الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

وقبل هذه كلّها ما في إسناد الرواية من الغمز والعلّة ، كتبها إلى الطبري السري ابن يحيى الذي لا يوجد بهذه النسبة له ذكر قطّ ، غير أنّ النسائي أورد عنه حديثاً لسيف بن عمر فقال : لعلّ البلاء من السري (١) وابن حجر يراه السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي الذي كذّبه يحيى بن سعيد وضعّفه غير واحد من الحفّاظ ، ونحن نراه السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفّى (٢٥٨) ، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته يربو على ثلاثين سنة ، كذّبه ابن خراش ، ووهّاه ابن عدي (٢) ، وقال : يسرق الحديث وزاد ابن حبّان (٣) : ويرفع الموقوفات لا يحلّ الاحتجاج به ، وقال النقاش في حديث : وضعه السري (٤) فهو مشترك بين كذّابين لا يهمّنا تعيين أحدهما.

والتسمية بابن يحيى محمولة على النسبة إلى أحد أجداده كما ذكره ابن حجر في تسميته بابن سهل (٥) هذا إن لم تكن تدليساً ، ولا يحسب القارئ أنّه السري بن يحيى الثقة لقدم زمانه وقد توفّي سنة (١٦٧) (٦) قبل ولادة الطبري ـ الراوي عنه المولود سنة (٢٢٤) ـ بسبع وخمسين سنة.

وفي الإسناد شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول ، قال ابن عدي (٧) : ليس بالمعروف وقال الذهبي : راوية كتب سيف عنه فيه جهالة (٨).

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٣ / ٤٦٠ [٣ / ٣٩٩]. (المؤلف)

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٤٦٠ رقم ٨٧٤.

(٣) كتاب المجروحين : ١ / ٣٥٥.

(٤) تاريخ الخطيب : ٩ / ١٩٣ [رقم ٤٧٧٠] ، ميزان الاعتدال : ١ / ٣٨٠ [٢ / ١١٧ رقم ٣٠٨٩] ، لسان الميزان : ٣ / ١٣ [٣ / ١٦ رقم ٣٦٢٤] مرّ في : ٥ / ٢٣١. (المؤلف)

(٥) لسان الميزان : ٣ / ١٣. (المؤلف)

(٦) تهذيب التهذيب : ٣ / ٤٦١ [٣ / ٤٠٠]. (المؤلف)

(٧) الكامل في ضعفاء الرجال : ٤ / ٤ رقم ٨٨٥.

(٨) ميزان الاعتدال : ١ / ٤٤٨ [٢ / ٢٧٥ رقم ٣٧٠٤] ، لسان الميزان : ٣ / ١٤٥ [٣ / ١٧٦ رقم ٤١٠٠]. (المؤلف)

٢٠١

وفيه سيف بن عمر التميمي راوي الموضوعات ، المتروك ، الساقط ، المتسالم على ضعفه : المتّهم بالزندقة ، كما مرّت ترجمته في صفحة (٨٤). وقد مرّ عن السيوطي (١) أنّه ذكر حديثاً بهذا الطريق وقال : موضوع فيه ضعفاء أشدّهم سيف بن عمر.

وفيه : أبو منصور ، مشترك بين عدّة ضعفاء لا يعوّل عليهم ولا على روايتهم.

عذر مفتعل :

إنّ المحبّ الطبري أعماه الحبّ وأصمّه فجاء بعذر مفتعل غير ما ذكر ، قال في رياضه النضرة (٢) (٢ / ١٥٠) : عنه جوابان :

الأوّل : أنّ الهرمزان شارك أبا لؤلؤة في ذلك ومالأه ، وإن كان المباشر أبا لؤلؤة وحده ، ولكن المعين على قتل الإمام العادل يباح قتله عند جماعة من الأئمّة ، وقد أوجب كثير عن الفقهاء القود على الآمر والمأمور. وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمر وقال : إنّ عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أنّه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه فقتل عمر في صبيحة تلك الليلة ، فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال : انظروا إلى السكّين فإن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلاّ وقد اجتمعوا على قتله. فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن ، فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك ، أو لتردّده فيه فلم ير الوجوب بالشك.

والجواب الثاني : أنّ عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لأنّه كان بنو تيم وبنو عدي مانعين من قتله ، ومانعين عنه ، وكان بنو أُميّة أيضاً جانحين إليه ، حتى قال

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة : ١ / ٤٢٩.

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ٨٨.

٢٠٢

له عمرو بن العاص : قُتل أمير المؤمنين عمر بالأمس ، ويُقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبداً ، ومال في بني جمح ، فلمّا رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال : أمره إليّ وسأرضي أهل الهرمزان منه.

قال الأميني : إنّ إثبات مشاركة هرمزان أبا لؤلؤة في قتل الخليفة على سبيل البتّ لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبي بكر من أنّه رآهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد ، فإنّ من المحتمل أنّهما كانا يتشاوران في أمر آخر بينهما ، أو أنّ أبا لؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتكب فنهاه عنه الهرمزان ، لكنّه لم يصغ إلى قيله فوقع القتل غداً ، إلى أمثال هذين من المحتملات ، فكيف يلزم الهرمزان والحدود تُدرَأ بالشبهات (١)؟

هبّ أنّ عبد الرحمن شهد بتلك المشاركة ، وادّعى أنّه شاهد الوقفة بعينه ، فهل يُقتل مسلم بشهادة رجل واحد في دين الله؟ ولم تنعقد البيّنة الشرعيّة مصافقة لتلك الدعوى ، ولهذا لما أنهيت القضيّة من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلى آخرها إلى عمر نفسه قال : ما أدري هذا ، انظروا إذا أنا متّ فاسألوا عبيد الله البيّنة على الهرمزان ، هو قتلني؟ فإن أقام البيّنة فدمه بدمي ، وإذا لم يقم البيّنة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.

وهبّ أنّ البيّنة قامت عند عبيد الله على المشاركة ، فهل له أن يستقلّ بالقصاص؟ أو أنّه يجب عليه أن يرفع أمره إلى أولياء الدم؟ لاحتمال العفو في بقيّة الورثة مضافاً إلى القول بأنّه من وظائف السلطان أو نائبه ، وعلى هذا الأخير الفتوى المطّردة بين العلماء (٢).

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ١١٢ [٢ / ٨٥٠ ح ٢٥٤٥] ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٣٨ ، سنن الترمذي : ٢ / ١٧١ [٤ / ٢٥ ح ١٤٢٤] ، أحكام القرآن للجصّاص : ٣ / ٣٣٠ [٣ / ٢٦٨] ، تيسير الوصول : ٢ / ٢٠ [٢ / ٢٣]. (المؤلف)

(٢) كتاب الأم للشافعي : ٦ / ١١ ، المدوّنة الكبرى : ٤ / ٥٠٢ [٦ / ٤٣٧] ، فيض الإله المالك للبقاعي : ٢ / ٢٨٦ [٢ / ٢٨٧]. (المؤلف)

٢٠٣

على أنّه لو كانت لعبيد الله أو لمن عطّل القصاص منه معذرة كهذه لأبدياها أمام الملأ المنتقد ، ولما قال مولانا أمير المؤمنين : «اقتل هذا الفاسق» ، ولما تهدّده بالقتل متى ظفر به ، ولما طلبه ليقتله إبّان خلافته ، ولما هرب عنه عبيد الله إلى معاوية ، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنّه وليّ الدم ، وأنّ المسلمين كلّهم أولياء المقتول ، ولما وهبه واستوهب المسلمين ، ولما كان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة ، ولما قام إليه سعد بن أبي وقّاص وانتزع السيف من يده وجرّه من شعره حتى أضجعه وحبسه في داره.

وهب أنّه تمّت لعبيد الله هذه المعذرة فبما ذا كان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسكينة الصغيرة ، وتهديده الموالي كلّهم بالقتل (١)؟

٢ ـ أنا لا أدري من أين جاء المحبّ بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله ، وجنوح الأمويّين إليهم بصورة عامّة ، حتى خافهم الخليفة الجديد. وأيّ خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أوّل يومه؟ فإذا تبيّنت عليه هذه الضؤولة في مفتتح خلافته ، فبأيّ هيبة يسوس المجتمع بعده؟ ويقتصّ القاتل ، ويقيم الحدود ، ولكلّ مقتصّ منه أو محدود قبيلة تغضب له ، ولها أحلاف يكونون عند مرضاتها.

ليس في كتب التاريخ والحديث أيّ أثر ممّا ادّعاه المحبّ المعتذر ، وإلاّ لكان سعد ابن أبي وقّاص أولى بالخشية يوم قام إلى عبيد الله وجرّ شعره ، وحبسه في داره ، ولم يُر أيّ تيميّ طرق باب سعد ، ولا عدويّ أنكر عليه ، ولا أمويّ أظهر مقته على ذلك ، لكن المحبّ يريد أن يستفزّهم وهم رمم بالية.

ثمّ لو كان عند من ذكرهم جنوح إلى تعطيل هذا الحكم الإلهي حتى أوجب ذلك حذار الخليفة من بوادرهم ، فإنّه معصية تنافي عدالة الصحابة ، وقد أطبق القوم

__________________

(١) ما تقدّم ردّ الجواب الأوّل للمحبّ الطبري.

٢٠٤

على عدالتهم. ولو كان الخليفة يروعه إنكار المنكرين على ما يريد أن يرتكب فلما ذا لم يرعه إنكار الصحابة على الأحداث في أُخرياته؟ حتى أودت به ، أكان هيّاباً ثمّ تشجّع؟ سل عنه المحبّ الطبري.

ـ ٨ ـ

رأي الخليفة في الجنابة

أخرج مسلم في الصحيح بالإسناد عن عطاء بن يسار : أنّ زيد بن خالد الجهني أخبره أنّه سأل عثمان بن عفّان قال : قلت : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يُمنِ؟ قال عثمان : يتوضّأ كما يتوضّأ للصلاة ، ويغسل ذكره. قال عثمان : سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وأخرجه البخاري في صحيحه ، وزاد عليه ، ولفظه : سُئل عثمان بن عفّان عن الرجل يجامع فلا يُنزل ، فقال : ليس عليه غسل. ثمّ قال : سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : فسألت بعد ذلك عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيّ ابن كعب فقالوا مثل ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأخرجه بطريق آخر وفيه : فأمروه بذلك ، بدل قوله : فقالوا مثل ذلك عن النبيّ (٢).

وأخرجه أحمد في مسنده (٣) (١ / ٦٣ ، ٦٤) وفيه : فسألت عن ذلك عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وأبيّ بن كعب فأمروه بذلك. فليس في لفظه (عن رسول الله) وبالألفاظ الثلاثة ذكره البيهقي في السنن الكبرى (١ / ١٦٤ ، ١٦٥).

__________________

(١) صحيح مسلم : ١ / ١٤٢ [١ / ٣٤٣ ح ٨٦ كتاب الحيض]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري : ١ / ١٠٩ [١ / ١١١ ح ٢٨٨]. (المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ١ / ١٠١ ح ٤٥٠ ، ص ١٠٣ ح ٤٦٠.

٢٠٥

قال الأميني : هذا مبلغ فقه الخليفة إبّان خلافته وبين يديه قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)(١).

قال الشافعي في كتاب الأمُ (٢) (١ / ٣١) : فأوجب الله عزّ وجلّ الغسل من الجنابة ، فكان معروفاً في لسان العرب أنّ الجنابة الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق ، وكذلك ذلك في حدّ الزنا وإيجاب المهر وغيره ، وكلّ من خوطب بأنّ فلاناً أجنب من فلانة عقل أنّه أصابها وإن لم يكن مقترفاً ، قال الربيع : يريد أنّه لم ينزل.

ودلّت السنّة على أنّ الجنابة أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يواري حشفته ، أو أن يرى الماء الدافق ، وإن لم يكن جماع. انتهى.

وقال في اختلاف الحديث في هامش كتاب الأُم (٣) (١ / ٣٤) : فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب أنّها الجماع دون الإنزال ، ولم تختلف العامّة أنّ الزنا الذي يجب به الحدّ الجماع دون الإنزال ، وأنّ من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحدّ ، وكان الذي يشبه أنّ الحدّ لا يجب إلاّ على من أجنب من حرام. انتهى.

وفي تفسير القرطبي (٤) (٥ / ٢٠٤) : الجنابة : مخالطة الرجل المرأة. والجمهور من الأُمّة على أنّ الجنب هو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان. انتهى.

ثمّ كيف عزب عن الخليفة حكم المسألة ، وقد مرّنته الأسؤلة ، وعلّمته الجوابات النبويّة ، وبمسمع منه مذاكرات الصحابة لما وعوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإليك جملة منها :

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) كتاب الأم : ١ / ٣٦.

(٣) اختلاف الحديث : ص ٤٩٦.

(٤) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ١٣٣.

٢٠٦

١ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل».

وفي لفظ «إذا قعد بين شعبها الأربع ، ثمّ أجهد نفسه ، فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل».

وفي لفظ ثالث : «إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل».

وفي لفظ أحمد : «إذا جلس بين شعبها الأربع ، ثمّ جهد ، فقد وجب الغسل».

صحيح البخاري (١ / ١٠٨) صحيح مسلم (١ / ١٤٢) ، سنن الدارمي (١ / ١٩٤) ، سنن البيهقي (١ / ١٦٣) ، مسند أحمد (٢ / ٢٣٤ ، ٣٤٧ ، ٣٩٣) ، المحلّى لابن حزم (٢ / ٣) ، مصابيح السنّة (١ / ٣٠) ، الاعتبار لابن حازم (ص ٣٠) ، تفسير القرطبي (٥ / ٢٠٠) ، تفسير الخازن (١ / ٣٧٥) (١).

٢ ـ عن أبي موسى : أنّهم كانوا جلوساً فذكروا ما يوجب الغسل ، فقال من حضره من المهاجرين : إذا مسّ الختان الختان وجب الغسل. وقال من حضره من الأنصار : لا حتى يدفق. فقال أبو موسى : أنا آتي بالخبر ، فقام إلى عائشة فسلّم ثمّ قال : إنّي أُريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحييك ، فقالت : لا تستحي أن تسألني عن شيء كنت سائلاً عنه أُمّك التي ولدتك إنّما أنا أُمّك. قال : قلت : ما يوجب الغسل؟ قالت : على الخبير سقطت ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان وجب الغسل».

صحيح مسلم (١ / ١٤٣) ، مسند أحمد (٦ / ١١٦) ، الموطّأ لمالك (١ / ٥١) ، كتاب

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ١١٠ ح ٢٨٧ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٤٤ ح ٨٧ كتاب الحيض ، مسند أحمد : ٢ / ٤٦٦ ح ٧١٥٧ ، ٣ / ٢٣ ح ٨٣٦٩ ، ص ١٠٢ ح ٨٨٦٣ ، مصابيح السنّة : ١ / ٢١٢ ح ٢٩٢ ، الاعتبار : ص ١٢٠ ، الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ١٣٤ ، تفسير الخازن : ١ / ٤٤٣.

٢٠٧

الأُم للشافعي (١ / ٣١ ، ٣٣) ، سنن البيهقي (١ / ١٦٤) ، المحلّى لابن حزم (٢ / ٢) ، المصابيح للبغوي (١ / ٣٢) ، سنن النسائي ، وصححه ابن حبّان ، وابن القطان ، الاعتبار لابن حازم (ص ٣٠) (١).

٣ ـ عن أُم كلثوم عن عائشة : أنّ رجلاً سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرجل يجامع أهله [ثم] (٢) يكسل هل عليه من غسل؟ وعائشة جالسة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي لأفعل ذلك أنا وهذه [ثم] (٣) نغتسل».

صحيح مسلم (١ / ١٤٣) ، سنن البيهقي (١ / ١٦٤) ، المدوّنة الكبرى (١ / ٣٤) (٤).

٤ ـ عن الزهري : أنّ رجالاً من الأنصار فيهم أبو أيّوب وأبو سعيد الخدري كانوا يفتون : الماء من الماء ، وأنّه ليس على من أتى امرأته فلم ينزل غسل ، فلمّا ذكر ذلك لعمر ، وابن عمر ، وعائشة أنكروا ذلك ، وقالوا : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

صحيح الترمذي (٥) (١ / ١٦) ، وصحّحه فقال : وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. سنن البيهقي (١ / ١٦٥).

٥ ـ عن عائشة قالت : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا».

وفي لفظ : «إذا قعد بين الشعب الأربع ، ثمّ ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل».

__________________

(١) صحيح مسلم : ١ / ٣٤٤ ح ٨٨ كتاب الحيض ، مسند أحمد : ٧ / ١٦٣ ح ٢٤٢٩٦ ، موطّأ مالك : ١ / ٤٥ ، كتاب الأُم : ١ / ٣٧ ، ٣٩ ، مصابيح السنّة : ١ / ٢١٦ ح ٣٠٢ ، السنن الكبرى : ١ / ١٠٨ ح ١٩٧ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان : ٣ / ٤٥٢ ح ١١٧٦ ، الاعتبار : ص ١٢٠.

(٢) من المصدر.

(٣) من المصدر.

(٤) صحيح مسلم : ١ / ٣٤٥ ح ٨٩ كتاب الحيض ، المدوّنة الكبرى : ١ / ٣٠.

(٥) سنن الترمذي : ١ / ١٨٠ ح ١٠٩.

٢٠٨

سنن ابن ماجة (١) ، مسند أحمد (٢) (٦ / ٤٧ ، ١١٢ ، ١٦١).

٦ ـ عن عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن أبيه مرفوعاً عن جدّه : «إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل». وزاد في المدوّنة : «أنزل أو لم ينزل».

سنن ابن ماجة (١ / ٢١٢) ، المدوّنة الكبرى (١ / ٣٤) ، مسند أحمد (٢ / ١٧٨) ، وأخرجه ابن أبي شيبة كما في نيل الأوطار (١ / ٢٧٨) (٣).

وكأنّ الخليفة كان بمنتأى عن هذه الأحاديث فلم يسمعها ولم يعِها ، أو أنّه سمعها لكنّه ارتأى فيها رأياً تجاه السنّة المحقّقة ، أو أنّه أدرك من أوليات الإسلام ظرفاً لم يشرّع فيه حكم الغسل ، وهو المراد ممّا زعم أنّه سمعه من رسول الله فحسب أنّه مستصحب إلى آخر الأبد حيث لم يتحرّ التعلّم ، ولم يُصِخ إلى المحاورات الفقهيّة حتى يقف على تشريع الحكم إلى أن تقلّد الخلافة على من يعلم الحكم وعلى من لا يعلمه ، فألهته عن الأخذ والتعلّم ، ثمّ إذ لم يجد منتدحاً عن الفتيا في مقام السؤال فأجاب بما ارتآه أو بما علق في خاطره منذ دهر طويل قبل تشريع الحكم.

أو أنّه كان سمع حكماً منسوخاً وعزب عنه ناسخه بزعم من يرى أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الماء من الماء» (٤) وما يشابهه في المعنى من قوله : «إذا أُعجِلت أو أُقحِطت (٥) فلا

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ١٩٩ ح ٦٠٨.

(٢) مسند أحمد : ٧ / ٧٢ ح ٢٣٦٨٦ ، ص ١٦٣ ح ٢٤٢٩٦ ، ص ٢٣١ ح ٢٤٧٥٣.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٢٠٠ ح ٦١١ ، المدوّنة الكبرى : ١ / ٣٠ مسند أحمد : ٢ / ٣٧٣ ح ٦٦٣٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ١ / ١١٢ ، نيل الأوطار : ١ / ٢٦١.

(٤) صحيح مسلم : ١ / ١٤١ ، ١٤٢ [١ / ٣٤١ ح ٨٠ كتاب الحيض] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٢١١ [١ / ٢٠٠ ح ٦٠٧] ، سنن البيهقي : ١ / ١٦٧. (المؤلف)

(٥) الإقحاط كناية عن عدم الإنزال.

٢٠٩

غسل عليك وعليك ، الوضوء» (١) قد نسخ بتشريع الغسل إن كان الاجتزاء بالوضوء فحسب حكماً لموضوع المسألة ، وكان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الماء من الماء» وارداً في الجماع. وأمّا على ما ذهب إليه ابن عبّاس من أنّه ليس منسوخاً بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم يوجد احتلام (٢) كما هو صريح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن رأى احتلاماً ولم ير بللاً فلا غسل عليه» (٣) فمورد سقوط الغسل أجنبي عن المسألة هذه فلا ناسخ ولا منسوخ.

قال القسطلاني في إرشاد الساري (٤) (١ / ٣٣١) ، والنووي في شرح مسلم هامش الإرشاد (٥) (٢ / ٤٢٦) : الجمهور من الصحابة ومن بعدهم قالوا : إنّه منسوخ ويعنون بالنسخ أنّ الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطاً ثمّ صار واجباً ، وذهب ابن عبّاس وغيره إلى أنّه ليس منسوخاً بل المراد نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل ، وهذا الحكم باقٍ بلا شك. انتهى.

وأمّا ما مرّ في روايات أوّل العنوان من موافقة مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وأبيّ ابن كعب وآخرين لعثمان في الفتيا ، فمكذوب عليهم ستراً على عوار جهل الخليفة بالحكم في مسألة سمحة سهلة كهذه ، أمّا الإمام عليه‌السلام فقد مرّ في الجزء السادس (ص ٢٤٤) (٦)

__________________

(١) صحيح مسلم : ١ / ١٤٢ [١ / ٣٤٢ ح ٨٣ كتاب الحيض] ، سنن ابن ماجة : ١ / ٢١١ [١ / ١٩٩ ح ٦٠٦]. (المؤلف)

(٢) مصابيح البغوي : ١ / ٣١ [١ / ٢١٢ ح ٢٩٣] ، تفسير القرطبي : ٥ / ٢٠٥ [٥ / ١٣٤] ، الاعتبار لابن حازم : ص ٣١ [ص ١٢٢] ، فتح الباري : ١ / ٣١٦ [١ / ٣٩٨]. (المؤلف)

(٣) سنن الدارمي : ١ / ١٩٦ ، سنن البيهقي : ١ / ١٦٧ ، ١٦٨ ، مصابيح البغوي : ١ / ٣١ [١ / ٢١٥ ح ٣٠١]. (المؤلف)

(٤) إرشاد الساري : ١ / ٦١٣.

(٥) شرح صحيح مسلم : ٤ / ٣٦.

(٦) الطبعة الاولى وص ٢٦١ الطبعة الثانية. (المؤلف)

٢١٠

ردّه على الخليفة الثاني في نفس المسألة وقوله : «إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل». فأرسل عمر إلى عائشة فقالت مثل قول عليّ عليه‌السلام فأخبت إليه الخليفة فقال : لا يبلغني أنّ أحداً فعله ولا يغسل إلاّ أنهكته عقوبة.

وقد علم يوم ذاك حكم المسألة كلّ جاهل به ورفع الخلاف فيها ، قال القرطبي في تفسيره (١) (٥ / ٢٠٥) : على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، وأنّ الغسل يجب بنفس التقاء الختانين وقد كان فيه خلاف بين الصحابة ثمّ رجعوا فيه إلى رواية عائشة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أترى عليّا عليه‌السلام وافق عثمان وحكم خلاف ما أنزل الله تعالى بعد إفتائه به ، وسوق الناس إليه ، وإقامة الحجّة عليه بشهادة من سمعه عن النبيّ الأعظم؟ (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) (٢).

وأمّا أبيّ بن كعب فقد جاء عنه من طرق صحيحة قوله : إنّ الفتيا التي كانت الماء من الماء رخصة أرخصها رسول الله في أوّل الإسلام ثمّ أمر بالغسل.

وفي لفظ : إنّما كانت الفتيا في الماء من الماء في أوّل الإسلام ثمّ نهي عنها.

وفي لفظ : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما جعل ذلك رخصة للناس في أوّل الإسلام لقلّة الثياب ، ثمّ أمر بالغسل. وفي لفظ : ثمّ أمر بالاغتسال بعد (٣).

فليس من الممكن أنّ أبيّا يروي هذه كلّها ، ثمّ يوافق عثمان على سقوط الغسل بعد ما تبيّن حكم المسألة وشاع وذاع في أيّام الخليفة الثاني.

وأمّا غيرهما : ففي فتح الباري (٤) (١ / ٣١٥) عن أحمد أنّه قال : ثبت عن هؤلاء

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ١٣٤.

(٢) النجم : ٢٣.

(٣) سنن الدارمي : ١ / ١٩٤ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٢١٢ [١ / ٢٠٠ ح ٦٠٩] ، سنن البيهقي : ١ / ١٦٥ ، الاعتبار لابن حازم : ص ٣٣ [ص ١٢٤]. (المؤلف)

(٤) فتح الباري : ١ / ٣٩٧.

٢١١

الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث.

فنسبة القول بعدم وجوب الغسل في التقاء الختانين إلى الجمع المذكور بهت وقول زور ، وقد ثبت منهم خلافه ، تقوّل القوم عليهم لتخفيف الوطأة على الخليفة ، وافتعلوا للغاية نفسها أحاديث منها ما في المدوّنة الكبرى (١) (١ / ٣٤) من طريق ابن المسيّب قال : إنّ عمر بن الخطّاب ، وعثمان بن عفّان ، وعائشة كانوا يقولون : إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل.

حسب المغفل أنّه باختلاق هذه الرواية يمحو ما خطّته يد التاريخ والحديث في صحائفهما من جهل الرجلين بالحكم ، ورأيهما الشاذّ عن الكتاب والسنّة.

وأعجب من هذا عدّ ابن حزم في المحلّى (٢ / ٤) عليّا وابن عبّاس وأُبيّا وعثمان وعدّة أُخرى وجمهور الأنصار ، ممّن رأى أن لا غسل من الإيلاج إن لم يكن أنزل ، ثمّ قال : وروي الغسل في ذلك عن عائشة وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وابن مسعود وابن عبّاس إلخ. كلّ هذه آراء متضاربة ونسب مفتعلة لفّقها أمثال ابن حزم لتزحزح فتوى الخليفتين عن الشذوذ.

وأخرج أحمد في مسنده (٢) (٤ / ١٤٣) من طريق رشدين بن سعد ، عن موسى ابن أيوب الغافقي ، عن بعض ولد رافع بن خديج ، عن رافع بن خديج قال : ناداني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا على بطن امرأتي ، فقمت ولم أنزل ، فاغتسلت وخرجت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاخبرته أنّك دعوتني وأنا على بطن امرأتي ، فقمت ولم أنزل ، فاغتسلت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عليك ، الماء من الماء. قال رافع : ثم أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك بالغسل.

__________________

(١) المدوّنة الكبرى : ١ / ٣٠.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ١٣٥ ح ١٦٨٣٧.

٢١٢

هذه الرواية افتعلها واضعها لإبطال تأويل ابن عباس وإثبات النسخ ذاهلاً عن أنّ هذا لا يبرّر ساحة عثمان من لوث الجهل أيام خلافته بالحكم الناسخ.

وهل في وسع ذي مرّة تعقل حكاية ابن خديج قصّته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وأنّه كان على بطن امرأته لما دعاه ، وأنّه قام ولم ينزل؟ هل العادة قاضية لنقل مثل هذه لمثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

ثمّ إن كان الرجل قام من فوره لدعوة نبيّه ، ولم يقض من حليلته وطره ، فلما ذا أرجأ إجابة تلك الدعوة بالاغتسال ولم يكن واجباً؟ فممّن أخذه؟ ولما ذا اغتسل ولمّا أمروا به بعد؟

والنظرة في إسناد الرواية تغنيك عن البحث عمّا في متنها لمكان رشدين بن سعد أبي الحجّاج المصري ، ضعّفه أحمد (١) ، وقال ابن معين (٢) : لا يكتب حديثه ، ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم (٣) : منكر الحديث فيه غفلة ويحدّث بالمناكير عن الثقات ، ضعيف الحديث. وقال الجوزقاني : عنده معاضيل ومناكير كثيرة وقال النسائي (٤) : متروك الحديث ضعيف لا يكتب حديثه. وقال ابن عدي (٥) : أحاديثه ما أقلّ من يتابعه عليها. وقال ابن سعد (٦) : كان ضعيفاً. وقال ابن قانع ، والدارقطني (٧) ، وأبو داود : ضعيف الحديث. وقال يعقوب بن سفيان : رشدين أضعف وأضعف.

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٤٧٩ رقم ٣١٤٥.

(٢) معرفة الرجال : ١ / ٥١ رقم ١٥.

(٣) الجرح والتعديل : ٣ / ٥١٣ رقم ٢٣٢٠.

(٤) كتاب الضعفاء المتروكين : ص ١٠٧ رقم ٢١٢.

(٥) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ١٤٩ رقم ٦٦٩.

(٦) الطبقات الكبرى : ٧ / ٥١٧.

(٧) الضعفاء والمتروكون : ص ٢٠٩ رقم ٢٢٠.

٢١٣

عن : موسى بن أيوب الغافقي وهو وإن حكيت ثقته عن ابن معين ، غير أنّه نقل عنه أيضاً قوله فيه : منكر الحديث ، وكذا قال الساجي ، وذكره العقيلي (١) في الضعفاء (٢).

عن : بعض ولد رافع ، مجهول لا يعرف ، فالرواية مرسلة بإسناد لا يعوّل عليه ، قال الشوكاني في نيل الأوطار (٣) (١ / ٢٨٠) : حسّنه الحازمي ، وفي تحسينه نظر ، لأنّ في إسناده رشدين ، وليس من رجال الحسن ، وفيه أيضاً مجهول لأنّه قال عن بعض ولد رافع بن خديج ، فالظاهر ضعف الحديث لا حسنه. انتهى.

وأمّا تبرير عثمان بتوهّم كون السؤال عنه والجواب قبل تشريع الحكم ، أو قبل نسخه السابق في أوّل الإسلام على العهد النبويّ ، كما يعرب عنه كلام القسطلاني في إرشاد الساري (٤) (١ / ٣٣٢) ، فمن المستبعد جدّا ، فإنّ المسؤول يومئذٍ عن الأحكام وعن كلّ مشكلة هو رسول الله لا غيره ، فما كان عثمان يُسأل عن حكم حتى إذا جهله رجع السائل إلى أفراد آخرين ، فتصل النوبة إلى طلحة والزبير دون رسول الله ؛ وأين كان الشيخان يوم ذاك؟ وقد رووا عن ابن عمر أنّه لم يك يفتي على عهد رسول الله أحد إلاّ أبو بكر وعمر كما مرّ في (٧ / ١٨٢) ، فلا يسع لأيّ أحد الدفاع عن الخليفة بهذا التوهّم.

وإن تعجب فعجب قول البخاري (٥) : الغسل أحوط ، وذاك الأخير إنّما بيّناه لاختلافهم. قاله بعد إخراج رواية أبي هريرة الموجبة للغسل المذكورة (ص ١٤٤) ،

__________________

(١) الضعفاء الكبير : ٢ / ٦٦ رقم ٥٠٩.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٧٧ و ١٠ / ٣٣٦ [٣ / ٢٤٠ و ١٠ / ٢٩٩]. (المؤلف)

(٣) نيل الأوطار : ١ / ٢٦٢.

(٤) إرشاد الساري : ١ / ٦١٥.

(٥) صحيح البخاري : ١ / ١١١ ح ٢٨٩.

٢١٤

وفتوى عثمان المذكورة وحديث أبيّ الموافق معه ، فجنح إلى رأي عثمان ، وضرب عمّا جاء به نبيّ الإسلام ، وأجمعت عليه الصحابة والتابعون والعلماء ، كما سمعت عن القرطبي ، وقال النووي في شرح مسلم (١) هامش إرشاد الساري (٢ / ٤٢٥) : إنّ الأُمّة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع ، وإن لم يكن معه إنزال ، وعلى وجوبه بالإنزال. انتهى.

وهذا الإجماع من عهد الصحابة وهلمّ جرّا ، وقال القاضي عياض : لا نعلم أحداً قال به بعد خلاف الصحابة إلاّ ما حُكي عن الأعمش ، ثمّ بعده داود الأصبهاني.

وقال القسطلاني في الإرشاد (٢) (/ ٣٣٣١) : قال البدر الدماميني كالسفاقسي : فيه جنوح لمذهب داود ، وتعقّب هذا القول البرماوي بأنّه إنّما يكون ميلاً لمذهب داود ، والجمهور على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وهو الصواب.

وقال ابن حجر في فتح الباري (٣) (١ / ٣١٦) : قال ابن العربي : إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم ، وما خالف فيه إلاّ داود ، ولا عبرة بخلافه ، وإنّما الأمر الصعب مخالفة البخاري وحكمه بأنّ الغسل مستحبّ ، وهو أحد أئمّة الدين وأجلّة علماء المسلمين. انتهى.

فلا تعجب عن بخاريّ يقدّم في الفتوى رأي مثل عثمان على ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إجماع الأُمّة عليه تقديمه نظراء عمران بن حطّان الخارجي على الإمام الصادق جعفر بن محمد في الرواية :

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٤).

__________________

(١) شرح صحيح مسلم : ٤ / ٣٦.

(٢) إرشاد الساري : ١ / ٦١٧.

(٣) فتح الباري : ١ / ٣٩٨.

(٤) البقرة : ١٤٥.

٢١٥

ـ ٩ ـ

كتمان الخليفة حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج أحمد في مسنده (١) (١ / ٦٥) عن أبي صالح قال : سمعت عثمان رضى الله عنه يقول على المنبر : أيّها الناس إنّي كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كراهية تفرّقكم عنّي ، ثمّ بدا لي أن أحدّثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «رباط يوم في سبيل الله تعالى خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل».

وأخرج في المسند (٢) (١ / ٦١ ، ٦٥) عن مصعب قال : قال عثمان بن عفّان رضى الله عنه وهو يخطب على منبره : إنّي محدّثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يمنعني أن أحدّثكم إلاّ الضنّ بكم ، وإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حرس ليلة في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها».

وأخرج في المسند (٣) (١ / ٥٧) عن حمران قال : توضّأ عثمان رضى الله عنه على البلاط ثمّ قال : لأحدّثنكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا آية في كتاب الله ما حدّثتكموه ، سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ دخل فصلّى غُفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصلّيها».

وذكرها غير واحد من الحفّاظ أخذاً من مسند أحمد.

قال الأميني : ليت مخبراً يخبرني عن مبرّر هذا الشحّ عن تعليم أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلكم الأحاديث ، والناس في حاجة أكيدة إلى الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة اللذين بهما قام عمود الدين ، ومُطط أديمه ، ودخلت هيبته القلوب ، وكانوا يومئذٍ

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ١٠٥ ح ٤٧٢.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٩٨ ح ٤٣٥ ، ص ١٠٤ ح ٤٦٥.

(٣) مسند أحمد : ١ / ٩٢ ح ٤٠٢.

٢١٦

يتسابقون على الجهاد لكثرة ما انتهى إليهم من فضله ، ولتعاقب الفتوح التي مرّنتهم على الغزو وشوّقتهم إلى توسيع دائرة المملكة ، وحيازة الغنائم ، فلو كان الخليفة يروي لهم شيئاً ممّا لم يزل له نقر في آذانهم ، ونكت في قلوبهم لازدادوا إليه شوقاً ، وازدلفوا إليه رغبة ، وكان يعلّم العالم منهم من لم يعلم ، لا أنّهم كانوا يتفرّقون عنه كما حسبه الخليفة ، ولو كان يريد تفرّقهم عنه إلى الجهاد فهو حاجة الخليفة إلى مجتمعه وحاجة المجتمع إلى الخليفة الذي يكتنفون به ، فهي مقصورة من الجانبين على التسرّب إلى الجهاد والدفاع والدعوة إلى الله تعالى ، وإلى دينه الحقّ وصراطه المستقيم ، لا أن يجتمعوا حوله فيؤنسونه بالمعاشرة والمكاشرة ؛ إذن فلا وجه للضنّة بهم عن نقل تلكم الروايات.

وأمّا ثالث الأحاديث فهو من حاجة الناس إلى أميرهم في ساعة السلم ، وأيّ نجعة في الأمير هي خير من بعث الأمّة على إحسان الوضوء ، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين ، ووسيلة إلى المغفرة ، ونجح الطلبات ، وأحد أصول الإسلام ، فلما ذا يشحّ به الخليفة فيحرم أُمّته عن تلكم المثوبات والأجور؟

وأمّا الآية التي بعثته على التنويه بالحديث ، فليته كان يدلّنا عليها ويعرب عنها ، وقد كانت موجودة منذ نزولها ، وفي إبّان شحّ الخليفة على رواية الحديث ، فما الذي جعجع به إلى هذا التاريخ ، وأرجأ روايته إلى الغاية المذكورة؟ ولعلّه أراد ما نصّ عليه أبو هريرة ، فيما أخرجه الجصّاص في آيات الاحكام (١) (١ / ١١٦) عن أبي هريرة أنّه قال : لو لا آية في كتاب الله عزّ وجلّ ما حدّثتكم ، ثمّ تلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) (٢). قال الجصّاص : فأخبر أنّ الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من البيّنات والهدى الذي أنزله الله تعالى.

__________________

(١) أحكام القرآن : ١ / ١٠٠.

(٢) البقرة : ١٥٩.

٢١٧

وهب أنّ الآية لم تنزل ، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسدل عليه ستار الإخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به؟ أنا لا أدري السرّ في هذه كلّها ، ولعلّ عند الخليفة ما لا أعلمه.

وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأوّلين بالسنّة هذا الحدّ بحيث كان يخفى عليهم مثل الحديثين ، وكان علمهما يخصّ بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وأنّه لو كتمه لما بان؟

على أنّ كاتم العلم وتعاليم النبوّة بين اثنين : رحمة تزوى عنه ، وذموم تتوجّه إليه. وإليك في المقامين أحاديث جمّة ، فمن الفريق الثاني ما ورد :

١ ـ عن ابن عمر مرفوعاً : «علم لا يُقال به ، ككنز لا يُنفق منه» (١). أخرجه ابن عساكر.

٢ ـ عن ابن مسعود مرفوعاً : «علم لا ينفع ، ككنز لا يُنفق منه» (٢). أخرجه القضاعي.

٣ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «مثل الذي يتعلّم العلم ، ثمّ لا يحدّث به ، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه» (٣). أخرجه الطبراني في الأوسط (٤) والمنذري.

٤ ـ عن أبي سعيد مرفوعاً : «كاتم العلم يلعنه كلّ شيء حتى الحوت في البحر

__________________

(١) كنز العمال : ١٠ / ١٨٩ ح ٢٨٩٩٣.

(٢) كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٤.

(٣) المعجم الأوسط : ١ / ٣٩٤ ح ٦٩٣ ، الترغيب والترهيب : ١ / ١٢٢ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٥.

(٤) في الطبعات السابقة : الطيالسي ، وهو سهو منه قدس‌سره. إذ ترجم ما رمز إليه المتقي في كنز العمال ب (طس) بالطيالسي ، والحال أنه رمز للطبراني في الأوسط. وتكرر هذا السهو منه في تخريج حديث : اللهم ارحم خلفائي ... انظر ص ٢٢١.

٢١٨

والطير في السماء» (١) أخرجه ابن الجوزي في العلل.

٥ ـ عن ابن مسعود مرفوعاً : «أيّما رجل آتاه الله علماً فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (٢). أخرجه الطبراني.

٦ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «ما آتى الله تعالى عالماً علماً إلاّ أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه» (٣) أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي.

٧ ـ عن ابن مسعود مرفوعاً : «من كتم علماً عن أهله ألجم (٤) يوم القيامة لجاماً من نار» (٥). أخرجه ابن عدي.

٨ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلاّ أتى (٦) يوم القيامة ملجماً بلجام من نار» (٧). أخرجه ابن ماجة.

٩ ـ عن أبي سعيد مرفوعاً : «من كتم علماً ممّا ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه يوم القيامة بلجام من نار» (٨) أخرجه ابن ماجة والمنذري.

١٠ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «مثل الذي يتعلّم العلم ثمّ لا يحدّث به كمثل رجل رزقه الله مالاً فكنزه فلم ينفق منه» (٩). أخرجه أبو خيثمة في العلم وأبو نصر في الإبانة.

__________________

(١) العلل : ١ / ٩٩ ح ١٢٥ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٧.

(٢) المعجم الكبير ١٠ / ١٢٨ ح ١٠١٩٧ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٨٩٩٨.

(٣) العلل : ١ / ١٠٤ ح ١٤١ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٠ ح ٢٩٠٠٠.

(٤) في الكامل : لُجم.

(٥) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٢٠٦ رقم ٧٠٢ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩١ ح ٢٩٠٠٢.

(٦) في سنن ابن ماجة : أُتي به.

(٧) سنن ابن ماجة : ١ / ٩٦ ح ٢٦١ ، كنز العمال : ١٠ / ١٩٦ ح ٢٩٠٣١.

(٨) سنن ابن ماجة : ١ / ٩٧ ح ٢٦٥ ، الترغيب والترهيب : ١ / ١٢١.

(٩) كنز العمال : ١٠ / ٢١٥ ح ٢٩١٣٨.

٢١٩

١١ ـ عن ابن عمر مرفوعاً : «من بخل بعلم أوتيه أُتي به يوم القيامة مغلولاً ملجوماً بلجام من نار» (١) أخرجه ابن الجوزي في العلل.

١٢ ـ وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو : «من علم علماً ثمّ كتمه ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من نار» (٢).

وفي لفظ الخطيب (٣) : «من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (٤). أخرجه ابن حبّان والحاكم والمنذري.

١٣ ـ عن ابن مسعود مرفوعاً : «من كتم علماً ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (٥). أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والسجزي والخطيب.

١٤ ـ عن ابن عبّاس مرفوعاً : «من كتم علماً يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» (٦). أخرجه الطبراني في الكبير.

١٥ ـ عن قتادة : «[هذا] (٧) ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم علماً فليعلّمه الناس ، وإيّاكم وكتمان العلم ، فإنّ كتمان العلم هلكة» أخرجه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم كما في تفسير الشوكاني (٨) (١ / ٣٧٥).

__________________

(١) كنز العمال : ١٠ / ٢١٥ ح ٢٩١٣٨.

(٢) كنز العمال : ١٠ / ٢١٧ ح ٢٩١٤٦.

(٣) تاريخ بغداد : ٥ / ٣٩ رقم ٢٣٩١.

(٤) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان : ١ / ٢٩٨ ح ٩٦ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ١٨٢ ح ٣٤٦ ، الترغيب والترهيب : ١ / ١٢١ ، كنز العمال : ١٠ / ٢١٧ ح ٢٩١٤٧.

(٥) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٤٥٥ رقم ٨٧١ ، كنز العمال : ١٠ / ٢١٧ ح ٢٩١٤٨ ، تاريخ بغداد : ٦ / ٧٧ رقم ٣١١٣.

(٦) المعجم الكبير : ١١ / ٥ ح ١٠٨٤٥ ، كنز العمال : ١٠ / ٢١٧ ح ٢٩١٤٩.

(٧) الزيادة من المصدر.

(٨) فتح القدير : ١ / ٤٠٩.

٢٢٠