شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

شرح جمل الزجّاجى - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2263-0

الصفحات: ٥٩٧

فإن كان على وزن «فعل» مثل «إبل» ، نقلته إلى «فعل» ونسبت إليه ، فتقول في النسب إلى «إبل» : «إبليّ» ، وسبب ذلك أنّك لو نسبت إليه على لفظه لاجتمع ثلاث كسرات وياءي النسب ، فيتوالى الثقل إلّا أن يكون كسرة الفاء إشباعا لكسرة العين ، نحو : «صعق» ، فإنّه في الأصل «صعق» ، فأتبعت حركة الفاء حركة العين فكسرت ، فإنّك إذا نسبت إلى مثل هذا حوّلت كسرة العين فتحة كما فعلت في «إبل» وكنت في الفاء بالخيار ، إن شئت رددتها إلى أصلها ، لزوال حركة العين الذي أتبعتها حركة الفاء ، وإن شئت أبقيتها على الكسرة ، لأنّ فتح العين عارض ، فتقول : «صعقيّ» و «صعقيّ».

فإن كان على وزن «فعل» ، فإنّك تنقله إلى «فعل» ، فتقول في مثل «نمر» : «نمريّ» ، وسبب ذلك ما تقدم.

فإن كان معتل اللام ، فلا يخلو أن يكون بالياء ، أو بالواو ، أو بالألف.

فإن كان معتلّا بالألف قلبتها واوا أبدا ، فتقول في النسب إلى «رحى» : «رحويّ» ، وإلى «قبا» : «قبويّ».

فإن كان معتلا بالواو نسبت إليه على لفظه ، فتقول في «غزو» : «غزويّ» ، وفي «غد» : «غدويّ».

فإن كان معتلّا بالياء ، فلا يخلو أن يكون ما قبل الياء ساكنا ، أو غير ساكن. فإن كان ساكنا ، فلا يخلو من أن يكون في آخره ياء مشددة أو مخففة. فإن كانت مشددة ، نسبت إليه على لفظه ، فتقول في النسب إلى «حيّ» : «حيّيّ» ، ولم تستثقل اجتماع هذه الياءات لكونها جرت مجرى الصحيح لظهور الإعراب. ومنهم من يستثقل اجتماع هذه الياءات ، فيحرك العين بالفتح ، فتتحرك الياء وما قبلها مفتوح ، فتنقلب ألفا ، فتصير من باب رحى ، وقد شذّوا في النسب إلى «طيّىء» ، فقالوا : «طائي» ، وسنذكره في بابه.

وإن كانت مخففة ، فلا يخلو أن تكون في آخره تاء تأنيث ، أو لا تكون ، فإن لم تكن نسبت إليه على لفظه ، فتقول في النسب إلى «ظبي» : «ظبييّ» : وإن كانت فيه تاء التأنيث ، فسيبويه يحذف تاء التأنيث ، وينسب إليه على لفظه ، ويونس يحذف تاء التأنيث أيضا إلّا أنّه ينسب إلى مثل «فعلة» ، أو «فعلة» ، أو «فعلة» كما ينسب إليها مكسورة العين ، فيقول في

٤٦١

النسب إلى «ظبية» : «ظبويّ» ، وإلى «دمية» : «دمويّ» ، وإلى «زنية» (١) : «زنويّ».

فإن كان الاسم على أربعة أحرف ، فلا يخلو أن يكون على وزن «فعيلة» ، أو «فعولة» ، أو «فعيلة» ، أو «فعيل» ، أو «فعيل» ، أو غير ذلك من الأوزان.

فإن كان على وزن «فعيلة» حذفت منه الياء وتاء التأنيث ، فتقول في النسب إلى «جذيمة» : «جذميّ» ، وفي «حنيفة» : «حنفيّ» ، وفي «قريضة» : «قرضيّ» ، إلّا ما شذ ، قالوا في «سليقة» : «سليقيّ» ، و «عميرة كلب» : «عميريّ» ، و «سليمة» : «سليميّ» ، وفي «عبيدة» : «عبيديّ» ، وفي «جذيمة» : «جذيميّ». ما لم يكن معتل العين أو مضاعفها ، فإنّك لا تحذف إلّا تاء التأنيث وتنسب إليه على لفظه ، فتقول في النسب إلى «شديدة» : «شديديّ» ، هروبا من اجتماع المثلين.

وكذلك إذا كان معتل اللام ، تقول في النسب إلى «طويلة» : «طويليّ». وسبب ذلك أنّك لو حذفت الياء ، لقلت : «طوليّ» ، فتتحرك الواو ، وما قبلها مفتوح ، فتنقلب ألفا ، فيجيء : «طاليّ» ، فيكثر التغيير ، ولو لم تحذفها لثقل الاسم.

فإن كان على وزن «فعيلة» ، مثل «حذيفة» ، فإنّك تنسب إليه بحذف الياء والتاء ، فتقول : «حذفيّ» ، وشذ من ذلك «خريبة» ، فقالوا : «خريبيّ».

وإن كان على وزن «فعولة» ، فإنك تحذف الواو وتاء التأنيث ، وتنقله إلى «فعل» ، فتقول في «حمولة» : «حمليّ» ، وفي «ركوبة» : «ركبيّ» ، وعلى ذلك قولهم في «شنوءة» : «شنئيّ».

وأبو العباس المبرد لا يحذف الواو ، فيقول في حمولة : «حمولي». واستدل بأن قال : ينبغي أن لا تجري الواو مجرى الياء ، كما لم تجر الضمة مجرى الكسرة ، فلم تنقل «فعل» إلى «فعل» في النسب.

وهذا الذي قال باطل ، لأن الواو أثقل من الضمة. وأيضا فإنّه يجوز مع التاء ولا يجوز مع عدمها ، ألا ترى أنّ «فعيلا» لا تحذف ياؤه في النسب بخلاف «فعيلة». وأما قوله : لم

__________________

(١) زنية : حيّ من العرب.

٤٦٢

يسمع إلّا في «شنوءة» ، فهو أيضا جميع ما جاء ، فإنّما كان ينبغي أن يحمل على الشذوذ لو نسبت العرب إلى «فعولة» بإثبات الواو إلّا في «شنوءة».

فإن كان على وزن «فعيل» أو «فعيل» أو «فعول» ، فإنّك تلحقه ياء النسب ، وتنسب إليه على لفظه ولا تحذف الياء ، فتقول في النسب إلى تميم : «تميميّ» ، وإلى «كليب» : «كليبيّ» ، وإلى «سدوس» : «سدوسيّ» ، إلّا ما شذّ ، وسنذكر الشواذ كلها بعد الفراغ من المقيس إن شاء الله تعالى.

فإن كان على غير ذلك من الأوزان ، فلا يخلو أن يكون في آخره ألف أو لا يكون ، فإن كان في آخره ألف ، فلا يخلو أن تتوالى الحركات أو لا تتوالى ، فإن توالت ، فإنّك إذا نسبت إليه ، حذفت الألف وقلت في «جمزى» (١) : «جمزيّ».

فإن لم تتوال الحركات ، فلا يخلو أن تكون الألف منقلبة عن أصل ، مثل : «ملهى» فإنّك إذا نسبت إليه ، قلبت ألفه واوا ، فتقول : «ملهويّ». وقد يجوز حذف الألف ، وذلك قليل ، فتقول : «ملهيّ».

فإن كانت ملحقة ، مثل : «معزى» و «ذفرى» (٢) و «أرطى» (٣) عند من قال : «أديم مأروط» ، فإنك تقلبها واوا ، فتقول في النسب إلى «معزى» و «ذفرى» : «معزويّ» ، و «ذفرويّ» ، وحذفها أجود من حذفها في المنقلب عن أصل.

فإن كانت للتأنيث ، مثل : «حبلى» فالنسب إلى ذلك على ثلاثة أوجه : أن تحذفها ، وأن تقلبها واوا ، فتقول في «حبلى» : «حبليّ» ، و «حبلويّ» ، ويجوز أن تزيد ألفا قبل الواو ، فتقول : «حبلاويّ» ، والأفصح حذفها.

فإن لم يكن في آخره ألف ، فلا يخلو أن يكون في آخره همزة ، أو ياء ، أو واو بعد ألف زائدة ، أو لا يكون. فإن كان في آخره همزة ، فلا يخلو أن تكون أصلا ، أو بدلا من أصل. فإن كانت أصلا ، جاز فيها وجهان : الإثبات ، نحو : «حربائي» ، و «قبائيّ» ، والقلب قليلا.

__________________

(١) الجمزى : السريع العدو.

(٢) الذفرى : أصل أذن البعير ، وعظم في أعلى العنق من الإنسان.

(٣) الأرطى : نوع من الشجر.

٤٦٣

فإن كانت بدلا من أصل فوجهان : القلب والإثبات ، نحو : «كسائيّ» ، و «ردائيّ». فإن كان في آخره ياء ، جاز أن تقلب الياء همزة. فإذا قلبتها ، فإن شئت أبقيتها على لفظها ، وإن شئت قلبت الهمزة واوا ، نحو : «سقائي» في «سقاية».

فإن كان في آخره واو ، بقيت على حالها ، لأنّ العرب قد تقلب الهمزة واوا. فإذا وجدت ، لم يجز فيها إلّا الإثبات ، نحو : «شقاويّ» ، في «شقاوة».

فإن لم يكن كذلك ، فلا يخلو من أن يكون قبل آخره كسرة ، أو لا يكون. فإن كان قبل آخره كسرة ، كان لك فيها وجهان : النسب على اللفظ ، وقلب الكسرة فتحة ، فتقول في «تغلب» : «تغلبيّ» ، و «تغلبيّ».

فإن كان ما بعد الكسرة ياء ، فإن لم تقلب الكسرة ، حذفت الياء ، وإن قلبت الكسرة فتحة ، قلبت الياء ألفا ، وقلبتها واوا ، فتقول في النسب إلى «قاض» : «قاضيّ» ، و «قاضويّ» ، وعلى الأول قوله [من البسيط] :

٦٧٣ ـ كأس عزيز من الأعناب عتّقها

لبعض أربابها حانيّة حوم

__________________

٦٧٣ ـ التخريج : البيت لعلقمة بن عبدة في ديوانه ص ٦٨ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٠ ؛ والكتاب ٣ / ٣٤١ ؛ ولسان العرب ٦ / ١٨٩ (كأس) ، ١٢ / ١٦٢ (حوم) ، ١٤ / ٢٠٥ (حنا) ، ٢٧٦ (دوا) ؛ والمحتسب ١ / ١٣٤ ؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥٧٤ ؛ وشرح المفصل ٥ / ١٥٢ ؛ والمقرب ٢ / ٦٥.

اللغة : كأس عزيز : كأس مستحقّ عزيز ؛ والكأس : الإناء فيه الخمر. حانية : مأخوذة من الحانة وهي دكان الخمر. الحوم : جمع حائم وهو النادل.

المعنى : إنها كأس يستحقّها رجل عزيز ، فهي قد عتّقها نادل من حانة مشهورة ، للسادة الذين يحسنون اختيار ما يشربون.

الإعراب : كأس : خبر لمبتدأ محذوف مرفوع بالضمّة. عزيز : مضاف إليه مجرور بالكسرة. من الأعناب : جار ومجرور متعلّقان بحال من «كأس عزيز». عتّقها : فعل ماض مبني على الفتح ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. لبعض : جار ومجرور متعلقان بـ (عتّقها). أربابها : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، و «ها» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. حانية : فاعل «عتّق» مرفوع بالضمّة. حوم : صفة لـ «حانية» مرفوعة بالضم.

وجملة «هي كأس عزيز» صفة للفاعل «صهباء» في بيت سابق محلها الرفع. وجملة «عتقها حانية حوم» : في محلّ رفع صفة لـ (كأس).

والشاهد فيه قوله : «حانيّة» حيث جعل النسبة إلى (الحانة) (حانيّ) والجمع (حانيّة).

٤٦٤

وعلى الثاني قول الآخر [من الطويل] :

٦٧٤ ـ فكيف لنا بالشرب إن لم يكن لنا

دوانق عند الحانويّ ولا نقد

وما بقي من الرباعي ينسب إليه على لفظه إلّا أن يشذّ.

فإن كان الاسم خماسيّا فصاعدا ، فلا يخلو من أن يكون في آخره ألف ، أو همزة ، أو ياء بعد ألف زائدة ، أو ياء بعد كسرة ، أو قبل آخره ياء مشدّدة ، أو لا يكون فيه شيء مما ذكرنا.

فإن كان في آخره ألف حذفتها ، وكذلك إن كان في آخره ياء قبلها كسرة. وتلحق ياء النسب وتكسر ما قبلها ، فتقول في النسب إلى «مرامى» : «مراميّ».

وإن كان في آخره همزة بعد ألف زائدة ، فلا يخلو أن تكون الهمزة للتأنيث أو أصلا ، أو بدلا من أصل ، أو بدلا من زائد ملحق بالأصل.

فإن كانت أصلا ، أثبتها وألحقت ياء النسب ، وإن شئت قلبتها واوا ، فتقول في النسب

__________________

٦٧٤ ـ التخريج : البيت لتميم بن مقبل في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ؛ وأساس البلاغة (عين) ؛ ولذي الرمّة في ملحق ديوانه ص ١٨٦٢ ؛ ولسان العرب ٣ / ٢٩٨ (عون) ؛ ولعمارة (؟) في شرح المفصل ٥ / ١٥١ ؛ والمحتسب ١ / ١٣٤ ، ٢ / ٢٣٦ ؛ وللفرزدق في المقاصد النحوية ٤ / ٥٣٨ ؛ وبلا نسبة في شرح التصريح ٢ / ٣٢٩ ؛ والكتاب ٣ / ٣٤١ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٠٥ (حنا).

الإعراب : وكيف : «الواو» : بحسب ما قبلها ، و «كيف» : اسم استفهام في محلّ رفع خبر. لنا : جار ومجرور متعلقان بحال من (الشرب). بالشرب : «الباء» : حرف زائد ، و «الشرب» : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ. إن : حرف شرط جازم. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يكن : فعل مضارع ناقصر ، وهو فعل الشرط. لنا : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر «يكن». دوانق : اسم «يكن» مرفوع. عند : ظرف مكان متعلق بخبر «يكن» المحذوف ، وهو مضاف. الحانوي : مضاف إليه مجرور. ولا : «الواو» : حرف عطف ، و «لا» : زائدة لتأكيد النفي. نقد : معطوف على «دوانق» مرفوع.

وجملة «كيف لنا بالشرب» : بحسب ما قبلها. وجملة «لم يكن» : فعل الشرط غير الظرفي لا محل لها.

وجملة «إن لم يكن لنا دارهم» : حالية محلها النصب.

الشاهد : قوله : «الحانوي» حيث جعل النسبة إلى «حانة» «حانوي».

٤٦٥

إلى «حراء» (١) : «حرائيّ» و «حراويّ» ، وإن كانت للتأنيث قلبتها واوا ، فتقول في النسب إلى «حمراء» : «حمراويّ» ، ليس إلّا.

وإن كانت بدلا من أصل أو من زائد ملحق بالأصل ، جاز فيها وجهان : الإثبات والقلب ، فتقول في النسب إلى «كساء» (٢) : «كسائيّ» و «كساويّ» ، وفي النسب إلى «علباء» : «علبائيّ» و «علباويّ» ، والإثبات في «كساء» أحسن ، والقلب في «علباء» وبابه أحسن.

وإذا نسبت إلى ما في آخره ياء قبلها ألف زائدة ، جاز فيها قلب الياء همزة ، فتقول في النسب إلى «درحاية» (٣) : «درحائيّ» ، وإن شئت قلبت الهمزة واوا ، فقلت : «درحاويّ».

وإن كان ما قبل الآخر ياء مشدّدة ، حذفت المتحرّكة منهما ، فقلت في النّسب إلى «أسيّد» : «أسيديّ» ، إلّا أن يكون بعد الياءين حرف مد ولين ، فإنّك لا تحذف ، فتقول في النّسب إلى «مهيّيم» : «مهيّيميّ» ، لأنّك لو حذفت إحدى الياءين المشددتين ، لبقي بعد ذلك ياءان ، فكنت تحتاج إلى حذف واحدة منهما ، فيكثر الحذف.

فإن لم يكن فيه شيء من ذلك ، نسبت إليه على لفظه ، ولم تغير بأكثر من لحاق ياءي النسب في آخره وكسر ما قبلها إلّا ما شذّ.

__________________

(١) كذا ، و «حراء» رباعي لا خماسيّ.

(٢) كذا ، و «كساء» ، رباعيّ لا خماسيّ ، وكذلك «علباء».

(٣) الدرحاية : الرجل الكثير اللحم القصير.

٤٦٦

فصل في شواذ النسب

هذا الفصل يحتوي على ثلاثة أنواع : نوع بابه أن يغيّر فلم يغيّر ، ونوع كان بابه ألّا يغيّر فغيّر ، ونوع كان بابه أن يتغيّر نوعا من التغيير ، فتغيّر تغييرا آخر بخلاف تغيره المعهود.

فما تغيّر وبابه أن لا يتغير قولهم في هذيل : هذليّ ، وفي سليم : سلميّ ، قال الشاعر [من الرجز] :

٦٧٥ ـ [لتجدنّي بالأمير برّا

وبالقناة مدعسا مكرّا]

إذا غطيف السلميّ فرّا

__________________

٦٧٥ ـ التخريج : الرجز بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٦٦٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٤ ؛ وشرح المفصل ٢ / ٩ ؛ ولسان العرب ٦ / ٨٤ (دعس) ؛ والمقرب ٢ / ٦٧ ؛ ونوادر أبي زيد ص ٩١.

اللغة : مدعس ومدعص ومداعس : أي طعّان.

المعنى : إذا اختبرت وفائي لتجدني أشد القوم ولاء للأمير ، ولا بد أن تعرف قوتي وجلدي في موقع النزال فأنا مطعان مقدام إذا حاول السلمي الفرار والاستسلام.

الإعراب : «لتجدني» : «اللام» : واقعة في جواب قسم محذوف ، «تجدني» : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره «أنت» ، والنون : نون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الإعراب ، والياء : ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. «بالأمير» : جار ومجرور متعلقان بالفعل «تجد». «برّا» : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. «وبالقناة» : «الواو» : عاطفة للجمل ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل «تجد» المحذوف. «مدعسا» : مفعول ثان لفعل محذوف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. «مكرّا» : صفة منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة. «إذا» : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه متعلق بالفعل «تجد». «غطيف» : فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. «السلمي» : صفة مرفوعة وعلامة رفعها

٤٦٧

وفي فقبم : فقميّ ، وفي قريش : قرشيّ ، وفي مليح خزاعة : ملحيّ ، وفي بصرة : بصريّ ، وفي السهل : سهليّ ، وفي الدّهر : دهريّ ، وفي بحر : بحراني ، وفي الجمّة : جمّاني ، وفي الرقبة : رقباني ، وفي اللحية : لحيانيّ ، وفي أفق : أفقيّ ، وفي خراسان : خرسيّ ، وفي الحمض (١) : حمضيّ ، وفي الخريف : خرفيّ ، وفي الربيع : ربعيّ ، وفي الجرم (٢) : جرميّ ، وفي قفا : قفيّ ، وفي الشأم : شآم ، وفي اليمن : يمان ، وفي تهامة : تهام ، وفي الروح : روحانيّ ، وفي ثقيف : ثقفيّ.

وزعموا أنّه قد قيل في الرجل العظيم الأنف : أنافيّ ، وفي النّسب إلى أيّار (٣) : أيّاريّ ، وفي النّسب إلى مرو : مروزيّ ، وإلى الريّ : رازيّ.

ومما ترك تغييره وبابه أن يتغير قولهم في النسب إلى سليقة : سليقيّ ، وقولهم في النسب إلى عميرة كلب : عميري ، وبابه عمريّ ، وفي سليمة : سليميّ وبابه : سلميّ.

ومما غيّر خلاف تغييره الذي يجب فيه في النسب إلى «زبينة» : «زبانيّ» ، وبابه : «زبنيّ» ، وفي النسب إلى طيّىء : طائي ، وبابه : طيئيّ ، وفي العالية : علويّ ، وبابه : عاليّ وعالويّ ، وفي البادية : بدويّ ، وبابه باديّ أو بادويّ ، وفي بني عبيدة : عبديّ ، وبابه : عبيديّ ، وفي جذيمة : جذيميّ ، وبابه : جذميّ (٤) ، وفي بني الحبلى من الأنصار : حبليّ ، وبابه : حبليّ أو حبلويّ أو حبلاويّ. وفي صنعاء وبهراء ودستواء وروحاء : صنعانيّ ، وبهرانيّ ، ودستوانيّ ، وروحانيّ ، والباب فيها أن يقال : بهراويّ ودستواويّ وصنعاويّ وروحاويّ.

__________________

الضمة الظاهرة. «فرا» : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر على آخره ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والألف للإطلاق.

وجملة القسم المحذوفة «أقسم» : ابتدائية لا محل لها. وجملة «لتجدني» : جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة «الفعل المحذوف مع فاعله» : في محل جر بالإضافة. وجملة «فرا» : تفسيرية لا محل لها.

والشاهد فيه قوله : «السّلميّ» حيث نسب إلى «سليم» فقال : «سلميّ» وهذا من شاذ النسب.

(١) الحمض : نوع من الشجر.

(٢) الجرم : القطع.

(٣) الأيّار : العظيم الذكر.

(٤) كذا ، والصواب : جذمي ، وبابه : «جذميّ».

٤٦٨

وفي حروراء وجلولاء : حروريّ وجلوليّ ، والباب فيها : حروراويّ وجلولاويّ ، وفي أميّة وطهيّة : أمويّ وطهوي ، وبابهما : أمييّ وأمويّ ، وطهييّ أو طهويّ. وفي عبد قيس ، وعبد شمس ، وعبد الدار : عبقسيّ ، وعبشميّ ، وعبدريّ.

وفي المركّب نحو : دراب جرد ، وحضر موت : دراوردي ، وحضرميّ ، والباب أن تنسب إلى الأول منهما ، فتقول : حضريّ ودرابيّ أو ملحقهما الأول والثاني ، وذلك قليل.

٤٦٩

باب ألف القطع وألف الوصل

إنّما سمى الهمزة ألفا لأنّ صورتها صورة ألف. وهمزة الوصل هي التي تثبت في الابتداء ، وتحذف إذا وصلت ما قبلها بما بعدها. وهمزة القطع هي التي تثبت ابتداء ووصلا.

وإنّما سميت همزة وصل ، لأنّها هي التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن لمّا تعذّر النطق به. وهذه الهمزة اجتلبت ساكنة ، ثم كسرت لالتقائها مع الساكن بعدها ، فحرّكت بالكسر على أصل التقاء الساكنين ، ولا يعدل عن الكسر إلى ضمّ أو فتح إلّا بموجب ، على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى.

ولكون همزة الوصل وصلة إلى النطق بالساكن ، لا توجد همزة الوصل إلّا وبعدها ساكن لفظا أو نية.

فمثال كون ما بعدها ساكنا في النيّة ، وإن كان متحركا في اللفظ : «الآخرة» ، إذا نقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها.

ومن العرب من يعتدّ بالعارض ، فيحذف الهمزة فيقول : «لحمر جاءني» ، وذلك قليل.

وغرضه في هذا الباب الفصل بين همزة القطع وهمزة الوصل ، وذلك بأن تحصر همزات الوصل ، وما عداها فهمزته همزة قطع ، فتقول : همزة الوصل لا يخلو أن تدخل على اسم ، أو فعل ، أو حرف. أما الحرف فلا يوجد فيه همزة وصل أصلا إلّا لام التعريف خاصة.

وأمّا الفعل فلا يخلو أن يكون ماضيا ، أو أمرا بغير لام ، أو في أوله إحدى الزوائد الأربع.

فإن كان ماضيا لم تدخله همزة وصل إلّا في أمثلة محصورة ، وهي : انفعل ،

٤٧٠

واستفعل ، وافتعل ، وافعلّ ، وافعالّ ، وافعنلل ، وافعوعل ، وافعوّل ، وافعنلى ، وتفعّل ، وتفيعل ، وتفاعل ، إذا أدغمت التاء فيما بعدها.

وإن كان في أوله إحدى الزوائد الأربع لم يدخل في أوله همزة وصل أصلا. وإن كان أمرا بغير لام ، لم تكن الهمزة التي في أوله همزة وصل ، إلّا أن يكون من فعل ثلاثي أو من مثال من الأمثلة التي في أولها همزات الوصل.

وأمّا الاسم فلا يوجد في أوله همزة وصل إلا أسماء معلومة ، وهي : ابن ، وامرؤ ، وتثنيتهما ، وتأنيثهما. واسم ، واست ، وتثنيتهما ، وابنم (١) ، واثنان ، واثنتان ، وايمن الله في القسم ، وفي كل مصدر جاء على فعل من الأفعال التي في أولها همزة وصل ، وما عدا ذلك فهمزته همزة قطع.

ولا خلاف في شيء مما ذكرنا إلّا في «ايمن» ، وقد تقدّم في باب القسم ، وفي الهمزة الداخلة على لام التعريف ، فإن الخليل يذهب إلى أنّها همزة قطع وأنّ الهمزة واللام حرف واحد للتعريف بمنزلة «قد» إلّا أنها حذفت في الوصل لكثرة الاستعمال.

وذلك دعوى لا دليل عليها ، بل القياس إذا حذفت للوصل أنها همزة وصل ، ولا يعدل عن الظاهر إلّا بدليل.

وهمزة الوصل مكسورة في كل موضع على أصلها كما تقدم إلّا في موضع يعدل فيه عن الكسر إلى الفتح ، أو الضم لموجب.

فالموضع الذي تفتح فيه مع لام التعريف حرّكت فيه بالفتح طلبا للتخفيف. كما قالوا في : «من الرجل» ، ففتحوا النون من «من» طلبا للتخفيف ، وفي «ايمن» لشبهها بالحرف في أنّها لا تنصرف.

ولا تضم إلّا في الأفعال ، وذلك في كل فعل يكون الثالث منه مضموما ضمة لازمة لفظا ، أو نية ، نحو : اقتل ، واخرج ، واستفعل ، وشبه ذلك.

وقولنا : «ضمته لازمة» ، تحرّز من مثل «ارموا» ، فإنّ ضمته عارضة من أجل واو الجمع ، فلذلك لم تضم همزة الوصل فيه.

وقولنا : «أو نيّة» ، يعني في مثل «اغزي» ، فإنّ همزة الوصل منه مضمومة لأنّ هذه

__________________

(١) ابنم : لغة في «ابن».

٤٧١

الكسرة إنّما هي من أجل الياء لأن أصله : اغزوي ، ثم استثقلت الكسرة في الواو فحذفت ، والتقى ساكنان الواو والياء فحذفت الواو ثم قلبت الضمة كسرة لتصح الياء.

وإنّما ضمّت الهمزة إذا كان الثالث مضموما ، لئلا يخرج من كسر إلى ضمّ ، ليس بينهما إلّا حاجز غير حصين وهو الساكن.

وما بقي من همزات الوصل مكسور.

٤٧٢

باب المعرب والمبني

المعرب هو ما يغير آخره بدخول العوامل عليه لفظا أو تقديرا ، والمبني هو اللفظ الذي لزم آخره حالة واحدة.

والكلم ثلاث : اسم ، وفعل ، وحرف. فأمّا الحرف فمبنيّ ، وأمّا الفعل فينقسم ثلاثة أقسام : ماض ، ومضارع ، وأمر بغير لام.

أما الماضي فمبني على الفتح ، وأمّا المضارع فمعرب لشبهه بالاسم. وشبهه بالاسم من أربع جهات ، وذلك أنّه وقع موقعه تقول : «زيد يقوم» ، كما تقول : «زيد قائم». وأنّه مبهم مثله ، تقول : «يقوم» فيحتمل الزمانين ، وبدخول لام الابتداء عليه ، تقول : «إنّ زيدا ليقوم» ، فيختص بالحال كما تقول : «إنّ زيدا لقائم» ، فيتخصص أيضا بالحال (١).

وأمّا الأمر بغير لام ففيه خلاف. فمذهب أهل البصرة أنه مبنيّ ، ومذهب أهل الكوفة أنه معرب (٢). احتج أهل البصرة على أنه ليس بمعرب بأدلة منها أن قالوا : إنّ الفعل ليس أصله الإعراب ، وإنّما أصله البناء على ما يبيّن بعد إن شاء الله تعالى ، وإنّما أعرب منه ما أعرب لشبهه بالاسم ، وهذا لم يشبهه ، فلذلك لم يعرب. ومنها أن قالوا : لو كان معربا لكان له جازم ، والجازم لا يخلو من أن يكون ظاهرا أو مضمرا ، وليس في اللفظ جازم ، فلم يبق إلّا أن يكون مضمرا ، وإضمار الجازم وإبقاء عمله لا يجوز إلّا في ضرورة ، نحو قوله [من الوافر] :

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (٣)

__________________

(١) لعل في الكلام سقطا ، إذ لم يذكر سوى ثلاث جهات.

(٢) انظر المسألة الثانية والسبعين من كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف ص ٥٢٤ ـ ٥٤٩

(٣) تقدم بالرقم ٥٤٥.

٤٧٣

وإنّما لم يجز إضمار الجازم وإبقاء عمله ، لأنّ عوامل الجزم أضعف من عوامل الجرّ ، وعوامل الجرّ لا يجوز إضمارها وإبقاء عملها ، فالأحرى أن لا يجوز في الجازم الذي هو أضعف منه.

واستدل أهل الكوفة على أنّه معرب بأن قالوا : إن البناء لزوم آخر الاسم سكونا أو حركة. ولم يوجد الحذف من علامات البناء ، والعرب تقول : «اغز» ، و «ارم» ، و «اخش» ، فتحذف آخره ، فدلّ ذلك على أنّه معرب ، وليس بمبنيّ.

وهذا لا حجة فيه ، لأنّ المبنيّ إذا أشبه المعرب ، عومل معاملته في غير موضع. دليل ذلك النداء ، تقول : «يا زيد العاقل والعاقل» ، فتنعته على اللفظ والموضع ، والمبنيّ لا ينعت إلّا على الموضع ، لكنه لما أشبه المعرب عومل معاملته ، فكذلك : «اغز» ، إنّما حذف آخره لأنّه أشبه «التغز» ، في معناه وحروفه ، فلذلك عومل معاملته ، فحذف آخره ، فثبت أنّه مبنيّ.

وأما الاسم فمعرب إلّا ما أشبه الحرف كالمضمرات والموصولات ، فإنّها أشبهت الحروف في الافتقار ، أو تضمّن معناه كأسماء الشرط والاستفهام ، ألا ترى أنّ الأسماء الشرطية تضمنت معنى «إن» الشرطية ، وأسماء الاستفهام تضمنت معنى همزة الاستفهام ، أو وقع موقع المبنيّ كالمناديات وأسماء الأفعال ، فالمناديات وقعت موقع ضمائر الخطاب ، وهي مبنيّة ، وأسماء الأفعال وقعت موقع الفعل وهو مبنيّ ، أو ضارع ما وقع موقع المبنيّ ، وهو كل اسم معدول لمؤنّث على وزن «فعال» ، أو أضيف إلى مبنيّ ، نحو [من الطويل] :

على حين عاتبت المشيب على الصبا

 ... (١)

ونحو قوله [من البسيط] :

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (٢)

أو خرج على نظائره ، كـ «أيّ» من الموصولات ، فإنّها فارقت سائر الموصولات في أنّها إذا وصلت بالمبتدأ والخبر ، ولم يكن في الصلة طول ، جاز حذف المبتدأ في فصيح الكلام ، نحو : «جاءني أيّهم قائم» ، ولا يجوز في غير «أيّ» إلّا ضرورة ، أو في قليل من

__________________

(١) تقدم بالرقم ١١.

(٢) تقدم بالرقم ١٠

٤٧٤

الكلام في قراءة من قرأ : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(١). وزعم الفارسي أنّه لا يجوز أن يبنى الاسم إلّا لشبهه بالحرف أو لتضمّنه معناه ، فلا يجوز عنده أن يبنى الاسم لوقوعه موقع اسم مبنيّ ، لأنّ الأسماء ليس أصلها البناء ، فلا يحمل عليها غيرها فيما هو فرع فيها. ولا يجوز عنده أيضا أن يبنى لوقوعه موقع فعل مبنيّ ، لأنّ الأسماء إذا أشبهت الأفعال فإنّما ينبغي أن تمنع الصرف لا أن تبنى. واعتذر عن بناء الاسم المنادى بأنّه وقع موقع ضمير الخطاب ، والغالب عليه الحرفية ، فكأنه مبنيّ لوقوعه موقع الحرف.

والدليل على أنّ الغالب الحرفية ، أنّه إذا كان فيه معنى الحرف ، وقد يتجرد لمعنى الحرفية ، ألا ترى أنّك تقول : «ضربت» فتكون التاء اسما وتعطي الخطاب ، وقد تتجرد للخطاب في نحو : «أنت» ، فتكون حرفا.

وأمّا أسماء الأفعال ، نحو : «دراك» ، فبنيت لتضمّنها معنى لام الأمر ، ألا ترى أنّ «دراك» في معنى «لتدرك».

وأمّا «شتّان» ، و «وشكان» ، و «سرعان» فبنيت وإن لم تتضمّن معنى الحرف لأنّ الغالب على أسماء الأفعال أن تكون بمعنى الأمر ، ولا تجيء بمعنى الخبر إلّا قليلا ، فعوملت معاملة أسماء الأفعال إذا كانت بمعنى الأمر.

وأمّا «أيّ» فله أن يأخذ بمذهب الخليل أو يونس ، فلا تكون عنده مبنية. وأمّا «حذام» و «يسار» وأمثاله ، فله أن يذهب فيه إلى مذهب الربعي من أنّه مبنيّ لتضمّنه معنى علامة التأنيث ، لأنّ «حذام» معدول عن «حاذمة» ، و «يسار» معدول عن «ميسرة».

وهذا المذهب فاسد ، بدليل بناء الاسم لإضافته إلى مبني وإن لم يشبه الحرف ولا تضمّن معناه ، وقد تقدّم. فالصحيح ما قدّمناه.

واختلف أهل الكوفة وأهل البصرة في الإعراب ، هل هو أصل في الأسماء والأفعال أو أصل في أحدهما فرع في الآخر.

فزعم أهل البصرة أنّ الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال. وزعم أهل الكوفة

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٥٤.

٤٧٥

أنّ الإعراب أصل في الأسماء والأفعال.

استدل أهل البصرة على أنّ الإعراب أصل في الأسماء بأنّه قد افتقر إليه فيها بدليل أنّك إذا قلت : «ضرب زيد عمرا» ، فلو لا الإعراب لالتبس الفاعل بالمفعول ، وكذلك إذا قلت : «ما أحسن زيد» ، لو لا الإعراب لم تدر : هل تعجبت ، أو نفيت ، أو استفهمت (١) ، والفعل ليس كذلك ، فلما كان هذا في بعض الأسماء حمل سائرها عليها. وأما الفعل فلم يفتقر إليه.

واستدل أهل الكوفة على أنّ الإعراب أصل فيهما بنحو ما استدلّ به أهل البصرة على أنّه أصل في الأسماء من أنّه قد افتقر إليه في الأفعال ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وحذفت الإعراب لم تدر هل نهيت عنهما على كل حال ، أو عن الجمع بينهما ، أو عن أحدهما وأبحت الآخر (٢).

وكذلك أيضا قالوا : إذا قلت : «لتضرب زيدا» ، وتسقط الإعراب لم تدر هل اللام لام «كي» أم لام الأمر (٣) ، وكذلك إذا قلت : «لا تضرب زيدا» وتسقط الإعراب لم تدر هل «لا» للنهي أو للنفي (٤).

وهذا الذي استدلّ به أهل الكوفة لا حجة فيه.

أما استدلالهم بـ «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، فلو سقط الإعراب لظهر الناصب ، وهو «أن» ، والجازم وهو لام الأمر (٥) ، لأنّ النصب في الثاني بإضمار «أن» ، والجزم على العطف ، والرفع على القطع ، فكانت هذه المعاني لا تلتبس. وكذلك أيضا استدلالهم بـ «لتضرب زيدا» ، لا حجّة فيه لأنّ الأمر لا يقع إلّا صدرا ولام «كي» لا تقع إلّا بعد تقدّم كلام ، تقول : «جئت لتضرب». وكذلك أيضا استدلالهم بـ «لا تضرب زيدا» ، لأنّا لو حذفنا الإعراب لم يلتبس ، لأنّ للنفي حروفا أخر غير «لا» مثل «لن» و «لم» و «ما» ، فكنّا نأتي بواحد من هذه الحروف.

والدليل أيضا على أنّ الإعراب فرع في الأفعال أصل في الأسماء أنها كلها معربة إلّا ما

__________________

(١) تقول في التعجب : «ما أحسن زيدا»! وفي النفي : «ما أحسن زيد» ، وفي الاستفهام : «ما أحسن زيد»؟ فتفرّق بين التعجب والنفي والاستفهام بالإعراب.

(٢) تقول في النهي عنهما في كل حال : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وتقول في النهي عن الجمع بينهما : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ، وتقول في النهي عن أكل السمك وإباحة شرب اللبن : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن».

(٣) تقول إذا كانت اللام لام «كي» : «لتضرب زيدا» ، وإذا كانت لام الأمر : «لتضرب زيدا».

(٤) تقول في النهي : «لا تضرب زيدا» ، وفي النفي : «لا تضرب زيدا».

(٥) كذا ، والصواب «لا» الناهية.

٤٧٦

أشبه المبني على ما تبيّن قبل هذا ، والأفعال كلّها مبنية إلّا ما أشبه المعرب ، فدلّ ذلك على أنها مبنيّة في الأصل إذ لو كان أصلها الإعراب ، لكان الماضي معربا ، فدلّ هذا على بطلان مذهبهم.

وأصل البناء السكون ، وذلك أنّ الإعراب ضد البناء ، والإعراب بابه أن يكون بالحركات ، فيكون البناء بضده الذي هو السكون ، فعلى هذا فما وجد من الأفعال والحروف مبنيّا على السكون ، فلا سؤال فيه ، لأنّ أصلهما البناء ، وأصل البناء السكون.

وما وجد مبنيّا على الحركة ، ففيه سؤالان : لم بني على حركة؟ ولم خصّ بتلك الحركة دون غيرها؟

وما وجد من الأسماء مبنيّا على السكون ففيه سؤال واحد ، لم بني؟ لأن أصله الإعراب كما تقدم.

وما بني منها على حركة ، ففيه ثلاثة أسئلة : لم بني؟ ولم بني على حركة؟ ولم خصّ بتلك الحركة دون غيرها؟

فأمّا سبب البناء في الأسماء فقد تقدم ؛ وأما ما بني منها على حركة فما كان من المبنيّ قد كان متمكنا في موضع ، ثم طرأ عليه البناء ، نحو : المناديات ، والاسم المبنيّ في باب «لا» ، وما أشبه المعرب من المبنيّ ، نحو : «عل» لأنّه ضارع «من عل» ، النكرة لأنّه بمعناه ، إلّا أنّ ذلك معرفة وهذا نكرة ، وما تعذّر بناؤه على السكون لكونه على حرف واحد ، نحو واو العطف (١) أو لالتقاء الساكنين نحو : «أمس». وما عدا ذلك فمبنيّ على السكون.

والحركة التي تكون في المبنيّ لا يخلو أن تكون لالتقاء الساكنين أو لغير ذلك مما ذكرنا ، فإن كانت لالتقاء الساكنين ، فينبغي أن تكون كسرة لأنّها لا توهم للإعراب ، ألا ترى أنّ الكسرة لا تكون إعرابا إلّا مع التنوين أو ما عاقبه من الإضافة والألف واللام. وأيضا فإنّ الكسرة نظيرة السكون كما أنّ الخفض نظير الجزم ، فلمّا اضطررنا إلى الحركة حركناه بما

__________________

(١) كذا ، وواو العطف ليست اسما.

٤٧٧

يناسبه ، وما حرّك بغير ذلك مما ذكرنا ، فينبغي أن تكون حركته فتحة ، لأنّها أخف الحركات. ولا يعدل عن الكسرة في حركة التقاء الساكنين ، ولا عن الفتح فيما عدا ذلك إلّا لموجب ، والموجب الإتباع نحو «مذ» ، أو طلب التخفيف ، نحو : «أين» أو مناسبة العمل ، نحو : «لزيد» و «بزيد» (١). أو لمناسبة المعنى ، نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٢). فإنّ الضمة من الواو والواو من علامات الجمع.

أو لكون الحركة لم تكن له في حال الإعراب ، نحو : «قبل» و «بعد» ، فإنّهما إذا أعربا في الإضافة لم يكونا إلّا منصوبين أو مخفوضين ، نحو : «قبلك» و «من قبلك». أو بحركة الأصل ، نحو : «مذ اليوم» ، لأنّه مخفف من «منذ». أو بحركة ما أشبهه ، نحو : «لو استطعنا» ، فإنّ واو «لو» مشبهة بواو «سيروا» ، ولذلك حركت بالضم ، نحو : «يا زيد» ، فإنّه حرك بحركة «قبل» لأنّه أشبهه في أنّه معرب في حال الإضافة مبنيّ في حال الإفراد.

والفعل لا يخلو من أن يكون أمرا ، أو مضارعا ، أو ماضيا. فالأمر لا سؤال فيه لأنّه مبنيّ على السكون إلّا أن يكون مضاعفا ، فإنّه يحرّك لالتقاء الساكنين بالفتح والضم والكسر. فالفتح طلب للتخفيف ، وقد يكون اتباعا ، نحو : «عضّ». والكسر على أصل التقاء الساكنين ، وقد يكون اتباعا ، نحو : «قرّ» ، واتباعا ، نحو : «مدّ» (٣).

وأمّا الماضي فمبني على الفتح ، فأمّا بناؤه فلا سؤال فيه ، وأمّا بناؤه على حركة ففيه سؤالان ، إذ أصل البناء أن يكون على السكون.

والجواب : إنّ الفعل الماضي أشبه الاسم لوقوعه موقعه ، تقول : «مررت برجل قام» ، كما تقول : «مررت برجل قائم» ، وأشبه أيضا الفعل المضارع بوقوعه موقعه ، تقول : «إن قام قمت» ، كما تقول : «إن يقم أقم» ، فلما أشبه المتمكّن ، كانت له بذلك مزيّة على فعل الأمر ، فبني على حركة لذلك ، وكانت الحركة فتحة طلبا للتخفيف. فإن شئت قلت : إنّ الحركات ثلاث : فتح وضم وكسر. والكسر متعذّر لأنّه نظير الخفض ، فكما أنّ الخفض لا يدخل الفعل فكذلك نظيره ، والضم متعذّر لأنّ من العرب من يقول في الجمع : الزيدون

__________________

(١) يريد أن لام الجر وباء الجرّ بنيا على الكسر لأنّ عملهما الجرّ.

(٢) سورة البقرة : ١٦.

(٣) كذا ، ولعل فيه سقطا.

٤٧٨

قام ، وعلى ذلك قوله [من الوافر] :

٦٧٦ ـ فلو أنّ الأطبّا كان حولي

وكان مع الأطبّاء الأساة

[إذا ما أذهبوا ألما بقلبي

وإن قيل : الأساة هم الشّفاة]

وقول الآخر [من الرجز] :

٦٧٧ ـ لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل

على الجبال الصّمّ لا رفضّ الجبل

__________________

٦٧٦ ـ التخريج : الشاهد بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١٩ ؛ والحيوان ٥ / ٢٩٧ ؛ وخزانة الأدب ٥ / ٢٢٩ ، ٢٣١ ؛ والدرر ١ / ١٧٨ ؛ وشرح المفصل ٧ / ٥ ، ٩ / ٨٠ ؛ ومجالس ثعلب ص ١٠٩ ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥١ ؛ وهمع الهوامع ١ / ٥٨.

اللغة : الأطبا : جمع طبيب. الشفاة : جمع شاف وهو الطبيب ؛ وكذلك الأساة : جمع آس وهو الطبيب الذي يعالج الجرح حتى يبرأ.

المعنى : حتى لو كان الأطباء والمشافون والمداوون حولي لما أراحوني مما يؤلم قلبي من العشق ، حتى لو قالوا إن المشافين هم الذين يداوون الجروح.

الإعراب : «فلو» : «الفاء» : بحسب ما قبلها ، «لو» : حرف شرط غير جازم. «أن» : حرف مشبّه بالفعل. «الأطبا» : اسم (أن) منصوب بالفتحة المقدّرة على الألف (أو على الهمزة المحذوفة). «كان» : فعل ماض ناقص ، و «الواو» : المحذوفة : ضمير متصل في محلّ رفع اسمها. «حولي» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، والظرف متعلّق بخبر (كانوا) ، أو هو الخبر على رأي ثان ، والمصدر المؤول من «أن» وما بعدها في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره : «ثبت». «وكان» : «الواو» : حرف عطف ، «كان» : فعل ماض ناقص. «مع» : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلق بمحذوف خبر (كان) المقدم. «الأطباء» : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. «الأساة» : اسم (كان) مرفوع بالضمّة. «إذا» : حرف جواب. «ما» : حرف نفي لا عمل له. «أذهبوا» : فعل ماض مبني على الضمّ ، و «الواو» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل ، والألف للتفريق. «ألما» : مفعول به منصوب بالفتحة. «بقلبي» : جار ومجرور بكسرة مقدّرة على ما قبل الياء ، متعلّقان بصفة محذوفة لـ (ألما) ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. «وإن» : «الواو» : حالية ، «إن» : وصلية زائدة. «قيل» : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، و «نائب الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (هو). «الأساة» : مبتدأ مرفوع بالضمة. «هم» : ضمير فصل مؤكّد لا محل له. «الشفاة» : خبر مرفوع بالضمّة.

وجملة : «لو أن الأطبا كانوا حولي ما أذهبوا» الشرطية بحسب ما قبلها. وجملة «كانوا حولي» : في محلّ رفع خبر (أنّ). وجملة «وكان الأساة مع الأطباء» : معطوفة عليها في محلّ رفع. وجملة «ما أذهبوا» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها. وجملة : «وإن قيل ...» في محل نصب حال. وجملة «الأساة هم الشفاة» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول).

والشاهد فيه قوله : «كان» حيث حذف الشاعر «واو» الجماعة ، واكتفى بالضمّة دلالة عليها.

٦٧٧ ـ التخريج : الرجز بلا نسة في شرح المفصل ٩ / ٨٠.

اللغة : حمل : أصلها حملوا بمعنى شدّوا. ارفضّ : تبدّد.

٤٧٩

وقول آخر [من الطويل] :

٦٧٨ ـ جزيت ابن أوفى بالمدينة قرضه

وقلت لشفّاع المدينة أوجف

يريد : أوجفوا ، فسكن الموقف. فلما تعذر الضم لم يبق إلّا الفتح. وزعم الفراء أنّه

__________________

المعنى : لو أنّ قومي شدّوا على الجبل الأصمّ ـ إذا ما دعوتهم ـ لتبدّد الجبل وتكسّر.

الإعراب : لو : حرف شرط غير جازم (حرف امتناع لامتناع). أنّ : حرف مشبّه بالفعل. قومي : اسم (أنّ) منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل الياء ، و «الياء» : ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة ، والمصدر المؤول من «أنّ» ومعموليها فاعل لفعل محذوف ، والتقدير لو ثبت حمل قومي. حين : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلّق بـ «حمل». أدعوهم : فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الواو ، و «الفاعل» : ضمير مستتر تقديره (أنا) ، و «هم» : ضمير متصل في محلّ نصب مفعول به. حمل : فعل ماض مبني على الضمّ لاتصاله بواو الجماعة المحذوفة ، وسكّن لضرورة الشعر ، و «الفاعل» : الضمير المحذوف تقديره واو الجماعة. على الجبال : جار ومجرور متعلقان بـ (حمل). الصمّ : صفة (الجبال) مجرورة بالكسرة. لارفض : «اللام» : رابطة لجواب الشرط ، «ارفض» : فعل ماض مبني على الفتح. الجبل : فاعل مرفوع بالضمّة ، وسكّن لضرورة الشعر.

وجملة «ثبت حمل» : جملة فعل الشرط لا محل لها. وجملة «أدعوهم» : في محلّ جرّ بالإضافة. وجملة «حمل» : في محلّ رفع خبر (أنّ). وجملة «لارفضّ» : جواب شرط غير جازم لا محلّ لها.

والشاهد فيه قوله : «حمل» حيث أراد (حملوا) فسكّن لضرورة الشعر.

٦٧٨ ـ التخريج : البيت لمتمم بن نويرة في ديوانه ص ١٩٧ ؛ والكتاب ٤ / ٢١٢.

اللغة : جزيت : كافأت أو عاقبت. ابن أوفى : الوليد بن عقبة أخو عثمان بن عفّان لأمّه. قرضه : ما سلّفه من إساءة أو إحسان. أوجفوا : أسرعوا السير.

المعنى : عند ما كنت بالمدينة بادلت ابن أوفى ما قدّمه لي ، وصحت بكبار القوم في المدينة : أسرعوا بالشفاعة له.

الإعراب : جزيت : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. ابن : مفعول به منصوب بالفتحة. أوفى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدّرة على الألف. بالمدينة : جار ومجرور متعلقان بـ (جزيت). قرضه : مفعول به ثان لـ «جزى» ، و «الهاء» : ضمير متصل في محل جرّ بالإضافة. وقلت : «الواو» : للعطف ، «قلت» : فعل ماض مبني على السكون ، و «التاء» : ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. لشفاع : جار ومجرور متعلقان بـ (قلت). المدينة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أوجف : فعل أمر مبني على حذف النون ، و «الواو المحذوفة» : ضمير في محلّ رفع فاعل.

وجملة «جزيت» : ابتدائية لا محلّ لها. وجملة «قلت» : معطوفة عليها لا محلّ لها. وجملة «أوجف» : في محلّ نصب مفعول به (مقول القول)

والشاهد فيه قوله : «أوجف» حيث أراد (أوجفوا) فسكّن للضرورة.

٤٨٠