بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق ، قال : أقبلت أنا وأصحابي نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت « حران بن أبي كريمة » في سكة البريد في دور « أرحب » و « شاكر » فدخلت عليه فقلت له : جعلني اللّه فداك أبا الحسين ، وانطلق ناس من أصحابه فجاءوا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس. فقال له : إنّك إن نزعته من رأسك مت ، قال : الموت أيسر علي مما أنا فيه.

قال : فأخذ الكبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات صلوات اللّه عليه.

قال القوم : أين ندفنه؟ أين نواريه؟ فقال بعضهم : نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء. وقال بعضهم : لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى.

قال : فقال يحيى بن زيد : لا واللّه لا يأكل لحم أبي السباع. وقال بعضهم نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيه.

قال : فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنّا له ، دفناه ثم أجرينا عليه الماء ومعنا عبد سنديّ. قال سعيد بن خثيم في حديثه : عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خثيم قد أخذ صفته لزيد وقال يحيى بن صالح : هو مملوك لزيد سنديّ وكان حضرهم.

قال أبو مخنف عن كهمس قال : كان نبطيّ يسقي زرعاً له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه ، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلّهم على موضع قبره ، فسرح إليه يوسف بن عمر ، العباس بن سعيد المري. قال أبو مخنف : بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه ـ وحملوه ـ على بعير.

قال هشام : فحدثني نصر بن قابوس قال : فنظرت واللّه إليه حين أقبل به على جمل قد شدّ بالحبال وعليه قميص أصفر هروي ، فأُلقي من البعير على باب القصر فخرّ كأنّه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة ، وصلب معه معاوية بن

٣٢١

إسحاق ، وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي (١) وعن ابن عساكر : « وأمر بحراستهم وبعث بالرأس إلى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل إلى المدينة » (٢).

« وقال الوليد بن محمد : كنّا على باب الزهري إذ سمع جلبة ، فقال : ما هذا ياوليد؟ فنظرت ، فإذا رأس زيد بن علي يطاف به بيد اللعانين ، فأخبرته فبكى ، ثم قال : أهلك أهل هذا البيت العجلة! قلت : ويملكون؟ قال : نعم ، وكانوا قد صلبوه بالكناسة سنة احدى أو اثنتين أو ثلاث وعشرين ومائة ، وله اثنتان أو أربع وأربعون سنة ، ثم أحرقوه بالنار فسمّي زيد النار. ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ، ثم أُنزل بعد أربع سنين من صلبه. وقيل : كان يوجه وجهه ناحية الفرات فيصيح ، وقد دارت خشبته ناحية القبلة مراراً ، ونسجت العنكبوت على عورته ، وكان قد صلب عرياناً. وقال الموكل بخشبته : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النوم وقد وقف على الخشبة وقال : « هكذا تصنعون بولدي من بعدي! يابنيّ يازيد! قتلوك قتلهم اللّه! صلبوك صلبهم اللّه! » فخرج هذا في الناس. فكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنتهم! فكتب إليه : أحرقه بالنار! ، وقال : جرير ابن حازم : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسنداً ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي ويقول : « هكذا تفعلون بولدي » ، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (٣).

وفي معجم البلدان : « وعلى باب الكورتين مشهد زيد ، فيه مدفن زيد بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ، ثم حمل إلى مصر فدفن هناك (٤).

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٩٦ ؛ ونقل الطبري في تاريخه خطبة يوسف بن عمر بعد قتل زيد لاحظ : ٥ / ٥٠٧.

٢ ـ السيد الأمين : زيد الشهيد : ٧٧.

٣ ـ صلاح الدين الصفدي : الوافي بالوفيات : ١٥ / ٣٤.

٤ ـ ياقوت : معجم البلدان : ٨ / ٧٧ ، مادة مصر.

٣٢٢

وقال ابن مهنا : « قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه إلى المدينة ونصب عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً وليلة » (١).

وقال السيد الأمين : كأنّهم يريدون أن يقولوا : يامحمد هذا برأس ولدك الذي قتلناه بمن قُتِل منّا يوم بدر نصبناه عند قبرك (٢).

قيل لأبي نعيم الفضل دكين : كان زهير بن معاوية يحرس خشبة زيد بن علي؟

قال : نعم ، وكان فيه شر من ذلك ، وكان جده الرحيل فيمن قتل الحسين ( صلوات اللّه عليه ) (٣).

الرأي العام في استشهاد زيد :

إنّ وعاظ السلاطين وشعراء البلاط الأموي كانوا ينقمون منه وينظمون القريض في ذمّه ، ولمّا صلب أقبل شاعر منهم وقال :

ألا يا ناقض الميثا

ق أبشر بالذي ساكا

نقضت العهد والميثا

قدماً كان قدما كا

فقيل له : ويلك أتقول هذا لمثل زيد ، فقال : إنّ الأمير غضبان فأردت أن أرضيه ، فرد عليه بعض الشعراء المخلصين وقال :

__________________

١ ـ ابن مهنا : عمدة الطالب : ٢٥٨ ، ط النجف.

٢ ـ الأمين : زيد الشهيد : ٨٠.

٣ ـ المفيد : الاختصاص : ١٢٨ ؛ المجلسي : بحار الأنوار : ٤٦ / ١٨١.

٣٢٣

ألا يا شاعر السوء

لقد أصبحت أفّاكا

أتشتم ابن رسول اللـ

ـه وتُرضي من تولاكا

ويوم الحشر لاشك

فإنّ النار مثواكا (١)

هذا ولما قتل زيد لبست الشيعة السواد ، ورثوه بقصائد نذكر بعضها :

١ ـ ما رثى به فضل بن العباس بن عبد الرحمان بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب (ت ١٢٩ هـ) مصلوب على عمود بالكناسة.

الا ياعين لاترق وجودى

بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي أبو حسين

صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم ويُمسي

بنفسي أعظم فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه

فأخرجه من القبر اللحيد

فظلّوا ينبشون أبا حسين

خضيباً بينهم بدم جسيد (٢)

وقال أبو ثميلة الآبار يرثي زيداً :

أبا الحسين أعار فقدك لوعةً

من يلقَ ما لقيت منها يكمد

كنت الموَمل للعظائم والنهى

ترجى لأمر الأمة المتأود

فقتلت حين رضيت كل مناضل

وصعدت في العلياء كل مصعد

والقتل في ذات الاِله سجية

منكم وأحرى بالفعال الأمجد

والناس قد آمنوا وآل محمّد

من بين مقتول وبين مشرد (٣)

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ٥٠٦.

٢ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ١٠١ ـ ١٠٢.

٣ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ١٠١ ـ ١٠٢.

٣٢٤

وقد رثي الاِمام الثائر بقصائد كثيرة لوجمعت لكانت كتاباً مفرداً ونكتفي في المقام بما جادت به قريحة سيدنا العلامة الأمين نقتطف منه ما يلي :

لقد لامني فيك الوشاة وأطنبوا

وراموا الذي لم يدركوه فخُيّبوا

أرقتَ وقد نام الخلي ولم أزل

كأنّي على جمر الغضى أتقلّب

عجبت وفي الأيام كم من عجائب

ولكما فيها عجيب وأعجب

تفاخَرنا قوم لنا الفخر دونها

على كل مخلوق يجيء ويذهب

وما سائني إلا مقالة قائل

إلى آل مروان يضاف وينسب

(صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهدياً على الجذع يصلب)

فإن تصلبوا زيداً عناداً لجده

فقد قتُلت رسل الاِله وصلّبوا

وإنّا نعد القتل أعظم فخرنا

بيوم به شمس النهار تحجب

فما لكم والفخر بالحرب إنّها

إذا ماانتمت تنمى إلينا وتنسب

هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى

إذا غاب منهم كوكب بان كوكب

كفاهم فخاراً أنّ أحمد منهم

وغيرهم أن يدَّعوا الفخر كذبوا (١)

__________________

١ ـ زيد الشهيد : ٧٨.

٣٢٥
٣٢٦

القسم الثاني :

وإليك مجمل ما فيه من فصول :

الفصل الأوّل : عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد وهم بين داع وإمام.

الفصل الثاني : أصحاب الانتفاضة.

الفصل الثالث : أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن.

الفصل الرابع : أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان.

الفصل الخامـس : الدولة الزيدية في المغرب.

الفصل السادس : الأعلام المجتهدون من الزيدية.

الفصل السابع : شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة.

الفصل الثامن : فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد.

الفصل التاسع : في عقائد الزيدية.

الفصل العاشر : في أُمور متفرقة.

٣٢٧
٣٢٨

الفصل الأوّل

عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد

وهم بين داع وإمام

إنّ ثورة زيد بن علي كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الأموية وساعدت على إزالتهم عن أديم الأرض ، وقد استغلّها العباسيون في تنظيم حركتهم لاِقامة دولتهم وقد تركت ثورته في القلوب محبّة للثائر ومن حبا حبوه بشكل قلّ نظيره ، حتى أنّ يحيى بن زيد لما أُطلق سراحه اتّخذ الخراسانيون من قيد قدميه فصوصاً لخواتيمهم ، يتبركون بها ، وهذا يدلّ على عمق تأثير ثورة زيد في قلوب المسلمين. ولاِيقاف القارىَ على الأحداث التي وقعت بعد ثورته ، نذكر الذين نهجوا منهجه وساروا على دربه ، أخذوا بزمام الثورة وقادوها ، واحداً بعد الآخر ، وإليك أسماءهم أوّلاً ، ثم الاِدلاء بحياتهم وثورتهم ، ثانياً :

١ ـ يحيى بن زيد ، الذي اشترك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.

٢ ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن المعروف بالنفس الزكية المستشهد عام ١٤٥ هـ ، خرج بالمدينة مطالباً بإرجاع الحقوق إلى أصحابها الشرعيين ، وكان محمد

٣٢٩

قد شارك في ثورة زيد بن علي ولما فشلت عاد إلى المدينة ، وسيوافيك أنّ يحيى بن زيد قد فوّض الأمر إلى النفس الزكية.

٣ ـ لما قتل محمد بن عبد اللّه قام أخوه إبراهيم بن عبد اللّه في نفس العام في البصرة ، التحق به أنصار زيد بن علي ، لمواصلة القتال من جديد. إلى أن قضى عليه أبو جعفر المنصور في نفس العام.

٤ ـ ولما قتل محمد بن عبد اللّه ، مضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس وبعث المنصور من اغتاله بالسم وقام ولده إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن مقامه ، وأسّس دولة الأدارسة في المغرب. ذكر تفصيله المسعودي في مروج الذهب (١) وسيوافيك الكلام فيه في محلّه.

٥ ـ عيسى بن زيد بن علي ، أخو يحيى بن زيد ، وقد توارى بعد ثورة أخيه فمات متوارياً عام ١٦٦ هـ.

٦ ـ محمد بن إبراهيم (طباطبا) ، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضا من آل محمد وكانت له أتباع وغلب على بلاد العراق وهزمت جيوش المأمون التي أُرسلت للقضاء عليه ، وصلت سيطرة ابن طباطبا إلى الحجاز حتى أنّ الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي المعروف بـ « الأفطس » دعا له بالمدينة ، وتوفي عام ١٩٩ هـ.

٧ ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي ، وكان أبو السرايا قائداً عاماً لجيشه وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.

لما توفي محمد بن إبراهيم (طباطبا) هرب أخوه القاسم بن إبراهيم (طباطبا)

__________________

١ ـ المسعودي مروج الذهب : ٣ / ٢٩٦ ، قال : وقد أتينا على خبرهم عند ذكرنا بخبر عبيد اللّه صاحب المغرب ، وبنائه المدينة المعروف بالمدينة.

٣٣٠

إلى الهند وتوفي هناك عام ٢٥٤ هـ فعاد ابنه الحسين بن القاسم إلى اليمن ، وعند ذلك تواصلت قيادة الثورة بابنه الآخر أعني :

٨ ـ محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، فقد ظهر في الطالقان عام ٢١٩ هـ ودعا إلى الرضا من آل محمد ، ولكن أُلقي القبض عليه فجيء به إلى المعتصم فسجن.

٩ ـ يحيـى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، خرج بالكوفه عام ٢٥٠ هـ غير أنّ ثورته فشلت.

١٠ ـ يحيى بن الحسين بن القاسم ، المعروف بالزاهد وقد دعا لنفسه بصعده وبويع للاِمامة عام ٢٨٨ هـ.

ثم إنّ الاِمام يحيى بن الحسين أسس دولة زيدية باليمن وقامت بالاِمامة واحد بعد الآخر وكلّهم من أبناء القاسم إلى أن أُقصيت الزيدية عن الحكم في اليمن بحلول الجمهورية ، وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة ١٣٨٢ هـ ، وسيوافيك أسماء أئمتهم إلى المنصور باللّه محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين. في محلّه.

١١ ـ قامت دولة زيدية أُخرى في طبرستان بين ٢٥٠ ـ ٣٦٠ هـ.

وفي عام ٢٥٠ هـ ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب في طبرستان أيام المستعين ، واستطاع السيطرة على طبرستان وجرجان بعد قتال مرير ضد محمد بن طاهر أمير خراسان وتوفي عام ٢٧٠ هـ.

١٢ ـ قـام مقامه أخوه محمد بن زيد ودخل بلاد الديلم عام ٢٧٧ هـ وامتلكها وتمت بيعة رافع له.

٣٣١

وفي عام ٢٨٧ هـ سار محمد بن زيد نحو خراسان للاستيلاء عليها ، فاصطدم بإسماعيل الساماني المتوفى عام ٢٩٥ هـ ومات متأثراً بجراحه.

١٣ ـ ثم ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن علي المعروف بـ « الأطروش » وقد كان يدعو الناس إلى الاِسلام على مذهب زيد بن علي ، وكانوا على دين المجوسية فاستجابوا له واستطاع عام ٣٠١ ، أن يستولي على طبرستان والديلم إلى أن وافته المنية عام ٣٠٤ هـ.

١٤ ـ وجاء بعده الحسن بن القاسم (الملقب بالداعي) بن الحسن بن علي ابن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط.

١٥ ـ وقام مقامه محمد بن الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط المتوفى سنة ٣٦٠ هـ.

هذه جدولة موجزة وضعتها أمام القارىء للثائرين المشهورين ، وإلاّ الثوار الداعون إلى منهج الاِمام زيد أكثر من ذلك ، وقد ذكر الاِمام الأشعري منهم اثنين وعشرين نفراً كلّهم من العلويين ، حيث ضرجوا بدمائهم ، أو أُقصوا من ديارهم ، لاِرجاع العدالة والدين إلى الساحة الاِسلامية ، ولعلّ بين قرّاء الكتاب من له رغبة في الوقوف على أسماء الجميع ، ـ ولذلك ـ نذكر نصّ الشيخ الأشعري بتلخيص.

قائمة الثائرين بعد زيد الشهيد :

قال الأشعري : هذا ذكر من خرج من آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر أوّلاً خروج أبي الشهداء الحسين بن علي عليهما‌السلام ، ثم خروج زيد بن علي على وجه التفصيل ، وأوجز الكلام فيما يأتي ، أعني بهم :

٣٣٢

١ ـ يحيى بن زيد ...

٢ ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، ذو النفس الزكية.

٣ ـ إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، أخو محمد.

٤ ـ الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، قتيل فخ.

٥ ـ يحيى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي ، صار إلى الديلم.

٦ ـ محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى خرج بـ « تاهرت ».

٧ ـ محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي.

٨ ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

٩ ـ إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ـ قدس‌سره ـ خرج مرة باليمن وبالعراق أُخرى.

١٠ ـ محمد بن القاسم من ولد الحسين بن علي ، بخراسان ، خرج ببلدة يقال لها طالقان.

١١ ـ محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الملقب بـ « الديباج » لحسن وجهه ، خرج داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ، فلما مات محمد بن إبراهيم دعا لنفسه.

١٢ ـ الأفطس خرج بالمدينة داعياً لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ، فلما مات محمد بن إبراهيم دعا إلى نفسه.

١٣ ـ علـي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ، خرج في خلافة المعتصم.

١٤ ـ الحسن بن زيد بن الحسن بن علي أبي طالب ، خرج بطبرستان في سنة ٢٥٠ هـ.

٣٣٣

١٥ ـ وخرج بقزوين ، الكوكبي وهو من ولد الأرقط ، واسمه : الحسن بن أحمد بن إسماعيل ، من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب.

١٦ ـ وخرج بالكوفة أيام المستعين ، أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

١٧ ـ وخرج في أيامه أيضاً ، الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد اللّه من ولد الحسين بن علي.

١٨ ـ خرج بسواد الكوفة أيام فتنة المستعين ، ابن الأفطس.

١٩ ـ وخرج بسواد المدينة سنة ٢٥٠ هـ ، إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم من ولد الحسن بن علي فغلب عليها وتوفي عام ٢٥٢ هـ.

٢٠ ـ خلف أخوه محمد بن يوسف وجاء به أبو الساج ، وقتل كثيراً من أصحابه وهرب محمد فمات في هربه.

٢١ ـ خرج بالكوفة في آخر أيام بني أُمية ، عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، وحاربه عبد اللّه بن عمر فغادر الكوفة عازماً إلى فارس ، فمات فيها.

٢٢ ـ وخرج صاحب البصرة وكان يدّعى أنّه علي بن محمد بن علي بن عيسى ابن زيد بن علي وأنصاره الزنج وغلب على البصرة سنة ٢٥٧ هـ وقتل سنة ٢٧٠ هـ.

٢٣ ـ وخرج بأرض الشام المقتول على الدّكة ، فظفر به المكتفي باللّه بعد حروب ووقايع كانت (١).

والنسبة بين ما ذكرناه وما ذكره الأشعري عموم وخصوص من وجه ، وهو

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٧٥ ـ ٨٥.

٣٣٤

بعد لم يذكر الثائر الطائر الصيت يحيى بن الحسين الذي أقام الدولة في اليمن ، كما ترك بعض الثائرين الموَسسين للدولة في طبرستان.

والجدير بالدراسة ، هو البحث عن الحافز أو الحوافز التي كانت تدفع هوَلاء الأماثل الأشراف نحو القتال في الساحة ، فكانوا يرون بأُم أعينهم ، أنّه لا يقوم واحد منهم إلاّ ويقتل أو يسجن ويعذّب بألوان العذاب ، ومع ذلك كانوا يبادلون هدوء الحياة وملاذّها بالشهادة في المعارك ، والصلب على المشانق ، وقتل الأولاد والأصحاب ، ونهب الأموال.

وهذه هي النقطة الحساسة في حياة العلويين التي تحتاج إلى دراسة معمقة بحياد ورحابة صدر وبما أنّ موسوعتنا ، موسوعة تاريخ العقائد ، لا تاريخ الشخصيات والحوادث ، نرجىء البحث عنها إلى آونة أُخرى ، وفي نهاية المطاف نقول : يُقسّم الثائرون بعد زيد الشهيد إلى أصناف أربعة :

١ ـ أصحاب الانتفاضة : الذين قاموا بوجه الظلم ، بعد استشهاد زيد في أقطار مختلفة وعلموا أنّ أعواد المشانق نصب أعينهم وكان نصيبهم من القيام هو الشهادة ، وإيقاظ الأمّة وأداء الواجب من دون أن يوَسّسوا دولة في قطر من الأقطار ، وإنّما كانت أعمالهم أشبه بما يعبر عنها اليوم بالانتفاضة.

الذين ساروا على درب الاِمام زيد وصار التوفيق نصيبهم ، فأسّسوا دولة في قطر من الأقطار امتدت قرناً أو قروناً ، وهوَلاء عبارة عن :

٢ ـ أئمة الزيدية في اليمن : ابتداءً بالاِمام يحيى بن الحسين الذي قام بالأمر عام ٢٨٤ هـ وتوفي عام ٢٩٨ هـ ، وانتهاءً بحياة المنصور باللّه محمد البدر الذي أُزيل عن الحكم بقيام الجمهورية عام ١٣٨٢ هـ.

٣ ـ أئمة الزيدية في طبرستان : ابتداءً من الحسن بن زيد بن محمد بن

٣٣٥

إسماعيل الذي قام بالحكم وأسّس الدولة سنة ٢٥٠ هـ وانتهاءً بمحمد بن الحسن ابن القاسم الذي توفي سنة ٣٦٠ هـ.

٤ ـ دعاة الزيدية في المغرب : ابتداءً بإدريس بن عبد اللّه المحض وانتهاء بأحد احفاده ، وسيوافيك تفصيله.

فنذكرهم على وجه التفصيل في فصول :

٣٣٦

الفصل الثاني

أصحاب الانتفاضة

استشهد زيد بن علي ـ رضي اللّه عنه ـ وهو في طريق دعوته إلى كسح
الظلم ونشر العدل ، وأشعل فتيل الثورة وبقيـت نارها بعـد استشـهاده
متأجّجـة بين أولاده وأصحابه ، بيد كابر بعد كابر. وإليك مَن نهج منهاجه :

١

يحيى بن زيد بن علي

(١٠٧ ـ ١٢٥ هـ)

هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأُمّه « ريطة » بنت أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية ، وإيّاها عنى أبو ثميلة الآبار بقوله :

فلعل راحم أُمّ موسى والذي

نجّاه من لجج خضمّ مزبد

سيسرُ « ريطة » بعد حزن فوَادها

يحيى ، ويحيى في الكتائب يرتدي

وأُمّ « ريطة » هي بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، أُمّها ابنة المطلب بن أبي وادعة السهمي.

شرف تتابع كابر عن كابر

كالرمح انبوب على انبوب

٣٣٧

وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني ثورته واستشهاده على وجه مبسط ، وجاء الجزري باختصاره في الكامل ونذكر نصّ الثاني :

لمّا قتل زيد بن علي ودفنه يحيى ابنه ، سار بعد قتل أبيه ، إلى خراسان ، فأتى « بلخ » فأقام بها عند الحريش بن عمرو بن داود حتى هلك هشام ، وولي الوليد بن يزيد. فكتب يوسف بن عمر إلى « نصر » بمسير يحيى بن زيد وبمنزله عند الحريش ، وقال له : خذه أشد الأخذ ، فأخذ « نصر » الحريش ، فطالبه بيحيى ، فقال : لا علم لي به. فأمر به فجلد ستمائة سوط. فقال الحريش : واللّه لو أنّه تحت قدمي ما رفعتهما عنه. فلما رأى ذلك قريش بن الحريش قال : لا تقتل أبي وأنا أدلّك على يحيى ، فدلّه عليه ، فأخذه « نصر » وكتب إلى الوليد يُخبره ، فكتب الوليد يأمره أن يوَمِّنه ويخلّي سبيله وسبيل أصحابه. فأطلقه « نصر » وأمره أن يلحق بالوليد وأمر له بألفي درهم ، فسار إلى « سرخس » فأقام بها ، فكتب « نصر » إلى عبد اللّه بن قيس بن عباد يأمره أن يسيّره عنها ، فسيّره عنها ، فسار حتى انتهى إلى « بيهق » ، وخاف أن يغتاله يوسف بن عمر فعاد إلى نيسابور ، وبها عمرو بن زرارة ، وكان مع يحيى سبعون رجلاً ، فرأى « يحيى » تجاراً ، فأخذ هو وأصحابه دوابهم وقالوا : علينا أثمانها ، فكتب عمرو بن زرارة إلى « نصر » يخبره ، فكتب « نصر » يأمره بمحاربته ، فقاتله عمرو ، وهو في عشرة آلاف ويحيى في سبعين رجلاً ، فهزمهم يحيى وقتل عمراً وأصاب دواب كثيرة وسار حتى مرّ بهرات فلم يعرض لمن بها وسار عنها.

وسرّح « نصر بن سيار » سالم بن أحْوز في طلب يحيى ، فلحقه بالجوزجان فقاتله قتالاً شديداً ، فرُمي يحيى بسهم فأصاب جبهته ، رماه رجل من عَنَزة يقال له عيسى ، فقُتل أصحاب يحيى من عند آخرهم وأخذوا رأس يحيى وسلبوه قميصه.

فلمّـا بلغ الوليد قتل يحيى ، كتب إلى يوسف بن عمر : خذ عُجَيْل أهل العراق فأنزله من جذعه ، ـ يعني زيداً ـ ، وأحرقه بالنار ثم انسفه باليمّ نسفاً. فأمر

٣٣٨

يوسف به فأُحرق ، ثم رضّه وحمله في سفينة ثم ذرّاه في الفرات.

وأمّا يحيى فإنّه لما قتل صلب بالجوزجان ، فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم الخراساني واستولى على خراسان ، فأنزله وصلّى عليه ودفنه وأمر بالنياحة عليه في خراسان ، وأخذ أبو مسلم ديوان بني أُمية وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى ، فمن كان حياً قتله ، ومن كان ميتاً خلفه في أهله بسوء (١).

وقال السيد المدني في شرح الصحيفة :

« لما قتل أبوه زيد بن علي ، خرج يحيى حتى نزل بالمدائن ، فبعث يوسف بن عمر في طلبه ، فخرج إلى الريّ ثم إلى نيسابور من خراسان ، فسألوه المقام بها فقال : بلدة لم تُرفع فيها لعلي وآله راية لا حاجة لي في المقام بها ، ثم خرج إلى « سرخس » وأقام بها عند يزيد بن عمر التميمي ستة أشهر ، حتى مضى هشام بن عبد الملك لسبيله ، وولى بعده الوليد بن يزيد فكتب إلى « نصر بن سيار » في طلبه فأخذه ببلخ وقيّده وحبسه ، فقال عبداللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لما بلغه ذلك:

أليس بعين اللّه ما تفعلونه

عشية يحيى موثق بالسلاسل

كلاب عوت لا قدّس اللّه سرها

فجئن بصيد لايحـل لآكل

وكتب نصر بن سيار إلى يوسف بن عمر ، يخبره بحبسه وكتب يوسف إلى الوليد ، فكتب الوليد إليه بأن يحذره الفتنة ويخلّى سبيله فخلّى سبيله وأعطاه ألفي درهم وبغلين ، فخرج حتى نزل الجوزجان (٢) فلحق به قوم من أهلها ومن الطالقان ، زهاء خمسمائة رجل ، فبعث إليه « نصر بن سيار » ، سالم بن أحور فاقتتلوا

__________________

١ ـ أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : ١٠٣ ـ ١٠٨ ، والجزري : الكامل : ٥ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٢ ـ الجوزجان : بزاي بين الجيمين المفتوحتين : كورة واسعة من كور بلخ بخراسان.

٣٣٩

أشد قتال ثلاثة أيام حتى قتل جميع أصحاب يحيى وبقي وحده فقتل عصر يوم الجمعة سنة خمس وعشرين ومائة ، وله ثماني عشرة سنة ، وبعث برأسه إلى الوليد ، فبعث به الوليد إلى المدينة ، فوضع في حجر أُمه « ريطة » فنظرت إليه ، وقالت : شردتموه عنّي طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلاً ، صلوات اللّه عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً.

فلمّا قتل عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس ، مروان بن محمد بن مروان ، بعث برأسه حتى وضع في حجر أُمّه فارتاعت. فقال : هذا بيحيى بن زيد ، وكان الذي احتز رأس يحيى بن زيد ، سورة بن أبحر ، وأخذ العنبري سلبه ، وهذان أخذهما أبو مسلم المروزي فقطع أيديهما وأرجلهما وصلبهما. ولاعقب ليحيى بن زيد (١).

هذا ما يذكره الموَرّخون وقد كان ليحيى عند الاِمام الصادق عليه‌السلام مكانة عالية ، وقد استشهد ولم يكمل العقد الثاني من عمره الشريف حيث تولد عام ١٠٧ هـ واستشهد في عام ١٢٥ هـ ولما سمع الاِمام الصادق شهادته وصلبه حزن حزناً عظيماً ومن كلامه في حقّ يحيى فيما بعد قال : « إنّ آل أبي سفيان قتلوا الحسين ابن علي صلوات اللّه عليه فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام ، زيد بن علي فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد ، يحيى بن زيد رحمه‌الله فنزع اللّه ملكه » (٢).

أمّا أعلام الاِمامية فقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الاِمام الصادق عليه‌السلام وقال : يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدني ، ومن غرائب الكلام عدّه من أصحاب الكاظم عليه‌السلام مع أنّه ولد عام ١٢٨ هـ بعد ثلاثة سنين من استشهاد يحيى بن زيد.

__________________

١ ـ السيد علي خان المدني : رياض السالكين : ١ / ٦٩ ـ ٧٠.

٢ ـ المجلسي : البحار : ٤٦ / ١٨٢ ح ٤٦.

٣٤٠