الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

ـ ٣١ ـ

أيادي الخليفة عند الحكم بن أبي العاص

أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمّه ، طريد النبيّ بعد ما قرّبه وأدناه ، وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزر (١) خلق وهو يسوق تيساً والناس ينظرون إلى سوء حاله وحال من معه ، حتى دخل دار الخليفة ثمّ خرج وعليه جبّة خزّ وطيلسان. تاريخ اليعقوبي (٢) (٢ / ٤١).

وقال البلاذري في الأنساب (٥ / ٢٨) رواية عن ابن عبّاس أنّه قال : كان ممّا أنكروا على عثمان أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة (٣) ، فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.

وقال ابن قتيبة وابن عبد ربّه والذهبي : وممّا نقم الناس على عثمان أنّه آوى طريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم ولم يؤوِه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف (٤).

وعن عبد الرحمن بن يسار قال : رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى آتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلى الحكم بن أبي العاص ؛ وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته بجائزة جعلها فرضاً من بيت المال ، فجعل يدافعه ويقول له : يكون فنعطيك إن شاء الله. فألحّ عليه فقال : إنّما أنت خازن لنا ، فإذا أعطيناك فخذ ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال : كذبت والله ما أنا لك بخازنٍ ولا لأهل بيتك إنّما أنا

__________________

(١) من فزر الثوب : انشقّ وتقطّع وبلي. (المؤلف)

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٤.

(٣) أبو حيّ باليمن. (المؤلف)

(٤) المعارف لابن قتيبة : ص ٨٤ [ص ١٩٤] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٦١ [٤ / ١٠٣] ، محاضرات الراغب : ٢ / ٢١٢ [مج ٢ / ج ٤ / ٤٧٦] ، مرآة الجنان لليافعي : ١ / ٨٥ نقلاً عن الذهبي [في تاريخ الإسلام : ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦ حوادث سنة ٣١ ه‍]. (المؤلف)

٣٤١

خازن المسلمين ، وجاء بالمفاتيح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال : أيّها الناس زعم عثمان أنّي خازن له ولأهل بيته وإنما كنت خازناً للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم ، ورمى بها فأخذها ودفعها إلى زيد بن ثابت. تاريخ اليعقوبي (١) (٢ / ١٤٥).

قال الأميني : يُروى نظير هذه القضية كما يأتي لزيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود ، ولعلّ هذه وقعت لغيرهم من الولاة على الصدقات أيضاً ، والله العالم.

الحَكَم وما أدراك ما الحكَم؟ :

كان خصّاء يخصي الغنم (٢) أحد جيران رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة من أُولئك الأشدّاء عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المبالغين في إيذائه شاكلة أبي لهب كما قاله ابن هشام في سيرته (٣) (٢ / ٢٥) ، وأخرج الطبراني (٤) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كان الحكَم يجلس عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا تكلّم اختلج ، فبصر به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «كن (٥) كذلك» فما زال يختلج حتى مات.

وفي لفظ مالك بن دينار : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإصبعه فالتفت فرآه فقال : «اللهمّ اجعل به وزغاً» (٦) فرجف مكانه وارتعش. وزاد الحلبي : بعد أن مكث شهراً مغشيّا عليه (٧).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٨.

(٢) حياة الحيوان للدميري : ١ / ١٩٤ [١ / ٢٧٦]. (المؤلف)

(٣) السيرة النبوية : ٢ / ٥٧.

(٤) المعجم الكبير : ٣ / ٢١٤ ح ٣١٦٧.

(٥) كذا في الإصابة ، وفي المعجم الكبير : أنت.

(٦) الوزغ : الارتعاش والرعدة. (المؤلف)

(٧) الإصابة : ١ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ [رقم ١٧٨١] ، السيرة الحلبيّة : ١ / ٣٣٧ [١ / ٣١٧] ، الفائق للزمخشري : ٢ / ٣٠٥ [٤ / ٥٧ ـ ٥٨] تاج العروس : ٦ / ٣٥. (المؤلف)

٣٤٢

أسلفناه من طرق الحفّاظ (١) الطبراني والحاكم والبيهقي. ومرّت صحّته في الجزء الأوّل صفحة (٢٦٠).

روى البلاذري في الأنساب (٥ / ٢٧): إنّ الحكم بن أبي العاص كان جاراً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهليّة وكان أشدّ جيرانه أذىً له في الإسلام ، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصاً عليه في دينه ، فكان يمرُّ خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيغمز به ويحكيه ويخلج بأنفه وفمه ، وإذا صلّى قام خلفه فأشار بأصابعه ، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة ، واطّلع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وهو في بعض حُجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة (٢) وقال : «من عذيري من هذا الوزغة اللعين؟» ثم قال : لا يساكنني ولا ولده فغرّبهم جميعاً إلى الطائف ، فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردّهم فأبى ذلك وقال : ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ثمّ لمّا استخلف عمر كلّمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر ، فلمّا استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال : قد كنت كلّمت رسول الله فيهم وسألته ردّهم فوعدني أن يأذن لهم فقُبض قبل ذلك. فأنكر المسلمون عليه إدخاله إيّاهم المدينة.

قال الواقدي : ومات الحكم بن أبي العاص بالمدينة في خلافة عثمان فصلّى عليه وضرب على قبره فسطاطاً.

وعن سعيد بن المسيب قال : خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال : إنّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتى كثر الرمي ونالنا بعضه ، فقال الناس : يأمر بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذكره بلفظ أخصر من هذا في صفحة (١٢٥) وذكر بيتين لحسان بن ثابت في

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٦٧٨ ح ٤٢٤١ ، دلائل النبوة : ٦ / ٢٣٩ ، ٢٤٠

(٢) العنزة : عصاً في قدر نصف الرمح أو اكثر ، فيها سنان مثل سنان الرمح.

٣٤٣

عبد الرحمن بن الحكم الآتيين في لفظ أبي عمر فقال : كان يفشي أحاديث رسول الله ، فلعنه وسيّره إلى الطائف ومعه عثمان الأزرق والحارث وغيرهما من بنيه ، وقال : «لا يساكنني» فلم يزالوا طرداء حتى ردّهم عثمان ، فكان ذلك ممّا نُقم عليه.

وفي السيرة الحلبيّة (١) (١ / ٣٣٧): اطّلع الحكم على رسول الله من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة ، فخرج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعنزة ، وقيل بمدرى (٢) في يده وقال : «من عذيري من هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه» ، ولعنه وما ولد ، وذكره ابن الأثير مختصراً في أسد الغابة (٣) (٢ / ٣٤).

وقال أبو عمر في الاستيعاب : أخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان ، واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه فقيل : كان يتحيّل ويستخفي ويتسمّع ما يسرُّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفّار والمنافقين ، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه ، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته ، إلى أُمور غيرها كرهت ذكرها ، ذكروا : أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا مشى يتكفأ وكان الحكم يحكيه فالتفت النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فرآه يفعل ذلك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فكذلك فلتكن». فكان الحكم مختلجاً يرتعش من يومئذٍ ، فعيّره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه :

إنّ اللعين أبوك فارمِ عظامَه

إن تَرمِ تَرمِ مخلّجاً مجنونا

يمسي خميصَ البطنِ من عملِ التقى

ويظلُّ من عملِ الخبيثِ بطينا (٤)

__________________

(١) السيرة الحلبية : ١ / ٣١٧.

(٢) المدرى كالمسلة يفرق به شعر الرأس.

(٣) أُسد الغابة : ٢ / ٣٧ و ٣٨ رقم ١٢١٧.

(٤) الاستيعاب ١ / ١١٨ [القسم الأول ٣٥٩ ـ ٣٦٠ رقم ٥٢٩] ، أُسد الغابة : ٢ / ٣٤ [٢ / ٣٧ و ٣٨ رقم ١٢١٧]. (المؤلف)

٣٤٤

وأخرج أبو عمر من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يدخل عليكم رجل لعين» وكنت قد تركت عمراً يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أزل مشفقاً أن يكون أوّل من يدخل ، فدخل الحكم ابن أبي العاص (١).

وقال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (٢) (ص ١٤٤): وبسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه أنّه قال : «ليدخلنّ الساعة عليكم رجل لعين». فو الله ما زلت أتشوّف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان ـ يعني الحكم ـ كما صرّحت به رواية أحمد (٣).

وروى البلاذري في الأنساب (٥ / ١٢٦) ، والحاكم في المستدرك (٤) (٤ / ٤٨١) وصحّحه والواقدي كما في السيرة الحلبيّة (٥) (١ / ٣٣٧) بالإسناد عن عمرو بن مرّة قال : استأذن الحكم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف صوته فقال : «ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمنين وقليل ما هم ، ذوو مكر وخديعة يُعطَون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق» (٦).

وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (٧) (ص ١٤٧) : «ائذنوا له

__________________

(١) الاستيعاب : ١ / ١١٩ [القسم الأول / ٣٦٠ رقم ٥٢٩]. (المؤلف)

(٢) تطهير الجنان : ص ٦٣.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ٣٤٧ ح ٦٤٨٤.

(٤) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢٨ ح ٨٤٨٤.

(٥) السيرة الحلبية : ١ / ٣١٧.

(٦) وذكره الدميري في حياة الحيوان : ٢ / ٢٩٩ [٢ / ٤٢٢] ، وابن حجر في الصواعق : ص ١٠٨ [ص ١٨١] ، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه : ٦ / ٩٠ [كنز العمّال : ١١ / ٣٥٧ ح ٣١٧٢٩] نقلاً عن أبي يعلى ، والطبراني ، والحاكم والبيهقي ، وابن عساكر [في مختصر تاريخ دمشق : ٢٤ / ١٩١ ترجمة مروان بن الحكم]. (المؤلف)

(٧) تطهير الجنان : ص ٦٤.

٣٤٥

فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا ، ويترذّلون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة إلاّ الصالحين منهم وقليل ما هم».

وأخرج الحاكم في المستدرك (١) (٤ / ٤٨١) وصحّحه من طريق عبد الله بن الزبير قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم وولده.

وأخرج الطبراني (٢) وابن عساكر والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عمر قال : هجرت الرواح إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ادنُ» ، فلم يزل يدنيه حتى التقم أُذنيه ، فبينما النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساره إذ رفع رأسه كالفزع قال : فَدعّ (٣) بسيفه الباب فقال لعليّ : «اذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها» فإذا عليّ يدخل الحكم بن أبي العاص آخذاً بأذنه ولها زنمة (٤) حتى أوقفه بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعنه نبيُّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثاً ثمّ قال : «أحلّه ناحية» حتى راح إليه قوم من المهاجرين والأنصار ثمّ دعا به فلعنه ثمّ قال : «إنّ هذا سيخالف كتاب الله وسنّة نبيّه ، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء». فقال ناس من القوم : هو أقلُّ وأذلُّ من أن يكون هذا منه قال «بلى وبعضكم يومئذٍ شيعته». كنز العمّال (٥) (٦ / ٣٩ ، ٩٠).

وأخرج ابن عساكر (٦) من طريق عبد الله بن الزبير ، قال وهو على المنبر : وربّ هذا البيت الحرام والبلد الحرام إنّ الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي لفظ : إنّه قال وهو يطوف بالكعبة : وربّ هذه البنيّة للعن

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩ ح ٨٤٨٥.

(٢) المعجم الكبير : ١٢ / ٣٣٦ ح ١٣٦٠٢.

(٣) الدعّ : الطرد والدفع.

(٤) زنمة : هي شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلّقاً بها.

(٥) كنز العمّال : ١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٦٠ ، ص ٣٥٩ ح ٣١٧٤.

(٦) مختصر تاريخ دمشق : ٢٤ / ١٩١.

٣٤٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال (١) (٦ / ٩٠).

وأخرج ابن عساكر (٢) من طريق محمد بن كعب القرظي أنّه قال : لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحكَم وما ولد ، إلاّ الصالحين وهم قليل.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد والنسائي (٣) وابن المنذر والحاكم وصحّحه عن عبد الله قال : إنّي لفي المسجد حين خطب مروان فقال : إنّ الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : أهرقلية؟ إنّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ، ولا جعلها معاوية إلاّ رحمة وكرامة لولده. فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه : أُفّ لكما؟ فقال عبد الرحمن : ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله أباك؟ فسمعت عائشة فقالت : مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا ، كذبت والله ما فيه نزلت ، نزلت في فلان بن فلان.

وفي لفظ آخر عن محمد بن زياد : لمّا بايع معاوية لابنه قال مروان : سنّة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن : سنّة هرقل وقيصر. فقال مروان : هذا الذي قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (٤) الآية. فبلغ ذلك عائشة فقالت : كذب مروان ، كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن أُسمّي الذي نزلت فيه لسمّيته ، ولكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله. وفي لفظ : ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله. وفي لفظ

__________________

(١) كنز العمّال : ١١ / ٣٥٧ ح ٣١٧٣٢ و ٣١٧٣٣.

(٢) كنز العمال : ١١ / ٣٦١ ح ٣١٧٤٦.

(٣) السنن الكبرى : ٦ / ٤٥٨ ح ١١٤٩١.

(٤) الأحقاف : ١٧.

٣٤٧

الفائق : فأنت فظاظة (١) لعنة الله ولعنة رسوله.

راجع (٢) مستدرك الحاكم (٤ / ٤٨١) ، تفسير القرطبي (١٦ / ١٩٧) ، تفسير الزمخشري (٣ / ٩٩) ، الفائق له (٢ / ٣٢٥) ، تفسير ابن كثير (٤ / ١٥٩) ، تفسير الرازي (٧ / ٤٩١) ، أُسد الغابة لابن الأثير (٢ / ٣٤) ، نهاية ابن الأثير (٣ / ٢٣) شرح ابن أبي الحديد (٢ / ٥٥) تفسير النيسابوري هامش الطبري (٢٦ / ١٣) ، الإجابة للزركشي (ص ١٤١) ، تفسير النسفي هامش الخازن (٤ / ١٣٢) ، الصواعق لابن حجر (ص ١٠٨) ، إرشاد الساري للقسطلاني (٧ / ٣٢٥) ، لسان العرب (٩ / ٧٣) ، الدرّ المنثور (٦ / ٤١) ، حياة الحيوان للدميري (٢ / ٣٩٩) ، السيرة الحلبية (١ / ٣٣٧) ، تاج العروس (٥ / ٦٩) ، تفسير الشوكاني (٥ / ٢٠) ، تفسير الآلوسي (٢٦ / ٢٠) ، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٢٤٥).

لفت نظر :

يوجد هذا الحديث في المصادر جلّها لو لا كلّها باللفظ المذكور ، غير أنّ البخاري أخرجه في تفسير صحيحه (٣) في سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبيه وما راقه ذكر ما قاله عبد الرحمن ، وهذا دأبه في جلّ ما يرويه ، وإليك لفظه :

__________________

(١) قال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها ، كأنّه عصارة قذرة من اللعنة. (المؤلف)

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢٨ ح ٨٤٨٣ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٦ / ١٣١ ، الكشّاف : ٤ / ٣٠٤ ، الفائق في غريب الحديث : ٤ / ١٠٢ ، التفسير الكبير : ٢٨ / ٢٣ ، اسد الغابة : ٢ / ٣٨ رقم ١٢١٧ ، النهاية في غريب الحديث والأثر : ٣ / ٤٥٤ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ١٥٠ خطبة ٧٢ ، تفسير غرائب القرآن للنيسابوري : ٦ / ١٢١ ، الإجابة : ص ١٢٩ ـ ١٣٠ باب ٢ فصل ٨ ، تفسير النسفي : ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، الصواعق المحرقة : ص ١٨١ ، إرشاد الساري : ١١ / ٦٩ ، لسان العرب : ١٠ / ٢٧٩ ، الدرّ المنثور : ٧ / ٤٤٤ ، حياة الحيوان : ٢ / ٤٢٢ ، السيرة الحلبيّة : ١ / ٣١٧ ، فتح القدير : ٥ / ٢١ ، السيرة النبوية لزيني دحلان : ١ / ١١٧.

(٣) صحيح البخاري : ٤ / ١٨٢٧ ح ٤٥٥٠.

٣٤٨

كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يُبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه (١) ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي). فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذري.

وهذا الحديث يكذّب ما عزاه القوم إلى أمير المؤمنين وابن عبّاس من قولهما بنزول آية : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (٢) في أبي بكر كما مرّ في الجزء السابع (ص ٣٢٦).

وكان الحَكَم مع ذلك كلّه يدعو الناس إلى الضلال ويمنعهم عن الإسلام. اجتمع حويطب بمروان يوماً فسأله مروان عن عمره ، فأخبره ، فقال له : تأخّر إسلامك أيّها الشيخ حتى سبقك الأحداث. فقال حويطب : الله المستعان والله لقد هممت بالإسلام غير مرّة كلّ ذلك يعوقني أبوك يقول : تضع شرفك ، وتدع دين آبائك لدين مُحدث ، وتصير تابعاً؟ فسكت مروان وندم على ما كان قال له. تاريخ ابن كثير (٣) (٨ / ٧٠).

الحَكَم في القرآن :

أخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي ، قال : قال مروان لمّا بايع الناس ليزيد : سنّة أبي بكر وعمر ... إلى آخر الحديث المذكور. فسمعت ذلك عائشة فقالت : إنّها لم تنزل في عبد الرحمن ، ولكن نزل في أبيك : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) الآية. سورة القلم : ١٠ ، ١١.

__________________

(١) كلمة (عليه) غير موجودة في المصدر. والصحيح ـ ظاهراً ـ ذكرها لحاجة السياق إليها.

(٢) الأحقاف : ١٥.

(٣) البداية والنهاية : ٨ / ٧٦ حوادث سنة ٥٣ ه‍.

٣٤٩

راجع (١) ؛ الدر المنثور (٦ / ٤١ ، ٢٥١) ، السيرة الحلبيّة (١ / ٣٣٧) ، تفسير الشوكاني (٥ / ٢٦٣) ، تفسير الآلوسي (٢٩ / ٢٨) ، سيرة زيني دحلان هامش الحلبيّة (١ / ٢٤٥). وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنّها قالت لمروان : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدّك ـ أبي العاص بن أُميّة ـ : «إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن».

ذكره (٢) السيوطي في الدرّ المنثور (٤ / ١٩١) ، والحلبي في السيرة (١ / ٣٣٧) والشوكاني في تفسيره (٣ / ٢٣١) ، والآلوسي في تفسيره (١٥ / ١٠٧). وفي لفظ القرطبي في تفسيره (٣) (١٠ / ٢٨٦) :

قالت عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه ، فأنت بعضٌ من لعنة الله. ثمّ قالت : والشجرة الملعونة في القرآن.

وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مُرّة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت بني أُميّة على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء» ، واهتمّ رسول الله لذلك ، فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٤).

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبح وهو مهموم فقيل : ما لَك يا رسول الله؟ فقال : إنّي أُريت في المنام كأنّ بني أُميّة يتعاورون منبري هذا ، فقيل : يا رسول الله لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم ، فأنزل الله (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي) الآية.

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٧ / ٤٤٤ ، ٨ / ٢٤٦ ، السيرة الحلبية : ١ / ٣١٧ ، فتح القدير : ٥ / ٢٧٠ ، السيرة النبوية : ١ / ١١٧.

(٢) الدرّ المنثور : ٥ / ٣٠٩ ، ٣١٠ ، السيرة الحلبية : ١ / ٣١٧ ، فتح القدير : ٣ / ٢٤٠.

(٣) الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١٨٥.

(٤) الإسراء : ٦٠.

٣٥٠

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي (١) وابن عساكر (٢) ، عن سعيد ابن المسيّب قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أُميّة على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّما هي دنيا أُعطوها. فقرّت عينه وذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ). الآية.

وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أُميّة ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكاً حتى مات ، وأنزل الله تعالى (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) الآية.

وروى القرطبي والنيسابوري عن ابن عبّاس : أنّ الشجرة الملعونة بنو أُميّة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو (٣) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة» فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) يعني الحكم وولده.

وفي لفظ : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى في المنام أنّ ولد الحكم بن أُميّة يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك (٤).

وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل (٥) وابن عساكر (٦) وأبي يعلى من طريق أبي هريرة : «إنّي أريت في منامي كأنّ بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة» فما رؤي النبيُّ مستجمعاً ضاحكاً حتى توفّي.

__________________

(١) دلائل النبوة : ٦ / ٥٠٩.

(٢) مختصر تاريخ دمشق : ٢٤ / ١٩١.

(٣) وفي بعض المصادر : ابن عمر. (المؤلف)

(٤) كما في تفسير الخازن : ٣ / ١٦٩.

(٥) دلائل النبوّة : ٦ / ٥١١.

(٦) مختصر تاريخ دمشق : ٢٤ / ١٩٠.

٣٥١

مصادر ما رويناه (١) :

تفسير الطبري (١٥ / ٧٧) ، تاريخ الطبري (١١ / ٣٥٦) ، مستدرك الحاكم (٤ / ٤٨) ، تاريخ الخطيب (٨ / ٢٨ و ٩ / ٤٤) ، تفسير النيسابوري هامش الطبري (١٥ / ٥٥) ، تفسير القرطبي (١٠ / ٢٨٣ ، ٢٨٦) ، النزاع والتخاصم للمقريزي (ص ٥٢) ، أُسد الغابة (٣ / ١٤) من طريق الترمذي ، تطهير الجنان لابن حجر هامش الصواعق (ص ١٤٨) فقال : رجاله رجال الصحيح إلاّ واحداً فثقة ، والخصائص الكبرى (٢ / ١١٨) ، الدرّ المنثور (٤ / ١٩١) ، كنز العمال (٦ / ٩٠) ، تفسير الخازن (٣ / ١٧٧) ، تفسير الشوكاني (٣ / ٢٣٠ ، ٢٣١) ، تفسير الآلوسي (١٥ / ١٠٧) فقال الآلوسي :

ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاءً لهم ومختبراً ، وبذلك فسّره ابن المسيّب ، وكان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ممّن كان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو ممّن كان أعوانهم كيف ما كان ، ويحتمل أن يكون المراد : ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلاّ فتنة ، وفيه من المبالغة في ذمّهم ما فيه ، وجعل ضمير نخوّفهم على هذا لِما كان له أولاً أو للشجرة باعتبار أنّ المراد بها بنو أُميّة ، ولعنهم لِما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غير حلّها ، ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبديل الأحكام ، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى

__________________

(١) جامع البيان : مج ٩ / ج ١٥ / ١١٢ ـ ١١٣ ، تاريخ الأُمم والملوك : ١٠ / ٥٨ حوادث سنة ٢٨٤ ه‍ ، المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٨١ ، تفسير غرائب القرآن للنيسابوري : ٤ / ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، ٢ / ٣٦٢ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١٨٣ ـ ١٨٥ ، النزاع والتخاصم : ص ٧٩ ، أُسد الغابة : ٢ / ١٤ رقم ١١٦٥ ، سنن الترمذي : ٥ / ٤١٤ ح ٣٣٥٠ ، تطهير الجنان : ص ٦٥ ، الخصائص الكبرى للسيوطي : ٢ / ٢٠٠ ، الدرّ المنثور : ٥ / ٣٠٩ ، كنز العمّال : ١١ / ٣٥٨ ح ٣١٧٣٦ ـ ٣١٧٣٧ ، تفسير الخازن : ٣ / ١٦٩ ، فتح القدير : ٣ / ٢٤٠.

٣٥٢

على نبيّه عليه الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد تُنسى ما دامت الليالي والأيّام ، وجاء لعنهم في القرآن إمّا على الخصوص كما زعمته الشيعة ، أو على العموم كما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (١). وقال عزّ وجلّ : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢). إلى آيات أُخَر ، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أوّليّا ... إلى آخر كلامه. راجع.

نظرة في كلمتين :

١ ـ قال القرطبي بعد روايته حديث الرؤيا : لا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.

لا يهمّنا بسط القول حول هذا التخصيص ، ولا ننبس ببنت شفة في تعميم العموم الوارد في الأحاديث المذكورة وأمثالها الواردة في بني أُميّة عامّة وفي بني أبي العاص جدّ عثمان خاصّة ، من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري : «إنّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من أُمّتي قتلاً وتشريداً ، وإنّ أشدّ قومنا لنا بغضاً بنو أُميّة وبنو المغيرة وبنو مخزوم» (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق أبي ذر : «إذا بلغت بنو أُميّة أربعين اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً (٤) ، وكتاب الله دغلاً» (٥).

__________________

(١) الأحزاب : ٥٧.

(٢) سورة محمد : ٢٢ ، ٢٣.

(٣) مستدرك الحاكم : ٤ / ٤٨٧ [٤ / ٥٣٤ ح ٨٥٠٠]. وصحّحه. (المؤلف)

(٤) في كنز العمال : دخلاً.

(٥) مستدرك الحاكم : ٤ / ٤٧٩ [٤ / ٥٢٦ ح ٨٤٧٦] ، وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمّال : ٦ / ٣٩ [١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٥٨]. (المؤلف)

٣٥٣

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق حمران بن جابر اليمامي : «ويل لبني أُميّة ـ ثلاث [مرات] (١) أخرجه ابن مندة كما في الإصابة (١ / ٣٥٣) ، وحكاه عن ابن مندة وأبي نعيم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٢) (٦ / ٣٩ ، ٩١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق أبي ذر : «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودين الله دغلاً» قال حلام بن جفال (٣) : فأنكر على أبي ذر فشهد عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه : «إنّي سمعت رسول الله يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ، وأشهد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله».

أخرجه الحاكم من عدّة طرق وصحّحه هو والذهبي كما في المستدرك (٤) (٤ / ٤٨٠) وأخرجه (٥) أحمد ، وابن عساكر ، وأبو يعلى ، والطبراني ، والدارقطني من طريق أبي سعيد وأبي ذرّ وابن عبّاس ومعاوية وأبي هريرة كما في كنز العمّال (٦ / ٣٩ ، ٩٠).

وذكر ابن حجر في تطهير الجنان (٦) هامش الصواعق (ص ١٤٧) بسند حسّنه : أنّ مروان دخل على معاوية في حاجة وقال : إنّ مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة ، وأخا عشرة ، وعمّ عشرة ثمّ ذهب ، فقال معاوية لابن عبّاس وكان جالساً معه على سريره : أنشدك بالله يا ابن عبّاس أما تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا بلغ بنو

__________________

(١) من الكنز والإصابة.

(٢) كنز العمّال : ١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٥٩ ، ص ٣٦٣ ح ٣١٧٥٠.

(٣) في المستدرك : حلام بن جذل ، وفي شرح النهج : ٨ / ٢٥٧ : جلاّم بن جندل.

(٤) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٧٨ ، وكذا في التلخيص.

(٥) مسند أحمد : ٣ / ٤٩٨ ح ١١٣٤٩ ، و ٢ / ٣٤٧ ح ٦٤٨٣ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢٤ / ١٨٣ ، ٢٨ / ٢٩٠ ، مسند أبي يعلى : ٢ / ٣٨٣ ح ١١٥٢ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٨٢ ح ١٢٩٨٢ ، كنز العمّال : ١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٥٥ ، ص ٣٥٩ ح ٣١٧٣٨.

(٦) تطهير الجنان : ص ٦٤. وفيه : دغلاً ، بدلاً من : دخلاً.

٣٥٤

أبي الحكم ثلاثين رجلاً اتّخذوا آيات الله بينهم دولاً ، وعباد الله خولاً ، وكتابه دخلاً ، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا»؟ قال : اللهم نعم.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسناد حسّنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (١) (ص ١٤٣): «شرُّ العرب بنو أميّة ، وبنو حنيفة ، وثقيف» ، وقال : صحّ. قال الحاكم : على شرط الشيخين عن أبي برزة رضى الله عنه قال : كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أميّة.

وقول مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لكلّ أُمّة آفة وآفة هذه الأُمّة بنو أُميّة». كنز العمّال (٢) (٦ / ٩١).

فالحَكَم في هذه العمومات ولا سيّما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدوّنات التاريخ وغيرها ، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتبكُوا فيه ، أنت ووجدانك أيّها القارئ الكريم.

٢ ـ قال ابن حجر في الصواعق (٣) (ص ١٠٨) : قال ابن ظفر : وكان الحَكَم هذا يُرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل ، كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان (٤).

ولعنته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحَكَم وابنه لا تضرهما لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدارك ذلك بقوله ممّا بيّنه في الحديث الآخر : إنّه بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإنّه سأل ربّه أنّ من سبّه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون [ذلك] (٥) رحمةً وزكاةً وكفّارةً وطهارةً. وما نقله الدميري عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنّه صحابيّ ، وقبيح أيّ

__________________

(١) تطهير الجنان : ص ٦٣.

(٢) كنز العمّال : ١١ / ٣٦٤ ح ٣١٧٥٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٨١.

(٤) حياة الحيوان : ٢ / ٤٢٢.

(٥) من المصدر.

٣٥٥

قبيح أن يُرمى صحابيّ بذلك ، فليحمل على أنّه إن صحّ ذلك كان يُرمى به قبل الإسلام. انتهى.

أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ما ذا يلوك بين أشداقه؟ أهو مجدّ فيما يقول أم هازئ؟ أمّا ما اعتذر به من أنّ لعنته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تضرُّ الحَكَم وابنه. إلى آخره. فقد أخذه ممّا أخرجه الشيخان في الصحيحين (١) من طريق أبي هريرة ، غير أنّه حرّف منه كلماً وزاد فيه أخرى وإليك لفظه :

قال : اللهمّ إنّما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإنّي قد اتّخذت عندك عهداً لم تخلفنيه فأيّما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارةً وقربةً تقرّبه بها إليك.

هذا حطّ من مقام الرسالة لأجل أمويّ ساقط ، وحسبان أنّ صاحبها كإنسان عاديّ يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يُغضب له ، ومخالف للكتاب العزيز من قوله سبحانه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) (٢).

نعم ، هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشر غير أنّه كما قال في الذكر الحكيم : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فما ذا ينجيه من اللعن؟ إلاّ أن يحسب ابن حجر أنّ الوحي أيضاً يتّبع الشهوات! كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

وكيف يكون اللعن رحمةً وزكاةً وطهارةً وكفّارةً وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه؟

__________________

(١) صحيح البخاري : ٤ / ٧١ [٥ / ٢٣٣٩ ح ٦٠٠٠ كتاب الدعوات] ، صحيح مسلم : ٢ / ٣٩١ [٥ / ١٧٠ ح ٩١ كتاب البرّ والصلة وبزيادة : يوم القيامة ، في ذيل الحديث]. (المؤلف)

(٢) النجم : ٣ ـ ٤.

٣٥٦

وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من أنّ سباب المسلم فسوق (١)؟

وكيف يسوّغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبّاباً أو لعّاناً أو مؤذياً لأحد أو جالداً لمسلم على غير حقّ؟ وكلُّ ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٢). وجاء في الصحيح : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن سبّاباً ولا فحّاشاً ولا لعّاناً ، وقد أبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الدعاء على المشركين ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي لم أُبعث لعّاناً وإنّما بُعثت رحمة» (٣) فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمل في أُولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم ولا دعا عليهم ، ولمّا كان لم يَرجُ في الحَكَم وولده أيّ خير لعنهم لعناً يُبقي عليهم خزي الأبد.

نعم ؛ رواية الصحيحين المنافية لعصمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلقتها يد الهوى على عهد معاوية تزلّفاً إليه ، وطمعاً في رضيخته ، وتحبّباً إلى آل أبي العاص المقرّبين عنده. ومن أراد الوقوف على أبسط ممّا ذكرناه في المقام فليراجع كتاب (أبو هريرة) لسيّدنا الآية السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي (٤) (ص ١١٨ ـ ١٢٩).

__________________

(١) أخرجه أحمد [في المسند : ٢ / ٢٤ ح ٤٢٥٠] ، والبخاري [في الصحيح : ٥ / ٢٢٤٧ ح ٥٦٩٧] ، والترمذي [في السنن : ٥ / ٢٢ ح ٢٦٣٥] ، والنسائي [في السنن الكبرى : ٢ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٣٥٦٧ ـ ٣٥٧٨] ، وابن ماجة [في السنن : ٢ / ١٢٩٩ ح ٣٩٣٩] وغيرهم من طريق ابن مسعود. وابن ماجة [في السنن ٢ / ١٢٩٩ ـ ١٣٠٠ ح ٣٩٤٠ من طريق أبي هريرة ، ٣٩٤١ من طريق سعد بن أبي وقاص] من طريق جابر وسعد ، والطبراني [في المعجم الأوسط : ١ / ٤١٣ ح ٧٣٨ ، والكبير : ١٧ / ٣٩ ح ٨٠] عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصحّحه غير واحد من الحفاظ ؛ كالهيثمي [في مجمع الزوائد : ٨ / ٧٣] ، والسيوطي [في الدر المنثور : ١ / ٥٣٠] ، والمناوي [في فيض القدير : ٤ / ٨٤ ح ٤٦٣٣].(المؤلف)

(٢) الأحزاب : ٥٨.

(٣) أخرجه البخاري : ٩ / ٢٢ [٥ / ٢٢٤٣ ح ٥٦٨٤] ، ومسلم في صحيحه : ٢ / ٣٩٣ [٥ / ١٦٨ ح ٨٧]. (المؤلف)

(٤) أبو هريرة : ص ٣٥ ـ ٤٥.

٣٥٧

هبنا ـ العياذ بالله ـ ما شينا ابن حجر في أساطيره في نبيّ العصمة والقداسة ، فما حيلة المغفّل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحَكَم وبنيه؟ هل فيه ضير؟ أم يراه أيضاً رحمةً وزكاةً وكفّارةً وطهارةً.

وشتّان بين رأي ابن حجر في الحَكَم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه : عمّك إلى النار ، وقول عمر لعثمان : ويحك يا عثمان تتكلّم في لعين رسول الله وطريده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟

وأمّا ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنّه موصوم بما هو أفظع من ذلك ؛ من لعن رسول الله وطرده إيّاه ، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشيته حتى أخذته دعوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهل تجديه الصحبة وحاله هذه؟ وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللصّ الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم وإلقاح الفتن فيهم؟ وهل تشمل المنافقين الذي كانوا في المدينة يومئذٍ؟ (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١) فإن طهّرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهّرة أُولئك بطريق أولى لأنّه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبويّ وفي دور الشيخين ، حتى أراد ابن أخيه أن ينقذه من الفضيحة فزيد ضغث على إبّالة (٢) ، ونبشت الدفائن ، وذكر ما كاد أن يُنسى.

ثمّ هب أنّ الصحبة مُزيحة لعلل النفس والأمراض القلبيّة فهل هي مزيلة للأدواء الجسمانيّة؟ لم نجد في كتب الطبّ من وصفها بذلك ، ولاتعدادها في صفّ الأدوية المفيدة لداء من الأدواء ، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر أنّه منفيّ عن الحكم لمحض الإسلام والصحبة ، وجوّز أن يكون قبل اتّصاله بالمسلمين ، حيّا الله هذا الطبّ الجديد!

__________________

(١) التوبة : ١٠١.

(٢) الإبّالة : الحزمة من الحطب .. الضغث : القبضة من الحشيش. ومعنى المثل : بليّة على أخرى. أنظر مجمع الأمثال : ٢ / ٢٦٠.

٣٥٨

إنّ من الممكن جدّا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة ، فلم يُرد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوّته مخزيّ مثله.

إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحَكَم ومقداره في أدوار حياته جاهليّةً وإسلاماً ، فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلّفاً إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله :

إذا افتخرت يوماً أُميّةُ أطرقتْ

قريش وقالوا معدن الفضل والكرمْ

فإن قيل هاتوا خَيركم أطبقوا معاً

على أنّ خيرَ الناسِ كلِّهمُ الحكمْ

ألستم بني مروان غيثَ بلادِنا

إذا السنةُ الشهباءُ سدّتْ على الكظمْ

سبحانك اللهمّ ما قيمة بشر خيره الحَكَم؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان؟ إن هي إلاّ أساطير الأوّلين نسجتها يد الغلوّ في الفضائل.

المساءلة :

هلمّ معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده ـ الحَكَم ـ وبمسمعٍ منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوّة عليه وعلى من تناسل منه عدا المؤمنين ، وقليل ما هم ، ما هو المبرّر لعمله هذا وردّه إلى مدينة الرسول؟ وقد طرده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأمويّة ، قد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يردّاه ، فقال كلّ منهما : لا أحلُ عقدة عقدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وقال الحلبي في السيرة (٢) (٢ / ٨٥) : كان يقال له : طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعينه ، وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر بعد أن سأله

__________________

(١) الأنساب للبلاذري : ٥ / ٢٧ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٤٣ [٣ / ٨٠] ، أُسد الغابة : ٢ / ٣٥ [٢ / ٣٨ رقم ١٢١٧] ، السيرة الحلبية ١ / ٣٣٧ [١ / ٣١٧] ، الإصابة : ١ / ٣٤٥ [رقم ١٧٨١] (المؤلف)

(٢) السيرة الحلبيّة : ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.

٣٥٩

عثمان في إدخاله المدينة فأبى ، فقال له عثمان : عمّي ، فقال : عمُّك إلى النار ؛ هيهات هيهات أن أُغيّر شيئاً فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لا رددته أبداً ، فلمّا توفّي أبو بكر وولي عمر كلّمه عثمان في ذلك فقال له : ويحك يا عثمان تتكلّم في لعين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطريده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟ فلمّا ولي عثمان ردّه إلى المدينة فاشتدّ ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة ، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه. انتهى.

ألم تكن للخليفة أُسوة في رسول الله؟ والله يقول : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (١) أو كان قومه وحامّته أحبّ إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذكر الحكيم : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢).

ثمّ ما هو المبرّر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين وأُعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقةً ولا أميناً.

ثمّ نسائل الحَكَم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السنّة كما مرّ (ص ٢٣٩) أنّها تُقسّط على فقراء المحلّ وعليها أتت الأقوال. قال أبو عبيد في الأموال (٣) (ص ٥٩٦) : والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلّها أنّ أهل كلّ بلد من البلدان ، أو ماء من المياه أحقُّ بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك ، وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

(٢) التوبة : ٢٤.

(٣) الأموال : ص ٧٠٩ ح ١٩١١.

٣٦٠