بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

محمد إلى ابنه إبراهيم المعروف بالاِمام ، وأوصى إبراهيم إلى أخيه عبد اللّه بن الحارثية الملقب بالسفاح ، وأوصى هو إلى أخيه عبد اللّه أبي جعفر الملقب بالمنصور ، وانتقلت في ولده بالنص والعهد واحداً بعد آخر إلى آخرهم ، وهذا مذهب الهاشمية القائمين بدولة بني العباس ، وكان منهم : أبو مسلم وسليمان بن كثير وأبو سلمة الخلاّل وغيرهم من شيعة العباسية وربما يعضدون ذلك بأنّ حقهم في هذا الأمر يصل إليهم من العباس ، لأنّه كان حياً وقت الوفاة وهم أولى بالوراثة بعصبيّة العمومة (١).

والجدير بإلفات نظر القارىَ هو قول ابن خلدون : « وربما يعضدون ذلك بأنّ حقهم في هذا الأمر يصل إليهم من العباس » فإن ظاهره أنّ العباسيين يعضدون الكيسانية ويروجونها إذ من ذلك الطريق يصلون إلى شرعية حكمهم (٢).

وفي الختام نأتي بكلمتين للشيخ المفيد ، قال :

١ ـ أنّ جميع ما حكيناه من اعتقادات القوم ، أمر حادث ألجأ القوم إليه الاضطرار ، عند الحيرة ، وفراقهم الحقّ ، والأصل المشهور ما حكيناه من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم ـ محمد الحنفية ـ بعد أخويه والقطع على حياته وأنّه القائم (وأمّا غير هذا القول فقد حدث بعد زمن ، ألجأهم الاضطرار إليه).

٢ ـ انقرضت الكيسانيـة حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلاّ ما يحكى ولا تُعرف صحته ، ويقول في مورد آخر : « إنّ الكيسانية في وقتنا هذا لا بقية لهم ولا يوجد عدد منهم ، يقطع العذر بنقله ، بل لا يوجد أحد منهم يدخل في جملة أهل العلم بل لا نجد أحداً منهم جملة ، وإنّما تقع مع الناس الحكاية عنهم خاصة (٣).

____________

١ ـ ابن خلدون : المقدمة : ١ / ٢٥٠ ، طبع دار الفكر ، بيروت.

٢ ـ لاحظ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٤٠ ـ ٤١.

٣ ـ الشيخ المفيد : الفصول المختارة : ٢٩٧ ـ ٣٠٥.

٤١

حول سائر فرق الشيعة

قد ذكر أصحاب المقالات للشيعة فرقاً بصورة عامة وللزيدية والاِمامية بصورة خاصة ، أمّا فرق الزيدية فسوف نتناولها في مستقبل الكتاب ونثبت أنّ زيداً الثائر لم يكن إماماً في العقائد ولافقيهاً صاحب منهج في الفقه ولم يكن له أي ادّعاء في ذينك المجالين حتى يكون إماماً في أحدهما ويشكل فرقة خاصة باسم الزيدية ، نعم بعدما قتل زيد في المعركة وأدّى واجبه تفرّق أصحابه إلى فرق ومذاهب لاتمت بالثائر بصلة ، فانتماء الفرق الزيدية إلى اتباع زيد الصق بهم من زيد ـ رضي اللّه عنه ـ وسيوافيك التفصيل في محله.

إنّما الكلام عن الفرق التي ذكروها فرقاً للاِمامية وقد كبّروها وعدّوها خمس عشرة فرقة وهي :

١ ـ الكاملية ٢ ـ المحمدية ٣ ـ الباقرية ٤ ـ الناووسية ٥ ـ الشمطية ٦ ـ العماريـة ٧ ـ الاِسماعيليـة ٨ ـ المباركية ٩ ـ الموسوية ١٠ ـ القطعيـة ١١ ـ الاثنا عشرية ١٢ ـ الهشامية ١٣ ـ الزرارية ١٤ ـ اليونسية ١٥ ـ الشيطانية (١).

وهوَلاء الذين ذكرهم البغدادي تبعاً للأشعري ، وتبعهما الاِسفرائيني في كتابه « التبصير في الدين » والشهرستاني في « الملل والنحل » والرازي في « اعتقادات المسلمين والمشركين » تدور بين الصحيح والمختلق ، فإنّ كثيراً منها فرق في عالم

__________________

١ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٣٥٠.

٤٢

الوهم والخيال نسجها مناوئوا أهل البيت لتشويه سمعة الشيعة الاِمامية ، ولنأتي بنموذج عنها وهم الفرق الأربعة الأخيرة ، أعني : الهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية فإنّك لا ترى أثراً من هذه الفرق في كتب الشيعة الاِمامية.

أمّا الأولى : أي المنسوبة إلى هشام بن الحكم فمختلقة ، فإنّ هشام بن الحكم من متكلّمي الشيعة الاِمامية وبطانتهم وممّن دعا له الاِمام الصادق عليه‌السلام فقال : « ماتزال موَيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».

قال الشهرستاني : هذا هشام بن الحكم صاحب غور في الأصول لا يجوز أن يُغفل عن إلزاماته على المعتزلة ، فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون مايُظهره من التشبيه!! وذلك أنّه ألزم العلاّف (١).

سيوافيك أنّ ما نقله عنه من التشبيه يرجع إلى زمن شبابه قبل اتصاله بالاِمام الصادق عليه‌السلام ويعتبر الرجل بخواتيم أعماله ومعتقداته.

يقول أحمد أمين : أكبر شخصية شيعية في الكلام وكان جداً قوي الحجّة ، ناظر المعتزلة وناظروه ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقة تدلّ على حضور بديهته وقوة حجّته.

إنّ الشيخ الأشعري قد أطنب الكلام عنه وذكر له عقائد خرافية في تجسيمه سبحانه وعطف عليه هشام بن صادق الجواليقي واشتراكهما في التجسيم ومضاعفاته (٢) وذكره البغدادي بنفس النص مع تلخيص (٣) ، وتبعهما من جاء بعدهما كالشهرستاني غير أنّ هوَلاء لابتعادهم عن التعرّف برجال الشيعة لم يعرفوا هشام بن الحكم حقّ المعرفة واشتبه عليهم الأمر ، فإنّ هشام كان بداية أمره من

__________________

١ ـ الشهرستاني : الملل والنحل : ١ / ١٨٥.

٢ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ١ / ٣١ ـ ٣٤.

٣ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٦٥ ـ ٦٩.

٤٣

تلامذة أبي شاكر الديصاني صاحب النزعة الاِلحادية ، ثم تبع جهم بن صفوان الجبري المتطرف المقتول بـ « ترمذ » عام ١٢٨ هـ ، ولما التحـق بالاِمـام الصادق عليه‌السلام ودان بمذهب الاِمامية ترك ما كان يعتقد به من تجسيم وتشبيه فقد تطبعت عقليته على معارف أهل البيت إلى حد كبير ، ولا يخفى على إنسان ملمّ بالحديث والكلام أنّ التنزيه شعار أهل البيت عليهم‌السلام ولقد كفانا الشيخ عبد اللّه نعمة في رسم حياة هشام رسماً واقعياً منزّهاً عن كل رأي مفتعل (١).

وأمّا الثانية : أعني الزرارية فهذه الفرقة المختلقة منسوبة إلى زرارة بن أعين من أجلاّء تلاميذ الاِمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام. يقول النجاشي في حقه : شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلماً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين (٢) وقد ذكرنا له ترجمة ضافية طبعت في مقدمة مسنده ، مات رحمه‌الله عام ١٥٠ هـ ، ولم يكن له أي شطح في العقيدة أو اعوجاج في الفكر ، وإنّما كان يسير على ضوء إماميه الباقر والصادق عليهما‌السلام وقد أثنيا عليه بجمل ضافية ، ومسنده المطبوع لأصدق دليل على براءته في الكلام واضطلاعه في الفقه.

نعم أنّ الضغائن والحقد على هذا المتكلّم وعلى من سبقه ـ هشام بن الحكم ـ دفع المخالفين على رميهم بالانحراف الفكري ، قال البغدادي : ومنهم الزرارية أتباع زرارة بن أعين الرافضي ، في دعواها حدوث جميع صفات اللّه عزّ وجلّ وإنّها من جنس صفات اللّه عزّ وجلّ وزعموا أنّ اللّه تعالى لم يكن في الأزل حياً ، ولاعالماً ولا قادراً ولا مريداً ولاسميعاً ، ولا بصيراً وإنما استحق هذه الأوصاف حين أحدث لنفسه حياة وقدرة وعلماً وأرادة وسمعاً وبصراً. (٣)

__________________

١ ـ لاحظ كتابه حياة هشام بن الحكم ، طبع بيروت.

٢ ـ النجاشي : الرجال : ١ / ٣٩٧ برقم ٤٦١. ولاحظ مقدمة الموَلّف على مسنده.

٣ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٢٣٠.

٤٤

ما عزى إليه ، نسبة مفتعلة ، والرجل ممّن برع في الفقه الأكبر والأصغر في أحضان الاِمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام وحاشا أنّ يقول مثله بحدوث الأوصاف الثبوتية للّه.

وأمّا الثالثة : فهي اليونسية المنسوبة إلى يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين بن موسى ، مولى بني أسد ، فقد كان حافظاً للحديث ، فقيهاً في الدين ، متكلّماً على مذهب أهل البيت. يقول النجاشي :

كان وجهاً في أصحابنا ، متقدماً ، عظيم المنزلة ، ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى جعفر بن محمد عليهما‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه ، وروى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما‌السلام ، وكان الرضا عليه‌السلام يشير إليه في العلم والفتيا له كتاب يوم وليلة وقد قال في حقّه الاِمام العسكري عليه‌السلام : « أتاه اللّه بكل حرف نوراً يوم القيامة » وكتب أُخرى ذكرها النجاشي (١).

وقد نسب إليه البغدادي من أنّه كان يقول : إنّ اللّه تعالى يحمله حملة عرشه وإن كان هو أقوى منها (٢).

وأمّا الرابعة : فهوَلاء يريدون من الشيطان ، محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي ، كوفي صيرفي يلقّب بـ « موَمن الطاق » و « صاحب الطاق » ، وإنّما لقبه المخالفون بشيطان الطاق ، وكان دكانه في طاق المحامل بالكوفة فيرجع إليه في النقد فيرد رداً فيخرج كما يقول فيقال شيطان الطاق. له كتاب الاحتجاج في إمامة أمير الموَمنين ، وكتاب رد فيه على الخوارج ، ومناظرات مع أبي حنيفة والمرجئة.

وقال ابن النديم : كان متكلماً حاذقاً. وله من الكتب : الاِمامة وكتاب المعرفة

__________________

١ ـ النجاشي : الرجال : ٢ / ٤٢١ ـ ٤٢٢.

٢ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٢٢٨ ، والنسبة مفتعلة ، والعدل والتنزيه من شعار أئمة أهل البيت ، وما نقل أشبه بكلام المجسّمة من الحنابلة والحشوية.

٤٥

وكتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول ، وكتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة (١).

نسب إليه البغدادي من أنّ اّللّه تعالى إنّما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها ، ولا يكون قبل تقديره الأشياء عالماً بها ، وإلاّ ما صحّ تكليف العباد (٢).

إنّ دراسة حياة هوَلاء الأكابر تشهد على أنّهم من حفاظ أحاديث أهل البيت ومن مقتفي آثارهم ، فعقيدتهم لاتختلف قدر شعرة مما كان عليه الاِمام الصادق والاِمام الكاظم عليهما‌السلام.

هوَلاء كانوا صواعق تنزل على روَوس المنافقين وتدمر أوكار أفكارهم ، فلم يجد الخصوم بدّاً من الازدراء بهم حتى لقّبوا بعضهم بالشيطانية تنابزاً بالألقاب.

نحن نسلم أنّ له رأياً فيما ترجع إلى الاستطاعة كما زعمها الأشعري في موَمن الطاق ومن تقدّمه (٣).

أفيصح أن يعد هوَلاء موَسّسين لفرق إسلامية بحجّة أنّ لهم رأياً في مسألة كلامه ولو صلح ذلك لبلغت عدد الفرق الاِسلامية المائة بل المئات ، إذ ما من مسألة كلامية إلاّ فيها خلاف بين علماء الكلام.

هذا ما يرجع إلى الفرق الأربعة التي ذكرها البغدادي في آخر الفرق للاِمامية ، ولنرجع إلى ماصدّر به فرق الاِمامية ونشرحها بالمشراط العلمي.

__________________

١ ـ ابن النديم : الفهرست : ٢٦٤ ، وأيضاً : ٢٥٨.

٢ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٧١.

٣ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٤٣.

٤٦

قالوا : منهم الكاملية :

يقول البغدادي : هوَلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل ، وكان يزعم بأنّ الصحابة قد كفروا بتركهم بيعة علي ، وكفر عليّ ، بتركه قتالهم ، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب صفين ، وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب ، وروى أنّه قيل : له ماتقول في الصحابة؟ قال : كفروا ، فقيل له : فماذا تقول في علي؟ فتمثل بقول الشاعر :

وما شر الثلاثة أم عمرو

بصاحبك الذي لا تصبحينا

وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنّه ضم إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير علي معهم ضلالتين أُخريتين.

إحداهما : قوله برجعته إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة.

الثانية : قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الأرض ، واستدلوا في ذلك بقول بشار في شعر له :

الأرض مظلمة والنار مشرقة

والنار معبودة مذ كانت النار (١)

يلاحظ عليه : بما ذكرنا في أوّل الفصل من أنّ عد فرقة من المذاهب الاِسلامية مشروط بوجود المقسم في القسم فلو لم يشم القسم رائحة المقسم فلا يصح عدّه قسماً منه ، فإنّ التشيع بالمعنى الاصطلاحي هو الاعتقاد بأنّ علياً عليه‌السلام هو المنصوب للقيادة بعد رحيل الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعنى ذلك لزوم متابعته والاقتفاء بأثره ، وأنّه الرجل الأمثل والأفضل بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان الرجل مبغضاً

__________________

١ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٥٤ ، والاِسفرائيني ، التبصير : ٣٥ ، تحقيق كمال يوسف الحوت.

٤٧

ومكفّراً لعلي وإن كان مكفّراً لسائر الخلفاء ، فهل يصح عدّه من الشيعة وعدّ مذهبه فرقة من فرق الشيعة الاِمامية؟!.

لا أدري ولا المنجم يدري ولا القراء يدرون!!

على أنّ الرجعة ليست بمعنى رجوع جميع الناس إلى الدنيا المستلزم لاِنكار البعث ، بل المقصود رجوع عدد قليل من الصلحاء والطواغيت عند ظهور المهدي عليه‌السلام ولعل عددهم لا يتجاوز عدد الأصابع ، وقد أوضحنا معناها في الجزء السادس من هذه الموسوعة (١).

ومنهم المحمدية :

هوَلاء ينتظرون محمد (النفس الزكية) بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ولا يصدّقون بقتله ولا بموته ، ويزعمون أنّه في جبل حاجز من ناحية نجد إلى أن يوَمل بالخروج ، وكان المغيرة بن سعيد العجلي مع ضلالاته في التشبيه يقول لأصحابه : إنّ المهدي المنتظر ، محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ابن علي ، ويستدل على ذلك بأنّ اسمه كاسم رسول اللّه واسم أبيه عبد اللّه كاسم أبي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمقوله في المهدي : « إنّ اسمه يوافق اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » فلما أظهر محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي دعوته بالمدينة واستولى على مكة والمدينة ، واستولى أخوه إبراهيم بن عبد اللّه على البصرة ، واستولى أخوهما الثالث ـ وهو إدريس بن عبد اللّه ـ على بلاد المغرب ، وكان ذلك في زمان الخليفة أبي جعفر المنصور فبعث المنصور إلى حرب « محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن » بعيسى بن موسى في جيش كثيف قاتلوا محمّداً بالمدينة وقتلوه في المعركة ، ثم أنفذ بعيسى بن موسى أيضاً إلى حرب « إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي » مع جنده ، فقتلواإبراهيم بباب حمرين على

__________________

١ ـ السبحاني : موسوعة بحوث في الملل والنحل : ٦ / ٣٦٣.

٤٨

الستة عشر فرسخاً من الكوفة ، ومات في تلك الفتنة إدريس بن عبد اللّه بن الحسن بأرض المغرب ، وقيل : إنّه سُمَّ بها ، ومات عبد اللّه بن الحسن بن الحسن والد أُولئك الاِخوة الثلاثة في سجن المنصور ، وقبره بالقادسية ، وهو مشهد معروف يزار (١).

يلاحظ عليه : من سبر تاريخ العلويين يذعن بأنّه كانت في عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام وأيام إمامته (١١٤ ـ ١٤٨ هـ) فكرتان تسودهم ، فمن معتقد بأن طريق إنقاذ الأمة الاِسلامية من أيدي الأمويين ثم العباسيين يكمن في الكفاح المسلّح ، إلى آخر بأنّ الظروف لاتسمح للكفاح المسلح وإنّما الواجب توعية الناس وتثقيفهم وتعليمهم وإعدادهم إلى الظرف المناسب.

وقد سلك زيد الثائر الدرب وفق المعتقد الأوّل ، وأعقبه أبناوَه : يحيى بن زيد وعيسى بن زيد ، ثم الحسنيون عامة ، ولذلك قام محمد بن إبراهيم بن الحسن المثنى بطرق هذا الباب وأثار ثورة مع إخوته كما عرفت ، ولم يكن له ولا لاِخوته أو غيره أي دعوة إلى شخصهم وإنّما فرضوا على أنفسهم إزالة الحكومة الجائرة ثم تفويض الأمر إلى الأليق والأمثل من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلى ضوء ذلك فلا يصح لنا عد ثائر على الظلم موَسساً لمذهب ومكوناً لفرقة ، وأمّا أنّ أمثال المغيرة بن سعيد من رجال العبث والفساد الذين استبطلوه بتعريفهم إيّاه للملأ على أنّه المهدي المنتظر فلا يمت إلى الثائر بصلة ، وقد تقدّم أنّ أئمة أهل البيت تبرّأوا من ابن سعيد وأذنابه عملاء الفسق والفساد.

ومنهم : الباقرية والجعفرية :

إنّ الاِمامية عن بكرة أبيهم يعتقدون بأنّ الأئمّة اثنا عشر خلفاء اللّه بعد وفاة

__________________

١ ـ البغداي : الفـرق بين الفـرق : ٥٧ ـ ٥٨ ، وقد بسط الكلام في هذه الفرقة الاِسفرائيني في التبصير : ٣٥ ـ ٣٦.

٤٩

الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ذكر الرسول الأكرم أسماءهم لخُلَّص أصحابه ، منهم جابر بن عبد اللّه الأنصاري وغيره (١) وقد تضافر عن الرسول حسب ما رواه أحمد في صحيحه أنّه يملك هذه الأمّة اثنا عشر خليفة كعدد نقباء بني إسرائيل (٢) وروى البخاري عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش » (٣) وروى مسلم عنه أيضاً يقول : سمعتُ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لا يزال الاِسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي : ماقال؟ فقال : كلّهم من قريش (٤).

إلى غير ذلك من الروايات الناصة على أنّ خلفاء الرسول اثنا عشر خليفة ، وقد ذكرنا متون الروايات في الجزء السادس من هذه الموسوعة (٥).

وقد اتفقت الاِمامية على أنّ محمداً الباقر وجعفراً الصادق عليهما‌السلام من الأئمّة الاثني عشر بلا ريب أو شك ، كما اتفقت الأمّة على فضلهما وجلالتهما بلا ريب أو شك.

قال ابن خلّكان : أبو جعفر محمد بن زين العابدين الملقب بـ « الباقر » أحد الأئمّة الاثني عشر في اعتقاد الاِمامية ، وهو والد جعفر الصادق ، كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر ، لأنّه تبقّر في العلم ، أي توسّع ، وفيه يقول الشاعر :

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبّى على الأجْبُلِ (٦)

__________________

١ ـ الحويزي : نور الثقلين : ١ / ٤١٤ ، في تفسير قوله تعالى : ( أطيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرسولَ ) (النساء ـ ٥٩).

٢ ـ أحمد بن حنبل ، المسند : ١ / ٣٩٨.

٣ ـ البخاري : الصحيح : ٩ / ١٠١ ، كتاب الأحكام الباب ٥١ (باب الاستخلاف)

٤ ـ مسلم : الصحيح : ٦ / ٣.

٥ ـ السبحاني : بحوث في الملل والنحل : ٦ / ٥٨ ـ ٦٢.

٦ ـ ابن خلّكان : وفيات الأعيان : ٤ / ١٧٤.

٥٠

وهذا هو الشهرستاني يعرف الاِمام جعفر الصادق عليه‌السلام بقوله : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة (١).

نعم كان الاعتقاد بظهور المهدي أمراً مسلماً بين المسلمين عامّة والشيعة خاصة ، وربما تطرأ الشبهة للعوام في حقّ بعض الأئمّة ، وقد نقل البغدادي أنّ من بين الشيعة من يقول : إنّ الاِمام الباقر هو المهدي المنتظر ، ويستدل بما روي عن النبي أنّه قال لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : « إنّك تلقاه فاقرئه مني السلام » وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة ، وكان قد عمي في آخر عمره ، وكان يمشي في المدينة ويقول : ياباقر ، ياباقر ، متى ألقاك؟ فمرّ يوماً في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبياً كان في حجرها ، فقال لها : من هذا؟ فقالت : هذا محمد ابن علي بن الحسين بن علي ، فضمه إلى صدره وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يابني ، جدّك رسول اللّه يقرئك السلام. ثم قال جابر : قد نعيت إلي نفسي ، فمات في تلك الليلة (٢).

وتبعه الاِسفرائيني في « التبصير » ، ونسبا إلى بعض الشيعة أنّهم اعتقدوا بأنّ المهدي المنتظر هو أبو جعفر الباقر عليه‌السلام وليس في كتب الشيعة من هذه الفرقة من أثر ، ولعله كانت هنا شبهة لبعض الناس فماتت الشبهة بموتهم.

ومنهم : الناووسية :

قال الأشعري : وهوَلاء يسوقون الاِمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي ، وأنّ أبا

____________

١ ـ الشهرستاني : الملل والنحل : ١ / ١٦٦.

٢ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٦٠.

٥١

جعفر نصّ على إمامة جعفر بن محمد ، وأنّ جعفر بن محمّد حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره ، وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمّى الناووسية ، لقبوا برئيس لهم يقال له : « عجلان بن ناووس » من أهل البصرة (١).

وفي الحور العين : إنّهم أتباع رجل يقال له « ناووس » وقيل : نسبوا إلى قرية ناووس (٢).

إذا تردّد أمر موَسس المذهب من أنّه هو « ناووس » أو ابنه عجلان ، أو شخص ثالث منسوب إلى « ناووس » يكون أولى بأن يشك الاِنسان في أصله وغاية ما يمكن أن يقال طروء شبهة لشخص أو شخصين في أمر المهدي فزعموا أنّه الاِمام الصادق عليه‌السلام لكن ماتت الشبهة بموت أصحابها ولايعد مثل ذلك فرقة ، غير أنّ حبّ أصحاب المقالات لتكثير فرق الشيعة أوّلاً ، وفرق المسلمين ثانياً لتجسيد حديث افتراق الأمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، جرّهم إلى عدّ هوَلاء فرقة.

والحاصل بما أنّه لم يذكر لهم دور في الحياة ، ولا حركة في المجتمع ، يظن أنّه حصلت شبهة في مسألة المهدي ، فزعم الرجل أنّه الاِمام الصادق وتبعه واحد أو اثنان ، ثم ماتت الفرقة بموت المشتبه فلا يعد مثل ذلك فرقة.

نحن نطلق الفرقة على جماعة لهم منهج في العقيدة أو مذهب في الفقه أو لهم دعايات وبلاغات وحركات في المجتمع.

إلى هنا لم نجد للشيعة الاِمامية فرقة صحيحة قابلة للذكر فهي بين خارجة عن الدين من رأس كالغلاة ، ومغمورة في أطباق الاِبهام كالكيسانية ، أو طارئة عليها الشبهة ولم يكتب لها البقاء إلاّ أياماً قلائل ، والمظنون أنّ الشيعة الاِمامية إلى عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام كانوا متماسكين غير منفصلين.

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٢٥.

٢ ـ الحاكم الجشمي : الحور العين : ١٦٢.

٥٢

قال الشهرستاني : إنّ الاِمامية متفقون في الاِمامة وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، ومختلفون في المنصوص عليه من أولاده ، إذ كانت له خمسة أولاد ، وقيل ستة : محمد وإسحاق وعبد اللّه وموسى وإسماعيل (١).

* * *

الفرق الواقعية للشيعة بعد رحيل الاِمام الصادق عليه‌السلام :

لقد عرفت أنّ جماهير الشعية كانوا متماسكين غير مختلفين ، ولو طرأت هناك شبهة فلواحد أو اثنين فلم تكن موَثرة على التحامهم.

نعم ، توفي الاِمام الصادق عليه‌السلام وكان الضغط على الشيعة شديداً وكان أبو جعفر المنصور ذلك الحاكم الطاغي يقتل العلويين بقسوة شديدة ، ففي هذه الظروف أي عام ١٤٨ هـ لبى الاِمام الصادق عليه‌السلام دعوة ربّه ولم يكن في إمكانه التصريح العام بالاِمام الذي بعده ، حتى أنّه لما مات أوصى إلى خمسة أشخاص منهم أبو جعفر المنصور ومنهم حاكم المدينة وثالثهم زوجته ، وبذلك جعل الأمر مخفياً على الأعداء. وعند ذلك نشأ اختلاف بين الشيعة وتفرّقوا إلى فرق ثلاث :

الأولى : السميطية :

قالوا بأنّ الاِمام هو محمد بن جعفر والاِمامة في ولده ، نسبت تلك العقيدة إلى رئيس لهم باسم يحيى بن سميط (٢) ولم يكتب البقاء لهذه الفرقة وليس لها رسم ولا اسم بين كتب الشيعة الذين هم أعرف بفرقهم.

__________________

١ ـ الشهرستاني : الملل والنحل : ١ / ١٦٧.

٢ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٢٧ ، البغدادي : الفرق بين الفرق : ٦١ ، الاِسفرائيني : التبصير : ٢٣.

وفي الحور العين : يحيى بن أبي شميط.

٥٣

الثانية : الفطحية :

وهم القائلون بإمامة الاثني عشر مع عبد اللّه الأفطح ابن الصادق عليه‌السلام يدخلونه بين أبيه وأخيه (الاِمام الكاظم عليه‌السلام) ، وعن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ أنّهم يدخلونه بين الكاظم والرضا عليهما‌السلام وقد كان أفطح الرأس ، وقيل : أفطح الرجلين ، وإنّما دخلت عليهم الشبهة مما رووا عن الأئمّة : الاِمامة في الأكبر من ولد الاِمام ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده جواب ، ولما ظهرت منه الأشياء التي لا ينبغي أنّ تظهر من الاِمام ، ثم إنّ عبد اللّه مات بعد أبيه بسبعين يوماً ، فرجع الباقون ـ الشذّاذ منهم ـ عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

وقد أسماهم أبو الحسن الأشعري بـ : « العماريـة » وقال : وأصحاب هذه المقالة منسوبون إلى زعيم منهم يسمى : عماراً ، ولعل المراد منه هو : عمار بن موسى الساباطي من روَساء الفطحية. قال : الشيخ الطوسي : عمار بن موسى الساباطي وكان فطحياً له كتاب كبير جيد معتمد (١).

الثالثة : الاِسماعيلية :

وربّما يعبر عنهم بالقرامطة : وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر ولما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت الاِمامة في ابنه محمد بن إسماعيل ، وهم فرقة كبيرة موجودة في العصر الحاضر.

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٢٧ ، والبغدادي : الفرق بين الفرق : ٦٢. والنوبختي : فرق الشيعة : ٦٨ ، والطوسي : الفهرست : برقم ٥٢٧.

٥٤

الرابعة : الواقفية :

إنّ الشيعة الاِمامية القائلة بإمامة الاثني عشر قالت بإنّ الاِمام بعد جعفر الصادق عليه‌السلام هو ابنه موسى بن جعفر عليه‌السلام ولهم على إمامته براهين وحجج مقنعة ، فلما توفي وقفت عدّة على إمامة موسى عليه‌السلام ولم يقولوا بإمامة ولده علي بن موسى الرضا عليه‌السلام.

قال الأشعري : وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنّهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره ، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعونهم بالممطورة ، وذلك أنّ رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن فقال له يونس : أنتم أهون عليّ من الكلاب الممطورة ، فلزمهم هذا النبز وربما يطلق عليهم : الموسوية (١).

هذه الفرق الأربعة ، السميطية ، الفطحية ، الاِسماعيلية والواقفية هي الفرق الواقعية للشيعة بعد الاِمام الصادق عليه‌السلام وقد هلكت جميعها ولم يبق منهم إلاّ الاِسماعيلية وأمّا النصيرية ، أعني : أصحاب محمد بن نصير الفهري ، فهم من الغلاة الذين لا يمتّون إلى الاِسلام والتشيع بصلة ، ظهرت في عصر الاِمام الهادي عليه‌السلام وهم أصحاب محمد بن نصير النميريّ وقيل فيهم غير ذلك ومثلهم المفوضة ببعض معانيها. بما أنّ نطاق هذا الجزء يضيق عن التبسط سنبحث عن هذه الفرق في مقدّمة الجزء الثامن المختص بالاِسماعيلية بفضل من اللّه تبارك وتعالى.

__________________

١ ـ الأشعري : مقالات الاِسلاميين : ٢٨ ـ ٢٩.

٥٥
٥٦

الفصل الثاني

حياة زيد

في عصر الأئمّة الثلاثة عليهم‌السلام

بَخَس الموَرخون حقوق آل البيت جميعاً ، وحقوق زيد الثائر الشهيد خصوصاً ولم يذكروا من أحواله شيئاً كثيراً ، مع أنّهم استقصوا بيان حياة الجائرين من بني أُمية والعباس وذكروا مجالس المجون والخلاعة لهم ، وما جرى بينهم وبين المغنّيات وسائر الأجلاف فيها. من القصص والهزليّات وهذا إن دل على شيء فإنّما يدلّ على اضطهاد أهل البيت حتى عند أهل القلم والبيان ، فأخفوا آثارهم ومناقبهم. ولأجل ذلك نذكر في المقام ما وقفنا عليه في طيات الكتب معتذرين عن قلة ما نهدي إلى سدنة ثائرنا ـ قدس اللّه نفسه الزكية ـ.

فنقول :

حياته في عصر الاِمام زين العابدين عليه‌السلام :

أدرك زيد بن علي من الأئمّة الاثني عشر ، ثلاثة :

١ ـ والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣٨ ـ ٩٤ هـ).

٥٧

٢ ـ أخوه الأكبر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام (٥٧ ـ ١١٤ هـ).

٣ ـ ابن أخيه الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام (٨٣ ـ ١٤٨ هـ).

فلنذكر فيما يرجع إلى المحور الأوّل من المحاور الثلاثة ، نسبه وميلاده ومواصفاته الخلقية وما يمتّ إليه بصلة.

نسبه الوضّاح :

هو زيد الشهيد ، بن زين العابدين علي ، بن سيد الشهداء الحسين ، بن مولى الموحدين وسيد الوصيين علي ، بن حامي الرسول والذائد عن حريمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبي طالب ، هوَلاء آباوَه فله أن يفتخر ويقول :

أُولئك آبائـي فجئنـي بمثلهـم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وأمّا أُمّه فاسمها حورية أو حوراء اشتراها المختار بن أبي عبيدة الثقفي وأهداها إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : انّ المختار بن أبي عبيدة اشترى جارية بثلاثين ألفاً. فقال لها : أدبري ، فأدبرت ، ثم قال لها : أقبلي ، فأقبلت ، ثم قال : ما أرى أحداً أحقّ بها من علي بن الحسين ، فبعث بها إليه ، وهي أُم زيد بن علي عليه‌السلام وأنجبت له زيداً وعمر ، وعلياً وخديجة (١).

روى ابن قولويه (م ٣٦٩ هـ) قال : روى بعض أصحابنا ، قال : كنت عند علي بن الحسين عليه‌السلام فكان إذا صلّى الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس فجاءُوه يوم ولد فيه زيد ، فبشّروه به بعد صلاة الفجر ، قال : فالتفت إلى أصحابه وقال : « أي شيء ترون أن أُسمّي هذا المولود؟ » فقال كل رجل منهم : سمّه كذا ، سمّه كذا. قال : فقال : « يا غلام عليّ بالمصحف » ، فجاءُوا بالمصحف ، فوضعه على

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٨٦ ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف (١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م).

٥٨

حجره. قال : ثم فتحه ، فنظر إلى أوّل حرف في الورقة ، فإذا فيه : « فَضَّلَ اللّهُ المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجراً عَظِيماً » (النساء ـ ٩٥) قال : ثم طبقه ، ثم فتحه ، فنظر فإذا في أوّل الورقة : « إنَّ اللّهَ اشتَرى مِنَ المُوَمِنِينَ أنفُسَهُم وأموالَهمْ بِأنَّ لَهُمُ الجنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والاِنجِيلِ والقُرآنِ ومَنْ أوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فاسْتَبشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الّذِي بايَعْتُم بِهِ وذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيم » (التوبة ـ ١١١) ثم قال : « هو واللّه زيد ، هو واللّه زيد ». فسمّي زيداً (١).

وفي الروض النضير بعد نقل الآيتين ، قال الاِمام : « عزّيت عن هذا المولود وأنّه لمن الشهداء » (٢) وإنّما اختار الاِمام هذا الاسم بعد التفاوَل بالقرآن والمفاجأة بالآيتين ، في صدر الورقةلما تضافر عن النبي والوصي والحسين بن علي عليهم‌السلام أنّه قال مشيراً إلى الحسين عليه‌السلام : « إنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ، ويقتل بالكوفة ، يصلب بالكناسة ، ويخرج من قبره نبشاً ، تفتح لروحه أبواب السماء وتبتهج به أهل السماوات » (٣) فأيقن أنّ المولود هو الذي تنبّأ به الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ميلاده :

اختلف الموَرّخون في ميلاده ، ويرجع بعضُ الاختلافِ في ميلاده ، إلى الاختلاف في مقتله ، وأنّه هل استشهد سنة مائة وعشرين ، أو مائة وإحدى وعشرين ، أو مائة وثنتين وعشرين ، أو مائة وثلاث وعشرين ، وبما أنّ المشهور أنّه

__________________

١ ـ ابن إدريس : السرائر : ٣ / ٦٣٨ ، قسم المستطرفات ، فيما استطرفه من روايات أبي القاسم بن قولويه وحميد بن أحمد المحلي (٥٨٢ ـ ٦٥٢ هـ) : الحدائق الوردية : ١٣٧ ـ ١٣٨.

٢ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ١٠٠.

٣ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٥٠ ، الباب ٢٥ ، وحميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : ١٣٨ ـ ١٣٩ ، وسيوافيك تفصيل التنبّوَات في محلها.

٥٩

استشهد عن عمر يناهز (٤٢ سنة) ، وتلك الشهرة منضمة إلى الاختلاف في نفس الميلاد ، صارا سبباً للاختلاف الأكثر في ميلاده ، وها أنّا نسرد أقوال الموَرخين والمترجمين ، وعلى جميع الأقوال يدور ميلاده بين سنة (٧٥) و (٧٩) وربما يبدو أنّ الحقّ غير ذلك ، وسيوافيك آخر البحث :

١ ـ قال محمد بن سعد : قتل يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ويقال : سنة اثنتين وعشرين ومائة (١).

٢ ـ وقال البخاري : زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي عن أبيه ، روى عنه عبد الرحمن بن الحارث ويقال : كنيته أبو الحسين ، أخو محمد بن علي ، وحسين بن علي قتل سنة ثنتين وعشرين ومائة (٢).

٣ ـ وقال ابن حِبّان في الثقات : رأى جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروى عنه ولده ، وقتل سنة ثنتين وعشرين ومائة (٣).

٤ ـ وعن مصعب بن عبد اللّه الزبيري : قتل زيد بن علي بالكوفة. قتله يوسف بن عمر في زمن هشام بن عبد الملك وقتل يوم الاثنين لثلاث خلت من صفر سنة عشرين ومائة ، وهو يوم قتل ، ابن اثنتان وأربعين سنة (٤).

٥ ـ وقال الذهبي : اختلف في تاريخ مصرعه على أقوال : فقال مصعب الزبيري : قتل في صفر سنة عشرين ومائة وله اثنتان وأربعون سنة.

وقال أبو نعيم : قتل يوم عاشوراء سنة اثنتين وعشرين ومائة ، رواه ابن سعد.

وقال الزبير بن بكار : قال محمد بن الحسن : قتل زيد يوم الاثنين ثاني صفر

__________________

١ ـ ابن سعد : الطبقات : ٥ / ٣٢٦.

٢ ـ البخاري : التاريخ الكبير : ٢ / ٤٠٣ برقم ١٣٤١.

٣ ـ ابن حبان : الثقات : ٤ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

٤ ـ المزي : تهذيب الكمال : ١٠ / ٩٨.

٦٠