بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٧

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٠

ابن المرتضى ويطلب منه إطلاق سراحه بالأبيات الشعرية التالية :

فقلت له فداك أبي وأُمي

تلطف بالقرابة والرحامة

فإنّ السيد المهدي منكم

بمنزلة تحق له الفخامة

ألم يكن جدك المهدي خالاً

له وكفى بذاك في الرحامة

أخاف إذا استمر القيد فيه

تجىء مقيداً يوم القيامة

فيسألك الاِله بأي ذنب

تقيده وتحبسه ظلامة (١)

أُعتقل ابن المرتضى في سجن صنعاء سبع سنوات ثم أفرج عنه فتوجه إلى « ثلاء » سنة ٨٠١ هـ إلى صعدة سنة ٨٠٢ هـ وفي سنة ٨١٦ هـ رحل إلى بلاد حجّة وتزوج هناك وعكف إلى التأليف وترك الترقب بالمهدي وأراح قلبه من مشاكل السياسة ، وقد ترجمه غير واحد من الأعلام منهم : الشوكاني ، قال :

(ولد) بمدينة ذمار يوم الاثنين لعله سابع شهر رجب سنة ٧٧٥ هـ خمس وسبعين وسبعمائة (٢) قرأ في علم العربية فلبث في قراءة النحو والتصريف والمعاني والبيان قدر سبع سنين. وبرع في هذه العلوم الثلاثة وفاق غيره من أبناء زمانه ثم أخذ في علم الكلام على صنوه الهادي ، وعلى القاضي يحيى بن محمد المدحجي فسمع على الآخر الخلاصة وحفظ الغياضة ثم شرح الأصول للسيد مانكديم ، ثم أخذ في علم اللطيف فقرأ تذكرة ابن متويه على القاضي المذكور مرة. ثم على القاضي على بن عبد اللّه بن أبي الخير مرة أُخرى ثم قرأ عليه المحيط والمعتمد لأبي الحسين البصري ومنتهى السوَل. وسمع على الفقيه علي بن صالح السيرة النبوية ونظام الغريب ، ومقامات الحريري. وعلى المقرىَ المعروف بابن النساخ الكشاف ،

__________________

١ ـ التحف شرح الزلف : ١٢٧ ـ ١٢٨.

٢ ـ ويروى أنّه ولد ٧٧٤ هـ كما عليه المقدم للكتاب البحر الزخار.

٤٢١

وعلى أخيه الهادي المتقدم علم الفقه وقرأ غير ذلك وتبحر في العلوم واشتهر فضله وبعد صيته وصنف التصانيف.

ففي أُصول الدين : « نكت الفرائد في معرفة الملك الواحد » و « القلائد وشرحها الدرر الفرائد » و « الملل وشرحها الأمنية والأمل » و « رياضة الأفهام في لطيف الكلام » وشرحها « دامغ الأوهام » وفي أُصول الفقه : « كتاب الفصول في معاني جوهرة الأصول » و « معيار العقول وشرحه منهاج الوصول » وفي علم النحو : « الكوكب الزاهر شرح مقدمة طاهر » و « الشافية شرح الكافية » و « المكلّل بفرائد معاني المفصل » و « تاج علوم الأدب في قانون كلام العرب » و « أكليل التاج وجوهرة الوهاج » وفي الفقه : « الأزهار » وشرحه « الغيث المدرار » في أربعة مجلدات « والبحر الزخار » في مجلدين.

وفي الحديث : كتاب « الأنوار في الآثار الناصة على مسائل الأزهار » في مجلد لطيف وكتاب « القمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار ».

وفي علم الطريقة : « تكملة الأحكام » وفي الفرائض : « كتاب الفائض ».

وفي المنطق : « القسطاس » وفي التاريخ : « الجواهر » و « الدرر » وشرحها يواقيت السير. وقد انتفع الناس بمصنفاته لاسيما الفقهية فإنّ عمدة زيدية اليمن في جميع جهاته على الأزهار وشرحه والبحر الزخار (١).

وقد بسط الكلام في سيره وآثاره علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين.

قال : فلاحظ من سيرة المهدي عليه‌السلام انّه بعد أن خرج من سجن صنعاء جنّد نفسَه للجهاد والجلاد ، ولكن جهادُه وجلاده في هذه الفترة لم يكن مع المنصور علي بن صلاح ولا مع غيره وإنّما كان مع الجهلِ والبدعِ والضلالاتِ ،

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع : ١ / ١٢٢.

٤٢٢

جاهَد هذا الثالوثَ الرهيبَ بلسانه ، وبيانه ، وسلوكه ، وخرج بنفسه من أجل ذلك إلى القرية وتجول في السهول حيثما تسكن القبائل وتأوي إليها النسور القشاعم من أحفاد الأنصار وأشبال أحفاد الأنصار ، وفيها حمل راية الجهاد ونادى بوجوب الاجتهاد وبحرية وقدسية الفكر والرأي للانتقاد الحرّ والاستنباط الحرّ من مصادر الاِسلام الأولى كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاستفادة من الثروات الفكرية التي خلَفها الأئمّة الهادونَ ، والعلماء المجتهدون في كل أصقاع الأرض ، ومن أجل ذلك ألّف الموَلفات الشاملة وحرر الرسالات الصادعة وبدّد الشبهات بالحجج النيرات ، ولذا ظهرت بعض موَلفاته في هذه الفترة على النحو التالي :

في « ثلا » وبعد خروجه من السجن ألف كتاب (البحر الزخار) الجامع لمذاهب علماء الأمصار وفيه تظهر آراوَه وأنظاره الخاصة في كل المسائل التي اشتمل عليها الكتاب.

وفي سنة ٨١٦ هـ سافر من « ثلا » إلى بلاد مسور وفيه مكث ما شاء اللّه وبدأ في كتابة « غايات الأفكار » وهو شرح لما تضمنه كتاب « البحر الزخار » من العلوم.

وبعد أن سافر إلى الأهنوم وأصلح أحوال أهله رجع إلى « الحيمة » لنفس الغرض ، ومنها استدعاه أهل حراز لاِصلاح شأنهم ومكث في « حراز » ما شاء اللّه وفيه ألف « الدامغ » و « منهاج الوصول لمعيار العقول » وكتاب « علوم الأدب » و « القسطاس في المنطق » و « القاموس الفائض في الفرائض » ثم رجع إلى « مسور » لزيارة أولاده وفي هذه الفترة ألف « القمر النوار ».

ثم نزل « الدقائق » من بلاد « لاعة » وفيها ألف « حياة القلوب ».

وفي سنة ٨٣٦ هـ توفي الاِمام الهادي علي بن الموَيد وأوصى بتسليم ما كان بيده من الحصون إلى الاِمام المهدي صاحب الترجمة فأمر ابنه الحسن بن الموَيد بتعهدها وافتقادها ، أمّا الاِمام نفسه فقد رحل إلى ظفير حجّة ، حيث اتّخذه وطناً له

٤٢٣

وذلك في سنة ٨٣٨ هـ ، وفي سنة ٨٤٠ هـ توفاه اللّه شهيداً بالطاعون وقبره بالظفير مشهور رحمه‌الله وجزاه خيراً وألحقنا به صالحين (١).

آثاره المعروفة :

ثم إنّ الذي شهّر الاِمام ابن المرتضى هو آثاره القيمة نذكر منها ما يلي :

١ ـ البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار :

وقد طبع مرة واحدة عام ١٣٦٨ مبتوراً مشتملاً على أربعة فنون :

١ ـ الأحكام الفقهية ٢ ـ الفرائض الشرعية ٣ ـ الغرائب من فقه السيرة النبوية المسمّى بالدرة ٤ ـ تكملة الأحكام والتصفية عن بواطن الآثار.

ثم طبع ثانياً عام ١٣٩٣ هـ منضماً إلى الكتب التالية :

١ ـ أُصول الدين ، ٢ ـ أُصول الفقه ، ٣ ـ علم اللطيف (الفلسفة) ٤ ـ الملل والنحل ٥ ـ آيات الأحكام ٦ ـ تاريخ سيرة سيد البشر وأصحابه العشرة الغرر ، وعترته المنتجبين الزهر.

وقد طبع الكتاب في سبعة أجزاء ، والجزء الأوّل باسم المقدّمة ، والكتاب مشتمل على عشرة فنون ، وهو موسوعة كبيرة أحتفل بها العلماء في الأوساط المتنورة.

٢ ـ كتاب الأزهار في فقه الأئمّة الأطهار :

وقد حظي الكتاب بالاهتمام البالغ من قبل المقلّدين والمجتهدين وربما يقال نظمت ونضدت فيه مسائل الفقه ، أو ثمانية وعشرين ألفاً من مسائل الشريعة منطوقاً ومفهوماً وعليه اعتمدت الزيدية حتى عصرنا هذا.

__________________

١ ـ البحر الزخار ، ج١ : المقدمة بقلم علي بن عبد الكريم بن محمد الفضيل شرف الدين : ١٩ ـ ٢٦.

٤٢٤

والحقّ أنّه لم يحظ متن فقهي من متون الأئمّة بمثل ما حظى به متن الأزهار من عناية العلماء واهتمامهم بتعليقاتهم ، وهو بين الزيدية ، كالعروة الوثقى عند الاِمامية.

ولقد ألّف بعده كتابان : الآثار ، والهداية على غرار الأزهار ، ولكن لم يحرزا القبول والأوّل لحفيد الموَلّف شرف الدين المتوفى سنة ٩٦٥ هـ والثاني لصارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير المتوفى سنة ٩٢٤ هـ.

وهناك من قام بمناقشة المضمون وكيفية الاستنباط كالعلامة الجلال في كتابه ضوء النهار ، ورد عليه ، ابن الأمير في كتابه « منحة الغفّار ».

إلى أن وصلت النوبة للشوكاني فقام بالتعليق عليه مع النقد اللاذع وسمّى كتابه بـ « السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار » والاسم يعرب عن المسمّى وهو بصدد هدم ما بناه الاِمام ، وتخريب ما أرساه وقد أثار هذا النوع من التأليف مشاعر أكثر رجالات العلم المتحررين ، فكتبوا ردوداً عليه.

وأما تصانيفه فيبلغ عدد الجمع ٣٣ وقد طبع قسم منها ضمن البحر الزخار وتعرفت على فهرسته في ترجمة الشوكاني له.

ولم يكتف الاِمام بالرسائل والمواعظ والموَلفات في نشر علومه وأفكاره ، بل قرض الشعر ونظّم القصائد الهادفة ، وله قصيدة تذكر أبناء فاطمة الزهراء ـ سلام اللّه عليها ـ ويقول :

إذا ما رأيت الفاطمي تمردا

أقام على كسب المعاصي وأخلدا

فذاك الذي لما أكتسى ثوب عزة

تبدل أثواب الدناءة وارتدا

فياسوءتا للفاطمي إذا أتى

أسير المعاصي يوم يلقى محمدا

فلو لم يكن إلاّ الحياء عقوبة

ولم يخش أن يصلى الجحيم مخلّدا

٤٢٥

لكان له واللّه أعظم وازعٍ

من النكر والفحشاء كهلاً وأمردا

فقل لبني الزهراء إن محمدا

بنى لكموا بيت التقاء وشيدا

وأنّ أباكم حيدر بعده الذي

حماه وقد قامت إلى هدمه العدى

فلا تهدموا بنيان والدكم وقد

تحسى أبوكم دونه جرع الردا

فشّر فتىً في العالمين فتى أتى

وقد أصلحت كفا أبيه فأفسدا

نظرة في كتاب طبقات المعتزلة :

إنّ من سبر كتاب طبقات المعتزلة لابن المرتضى يقف على أنّه يرى منهج الاعتزال صورة صحيحة للاِسلام ، وأنّه والاعتزال ، وجهان لعملة واحدة حيث ذكر للمعتزلة اثنتي عشر طبقة إلى عصره. بالشكل التالي :

الطبقة الأولى : الخلفاء الأربعة وعبد اللّه بن العباس وعبد اللّه بن مسعود وغيرهم من الصحابة.

الطبقة الثانية : الحسنان اللّذين منهما اشتهر القول بالتوحيد والعدل ثم ذكر أسماء عدّة من تلك الطبقة.

الطبقة الثالثة : الحسن بن الحسن المثنى ، وعبد اللّه بن الحسن وأولاده : النفس الزكية وغيره (١) ومن أولاد علي أبو هاشم عبد اللّه بن محمد الحنفية.

الطبقة الرابعة : غيلان بن مسلم الدمشقي وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد إلى أن انتهى إلى الطبقة الأخيرة.

__________________

١ ـ لو كان المقياس في تنظيم الطبقات هو التقدم الزمني ، فالأولى عد أولاد عبد اللّه بن الحسن من الطبقة اللاحقة.

٤٢٦

إنّ واصل بن عطاء هو موَسس منهج الاعتزال ، وقد انتقل إلى أحد الأصول الخمسة أي المنزلة بين المنزلتين من النقاش الدائر بينه وبين الحسن البصري ، ثم تكامل المنهج وتصقّل عبر العصور فكيف يكون الاعتزال صورة أُخرى للاِسلام؟

ومن قرأ كتاب طبقات المعتزلة للاِمام ابن المرتضى ، لا يشك في أنّ الكاتب معتزلي مائة بالمائة ، ومع ذلك هو زيدي متمسك بأهداب المذهب الزيدي كذلك فكيف جمع بينهما. لا أدري ، ولعله ، اعتزل في غير باب الاِمامة.

٤٢٧

١٣

الاِمام المنصور باللّه القاسم بن محمد علي

(١٠٢٩)

موَلف كتابي : الاساس ، والاعتصام

هو الاِمام الأجل المنصور باللّه أبو محمد القاسم بن محمد بن علي بن محمد ابن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد ابن يوسف الأشل بن القاسم بن الاِمام الداعي إلى اللّه يوسف بن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الاِمام الناصر أحمد بن الاِمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين قام بعد إياسه من خروج الاِمام الناصر الحسن بن علي في المحرم سنة ست وألف وطهّر الأرض من الردى. ونشر فيها الاِيمان والهدى ولقد جدد اللّه بعلمه وسيفه الدين الحنيف وأحيى بجهاده واجتهاده معالم الشرع الشريف وطلع عليه‌السلام من أيّام الشدائد إلى الحصن المنيع جبل برط من بلد همدان بن زيد.

قبضه اللّه ثاني عشر شهر ربيع الأوّل سنة تسع وعشرين وألف عن اثنتين وستين سنة.

أولاده :

محمد وعلي الشهيد ـ أحمد ـ والحسن ـ والحسين ـ وإسماعيل وإسحاق درج ـ ويحيى ـ وعبد اللّه ـ ويوسف.

موَلفاته :

ومن موَلفاته الاعتصام في السنة بلغ فيه إلى الحجّ وأتمه السيد العلامة أحمد ابن يوسف زيارة المتوفى سنة ١٢٥٢ هـ.

المرقاة ـ في أُصول الفقه.

٤٢٨

الاِرشاد والتحذير وغير ذلك.

والأساس في أُصول الدين الذي يقول فيه الأبيات البليغة من البحر الكامل.

هذا الأساس كرامة فتلقه

ياصاحبي بكرامة الاِنصاف

واحرز نفيساً من نفائس نثره

جمعت بغوض في خِضمِّ صاف

جمع المهيمن بيننا في دينه

جمعاً يفي بإصابة وتصادف (١)

وله شروح.

وقال مجد الدين في مقدمة كتاب الاعتصام : هو الذي ألّف اللّه به الدين بعد شتاته ، ووصل به حبل الاسلام بعد انبتاته ، ورفع بدعوته من الملة الحنفية اعلامها ، وأنفذ بجهاده من الشريعة المطهرة في الأقطار أحكامها ، وجلى الظلم ، وكشف به البهم ، ذو الآيات الظاهرة والبراهين الزاهرة ، والأخلاق النبوية ، والعلوم العلوية ، الذي كشف به غياهب ظلم الظالمين ، الاِمام الأعظم الداعي إلى التي هي أقوم ، أبو محمد مولانا الاِمام أمير الموَمنين ، وسيد المسلمين ، والصادع بالحقّ المبين ، المحيي لطريقة سلف الأئمّة السابقين ، المنصور باللّه القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن الأمير علي بن يحيى العالم البر بن محمد العالم التقي بن يوسف الأصغر الأشل بن الاِمام الداعي إلى اللّه القاسم بن الاِمام الداعي إلى اللّه يوسف الأكبر بن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الاِمام الناصر لدين اللّه أحمد بن الاِمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين الحافظ بن الاِمام ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم الغمر بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشّبه بن الحسن الرضي بن الحسن السبط بن أمير الموَمنين وسيد الوصيين وأفضل الصديقين علي بن أبي طالب وابن فاطمة البتول الزهراء ، والصديقة الكبرى ،

__________________

١ ـ مجد الدين : التحف في شرح الزلف :

٤٢٩

سيدة نساء الأعاجم والأعارب ابنة سيد المرسلين ، وختم النبيين أحمد الأمين ، صلوات اللّه وسلامه وتحياته وإكرامه عليهم أجمعين ما أنهلت السحايب ، وأنارت الكواكب وانزاحت بأنوار هدايتهم الغياهب (١).

هذا وكتابه الأكياس خير دليل على شجاعته الأدبية في بيان الحقّ ، وترك التقية أو المماشاة مع أهل السنّة قال في فصل « حكم أبي بكر في فدك ».

« قال الاِمام يحيى والاِمام المهدي عليهما‌السلام : وحكم أبي بكر في فدك صحيح ، لأنّه حكم باجتهاده.

قلنا : هو المنازع ، وأيّما منازع حكم لنفسه فحكمه باطل إجماعاً ، ولو لم يخالف اجتهاده قال الشاعر :

ومن يكن القاضي له من خصومة

أضرّ به إقراره وجحوده

وأيضاً فانّ الاِمام عندهما ( عليهما‌السلام ) علي عليه‌السلام ، وهو لم يرض ولايته ، فكيف يصح قضاوَه.

وأيضاً كانت اليد لفاطمة عليها‌السلام ، لأنّ في الرواية أنّها ( ـ عليها‌السلام ـ ) أتته تطلب حقها بعد أن رفع عاملها ، فايجاب البينة عليها خلاف الاِجماع.

وأيضاً اعتمد على خبره وهو : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة » مع احتمال أن يكون معناه : أنّ الصدقة (أي الزكاة التي لا تحلّ لبني هاشم غير موروثة بل تصرف في مصرفها).

ولفاطمة عليها‌السلام أن تعتمد على خبرها وخبر علي والحسن والحسين عليهم‌السلام. صح لنا ذلك من رواية الهادي عليه‌السلام (في كتاب « تثبيت الاِمامة) » (أُم أيمن (أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها) مع أنّه نصّ صريح لا يحتمل التأويل (٢).

__________________

١ ـ الاعتصام بحبل اللّه المتين ، المقدمة : ١ ، بقلم مجد الدين بن محمد الموَيدي. مفتي الزيدية في اليمن حالياً.

٢ ـ القاسم بن محمد : الأساس لعقائد الأكياس : ١٦٥.

٤٣٠

ومع ذلك نرى أنّه يتتعتع ويتلعثم في بيان حكم من تقدم الوصي.

ولا يجتري أن يحكم بأنّهم بغوا على الاِمام وعصوه قال :

واختلف في حكم من تقدم الوصي عليه‌السلام.

والحقّ أنّهم إن لم يعلموا استحقاقه عليه‌السلام دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم ، وإن أخطأوا لقوله تعالى : « وَلَيْسَ عَلَيْكُم جُناحٌ فيما أخطأتم به » (الأحزاب ـ ٥) ولم يفصل.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أُمتي الخطأ والنسيان) ولم يفصل.

وإن علموا فخطيئتهم كبيرة للاِجماع على أنّ منع إمام الحقّ من تناول الواجب أو منع الواجب منه بغى عليه ، والاِجماع على أنّ البغي عليه فسق ، لأنّه اتباع لغير سبيل الموَمنين واللّه تعالى يقول :

« ويتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُوَْمِنينَ نُوَلّهِ ما تَولّى ونُصْلِهِ جَهَنَّم وساءَتْ مَصِيرا » (النساء ـ ١١٥) ولعل توقف من أئمتنا عليهم‌السلام لعدم حصول العلم بأنّهم علموا أو جهلوا (ذلك) ومعارضة إبقائهم على الأصل من الجهل باستحقاقه ( عليه‌السلام ) ، بأنّ الأصل في أعمال المكلفين التي تعلق بالحقوق العمد ، ألا نرى أن رجلاً قتل رجلاً ، ثم ادعى الخطأ أنّه لا يقبل قوله بالاِجماع.

وبوجوب حمل علماء الصحابة على السلامة ، وعدم الاِخلال بتعريفهم ، إذ مثل ذلك واجب لقوله تعالى : « إنَّ الذِينَ يَكتُمونَ ما أنزَلنا مِنَ البيِّناتِ والهُدَى مِن بعد ما بينّاهُ للناسِ فِي الكِتابِ أُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون » (البقرة ـ ١٥٩) ولنقل تعريفهم إياهم نقلاً لم يبلغ حد التواتر وجب الوقف في حقهم دون علماء الصحابة لحصول العلم بتلبّسهم بالمعصية ، وهو اغتصاب إمامته عليه‌السلام ، ولم يحصل مثل ذلك في حقّ علماء الصحابة (١).

____________

١ ـ القاسم بن محمد : الأساس لعقائد الأكياس : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٤٣١
٤٣٢

الفصل السابع

شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة

الطابع الفريد للمذهب الزيدي ، هو أنّه عقليّ في الأصول والعقائد ، يقتفي أثر الدليل والبرهان ويتعرض للشكوك والشبهات ، ويجيب عنها ، وهو يرافق المعتزلة في أكثر المسائل إلاّ ما يرجع إلى الاِمامة ، ويناضل الأشاعرة في غالبها. ومع أنّ المذهب الأشعري ، هو المذهب المعتدل بين المذهب العقلي المحض (الاعتزال) والنقليّ المحضّ (الحشوية) فالمذهب الزيدي لايرافقه إلاّ في الأقل القليل في مجال العقائد.

وأمّا اتجاهه في الفقه فهو نفس ذلك الاتجاه ، فالفقه الرائج بين الزيدية هو فقه الاِمـام يحيـى الهـادي (٢٤٥ ـ ٢٩٨ هـ) ، موَلّف « الأحكام » ولكنه حنفيّ الاتجاه ، يعمل بالقياس والاستحسان ، ويرجّح بالعقل عند تعارض الأدلة.

هذا هو طابع المذهب الزيدي ، ومع ذلك ترى أنّ شخصيات بارزة نقضوا ذلك الاِطار ، وتحرّروا عن القيد الذي ضربه المذهب عليهم ، وهم بين :

متفتّح مع السلف وأهل الحديث ، أو موَيد للحركة الوهابية المدّمرة لآثار الرسالة باسم مكافحة الشرك.

والممثّل للاتجاه الأوّل ، هو ابن الوزير في القرن الثامن ، كما أنّ الممثّل للاتجاه الثاني ، الأمير الصنعاني في القرن الثاني عشر ، والجامع بين الاتجاهين في القرن الثالث عشر هو الشوكاني وبما أنّه كان لهم دور في تطوير المذهب الزيدي في بعض الأدوار ، وإن غاب نجمهم بعد حين ، ناسب أن نشير إلى زوايا من حياتهم وتفكيراتهم حسب التسلسل الزمني.

٤٣٣

زيدي تسنّن

١

ابن الوزير محمد بن إبراهيم

(٧٧٥ ـ ٨٤٠ هـ)

هو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل بن المنصور ، بن محمد ، بن العفيف ، بن مفضل بن الحجاج ، بن عليّ ، بن يحيى بن القاسم ، ابن الاِمام الداعي يوسف ، ابن الاِمام المنصور باللّه يحيى بن الناصر أحمد ابن الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم جميعاً ، ولد في رجب عام ٧٧٥ هـ وتوفي في محرم عام ٨٤٠ هـ ، مجتهد باحث ، من أعيان اليمن وهو أخو الهادي بن إبراهيم تعلّم بصنعاء وصعدة ومكة ، وأقبل في أواخر عمره على العبادة (١).

يعرّفه ابن حجر العسقلاني : أنّه مقبل على الاشتغال بالحديث ، شديدُ الميل إلى السنّة بخلاف أهل بيته (٢).

ويقول الشوكاني : « وكلامه لا يشبه كلام أهل عصره ولا كلام من بعده بل هو نمط من كلام ابن حزم وابن تيمية وهو في عداد أئمة الزيدية المجتهدين الذين لا يرفعون إلى التقليد رأساً ولا يشوبون دينهم بشيء من البدع الذي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب شيء منها » (٣).

وكلامه في كتاب « إيثار الحقّ على الخلق » يعرف موقفه من المذاهب

__________________

١ ـ الشوكاني : البدر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع : ٢ / ٨١ برقم ٣٩ ، وقد ذكر نسبه الزركلي بغير ماذكرناه ، وماذكرناه هو المعتمد ، لأنّ الشوكاني من أهل البيت.

٢ ـ المصدر نفسه : ٨٣.

٣ ـ المصدر نفسه : ٨٣.

٤٣٤

الكلامية يقول فيه :

لقد رأيت مصنفي كتب المذاهب ينتصر فيها المصنف لمذهب واحدٍ في القويّ والضعيف ، ولم يسلك أحد منهم مسلك مصنفي كتب الفقه التي تذكر فيها مذاهب أهل الملة الاِسلامية ، ويقوّى فيها ما قوّته الدلائل البرهانية سواء أكانت لقريب أم بعيد ، لصديق أم بغيض ، وكتب العقائد أحقّ بسلوك هذا المسلك من كتب الفروع ، أمّا كون الحقّ واحداً فصحيح ، ولكن لا يستلزم أن يكون الصواب في جميع المواضع المتفرقة قد اجتمع لفرقة منها إلاّ ما حصل فيه إجماع من الأمّة والعترة ، وانّ من أندر الأشياء أن يحرص المتكلم على معرفة الحقّ في أقوال المخالفين.

والذي وسّع دائرة المراء والضلال هو البحث عما لا يُعلَم والسعي فيما لا يُدرك والاشتغال بالبحث عن الدقائق التي لاطريق إلى معرفتها ، السير في الطريق التي لا توصل إلى المطلوب. وليس طلب أي علم بجحود ولا كل مطلوب بموجود.

إنّ المحتاج إليه من المعارف الاِسلامية في الأصول سبعة أُمور كلها فطرية جليّة وهي :

١ ـ إثبات العلوم الضرورية التي يبتني الاِسلام على ثبوتها.

٢ ـ ثبوت الربّ عزّ وجلّ.

٣ ـ توحيده سبحانه وتعالى.

٤ ـ كماله بأسمائه.

٥ ـ ثبوت النبوّات.

٦ ـ الاِيمان بجميع الأنبياء وعدم التفريق بينهم.

٧ ـ ترك الابتداع في الدين بالزيادة على ما جاء به الأنبياء أو النقص عنه.

٤٣٥

هذه الأمور السبعة تكفي العامّي فإن تعرض فيها لشبهة قادحة تمكن من حلها عن طريق القرينة الجلية (١).

إنّ ما ذكره ابن الوزير من أنّه يكفي العامّي الاعتقاد بالأمور وإن كان أمراً صحيحاً ، لكن إلزام الجميع بالعمل على نمط واحد ، أمر لا يقبله العقل وهل يصح إيقاف البحث على وجوه أصحاب العقول والأدمغة الكبيرة ، كالفارابي وابن سينا ، وابن رشد والرازي ونصير الدين الطوسي ومن جاء بعدهم بحجّة أنّه يكفيهم تحصيل البرهان على الأمور المذكورة.

إنّ تحريم الحوار الصحيح والمناظرة المبنيّة على الأسس الصحيحة ممّا دعى إليه الذكر الحكيم ، وأحاديث العترة الطاهرة وقد قدّمنا شيئاً من ذلك في غضون الأجزاء السابقة.

أظنّ انّ الوزير تأثر بالتيار السلفيّ الذي أثاره ابن تيميّة (٦٦١ ـ ٧٢٨ هـ) وتلميذه ابن القيّم (ت ٧٥١ هـ) قريباً من عصره وبلغ إلى أرض الحجاز واليمن ، ولقد كانت الأذهان الساذجة ، أرضاً خصبة لتلك الفكرة فإنّها كانت تحمل حقاً وباطلاً فمن جانب تدعو إلى الاجتهاد الحرّ وترك التقليد ، لاِمام من أئمة الفقه ، ومن جانب آخر ، يدعو إلى إغلاق العقل وإعدامه في مجال المعارف وتقليد حرفية النصوص الواردة فيها. وإن انتهى إلى القول بالتشبيه والتجسيم والجهة ، غاية الأمر يتبرّأون من مضاعفاتها ، بلفظ « بلا كيف ».

إنّ ابن الوزير مع ذكائه وتوقّده ، تأثر بموجة الفكر السلفي ، وابتدع من حيث لا يشعر ، فزعم أنّ السلفية مذهب ، مع أنّه ليس بمذهب وليس السلف خيراً من الخلف ، ولا الخلف بأقصر منهم عقلاً ووعياً ، والحجّة هو الكتاب والسنّة الصحيحة والعقل الصريح الذي لولاه ، لانسدّ باب المعرفة ، فما معنى ترجيح

__________________

١ ـ إيثار الحقّ على الخلق.

٤٣٦

السلف على الخلف ، ورفض تقليد الأئمّة الفقهية ، ووضع قيد السلفية على العقول والأفئدة مكان تقليدهم.

يقول الشوكاني : إنّ صاحب الترجمة لما ارتحل إلى مكة وقرأ علم الحديث على شيخه ابن ظهيرة قال له : ما أحسن يا مولانا لو انتسبتَ إلى الاِمام الشافعي أو أبي حنيفة؟ فغضب وقال : لو احتجت إلى هذا النسب والتقليدات ، ما اخترت غير الاِمام القاسم بن إبراهيم (الرسي) أو حفيده الهادي.

ثم إنّه أتى بأسماء كتبه : وإليك ما ذكره :

١ ـ العواصم والقواصم في الذب عن سنّة أبي القاسم.

٢ ـ الروض الباسم وهو مختصر كتاب العواصم (وقد طبع في مصر في إدارة الطباعة المنيرية).

٣ ـ ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ، يقول الشوكاني : وهو كتاب في غاية الاِفادة والاِجادة على أُسلوب مخترع لا يقدر على مثله إلاّ مثله ، طبع بمصر عام ١٣٤٩ هـ.

٤ ـ نصر الأعيان على شر العميان ، ردّ فيه على المعري.

٥ ـ البرهان القاطع في معرفة الصانع ألّفه عام ٨٠١ هـ ، وطبع بمصر عام ٨٠١ هـ.

٦ ـ التنقيح في علوم الحديث.

٧ ـ إيثار الحقّ على الخلق ، المطبوع بمصر عام ١٣١٨ هـ.

إلى غير ذلك مما ذكره الشوكاني وغيره (١).

__________________

١ ـ البدر الطالع : ٢ / ٩٠ ، الأعلام للزركلي : ٥ / ٣٠٠.

٤٣٧

زيدي تسنّن وتوهّب

٢

ابن الأمير : محمد بن إسماعيل

(١٠٩٩ ـ ١١٨٦ هـ)

موَلّف سبل السلام

هو محمد بن إسماعيل بن صلاح ، ينتهي نسبه إلى الأمير يحيى بن حمزة الحسني ، الذي تعرفت عليه.

ولد بكحلان ، ثم انتقلت أُسرته عام ١١١٠ هـ إلى صنعاء عاصمة اليمن ، وتعلّم النحو والبيان وعلوم الفقه وأُصول الدين ، ثم سافر إلى الحجاز مرتين ، وأخذ علوم الحديث هناك وبرع في العلوم المختلفة حتى برع أقرانه وتفرّد بالرئاسة العلمية في صنعاء وأظهر الاجتهاد والوقوف مع الأدلة ونفر من التقليد وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية.

ومن كتبه النافعة كتاب « سبل السلام في شرح بلوغ المرام » لابن حجر.

أمّا بلوغ المرام فقد ألّفه الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وجمع فيه كل الأحاديث التي استنبط الفقهاء منها الأحكام الفقهية مبيناً عقب كلّ منها ، من أخرجه من أئمة الحديث كالبخاريّ ومسلم ، ومالك ، وأبي داود ، وغيرهم موضحاً درجة الحديث من صحة أو حسن أو ضعف ، مرتّباً له على أبواب الفقه ، وضمّ إلى ذلك في آخر الكتاب قسماً مهماً في الآداب والأخلاق والذكر والدعاء.

أمّا الشرح فالأصل كما يقوله الشوكاني هو « البدر التمام » للمغربي ، اختصره

٤٣٨

محمد بن إسماعيل الأمير ، فبيّن لغته وسبب الضعف فيما ضعّفه الحافظ ابن حجر ، إذ أنكره ، أو وهمه أو أعلّه ، وذكر ما يدلّ عليه الحديث من الأحكام الفقهية ومن قال بها من كبار المجتهدين صحابة وتابعين وأئمة المذاهب ـ رض ـ ومن خالفها مبيّناً نوع المخالفة ودليلها ، ثم يقضي بالكتاب والسنّة غير متحيز إلى مذهب من المذاهب (١).

قال الشوكاني : وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن : منها في أيام المتوكل على اللّه القاسم بن الحسين ، ثم في أيّام ولده الاِمام المنصور باللّه الحسين بن القاسم ، ثم في أيام ولده الاِمام المهدي العباس بن الحسين ، وتجمع العوام لقتله مرّة بعد مرّة حفظه اللّه من كيدهم ، وكفاه شرّهم وولاه الاِمام المنصور باللّه ، الخطابة بجامع صنعاء فاستمر كذلك إلى أيّام ولده المهديّ ـ إلى أن قال : ـ وكانت العامة ترميه بالنصب مستدلين على ذلك بكونه عاكفاً على الأمّهات ، وسائر كتب الحديث ، عاملاً بما فيها ، ومن صنع هذا الصنع رمته العامّة بذلك لا سيما إذا تظهر بفعل شيء من سنن الصلاة كرفع اليدين وضمّهما (القبض والتكتف) (٢).

هنا ملاحظات :

١ ـ إنّ ابن الأمير بلغ درجة الاجتهاد المطلق ، فرفض الالتزام بمذهب خاصّ وقام يعمل برأيه وهو بغية كل طالب داع. لكن المظاهرة على مخالفة العامة لماذا؟!فإنّ رفع اليد وضمها الذي يعبر عنه في الفقه الاِمامي بالتكتف أو قبض اليد اليسري باليمنى ، كما هو التعبير الرائج اليوم ، سنّة وليس بفرض ـ لو لم يكن بدعة أُموية ـ (٣) أو ما كان من واجب ابن الأمير عقلاً ترك السنّة ، لدفع الفتنة.

__________________

١ ـ سبل السلام مقدمة المحقّق : محمد بن عبد العزيز الخولي الطبعة الرابعة ـ ١٣٧٩ ، والبدر الطالع : ٢ / ١٣٧ ، برقم ٤١٧.

٢ ـ الشوكاني : البدر الطالع : ٢ / ١٣٤.

٣ ـ لاحظ : الاعتصام بالكتاب والسنّة للموَلف : ٦١.

٤٣٩

وقد روي أنّ الاِمام الشافعي زار مرقد الاِمام أبي حنيفة وصلى فيه ولم يَقنُت ، ثم سئل عن ترك القنوت مع أنّه مذهبه ، قال توقيراً للاِمام فإنّه لا يرى القنوت سائغاً.

هذا هو عقل الاِمام الشافعي وتدبيره وليكن لنا أُسوة :

٢ ـ إنّ الاقتصـار بما في بلوغ المـرام من الروايات ، في مقام الاِفتاء شاهد صدق على أنّ الرجل ترك مذهب أهل البيت تماماً ، وتفتح على روايات أهل السنّة وصار ينقض ويبرم في ظل أحاديثهم. ومن المعلوم أنّ التظاهر بتلك الفكرة في الأوساط الزيدية يثير حفيظة الأكثرين وليس المروي عن أئمة أهل البيت ، بأدنى مما روى عن الصحابة والتابعين.

٣ ـ يبدو أنّ ابن الأمير كان إنساناً ساذجاً متأثراً بكل تيّار يصل إليه إذا رافق نفسيته ، ولما بلغ إليه خروج محمد بن عبد الوهاب في نجد ، ووقف على رأيه من تدمير آثار الرسالة والنهي عن التوسل والزيارة أخذ بترويج أفكاره ولم يقتصر بذلك وقد ألّف كتاباً في ذلك المضمار أسماه « تطهير الاعتقاد من أدران الاِلحاد » واسمه يحكى عن مدى تعصبه بالتوهّب ، قد أكثر عنه النقل السيد الأمين ـ قدس‌سره ـ في كتاب كشف الارتياب (١) وهذا يعرب عن ان ابن الأمير اغترّ بمنهجه من دون دراسة وتحليل ثم إنّه أنشأ قصيدة في مدح الداعي وهنّأ به وقال :

سلام على نجد ومن حلّ في نجدٍ

وإن كان تسليمي على البعد ، لا يُجدي

إلى أن يقول :

وقد جاءت الأخبار عنه بأنّه

يُعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

ثم هو يتعاطف مع مقولة الحركة ومحتواها ، ويقول في مدح محمد بن عبدالوهاب:

__________________

١ ـ كشف الارتياب : ١٠.

٤٤٠