بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

الفصل التاسع

هل دعا إلى نفسه

أو دعا إلى الرضا من العترة

إنّ هناك فرقاً واضحاً بين إمام الثورة والجهاد ـ الذي يقابل الظالمين والغاصبين بالطرد والقتل ، ويُعبِّدَ الطريق لصلحاء الأمّة في المستقبل حتى يتفكروا في أمرهم بعد قمع الظالمين ـ والاِمام الذي فرضتْ طاعته من قَبل إمّا بتنصيص من اللّه ورسوله أو بإتفاق من أهل الحل والعقد أو ما أشبه ذلك. وزيد الثائر لم يكن من قبيل الثاني ، وإنّما كان إمام الثورة والجهاد. قام بأخذ الثأر والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإقامة العدل ، وإزاحة الظلم وتدمير عرش الأمويين ، فهو بهذا المعنى كان إماماً لا شك فيه ، وقد أطبقت الزيدية والاِمامية على كونه إماماً بهذا المعنى ومن نسب غير ذلك إلى الاِمامية فهو باهت كاذب إنّما الكلام في كونه الاِمام المنصوص عليه بلسان النبي الأكرم وأوصيائه فلم يكن زيد إماماً بهذا المعنى ولا إماماً مختاراً من قبل الأمّة ولا ادّعاه هو ولا أحد من أتباعه ومقتفيه ، والذي يوضح ذلك ما نص عليه الشيخ المفيد وهو من متكلمي الشيعة في القرن الرابع. روى تلميذه المرتضى :

قال : حضر المفيد مسجد الكوفة ، فاجتمع إليه أكثر من خمسمائة فقال له

١٨١

رجل من الزيدية ـ أراد الفتنةـ : بأي شيء استجزت إنكار إمامة زيد؟ فقال : ظننت عليّ باطلاً وقولي في زيد لا يخالفني فيه أحد من الزيدية. فقال : وما مذهبك فيه؟ قال : إنّي أُثبت من إمامة زيد ما تثبته ، وأُنفي ما تنفيه وأقول كان إماماً في العلم والزهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنفي عنه الاِمامة الموجبة لصاحبها العصمة والنصَّ والمعجزة ، وهذا ما لا يخالفني عليه أحد من الزيدية ، فلم يتمالك من حضر من الزيدية أن شكروه ودعوا له وبطلت حيلة الرجل (١).

ولعل الجوّ السائد على مجلس المناظرة ـ كما يظهر من كلام تلميذه الجليل السيد المرتضى ـ لم يسمح للشيخ المفيد ، أن ينفي حتى الشق الثاني وهو كونه إماماً مفترضة طاعتـه باختيار الأمّة.

نعم تضافرت الروايات على بيعة جماعة كثيرة معه لكن متعلق البيعة ، هو الجهاد والنضال ، وكونه أميره ورائده لا على الاِمامة بعد النجاح واكتساح الأشواك.

نعم أنّ الطائفة الزيدية المتشكلة بعد رحيل الاِمام الثائر زعموا أنّه ادّعى الاِمامة لنفسه وكان الجهاد ، لرفع الموانع عن طريق إمامته وحاكميته وقد اغترّوا بظواهر الأمر ، ولم يتدبروا في القرائن الحافة به.

وبذلك الزعم ـ صارت الاِمامة عند الاِمامية غيرها عند الزيدية وذلك :

إنّ مفهوم الاِمامة لدى الشيعة الاِمامية غيرها لدى الزيدية ، فالطائفة الأولى تشترط في الاِمام النص والعصمة والمعجزة وكونه أعلم الأمّة وأفضلها سواء أقام بالسيف أم لا ، وإنّمـا يتبع في القيام والجهاد مصالح الأمّة الاِسلامية فهي بين ما يفرض عليه القيام والجهاد أو يفرض عليه إرشاد الأمّة عن طريق آخر.

__________________

١ ـ المرتضى : الفصول المختارة : ٢٧٧.

١٨٢

وهذا بخلاف الاِمامة لدى الزيدية فلايشترط فيها ما ذكرنا ، قال الشيخ المفيد : الاِمامة عَلَم على من دان بوجوب الاِمامة ووجودها في كل زمان ، وأوجب النصَّ الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ، ثم حصر الاِمامة في ولد الحسين بن علي عليهما‌السلام وساقها إلى الرضا علي بن موسى الرضا.

وأمّا الزيدية فهم القائلون بإمامة أمير الموَمنين علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين وزيد بن علي عليهم‌السلام ، وبإمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ، ومن أهل العلم والشجاعة وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد (١).

وقال ابن المرتضى : « فالزيدية منسوبة إلى زيد بن علي عليه‌السلام يجمع مذهبهم تفضيل علي عليه‌السلام وأولويته بالاِمامة وقصرها في البطنين ، واستحقاقها بالفضل والطلب لا بالوراثة ووجوب الخروج على الجائرين (٢).

والذي يعرب عن موقفه في الاِمامة ما جاء في خطبه وفيها هذه الجمل التالية :

كلمات لزيد تعرب عن موقفه :

١ ـ الحمد للّه الذي أكمل لي ديني بعد أن كنتُ استحيي من رسول اللّه أن أرِدَ عليه ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنه عن منكر (٣).

٢ ـ واعلموا أنّه ماترك قوم الجهادَ قط إلاّ حُقِّروا وذلّوا (٤).

__________________

١ ـ المفيد : أوائل المقالات : ٨.

٢ ـ ابن المرتضى : البحر الزخار : ١ / ٤٠ وسيوافيك تفصيل عقيدتهم في الاِمامة فانتظر.

٣ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ١٠٢.

٤ ـ المصدر نفسه.

١٨٣

٣ ـ أيّها الناس أعينوني على أنباط الشام فواللّه لايعينني عليهم منكم أحد إلاّ رجوت أن يأتيني يوم القيامة آمنا ... (١).

ولأجل ذلك تضافرت الروايات من طرقنا على أنّ زيداً ما دعا إلى نفسه وإنّما دعا إلى الرضا من آل محمّد ، وأنّه لو ظفر لوفى ، ومعنى هذه الروايات أنّه كان يمهّد الطريق لولاية الاِمام المنصوص عليه في لسان النبي والأئمّة الصادقين ، وإليك بعض النصوص :

١ ـ قال الصادق عليه‌السلام : إنّ زيداً كان موَمناً وكان عارفاً وكان صدوقاً أما إنّه لو ظفر لوفى ، أما إنّه لو ملك عرف كيف يضعها (٢).

٢ ـ وقال عليه‌السلام : إنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد ، ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه ، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه (٣).

٣ ـ وقال الاِمام الرضا عليه‌السلام في جواب سوَال المأمون عن ادّعاء زيد ما لم يكن له بحق :

إنّ زيد بن علي لم يدعُ ما ليس له بحقّ ، وإنّه كان أتقى للّه من ذلك أنّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد ، وإنّما جاء ما جاء فيمن يدعي أنّ اللّه نصَّ عليه ثم يدعو إلى غير دين اللّه ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد بن علي واللّه ممن خوطب بهذه الآية! ( وجَاهِدُوا فِي اللّهِ حقّ جِهادِه ) (٤).

إنّ الاِمام الرضا عليه‌السلام نصَّ على موقف زيد من الاِمامة وهو أنّه كان إمام

__________________

١ ـ المصدر نفسه : ١ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، والأنباط : أخلاط الناس وعوامهم.

٢ ـ الكليني : الكافي : الروضة الحديث ٣٨١.

٣ ـ الكشي : الرجال : ترجمة السيد إسماعيل الحميري : برقم ١٤٤ ص ٢٤٢.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ، الباب ٢٥ ، ص ٢٤٩. وسيوافيك تفصيل المذاكرة بينهما ص ١٩٩ فلاحظ.

١٨٤

الجهاد وقد جسّد قوله سبحانه : « وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده » (١) وأين هو من الاِمامة المنصوص عليها من جانب اللّه بلسان نبيه وأوصيائه السابقين أو الاِمام المختار من جانب الأمّة. ولو كان زيد يتظاهر بالاِمامة فإنّما كان لغاية كسح الأشواك عن طريقها ثم تسليم الأمر إلى الاِمام المنصوص.

إنّ هناك نكتة اجتماعية وهي أنّ زيداً قام موطّناً نفسه على الشهادة ، ومستميتاً متيقناً بأنّه سوف يقتل ويستشهد ، وقد سمع من أبيه وأخيه وابن أخيه أنّه سوف يقتل ويصلب في الكناسة ، وأنّه لم يكن شاكاً ولامتردداً في هذا الأمر ومن كان هذا مآله ومستقبله فهل يمكن أن يدّعي الاِمامة بالمعنى المعروف بين المتكلمين أي قيادة الأمّة في جوانب شتى إلى الصلاح والفلاح ، فإنّ القيام بهذا الواجب فرع الحياة وهو كان على الطرف الخلاف من هذا ، فلم يبق إلاّ أن يكون أميراً في الجهاد قائداً في النضال ، وإن قصرت حياته ، وقلّ بقاوَه.

اعترافه بإمامة الاِمام الصادق عليه‌السلام :

١ ـ إنّ زيداً كان معترفاً بإمامة ابن أخيه جعفر الصادق عليه‌السلام بلا كلام ، وكان يقول : من أراد الجهاد فإليّ ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر (٢).

٢ ـ روى الصدوق في الأمالي : عن عمرو بن خالد : قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج اللّه به على خلقه ، حجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد لا يضل من تبعه ولا يهتدي من خالفه (٣).

__________________

١ ـ سيأتي نصّ الاِمام : في ص ١٩٩ ـ ٢٠٠ في ضمن الرواية الثالثة عشرة.

٢ ـ الخزاز القمي : كفاية الأثر : ص ٣٠٢.

٣ ـ الصدوق : الأمالي : ٥٤٢ بحار الأنوار : ٤٦ / ١٧٣.

١٨٥

٣ ـ روى الكشي عن عمار الساباطي ، قال : كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي ، قال : فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية وزيد واقف في ناحية : ماتقول في زيد أهو خير من جعفر؟ قال سليمان : قلت واللّه ليوم من جعفر خير من زيد أيام الدنيا ، فحرّك رأسه وأتى زيداً وقصّ عليه القصة فمضيت فانتهيت إلى زيد وهو يقول : جعفر إمامنا في الحلال والحرام (١).

٤ ـ إنّ يحيى بن زيد سأل أباه عن الأئمّة ، فقال : الأئمّة اثنا عشر ، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين فقلت : فسمّهم يا أبة. فقال : أمّا الماضون فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومن الباقين أخي الباقر وبعده جعفر الصادق ابنه ، وبعده موسى ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده محمد ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده الحسن ابنه ، وبعده المهدي ابنه ، فقلت له يا أبة : ألست منهم؟

قال : لا ، ولكنّي من العترة ، فقلت : فمن أين عرفت أساميهم؟ قال : عهد معهود عهده إلينا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

٥ ـ روى محمد بن مسلم : دخلت على زيد بن علي وقلت : إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر ، قال : لا ولكنّي من العترة ، قلت : فلمن يكون هذا الأمر بعدكم؟ قال : سبعة من الخلفاء المهدي منهم.

قال محمد بن مسلم : دخلت على الباقر محمد بن علي عليهما‌السلام ، فأخبرته بذلك فقال : صدق أخي زيد ، سبيل هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء والمهدي منهم ، ثم بكى عليه‌السلام وقال : وكأنّي به وقد صُلِب في الكناسة. يابن مسلم حدّثني أبي عن أبيه الحسين : قال : وضع رسول اللّه يده على كتفي ، قال : ياحسين

__________________

١ ـ الكشي : الرجال : ترجمة سليمان بن خالد برقم : ٢٠٥ ص ٣٠٨.

٢ ـ الخزاز : كفاية الأثر : ٣٠٠ وسيوافيك تذييل الخزاز بعد هذا الحديث ، ورواياتها مسانيد ، لا مراسيل اقتصرنا على نقل المتون روماً للاختصار.

١٨٦

يخرج من صلبك رجل يقال له زيد ، يُقتل مظلوماً إذا كان يوم القيامة حشر أصحابه إلى الجنة (١).

٦ ـ روى الخزاز عن عبد العلاء ... قلت : فأنت صاحب الأمر؟ قال : لا ولكنّي من العترة ، قلت : فإلى من تأمرنا؟ قال : عليك بصاحب الشعر وأشار إلى الصادق عليه‌السلام (٢).

٧ ـ روى الخزاز قال : عن المتوكل بن هارون قال : لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه وهو متوجه إلى خراسان ، فما رأيت رجلاً في عقله وفضله ، فسألته عن أبيه عليه‌السلام فقال : إنّه قتل وصلب بالكناسة ثم بكى وبكيت حتى غشي عليه. فلما سكن قلت له : يا ابن رسول اللّه وما الذي أخرجه إلى قتال هذا الطاغي وقد علم من أهل الكوفة ما علم؟ فقال : نعم لقد سألته عن ذلك فقال : سمعت أبي عليه‌السلام يحدّث عن أبيه الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : وضع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صلبي فقال : ياحسين يخرج من صلبك رجل يقال له : زيد يقتل شهيداً إذا كان يوم القيامة يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخل الجنّة ، فأحببت أن أكون كما وصفني رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم قال : رحم اللّه أبي زيداً ، كان واللّه أحد المتعبّدين ، قائم ليله ، صائم نهاره يجاهد في سبيل اللّه عزّ وجلّ حقّ جهاده. فقلت : يا ابن رسول اللّه هكذا يكون الاِمام بهذه الصفة. فقال : يا أبا عبد اللّه إنّ أبي لم يكن بإمام ولكن كان من سادات الكرام وزهادهم ، وكان من المجاهدين في سبيل اللّه ، وقد جاء عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن ادّعى الاِمامة كاذباً ، فقال : مه يا أبا عبد اللّه إنّ أبي عليه‌السلام كان أعقل من أن يدّعي ما ليس له بحقّ وإنّما قال : « أدعوكم إلى الرضا من آل محمد » عنى بذلك

__________________

١ ـ الخزاز : كفاية الأثر : ٣٠٦.

٢ ـ الخزاز : كفاية الأثر : ٣٠٧.

١٨٧

عمّي جعفر. قلت : فهو اليوم صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم هو أفقه بني هاشم.

ثم قال : يا أبا عبد اللّه إنّي أُخبرك عن أبي عليه‌السلام وزهده وعبادته ، إنّه كان يصلّـي في نهاره ما شاء اللّه ، فإذا جنّ عليه الليل نام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيصلّـي في جوف الليل ما شاء اللّه ، ثم يقوم قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرّع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر سجد سجدة. ثم يقوم يصلي الغداة إذا وضح الفجر ، فإذا فرغ من صلاته قعد في التعقيب إلى أن يتعالى النهار ، ثم يقوم في حاجته ساعة ، فإذا قرب الزوال قعد في مصلاه فسبح اللّه تعالى ومجّده إلى وقت الصلاة ، فإذا حان وقت الصلاة قام فصلى الأولى وجلس هنيئة وصلى العصر وقعد تعقيبه ساعة ، ثم سجد سجدة فإذا غابت الشمس صلى العشاء والعتمة. قلت : كان يصوم دهره؟ قال : لا ولكنه كان يصوم في السنة ثلاثة أشهر ويصوم في الشهر ثلاثة أيام. قلت : فكان يفتي الناس في معالم دينهم؟ قال : ما أذكر ذلك عنه. ثم أخرج إليّ صحيفة كاملة فيها أدعية علي بن الحسين عليهما‌السلام (١).

٨ ـ روى الخزاز في حديث طويل عن محمد بن بكير قال : دخلت على زيد بن علي وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له : يا بن رسول اللّه ... هل عهد إليكم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متى يقوم قائمكم؟ قال : يا ابن بكير إنّك لن تلحقه ، وإنّ هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا ثم يجعل اللّه خروج قائمنا ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلما ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ألست صاحب هذا الأمر؟ فقال : أنا من العترة ، فعدت فعاد إليّ فقلت : هذا الذي تقول ، عنك أو عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم أنشأ يقول :

__________________

١ ـ الخزاز : كفاية الأثر : ٣٠٣.

١٨٨

نحن سادات قريش

وقوام الحقّ فينا

نحن أنوار التي من

قبل كون الخلق كنّا

نحن منّا المصطفى المختار

والمهدي منّا

فبنا قد عرف اللّه

وبالحق أقمنا

سوف يصلاه سعيراً من

تولى اليوم عنّا (١)

٩ ـ روى ابن شهر آشوب قال : ونسب إلى زيد أنّه رثا الباقرعليه‌السلام بهذه الأبيات:

ثوى باقر العلم في ملحد

إمامُ الورى طيب المولد

فمن لي سوى جعفر بعده

إمام الورى الأوحد الأمجد

أيا جعفر الخير أنت الاِمام

وأنت المرجى لبلوى غد (٢)

نصوص الاِمامية في تفسير خروجه :

نعم تفرقت الشيعة بعد استشهاده إلى فرقتين فرقة تقتفي زيد بن علي وتراه إماماً وفرقة أُخرى تقتفي الاِمام الصادق عليه‌السلام وكان بينهما نقاشات وخلافات نشبت من الجهل بموقف زيد ، ولو كان لهم علم به لما كان لهذا الانقسام وجه ، وقد أوضحه أعلام الاِمامية في كتبهم وإليك بعض كلماتهم :

١ ـ قال شيخنا المفيد في إرشاده وقال : واعتقد كثير من الشيعة فيه بالاِمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد

__________________

١ ـ الخزاز : كفاية الأثر : ٢٩٧.

٢ ـ ابن شهر آشوب : المناقب : ٤ / ١٩٧ طبعة بيروت. وقد مرّت الأشعار في الفصل الثالث أيضاً بمناسبة بيان خطبه وأشعاره.

١٨٩

فظنّوه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه عليه‌السلام للاِمامة من قبله ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد اللّه (١).

٢ ـ قال أبو القاسم القمي الخزاز ـ بعد نقل كلام يحيى بن زيد ـ الذي تعرفت عليه : فإن قال قائل : فزيد بن علي إذا سمع هذه الأخبار وهذه الأحاديث من الثقات المعصومين وآمن بها واعتقدها. فلماذا خرج بالسيف وادّعى الاِمامة لنفسه وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد وهو بالمحل الشريف الجليل ، معروف بالستر والصلاح ، مشهور عند الخاص والعام بالعلم والزهد ، وهذا ما لا يفعله إلاّ معاند أو جاحد ، وحاشا زيداً أن يكون بهذا المحل؟

فأقول في ذلك وباللّه التوفيق : إنّ زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، وإنّما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أنّ زيد بن علي عليه‌السلام لما خرج ولم يخرج جعفر بن محمد عليهما‌السلام توهم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة وإنّما كان لضرب من التدبير ، فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفاً قالوا : ليس الاِمام من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره وإنّما الاِمام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة ، وأمّا جعفر وزيد عليهما‌السلام فما كان بينهما خلاف.

والدليل على صحة قولنا قول زيد بن علي عليه‌السلام : « من أراد الجهاد فإليّ ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر » ولو ادّعى الاِمامة لنفسه لم ينف كمال العلم عن نفسه إذ الاِمام يكون أعلم من الرعية ، ومن المشهور قول جعفر عليه‌السلام « رحم اللّه عمي زيداً لو ظفر لوفاه إنّما دعا إلى الرضا من آل محمد وأنا الرضا » (٢).

__________________

١ ـ الاِرشاد : ٢٦٨ ، طبعة النجف الأشرف.

٢ ـ الخزاز القمي : كفاية الأثر : ٣٠١ ـ ٣٠٢.

١٩٠

٣ ـ قال شيخنا المجلسي : إعلم أنّ الأخبار اختلفت وتعارضت في أحوال زيد وأضرابه كما عرفت لكن الأخبار الدالة على جلالة زيد ومدحه ، وعدم كونه مدعياً لغير الحقّ أكثر ، وقد حكم أكثر الأصحاب بعلو شأنّه (١).

وقال أيضاً : « وكان يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه كان عازماً على أنّه إن غلب على الأمر فوضه إلى أفضلهم وإليه ذهب أكثر أصحابنا ولم أر في كلامهم غيره (٢).

٤ ـ وقال الزنوزي في رياض الجنّة : إنّ زيد بن علي كان دائماً في فكر الانتقام والأخذ بثأر جده الحسين عليه‌السلام ومن هذه الجهة توهم بعضهم أنّه ادّعى الاِمامة وهذا الظن خطأ لأنّه كان عارفاً برتبة أخيه وكان حاضراً في وقت وصية أبيه ووضع أخيه في مكانه وكان متيقناً أنّ الاِمامة لأخيه وبعده للصادق عليه‌السلام (٣).

٥ ـ وعن السيد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد النبلي النجفي رضوان اللّه عليه في كتابه الأنوار المضيئة أنّه قال : زعم طوائف ممن لا رشد لهم أنّ زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام خرج يدعو لنفسه وقد افتروا عليه الكذب ، وبهتوه بما لم يدّعه لأنّه كان عين إخوته بعد أبي جعفر عليه‌السلام وأفضلهم ورعاً وفقهاً وسخاءً وشجاعة وعلماً وزهداً وكان يُدعى حليف القرآن وحيث إنّه خرج بالسيف ودعا إلى الرضا من آل محمد زعم كثير من الناس لا سيما جهال أهل الكوفة هذا الزعم ، وتوهموا أنّه دعا إلى نفسه ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق أخيه الاِمامة من قبله وابن أخيه لوصية أخيه إليه بها من بعده ـ إلى أن قال : ـ وقد انتشرت الزيدية فكثروا وهم الآن طوائف كثيرة في كل صقع أكثرهم باليمن ومكة وكيلان (٤).

____________

١ و ٢ ـ المجلسي : البحار : ٤٦ / ٢٠٥ ومرآة العقول : ١ / ٢٦١.

٣ ـ السيد الأمين : زيد الشهيد : ٣٥ ، نقلاً عن رياض الجنّة وهي بعد مخطوطة.

٤ ـ المصدر نفسه : ٣٥ ـ ٣٦.

١٩١

٦ ـ وقال السيد صدر الدين : « لو لم يظهر الصادق عليه‌السلام عدم الرضا بخروجه ، ويصوب أصحابه في معارضتهم وإسكاتهم إياه ، ولم يجب بالاِبهام والاعجام عند السوَال عن خروجه ، لكان في ذلك نقض الغرض والتعريض بهلاك الاِمام (١).

٧ ـ قال السيد علي خان المشعشعي الحويزي في كلام له : « ولا ريب أنّ قصده ونيته إن استقام له الأمر إرجاع الحقّ إلى أهله ويدلّ على ذلك رضاهم عنه ، وإنّما لم يمنعه أبو عبد اللّه الصادق عليه‌السلام من الخروج مع علمه بأنّ هذا الأمر لا يتم له وأنّه يقتل لأنّهم عليهم‌السلام يعلمون ما يقع بهم وبذريتهم ، وماقدر لهم لأنّ عندهم علم ما كان وما يكون ، وكان يعلم أن لا مفر مما قدر فلا وجه للمنعاً (٢).

٨ ـ وقال المحقق المامقاني : « إنّما ادعى الاِمامة ليتبعوه فيستنقذ الحقّ من المتغلبين ، ثم يسلمه إلى أهله والظاهر أنّ هذا هو الضرب من التدبير الذي أشار إليه العياشي في كتابه مقتضب الأثر (٣).

لما كانت الروايات المروية عن زيد على قسمين ، قسم ورد التصريح فيه بأسماء الأئمه الاثني عشر كالرواية الرابعة وقسم أجمل فيه الكلام ، كسائر الروايات التالية ، علّق عليها السيّد عبد الرزاق المقرم بما يلي :

٩ ـ وقال السيّد المقرّم : وهذه الأحاديث وإن لم تصرح بأسماء الأئمّة الذين يلون الخلافة من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن تفيدنا القطع ببراءته من تلك الدعاوى

__________________

١ ـ السيد صدر الدين بن الفقيه السيد محمد العاملي في تعليقته على ترجمة زيد من منتهى المقال وهي مخطوطة. لاحظ زيد الشهيد للسيد المقرم : ٨٧.

٢ ـ الحويزي : نكت البيان : كما في وقائع الأيام لشيخنا الخياباني قسم الصيام : ٤٤.

٣ ـ المامقاني : تنقيح المقـال : ١ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠. ما نقله من كتـاب مقتضب الأثر للعياشي فإنّما هو الخزاز في كتابه : كفاية الأثر ، وليس في الكتاب الأوّل عين ولا أثر ممّا نقله.

١٩٢

الفارغة من كل حقيقة ، وأنّه طاهر الضمير ، قابل لاِيداع أسرار الاِمامة فيه ومع ملاحظة رواية ابنه يحيى (الرابعة) يتضح المراد مما أجمل في هذه الأحاديث.

ولو أعرضنا عن جميع ذلك لأفادنا اعترافه باستحقاق الصادق عليه‌السلام للخلافة بعد الباقر عليه‌السلام وأنّه الحجّة التي لايضل من تبعه ، ولا يهتدي من خالفه ، سلوكه المحجّة البيضاء والطريق اللاحب في الاِمامة. وهل يقع الشك في اعترافه بإمامة الصادق عليه‌السلام وهو يقول لعبد اللّه بن أبي العلاء (الرواية السادسة) وقد قال له : « أنت صاحب هذا الأمر ، قال : لا ولكنّي من العترة ـ قال له : ـ فإلى من تأمرني ، قال : عليك بصاحب الشعر ».

روى الكشي عن سورة بن كليب قال : قال لي زيد بن علي : ياسورة كيف علمتم أن أصاحبكم على ما تذكرونه؟

قال : قلت على الخبير سقطت. قال فقال : هات! فقلت له : كنّا نأتي أخاك محمد بن علي عليه‌السلام نسأله فيقول : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال اللّه عزّ وجلّ في كتابه حتى مضى أخوك فأتيناكم وأنت فيمن أتينا ، فتخبرونا ببعض ولا تخبرونا بكل الذي نسألكم عنه ، حتى أتينا ابن أخيك جعفراً فقال لنا كلما قال أبوه قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال تعالى ، فتبسّم وقال : أما واللّه إنّ قلت بذا فانّ كتب علي صلوات اللّه عليه عنده (١).

ثم إنّ السيد المقرم ـ بعد المناقشة في دلالة أو سند الروايات الذامّة ونقدها نقداً علمياً ـ يقول : « من جميع ما مر فقد تجلّـى الحقّ ، وانكشف بطلان دعواه الاِمامة لنفسه عن جد وعقيدة ، وما هي إلاّ أساطير لفقهاء دعاة الباطل للحطّ من كرامة تلك الذات الطاهرة بغضاً وعدواناً ، وإن تكن تلك الدعاوى ، فإنّما الغرض منها استنقاذه الحقّ من أيدي المتغلبين عليه ، ولاة الجور وأرباب الباطل وإعادته

__________________

١ ـ الكشي : الرجال : ترجمة سورة بن كليب برقم ٢٤٠.

١٩٣

إلى أهله كما يفصح عنه قول الصادق عليه‌السلام : « كان زيد عالماً وصدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه » وهذا من أهم الوسائل إلى استحصال الحقّ المغصوب ، وإعادة سلطان العدل إلى أهله ، ولو أعلن الدعوة للاِمام الصادق ـ كما يريده ضعيف النظر ، قاصر البصيرة ، لرأيت هناك الأضرار البالغة التي تلحق الاِمام من أئمة الجور « تَكادُ السَّمواتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقُّ الأرْضُ وَتَخرُّ الجِبال » (١).

__________________

١ ـ السيد المقرم : زيد الشهيد : ٦٣ و ٨٦.

١٩٤

الفصل العاشر

موقف أئمة أهل البيت

من خروج زيد وجهاده

إنَّ موقف أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من خروج ثائرهم ، كان إيجابياً ، لا سلبياً وكانوا يرون أنّ خروجه ونضاله ، مطابق للكتاب والسنّة ، بمعنى أنّ الخروج حين ذاك لم يكن تكليفاً إلزامياً على الاِمام ولا على غيره ، ولكنه لو خرج مسلم لاِزالة الطغاة عن منصّة الحكم ، وتبديد هياكل الفساد والظلم ، من دون أن يدعو إلى نفسه ، كان على المسلمين عونه ومناصرته ، وإجابة دعوته.

وكان خروج زيد على هذا الخط الذي رسمناه وهذا ما يستفاد من الروايات المستفيضة ، وإليك بعض ما وقفنا عليه :

١ ـ لمّا بلغ قتـل زيد إلى الاِمام الصـادق عليه‌السلام قال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، عند اللّه أحتسب عمي إنّه كان نعم العم. إنّ عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ، مضى واللّه عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه وعلي والحسين صلوات اللّه عليهم » (١).

____________

١ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٥٢ ح ٦ ، الباب ٢٥.

١٩٥

٢ ـ وقال أيضاً في حديث : « إنّ الباكي على زيد فمعه في الجنّة ، فإمّا الشامت فشريك في دمه » (١).

٣ ـ وقال الشيخ المفيد : لما قتل زيد بلغ ذلك من أبي عبد اللّه عليه‌السلام كل مبلغ ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بان عليه وفرّق من ماله في عيال من أُصيب معه من أصحابه ألف دينار. روى ذلك أبو خالد الواسطي قال : سلّم إليَّ أبو عبد اللّه عليه‌السلام ألف دينار أمرني أن أُقسمها في عيال من أُصيب مع زيد ، فأصاب عيال عبد اللّه بن الزبير أخي فضيل الرسان أربعة دنانير (٢).

٤ ـ روى ابن سيابة قال : دفع إليّ أبو عبد اللّه الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ألف دينار وأمرني ان أُقسمها في عيال من أُصيب مع زيد بن علي عليه‌السلام فقسمتها فأصاب عبد اللّه بن الزبير أخا فضيل الرسّان أربعة دنانير (٣).

٥ ـ روى الصدوق عن عبد اللّه بن سيابة أنّه أتى رسول بسـام الصيرفي بكتاب فيه : أمّا بعد ، فإنّ زيد بن علي قد خرج يوم الأربعاء غرة صفر ، ومكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة ، وقتل معه فلان وفلان ، فدخلنا على الصادق عليه‌السلام فدفعنا إليه الكتاب ، فقرأه وبكى ، ثم قال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون. عند اللّه أحتسب عمي ، إنّه نعم العم ، إنّ عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ... » إلى آخر ما مر في الحديث الأوّل (٤).

٦ ـ روى ابن شهر آشوب بلغ الصادق عليه‌السلام قول الحكيم بن عباس الكلبي :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ٤٦ / ١٩٣ ح ٦٣.

٢ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٦٩ ، الباب ١٧٥ ، حياة الاِمام علي بن الحسين ، لاحظ الحديث العاشر أيضاً.

٣ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٤٩ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ١٧٠.

٤ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٤٩ ؛ الباب ٢٥.

١٩٦

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهدياً على الجذع يصلب

وقستم بعثمان علياً سفاهة

وعثمان خير من علي وأطيب

فرفع الصادق عليه‌السلام يديه إلى السماء وهما يرعشان. فقال : « اللهم إن كان عبدُك كاذباً فسلط عليه كلبك » ، فبعثه بنو أُمية إلى الكوفة فبينما هو يدور في سككها افترسه الأسد واتصل خبره بجعفر عليه‌السلام ، فخر للّه ساجداً ، ثم قال : « الحمد للّه الذي أنجزنا وعده » (١).

٧ ـ روى الصدوق في معاني الأخبار ، قال : كنّا عند أبي عبد اللّه فذكر زيد ، ومن خرج معه ، فهمَّ بعض أصحاب المجلس أن يتناوله ، فانتهره أبو عبد اللّه ، وقال : « مهلاً ليس لكم أن تدخلوا فيما بيننا إلاّ بسبيل خير ، إنّه لم تمت نفس منّا إلاّ وتدركه السعادة قبل أن تخرج نفسه ولو بفواق الناقة » قلت : وما فواق الناقة؟ قال : « حلابها » (٢).

٨ ـ روى الحلبي : قال قال أبو عبد اللّه عليه‌السلام : « إنّ آل أبي سفيان : قتلوا الحسين بن علي ( صلوات اللّه عليه ) فنزع اللّه ملكهم ، وقتل هشام زيد بن علي فنزع اللّه ملكه ، وقتل الوليد يحيى بن زيد فنزع اللّه ملكه » (٣).

٩ ـ روى الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار قال : انتهيت إلى زيد بن علي صبيحة يوم خرج بالكوفة ، فسمتعه يقول : من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فو الذي بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحقّ بشيراً ونذيراً لا يعينني على قتالهم منكم إلاّ أخذت بيده يوم القيامة ، فأدخلته الجنّة بإذن اللّه تعالى ، فلمّا قتل ـ رضي اللّه عنه ـ اكتريت راحلة وتوجهت نحو المدينة فدخلت

__________________

١ ـ المناقب : ٣ / ٣٦٠ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ١٩٢.

٢ ـ معاني الأخبار : ٣٩٢ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ١٧٩.

٣ ـ الصدوق : ثواب الأعمال وعقابها : ١٩٨ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ١٨٢.

١٩٧

على أبي عبد اللّه فقلت في نفسي واللّه لا أخبرته بقتل زيد فيجزع عليه ، فلما دخلت عليه قال : « ما فعل بعمي زيد؟! » فخنقتني العبرة ، فقال : « قتلوه؟ » قلت : أي واللّه قتلوه ، قال : « فصلبوه؟ » قلت : أي واللّه فصلبوه ، فأقبل يبكي ودموعه تنحدر من جانب خده كأنّها الجمان ثم قال : « يافضيل شهدت مع عمي زيد قتال أهل الشام؟ » قلت : نعم ، قال : « فكم قتلتَ منهم؟ » قلت : ستة ، قال : « فلعلك شاك في دمائهم؟ » فقلت : لو كنت شاكاً في دمائهم ماقتلتهم ، فسمتعه يقول : « أشركني اللّه في تلك الدماء ، مضى واللّه عمي وأصحابه مثل مامضى عليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأصحابه » (١).

١٠ ـ وروى الصـدوق عن حمزة بن حمران قـال : دخلت على الصادق عليه‌السلام فقال لي : « يا حمزة من أين أقبلت؟ » فقلت : من الكوفة ، فبكى حتى بلّت دموعه لحيته!فقلت له : يا بن رسول اللّه! مالك أكثرت من البكاء؟ فقال : « ذكرت عمي زيد وماصنع به فبكيت » فقلت له : وما الذي ذكرت منه؟ قال : مقتله وقد أصاب جبينه سهم ، فجاءه ابنه يحيى فانكب عليه وقال له : أبشر يا أبتاه! فإنّك ترد على رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام قال : أجل يابنيّ! ثم دعا بحدّاد فنزع السهم من جبينه ، فكانت نفسه معه ، فجيء به إلى ساقية تجري عند بستان زائدة ، فحفر له فيها ودفن وأُجري عليه الماء ، وكان معهم غلام سنديّ لبعضهم ، فذهب إلى يوسف بن عمر ـ لعنه اللّه ـ من الغد ، فأخبره بدفنهم إيّاه ، فأخرجه يوسف وصلبه في الكناسة أربع سنين ، ثم أمر به فأُحرق بالنار وذري في الرياح ، فلعن اللّه قاتله وخاذله ، وإلى اللّه جل اسمه أشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته ، وبه نستعين على عدونا وهو خير مستعان (٢).

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٥٣.

٢ ـ أمـالي الصـدوق : ٣٢١ ، المجلـس : ٦٢ ح ٣ ؛ وأمـالي الطوسـي : ٢ / ٤٨ ؛ والمجلـسي : البحـار : ٤٦ / ١٧٢.

١٩٨

١١ ـ قال الصادق عليه‌السلام لأبي ولاّد الكاهلي : « رأيت عمي زيداً؟ » قال : نعم رأيته مصلوباً ، ورأيت الناس بين شامت وبين محزون محترق ، فقال : « أمّا الباكي فمعه في الجنّة وأمّا الشامت فشريك في دمه » (١).

١٢ ـ روى الراوندي عن الحسن بن راشد قال : ذكرت زيد بن علي فتنقَّصته عند أبي عبد اللّه عليه‌السلام فقال : « لاتفعل ، رحم اللّه عمي أتى أبي ، فقال : إنّي أُريد الخروج على هذا الطاغية. فقال : لاتفعل ، فإنّي أخاف أن تكون المقتول المصلوب على ظهر الكوفة ـ إلى أن قال الاِمام عليه‌السلام للحسن : ـ ياحسن إنّا أهل بيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتى يقرّ لكل ذي فضل فضله » (٢).

١٣ ـ روى الصدوق عن أبي عبدون عن أبيه قال : لمّا حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون ، وكان قد خرج بالبصرة ، وأحرق دور ولد العباس ، ووهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وقال له : لئن خرج أخوك وفعل ما فعل ، لقد خرج من قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانتك لقتلته فليس ما أتاه بصغير! فقال : عليه‌السلام له :

« لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فإنّه كان من علماء آل محمد عليهم‌السلام غضب له ، فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنّه سمع أباه جعفر بن محمد يقول : رحم اللّه عمي زيداً إنّه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ، ولقد استشارني في خروجه فقلت له : ياعم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك ، فلما ولي قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه ».

فقال المأمون : أليس قد جاء في من ادّعى الاِمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال :

__________________

١ ـ الأربلي : كشف الغمة : ٢ / ٤٤٢.

٢ ـ الخرائج والجرائح : ٢٣٢ ، البحار : ٤٦ / ١٨٥.

١٩٩

عليه‌السلام : « إنّ زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق ، وإنّه كان أتقى من ذلك ، إنّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم‌السلام إنّما جاء ما جاء في من يدّعي أنّ اللّه نصَّ عليه ، ثم يدعو إلى غير دين اللّه ويضل عن سبيله بغير علم ، وكان زيد بن علي واللّه ممن خوطب بهذه الآية :

( وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجتَباكُم ) » (١).

١٤ ـ روى الشيخ الطوسي عن مهزم بن أبي بردة الأسدي قال : دخلت المدينة حِدثان صلب زيد ـ رضي اللّه عنه ـ فدخلت على أبي عبد اللّه عليه‌السلام فساعة رآني قال : « يامهزم ما فعل بزيد؟ » قال : قلت : صلب ، قال : « أين؟ » قال : قلت : في كناسة بني أسد ، قال : « أنت رأيته مصلوباً في كناسة بني أسد؟ » قال : قلت : نعم ، قال : فبكى حتى بكت النساء خلف الستور ثم قال : « أما واللّه لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه بعد » قال فجعلت أُفكر وأقول أي شيءٍ طلَبتهم بعد القتل والصلب؟ قال : فودعته وانصرفت حتى انتهيت الكناسة ، فإذا أنا بجماعة فأشرفت عليهم ، فإذا زيد قد أنزلوه من خشبته يريدون أن يحرقوه قال قلت : هذه الطلبة التي قال لي (٢).

١٥ ـ روى الكليني عن سليمان بن خالد قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه‌السلام : « كيف صنعتم بعمي زيد؟ » قلت : إنّهم كانوا يحرسونه فلما شفّ الناس أخذنا خشبته فدفناه في جرف على شاطيء الفرات فلما أصبحوا جالت الخيل يطلبونه فوجدوه فأحرقوه فقال : « أفلا أوقرتموه حديداً وألقيتموه في الفرات ـ صلى اللّه عليه ـ » ولعن قاتله (٣).

__________________

١ ـ الصدوق : عيون الأخبار : ١ / ٢٤٩ ، الباب ٢٥.

٢ ـ الطوسي : الأمالي : ٦٨٢.

٣ ـ الكليني : الكافي : ٨ / ١٦١.

٢٠٠