بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

وقال : أمّا بعد فإنّ أمير الموَمنين (ابن الزبير) بعثني على مصركم وثغوركم وأمرني بجباية فيئكم وأن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلاّ برضا منكم ، وأن أتّبع وصية عمر ابن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته ، وسيرة عثمان بن عفان فاتقوا اللّه واستقيموا ولا تختلفوا وخذوا على أيدي سفهائكم فإن لم تفعلوا فلوموا أنفسكم ولا تلوموني ، فواللّه لأوقعنَّ بالسقيم العاصي ، ولأقيمنّ درع الأصعر المرتاب (١).

ولو كان كلامه مقياساً لشعوره ودهائه وسياسته ، فهذه الخطابة التي ألقاها ، دليل على عدم تعرفه على بيئته ، والنفسيات الحاكمة على سكانها فإنّ ما ذكره إنّما كان يتجاوب مع أفكار قليل من أهل الكوفة الذين كانوا يتجاوبون مع بني أُمية ويحبّون خطهم ، وأمّا الأكثرية الساحقة ، فكانوا على خلاف تلك الفكرة.

ولأجل ذلك قام السائب بن مالك الأشعري ولم يمهله لاِتمام كلامه وقال : « أمّا حمل فيئنا برضانا فإنّا نشهد أنّا لا نرضى أن يحمل عنّا فضله ، وأن لا يقسم إلاّ فينا ، وأن لا يُسار فينا إلاّ بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك ، ولا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا ولا في أنفسنا ، ولا في سيرة عمر بن الخطاب فينا وإن كانت أهون السيرتين علينا وكان يفعل بالناس خيرا ».

فقال يزيد بن أنس : صدق السائب وبرّ ، وعندئذ تنبه عبد اللّه بن مطيع أنّ كلامه لم يكن بليغاً مطابقاً لمقتضى الحال فعاد بتلطيف ما سبق وقال : نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها ثم نزل (٢).

لمس المختار ما تتبناه الأكثرية الساحقة من أهل الكوفة والعراق ولم يكن آنذاك في وسعه تحقيق العدل الاجتماعي الذي سار به علي عليه‌السلام في أيامه ، ولكن كانت فيه مقدرة عظيمة على أخذ الثأر حتى يتمكن من الأخذ بمجامع القلوب.

____________

١ ـ الجزري : الكامل في التاريخ : ٤ / ٢١١ ـ ٢١٣.

٢ ـ الجزري : ٤ / ٢١٣.

٢٦١

ميزة ثورة المختار :

وتتميز ثورة المختار عن ثورة التوابين بأنّ ثورة هوَلاء كانت متوجّهة على النظام الأموي بالذات دون الذين ارتكبوا الجرائم بالمباشرة ، وذلك لاعتقادهم بأنّ النظام هو الأساس لقتل الحسين عليه‌السلام دون الأشخاص العملاء ، فلابد من السعي لقطع جذور السبب قبل مكافحة المسبب ، فلأجل ذلك تركوا الكوفة وفيها قتلة الحسين عليه‌السلام فتوجهوا إلى الشام وقد استشهد كثير منهم في معركة الحرب مع الشاميين وتراجع القليل منهم إلى الكوفة وعلى رأسهم رفاعة بن شداد الأمير الأخير لهم ، وتفرقوا في عشائرهم.

أمّا المختار فقد كانت ثورته متوجهه بالذات إلى القتلة ، وتطهير أرض العراق من جراثيم العيث والفساد من الأمويين ، وأمّا الذي حداه إلى اتّخاذ هذا الأسلوب في ثورته هو أنّ العراقيين قد استجابوا لابن الزبير وبايعوه وطردوا عامل الأمويين من الكوفة باسم عمرو بن حريث ، وذلك قبل خروج المختار ، وكانت أُمنيتهم من تلك البيعة أمرين :

١ ـ تحقيق العدل الاِجتماعي والسير وراء الاِصلاح الذي قام به الاِمام علي عليه‌السلام.

٢ ـ أخذ الثأر من قاتل الاِمام الحسين عليه‌السلام.

أمّا الأمر الأوّل فلم يتحقّق منه شيء واضح حتى يقنع العراقيين ، وأمّا الثاني فكان على طرف النقيض من أُمنيتهم حيث كانت هياكل الاِثم كعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وغيرهم مقربين إلى السلطة ، فصار ذلك سبباً لتسرّب الضعف إلى سلطان ابن الزبير في القلوب فكانوا يتحيّنون الفرص للخروج عن بيعته وإقامة نظام جديد يحقّق العدل الاجتماعي الذي مارسوه في

٢٦٢

عهد الاِمام علي وأخذ الثأر من قتلة الاِمام.

نهض المختار والشيعة هم الأغلبية الساحقة على الكوفة ـ غير راضين من سلطة ابن الزبير وعامله في الكوفة عبد اللّه بن مطيع واجتمعت الشيعة حول المختار واتفقوا على الرضا به ولم يزل أصحابه يكثرون ، وأمره يقوى.

إنّ ثورة المختار كانت ثورة وهاجة أنارت الطريق للثائرين الآتين بعده ، غير أنّ حولها إبهامات وتأملات أهمها كونها مبعوثة أو مدعمة من جانب ابن الحنفية مع أنّ الاِمام القائم مقام الحسين ووليه وسلطان دمه هو علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام ولعلّ اتصاله بابن الحنفية لأجل أنّه قام بالأمر وقد مضت خمس سنين من شهادة الاِمام وكان محمد الحنفية شخصية معروفة من عصر الاِمام علي ويعد من علماء أهل البيت فاستجاز منه حتى يتخذه رصيداً لثورته ولا يعد ذلك دليلاً على أنّه كان معتقداً بإمامته على أنّه لم يظهر لابن الحنفية أية دعوة لنفسه ، ولو رمي بالدعوة فإنّما هو من أساطير المخالفين لأجل تشويه سمعته والتشكيك في قلوب الشيعة ، مع أنّ المختار أرسل الرسل وروَوس القتلة إلى علي بن الحسين عليه‌السلام أثناء ثورته كما سيوافيك.

خرج المختار بعد مناوشات واشتباكات بينه وبين عبد اللّه بن مطيع ، عامل ابن الزبير في الكوفة حتى غلب عليه المختار ، فدخل المختار القصر وبات فيه وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر وخرج المختار فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال :

« الحمد للّه الذي وعد وليه النصر ، وعدوّه الخسر ، وجعله فيه إلى آخر الدهر وعداً مفعولاً ، وقضاءً مقضياً وقد خاب من افترى ، أيّها الناس إنّا رفعت لنا راية ومدّت لنا غاية فقيل لنا في الراية إنّ إِرفعوها ، وفي الغاية أن أجروا إليها ولا تعدوها ، فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي.

٢٦٣

ـ وقال في نهاية كلامه : ـ فلا والذي جعل السماء سقفاً محفوظاً والأرض فجاجاً سبلاً ، ما بايعتم بعدَ بيعة علي بن أبي طالب وآل علي ، أهدى منها ».

ثم نزل ودخل عليه أشراف الكوفة فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلّين والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا (١).

وأقبل المختار يمنّي الناس ويستجرّ مودة الأشراف ويحسن السيرة ، وقيل له : إنّ عبد اللّه بن مطيع في دار أبي موسى ، فسكت فلمّا أمسى بعث له بمائة ألف درهم وقال : تجهّز بهذه فقد علمت مكانك وأنّك لم يمنعك من الخروج إلاّ عدم النفقة وكان بينهما صداقة (٢).

نهض المختار بالكوفة لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ٦٦ هـ وبقي إلى شهر رمضان من سنة ٦٧ هـ وكانت ولايته ما يقارب ١٨ شهراً فجدّ في الأمر وبالغ في النصرة وتتبّع أُولئك الأرجاس وقد أخذ الثأر من قتلة الحسين عليه‌السلام. ونذكر هنا شيئاً قليلاً من قتاله وكفاحه في ساحة الأخذ بالثأر :

كان عامل المختار على الموصل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فزحف إليه عبيد اللّه بن زياد بعد قتله سليمان بن صرد (الأمير الأوّل للتوابين) ، فحاربه عبد الرحمن وكتب إلى المختار بخبره. فوجّه إليه يزيد بن أنس ، ثم وجّه إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر ، فلقي عبيد اللّه بن زياد فقتله ، وقتل الحصين ابن نمير السكوني ، وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري ، وحرق أبدانهما بالنار وأقام والياً على الموصل وأرمينية وآذربيجان من قبل المختار وهو على العراق والٍ ، ووجّه

__________________

١ ـ ابن الأثير : الكامل : ٤ / ٢١١ ـ ٢٢٦ بتلخيص.

٢ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٢٦٤

برأس عبيد اللّه بن زياد إلى علي بن الحسين إلى المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين فإذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس فذاك الوقت الذي يوضع فيه طعامه ، فادخل إليه ، فجاء الرسول إلى باب علي بن الحسين عليهما‌السلام فلمّا فتحت أبوابه ودخل الناس للطعام ، نادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ومنزل الوحي أنا رسول المختار بن أبي عبيد معي رأس عبيد اللّه بن زياد ، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امرأة إلاّ صرخت ، ودخل الرسول فأخرج الرأس فلمّا رآه علي علي بن الحسين قال : أبعده اللّه إلى النار.

وروى بعضهم أنّ علي بن الحسين عليهما‌السلام لم يُرَ ضاحكاً يوماً قط ، منذ قتل أبوه ، إلاّ في ذلك اليوم ، وأنّه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمّا أُتي برأس عبيد اللّه بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرقت في أهل المدينة ، وامتشطت نساء آل رسول اللّه ، واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام.

وتتبّع المختار قتلة الحسين فقتل منهم خلقاً عظيماً ، حتى لم يبق منهم كثير أحدٍ ، وقتل عمر بن سعد وغيره ، وحرق بالنار ، وعذب بأصناف العذاب (١).

وقد جاء الجزري بتفصيل قتل قادة الجيش الأموي في كربلاء. قال :

وكان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين فركب راحلته ، وقيل أدركه أصحاب المختار وقد سقط من شدّة العطش فذبحوه وأخذوا رأسه.

وبعث المختار غلاماً له يدعى زربى في طلب شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحابه أحاطوا بالبيت الذي فيه شمر ، وقام شمر وقد اتّزر ببرد وكان أبرص فظهر بياض برصه من فوق البرد وهو يطاعنهم بالرمح وقد عجّلوه عن لبس ثيابه

__________________

١ ـ اليعقوبي : التاريخ : ٢ / ٢٥٩.

٢٦٥

وسلاحه ، وكان أصحابه قد فارقوه فلمّـا أبعدوا عنه ، سمعوا التكبير وقائلاً يقول : قتل الخبيث ، قتله ابن أبي الكنود وأُلقيت جثته للكلاب (١).

ثم أُرسل إلى خولي بن يزيد الأصبحي وهو صاحب رأس الحسين عليه‌السلام فاختفى في مخرجه فدخل أصحاب المختار يفتّشون عنه ، فخرجت امرأته ، واسمها العيوف بنت مالك ، وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسين فقالت لهم : ماتريدون؟ فقالوا لها : أين زوجك؟ قالت : لا أدري ، وأشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه وعلى رأسه قَوْصرّة فأخرجوه وقتلوه إلى جانب أهله وأحرقوه بالنار.

وبعث المختار أبا عمرة إلى عمر بن سعد فأتاه وقال : أجب الأمير فقام عمر ، فعثر في جبة له ، فضربه أبو عمرة بسيفه فقتله وأخذ رأسه فأحضره عند المختار ، فقال المختار لابنه « حفص بن عمر » وهو جالس عنده : أتعرف من هذا؟ قال : نعم ولا خير في العيش بعده فأمر به فقتل ، وقال المختار : هذا بحسين ، وهذا بعلي بن الحسين ولا سواء ، واللّه لو قتلتُ به ثلاثة أرباع قريش ، ما وفوا أُنملة من أنامله ، ثم بعث برأسه ورأس ابنه إلى ابن الحنفية وكتب إليه يعلمه أنّه قد قتل من قدر عليه وإنّه في طلب الباقين ممن حضر القتل (٢).

ثم إنّ المختار أرسل إلى حكيم بن طفيل الطائي ، وكان أصاب سلب العباس بن علي ورمى الحسين بسهم. كما بعث إلى قاتل علي بن الحسين وهو مرّة ابن منقذ فأحاطوا بداره ، فخرج إليهم على فرسه وبيده رمحه فطاعنهم فضُـرب على يده وهرب منهم فنجا ولحق بمصعب بن الزبير وشلّت يده بعد ذلك.

وطلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدّعي قتل الحسين فرآه قد هرب إلى البصرة فهدم داره ، كما أرسل إلى محمد بن الأشعث ولم يجده وقد كان هرب إلى

__________________

١ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ باختصار.

٢ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

٢٦٦

مصعب ، فهدم المختار داره وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي ، كان زياد قد هدمها (١).

وفي الختام نذكر عمله القيم الذي أنجى به لفيفاً من أهل بيت النبي الأكرم من الاِحراق بالنار.

إنّ عبد اللّه بن الزبير حبس محمد الحنفية وأصحابه بزمزم وتوعدهم بالقتل والاِحراق وإعطاء اللّه عهداً إن لم يُبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعّدهم به ، وضرب لهم في ذلك أجلاً.

فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه ، أنّ يبعث إلى المختار يعلمه حالهم فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة فقرأ المختار الكتاب على الناس ، فبكى الناس وقالوا : سرّحنا إليه ، وعجّل ، فبعث إليهم ثمانمائة راكب من أهل القوة ، حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم الرايات وهم ينادون يالثارات الحسين حتى انتهوا إلى زمزم ، وقد أعدّ ابن الزبير الحطب ليحرقهم ، وكان قد بقي من الأجل يومان ، فكسروا الباب ، ودخلوا على ابن الحنفية يستأذنون القتال وهو يقول : إنّي لا أستحلّ القتال في الحرم. فخافهم ابن الزبير وتركهم. وخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب علي وهم يسبّون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه فأبى عليهم فاجتمع في الشعب أربعة آلاف رجل فقسّم بينهم المال وعزوا وامتنعوا (٢).

ونقل الجزري أنّ ابن عباس كان أيضاً محبوساً مع محمد الحنفية فأزال جيش المختار الضرر عن كليهما ، ولما قتل المختار قوى عليهما ابن الزبير فخرجا إلى الطائف ولما وصل ابن عباس إلى الطائف توفي به وصلّـى عليه ابن الحنفية (٣).

__________________

١ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ٢٤٢ ـ ٢٤٤.

٢ و ٣ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥٤.

٢٦٧

قتل المختار بجيش مصعب بن الزبير :

كان المختار يسيطر على قسم كبير من أراضي العراق من الكوفة إلى الموصل وغيرهما وكان أمامه عدوين غاشمين : أحدهما عبد اللّه بن الزبير حيث كان يحكم على العراق كله غير أنّه أخرج المختار عامله من الكوفة وبقيت البصرة بيد عامله مصعب بن الزبير ، ثانيهما عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي الذي كانت بيده مفاتيح الأقطار الاِسلامية غير العراق والحجاز.

وكان مصعب يتحيّن الفرصة للهجوم على الكوفة وعزل المختار وكان عبد اللّه يشجّعه على ذلك ناسياً عمله المشرق عند ما ضرب جيش الشام الحصار على ابن الزبير ، فقد حارب المختار ذلك الجيش المكثَّف أياماً عديدة ، ولكن الملك عقيم. هذا من جانب.

ومن جانب آخر أنّ المختار تتبّع قتلة الحسين عليه‌السلام بيتاً بيتاً وجدّ في الأمر ، وقتل أُولئك الأرجاس ، ولأجل فتكه وقتله ، هرب قسم من أشراف الكوفة الذين كان لهم يد في قتل الحسين عليه‌السلام منهم شبث بن ربعي ، حيث ورد البصرة على هيئة خاصة يحرض والي البصرة على قتال المختار وهو في عمله هذا اتّبع ضمضم بن عمرو الغفاري عند ما أرسله أبو سفيان ليخبر قريشاً بالخطر الذي يحدق بتجارتهم ، فاستأجر ذلك الرجل وأمره بأن يجدع بعيره ، ويقطع رحله ويشقّ قميصه من قبله ودبره ، ويصيح : الغوث الغوث.

قام شبث بن ربعي بنفس ذلك العمل (والجنس إلى الجنس يميل) جاء راكباً بغلة قد قطع ذنبها وقطع أطراف أُذنها في قباء مشقوق وهو ينادي : وا غوثاه ، فقال الأشراف الهاربون إلى البصرة لمصعب : سر بنا إلى محاربة هذا الرجل الذي هدم دورنا وأخذوا يحرضونه على ذلك.

٢٦٨

فجاء مصعب بجيش كثيف وقد وقعت بينهما حروب طاحنة في أقطار متعددة إلى أن انحسر المختار إلى الكوفة ، وتخبّأ بالقصر.

فحاصره ابن الزبير بقصر الاِمارة مع أربعمائة رجل من أصحابه أياماً ، وقد كان المختار يخرج من القصر فيقاتل ويرجع إلى أن قتل لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، خرج بمن معه مستميتين فقتلوا وقتل المختار وجاء القاتل برأسه إلى مصعب بن الزبير فأجازه بثلاثين ألف درهم ، ثم ابتدأ الجيش بقتل الناهضين معه وقتلوا رجالاً كثيراً ، ثم بعث مصعب على حرم المختار ودعاهنّ إلى البراءة فرجعت ابنة سمرة بن جندب ولعنته وتبرّأت منه فأطلق سراحها وأبت زوجته الأخرى ابنة النعمان بن بشير وقالت : شهادة أُرزقها ثم أتركها ، كلا إنّها موتة ثم الجنّة والقدوم على الرسول وأهل بيته ، فأمر بها مصعب وقتلت صبراً.

٢٦٩

٥

ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث

لا يهمّنا في المقام بيان تفاصيل الثورة التي جاءت في تاريخ الطبري والكامل وغيرهما وإنّما يهمّنا الاِلماع إلى النقطة الحساسة في خطب الثائرين على النظام الأموي ، فقد ترى فيها محاكات عن خطب الاِمام أبي الشهداء وبذلك صاروا مستلهمين ثورتهم من ثورته ، وفكرتهم من فكرته ، وقد نقموا من النظام بنفس ما نقم به الاِمام منهم ، وإليك بيانها على وجه موجز :

أرسل الحجاج ، عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى سجستان على رأس جيش عراقي وقد فتحوا من البلاد شيئاً كثيراً وكتب القائد في النهاية إلى الحجاج أنّ رأيه إيقاف الحرب في هذه البلاد حتى يعرفوا طريقها ، ويجبوا خراجها ، ولما وصل الكتاب إلى الحجاج كتب إليه كتاباً وبّخه فيه على إيقاف الحرب ، ثم أردفه بكتاب ثانٍ وثالث يأمره بالتوغّل في الحرب وأنّه إن أظهر العجز فالأمير أخوه إسحاق بن محمد.

ولما وصلت كتب الحجاج إلى عبد الرحمن جمع أصحابه وقال : أيّها الناس! إنّي لكم ناصح ولصلاحكم محب ، ثم ذكر ما دار بينه وبين الحجاج عن طريق الكتب ، وأنّه أمره بالتوغل في الحرب في أرض العدو ، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس. وقال : إنّما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم ، وآبي إذا أبيتم. فثار إليه الناس فقالوا : لا بل نأبى على عدوّ اللّه ، ولا نسمع له ولا نطيع.

٢٧٠

وقد تكلّم فيمن تكلّم عامر بن واثلة الكناني ، فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه : أما بعد فإنّ الحجاج واللّه ما يرى بكم إلاّ ما رأى القائل الأوّل إذ قال لأخيه : إحمل عبدك على الفرس ، فإن هلك هلك وإن نجا فلك ، إنّ الحجاج واللّه ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب ، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد ، وحاز المال ، وكان ذلك زيادة في سلطانه ، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذين لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم ، اخلعوا عدوّ اللّه الحجاج وبايعوا عبد الرحمن فإنـّي أُشهدكم أنـّي أوّل خالع ، فنادى الناس من كل جانب : فعلنا ، فعلنا قد خلعنا عدوّ اللّه.

وقام عبد الموَمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانياً وكان على شرطته حين أقبل فقال : عباد اللّه إنّكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم مابقيتم ، وجمّركم تجمير فرعون الجنود فإنّه بلغني أنّه أوّل من جمّر البعوث ، ولن تعاينوا الأحبة فيما أرى أو يموت أكثركم. بايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم ، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه فقال : تبايعوني على خلع الحجاج عدوّ اللّه وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه اللّه من أرض العراق فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء.

ثم إنّه خرج عبد الرحمن من سجستان مقبلاً إلى العراق فلمّا دخل فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك ، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة نبيّه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلّين.

ثم بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين عبد الرحمن وجنود الحجاج ، دخل عبد الرحمن البصرة ، وبايعه الناس من كهولها وقرائها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان ذلك في آخر ذي الحجّة من سنة ٨١ هـ ، فصارت الحرب في

٢٧١

الحقيقة بين الشاميين يرأسهم الحجاج ، والعراقيين يقودهم عبد الرحمن.

مضى ابن الأشعث إلى جانب الكوفة والحجاج خلف عبد الرحمن إلى أن حصل التقابل بين الجندين في دير الجماجم (١) فلمّا حمل أهل الشام على العراقيين ناداهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى الفقيه ، فقال : يا معشر القرّاء إنّ الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم ، إنـّي سمعت عليّاً رفع اللّه درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصدّيقين ، يقول يوم التقينا أهل الشام : « أيّـها الموَمنون إنّه من رأى عدواناً يعمل به ، ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه ، فقد سلم ، وبرىَ ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكر بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونوّر قلبه باليقين ، فقاتلوا هوَلاء المحلّين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.

وقال أبو البختري : أيّـها الناس قاتلوهم على دينكم ودنياكم ، فواللّه لئن ظهروا عليكم ليفسدنّ عليكم دينكم وليغلبنّ على دنياكم.

وقال الشعبي : يا أهل الاِسلام قاتلوهم ولا يأخذكم حرج من قتالهم فواللّه ما أعلم قوماً على بسيط الأرض أعمل بظلم ، ولا أجور منهم في الحكم فليكن بهم البدار.

وقال سعيد بن جبير : قاتلوهم ولاتأثموا من قتالهم بنيّة ويقين وعلى آثامهم ، قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبّـرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاح (٢).

__________________

١ ـ دير الجماجم : بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البرّ للسالك إلى البصرة قال أبو عبيدة : الجمجمة : القدح من الخشب وبذلك سمُيَ دير الجماجم لأنّه يعمل فيه الأقداح من الخشب (معجم البلدان : ٢ / ٥٠١).

٢ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ١٤٥ ـ ١٦٣.

٢٧٢

إلى غير ذلك من الخطب التي أُلقيت في ذلك المقام وإن تمت الحرب لصالح الحجاج وقضى على ثورة ابن الأشعث يوم الأربعاء لأربع عشرة مضت من جمادي الأخرى عام ٨٣ هـ ولكنّها كانت ثورة وهّاجة في وجه العدو استتبعت ثورات أُخرى حتى قضت على بني أُمية من رأس.

وأُعلّق على ثورة عبد الرحمن بأُمور :

١ ـ إنّ الاِمعان في هذه الكلم الموجزة يقتضي بأنّ القوم كانوا مستلهمين من خطب الاِمام أمير الموَمنين وخطب سيد الشهداء يوم عاشوراء وغيره ، ويظهر ذلك بمقارنة خطب أبي الشهداء منذ غادر المدينة إلى أن استشهد في الطف ، وبهذا يظهر أنّ هذه الثورات كانت نابعة عن ثورة الحسين ولولاها لما تتابعت هذه الثورات وبالتالي كان الحكم بيد الأمويين إلى قرون كما كان الأمر كذلك بيد العباسيين ولم يكونوا أحسن سلوكاً من الأمويين.

٢ ـ نرى أنّ سعيد بن جبير ذلك التابعي العظيم وكميل بن زياد النخعي ، ممن شاركوا في هذه الثورة وجاهدوا تحت راية عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث مع أنّ بين المقود والقائد بعد المشرقين ، فهوَلاء كانوا علويين وعبد الرحمن وأبوه محمد ابن الأشعث كانا عثمانيَّي الهوى ، فإنّ محمد بن الأشعث هو الذي قضى على ثورة مسلم في الكوفة وقتله وشارك في قتل الحسين. وما هذا إلاّ لأنّ روَساء الشيعة آنذاك استثمروا الفرصة وشاركوا في هذه الثورة ليقضوا على العدوّ الغاشم بيد غيرهم ، ولأجل ذلك لما وضعت الحرب أوزارها دعا الحجاج بكميل بن زياد النخعي فقال له : أنت المقتصّ من عثمان أمير الموَمنين قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا. فقال : واللّه ما أدري على أيّنا أنت أشد غضباً عليه حين أقاد من نفسه أم عليّ حين عفوت عنه؟ ثم قال : أيّها الرجل من ثقيف لا تصرف عليَّ أنيابك ولاتهدّم عليّ تهدُّم الكثيب ، ولاتكشر كشران الذئب ، واللّه ما بقي من

٢٧٣

عمري إلاّ ضِمْءُ الحمار فإنّه يشرب غدوة ويموت عشية ، ويشرب عشية ويموت غدوة ، إقض ما أنت قاض فإنّ الموعد اللّه وبعد القتل الحساب. قال الحجاج : فإنّ الحجّة عليك. قال : ذلك إن كان القضاء إليك ، قال : بلى كنتَ فيمن قتل عثمان وخلعت أمير الموَمنين. أُقتلوه ، فقدم فقتل ، قتله أبو الجهم بن كنانة (١).

٣ ـ إنّ الحجاج كان ممن نكست فطرته فالمعروف كان عنده منكراً والمنكر معروفاً ، وكان قتل الأبرياء وتعذيبهم بألوان العذاب شيئاً سهلاً عنده. يقول الموَرخون : لما أسرف الحجاج في قتل أسارى دير الجماجم واعطائه الأموال بلغ ذلك عبد الملك فكتب إليه : أمّا بعد : فقد بلغ أمير الموَمنين سرفك في الدماء وتبذيرك في الأموال ولا يحتمل أمير الموَمنين هاتين الخصلتين لأحد من الناس ، وقد حكم عليك أمير الموَمنين في الدماء في الخطاء الدية وفي العمد القود ، وفي الأموال ردّها إلى مواضعها ...

فلمّا بلغ كتاب عبد الملك إليه كتب إليه في الجواب : واللّه ما عليَّ من عقل ولا قود ، ما أصبتُ القوم فأدِيَهُم ، ولاظلمتهم فأُقاد بهم ، ولا أعطيتهم إلاّ لك ، ولا قتلت إلاّ فيك ... (٢).

وكان سعيد بن الجبير وكميل بن زياد ومئات من التابعين الأبرياء كانوا ممن تستباح دماوَهم وأموالهم فخضّب وجه الأرض بسيول الدماء ... وإلى اللّه المشتكى.

٤ ـ وإنّ من العجب العجاب مشاركة الحسن المثنى في انتفاضة ابن الأشعث ولأجل ذلك يعدّه ابن المرتضى سلفاً للزيدية ، ولم يكن زيد يوم ذاك إلاّ طفلاً أو مراهقاً ، وبما أنّ أهل البيت كانوا يعانون من النظام الأمويّ المتمثل يوم

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ : ٥ / ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

٢٧٤

ذلك في بني مروان ، شاركوا في مثل هذه الانتفاضة لاتفاقهم معه في الهدف الموَقّت أعني إزالة عبد الملك عن الحكم (١).

إلى هنا تمت الثورات المتقدمة على ثورة الاِمام زيد وقد اتضح كونها مستلهمة من ثورة الحسين بوجه وحان حين الكلام في ثورة زيد الشهيد التي أنارت الطريق للثائرين المتأخرين الذين أنهضهم بثورته ، للقضاء على النظام السائد في مدّة لا تتجاوز عشر سنين وإليك البيان.

__________________

١ ـ البحر الزخار : المقدمة / ٢٢٥ ، وسيوافيك الكلام عند ذكر أئمة الزيدية.

٢٧٥
٢٧٦

الفصل الرابع عشر

ثورة زيد بن علي بن الحسين

كانت استمراراً لثورة الحسين عليهم‌السلام

هذه هي الثورة السادسة من الثورات المتتابعة لثورة الاِمام أبي الشهداء الحسين عليه‌السلام المستلهمة منها ولم تكن آخرتها ، وقد جاءت الثورات بعد ثورة زيد أيضاً تترى على تقويض النظام الأموي ثم النظام العباسي وكان الهدف المشترك بين الجميع مكافحة الظلم والفساد ونشر العدل والقسط بين الناس. وإن لم تخلّ بعضها عن تحوير وانحراف.

نعم كانت في حياة زيد أحداث جزئية لم يكن لها دور في تكون الثورة واختمارها في نفسه وإنّما أشعلت الفتيل ، وفجّرت الثورة ، ولو صحّ ما ذكروه من الأمور ، فإنّما كانت سبباً لظهور ما كان يختمره زيد طيلة سنوات عصر أخيه الاِمام الباقر عليه‌السلام (٥٧ ـ ١١٤ هـ) وبعده عصر الاِمام الصادق عليه‌السلام.

وبعبارة واضحة : أنّ جفاء هشام (١) مثلاً له في مجلسه ـ كما يذكره الموَرخون ـ

__________________

١ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٧٧ ـ ٨٦ وغيره كالصفدي في فوات الوفيات.

٢٧٧

لايكون دليلاً شرعياً على النهضة وإراقة الدماء وقتل النفوس ، وإنّما يكون موجباً لأن يندفع إلى ما يراه منذ سنوات من لزوم تطهير المجتمع الاِسلامي من هوَلاء الظالمين الناصبين ، المفسدين وفي النهاية المحقِّرين للرسول وآله.

فإذا كان زيد الثائر إنساناً إذا ذكر اللّه عنده يغشى عليه حتى يقول القائل : ما يرجع إلى الدنيا ، وكان حليف القرآن وأثر السجود في وجهه واضحاً ـ ومن كانت هذه ملامحه ومواصفاته ـ فلا يخوض المعارك المدلهمّة ، ولايضحي بنفسه ونفيسه ودماء أصحابه الأبرياء إلاّ إذا كانت هناك مصلحة عامة ترجع إلى الدين ويرضى بها اللّه ورسوله وإمام عصره ، والذي يميط الستر عن نواياه وعن الحوافز التي دفعته إلى الثورة ، أمران :

١ ـ ما أثر عن النبي وعترته من التنبّوَ بشهادته.

٢ ـ ما أثر عنه من قول أوان النهضة.

فيجب علينا دراسة هذين الأمرين.

* * *

تنبّوَ النبي وعترته عليهم‌السلام بقتله :

إنّ النبي الأكرم تنبّأ بقتله واصفاً أصحابه بأنّهم يدخلون الجنّة بغير حساب ، ووصفه في رواية أُخرى بالمظلوم من أهل بيته ، وأنّه كان يحب زيد بن حارثة لكونه سميّ زيد من صلبه. كما أنّ علياً لما وقف بالكناسة بكى وأبكى أصحابه ، ووصفه أخوه الاِمام الباقر عليه‌السلام بأنّه سيد أهله والطالب بأوتارهم ، كل ذلك ينمّ عن أنّه لم يخرج إلاّ بدافع ديني استحق به التكريم. وإليك نفس النصوص في هذا المجال :

٢٧٨

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً لولده الحسين عليه‌السلام « ياحسين ، يخرج من صلبك رجل يقال له زيد ، يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجلين يدخلون الجنّة بغير حساب ». (١).

٢ ـ قال ـ مشيراً إلى الحسين عليه‌السلام ـ : « إنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ويقتل بالكوفة ، ويصلب بالكناسة ، ويخرج من قبره نبشاً ، تفتح لروحه أبواب السماء ، وتبتهج به أهل السموات » (٢).

٣ ـ روى حذيفة قال : نظر النبي إلى زيد بن حارثة فقال : « المقتول في اللّه ، والمصلوب في أُمتي ، المظلوم من أهل بيتي سميّ ـ هذا وأشار بيده إلى زيد بن حارثة ـ ثم قال له : أُدن مني يا زيد زادك اسمك عندي حباً ، فأنت سميّ الحبيب من أهل بيتي » (٣).

٤ ـ روى أبو الفرج عن رجاله عن جرير بن حازم قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب ، وهو يقول : « أهكذا تفعلون بولدي؟! » (٤).

٥ ـ وقال أمير الموَمـنين عليه‌السلام وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة ، فبكى وأبكى أصحابه فقالوا له : ما الذي أبكاك؟ قال : « إنّ رجلاً من ولدي يصلب في هذا الموضع. من رضى أن ينظر إلى عورته أكبّه اللّه على وجهه في النار » (٥).

__________________

١ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام الباب ٢٥ ، ص ٢٥٠ و ٢٥١ وفي بعض النسخ : : « حين ينشر » مكان « نبشا » والصحيح ما أثبتناه في المتن.

٢ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام الباب ٢٥ ، ص ٢٥٠ و ٢٥١ وفي بعض النسخ : : « حين ينشر » مكان « نبشا » والصحيح ما أثبتناه في المتن.

٣ ـ ابن إدريس : السرائر : ٣ / قسم المستطرفات ، فيما استطرفه من رواية أبي القاسم ابن قولويه.

٤ ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٩٨ ، ط النجف.

٥ ـ ابن طاووس : الملاحم : الباب ٣١.

٢٧٩

٦ ـ روى أبو الفرج عن مولى آل الزبير قال : كنّا عند علي بن الحسين عليه‌السلام فدعا ابناً له يقال له زيد : فكبا لوجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : « أُعيذك باللّه ، أن تكون زيداً المصلوب بالكناسة ، من نظر إلى عورته متعمداً أصلى اللّه وجهه النار » (١).

٧ ـ روى الكشي عن أبي الجارود قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام جالساً إذ أقبل زيد بن علي فلما نظر إليه أبو جعفر عليه‌السلام قال : « هذا سيد أهل بيتي والطالب بأوتارهم » (٢).

٨ ـ روى الصدوق عن معمر بن سعيد قال : « كنت جالساً عند الصادق عليه‌السلام فجاء زيد بن علي فأخذ بعضادتي الباب ، فقال له الصادق : « ياعم أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب بالكناسة ـ إلى أن قال : ـ حدثني أبي عن جدي أنّه قال : يخرج من ولدي رجل يقال له زيد يقتل بالكوفة ، ويصلب بالكناسة ، يخرج من قبره حين ينشر ، تفتح له أبواب السماء يبتهج به أهل السماوات والأرض » (٣).

إلى غير ذلك من التنبّوَات الواردة حتى في كلمات غيرهم مثل عبد اللّه بن محمد الحنفية (٤).

هذه التنبّوَات وإن لم ترد عن طريق صحيح ، لكن بعضها يدعم بعضاً خصوصاً إذا أُضيفت إليه ماسننقله عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام حول ثورته ونهضته فتصبح جلالة الرجل ومكانته العالية أمراً قطعياً لاشك فيه وأنّ دافعه إلى الخروج كان أمراً إلهياً كما سنشرحه.

__________________

١ ـ ابو الفرج : مقاتل الطالبيين : ٨٩ ، ورواه المجلسي عن فرحة الغري بوجه مبسوط لاحظ البحار : ٤٦ / ١٨٣. فرحة الغري : ٥١ ، المطبوع ملحقاً بمكارم الأخلاق.

٢ ـ الكشي : الرجال : في ترجمة هارون بن سعد البجلي ، برقم : ١٠٥.

٣ ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٤٩ ، الباب ٢٥.

٤ ـ المجلسي : البحار : ٤٦ / ٢٠٩.

٢٨٠