مفعول فيه متعلق بحال من ديار مية». ميّ : مبتدأ مرفوع بالضمة. تساعفنا : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). ولا : «الواو» : استئنافية ، «لا» : نافية لا محلّ لها. يرى : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف. مثلها : مفعول به منصوب بالفتحة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. عرب : فاعل مرفوع بالضمّة. ولا : «الواو» : حرف عطف ، «لا» : حرف نفي مهمل لتوكيد النفي. عجم : معطوف على (عرب) مرفوع بالضمّة ، وعلى رواية «يرى» «مثله» مفعول به ، و «عرب» نائب فاعل وهذه رواية مشكوك فيها.

وجملة النداء : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «ميّ تساعفنا» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «تساعفنا» : في محلّ رفع خبر للمبتدأ (ميّ). وجملة «ولا يرى» : استئنافية لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «ميّة إذ ميّ» حيث أكّد على أن مجيء (ميّ) لا يعني بالضرورة ترخيما لـ (ميّة) بدليل مجيئهما معا.

٢٢٨

باب الندبة

الندبة نداء الميت أو بما هو منه بسبب. فمثال نداء الميت : «يا زيد» ، و «وا عمرو» ، ومثال ما هو منه بسبب قول الشاعر [من الكامل] :

٥٣١ ـ [تبكيهم أسماء معولة]

وتقول سلمى يا رزيّتيه

فالرزية ليست ممّا يموت ولكن نداؤها هنا على معنى أنّ هذا موطنك وأوانك فتعالي.

وفيه لغتان : «يا زيد» ، و «يا زيداه». وزعم الأخفش أنّ لحاق هذه العلامة ليست من كلام الرجال ، وإنّما تتكلّم بها النساء مع أنّ النساء يقلن : «يا زيداه» ، و «يا زيد» ، فحصل من هذا أنّ الرجال لا يلحقونها.

__________________

٥٣١ ـ التخريج : البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ٩٩ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤٩ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٨١ ؛ والكتاب ٢ / ٢٢١ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧٤ ؛ وبلا نسبة في المقتضب ٤ / ٢٧٢.

اللغة : معولة : باكية بصوت مسموع. الرزية : المصيبة.

المعنى : تبكيهم النساء ، فها هي أسماء تبكي بصوت مسموع لفقدانهم ، وها هي سلمى تقول : وامصيبتي فيهم.

الإعراب : تبكيهم : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. أسماء : فاعل مرفوع بالضمة. معولة : حال منصوبة بالفتحة. وتقول : «الواو» : للعطف ، «تقول» : فعل مضارع مرفوع بالضمّة. سلمى : فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف. يا : حرف نداء

٢٢٩

وحروف هذا الباب «يا» و «وا». والمختص منها «وا» لا يكون في غير الندبة. وسائر الحروف ما عدا «يا» تكون في كل منادى غير مندوب ، ولا مستغاث به ، وتكون «يا» في الجميع.

وإنّما كانت كذلك لأنّها أم الباب ، ألا ترى أنّ «أيا» هي «يا» دخلت عليها الهمزة ، و «هيا» هي «أيا» أبدلت منها الهاء ، كما قالوا : «إيّاك» و «هيّاك» ، و «إنّك» و «هنّك».

ومنهم من قال : إنّما «هيا» : هايا ، و «ها» للتنبيه حذفت ألفها لمّا ركّبت.

وأما «وا» فمختصة بالندبة. وأما الهمزة فهي للقريب. وأما «أي» فهي لم تكثر كثرة «يا» ، فلما كانت للأصل استعملت في كل موضع.

واعلم أنّك لا تندب النكرة لأنّ المقصود بالندبة ذكر المندوب بأشهر أسمائه ليكون عذرا للمتفجّع عليه (١) ، فإذا قلت : «يا أبتاه» ، و «يا أخياه» ، فقد علم أنّك تفجّعت على من هو منك مناسب بسبب ، وإذا قلت : «يا رجلاه» ، لم يعلم من المتفجّع عليه ، فصرت كمن قال : يا من لا يعنيني أمره ، وكذلك زعم سيبويه رحمه‌الله.

ولا يجوز أن تندب مضمرا لأنّه لا يخلو من أن يكون غائبا ، أو متكلما ، أو مخاطبا.

أما الغائب فقد عزموا على عدم ندائه لمناقضته النداء ، ألا ترى أنّ النداء خطاب.

وأما ضمير المتكلم ، فلا يتصوّر لأنّ المتكلم حيّ ، والمندوب ميت.

وأما المخاطب فهو في غير هذا الموضع عزيز النداء ، لا يجوز أن ينادى إلّا في

__________________

وندبة. رزيتيه : منادى (مندوب) مضاف منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، و «الهاء» : للسكت لا محلّ لها.

وجملة «تبكيهم» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو لعلّها صفة أو حال لما قبلها. وجملة «وتقول» : معطوفة عليها. وجملة «يا رزيتيه» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول).

والشاهد فيه قوله : «يا رزيتيه» حيث جاء المندوب ممّا لا يموت ، ولكنه ممن يمت بصلة إلى الميت.

(١) أجاز الكوفيون ندبة النكرة ، والاسم الموصول. انظر المسألة الحادية والخمسون في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

٢٣٠

ضرورة الشعر أو نادر كلام ، كقوله :

يا أقرع بن حابس يا أنتا

أنت الذي طلّقت عام جعتا (١)

فكما كان نداء المخاطب لا يجوز إلّا قليلا فكذلك هذا. فقد تبيّن ما معنى الندبة ، ومن يندب ، ومن لا يندب ، وحروف الندبة.

واعلم أنّه لا يجوز حذف حرف الندبة ، كما لا يجوز حذف حرف الجرّ من المستغاث به ، لأنّ المقصود تكثير الصوت ، لأنّ المتفجّع يصيبه طرب لشدّة جزعه ، فيكثّر الصوت لذلك ، وحذف حرف الندبة يناقض ذلك.

واعلم أنّ علامة الندبة لا تلحق إلّا آخر الاسم المندوب نحو : «يا زيداه» ، أو آخر المضاف إليه المندوب ، نحو : «يا غلام زيداه» ، أو آخر صلة الموصول نحو : «يا من حفر بئر زمزماه».

تلحق آخر الصفة على رأي يونس ، رحمه‌الله ، فتقول على مذهبه : «وا زيد البطلاه» ، و «يا زيد الكريماه» (٢). ومستنده في ذلك ما سمع من كلامهم : «وا جمجتيّ الشاميّتيناه» (٣).

وهذا الذي قال خطأ ، لأنّ قولهم : «يا غلام زيداه» إنّما جاز لأنّ المضاف شديد الاتصال بما أضيف إليه. ألا ترى أنّهم لا يحتملون الفصل بينهما ، وليس الصفة مع موصوفها كذلك ، ألا ترى أنّهم يفصلون بموصوف آخر ، وقد تقرّر أنّ المضاف يحكم في هذا الباب بحكم التنوين ، فيقولون : «يا غلام» ، ويحذفون المضاف إليه كما يحذفون التنوين ، ولما اشتدّ اتصاله لحق آخره ما يلحق آخر غير المضاف إليه.

وأما قولهم : «وا جمجمتيّ الشاميّتيناه» ، فهو على غير ما يزعم ، ألا ترى أنّهم يلحقون هذه الصورة ما ليس بمندوب ولا بمنادى ، ألا ترى أنّ منهم من يقول : «قام زيداه» ، يريد :

__________________

(١) تقدم بالرقم ٥٠٣.

(٢) ووافقه على ذلك الكوفيّون. انظر المسألة الثانية والخمسون في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(٣) الجمجمتان هنا قدحان ضاعا لبعض العرب فندبهما.

٢٣١

«قام زيد» ، ومنه قول الشاعر [من الهزج] :

٥٣٢ ـ ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزبيراه

فألحق الألف المضاف لمّا أضيف إلى «عمرو» ، فهذا أبعد مما حكى يونس. وزعم خلف الأحمر أنّه يجوز لديه في صفة «أيّ» ، فيجيز : «يا أيّها الرجلاه» ، ولا يجيز : «يا زيد العاقلاه». قال : وذلك أنّك إذا قلت : «يا أيّها الرجلاه» ، فهو غير مقصود وإنّما جئت بـ «أيّ» ليتوصّل به إلى نداء ما فيه الألف واللام ، وإذا قلت : «يا زيد العاقلاه» ، فالمقصود بالندبة إنّما هو العاقل. وهذا خلف لأنّه لا فرق بينهما ، ألا ترى أنّ «رجلا» من قولك : «يا أيّها الرجلاه» ، قد صار صفة لـ «أيّ» ، فحكمه حكم الصفة.

وألف الندبة عندنا إذا وقف عليها لحقتها الهاء. فإن وصلت حذفت الهاء وثبتت الألف ولم يجز حذفها أصلا إلّا أن يلقاها ساكن ، فتحذف إذ ذاك.

وزعم الكوفيون أنّها ثبتت وصلا ، فتقول : «وا زيداه وعمراه» ، وتثبت الهاء الأولى وكأنّها عندهم وقفة خفيفة ، وأنشدوا من ذلك قوله :

ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزبيراه

فإنّهم أنشدوه موصولا بقوله : «وعمرو بن الزبيراه».

وهذا إن صحّ يكون من إجراء الوصل مجرى الوقف الذي لا يجوز إلّا في الضرورة ، وهم يجيزونه في الكلام ، وليس بشيء.

وزعموا أنّ من علامات الندبة التنوين في الكلام ، فيقول : «وا زيدا» ، «وا عمرا» ، إذا

__________________

٥٣٢ ـ التخريج : البيت بلا نسبة في الدرر ٣ / ٤٢ ؛ ورصف المباني ص ٢٧ ؛ وشرح الأشموني ٢ / ٤٦٦ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧٣ ؛ والمقرب ١ / ١٨٤.

الإعراب : «ألا» : حرف استفتاح. «يا» : حرف نداء وندبة. «عمرو» : منادى مندوب مبنيّ على الضم في محلّ نصب. «عمراه» : توكيد لفظي لـ «عمرو» ، والألف لتوكيد الندبة ، والهاء للسكت. «وعمرو» : الواو حرف عطف ، «عمرو» : معطوف على عمرو «الأولى». «بن» : نعت «عمرو» ، وهو مضاف. «الزبيراه» : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة على ما قبل الألف ، والألف لتوكيد الندبة ، والهاء للسكت.

الشاهد : قوله : «عمراه» حيث أضاف هاء السكت على المندوب في حالة الوصل ضرورة.

٢٣٢

وصلوا. قالوا : وسبب ذلك أنّه يشبه المنصوب الموقوف عليه ، نحو قولك : «رأيت زيدا» ، فكما أنّ هذا إذا وصل نون فكذاك المندوب. وهذا إذا صحّ يكون المحسّن له تشبيههم إيّاه بالمنصوب الموقوف عليه ، وأنشدوا من ذلك قول الشاعر [من الرجز] :

٥٣٣ ـ يا فقعسا وأين منّي فقعس

[أإبلي يأخذها كروّس]

فلو لا أنّهم حكوه في الكلام لقلنا إنّ هذا مندوب بغير علامة ولحقه التنوين ضرورة فعاد إلى أصله.

ففي المندوب إذن ثلاث لغات هي : «وا زيد» ، «وا زيداه» ، و «وا زيدا».

واعلم أنّ الاسم الذي تلحقه علامة الندبة لا يخلو من أن يكون ساكنا أو متحركا ، فإن كان متحرّكا لحقت علامة الندبة ، وكانت الحركة التي في الآخر تابعا لها ، إلّا أن تخاف لبسا ، فتجعل إذ ذاك ألف الندبة تابعة لما قبلها ، فتقول : «وا غلام أحمراه» ، و «وا غلام الرجلاه» ، و «يا رجلاه» ، بقلب الضمة والكسرة في : «يا رجل» و «غلام الرجل» ، حركة من جنس الألف ، وتترك الفتحة على ما هي.

وإن خفت لبسا جعلت ألف الندبة تابعة لها ، فتقول : «وا غلامكيه» ، «وا غلامكاه».

__________________

٥٣٣ ـ التخريج : الرجز لرجل من بني أسد في الدرر ٣ / ١٧ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٢٧٢ ؛ وبلا نسبة في الدرر ٣ / ٤١ ؛ ورصف المباني ص ٢٧ ؛ وشرح التصريح ٢ / ١٨٢ ؛ ومجالس ثعلب ٢ / ٥٤٢ ؛ والمقرب ١ / ١٨٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٧٢ ، ١٧٩.

اللغة : فقعس : حيّ من بني أسد. كروّس : الرجل الغليظ ، وهنا اسم رجل أغار على إبل الشاعر فندبها.

الإعراب : يا : حرف نداء وندبة. فقعسا : منادى مندوب منصوب. وأين : «الواو» : استئنافية ، «أين» : اسم استفهام في محلّ رفع خبر مبتدأ مقدّم. منّي : جار ومجرور متعلقان بحال من (فقعس). فقعس : مبتدأ مؤخّر مرفوع. أإبلي : الهمزة للاستفهام ، «إبلي» : مبتدأ مرفوع ، وهو مضاف ، والياء : ضمير متّصل في محلّ جرّ بالإضافة. يأخذها : فعل مضارع مرفوع ، و «ها» : ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به. كروّس : فاعل مرفوع بالضمّة.

وجملة «يافقعسا» : ابتدائيّة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «أين مني فقعس» : استئنافية لا محل لها. وجملة «إبلي ...» : استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة «يأخذها» : في محلّ رفع خبر المبتدأ.

الشاهد : قوله : «يا فقعسا» حيث نصب المندوب ونوّنه للضرورة.

٢٣٣

وهذا الذي يخاف التباسه وافقنا عليه أهل الكوفة ، وأما الأول فلم يوافقوا عليه ، وأجازوا فيه أن تكون علامة الندبة تابعة فتقول : «وا غلام الرجليه» ، وحكوا من كلامهم : «وا هلاك الغريبيه» ، يريد : الغريباه.

فإن كان الآخر ساكنا ، فإمّا أن يكون حرفا صحيحا أو معتلّا. فإن كان معتلّا فإمّا أن يكون له أصل في الحركة أو لا يكون. فإن كان له أصل في الحركة رددته إلى أصله ، فتقول : «يا من يغدواه» ، و «يا من يرمياه» ، وتحرّك بحركة من جنس ألف الندبة.

وأمّا عند أهل الكوفة فالحذف في هذا كله ، إلّا أن يكون ثمّ لبس فيحركون ولا يحذفون ، فيقولون على هذا : «وا قاضاه» ، في «قاض» ، ونحن نقول : «وا قاضياه» ، لا غير.

والمسموع من هذا التحريك.

ومنعوا الحذف عند الالتباس فيقولون : يا من يغزواه ويا من يرمياه لا غيره ، لأنّه لو حذف فقال : يرماه ويغزاه ، لالتبس «يفعل» و «يفعل» بـ «يفعل».

فإن كان الساكن ألفا ، فمذهب أهل الكوفة أنّه لا يحذف ، وأنّ العرب اجتزأت به عن علامة الندبة ، وكأنّهم لما رأوا العرب لم تغيّره بقلب إلى واو ولا إلى ياء ، استقرأوا من ذلك أنّها عزمت على بقائه ، فإذا قلت : «يا مثنّاه» ، و «يا حبلاه» ، و «يا فعلا» ، فإنّ هذه الألف لها أصل في الحركة ، إلّا أنّها في محلّ ، فالتي حذفت هي علامة الندبة ، وهذه ألف الكلمة.

وهذا خلف ، لأنّ حرف المعنى ينبغي أن يثبت ويحذف غيره كما فعلنا ذلك بسائر الحروف.

وأجازوا قياسا قلب الألف قالوا : «يا مثنّياه» ، و «يا فعلياه» ، وهو عندنا غير جائز لما يذكر في آخر الباب.

فإن لم يكن له أصل في الحركة ، حذفت ثم جعلت علامة الندبة تابعة إن خفت لبسا ، أو متبوعة إن لم تخف لبسا كما تندبه ، فتقول في «غلامه» : «وا غلامهوه» ، وفي «غلامها» : «وا غلامهاه» ، لأن هذه المدة التي بعد الألف لها أصل في الحركة ، وكذلك من قال : «يا غلامي» ، تقول فيه : «وا غلاماه» ، لأنه لا أصل له في الحركة. ومن قال : «يا غلامي» ، قال : «يا غلامياه».

فإن كان الساكن حرفا صحيحا فإما أن يكون التنوين أو غيره. فإن كان غيره حركته ،

٢٣٤

فتقول إذا سمّيت رجلا بـ «اضرب» وفيه الضمير يكون محكيّا ، فيبقى على سكونه : «وا اضرباه». وإن كان الساكن التنوين ، فإنّ البصريين يحذفونه ، فيقولون : «وا غلام زيداه» ، في «غلام زيد». وزعم أهل الكوفة أنه يحرك ، فتقول : «وا غلام زيدناه».

وما في آخره همزة عندنا بمنزلة ما في آخره حرف صحيح ، فتقول في «حمراء» : «وا حمراءاه». وزعم أهل الكوفة أنّ العرب تحذف همزة هذا وألفه التي قبلها ، فيصير حكمه كحكم «حبلى» ، فكما تقول : «وا حبلاه» ، وتحذف الألف ، فكذلك تقول : «وا حمراه» ، لأنّهم عزموا على أن لا يتوالى عندهم الأمثال ، وذلك همزة بين ألفين. وأنشدوا في ذلك [من مجزوء الرجز] :

٥٣٤ ـ ساد تميما جمعا

من شاء منهم أو أباه

يريد : ساد تميما جمعاء ، فحذف الألف والهمزة وألحق ألفا تشبه ألف الندبة. وهذا عندنا مما يحذف آخره ضرورة.

__________________

٥٣٤ ـ التخريج : لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.

المعنى : لقد ترأس قبيلة تميم كلّها ، فخضع له الجميع راضين أو صاغرين مرغمين.

الإعراب : ساد : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). تميما : مفعول به منصوب بالفتحة. جمعا : توكيد منصوب بالفتحة المقدّرة على الهمزة المحذوفة. من : اسم موصول في محلّ نصب بدل من «تميما». شاء : فعل ماض مبني على الفتح ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). منهم : جار ومجرور متعلقان بحال من فاعل «شاء». أو : حرف عطف. أباه : فعل ماض مبني على الفتح المقدّر على الألف ، و «الهاء» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو).

وجملة «ساد تميما» : ابتدائية لا محلّ لها ، أو بحسب ما قبلها. وجملة «شاء» : صلة الموصول لا محلّ لها. وجملة «أباه» : معطوفة عليها لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «جمعا» حيث أراد (جمعاء) فحذف الألف والهمزة ، وألحق ألفا تشبه ألف الندبة ، وهذا عند المؤلف مما يحذف آخره للضرورة.

٢٣٥

باب المعرفة والنكرة

النكرة كل ما علّق في أول أحواله على الشياع في مدلوله. والمعرفة كل ما علّق في أول أحواله على أن يخصّ مسماه.

وقول أبي القاسم : «إنّ أنكر النكرات شيء ثم جوهر ثم جسم ثم حيوان ثم إنسان ثم رجل».

والذي يعلم به أنّ الشيء أخص من غيره هو أن يكون داخلا تحت غيره ، ولا يدخل غيره تحته ، فقوله : «إنّ شيئا هو أنكر من جوهر» ، صحيح ، لأنّ كل جوهر شيء وليس كلّ شيء جوهرا ، وأما قوله : «إنّ جوهرا أعمّ من جسم» فباطل ، لأنه لا يخلو من أن يريد بالجوهر الفرد أو غير الفرد ، فإن أراد به الفرد فلا يدخل أحدهما تحت الآخر ، فلا يقال في الجوهر إنّه أعمّ من الجسم ، ولا إنّ الجسم أعمّ من الجوهر ، لأنّ أحدهما ليس بداخل تحت الآخر.

وإن أراد بالجوهر غير الفرد فهو بمنزلة الجسم وواقع على ما يقع عليه ، فذكره الجسم بعد الجوهر فاسد.

وقوله : «ثمّ حيوان» ، صحيح لأنّ جسما أعمّ من حيوان ، تقول : كلّ حيوان جسم وليس كل جسم حيوانا.

وقوله : «ثم إنسان» ، صحيح ، لأنك تقول : كل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنسانا.

«ثم رجل» صحيح ، لأنك تقول : كل رجل إنسان وليس كل إنسان رجلا.

٢٣٦

وقول أبي القاسم : «أنكر النكرات شيء ثم جوهر ثم جسم ثم حيوان ثم إنسان ثم رجل» يريد هذه الأسماء أو ما في مرتبة كل واحد منها.

فأمّا «شيء» فليس له ما هو في مرتبته ، لأنه أعمّ النكرات ، وأمّا «جوهر» ففي مرتبته «معنى» ، و «جسم» كذلك. وأما «حيوان» ففي مرتبته «جماد» ، وأما «إنسان» ففي مرتبته «بهيمة» ، وأما «رجل» ففي مرتبته «امرأة».

وهذا التدريج الذي درج أبو القاسم غير صحيح ، لأنّ الحيوان لا يلي الجسم ألا ترى أنه يجوز أن يقسّم أولا إلى نام وغير نام ، وينقسم النامي إلى حيوان وإلى نبات ، وكذلك الإنسان ليس يلي الحيوان ، لأنّه يجوز أن يقسم الحيوان إلى الماشي والسابح والطائر ، ثم ينقسم الماشي إلى ذي رجلين وغيره ، ثم ينقسم ذو الرجلين إلى عاقل وإلى غيره ، فثبت أنّ هذا التدريج ليس بصحيح. والصحيح أن تقول : كل نكرة يدخل غيرها تحتها ولا تدخل هي تحت غيرها ، فهي أنكر النكرات. فإن دخلت تحت غيرها ودخل غيرها تحتها فهي بالإضافة إلى ما يدخل تحتها أعمّ ، وبالإضافة إلى ما يدخل تحت غيرها أخص.

وأما المعارف فخمسة أقسام : مضمرات ، وأعلام ، ومشارات ، ومعرّفات بالألف واللام ، وما أضيف إلى واحد منها.

وأما الموصولات ففي تعريفها خلاف ، فمذهب أبي علي الفارسي أنها تعرفت بالعهد الذي في الصلة ، ومذهب أبي الحسن الأخفش أنها تعرفت بالألف واللام.

واستدل الفارسي على أنّها إنما تعرفت بالعهد الذي في الصلة ولم تتعرف بالألف واللام بأن من الموصولات ما ليس فيه ألف ولام ، نحو : «من» ، و «ما» ، واستدلّ الأخفش على أنّها تعرفت بالألف واللام بأنّ التعريف لم يثبت إلّا بالألف واللام أو بالإضافة ، ولم يثبت بغير هذين الشيئين تعريف. وأما قوله : إنّ من الموصولات ما ليس فيه ألف ولام مثل «من» و «ما» فهي عندنا في معنى ما فيه الألف واللام مثل «سحر» ، إذا أردت به اليوم بعينه ، إلّا ترى أنه معرفة بدليل امتناعه من الصرف ، وليس فيه الألف واللام إلّا أنّه معدول عنهما.

فإن قال أبو علي : إنّ من الموصولات ما هو مضاف ولا يتصوّر أن يكون تعريفه بالألف واللام ولا بنية الألف واللام ، لأنّه لا يجمع بينهما وبين الإضافة ، فلا حجة له في

٢٣٧

ذلك ، لأنّ هذه الموصولات ما فيه الألف واللام منها فهي معرفة ، وما ليس فيه الألف واللام منها فهي على نيّتها ، وما هو مضاف فإنّه يعرّف بالإضافة ولا يراعى التعريف من هذين الطريقين ، لأنّه لم يثبت التعريف منهما ، فثبت أنّها تعرفت بالألف واللام فهي من جنسه.

وأعرف هذه المعارف المضمر ، ثم العلم ، ثم المشار إليه ، ثم ما عرّف بالألف واللام ، ثم ما أضيف إلى واحد من هذه المعارف (١).

هذا مذهب سيبويه ، رحمه‌الله ، وأما الفراء فالمشار عنده أعرف من العلم. ويستدل بأنّ المشار يعرف بالقلب والعين ، والعلم إنّما يعرف من جهة القلب خاصة ، وما يعرف من جهتين أعرف مما يعرف من جهة واحدة. وأيضا فإنه إذا اجتمع المشار والعلم فالعرب تقدّم المشار على العلم فتقول : «هذا زيد» ، ولا تقول : «زيد هذا». وهذا باطل. أما قوله : إنّ ما يعرف من جهتين أعرف مما يعرف من جهة واحدة فغير صحيح ، لأنّ التعرف لا يزيد ، وإنما نعني بقولنا : هذا أعرف من هذا ، أي : ألزم للتعريف ، إذ التعريف لا يتزايد ، فاستدلاله إذا اجتمع المشار والعلم قدّم المشار على العلم في الإخبار لا حجة فيه. وإنّما فعلت العرب ذلك لأنّهم يغلّبون في الإخبار القريب على البعيد فتقول : «أنا وأنت قمنا» ، ولا يقولون : «قمتما» ، ويقولون : «أنت وزيد قمتما» ، ولا يقولون : «قاما».

وما أضيف إلى واحد من هذه المعارف فهو بمنزلة ما أضيف إليه ، إلّا المضاف إلى المضمر فإنّه في رتبة العلم ، هذا مذهب سيبويه رحمه‌الله ، والمبرّد يقول : ما أضيف إلى واحد من هذه المعارف فهو أقلّ منه تعريفا قياسا على المضمر. وذلك فاسد ، لأنّا قد وجدناهم يصفون المضاف إلى ما فيه الألف واللام بما فيه الألف واللام كقوله :

 ..

يمرّ كخذروف الوليد المثقّب (٢)

ولا يكون النعت إلّا مساويا للمنعوت في التعريف أو أقلّ منه تعريفا ، فلو كان ما أضيف إلى ما فيه الألف واللام دون ما فيه الألف واللام لما جاز هذا. وكذلك قوله :

كتيس الظباء الأعفر انضرجت له

 ... (٣)

__________________

(١) انظر المسألة الحادية بعد المئة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٧٠٧ ـ ٧٠٩.

(٢) تقدم بالرقم ١٠٦.

(٣) تقدم بالرقم ١٠٧.

٢٣٨

فنعت المضاف إلى ما فيه الألف واللام بالألف واللام.

وإنّما كان المضاف إلى المضمر بمنزلة العلم ، لأنّه قد باين ما أضيف إليه ، لأنّه ظاهر وما بعده مضمر ، وما عدا ذلك من المضافات فهو ظاهر إلى ظاهر.

وأعرف الضمائر المتكلم ، ثم المخاطب ، ثم الغائب.

وأعرف الأعلام أسماء الأماكن والبلاد كمكّة ، وعمان ، وما أشبههما ، ثم أسماء الأناسيّ كزيد ، وعمرو ثم أسماء الأجناس ، كابن قترة (١) ، وابن آوى.

وأعرف المشارات ما كان للقريب ، ثم ما كان للوسط ، ثم ما كان للبعيد. وأعرف ما عرّف بالألف واللام ما كانتا فيه للحضور ، ثم ما كانتا فيه للعهد في شخص ، ثم للعهد في جنس.

وأسماء الأجناس لا يعرف تعريفها من تنكيرها إلّا بالاستقراء. وذلك أنّها تقع على أشياء مفردة ، فلا يقع فيها لبس من طريق المعنى ، ألا ترى أنّ الجنس ليس له ما يلتبس به ، فما وجد منه لا يتعرّف أو لا يقبل الألف واللام أو يجيء الحال منه في فصيح الكلام فهو معرفة ، وما وصف بالنكرة ، أو قبل الألف واللام فهو نكرة ، مثال ذلك «ابن آوى» ، فهو معرفة بدليل منع صرفه ، وكذلك «ابن قترة» ، وأما «ابن لبون» (٢) و «ابن مخاض» (٣) فنكرتان بدليل قبولهما الألف واللام في قوله [من البسيط] :

٥٣٥ ـ وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن

[لم يستطع صولة البزل القناعيس]

__________________

(١) ابن قترة : ضرب من الحيّات.

(٢) ابن اللبون : هو ما دخل في السنة الثالثة إلى آخرها من أولاد الإبل ، سمّي بذلك لأن أمه أصبحت ذات لبن لابن المخاض.

(٣) ابن مخاض : هو ما دخل السنة الثانية إلى آخرها من أولاد الإبل ، سمّي بذلك لأنّ أمّه حملت بعده ، فصارت ذات مخاض ، أي : حاملا.

٥٣٥ ـ التخريج : البيت لجرير في ديوانه ص ١٢٨ ؛ والأغاني ٥ / ٣٢٠ ؛ وجمهرة اللغة ص ١٣٠ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٥٩ ؛ وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٧ ؛ والكتاب ٢ / ٩٧ ؛ وكتاب الصناعتين ص ٢٤ ؛ ولسان العرب ٥ / ٤٠٥ (لزز) ، ٦ / ١٧٨ (قعس) ، ٦ / ١٨٤ (قنعس) ، ١٣ / ٣٧٥ (لبن) ؛ والمقتضب ٤ / ٤٦ ، ٣٢٠ ؛ وبلا نسبة في الرد على النحاة ص ٧٤ ؛ وشرح المفصّل ١ / ٣٥.

اللغة : ابن اللبون : البعير الصغير الذي تمت له سنتان وبدأ بالثالثة ، والأنثى بنت لبون ؛ واللبون : هي الإبل (الناقة مفردة وجمعا) ذوات اللبن. لزّه : شدّه. القرن : الحبل يشدّ به بعيران معا. الصولة : الوثوب

٢٣٩

ومثال «ابن مخاض» في قول الآخر أيضا [من الوافر] :

٥٣٦ ـ [وجدنا نهشلا فضلت فقيما]

كفضل ابن المخاض على الفصيل

__________________

والمنازلة. البزل : جمع بازل وهو البعير الذي بلغ التاسعة من عمره. القناعيس : جمع قنعاس وهو الجمل القوي الشديد الضخم.

المعنى : إذا ما جمع بعيران في حبل واحد ، ابن سنتين وابن تسع ، فإن ابن اللبون لن يقدر على الوثوب مع الفحل ، ولا على مجاراته. وهو مثل يضرب لكلّ من يقف في موقف هو أعجز من أن يقفه.

الإعراب : وابن : «الواو» : بحسب ما قبلها ، «ابن» : مبتدأ مرفوع. اللبون : مضاف إليه مجرور بالكسرة. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمان متضمّن معنى الشرط متعلق بجوابه. ما لزّ : «ما» : زائدة ، «لزّ» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). في قرن : جار ومجرور متعلّقان بـ (لزّ). لم يستطع : «لم» : حرف نفي وجزم وقلب ، «يستطع» : فعل مضارع مجزوم بالسكون ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). صولة : مفعول به منصوب بالفتحة. البزل : مضاف إليه مجرور بالكسرة. القناعيس : صفة (البزل) مجرورة بالكسرة.

وجملة «ابن اللبون ...» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «إذا ما لز .. لم يستطع» : في محلّ رفع خبر للمبتدأ (ابن). وجملة «لزّ» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «لم يستطع» : لا محلّ لها (جواب شرط غير جازم).

والشاهد فيه قوله : «ابن اللبون» حيث دخلت (أل) على (ابن لبون) لتفيد تعريفه ، فهو إذن نكرة ، بينما لا تدخل على (ابن آوى) الذي هو معرفة بدون (أل).

٥٣٦ ـ التخريج : البيت للفرزدق في ديوانه ٢ / ٩٦ ؛ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥١٣ ؛ والكتاب ٢ / ٩٨ ؛ وله أو لجرير في لسان العرب ٧ / ٢٢٩ (مخض) ؛ وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٣٥ ؛ والمقتضب ٤ / ٤٦ ، ٣٢٠.

اللغة : نهشل وفقيم : قبيلتان عربيتان. فضلتها : زادت عليها فضلا. ابن المخاض : المولود منذ سنة. الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أمه.

المعنى : أي فضل لقبيلة نهشل على قبيلة فقيم؟! لقد وجدناهما بذات المستوى تقريبا كابن المخاض والفصيل.

الإعراب : وجدنا : فعل ماض مبني على السكون ، و «نا» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. نهشلا : مفعول به منصوب بالفتحة. فضلت : فعل ماض مبني على الفتح ، و «التاء» : للتأنيث ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هي). فقيما : مفعول به منصوب بالفتحة. كفضل : «الكاف» : اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب نائب مفعول مطلق وهو مضاف و «فضل» : مضاف إليه. ابن : مضاف إليه مجرور بالكسرة. المخاض : مضاف إليه مجرور بالكسرة. على الفصيل : جار ومجرور متعلّقان بالمصدر «فضل».

وجملة «وجدنا» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «فضلت» : في محلّ نصب مفعول به ثان للفعل «وجد».

والشاهد فيه قوله : «ابن المخاض» حيث عرّف (ابن مخاض) بـ (أل) التعريف ، ممّا يدل على أنه نكرة لقبوله «أل».

٢٤٠