بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

١٦ ـ روى الكليني عن الحسن بن الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ أذن في هلاك بني أُمية بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيام » (١).

١٧ ـ روى أيضـاً عن أبـي هاشـم الجعفري قـال : سـألـت الرضا عن المصلوب؟ فقال : « أما علمت أنّ جدي صلّـى على عمه » (٢).

١٨ ـ روى الكشـي في ترجمة السيـد الحميري عن فضيل الرسان ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه‌السلام بعد ماقتل زيد بن علي عليه‌السلام فادخلت بيتاً في جوف بيت ، وقال لي : « يا فضيل ، قتل عمي زيد بن علي؟ » قلت : نعم جعلت فداك ، فقال : « رحمه‌الله ، أما إنّه كان موَمناً وكان عارفاً وكان عالماً ، وكان صدوقاً ، أما إنّه لو ظفر لوفى ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها ، قلت : ياسيدي ألا أُنشدك شعراً؟ قال : « أمهل » ثم أمر بستور فسدلت ، وبأبواب فتحت ، ثم قال : « أنشد » فأ نشدته :

لأمّ عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامها بلقع (٣)

هذه نماذج مما ورد عن أئمة أهل البيت حول جهاد زيد واستشهاده ، ولو ضمت إليها ما ورد عنهم من المدائح حال حياته وقبل ميلاده ، مما تقدم لما بقي شك في أنّ ثائر أهل البيت كان رجلاً مثالياً متقياً ، عادلاً ، مخالفاً لهواه ، لايهمه سوى تجسيد الاِسلام بين الورى ، وتبديد هياكل الظلم والطغيان.

يقول السيد المقرم ـ بعد نقل الأحاديث المادحة ـ : « على ضوء هذه

____________

١ ـ الكليني : الكافي : ٨ / ١٦١.

٢ ـ الكليني : الكافي : ٣ / ٢١٥.

٣ ـ الكشي : الرجال : ٢٤٢ برقم ١٣٣ ، وذكر قسماً من عينية السيد الحميري المعروفة.

٢٠١

الأحاديث الكريمة نعرف من الحقيقة أنصعَها ويتجلّـى من أعماق الأصداف لوَلوَها ، وانّ تلك الشخصية الشامخة على سبب وثيق من معادن الحقّ ، وذات كرامة قدسية تهبط من الملأ الأعلى ، وأنّ الأئمّة الهداة يتفألون من غرة تلك النهضة الهاشمية أن يعود الحقّ إلى نصابه ، وهي القوة التي تتحطم بها هياكل الباطل وتعقد عليها الآمال ، وهي التي أظهرت مظلومية الأئمّة ، ومثّلت للملأ أحقيتهم بالخلافة ، من غيرهم ذوي الأطماع وأرباب الشهوات ، وانكشف لنا بكل وضوح امتثاله أمر الاِمام في نقض دعائم الاِلحاد وتبديد جيش الظلم والباطل ، وتفريق جماهير الشرك وأحزاب الضلال ، وعبدة المطامع والأهواء ، خصوصاً إذا قرأنا قول الباقر عليه‌السلام : « ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه » وقول الصادق عليه‌السلام : « إذا دعاكم فأجيبوه وإذا استنصركم فانصروه » وقوله : « أشركني اللّه في تلك الدماء » وقوله عندما سئل عن مبايعته : « بايعوه » وقوله : « خرج على ما خرج عليه آباوَه » وقوله : « برىَ اللّه ممن تبرّأ من عمي زيد ». فإنّ هذه الأحاديث تدلنا على أنّه لم يقصد إلاّ إصلاح أُمّة جده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يدع إلاّ إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة.

وهناك جملة أُخرى من الأحاديث حكت لنا مقايسة الاِمام عليه‌السلام شهادة زيد بالشهداء الذين استشهدوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي والحسين عليهما‌السلام وقد استشهد هنالك رجال كانت لهم منازل عالية ومقامات رفيعة يغبطهم عليها جميع الشهداء ، وقد نال زيد بذلك التشبيه والمقايسة تلك المراتب العاليه وحاز ذلك الشرف الباهر ، فحقيق إذاً إذا قال الباقر عليه‌السلام في دعائه : « اللهم أُشدد أزري بزيد » ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يأتي زيد وأصحابه يوم القيامة يتخطّون رقاب الناس غُرّاً محجلين يدخلون الجنّة بغير حساب ، وكانوا فرحين مسرورين بما أُوتي لهم من النعيم الدائم » (١).

__________________

١ ـ المقرم : زيد الشهيد : ٥٩.

٢٠٢

الفصل الحادي عشر

الخط الثوري

المدعَم من قبل أئمة أهل البيت

كان الاِمام الصادق عليه‌السلام يعيش في جو مفعم بالمراقبة والملاحقة من جانب الحكومة الأموية وكانت عيون النظام ترصده عن كثب وترفع تقارير عن حياته اليومية إلى العاصمة ، ولأجل ذلك كان الاِمام يتجنب عن التظاهر بأية ثورة ضد النظام إذ نتيجة ذلك هو إلقاء القبض على الاِمام ، وإنهاء حياته ، وإطفاء نور الاِمامة والقضاء على الجامعة العلمية التي أسسها الاِمام في عاصمة الاِسلام وربّى في حجره وحضنه مئات المفسرين والمحدثين وقد أعاد بذلك ، السنّة النبوية والأحكام الشرعية إلى الساحة الاِسلامية بعد اندراسها ، كما فعل أبوه الاِمام الباقر عليه‌السلام كذلك ، وفي القضاء على حياته أو الحيلولة بينه وبين الأمّة خسارة كبرى لا تجبر بشهادته.

ومن جانب آخر ، كان خروج زيد الثائر مورد الرغبة من الاِمام فكيف لا يرضى بذلك وهو يثير المسلمين ضد النظام ويحرضهم على تقويضه وقلبه ، وهي خطوة كبرى للمنية العظيمة.

٢٠٣

وبملاحظة هذين الأمرين يعلم أنّه لم يكن للاِمام بد من الاِبهام في الكلام بشكل تفهم البطانة موقفه من استشهاده ويتحيّر الأجانب فيه ، وهذا هو السبب لوجود الاِبهام والاِعجام في كلامه.

ففي موقف يبكي على عمّه ويسيل دموعه على خديه ، وتبكي من كانت وراء الستار من الهاشميات ، يُعرِّف عمّه شهيداً ويعرّف الشهداء في موكبه كالشهداء الذين أراقوا دماءهم مع رسول اللّه وعلي والحسين عليهم‌السلام وربما يزيد على ذلك ويقول : « إنّ الباكي على زيد معه في الجنّة والشامت له شريك في دمه » إلى غير ذلك من الاِطراء والثناء على عمّه والذين استشهدوا في طريقه (١).

وفي موقف آخر يتظاهر بالابتعاد عن خروج زيد واستشهاده ، فكل من يرد عليه من الكوفة يسأله عن عمه ويكرر السوَال ، وكأنّه لم يكن مطلعاً عما جرى عليه من المصائب ، كل ذلك كان ضرباً من التدبير للاِمام عليه‌السلام فأي رضى أولى من دعائه على الحكيم بن عباس الذي أنشأ شعراً في حقّ زيد ، وقال :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهدياً على الجذع يصلب

فرفع الصادق عليه‌السلام يديه إلى السماء وهما ترتعشان ، وقال : « اللهم إن كان عبدك كاذباً فسلط عليه كلبك » (٢).

إنّ بقاء الاِسلام رهن دعامتين :

الأولى : التعليم والتربية وتثقيف الأمّة ووعيها وتعليم الكتاب والسنة وغير ذلك مما يرجع إلى الثقافة الاِسلامية العامة.

الثانية : إصلاح المجتمع والحفاظ على البيئة وتفويض الأمر إلى صلحاء

__________________

١ ـ أُنظر إلى الروايات الواردة تحت « عنوان موقف الأئمّة من استشهاده » في هذا الجزء.

٢ ـ مضى مصدره في ص ١٩٧ ، الرواية السادسة ، فراجع.

٢٠٤

الأمّة الذين عليهم تجسيد الاِسلام في الساحة الاجتماعية ولايتم ذلك إلاّ بالكفاح ضدَّ الظالمين وإبادتهم وتسليم الأمر إلى صلحاء الأمّة.

وكانت المصالح الزمنية تفرض الأمر الأوّل على عاتق الاِمام الصادق عليه‌السلام إذ كان هو عالم الأمّة وراعيها ، والواقف بأسرار الكتاب والسنّة ، ولولاهما لما قامت هذه الدعامة وسقطت يومذاك ، وأمّا الدعامة الثانية فكان على عاتق زيد الثاثر ، والثائرون بعده على خط الاِمام زيد كيحيى بن زيد ، وعيسى بن زيد ، والحسين بن زيد ، ومحمد بن زيد (دون الحسنيّين الذين ثاروا في عصر العباسيين) وكانوا هم القائمون بهذه الفريضة فكيف يمكن للاِمام أن يُخطّئهم من صميم ذاته لذلك يرى أنّه يصف الزيدية ، وقاء ، ويقول لأصحابه : كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنّه لا يصبكم أمر تخصون به أبداً ولا تزال الزيدية لكم وقاءً أبدا (١).

إنّ بعض المتحمسين من الشبان في عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام كانوا يفرضون عليه أن يودع زيداً عند الوفود إلى العراق ، ويدعو له ويتظاهر بدعم نضاله وجهاده وعندما بلغه استشهاده ، يعلن الحداد العام ويجلس في بيته للعزاء وما أشبه ذلك ، لكن كانت هذه أفكاراً فوضوية تختمر في صدور أُناس لم يكن لهم إلمام بالظروف المحدقة بالاِمام ، فما قام به الاِمام من السير بين الخطين كان هو الموَمّن لحياته ، ونضاله العلمي وخدماته المشكورة ولم يكن القضاء على حياة الاِمام الصادق عليه‌السلام وجامعته العلمية عند الخلفاء أشد من القضاء على حياة زيد الثائر.

وفي نهاية المطاف نقول : لم يكن قيام زيد وخروجه أقل قيمة من خروج المختار الثائر ، نرى أنّ الاِمام علي بن الحسين وعمه محمد بن الحنفية والهاشميات يخرجون من حدادهم على الاِمام الحسين عليه‌السلام عندما

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ٢ / باب التقية ، الحديث ١٣.

٢٠٥

بعث المختار بروَوس الخونة وقتلة الاِمام الحسين عليه‌السلام حتى أنّ الاِمام السجاد عليه‌السلام يخر ساجداً ويعد عمل المختار مشكوراً ، فأين المختار من زيد الثائر وإن كان عمل الجميع مشكوراً.

ومع أنّ الاِمام الصادق عليه‌السلام قام بمواقف مشكورة في عيال زيد ، ومن أُصيب معه ، ولكن لما كان المتطرفون غير راضين بهذا الحد ، وكانوا يطلبون من الاِمام نضالاً باهراً مثل زيد ، فقاموا بوجه الاِمام عليه‌السلام في مواقف عديدة لم تكن محمودة ، ولو نرى في بعض الأحاديث أنّ الاِمام يتبرّأ من الزيدية فإنّما تبرّأ من المتطرفين غير العارفين بالمواقف الصحيحة في تلك الأيام الخطيرة لا من زيد الثائر ، ولا المستشهدين بين يديه ولا المقتفين أثره بعد استشهاده ، عارفين بواجباتهم وواجبات أئمة أهل البيت ، وبذلك تقدر على فهم الروايات الواردة في ذم بعض الزيدية فليس الذم راجعاً إلى زيد الطاهر ، ولا إلى المقتفين أثره في ميدان النضال ، ولا إلى مجيبيه بل راجع إلى المتطرفين المنتمين إليه ، وكان هو ـ قدّس اللّه سرّه ـ بريئاً عنهم. فلنذكر بعضها إيقافاً للقارىء بمفادها :

١ ـ عن عمر بن يزيد قال : سألته عن الصدقة على النصَّاب وعلى الزيدية؟ فقال : « لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من استطعت » وقال : « الزيدية هم النصاب » (١).

٢ ـ قد كان من المعروف أنّ الاِمام من كان عنده سلاح رسول اللّه ومتاعه وكان ذلك كلّه عند الاِمام الصادق عليه‌السلام كما سنذكر ، وقد كان ذلك الأمر ثقيلاً على بعض الزيدية ، فكانوا يحاجون الاِمام الصادق عليه‌السلام وينكرون وجود السلاح ومتاع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده ويقولون : إنّه عند عبد اللّه بن الحسن المثنى.

__________________

١ ـ الحر العاملي : وسائل الشيعة : ٦ / كتاب الزكاة ، الباب ٥ من أبواب المستحقين ، الحديث ٥ ، لاحظ التهذيب : ٤ / ٥٤ ، الحديث ١٢.

٢٠٦

روى الكليني عن سعيد السمان ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه‌السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية ، فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال : فقال : « لا » (١) ، قال : فقالا له : قد أخبرنا عنك الثقات إنك تفتي ، وتقر وتقول به (بأنّ فيكم إماماً مفترض الطاعة) ونسمّيهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذب ، فغضب أبو عبد اللّه عليه‌السلام فقال : « ما أمرتهم بهذا » (بوجود إمام مفترض الطاعة) فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا ، فقال لي : « أتعرف هذين؟ » قلت : نعم هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيدية ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه عند عبد اللّه بن الحسن ، فقال : « كذبا لعنهما اللّه واللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه. اللّهم إلاّ أن يكون رآه عند علي بن الحسين عليه‌السلام ... » (٢).

ترى أنّ موقف الرجلين أمام الاِمام الصادق عليه‌السلام هو موقف أخذ الاِقرار منه بإمامة زيد ومن بعده وتكذيب إمامته وقيادته وأنّه ليس عنده سلاح رسول اللّه ولا متاعه فلم يكن بد من الاِمام عليه‌السلام من التعرض عليهم.

والذي يدلّ على ذلك ما رواه الكليني عن إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن علي بن الحسين عليه‌السلام عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما حضر علي بن الحسين الوفاة قبل ذلك أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده قال : يا محمد احمل هذا الصندوق. قال : فحمل بين أربعة فلما توفي جاء إخوته يدعون [ ما ] في الصندوق ، فقالوا : أعطنا نصيباً من الصندوق ، فقال : واللّه مالكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليّ ، فكان في الصندوق سلاح رسول اللّه وكتبه (٣).

__________________

١ ـ قاله عليه‌السلام تقية أو تورية اتّقاء شرهما.

٢ ـ الكليني : الكافي : ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، كتاب الحجّة ، باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول اللّه ومتاعه.

٣ ـ الكافي : ١ / ٣٠٥ ، كتاب الحجّة ، باب الاِشارة والنص على أبي جعفر عليه‌السلام ، الحديث ١.

٢٠٧

وفي رواية أُخرى : التفت علي بن الحسين إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده ، ثم التفت إلى محمد بن علي ، فقال : « يامحمد هذا الصندوق ، اذهب به إلى بيتك ، قال : أما إنّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً » (١).

٣ ـ روى الكليني عن عبد اللّه بن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ لي جارين أحدهما ناصب ، والآخر زيدي ولابد من معاشرتهما فمن أُعاشر؟ فقال : « هما سيّان ، من كذَّب بآية من آيات اللّه فقد نبذ الاِسلام وراء ظهره ، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين » قال : ثم قال : « إنَّ هذا نصب لكم ، وهذا الزيدي نصب لنا » (٢).

فكما أنّ المتشابه من الآيات تردّ على المحكمات وتستوضح بها ، فهكذا الخبر المتشابه يفسر بالمحكم منه ، فأين استرحامه لعمه وبكاءه عليه ، ودعاءه على شاعر السوء ، من هذه التعرضات والنقاشات ، فتحمل الطائفة الثانية ، على المتطرفين غير العارفين بمقام الاِمام الصادق عليه‌السلام مضافاً إلى أنّ في مضمونهما من القرائن المثبتة. فلاحظ.

الخط الثوري الثابت لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

كان لزيد عند الاِمام الصادق عليه‌السلام ، حساب خاص لا يعدل به إلى غيره ، ويفضّله على الهاشميين ويتلقاه عالماً صدوقاً ، غير متجاوزٍ عن طريق الحقّ وكان يعلن على أصحابه ، أنّه لو ظفر لوفى بما نوى ودعا إليه ، ولأجل ذلك ليس من البعيد أن يقال إنّه كان مأذوناً من قبل الاِمام سراً كما نقله شيخنا المجلسي (٣)

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ١ / ٣٠٥ ، كتاب الحجّة ، باب الاِشـارة والنـص على أبي جعفر عليه‌السلام ، الحديث ٢.

٢ ـ الكليني : الكافي : ٨ / ٢٣٥ ، برقم ٣١٤.

٣ ـ المجلسي : مرآة العقول : ١ / ٢٦١.

٢٠٨

ويكفي في المقام ما يرويه الكليني : عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام : « فانظروا على أي شيء تخرجون ولاتقولوا خرج زيد ، فإنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم ، إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام فنحن نشهدكم أنّا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم » (١).

ولم يكن له ذلك الموقف مع الحسنيّين الذين خرجوا ، بعد زيد وابنه يحيى ، وصاروا أئمة للزيدية للفرق الواضح بين زيد وابنه ، وبين بني عبد اللّه بن الحسن ، أعني :

١ ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالنفس الزكية خرج بالمدينة لليلتين بقيتا من جمادي الآخرة من سنة خمسة وأربعين ومائة وقتل في شهر رمضان تلك السنة قتله أبو جعفر المنصور.

٢ ـ إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، خرج بالبصرة وقتل هناك في نفس السنة التي قتل فيها أخوه محمد بن عبد اللّه ، وأُخذ رأسه وحمل إلى أبي جعفر المنصور ودفن بباخمرى.

وسيوافيك ترجمتهم في القسم الثاني من الكتاب.

والذي يعرب عن ذلك ما رواه أبو الفرج في كتابه عن عبد اللّه بن محمد بن علي ، قال : إنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم :

١ ـ إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس.

٢ ـ وأبو جعفر المنصور.

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ٨ / ٢٦٤ ، برقم ٣٨١.

٢٠٩

٣ ـ وصالح بن علي.

٤ ـ وعبد اللّه (١) بن الحسن بن الحسن بن علي.

٥ ـ ومحمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي.

٦ ـ وإبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي.

٧ ـ ومحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان.

فقال صالح بن علي : قد علمتم أنّكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم ، وقد جمعكم اللّه في هذا الموضع ، فاعقدوا بيعة لرجل منكم ، تعطونه إياها من أنفسكم وتوافقوا على ذلك ، حتى يفتح اللّه وهو خير الفاتحين.

فحمد اللّه عبد اللّه بن الحسن وأثنى عليه ثم قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي فهلم لنبايعه.

وقال أبو جعفر : لأيّ شيء تخدعون أنفسكم ، واللّه لقد علمتم ما الناس إلى أحدٍ أصور (٢) أعناقاً ، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ، يريد به محمد بن عبد اللّه (٣) ، قالوا : قد واللّه صدقت ، إنّ هذا الذي نعلم ، فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده.

قال عيسى (٤) : وجاء رسول عبد اللّه بن الحسن إلى أبي : أن أئتنا ، فإنّا مجتمعون لأمر ، وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد عليه‌السلام.

وقال غير عيسى : إنّ عبد اللّه بن الحسن قال لمن حضر : لاتريدوا جعفراً فإنّا

__________________

١ ـ وعبد اللّه بن الحسن كان أكبر سناً من الاِمام الصادق عليه‌السلام وكان من مواليد عام سبعين من الهجرة.

٢ ـ أصور : بمعنى (أميل) كما في مكان آخر من مقاتل الطالبيين ص ٢٥٧ وفي الاِرشاد (أطول).

٣ ـ أُنظر إلى هذا الخداع السياسي والنفاق المبطن فيصوره المنصور في هذا المجلس بما سمعت ، ثم بعد تصدّره منصّة الحكم يقتله.

٤ ـ عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي.

٢١٠

نخاف أن يفسد عليكم أمركم.

قال عيسى بن عبد اللّه بن محمد : فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له؟ فجئتهم فإذا بمحمد بن عبد اللّه يصلي على طنفسة رجل مثنية فقلت لهم : أرسلني أبي إليكم أسألكم لأيّ شيء اجتمعتم؟ فقال عبد اللّه : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد ابن عبد اللّه.

قال : وجاء جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فأوسع له عبد اللّه بن الحسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه.

فقال جعفر عليه‌السلام : « لاتفعلوا فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبد اللّه ـ أنّ ابنك هذا هو المهدي فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً للّه وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنّا واللّه لاندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر » (١).

فغضب عبد اللّه بن الحسن ، وقال : لقد علمتُ خلاف ما تقول ، [ واللّه ما أطلعك على غيبه ] ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.

فقال : « واللّه ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناوَهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العباس (٢) ، ثم ضرب بيده على كتف عبد اللّه بن الحسن ، وقال : « إنّها واللّه ما هي إليك ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهم ، وإن ابنيك لمقتولان ». ثم نهض فتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال : أرأيت صاحب الرداء الأصفر ـ يعني أبا جعفر ـ؟ فقال له : نعم ، قال : قال : « إنّا واللّه نجده يقتله » قال له عبد العزيز : أيقتل محمداً؟ قال : « نعم » ، فقلت في نفسي : حسده ورب الكعبة ، ثم قال : واللّه ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.

____________

١ ـ بما أنّه أمير الجهاد ، لا إمام الفقه والاجتهاد ولا الاِمام المفترض الطاعة.

٢ ـ إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس.

٢١١

قال : فلمّا قال جعفر عليه‌السلام ذلك ونهض القوم وافترقوا ، تبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا : يا أبا عبد اللّه أتقول هذا؟ قال : « نعم أقوله واللّه وأعلمه » (١).

قال أبو الفرج : وحدثني علي بن العباس المقانعي قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن نجاد العابد قال : كان جعفر بن محمد عليهما‌السلام إذا رأى محمد بن عبد اللّه بن الحسن تغرغرت عيناه ثم يقول : « بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه ، وإنّه لمقتول ، ليس هو في كتاب علي عليه‌السلام من خلفاء هذه الأمّة » (٢).

والاِمعان في هذه الرواية يعرب عن أمرين :

الأوّل : أنّ محمد بن عبد اللّه اتّخذ موقفاً غير موقف زيد بن علي ، حيث إنّ عبد اللّه بن الحسن يريد أن يصف ، ابنه بأنّه هو المهدي الموعود كما قال : اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد اللّه ولم يردّه ابنه وكأنّه قبله.

فيردعه الاِمام بقوله : « إنّ ابنك هذا ليس هو المهدي ولا أخاه ».

ولكنّه رافقهم إذا خرجوا مثلما خرج زيد وقال مخاطباً أباه : « وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً للّه وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنّا واللّه لا ندعك وأنت شيخنا ، ونبايع ابنك في هذا الأمر ».

ولما كان كلام الاِمام مخالفاً لما يهواه عبد اللّه غضب عليه وقال : واللّه ما أطلعك على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.

ورغم هذا الموقف الجافي كيف يمكن للاِمام عليه‌السلام أن يرافقهم ،

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٢٠٦.

٢ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٢٠٨ ، الاِرشاد : ٢٩٤.

٢١٢

ويوَيدهم ، ويساندهم ، ولكنّه في نهاية المجلس تنبأ بما وجده في الكتب الموروثة ، أنّ محمد بن عبد اللّه وأخاه يقتلان ويكون الرابح هو أبو جعفر المنصور صاحب الرداء الأصفر ، وقد وقع ما وقع ، ورآه الناس حسب ما أخبر به الاِمام.

وبذلك يعرف مفاد الأحاديث التي ترفض عمل الزيدية في العصور اللاحقة لحركة زيد فلا يرفض زيداً ، ولا ابنه يحيى ولاثورته ونضاله ، وإنّما يرفض أتباعه في العصور بعد استشهاده حيث كانوا يعاندون أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ونذكر منها ما يلي :

١ ـ روى الشيخ الطوسي عن عبد الملك أنّه قال لأبي عبد اللّه : قلت : فإنّ الزيدية تقول ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلاّ أنّه لا يرى الجهاد ، فقال : « إنّي لا أرى!! بلى واللّه إنّي لا أراه ولكنّي أكره أن أدع علمي إلى جهلهم » (١).

٢ ـ روى الكليني عن عبد الملك بن أعين قال لأبي عبد اللّه عليه‌السلام : إنّ الزيدية والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد اللّه (٢) فهل له سلطان؟ فقال : « واللّه إنّ عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي وملك يملك الأرض لا واللّه ما محمد بن عبد اللّه في واحد منهما » (٣) وبذلك يعلم مفاد سائر الأحاديث (٤) فلاحظ.

وحصيلة البحث أنّ الخط الرائج لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام بالنسبة للثورات والانتفاضات التي تحققت على يد الحسينيين والحسنيين إنّما كان هو خط العدل والاقتصاد.

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ٥ / ١٩ ، باب من يجب عليه الجهاد : الحديث ١ ، ٢.

٢ ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي الملقب بالنفس الزكية من أئمة الزيدية.

٣ ـ الكليني : الكافي : ١ / ٢٤٢ باب ذكر الصحيفة ، رقم ٧.

٤ ـ لاحظ الكافي : ٧ / ٣٧٦ ، كتاب الديات باب فيما فيه نصاب من البهائم ، الحديث ١٧.

٢١٣

فلو كان الحافز عند الثائر هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاِنكار على الظلم والعدوان ، وتخليص المجتمع الاِسلامي من الفساد والدمار فالاِمام الصادق عليه‌السلام ومن بعده كانوا يوَيدون ذلك العمل ، ويكون الثائر حينئذ مأذوناً من قبل الاِمام وتأخذ الثورة لنفسها صفة المشروعية.

وأمّا إذا كان الحافز عند الثائر إلى الثورة هو دعوة الناس إلى إمامة نفسه ، وادّعاء الخلافة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّه ـ والعياذ باللّه ـ المهدي الموعود فلا يكون هناك أيّ مبرر لموافقتهم ومساندتهم.

٢١٤

الفصل الثاني عشر

موقف علماء الشيعة

من جلالة ووثاقة زيد الشهيد

إنّ موقف علماء الشيعة الاِمامية نفس موقف النبي وعترته الطاهرة عليهم‌السلام وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ كلماتهم في حقه :

١ ـ قال المفيد : كان عين إخوته بعد أبي جعفر عليه‌السلام وأفضلهم ، وكان ورعاً ، عابداً فقيهاً ، سخياً ، شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويطلب بثارات الحسين عليه‌السلام (١).

٢ ـ وقال النسابة أبو الحسن علي بن محمد العمري : كان زيد أحد سادات بني هاشم فضلاً وفهماً خرج أيام هشام الأحول ابن عبد اللّه (٢) فقتل وصلب ست سنين ، وقيل أُحرق وذري في الفرات ـ لعن اللّه ظالميه ـ (٣).

٣ ـ وقال الطبرسي : إنّ زيداً كان من علماء آل محمد ، غضب للّه فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله (٤).

__________________

١ ـ الاِرشاد : ٢٦٨ ، ط النجف.

٢ ـ والظاهر عبد الملك.

٣ ـ المجدي في الأنساب : ١ / ١٥٦.

٤ ـ أُنظر : رياض العلماء : ٢ / ٣٣٨.

٢١٥

٤ ـ وقال ابن داود : زيد بن علي بن الحسين قتل سنة إحدى وعشرين ومائة ، وله اثنتان وأربعون سنة شهد له الصادق عليه‌السلام بالوفاء وترحم له (١).

٥ ـ قال الشهيد الأوّل في القواعد : وجاز أن يكون خروجهم بإذن إمامٍ واجب الطاعة كخروج زيد بن علي عليه‌السلام وغيره من بني علي عليه‌السلام (٢).

٦ ـ قال الشيخ عبد اللّه الأفندي التبريزي : السيد الجليل الشهيد أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين ، إمام الزيدية وكان سيداً كبيراً عظيماً في أهله وعند شيعة أبيه ، ولكن اختلفت الأخبار وتعارضت الآثار بل كلام العلماء الأخيار أيضاً في مدحه وقدحه ، والروايات في فضله كثيرة ، وقد ألّف جماعة من متأخري علماء الشيعة ومتقدميهم كتباً عديدة مقصورة على ذكر فضائله كما يظهر من مطاوي كتب الرجال ومن غيرها أيضاً.

ومن المتأخرين ميرزا محمد الاسترآبادي فله رسالة في أحوال زيد بن علي. هذا وأورد فيه كلام المفيد في الاِرشاد بتمامه ، ونقل فيها أيضاً ما رواه الطبرسي في أعلام الورى ، وما رواه ابن طاووس في ربيع الشيعة ونحوهما ، وبالجملة فقد أورد فيها روايات كثيرة في مدحه.

قال بعض أفاضل السادات المعاصرين ضوعف قدره في أوائل شرح الصحيفة : هو أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام أُمّه أُمّ ولد كان جمّ الفضائل عظيم المناقب ، وكان يقال له : حليف القرآن. روى أبو نصر البخاري عن أبي الجارود ، قال : قدمت المدينة ، فجعلت كلّما سألت عن زيد بن علي. قيل لي : ذلك حليف القرآن. ذاك أُسطوانة المسجد من كثرة صلاته.

__________________

١ ـ ابن داود : الرجال : ١ / ١٠ (ذكره في القسم الأوّل الذي خصّه بالموثوقين بخلاف القسم الثاني فقد خصّه بالمجروحين والمهملين).

٢ ـ القواعد : ٢ / ٢٠٧ (ضمن القاعدة : ٢٢١).

٢١٦

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في آخر رسالته المعمولة في إثبات وجود القائم عليه‌السلام : الآن أيضاً إنّا معشر الاِمامية لا نقول في زيداً ـ رضي اللّه عنه ـ إلاّ خيراً وكان جعفر الصادق عليه‌السلام قد قال لأصحابه : « إنّ زيداً يتخطّى يوم القيامة أهل المحشر حتى يدخل الجنّة » والروايات عن أئمتنا في هذا المعنى كثيرة (١).

٧ ـ قال الكاظمي : اتّفق علماء الاِسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله ، وقد روي في ذلك أخبار كثيرة حتى عقد ابن بابويه في العيون باباً لذلك (٢).

٨ ـ قال المحدّث النوري : وأمّا زيد بن علي فهو عندنا جليل القدر عظيم الشأن ، كبير المنزلة ، وما ورد مما يوهم خلاف ذلك مطروح أو محمول على التقية (٣).

٩ ـ قال المحقّق المامقاني : إنّي أعتبر زيداً ثقة وأخباره صحاحاً اصطلاحاً بعد كون خروجه بإذن الصادق عليه‌السلام لمقصد عقلائي عظيم وهو مطالبة حقّ الاِمامة إتماماً للحجّة وقطعاً لعذرهم بعدم مطالب له وقول جمع فيه بالاِمامة بتسويل الشيطان مع نفيه إياها من نفسه ، وإثباته إياها لابن أخيه الصادق لا يزري فيه كعدم إزراء نسبة القائلين بإمامته إليه أحكاماً فقهية مخالفة للحق (٤).

١٠ ـ وقال المحقّق الخوئي : وقد استفاضت الروايات غير ما ذكرناه في مدح زيد وجلالته وأنّه طلب بخروجه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ إلى أن قال : ـ وإنّ استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في أسنادها (٥).

__________________

١ ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء : ٢ / ٣١٨ ، وقد ترجم زيد بن علي ترجمة وافية ، طالع هذا الجزء ص ٣١٨ ـ ٣٥٢.

٢ ـ راجع تكملة الرجال : ٣٥٢ ، تنقيح المقال : ١ / ٤٦٧.

٣ ـ المستدرك : ٣ / ٥٩٩.

٤ ـ تنقيح المقال : ١ / ٤٦٩ ، ٤٧٠.

٥ ـ معجم رجال الحديث : ٧ / ٣٤٧ ـ ٣٤٩.

٢١٧

ثم إنّه أفرد غير واحد من أعلام الاِمامية تأليفاً في زيد وفضله ومآثره ، فمنهم :

١ ـ إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي (م ٢٨٣ هـ) له كتاب أخبار زيد.

٢ ـ محمد بن زكريا مولى بني غلاب (م ٢٩٨ هـ) له أخبار زيد.

٣ ـ عبد العزيز بن يحيى الجلودي (م ٣٦٨ هـ) له أخبار زيد.

٤ ـ محمد بن عبد اللّه الشيباني (م ٣٧٢ هـ) له كتاب فضائل زيد.

٥ ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر القمي (م ٣٨١ هـ) له كتاب في أخباره.

٦ ـ ميرزا محمـد الاسترابـادي صاحب الرجـال الكبير (م ١٠٢٨ هـ) لـه رسالة في أحوال زيد.

٧ ـ السيد محسن الأمين العاملي أحد كبار علماء الاِمامية في القرن الرابع عشر (م ١٣٧٣ هـ) له كتاب أبو الحسين زيد الشهيد وقد طبع في الشام.

٨ ـ السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم ، له كتاب زيد الشهيد وفي ذيله كتاب تنزيه المختار ، وقد طبع عام ١٣٥٥ هـ.

هذه كلمات علماء الشيعة الاِمامية في حقّ زيد وليس هناك من الشيعة الاِمامية من يبغضه أو يذمّه ولو ورد فيه روايات ذم فإنّما هي مطروحة أو موَوّلة لاتعادل ماتواترت عليه من الروايات الدالة على وثاقته ، وجلالة قدره فمن أراد رمي الشيعة الاِمامية بغير هذا فهو كذاب يُعدُّ من رماة القول على عواهنه.

نعم بعدما خرج زيد ، وجاهد وناضل وقتل وصلب وأُحرق اتّخذه أعداء الشيعة ذريعة للطعن على إمام الوقت جعفر الصادق عليه‌السلام وتوهم بعض الشيعة أنّ الاِمام من قام ونهض وجاهد ، دون غيره وهذا لا صلة له بزيد الثائر.

وبذلك تقف على قيمة كلام رجلين يُعدّان من رماة القول على عواهنه :

أحدهما : أحمد بن تيمية في كتاب « منهاج السنّة ».

ثانيهما : الآلوسي البغدادي.

٢١٨

قال ابن تيمية : إنّ الرافضة رفضوا زيد بن علي بن الحسين ومن والاه ، وشهدوا عليه بالكفر والفسوق (١).

وقال الآلوسي : الرافضة مثلهم كمثل اليهود ، الرافضة يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ بل يسبونهم كزيد بن علي (٢).

أقول : إنّ الرافضة ـ حسب تسمية الآلوسي ـ يقتفون أثر أئمتهم في كل صغيرة وكبيرة ، فإذا كان هذا موقف أئمتهم فكيف يمكن للشيعة التخطّي عنه ، والعجب أنّ الكاتبين كتبا ماكتبا ولم يرجعا إلى معاجم الرجال للشيعة وقد أطبقت معاجمهم على تزكيته وترفيع مقامه وتبجيله بكل كلمة.

بين أُباة الضيم وحماة الذل :

لم أجد أحداً ممن كتب عن زيد ، وكفاحه وجهاده الرسالي الذي عرف به ، من القدامى والجدد من يغمطه حقه ويزدري به ، ويتكلم فيه بهمز أو لمز ، غير الكاتب السلفي : الشيخ شمس الدين الذهبي ، ومع أنّه يصف زيداً بأنّه كان أحد العلماء والصلحاء ، لكنّه يصف جهاده سقطة وزلّة يقول في موضع من كتبه : « بدت منه هفوة فاستشهد ، فكانت سبباً لرفع درجته في آخرته » (٣) وفي كتاب آخر : « خرج متأوّلاً ، قتل شهيداً وليته لم يخرج » (٤).

__________________

١ ـ ابن تيمية : منهاج السنة : ٢ / ١٢٦.

٢ ـ السنة والشيعة : ٥٢.

٣ ـ تاريخ الاِسلام : حوادث (١٢١ ـ ١٤١ هـ) ص ١٠٥. انظر إلى التناقض في كلامه إذ لو كان خروجه زلّة فكيف صار سبباً لرفع درجته في الآخرة.

٤ ـ سير أعلام النبلاء : ٥ / ٣٩١.

٢١٩

أقول : ما ذكره شنشنة أعرفها من كل سلفي يرى الجهاد والكفاح على الظلم والعدوان ، أمراً محرّماً ، والحياة مع الظالمين ومهادنتهم أمراً مشروعاً وسعادة ، فهم حماة الذلّ ، ودعاة الهوان ، وأين هم من أُباة الظلم والضيم.

ومن أُصول الطائفة الأولى : الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم ، من عدل أو جور ، ولا يخرج عليهم بالسيف وإن جاروا (١) وماذكره على طرف الخلاف مع ما حدّثه السبط الشهيد عن جده رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك عندما اقترب من الكوفة استقبله الحر بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثاً من الوالي عبيد اللّه ابن زياد لاِكراه الحسين على إعطاء البيعة ليزيد ، وإرساله قهراً إلى الكوفة ، فعند ذلك قام الاِمام وخطب بأصحابه وأصحاب الحُرّ بقوله : أيّها الناس إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من رآى سلطاناً جائراً مستحلاً حُرَمَ اللّه ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه ، يعمل في عباده بالاِثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على اللّه أن يُدخله مدخله ، ألا وإنّ هوَلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام اللّه ، وحرّموا حلاله ... » (٢).

كيف يكون جهاده هفوة ، مع أنّ الرسول الأعظم تنبّأ به وأثنى عليه عندما نظر يوماً إلى زيد بن حارثة وبكى وقال : المظلوم من أهل بيتي ، سميّ هذا ، المقتول في اللّه ، المصلوب من أُمتي سميّ هذا ، ثم قال : ادنُ منّي يازيد ـ زادك اللّه حباً عندي ـ بإنّك سميّ الحبيب من ولدي (٣). وقد بكى الوصي وأبكى ، أفيصح العزاء والبكاء على السقطة والزلة.

__________________

١ ـ أبو الحسين الملطي : التنبيه والرد : ١٥.

٢ ـ الطبري : التاريخ : ٤ / ٣٠٤.

٣ ـ أخرجه السيوطي في الجامع الكبير كما في الروض النضير : ١ / ١٠٨.

٢٢٠