بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

ما أثر عنه من قول قبل الخروج وأوانه :

إنّ دراسة ما نقل عنه من كلمة أو كلمات يوقفنا على مرماه من الثورة ، فإن الاِنسان بصير على نفسه ومهما اهتم على كتمان ما يضمره لكنه سيظهر على لمحات وجهه وفلتات لسانه ، ولكن الثائر أصحر بهدفه في غير واحد من المواضع حتى أنّ الحاكم الأموي (هشام بن عبد الملك) اتّهمه بفكر الثورة والقيام على النظام ، وهذا يدلّ على أنّه كان يبوح بها آونة بعد أُخرى ، وإليك هذه الكلمات :

١ ـ إنّما خرجت على الذين أغاروا على المدينة يوم الحرة ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار (١).

ويشير ثائرنا بكلامه هذا إلى ما ارتكبه الحجاج قائد الجيش الأموي ـ يوم التجأ ابن الزبير إلى البيت ـ فحصّبـه بالحجارة مستعيناً بالمنجنيق الذي نصبه الجيش على جبل أبي قبيس ، المشرف على الكعبة. كما مر في ثورة عبد اللّه بن الزبير.

٢ ـ إنّما خرجت على الذين قاتلوا جدي الحسين عليه‌السلام (٢).

٣ ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك ، قال : خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت : لا ، قال : واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض ، أو حيث أقع ، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

إنّ هذه الكلمة إشراقة من كلام الحسين ووصيته إلى أخيه محمد ابن الحنفية : « إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الاِصلاح في أُمّة جدي ، وشيعة أبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ فاللّه أولى

____________

١ و ٢ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٣٥ ـ ٣٦.

٣ ـ أبو الفرج الاصفهاني : مقاتل الطالبيين : ٨٧.

٢٨١

بالحقّ ، ومن ردّ على هذا أصبر حتى يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين » (١).

ترى أنّ بين الكلمتين تقارناً بل توافقاً ، وهذا ما يدفعنا إلى أنّ ثورته كانت امتداداً لثورة الحسين عليه‌السلام.

٤ ـ أقام زيد الثائر بالكوفة وبايعه أصحابه وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس : إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ، ورد المظالم ، وإقفال المجمر ، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا ، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك فإذا قالوا نعم : وضع يده على يده ، ثم يقول : عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته وذمّة رسوله لتفينّ ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي ، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية ، فإذا قال نعم : مسح يده على يده ، ثم قال : اللّهمّ اشهد (٢).

وفي كلامه هذا إلماع إلى كلام الاِمام الحسين عليه‌السلام ألقاه بالبيضة عندما حبسه الحرّ بن يزيد الرياحي عن الحركة : فقال : « أيها الناس إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعمل في عباد اللّه بالاِثم والعدوان. فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله ، ألا وإنّ هوَلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيّر » (٣).

٥ ـ ومن كلامه : وإنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وإلى السنن أن تحيى

__________________

١ ـ المجلسي : بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٢٩.

٢ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ٤٩٢ ، ابن الأثير : الكامل : ٥ / ٢٣٣ باختلاف في التعبير.

٣ ـ الطبري : التاريخ : ٤ / ٣٠٤.

٢٨٢

وإلى البدع أن تدفع ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل (١).

٦ ـ ومن كلامه لهشام بن عبد الملك : أنه لم يكره قوم قط حدّ السيف إلاّ ذلّوا (٢).

وهذه الكلمة من هشام تعرب عن أنّه تجاهر بالثورة في ظروف مناسبة حتى وُشِـيَ به إلى هشام.

٧ ـ روى ابن عساكر أنّ زيداً دخل على هشام فقال له : يازيد بلغني أنّ نفسك لتسمو بك إلى الاِمامة ، والاِمامة لاتصلح لأولاد الاِماء ـ فأجابه زيد بما مر عليك في الفصل الثالث المعقود لحياته فقال هشام : يازيد إنّ اللّه لايجمع النبوة والملك لأحد ، فقال زيد : قال اللّه تعالى : : « أم يَحْسُدُونَ الناسَ على ما آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آل إبراهِيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ واتَينْاهُم مُلكاً عظِيماً » (٣).

٨ ـ روى المسعودي أنّه لما قامت الحرب بين أصحاب زيد وجيش يوسف ابن عمر الثقفي انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً :

أذل الحياة وعزّ الممات

وكلاً أراه طعاماً وبيلا

فإن كان لابد من واحد

فسيري إلى الموت سيراً جميلاً (٤)

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ٤٩٨ ، ابن الأثير : الكامل : ٥ / ٢٤٣.

٢ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٦٩.

٣ ـ ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق ، كما في زيد الشهيد للسيد العاملي : ٩١.

٤ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٢٠٧.

٢٨٣

وما أنشأه زيد الثائر من الشعر نفس ما أنشده الاِمام الحسين عليه‌السلام :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى

إذا في سبيل اللّه يمضي ويقتل (١)

٩ ـ روى المسعودي أنّه دخل زيد على هشام بالرصافة ، فقال له : ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ولا يصغر دون تقوى اللّه ، فقال هشام : اسكت لا أُمّ لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة ، ثم نقل جواب زيد وقال : وقام زيد عن المجلس وهو يقول :

شرَّدَهُ الخوف وأزرى به

كذاك من يكره حرَّ الجلاد

منخرق الكفين يشكو الجوى

تنكثه أطراف مَرْوٍ حداد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

إن يُحدث اللّه له دولة

يترك آثار العدا كالرماد (٢)

١٠ ـ إنّ رسالة زيد إلى علماء الأمّة أوان خروجه تدل بوضوح على أنّ دافعه إلى الخروج هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد مر نصّها في الفصل الثالث.

توطين النفس على الشهادة :

خرج زيد موطناً نفسه على القتل والشهادة ، مقدّماً المنيّة على الدنيا الدنية ، وقتل العز على عيش الذل ، كيف وهو الذي كان يترنّم بقوله :

فأجبتها أنّ المنية منهل

لابدّ أن أُسقى بذاك المنهل

__________________

١ ـ الخوارزمي : مقتل الحسين عليه‌السلام : ٢ / ٣٣.

٢ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٢٠٦.

٢٨٤

ومن كان هذا كلامه ويترنّم بما ماثله أيضاً ، لا يخرج لطلب الملك والاِمارة وكسب الجاه والمقام وهو مشرف على القتل ، وطلب الجاه من شوَون من يريد البقاء والالتذاذ بلذائذ الدنيا لا من يريد ركوب الرماح والأسنّة.

ومن أراد اتهام زيد بطلب الاِمارة والخلافة فلم يعرف نفسيته ولا بيئته وظروفه المحدقة به فإنّها كانت تُحتِّم عليه الموت وهو كان يرى الشهادة أمامه.

والذي وطّن نفسه على القتل هو الأمور التالية :

١ ـ كان كلام جده وآبائه رنين سمعه وأنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ويقتل بالكوفة ... وقد سمع عن والده عليّ بن الحسين عليهما‌السلام وهو صغير : « أُعيذك باللّه أن تكون زيداً المصلوب بالكناسة » كما سمع نظيره عن ابن أخيه الاِمام الصادق عليه‌السلام الذي أطبق المسلمون على صدقه ، ومع هذه الأخبار المتضافرة كيف لا يوطّن نفسه على الشهادة ، ويخرج لطلب الملك والجاه والمقام دون إباء الضيم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعريف الأمّة بواجبهم تجاه الطغمة الغاشمة.

٢ ـ إنّ الذين بايعوه ودعوه إلى النضال والكفاح كانوا ـ وللأسف ـ معروفين بالنفاق ، وعدم الثبات والصمود في مسيرة الدعوة وطريق البيعة ، فكانوا يبرمون أمراً وينقضونه من فوره ، وأهل الكوفة وإن لم يكن كلّهم كذلك وكان فيهم أبطال صامدون ولكن الأكثرية الساحقة كانوا بهذه الخصيصة وقد عرّفهم الاِمام عليّ عليه‌السلام في غير واحد من خطبه نقتطف منها ما يلي :

١ ـ يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال ، لوددت أنّي لم أركم ، ولم أعرفكم معرفة ـ واللّه ـ ... قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً (١).

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة : ٢٧.

٢٨٥

٢ ـ ويقول في خطبة أُخرى : « يا أهل الكوفة منيت بكم بثلاث واثنتين ، صمّ ذو أسماع ، وبكم ذو كلام ، وعمي ذو أبصار ، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء ، ولا إخوان ثقة عند البلاء ... لوددت واللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم » (١).

فإذا كان المبايعون هوَلاء الذين وصفهم جدّه بعدم الثبات والصدق عند اللقاء ، فكيف يصح له أن يعتمد على بيعتهم ويطلب الاِمارة؟! والكوفة وإن انجبت أبطالاً شهاماً كتبوا على جبين الدهر بطولاتهم وصدق مواقفهم في ميادين الحرب ، ولكن كانت الكوفة تحتضن موالي أتوا من هنا وهناك وتوطّنوا فيها ، وكان العرب المتوطِّنون فيها وافدين من نقاط شتّى وقبائل مختلفة لا تجمعهم فكرة واحدة وثقافة فريدة ، وقد مصّرت الكوفة أيام عمر بن الخطاب ولم تكن قبل ذلك حاضرة ، وهي بخلاف الشام فقد ضربت فيها حضارة عريقة بجرانها قبل قرون ، وكانت تسوسهم الوحدة الحضارية والعنصرية والتربية المدنية والدينية قبل الاِسلام ، فاستغلال هذه المنطقة بمالها من المواصفات أسهل من استغلال هوَلاء الذين لا يربطهم سوى شيء واحد وهو التوطّن في أرض الكوفة وما والاها.

وإن كنت في شكّ ممّا ذكرنا من هوَلاء فقارن عدد المبايعين لزيد وعدد الحاضرين في ساحة المعركة ، فقد أقام زيد بالكوفة خمسة أشهر وبالبصرة شهرين ، فأخذ الناس يبايعونه من الشيعة والمحكِّمة وبلغ ديوانه خمسة وعشرين ألفاً أو أزيد كما سيوافيك ، ولكن لم يحضر منهم في ميدان القتال إلاّ مائتان وثمانية عشر رجلاً ، ولمّا وقف زيد على قلّة المجيبين ، قال : سبحانه اللّه أين الناس؟ فقيل : إنّهم محصورون في المسجد ، فقال زيد : سبحان اللّه ما هذا عذر لمن بايعنا.

كل ذلك يدلنا على أنّ زيداً قام بالأمر وهو موطن نفسه على الشهادة وإراقة

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة : ٩٧.

٢٨٦

دمه في طريق هدفه ، ألا وهو إيقاظ الأمّة وتوجيههم نحو واجبهم.

٣ ـ إنّ زيداً الشهيد كان يواجه دولة كبيرة أُموية ضربت بجرانها أقطار الأرض شرقها وغربها وبيدها مفاتيح الخير والشر وهو لا يملك من العدة إلاّ شيئاً قليلاً ، أفيصح أن يرمى مثل زيد بأنّه خرج لطلب السلطة والاِمامة لا للشهادة والفداء؟!

حول الأحداث الجزئية الدافعة إلى الخروج :

قد تعرفت على الدافع الواقعي لثورته غير أنّ الموَرخين ذكروا أسباباً أُخرى لخروجه لو صحت فإنّما يعتبر كونها معدات للثورة ، وأسباباً لتفجّرها وتقدّمها لا أنّها كوّنت فكرة الثورة في نفسه ، وفي غضون ما نذكره من الأسباب دلالة واضحة على أنّ الفكرة تكوّنت قبل وقوع هذه الأسباب وإليك بيانها :

١ ـ اتهامه بأخذ الجائزة من خالد القسري :

كان خالد بن عبد اللّه القسري عامل هشام على العراق فعزله ونصب يوسف بن عمر مكانه ، وتتبع الوالي الثاني مزالق أقدام خالد ، العامل الأوّل وكتب إلى هشام :

إنّ خالداً ابتاع من زيد ، أرضاً بالمدينة بعشرة آلاف دينار ، ثم ردّ الأرض عليه ، فكتب هشام إلى عامل المدينة أن يسيّرهم إليه ، ففعل ، فسألهم هشام عن ذلك فأقرّوا بالجائزة وأنكروا ما سوى ذلك وحلفوا ، فصدّقهم وأمرهم بالمسير إلى العراق ليقابلوا خالداً ، فساروا على كره وقابلوا خالداً ، فصدّقهم ، فعادوا نحو المدينة. فلمّا نزلوا القادسية راسل أهل الكوفة زيداً فعاد إليهم.

وقيل : بل ادّعى خالد بن عبد اللّه القسري أنّه أودع زيداً وداود بن علي ونفراً من قريش مالاً ، فكتب يوسف بذلك إلى هشام ، فأحضرهم هشام من المدينة

٢٨٧

وسيّرهم إلى يوسف ليجمع بينهم وبين خالد فقدموا عليه ، فقال يوسف لزيد : إنّ خالداً زعم أنّه أودعك مالاً. قال : كيف يودعني وهو يشتم آبائي على منبره؟! فأرسل إلى خالد فأحضره في عباءة ، فقال : هذا زيد قد أنكر أنّك قد أودعته شيئاً. فنظر خالد إليه وإلى داود بن علي وقال ليوسف : أتريد أن تجمع مع إثمك فيّ إثماً في هذا؟ كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر! فقالوا لخالد : ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال : شدّدَ عليّ العذاب فادّعيت ذلك وأمَّلت أن يأتي اللّه بفرج قبل قدومكم. فرجعوا وأقام زيد وداود بالكوفة.

وقيل : إنّ يزيد بن خالد القسري هو الذي ادّعى المال وديعة عند زيد.

فلمّا أمرهم هشام بالمسير إلى العراق إلى يوسف استقالوه خوفاً من شر يوسف وظلمه ، فقال : أنا أكتب إليه بالكفّ عنكم ، وألزمه بذلك ، فساروا على كره.

وجمع يوسف بينهم وبين يزيد ، فقال يزيد : [ ما ] لي عندهم قليل ولا كثير. قال يوسف : أبيَ تهزأ أم بأمير الموَمنين؟ فعذبه يومئذ عذاباً كاد يهلكه ، ثم أمر بالفرّاشين فضُـربوا وترك زيداً. ثم استحلفهم وأطلقهم ، فلحقوا بالمدينة ، وأقام زيد بالكوفة ، وكان زيد قد قال لهشام لما أمره بالمسير إلى يوسف : ما آمن إن بعثتني إليه أن لا نجتمع أنا وأنت حيّين أبداً. قال : لابد من المسير إليه ، فساروا إليه (١).

لا شك أنّ هذا الحديث مهما كان صحيحاً ، لا يكون مبرراً للثورة ، لو لم يكن هناك عنصر قوي دفعه إليها. وأظن أنّ الوالي المتتبع لعثرات الوالي الأوّل اتّهمه بأنّه ابتاع من زيد أرضاً بالمدينة بعشرة آلاف دينار ثم ردّ الأرض عليه ولم يكن هناك أي بيع وشراء ، خصوصاً ، البائع يقطن المدينة والمشتري والى العراق ، والأرض المشتراة في المدينة ، ومن أين لزيد مثل هذه الأرض بهذه القيمة العالية؟

__________________

١ ـ ابن الأثير الجزري : ٥ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

٢٨٨

وأمّا ما نقل عن خالد ، من أنّه اعترف على زيد بأنّه أودع عنده ، فلعله ذكره ليرفع العذاب عن نفسه ولم يكن عنده ولا عند غيره شيء فلذلك لما جمعهم يوسف ابن عمر تكلم بالحقيقة ، وقال : كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آبائه؟! وعلى كل تقدير فهذا الحدث وإن كان ثقيلاً على مثل زيد لكن لا يكوّن الثورة في نفسه بل يعرب عن تكوّنه قبل هذا الحدث ولأجل ذلك قال لهشام : ما آمن إن بعثتني إليه أن لا نجتمع أنا وأنت حيين أبداً.

٢ ـ التخاصم في الأوقاف :

كان للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة وعلي عليهما‌السلام أوقافاً يتوّلاها بنو الحسن وبنو الحسين وربما جرت بينهما مشاجرات وقد نقله غير واحد من الموَرخين نأتي بنص الجزري حيث قال :

كان السبب في ذلك أنّ زيداً كان يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي في [ ولايةج وقوف علي عليه‌السلام ، [ وكان ] زيد يخاصم عن بني الحسين عليه‌السلام ، وجعفر يخاصم عن بني الحسن عليه‌السلام ، فكانا يتبالغان [ بين يدي الوالي إلىج كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفاً.

فلمّا مات جعفر نازعه عبد اللّه بن الحسن بن الحسن ، فتنازعا يوماً بين يدي خالد بن عبد الملك بن الحارث بالمدينة ، فأغلظ عبد اللّه لزيد وقال : يابن السندية! فضحك زيد وقال : قد كان إسماعيل لأمة ومع ذلك فقد صبرت بعد وفاة سيدها إذ لم يصبر غيرها ، يعني فاطمة ابنة الحسين أُم عبد اللّه ، فإنّها تزوجت بعد أبيه الحسن بن الحسن ، ثم ندم زيد واستحيا من فاطمة ، وهي عمته ، فلم يدخل عليها زماناً ، فأرسلت إليه : يابن أخي إنّي لأعلم أنّ أُمّك عندك كأُمّ عبد اللّه عنده. وقالت لعبد اللّه : بئس ما قلت لأم زيد! أما واللّه لنعم دخيلة القوم كانت! قال : فذكر أنّ خالداً قال لهما : أُغدوا علينا غداً فلست لعبد الملك إن لم أفصل

٢٨٩

بينكما. فباتت المدينة تغلي كالمرجل ، يقول قائل : قال زيد كذا ، ويقول قائل : قال عبد اللّه كذا.

فلما كان الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس فمن بين شامت ومهموم ، فدعا بهما خالد وهو يحب أن يتشاتما ، فذهب عبد اللّه يتكلم ، فقال زيد : لاتعجل يا أبا محمد ، أعْتَقَ زَيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبداً. ثم أقبل على خالد فقال : جمعت ذرية رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمرٍ ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر! فقال خالد : أما لهذا السفيه أحد؟ فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال : يا ابن أبي تراب وابن حسين السفيه! أما ترى للوالي عليك حقاً ولا طاعة؟ فقال زيد : اسكت أيّها القحطاني فإنّا لا نجيب مثلك. قال : ولِـمَ ترغب عني؟ فو اللّه إنّي لخير منك ، وأبي خير من أبيك ، وأُمي خير من أُمّك. فتضاحك زيد وقال : يامعشر قريش هذا الدين قد ذهب فذهبت الأحساب ، فواللّه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم. فتكلم عبد اللّه بن واقد بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب ، فقال : كذبت واللّه أيّها القحطاني! فواللّه لهو خير منك نفساً وأُماً وأباً ومحتداً. وتناوله بكلام كثير ، وأخذ كفاً من حصباء وضرب بها الأرض ثم قال : إنّه واللّه ما لنا على هذا من صبر.

وشخص (١) زيد إلى هشام بن عبد الملك ، فجعل هشام لا يأذن له ، فيرفع إليه القصص ، فكلّما رفع قصة يكتب هشام في أسفلها : أرجع إلى أميرك ، فيقول زيد : واللّه لا أرجع إلى خالد أبداً. ثم أذن له يوماً بعد طول حبس ورَقِيَ (٢) عليّة طويلة ، وأمر خادماً أن يتبعه بحيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول ، فصعد زيد ،

__________________

١ ـ سياق العبارة : أنّ شخوصه إلى هشام كان لحل عقدة تولية الأوقاف : ولكنه غير صحيح لما سيوافيك في تعليقنا للقصة.

٢ ـ أي هشام بن عبد الملك.

٢٩٠

وكان بديناً ، فوقف في بعض الدرجة ، فسمعه يقول : واللّه لا يحب الدنيا أحد إلاّ ذلّ. ثم صعد إلى هشام فحلف له على شيء ، فقال : لا أُصدقك ، فقال : يا أمير الموَمنين إنّ اللّه لم يرفع أحداً عن أن يرضى باللّه ، ولم يضع أحداً عن ألاّ يرضى بذلك منه. فقال هشام : لقد بلغني يازيد أنّك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هنالك وأنت ابن أمة. قال زيد : إنّ لك جواباً. قال : فتكلم. قال : إنّه ليس أحد أولى باللّه ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه ، وقد كان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة فاختاره اللّه عليه وأخرج منه خير البشر ، وما على أحد من ذلك إذ كان جده رسول اللّه وأبوه علي بن أبي طالب ما كانت أُمّه. قال له هشام : أُخرج. قال : أخرجُ ثم لا أكون إلاّ بحيث تكره. فقال له سالم : يا أبا الحسين لاتظهرن هذا منك.

فخرج من عنده وسار إلى الكوفة ، فقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : أُذكّرك اللّه يازيد لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة ، فإنّهم لا يفون لك ، فلم يقبل. فقال له : خرج بنا أُسراء على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق إلى قيس ثقيف يلعب بنا ، وقال :

بَكُرَت تخوّفني الحُتوف كأنّني

أصبحت عن عرض الحياة بمعزل (١)

إلفات نظر :

يظهر من الجزري أنّ زيداً دخل الشام مرتين وقابل فيهما هشاماً ، أحدهما : لأجل تحضير هشام إيّاه من المدينة وتسييره إلى يوسف بن عمر في قضية خالد بن عبد اللّه القسـري ، وأُخرى : بعد النزاع في تولية الأوقاف ، وسياق كلام الجزري هو أنّ الرحلة الثانية كانت عقيب ذلك الحدث وذلك لأنّه بعد ما فرغ من الكلام في النزاع في المدينة ، قال :

____________

١ ـ ابن الأثير الجزري : ٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣٣.

٢٩١

« وشخص زيد إلى هشام بن عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع إليه القصص ... »

مومياً إلى أنّ الرحلة الثانية كانت لأجل فصل الخصومة عند هشام ولكن السياق متروك قطعاً ولو صحت الرحلة الثانية فإنّما كان لأجل شكايات وقصص مختلفة وصلت إليه وأراد رفعها إلى هشام لا لأجل فصل الخصومة بينه وبين بني الحسن في تولية الأوقاف ، ويدل على ذلك أمران :

١ ـ أنّه صاح على والي المدينة خالد بن عبد الملك عندما جمعه وعبد اللّه بن الحسن في المسجد لرفع الخصومة وقال : جمعت ذرية رسول اللّه لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر ، أفيصح بعد هذا أن يرفع الشكاية في ذلك الموضوع إلى هشام بن عبد الملك؟

٢ ـ قال الجزري عند بيان الرحلة الثانية : « فيرفع إليه القصص فكلّما رفع قصة يكتب هشام في أسفلها : ارجع إلى أميرك ... » فظاهر العبارة أنّه كانت هناك شكايات وقصص عديدة أراد أن يلفت نظر هشام إلى تلك الجرائم.

وأظن أنّ ما ذكره المسعودي في مروجه وشيخنا المفيد في إرشاده ليس قضية أُخرى ، بل هو نفس ما جاء به الجزري بتفصيل غير أنّ المسعودي اختزله. وإليك نصهما :

دخل زيد على هشام بالرصافة فلمّـا مثل بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال : يا أمير الموَمنين ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ولا يصغر دون تقوى اللّه ، فقال هشام : أُسكت لا أُمّ لك ، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت ابن أمة ، قال : يا أمير الموَمنين إنّ لك جواباً إن أحببت أجبتك به وإن أحببت أسكت عنه ، فقال : بل أجب. قال : إنّ الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أُم إسماعيل أمة لأمّ إسحاق ( صلى الله عليهما )

٢٩٢

فلم يمنعه ذلك أن بعثه اللّه نبياً ، وجعله للعرب أباً فأخرج من صلبه خير البشر محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي ، وقام وهو يقول :

شـرده الخـوف وأزرى بـه

كذاك من يكره حرّ الجلاد (١)

فمضى عليه إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القراء والأشراف فحاربه يوسف ابن عمر الثقفي (٢).

ونقل الشيخ المفيد وأكمله بقوله :

« فوثب هشام عن مجلسه (بعد ما أجابه زيد) وقال : لايبيتنّ هذا في عسكري الليلة ، فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قط قوم حدّ السيوف إلاّ ذلّوا فلمّا وصل إلى الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته وأسلموه ، فقتل وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يعينوه بيد ولا لسان (٣).

٣ ـ ردّ زيد على تجرّوَ هشام :

دخل زيد على هشام وقد احتشد المجلس بأهل الشام فقال : ما يصنع أخوك البقرة؟ فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه وقال : سمّاه رسول اللّه الباقر ، وأنت تسمّيه البقرة ، لشد ما اختلفتما ، لتخالفه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنّة وترد النار ، فانقطع هشام عن الجواب وبان عليه العجز ، ولم يستطع دون أن صاح لغلمانه : أخرجوا هذا الأحمق المالق ، فأخذ الغلمان بيده فأقاموه (٤).

__________________

١ ـ مضت الأبيات : ص ٩٨ ، فراجع.

٢ ـ مروج الذهب : ٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

٣ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ وابن مهنا : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

٤ ـ ابن قتيبة : عيون الأخبار : ١ / ٢١٢ ، وابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة : ٣ / ٢٨٦ ، الطبرسي : أعلام الورى : ٢٥٧.

٢٩٣

وقال الصفدي : وفد على هشام بن عبد الملك فرأى منه جفوة ، فكان ذلك سبب خروجه وطلبه للخلافة (١).

لو أنّ الصفدي ومن لفَّ لفَّه عرف نفسيات زيد ، وروحياته الطاهرة ، لوقف على أنّ هذا الحدث وما أشبهه ، لم يكن سبباً للقيام ، فإنّه كان مختمراً في النهضة أيام إقامته في المدينة قبل أن يفد إلى هشام حتى أنّ الصفدي يروي نفسه ويقول : « دخل زيد بن علي مسجد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم حارّ من باب السوق فرأى سعد ابن إبراهيم في جماعة من القرشيين قد حان قيامهم ، فقاموا ، فأشار إليهم فقال : يا قوم أنتم أضعف من أهل الحرة! قالوا : لا ، قال : وأنا أشهد أنّ يزيد ليس شراً من هشام فما لكم؟ فقال سعد لأصحابه : مدة هذا قصيرة ، فلم ينشب أن خرج وقتل (٢).

زيد الثائر في الكوفة :

دخل زيد الكوفة في النصف الثاني من عام مائة وعشرين وأقام بها وذلك بعدما أمر به هشام بن عبد الملك من المسير إلى العراق حتى يحاكمه يوسف بن عمر فيما كان يدعيه خالد بن عبد اللّه القسري أو ابنه يزيد بن خالد من توديع أموال عنده وعند داود بن علي بن عبد اللّه بن العباس. فلما تبيّنت براءته عما يدّعى عليه لم يرحل إلى الحجاز بل أقام بها ظاهراً ومعه داود بن علي ، وأقبلت الشيعة تختلف إلى زيد وتأمره بالخروج ويقولون : إنّا لنرجو أن تكون أنت المنصور ، وان هذا الزمان هو الذي تهلك فيه بنو أُمية وفي خلال المدّة التي كان هو في الكوفة ، يرسل يوسف بن عمر إليه رسولاً بعد رسول ليغادر الكوفة ، ولكنه في كل مرّة يعتذر بعذر حتى أتى القادسية ، وقيل : الثعلبية ، فتبعه أهل الكوفة وقالوا : نحن أربعون ألفاً لم

__________________

١ ـ الصفدي : الوافي بالوفيات : ١٥ / ٣٣.

٢ ـ المصدر نفسه : ١٥ / ٣٦.

٢٩٤

يختلف عنك أحد نضرب عنك بأسيافنا وليس هيهنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة ، بعض قبائلنا يكفيكهم بإذن اللّه وحلفوا له بالأيمان المغلظة (١).

وهناك من يقول : إنّ زيداً لما قضى وطره في الشام ورأى عند هشام من التجبّر والأنانية غادر الشام إلى الكوفة فأقام بها مستخفياً فينتقل في المنازل ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فبايعه وجوه أهل الكوفة وكانت بيعته : إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيه وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، واعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم ونصر أهل البيت أتبايعون على ذلك؟ فإذا قالوا نعم وضع يده على أيديهم ويقول : عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته وذمّة رسوله لتفين ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي ولتنصحنَّ لي في السر والعلانيّة ، فإذا قال نعم ، مسح يده على يده ، ثم قال : اللهم اشهد ، فبايعه خمسة عشر ألفاً وقيل أربعون ألفاً فأمر أصحابه بالاستعداد ، فأقبل من يريد أن يفي له ، ويخرج معه ويستعد ويتهيّأ وشاع أمره في الناس (٢).

وبما أنّه من البعيد أن تكون لمثل زيد حليف القرآن والعبادة رحلات أو رحلتان إلى الشام فالظاهر هو الوجه الأوّل ، وأنّه بعدما سيّره هشام بن عبد الملك إلى الكوفة لأجل المحاكمة فأقام بها متهيّئاً للثورة ، وهذا هو الظاهر أيضاً من أبي الفرج الأصفهاني وبما أنّه زيدي له عناية خاصة بتحقيق مواقف زيد فاقتصر بالوجه الأوّل ، وقال : « فأقام زيد بعد خروجه من عند « يوسف » بالكوفة أياماً ، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل ، وبأشياء يبتاعها فألحّ عليه حتى خرج فأتى القادسية ، ثم إنّ الشيعة لقوا زيداً فقالوا له : « أين تخرج عنّا رحمك اللّه ، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أُمية بها دونك ، وليس قِبَلِنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة فأبى عليهم فما زالوا يناشدونه

__________________

١ ـ الجزري : الكامل : ٥ / ٢٣٤.

٢ ـ المصدر نفسه : ٥ / ٢٣٣.

٢٩٥

حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق ... وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان وجرجان وأقام بالكوفة بضعة عشر شهراً وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعو الناس إلى بيعته فلما دنا خروجه ، أمر أصحابه بالاستعداد والتهيّوَ ، فجعل من يريد أن يفي له يستعد (١).

من بايع زيداً من المحدثين والفقهاء :

قد عرفت أنّه بايعه وجوه أهل الكوفة كما بايعه أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان (٢) ولكن نركز على أسماء أهل العلم ونقلة الآثار الذين أتى بأسمائهم أبو الفرج الأصفهاني في كتاب « مقاتل الطالبيين » فإنّ في التعرف عليهم تأثيراً للتعرّف على مكانة زيد في قلوب الفقهاء والمحدثين وأهل العلم في ذلك الزمان ، وأنّ الرجل ما لم تكن فيه مكانة كبرى في قلوب الناس لما بايعه نظراء أبي حنيفة والأعمش وابن أبي ليلى وغيرهم.

١ ـ منصور بن المعتمر :

عدّه الرجاليون من أصحاب الاِمام الباقر والصادق عليهما‌السلام (٣) كان يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي ، أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه ، فقتل زيد ومنصور غائب عنه ، فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عن تأخره ، ثم خرج بعد ذلك مع عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر (٤).

__________________

١ ـ أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : ٩١ ـ ٩٢.

٢ ـ ابن مهنا : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٢٥٦ ، وقد عرفت كلام أبي الفرج في مقاتل الطالبيين.

٣ ـ تنقيح المقال : ٣ / ٢٥٠ ، نقله عن الشيخ الطوسي.

٤ ـ ذكر خروجه (عبد اللّه بن معاوية) أبو الفرج في مقاتل الطالبيين١١١ ـ ١١٦.

٢٩٦

٢ ـ نعمان بن ثابت (أبو حنيفة) :

روى أبو الفرج عن الفضل بن الزبير ، قال : قال أبو حنيفة من يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال : قلت : سلمة بن كهيل ، ويزيد بن أبي زياد ، وهارون بن سعد ، وهشام بن البريد وأبو هاشم الرماني ، والحجاج بن دينار وغيرهم ، فقال لي : قل لزيد : لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح ، ثم بعث ذلك معي إلى زيد فأخذه زيد.

٣ ـ سليمان بن مهران (الأعمش) :

أحد أعلام الشيعة بالكوفة ، وقد جاء عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه فجلس إلى الأعمش فقال : أخلنا فإنّ لنا إليك حاجة ، فقال : وماخطبكم؟ هذا شريك وهذا عمرو بن سعيد ، أذكر حاجتك فقال : أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته والجهاد معه وهو من عرفت. قال : أجل ما أعرفني بفضله إقرياه مني السلام وقولا له : يقول لك الأعمش : لست أثق لك ـ جعلت فداك ـ بالناس ولو أنّا وجدنا لك ثلاثمائة رجل أثق بهم ، لغيّرنا لك جوانبها.

٤ ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري :

كان من أصحاب الرأي تولى قضاء الكوفة وأقام حاكماً ثلاث وثلاثين سنة ولي لبني أُمية ، ثم لبني العباس ومات على القضاء في سنة ١٤٨ هـ وله ٧٤ سنة ، نقل أبو الفرج عن أحمد بن محمد بن عمران بن أبي ليلى ، قال : حدثني أبي ، قال : كان محمد بن أبي ليلى ومنصور بن المعتمر بايعا زيد بن علي. قال : وبعث يوسف ابن عمر إلى الناس فأخذ عليهم أبواب المسجد فحال بينه وبينهم.

٢٩٧

٥ ـ هلال بن حباب :

كان عالماً فاضلاً راوياً تولى قضاء المدائن ومات بها. قال أبو الفرج : كتب زيد بن علي إلى هلال بن حباب وهو يومئذ قاضي المدائن فأجابه وبايع له.

٦ ـ زبيد بن الحارث اليامي :

ينتهي نسبه إلى يام ، بطن من همدان ، كان من الشيعة المحدثين في الكوفة ومن التابعين ، روى أبو الفرج عن سالم بن أبي الحديد ، قال : أرسلني زيد بن علي إلى زبيد اليامي أدعوه إلى الجهاد معه.

٧ ـ يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي :

كان هاشمياً ولاءً لا نسباً ، أحد أعلام الشيعة بالكوفة مات سنة مائة وسبع وثلاثين ، روى أبو الفرج عن عبدة بن كثير السراج الجرمي ، قال : قدم يزيد بن أبي زياد مولى بنى هاشم صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقّة يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي ، وكان من دعاة زيد بن علي ، وأجابه الناس من أهل الرقّة ، وكنت فيمن أجابه.

٨ ـ قيس بن ربيع الأسدي :

كان من فقهاء الكوفة ولكثرة أحاديثه وسماعه الحديث قيل له الحوال ، قال أبو الوليد : كتبت عن قيس ستة آلاف حديث توفى بالكوفة سنة مائة وثمان وستين. روى أبو الفرج أنّ أبا حصين قال لقيس بن الربيع : ياقيس ، قال : لبيك. قال : لا لبيك ولا سعديك ، لتبايعن رجلاً من ولد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تخذله ، وذلك أنّه بلغه بايع زيد بن علي رضوان اللّه عليه.

٢٩٨

٩ ـ سلمة بن كهيل :

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب علي بن الحسين والباقر والصادق عليهم‌السلام ويظهر من الروايات انحرافه عن الاِمام الباقر ، روى الكليني عن الاِمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : « شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا » (١).

روى الكشي أنّه دخل سلمة بن كهيل ومعه جماعة على أبي جعفر وعنده أخوه زيد فقالوا لأبي جعفر عليه‌السلام : نتولّـى علياً وحسناً وحسيناً ونتبّرأ من أعدائهم؟ قال : نعم ، قالوا : فنتولى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهم؟فالتفت إليهم زيد بن علي وقال لهم : أتتبرّوَن من فاطمة ، بترتم أمرنا بتركم اللّه. فيومئذ سمّوا البترية (٢).

١٠ ـ هارون بن سعد العجلي :

ويقال له الجعفي الفقيه كان من حملة الآثار في الكوفة وقد عدّه أبو الفرج من المبايعين كما عرفت.

١١ ـ أبو هاشم الرماني :

اسمه يحيى بن دينار من الفقهاء التابعين.

١٢ ـ الحجاج بن دينار :

كثير الرواية كان من فقهاء التابعين.

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ١ / ٣٩٢.

٢ ـ الكشي : الرجال : ٢٣٦.

٢٩٩

١٣ ـ سفيان الثوري :

نسبه إلى ثور بن عبد مناة سمّي بذلك لأنّه نزل جبل ثور الذي به الغار ، كان من أعيان فقهاء الكوفة ورواة الحديث استقضاه المهدي على الكوفة فامتنع وتولاه شريك بن عبد اللّه النخعي فقال الشاعر :

تحـرز سفيان وفاز بدينه

وأمسى شريك مرصداً للدراهم

مات في البصرة عام ١٦١ هـ وله ٦٦ سنة وكان مختفياً من السلطان بايع زيداً على الخروج ولما بلغه قتل زيد. قال : لقد بذل مهجته لربّه وقام بالحقّ لخالقه ولحق بالشهداء المرزوقين.

١٤ ـ مسعر بن كدام الفدكي :

يعد من مشاهير رواة الحديث في الكوفة من بني صعصعة يبسط له في المسجد الأعظم ليجلس عليه ويحدث ، طلبه المنصور للقضاء فأبى ومات سنة ١٥٢ هـ ولم يتول شيئاً من ذلك.

هوَلاء هم الذين ذكرهم أبو الفرج في مقاتل الطالبيين إلا الأخير (١) وهناك شخصيات أُخرى بايعوه ولم يذكرهم بل جاءت في مصادر أُخرى ، فمن أراد التفصيل فليرجع إليها. (٢)

__________________

١ ـ أبو الفرج الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : ٩٨ ـ ١٠١ ، ط النجف.

٢ ـ لاحظ الروض النضير : ج١ / ١١١ ؛ حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية : ١ / ١٤٤ ، السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم : زيد الشهيد : ١٢٠ ـ ١٢٣.

٣٠٠