بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

سنة اثنتين وعشرين ومائة (١).

٦ ـ وقال الصفدي : وكانوا قد صلبوه بالكناسة سنة إحدى واثنتين أو ثلاث وعشرين ومائة ، وله اثنتان أو أربع وأربعون سنة ثم حرقوه بالنار ، فسمّي زيد النار ، ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ثم أُنزل بعد أربع سنين من صلبه (٢).

٧ ـ وروى السياغي عن الاِمام المرشـد باللّه في أماليـه أنّه ولـد سنة ٧٥ واستشهد سنة ١٢٢ هـ (٣).

وسيوافيك عن الطبري والجزري في الفصل المختص بثورته أنّهما ذكرا تاريخ خروجه واستشهاده عام ١٢٢ هـ.

القول الحق في ميلاده :

ولكن هنا احتمالاً آخر لا يتفق مع جميع الأقوال لكن توَيده القرائن والروايات وهي أنّ أُم زيد كما تقدم ـ كانت أمة أهداها المختار إلى الاِمام زين العابدين عليه‌السلام ـ وقد خرج المختار عام ٦٦ وقتل عام ٦٧ هـ ، وطبع الحال يقتضي أنّه أهداها إلى الاِمام في أحد العامين ، ولا يمكن تأخره عنهما ، وبما أنّ زيداً كان أوّل ولدٍ أنجبت فلا محيص عن القول بأنّ زيداً من مواليد سنة ٦٧ هـ أو بعدها ، ولو قلنا بتأخر ولادة زيد إلى عام ٧٥ هـ وما بعده فلازم ذلك أن لا يمسّها الاِمام إلى ذلك العام أو كانت لا تلد إلى تلك السنة أو أولدت ولكن لم يكن له حظ من البقاء والكل بعيد. وعلى ضوء ذلك يحتمل قوياً أنّ يكون ميلاد زيد هو

____________

١ ـ الذهبي : تاريخ الاِسلام ووفيات المشاهير والأعلام : ١٠٧ ـ ١٠٨ (حوادث سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ).

٢ ـ الصفدي : الوافي بالوفيات : ١٥ / ٣٤. (إنّ « زيد النار » لقب زيد بن موسى بن جعفر الذي خرج في عصر « المأمون » وأحرق بيوت بني العباس : والظاهر أنّ الصفدي قد سها في تسمية زيد بن علي به).

٣ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ٩٦.

٦١

عام قتل المختار ، أعني : ٦٧ هـ ، أو عام بعده ، فلو أخذ في مقتله بالقول المشهور ، وأنّه استشهد عام ١٢٢ هـ ، يكون عمره عند ذاك حوالي ٥٥ سنة.

هذا وتوَيد ذلك روايات تنصّ على أنّ أُمّه حملت زيداً عام الأهداء وإليك نصّها :

١ ـ روى الشيخ أبو القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي ـ من أعلام أوائل القرن الرابع ـ في تفسيره عن الجعفي عن أبيه ، قال : كنت أُدمن الحجّ فأمرّ على علي ابن الحسين عليهما‌السلام فأُسلِّمُ عليه ففي بعض حججي غدا علينا علي بن الحسين عليهما‌السلام ووجهه مشرق فقال : « جاءني رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلتي هذه حتى أخذ بيدي فأدخلني الجنّة ، فزوّجني حوراء فواقعتها فعلقته ، فصاح بي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي بن الحسين سمِّ المولود منها زيداً ».

قال : فما قمنا من مجلس عليّ بن الحسين ذلك اليوم ، وعلي بن الحسين عليهما‌السلام يقصّ الروَيا حتى أرسل المختار بن أبي عبيدة بأُم زيد أرسل بها إليه المختار ابن أبي عبيدة هدية إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام شراها بثلاثين ألفاً ، فلما رأينا إشغافه بها تفرّقنا من المجلس ، فلما كان من قابل حججت ومررت على علي بن الحسين ( عليهما‌السلام.أ) لأسلِّم عليه فأخرج بزيد على كتفه الأيسر وله ثلاثة أشهر وهو يتلو هذه الآية ويومىَ بيده إلى زيد وهو يقول : « هذا تَأوِيلُ رُوَيايَ مِن قَبلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقّاً » (١).

٢ ـ روى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي وقال : وعن أبي حمزة الثمالي قال : كنت أزور علي بن الحسين عليهما‌السلام في كل سنة مرّة في وقت الحجّ ، فأتيته سنة وإذا على فخذه صبيّ ، فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشجّ رأسه ، فوثب إليه علي بن الحسين عليهما‌السلام مُهَروِلاً فجعل ينشف دمه بثوبه ويقول له :

__________________

١ ـ فرات بن إبراهيم : التفسير : ٢٠٠ ، تحقيق محمد الكاظم. والآية ١٠٠ من سورة يوسف.

٦٢

« يابني أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب في الكناسة! » قلت : بأبي أنت وأُمي أيّ كناسة؟ قال : « كناسة الكوفة ». قلت : جعلت فداك ويكون ذلك؟ قال : « أي واللّه إن عشت بعدي لترينّ هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً في الكناسة ثم ينزل فيحرق ويدق ويذرى في البر ».

قلت : جعلت فداك وما اسم هذا الغلام؟ قال : « زيد ». ثم دمعت عيناه ، ثم قال : « ألا أُحدثك بحديث ابني هذا ، بينما أنا ليلة ساجد وراكع ، ذهب بي النوم فرأيت كأنّي في الجنة ، وكأنّ رسول اللّه وعلياً وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ قد زوّجوني جارية من الحور العين ، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى وَوَلِّيت ، وهاتف يهتف بي : لِيُهنَّك زيد ، ليهنّك زيد ، ليهنّك زيد. فاستيقظت فأصبت جنابة ، فقمت فتطهرت وصليت صلاة الفجر ، فدقّ الباب وقيل لي : على الباب رجل يطلبك. فخرجت فإذا أنا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده ، مخمرة بخمار ، فقلت : ما حاجتك؟ فقال : أُريد علي بن الحسين. فقلت : أنا علي بن الحسين. قال : أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي وهو يقرئك السلام ويقول : وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك (١) ودفع إليّ كتاباً ، فأدخلت الرجل والجارية وكتبت له جواب كتابه ، وقلت للجارية : ما اسمك؟ قالت : حوراء. فهيّوَوها لي وبتُّ بها عروساً فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيداً ، وهو هذا ، وسرّي ما قلت لك ».

__________________

١ ـ روى ابن الأثير : أنّ المختار وجد في بيت المال تسعة آلاف ألف فقسّمها بين أصحابه (الكامل : ٤ / ٢٢٦) ولعله عند ذاك بعث بهذه الدنانير إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فيكون عام الاِهداء هو عام الخروج.

٦٣

قال أبو حمزة : فما لبثت إلاّ برهة حتى رأيت زيداً بالكوفة في دار معاوية بن إسحاق فسلّمت عليه. ثم قلت : جعلت فداك ما أقدمك هذا البلد؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكنت أختلفُ إليه فجئته ليلة النصف من شعبان فسلمت عليه وجلست عنده. فقال : يا أبا حمزة تقوم حتى تزور قبر أمير الموَمنين علي عليه‌السلام؟ ـ قلت : نعم جعلت فداك.

ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال :

أتينا الذكوات البيض فقال : هذا قبر علي بن أبي طالب عليه‌السلام ثم رجعنا فكان من أمره ما كان. فواللّه لقد رأيته مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً بالكناسة ثم أُحرق ودق وذُري في الهواء (١).

٣ ـ ما رواه أبو القاسم علي الخزاز قال : عن زيد بن علي عليه‌السلام قال : كنت عند أبي علي بن الحسين عليه‌السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، ( م ٧٨ هـ ) فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال : يا غلام أقبل ، فأقبل ، ثم قال : أدبر ، فأدبر ، فقال : شمائل كشمائل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اسمك يا غلام؟ قال : « محمد ». قال : ابن من؟ قال : « ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب » ، قال : أنت إذاً الباقر. قال : فأبكى (فانكبّ) عليه وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يا محمد إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرئك السلام. قال : « على رسول اللّه أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام ».

ثم عاد إلى مصلاّه ، فأقبل يحدث أبي ويقول : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي يوماً : يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام فإنّه سميّي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده أُمناء معصومون أئمة أبرار ، والسابع

__________________

١ ـ الثقفي : الغارات : ٢ / ٨٦٠ ـ ٨٦١ ؛ وابن طاووس : فرحة الغريّ : ٥١ ، المطبوع في ذيل مكارم الأخلاق.

٦٤

مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثمّ تلا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وَجَعَلناهُمْ أئمّةً يَهدُونَ بِأمرنا وأوْحَيْنا إلَيْهِم فِعْلَ الخَيْراتِ وإقَامِ الصَّلاةِ وإيتَاءَ الزَّكاةِ وكَانُوا لَنا عابِدِينَ » (١).

المشهور أنّ جابر ، توفي بين السبعين والثمانين من الهجرة (٢).

وهذه الروايات المسندة ، التي رواها الأثبات من العلماء ، مع ما ذكرنا من القرينة يدفع جميع الأقوال ويثبت أنّ ميلاده كان متقدماً على عقد السبعين كما عرفت.

إكمال :

ولعل ما يرويه الكليني في كافيه من تعبير عبد الملك تزويج الاِمام السجاد ، أمته راجع إلى أُم زيد التي كانت أمة وتزوجها الاِمام بعد الاعتاق ، وإليك النص :

كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها ، وإن عليّ بن الحسين عليه‌السلام أعتق جارية له ثم تزوّجها ، فكتب العين إلى عبدالملك.

ثم كتب عبد الملك إلى علي بن الحسين عليه‌السلام : « أمّا بعد : فقد بلغني تزويجك مولاتك ، وقد علمت أنّه كان في أكفّائك من قريش من تُمجّد به في الصهر ، وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ، ولا على ولدك أبقيت والسلام.

فكتب إليه علي بن الحسين عليه‌السلام : « أمّا بعد : فقد بلغني كتابك تعنّفني بتزويجي مولاتي وتزعم أنّه قد كان في نساء قريش من أتمجّد به في الصهر ،

__________________

١ ـ الخزاز : كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر : ٢٩٨. والآية ٧٣ من سورة الأنبياء.

٢ ـ قال الشيخ الطوسي في رجاله : أنّه توفي عام ٧٨ ، وبه قال ابن قتيبة في معارفه ، والطبري في ذيوله لاحظ : قاموس الرجال لشيخنا التستري : ٢ / ٥١٩.

٦٥

واستنجبه في الولد ، وأنّه ليس فوق رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتقاً في مجد ، ولا مستزاد في كرم. وإنّما كانت ملك يميني خرجت منّي ، أراد اللّه عزّ وجلّ منّي بأمر التمس به ثوابه ، ثم ارتجعتها على سنة ، ومن كان زكياً في دين اللّه فليس يخل به شيء من أمره ، وقد رفع اللّه بالاِسلام الخسيسة ، وتمّم به النقيصة ، وأذهب اللوَم ، فلا لوَم على أمرىَ مسلم إنّما اللوَم لوَم الجاهلية والسلام ».

فلمّا قرأ ، الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه ، فقال : يا أمير الموَمنين لشدّ ما فخر عليك علي بن الحسين!! فقال : يا بني لا تقل ذلك فإنّها ألسُن بني هاشم التي تفلق الصخر ، وتغرف من بحر ، أنّ علي بن الحسين عليه‌السلام يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس (١).

مواصفاته الخلقية :

نقل السياغي عن الشيخ أبي محمد يحيى بن يوسف بن محمد الحجوري الشافعي : أنَّ زيداً كان أبيض اللون ، أعين ، مقرون الحاجبين ، تام الخلق ، طويل القامة ، كث اللحية ، عريض الصدر ، أقنى الأنف ، أسود الرأس واللحية ، إلاّ أنّه خالطه الشيب في عارضيه.

كان مثل جده عليه‌السلام في شجاعته وسخاوته وفصاحته وبلاغته وعلمه وحلمه ـ إلى أن قال : ـ وما أشبه حاله بقول من قال :

فما إن براه اللّه إلاّ لأربع

يقرّ له القاصي بهنّ مع الداني

إمامٌ لأخيارٍ ، وقلبٌ لجحفلٍ

وفارسُ ميدانٍ وصدرٌ لاِيوانِ

__________________

١ ـ الكليني : الكافي : ٥ / ٣٤٤.

٦٦

إلى أن قال : ونحن نعلم بأنّ من بني أُمية من خطب له في ثمانين ألف منبر ، فإذا مات ، مات ذكره معه ، وكان من بني العباس من كانت دولته خمسين سنة وملك أقطار الأرض من شرق وغرب فما كان ذكرهم إلاّ مدّة حياتهم (١).

روى أبو الفرج عن مولى آل الزبير ، قال : كنّا عند علي بن الحسين عليه‌السلام فدعا ابناً له يقال له : زيد ، فكبا لوجهه ، وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : « أُعيذك باللّه أن تكون زيداً المصلوب بالكناسة من نظر إلى عورته متعمداً أصلى اللّه وجهه النار » (٢).

وعن أبي خالد الواسطي وأبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال لهما : « يا أبا خالد ، وأنت يا أبا حمزة إنّ أبي دعا زيداً فاستقرأه القرآن ، فقرأ عليه ، فسأله عن المعضلات ثم دعا له وقبّل بين عينيه » ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : « يا أبا حمزة إنّ زيداً أُعطي من العلم علينا بسطة » (٣).

والظاهر أنّ الراوي صحّف كلمة الاِمام وأضاف لفظة « علينا » وأنّ أبا جعفر قال : إنّ زيداً أُعطي من العلم بسطة مشيراً إلى قوله سبحانه : « وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْم » (البقرة ـ ٢٤٧).

ولو صحّ ما ذكره السياغي فيرجع كونه ذا قراءة خاصة إلى عصره والده السجاد عليه‌السلام : فقال أبو سعيد الحميري أنّه ضليع بعدّة علوم منها علم القرآن ، ووجوه القراءات وله قراءة خاصة مفردة مروية عنه (٤).

ونقل الشيخ الطوسي في الفهرست أنّ قراءته هي عين قراءة جده الاِمام علي

__________________

١ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ٩٧ ، حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : ١٣٨.

٢ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٨٩.

٣ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ١٠٢ ، حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : ١٤٢.

٤ ـ الحور العين : ١٨٦.

٦٧

ابن أبي طالب عليه‌السلام (١).

قال محقّق تفسيره في مقدمته : « ولعلّ أوّل من جمع قراءته بكتاب مستقل عمر بن موسى الوجيهي الذي كان معاصراً لزيد فقال عنها : « إنّ هذه القراءة سمعتها عن زيد بن علي عليه‌السلام » وكان هذا الكتاب موجوداً بعد سنة إحدى وستين ومائتين فقد استنسخها إبراهيم بن مسكين في السنة ذاتها ونقل عنه بعد ذلك يحيى بن كهمش.

وقد جمع قراءته أيضاً الحسن بن علي الأهوازي. ولعل أبا حيان قد اطّلع عليها أو على قسم منها على الأقل ، فقد استشهد منها في كتابه البحر المحيط فذكر « أنّ الأهوازي ... في قراءة زيد بن علي أنّه قرأ ربّ العالمينَ الرحمنَ الرحيمَ بنصب الثلاثة ».

وجمعها أيضاً أبو حيان في كتاب سمّاه : « النير الجلي في قراءة زيد بن علي ».

ووردت قراءة زيد أيضاً كاملة في كتب القراءة والتفسير لكنها مقرونة بغيرها من القراءات حسب ورود كل منها على الآية القرآنية الكريمة.

فقد جاءت بهذه الطريقة في كتب القراءات كما في كتاب « شواذ القراءة » للكرماني ، وأيضاً في كتاب « معجم القراءات القرآنية ».

وكذلك وردت كاملة في كتب التفسير كما في كتاب « البحر المحيط » لأبي حيان وكذلك ضمها الآلوسي لكتابه في التفسير المسمّى « روح المعاني » (٢).

وقال الكاتب الچلبي : كتاب « النير الجلي في قراءة زيد » لأبي علي الأهوازي المقري (٣).

__________________

١ ـ الطوسي : الفهرست : ١٤٠.

٢ ـ الدكتور حسن محمد تقي الحكيم : تفسير الشهيد زيد بن علي : ٣٧ ، المقدمة.

٣ ـ الكاتب الچلبي : كشف الظنون : ٢ / ٦٢٤.

٦٨

وفي الختام :

نقل المقريزي عن عاصم بن عبيد اللّه أنّه قال : لقد أُصيب عندكم رجل ماكان في زمانكم مثله ، ولا أراه يكون بعده مثله (زيد بن علي) لقد رأيته وهو غلام حدث ، وأنّه ليسمع الشيء من ذكر اللّه فيغشى عليه ، حتى يقول القائل ما هو بعائد إلى الدنيا ... (١).

* * *

حياته في عصر الاِمام الباقر عليه‌السلام :

التحق الاِمام زيد العابدين عليه‌السلام بالرفيق الأعلى ، ونصّ على إمامة ولده البارّ ، أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام الذي دان بفضله وعلمه وورعه الداني والقاصي ، والموَالف والمخالف قال ابن حجر : سمّي الاِمام باقراً ، لأنّه من بقر الأرض أي شقّها وإثارة مخبآتها ومكامنها ، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثم قيل هو باقر العلم وشاهر علمه ورافعه (٢).

لقد استنارت بقية الصحابة ووجوه التابعين ، من نوره ، وارتووا من منهل علمه ، فكان الاحتفال بمجالسه أكبر احتفال ، يوم ذاك. توفي الاِمام زين العابدين عليه‌السلام ، وزيد بن علي في أوان حلُمه ، أو بعده بقليل فضّمه الاِمام الباقر إلى أولاده فكان يعطف عليه ويحنو إليه كالوالد الروَوف بالنسبة إلى أولاده إلى أن شبّ وترعرع ، وبلغ في العلم والعمل ما بلغ ، وقد نصّ بذلك أكثر من كتب عن زيد :

__________________

١ ـ السياغي : الروض النضير : ١ / ٩٨ ، لاحظ الخطط للمقريزي : ٢ / ٤١٩.

٢ ـ ابن حجر : الصواعق المحرقة : ٢٠٠ ، ط ٢ ، مكتبة القاهرة ( ١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م ).

٦٩

١ ـ قال الشيخ في فصل أصحاب الاِمام الباقر عليه‌السلام : « زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، أخوه عليه‌السلام ، ذكره أيضاً في أصحاب أبيه زين العابدين عليه‌السلام (١).

٢ ـ قال المزي : روى عن : أبان بن عثمان ، وعبيد اللّه بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير وأبيه علي بن الحسين وأخيه أبي جعفر محمد بن علي الباقر (٢).

٣ ـ وذكره بهذا النصّ ابن حجر في تهذيب التهذيب (٣).

٤ ـ وقال الذهبي : زيد بن علي بن الحسين ... الهاشمي العلوي أخو أبي جعفر ... روى عن : أبيه وأخيه أبي جعفر وعروة وكان أحد العلماء الصلحاء بدت منه هفوة (٤) فاستشهد فكانت سبباً لرفع درجته في آخرته (٥).

لقد عاش زيد تحت رعاية أخيه الكبير البار الحنون فتلقى منه الحديث والتفسير والأصول والمعارف حتى فاق وبرع أقرانه.

قال ابن زهرة : وقد مات أبوه (زيد) عام ٩٤ هـ أي وهو في الرابعة عشرة من عمره فتلقى الرواية عن أخيه محمد الباقر عليه‌السلام الذي يكبره بسن تسمح بأن يكون له أباً إذ إنّ الاِمام جعفر الصادق بن الاِمام محمد الباقر عليهما‌السلام ، كان مثل سن الاِمام زيد رضي اللّه عنهم أجمعين.

__________________

١ ـ الشيخ الطوسي : الرجال : باب الزاي : ٨٩ ـ ١٢٢.

٢ ـ جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : ١٠ / ٩٦.

٣ ـ ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب : ٣ / ٤١٩.

٤ ـ أُنظر إلى كلام الرجل ، وتسميته الخروج على الظلم والعدوان هفوة والمداراة مع الظالمين ثباتاً على الدين. ولا عتب لأنّه من الذين رأوا الخروج على الظالمين حراماً ، على خلاف قول رسول اللّه من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً حرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه ، يعمل في عباده بالاِثم والعدوان ، فلم يُغير عليه بفعل أو قول كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله (الطبري : التاريخ : ٤ / ٣٠٤) وسيوافيك الكلام في هذا المجال في المستقبل.

٥ ـ الذهبي : تاريخ الاِسلام : ١٠٥ (حوادث سنة ١٢١ ـ ١٤٠ هـ).

٧٠

وما كان من المعقول أن يجمع الاِمام زيد وهو في سن الرابعة عشرة كل علم آل البيت فلابد أن يكمل أشطراً من أخيه الذي تلقى علم أبيه كاملاً ، وقد كان الباقر عليه‌السلام إماماً في الفضل والعلم ، وأخذ عنه كثيرون من العلماء ورووا عنه ومن هوَلاء أبو حنيفة شيخ فقهاء العراق ، وقد نال الباقر عليه‌السلام فضل الاِمامة العلمية ، حتى أنّه كان يحاسب العلماء على أقوالهم وما فيها من خطأ وصواب (١).

كان الاِمام الباقر عليه‌السلام ينظر إليه نظر أخٍ عطوف ويثني عليه أحياناً ويطريه ، ويأمر بعض أصحابه بإنشاء طرائف تمثل شخصية زيد ونفسيته وإليك بعض ما وقفنا عليه :

٥ ـ روى الصدوق في الأمالي عن أبي الجارود قال : إنّي لجالس عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام إذ أقبل زيد فلما نظر إليه وهو مقبل ، قال : « هذا سيد أهل بيته والطالب بأوتارهم لقد أنجبت أُمٌّ ، ولدتك يازيد » (٢).

٦ ـ وعن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام وقد نظر إلى أخيه زيد بن علي فتلا هذه الآية : « فالّذِينَ هَاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وقاتَلُوا وقُتِلُوا ... » الآية ، وقال : هذا واللّه من أهل ذلك » (٣).

٧ ـ وعنه أيضاً سألت محمد بن علي عليهما‌السلام عن أخيه زيد فقال : « سألتني عن رجل ملىء إيماناً وعلماً من أطراف شعره وقدمه وهو سيد أهل بيته » (٤).

دخل زيد على الاِمام الباقر عليه‌السلام فلما رآه تلا : « يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوامينَ للّهِ شُهداءَ بالقِسطِ » ثم قال : « أنت واللّه يا زيد من أهل ذلك » (٥).

____________

١ ـ محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الاِسلامية : ٢ / ٤٦٥.

٢ ـ الصدوق : الأمالي : ٣٣٥ ، الحديث ١١.

٣ ـ ٥ ـ السياغي : الروض النضير : ٤ / ١٠٤. والآيتان من سورة آل عمران : ١٩٥ وسورة المائدة : ٨.

٧١

٨ ـ روى الصدوق عن جابر الجعفي ، قال : دخلت على الباقر عليه‌السلام وعنده زيد أخوه ، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي ، قال له أبو جعفر عليه‌السلام : « يامعروف أنشدني من طرائف ما عندك » ، فأنشد :

لعمرك! ما إن أبو مالك

بوان ، ولا بضعيف قواه

ولا بألدّ « لدى قوله » (١)

يعادي الحكيم إذا ما نهاه

ولكنه سيد بارع

كريم الطبايع حلو نثاه (٢)

إذا سُدته ، سُدتَ مِطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

قال : فوضع أبو جعفر عليه‌السلام يده على كتفي زيد ، وقال : هذه صفتك يا أبا الحسين! (٣).

٩ ـ روى أبو الفرج عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال له بعد التمثل بالأبيات السابقة : « ولقد أنجبت أُمّ ولدتك يا زيد. اللّهم أشدد أُزري بزيد » (٤).

* * *

__________________

١ ـ ورواه في الأغاني بالنحو التالي :

ولا بالألدَّ ، له فارغ

يعادي أخاه إذا ما نهـاه

(الأغاني : ٢٤ / ١٠٦)

٢ ـ بتقديم النون على الثاء المثلثة لاحظ تعليقة المحقّق على البحار : ٤٦ / ١٦٩.

٣ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٥١ ح ٥ الباب ٢٥ ، أبو الفرج : الأغاني : ٢٤ / ١٠٦ ، ورواه في الأغاني بالنحو التالي :

ولـكـنّـه هيِّـن ليّـنٌ

كعاليـة الرمـح عَردٌ نَساه

قال المعلّق : عرد نساه شديد ساقه. (الأغاني : ٢٤ / ١٠٦)

٤ ـ أبو الفرج : الأغاني : ٢٤ / ١٠٧ ومر صدره في حديث الصدوق.

٧٢

حياته في عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام :

١ ـ لم يذكر التاريخ شيئاً من حياته في عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام ، غير تجواله في البلاد ، لدعم الخروج ، وجمع العُدّة والعِدِّة ، الذي سيمر عليك في الفصول الآتية غير أنّه لو صحّ ما يرويه أبو الفرج الاصفهاني عن عبد اللّه بن جرير أنّه رأى أنّ جعفر بن محمد عليه‌السلام « يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج » (١) لدل على أنّ الاِمام عليه‌السلام كان يكرمه لكونه عمـه ـ وهو بمنزلة الأب ـ ولأنّه أكبر منه سناً ، خصوصاً على ما حقّقنا من أنّه من مواليد عام ٦٧ أو ٦٨ ، فيدل على تواضعه وكمال أدبه ، وقد كان ذلك رائجاً بين بني هاشم.

وقد كان بين زيد ، وعبد اللّه بن الحسن المثنى مناظرة في صدقات علي عليه‌السلام فكانا يتحاكمان إلى قاض ، فإذا قاما من عنده أسرع عبد اللّه إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب (٢).

وقد كانت أواصر الحب والود بين الاِمام وعمه متبقية إلى يوم حمامه ، ولما بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الاِمام ويعزّونه.

٢ ـ روى أبو الفرج عن فضيل بن رسام : دخلت علي جعفر بن محمد عليهما‌السلام أُعزّيه عن عمّه ثم قلت له : ألا أُنشدك شعر السيد ( الحميري ) فقال : « أنشد » فأنشدته قصيدته ( العينية المعروفة ) التي يقول فيها :

الناس يوم البعث راياتهم

خمس فمنها هالك أربع (٣)

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٨٧.

٢ ـ سيوافيك شرح المحاكمة بينهما.

٣ ـ أبو الفرج : الأغاني : ٧ / ٢٥١ ، وللقصة صلة ، فمن أراد فليرجع إلى مصدرها.

٧٣

٣ ـ لمّا توفي الاِمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام أنشد زيد قصيدة ـ سنوافيك بها في فصل خطبه وأشعاره ـ عزّى فيها الاِمام الصادق عليه‌السلام وقال :

أبا جعفر الخير أنت الاِمام

وأنت المرجي لبلوى غدي (١)

ويظهر من بعض الروايات أنّه استشار الاِمام الصادق عليه‌السلام في خروجه فقال له : « يا عم إن رضيت أن تكون المقتول (المصلوب) بالكناسة فشأنَك » فلمّا ولّى ، قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : « ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه » (٢).

روى الصدوق عن معمر بن خيثم : كنت جالساً عند الصادق عليه‌السلام فجاء زيد بن علي بن الحسين فأخذ بعضادتي الباب ، فقال له الصادق عليه‌السلام : « أُعيذك أن تكون المصلوب بالكناسة » (٣).

كل ذلك يدلّ على ودٍّ عميق للعمّ ، وأدب لائق بأهل البيت.

__________________

١ ـ ابن شهر آشوب : المناقب : ٤ / ١٩٧ ، طبعة دار الأضواء ، بيروت.

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٤٨ ح ١ ، عنه البحار : ٤٦ / ١٧٤ ح ٢٧.

٣ ـ الصدوق : العيون : ١ ، الباب ٢٥ ، الحديث : ٤ ، طبعة قم. وسنوافيك ببقية الرواية.

٧٤

الفصل الثالث

في خطبه ، وكلماته

وأشعاره ، ومناظراته وعبادته

كان زيد الشهيد فصيحاً ، بليغاً يأخذ بجوامع الكلم ويستعملها في مواردها وقد شهد به الصديق والعدو ، قال الواقدي : وبلغ هشام بن عبد الملك مقامُ زيد بالكوفة ، فكتب إلى يوسف بن عمر : أشخِصْ زيداً إلى المدينة فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة لأنّه حلو الكلام ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام (١) وإليك بعض ما أثر عنه من المواعظ والحكم والأدب ونحوها :

١ ـ روى أبو الموَيد موفق بن أحمد المدعو بـ « أخطب خوارزم » : « قيل لزيد ابن علي : الصمت خير أم الكلام؟ فقال : قبح اللّه المساكتة ، ما أفسدها للبيان ، وأجلبها للعيّ والحصر ، واللّه للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في يبس العرفج ، ومن السيل إلى الحدور (٢) (٣).

____________

١ ـ سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص : ٣٠٠ ، اليعقوبي : التاريخ : ٢ / ٣٢٥ الخوارزمي : مقتل الحسين : ٢ / ١١٩.

٢ ـ الحدور على وزن رسول هو المكان ينحدر منه. (لسان العرب : ٤ / ١٧٢ ، مادة « حدر) ».

٣ ـ محسن الأمين : أعيان الشيعة : ٧ / ١٢٣ ، نقلاً عن مقتل الحسين للخوارزمي.

٧٥

فقد فضل الكلام على السكوت ، وذم المماراة ، فالكلام أفضل بشرط أن لا يكون مماراة.

٢ ـ إذا تلا زيد بن علي قوله سبحانه : « وإن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُم ثُمَّ لأ يَكُونُوا أمْثَالَكُم » (محمد ـ ٣٨).

يقول : « إنّ كلام اللّه هذا تهديد وتخويف ، ثم يقول : اللّهم لا تجعلنا ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بدلاً » (١).

٣ ـ قال زيد بن علي لأصحابه : « أُوصيكم بتقوى اللّه ، فإنّ الموصي بها لم يدَّخر نصيحة ، ولم يقصِّـر في الاِبلاغ ، فاتقوا اللّه في الأمر الذي لا يفوتكم منه شيء وإن جهلتموه وأجملوا في الطلب ، ولاتستعينوا بنعم اللّه على معاصيه ، وتفكّروا ، وأبصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فَشَكَرَه لكم ، فبذلك جعلكم اللّه تعالى من أهل الكتاب والسنّة ، وفضّلكم على أديان أبائكم ، ألم يستخرجكم نطفاً من أصلاب قوم ، كانوا كافرين ، حتى بثّكم في حجور أهل التوحيد ، وبث من سواكم في حجور أهل الشرك ، فبأي سوابق أعمالكم طهركم إلاّ بمنّه وفضله الذي يوَتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم » (٢).

٤ ـ وقال مبيّناً لما هو الغاية من الخروج : « وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين ، وأغاروا على المدينة يوم الحرة ، ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار » (٣).

٥ ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك قال : خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة ، كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : « يا بابكيّ ، ما ترى هذه الثريا أترى أن

__________________

١ ـ محسن الأمين : أعيان الشيعة : ٧ / ١٢٣.

٢ ـ الأمير أُسامة بن مرشد ، لباب الآداب نقلاً عن المدائن كما في زيد الشهيد للسيد الأمين العاملي : ٩٢.

٣ ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : ٣٥ ـ ٣٦.

٧٦

أحداً ينالها؟ » قلت : لا ، قال : « واللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع ، فأتقطَّع قطعة قطعة وإنّ اللّه أصلح بين أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

٦ ـ إنّ زيداً كتَّب كتائبه ، فلمّـا خفقت راياته رفع يده إلى السماء فقال : « الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه ما يسرني إنّي لقيت محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنههم عن منكر ».

وفي رواية أُخرى : « واللّه إنّي لأستحيي من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لقيته ولم آمر أُمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه إن أُجّجت لي نار وقذفتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه عزّ وجلّ ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الأعلى مع محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم ـ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن بنوه ، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتابه ... » (٢).

٧ ـ كانت بيعته التي يبايع عليها الناس هي : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسوية ورد الظالمين ، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا ، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك؟ » فإذا قالوا نعم ، وضع يده على يده ثم يقول : « عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته أو ذمة رسول اللّه لتفينّ ببيعتي ، ولتقاتلنّ عدوي ، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية » فإذا قال نعم مسح يده على يده ، ثم قال : « اللهم اشهد » (٣).

__________________

١ ـ المجلسي : البحار : ٤٤ / ٣٢٩.

٢ ـ أخطب خوارزم : مقتل الحسين : ٢ / ١٠٨.

٣ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ٤٩٢ ، ابن الأثير : الكامل : ٤ / ٢٣٣ ، باختلاف يسير في الكلمات.

٧٧

٨ ـ ومن كلامه : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه وإلى السنن أنّ تحيى ، وإلى البدع أن تدفع ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل » (١).

٩ ـ ومن كلامه المعروف قاله لهشام أنّه : « لم يكره قوم قطُّ حدّ السيف إلاّ ذلّوا » (٢).

١٠ ـ وروى ابن عساكر أنّه قال : « واللّه ما كره قوم الجهاد في سبيل اللّه إلاّ ضربهم اللّه تعالى بالذل » (٣).

١١ ـ وقال أيضاً لهشام : « أنّه ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ، ولا يصغر دون تقوى اللّه » (٤).

إلى غير ذلك من الكلمات التي سيمرّ بعضها عليك في المستقبل. غير أنّ كل ذلك حكم قصيرة يباري فيها ، ما ورثه عن مطلع الفصاحة والبلاغة جدّه الاِمام أمير الموَمنين.

ثم لزيد خطب ، ورسائل ، نكتفي من كل منهما بواحد ، والاِمعان فيهما يعرف مقدرته على إنشاء الكلام البليغ ، وإبداعه المعاني السامية ، في جمل قصيرة وإليك الخطبة ثم الرسالة :

١٢ ـ خطبته التي ، يعرّف فيها موقفه من الخروج وأنّه ليس إلاّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنهاض المسلمين لاِزالة المروانيّين عن منصة الحكومة الاِسلامية ورد الأمر إلى أهل بيت النبي وإليك نصها :

« يا أيّها الناس إنّ اللّه قد بعث في كل زمان خيرة ، ومن كل خيرة منتجباً

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ٤٩٨ ؛ ابن الأثير : الكامل : ٥ / ٢٤٣.

٢ ـ المفيد : الاِرشاد : ٢٦٩.

٣ ـ مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ١٥١.

٤ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٢٠٦ ، طبعة دار الأندلس ، بيروت.

٧٨

خيرة منه قال : « اللّهُ أعلَمُ حَيْثُ يَجعَلُ رِسالَتَه » (الأنعام ـ ١٢٤) فلم يزل اللّه يتناسخ خيرته حتى خرج محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أفضل تربة وأطهر عترة أُخرجت للناس ، فلمّا قبض اللّه محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عارف أمخركم (١) بعد زخورها وحصّن حصونك على سائر الأحياء بأنّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قريشياً ، ودانت العجم للعرب بأنّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عربياً حتى ظهرت الكلمة وتمت النعمة فاتّقوا اللّه عباد اللّه وأجيبوا إلى الحقّ وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ، ولاتأخذوا سنّة بني إسرائيل ، كذَّبوا أنبياءهم ، وقتلوا أهل بيت نبيهم.

ثم أنا أُذكركم أيّـها السامعون لدعوتنا ، المتفهّمون لمقالتنا ، باللّه العظيم الذي لم يذكر المذكورون بمثله ، إذا ذكروه وجلت قلوبكم واقشعرَّت لذلك جلودكم ، ألستم تعلمون أنّا ولد نبيكم المظلومون المقهورون ، فلا سهمُ وُفينا ، ولا تراث أُعطينا ، وما زالت بيوتاً تهدم وحرمتنا تنتهك وقائلنا يعرف ، يولد مولودنا في الخوف ، وينشأ ناشئنا بالقهر ويموت ميّتنا بالذل؟

ويحكم إنّ اللّه قد فرض عليكم جهاد أهل البغي والعدوان من أُمتكم على بغيهم ، وفرض نصرة أوليائه الداعين إلى اللّه وإلى كتابه قال : « ولَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُـرُهُ إنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز » (الحجّ ـ٤٠).

ويحكم إنّا قوم غَضِبْنا للّه ربّنا ، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملتنا ، ووضعنا من توارث الاِمامة والخلافة ، وحكم بالهوى ونقض العهد ، وصلّـى الصلاة لغير وقتها ، وأخذ الزكاة من غير وجهها ودفعها إلى غير أهلها ، ونسك المناسك بغير هديها ، وأزال الأفياء والأخماس والغنائم ومنعها الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وعطّل الحدود وأخذ منه الجزيل ، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل ، وقرب الفاسقين ومثل بالصالحين ، واستعمل الخيانة وخوّن أهل الأمانة ،

__________________

١ ـ وفي نسخة : أنجزكم.

٧٩

وسلّط المجوس وجهز الجيوش ، وخلد في المحابس وجلد المبين وقتل الوالد ، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف بغير مأخوذ من كتاب اللّه وسنّة نبيه.

ثم يزعم زاعمكم الهزاز على قلبه ، يطمع خطيئته إنّ اللّه استخلفه يحكم بخلافته ، ويصد عن سبيله وينتهك محارمه ويقتل من دعا إلى أمره ، فمن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن افترى على اللّه كذباً أو صد عن سبيله أو بغاه عوجاً ، ومن أعظم عند اللّه أجراً ممّن أطاعه وأدان بأمره وجاهد في سبيله وسارع في الجهاد ، ومن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن يزعم أن بغير ذلك يحقّ عليه ثم يترك ذلك استخفافاً بحقّه وتهاوناً في أمر اللّه وإيثاراً لدنياه ، « ومَنْ أحْسَنُ قَوْلاً ممّن دَعا إلى اللّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إنّني مِنَ المُسْلِمين » (فصلت ـ ٣٣) (١).

١٣ ـ روى حميد بن أحمد المحلي (٥٨٢ ـ ٦٥٢ هـ) بالاِسناد المنتهي إلى أبي الجارود أن زيداً لمّا ظهر ، خطب وقال : « الحمد للّه الذي منّ علينا بالبصيرة وجعل لنا قلوباً عاقلة ، وأسماعاً واعية ، وقد أفلح من جعل الخير شعاره ، والحقّ دثاره ـ إلى أن قال : ـ فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرِّقة ، العادلة غير الجائرة ، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ، ودعائم النفاق ، فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن ردّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا واختار الدنيا الزائلة الآفلة ، على الآخرة الباقية ، فاللّه من أُولئك برىء ، وهو يحكم بيننا وبينكم.

إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم ، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير ممّا طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة ، وعليكم بسيرة أمير الموَمنين علي بن طالب عليه‌السلام بالبصرة والشام : لا تتبعوا مُدبِراً ولا تُجهِزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً ، واللّه على ما أقول وكيل.

__________________

١ ـ فرات بن إبراهيم الكوفي : التفسير : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، ط ١ ، تحقيق محمد الكاظم ، موَسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الاِرشاد ، طهران (١٤١٠ هـ ـ ١٩٩٠ م).

٨٠