الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

الكتاب والسنّة اللذين جاءا بهذه اللغة الكريمة ، ولذلك أتى في قوله بصورة الاستفهام عن مدرك الحكم لا عن أصله ، فإنّ الحكم كان مسلّماً عنده لا أنّ ما قاله للخليفة كان رأياً له في الخلاف في حجب الأخوين ، وإلاّ لتبعه أصحابه المقتصّون أثره ، لكنهم كلّهم موافقون للأُمّة وعلمائها في حجب الأخوين كما ذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ٤٥٩) فعدُّ ابن عبّاس مخالفاً في المسألة بهذه الرواية ، كما فعله الطبري في تفسيره (١) (٤ / ١٨٨) ، وابن رشد في البداية (٢) (٢ / ٣٢٧) وغير واحد من الفقهاء وأئمّة الحديث ورجال التفسير أُغلوطة (٣) نشأت من عدم فهم مغزى كلامه.

ـ ٢٥ ـ

رأي الخليفة في المعترفة بالزنا

عن يحيى بن حاطب قال : توفّي حاطب فأعتق من صلّى من رقيقه وصام ، وكانت له أمة نوبيّة قد صلّت وصامت وهي أعجميّة لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وكانت ثيّباً. فذهب إلى عمر رضى الله عنه فحدّثه فقال : لأنت الرجل لا تأتي بخير ، فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر رضى الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمين. فإذا هي تستهلُّ بذلك لا تكتمه قال : وصادف عليّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشيروا عليّ ، وكان عثمان رضى الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال عليّ وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحدُّ. فقال : أَشِر عليّ يا عثمان. فقال : قد أشار عليك أخواك ، قال : أشر عليّ أنت. قال : أراها تستهلُّ به كأنّها لا تعلمه ، وليس الحدُّ إلاّ على من علمه. فقال : صدقت صدقت والذي نفسي بيده ، ما الحدُّ إلاّ على من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً (٤).

__________________

(١) جامع البيان : مج ٣ / ج ٤ / ٢٧٨.

(٢) بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٠.

(٣) خبر لقوله المتقدم : فَعَدُّ ابن عباس.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٣٨ ، كتاب الأُم للشافعي : ١ / ١٥٢.

٣٢١

قال الأميني : أسلفنا هذا الحديث في الجزء السادس (١) ، وتكلّمنا هنالك حول رأي الخليفة الثاني وما أمر به من الجلد والاغتراب وأنّه خارج عن نطاق الشرع ، وهاهنا ننظر إلى رأي عثمان وفتياه بعدم الحدّ.

لو كان ما يقوله الخليفة حقّا لبطلت الأقارير والاعترافات في أمثال المورد ، فيقال في كلّها إنّه لا يعلم الحدّ ولو علمه لأخفاه خيفة إجرائه عليه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدُّ بالإقرار ، ولو بعد استبراء الخبر والتريّث في الحكم رجاء أن تكون هناك شبهة يدرأ بها الحدّ ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول للمعترف بالزنا «أبك جنون؟» (٢) أو يقول : «لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟» (٣) وكذلك مولانا أمير المؤمنين عليّ وقبله الخليفة الثاني كانا يدافعان المعترف رجاء أن ينتج الأخذ والردّ لشبهة في الإقرار ، لكنّهما بعد ثبات المعترف على ما قال كانا يجريان عليه الحدّ ، ألا ترى قول عمر للزانية : ما يبكيك؟ أنّ المرأة ربّما استكرهت على نفسها. فأخبرت أنّ رجلاً ركبها وهي نائمة فخلّى سبيلها ، وأنّ علياً عليه‌السلام قال لشراحة حين أقرّت بالزنا : لعلّك عصيت نفسك؟ قالت : أتيت طائعة غير مكرهة فرجمها (٤).

ولعلّ من جرّاء أمثال هذه القضايا طرق سمع الخليفة أنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، والحدود تُدْفَعُ ما وجدلها مدفع ، غير أنّه لم يدر أنّ للإقرار ناموساً في الشريعة لا يعدوه ولا سيّما في مورد الزنا ، فإنّه يؤاخذ به المعترف في أوّل مرّة كما تعطيه

__________________

(١) صفحة ١٦١ الطبعة الأولى ، وص ١٧٤ الطبعة الثانية. (المؤلف)

(٢) كما في صحيح أخرجه البخاري [٦ / ٢٥٠٢ ح ٦٤٣٩] ومسلم [٣ / ٥٢٥ ح ١٧ كتاب الحدود] والبيهقي في السنن : ٨ / ٢٢٥. (المؤلف)

(٣) كما في حديث ماعز ، وقد أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح وفي مقدّمهم البخاري في صحيحه : ١٠ / ٣٩ [٦ / ٢٥٠٢ ح ٦٤٣٨] ، [وفي صحيح مسلم : ٣ / ٥٢٩ ح ٢٢ والسنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٢٦]. (المؤلف)

(٤) أخرجهما الجصّاص في أحكام القرآن : ٣ / ٣٢٥ [٣ / ٢٦٤]. (المؤلف)

٣٢٢

قصّة العسيف الواردة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما (١) ، أو بعد أربعة أقارير ، إمّا في مجلس واحد كما ورد في قصّة ماعز في لفظ الشيخين في الصحيحين ، أو في عدّة مجالس كما يظهر من حديث زاني بني ليث الوارد في سنن البيهقي (٨ / ٢٢٨) ، فتقوم تلكم الأقارير مقام أربع شهادات ، كما وقع في سارق جاء إلى عليّ فقال : إنّي سرقت ، فردّه ، فقال : إنّي سرقت ، فقال : شهدت على نفسك مرّتين ، فقطعه (٢). وقد عزب عن الخليفة فقه المسألة كما بينّاه ، وهي على ما جاءت في الأحاديث المذكورة يختلف حكمها عند أئمّة المذاهب. قال القاضي ابن رشد في بداية المجتهد (٣) (٢ / ٤٢٩) : أمّا عدد الإقرار الذي يجب به الحدُّ فإنّ مالكاً (٤) والشافعي (٥) يقولان : يكفي في وجوب الحدّ عليه اعترافه به مرّة واحدة وبه قال داود وأبو ثور والطبري (٦) وجماعة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى : لا يجب الحدُّ إلاّ بأقارير أربعة مرّة بعد مرّة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وزاد أبو حنيفة وأصحابه في مجالس متفرّقة.

ثمّ ما ذا يعني الخليفة بقوله : أراها تستهلُّ به كأنّها لا تعلمه ، وليس الحدُّ إلاّ على من علمه؟ هل يريد جهلها بالحدّ أو بحرمة الزنا؟ أمّا العلم بثبوت الحدّ فليس له أيّ صلة بإجراء حكم الله فإنّه يتبع تحقّق الزنا في الخارج ، علم الزاني أو الزانية بترتّب الحدّ عليهما أم لم يعلما.

__________________

(١) صحيح البخاري : ٦ / ٢٦٣١ ح ٦٧٧٠ ، صحيح مسلم : ٣ / ٥٣٢ ح ٢٥ كتاب الحدود. وانظر : سنن ابن ماجة : ٢ / ٨٥٢ ح ٢٥٤٩ ، سنن الترمذي : ٤ / ٣١ ح ١٤٣٣.

(٢) كنز العمّال : ٣ / ١١٧ [٥ / ٥٤٩ ح ١٣٩٠٩] نقلاً عن عبد الرزاق [في المصنّف : ١٠ / ١٩١ ح ١٨٧٨٣] ، وابن المنذر ، والبيهقي [في السنن الكبرى : ٨ / ٢٧٥]. (المؤلف)

(٣) بداية المجتهد : ٢ / ٤٣٤.

(٤) ذكر تفصيل ما ذهب إليه في الموطّأ [٢ / ٨٢٥ ، ٨٢٦ ح ١٢ ، ١٣] ، والمدوّنة الكبرى [٦ / ٢٠٩]. (المؤلف)

(٥) يوجد تفصيل قوله في كتابه الأُم : ٧ / ١٦٩ [٧ / ١٨٣]. (المؤلف)

(٦) في بداية المجتهد : والبرطي ، بدلاً من الطبري.

٣٢٣

على أنّه ليس من الممكن في عاصمة النبوّة أن يجهل ذلك أيُّ أحد وهو يشاهد في الفينة بعد الفينة مجلوداً تنال منه السياط ، ومرجوماً تتقاذفه الأحجار.

وأمّا حرمة الزنا فلا يقبل من المعتذر بالجهل بها ، إلاّ حيث يمكن صدقه كمن عاش في أقاصي البراري والفلوات والبقاع النائية عن المراكز الإسلاميّة ، فيمكن أن يكون الحكم لم يبلغه بعدُ ، وأمّا المدنيُّ يومئذٍ الكائن بين لوائح النبوّة ومجاري الأحكام والحدود وتحت سيطرة الخلفاء ، وهو يعي كلّ حين التشديد في الزنا وحرمته ، ويشاهد العقوبات الجارية على الزناة من جرّاء حرمة السفاح ، فعقيرة ترتفع من ألم السياط ، وجنازة تُشال بعد الرجم ، فليس من الممكن في حقّه عادةً أن يجهل حرمة الزنا ، فلا تقبل منه دعواه الجهل ، ولعلّ هذا ممّا اتّفقت عليه أئمّة المذاهب. قال مالك في المدوّنة الكبرى (١) (٤ / ٣٨٢) في الرجل يطأ مكاتبته يغتصبها أو تطاوعه : لا حدّ عليه وينكّل إذا كان ممّن لا يُعذر بالجهالة.

وقال فيمن يطلّق امرأته تطليقةً قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول : ظننت أنّ الواحدة لا تبينها منّي وأنّه لا يبرئها منّي إلاّ الثلاث : قال ابن القاسم : ليس عليه الحدُّ إن عذر بالجهالة ، فأرى في مسألتك إن كان ممّن يُعذر بالجهالة أن يدرأ عنه الحدّ لأنّ مالكاً قال في الرجل يتزوّج الخامسة : إن كان ممّن يُعذر بالجهالة وممّن يظنُّ أنّه لم يعرف أنّ ما بعد الأربع ليس ممّا حرّم الله ، أو يتزوّج أُخته من الرضاع على هذا الوجه ، فإنّ مالكاً درأ عنه الحدّ وعن هؤلاء.

وفي (ص ٤٠١) (٢) : من وطئ جارية هي عنده رهن أنّه يقام عليه الحدّ ، قال ابن القاسم : ولا يعذر في هذا أحد ادّعى الجهالة. قال مالك : حديث التي قالت : زنيت

__________________

(١) المدوّنة الكبرى : ٦ / ٢٠٧.

(٢) المدوّنة الكبرى : ٦ / ٢٤٢.

٣٢٤

بمرغوش بدرهمين (١) أنّه لا يؤخذ به. وقال مالك : أرى أن يقام الحدُّ ولا يُعذر العجم بالجهالة.

وقال الشافعي في كتاب الأُم (٢) (٧ / ١٦٩) في زناء الرجل بجارية امرأته : إنّ زناه بجارية امرأته كزناه بغيرها إلاّ أن يكون ممّن يُعذر بالجهالة ويقول : كنت أرى أنّها لي حلال.

قال شهاب الدين أبو العبّاس ابن النقيب المصري في عمدة السالك (٣) : ومن زنى وقال : لا أعلم تحريم الزنا وكان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لا يحدّ ، وإن لم يكن كذلك حدّ (٤). انتهى.

ولو قُبل من كلّ معتذرٍ بالجهل لعطّلت حدود الله ، وتترّس به كلُّ زانٍ وزانية ، وشاع الفساد ، وساد الهرج ، وارتفع الأمن عن الفروج والنواميس ، ولو راجعت ما جاء في مدافعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء عن المعترف بالزنا لإلقاء الشبهة لدرء الحدّ تراهم يذكرون الجنون والغمز والتقبيل وما شبه ذلك ، ولا تجد ذكر الجهل بالحرمة في شيء من الروايات ، فلو كان لمطلق الجهل تأثير في درء الحدّ لذكروه لا محالة من غير شك.

على أنّ الجهل حيث يُسمع يجب أن يكون بادّعاء من الرجل لا بالتوسّم من وجناته وأسارير جبهته واستهلاله في إقراره كما زعمه الخليفة ، وهو ظاهر كلمات الفقهاء المذكورة.

ولِما قلناه كلّه لم يعبأ الحضور بذلك الاستهلال ، فأخذها مولانا أمير المؤمنين

__________________

(١) يعني الحديث المذكور في عنوان المسألة الذي نبحث عمّا فيه. (المؤلف)

(٢) كتاب الأم : ٧ / ١٨٢.

(٣) عمدة السالك : ص ١٨٠ ـ ١٨١.

(٤) راجع فيض الإله المالك في شرح عمدة السالك : ٢ / ٣١٢ [٢ / ٣١٤] (المؤلف)

٣٢٥

وعبد الرحمن فقالا : قد وقع عليها الحدُّ. وأمّا عمر فالذي يظهر من قوله لعثمان صدقت. إلى آخره. وفعله من إجراء الجلد والاغتراب أنّه هزأ بهذا القول ، ولو كان مصدّقاً لما جلدها ، لكنّه جلدها وهي تستحقُّ الرجم كما مرّ في الجزء السادس.

ـ ٢٦ ـ

شراء الخليفة صدقة رسول الله

أخرج الطبراني في الأوسط (١) من طريق سعيد بن المسيب قال : كان لعثمان آذن ، فكان يخرج بين يديه إلى الصلاة ، قال : فخرج يوماً فصلّى والآذن بين يديه ثمّ جاء فجلس الآذن ناحية ولفّ رداءه فوضعه تحت رأسه واضطجع ووضع الدرّة بين يديه ، فأقبل عليّ في إزار ورداء وبيده عصا ، فلمّا رآه الآذن من بعيد قال : هذا عليّ قد أقبل ، فجلس عثمان فأخذ عليه رداءه ، فجاء حتى قام على رأسه فقال : اشتريت ضيعة آل فلان ولوقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مائها حقّ ، أما إنّي قد علمت أنّه لا يشتريها غيرك. فقام عثمان وجرى بينهما كلام حتى ألقى الله عزّ وجلّ (٢) وجاء العبّاس فدخل بينهما ، ورفع عثمان على عليّ الدرّة ورفع عليّ على عثمان العصا ، فجعل العباس يسكّنهما ويقول لعليّ : أمير المؤمنين. ويقول لعثمان : ابن عمّك. فلم يزل حتى سكتا. فلمّا أن كان من الغد رأيتهما وكلّ منهما آخذٌ بيد صاحبه وهما يتحدّثان. مجمع الزوائد (٧ / ٢٢٦).

قال الأميني : يعلمنا الحديث أنّ الخليفة ابتاع الضيعة وماءها وفيه حقّ لِوقف رسول الله لا يجوز ابتياعه ، فإن كان يعلم بذلك ، وهو المستفاد من سياق الحديث حيث إنّه لم يعتذر بعدم العلم ، وهو الذي يلمح إليه قول الإمام عليه‌السلام : وقد علمت أنّه لا يشتريها غيرك. فبأي مبرّر استساغ ذلك الشراء؟ وإن كان لا يعلم فقد أعلمه

__________________

(١) المعجم الأوسط : ٨ / ٣٦٣ ح ٧٧٤٠.

(٢) عبارة الطبراني في المعجم الأوسط : وجرى بينهما كلام لا أرده حتى ألقى الله.

٣٢٦

الإمام عليه‌السلام فما هذه المماراة والتلاحي ورفع الدرّة الذي اضطرّ الإمام إلى رفع العصا؟ حتى فصل بينهما العبّاس ، أو في الحق مغضبة؟ وهل يكون تنبيه الغافل أو إرشاد الجاهل مجلبةً لغضب الإنسان الديني؟ فضلاً عمّن يُقلّه أكبر منصّة في الإسلام.

وأحسب أنّ ذيل الرواية مُلصق بها لإصلاح ما فيها ، وعلى فرض صحّته فإنّه لا يجديهم نفعاً ، فإنّ الإمام عليه‌السلام لم يألُ جهداً في النهي عن المنكر سواء ارتدع فاعله أو أنّه عليه‌السلام يئس من خضوعِه للحقّ ، وعلى كلّ فإنّه عليه‌السلام كان يماشيهم على ولاء الإسلام ولا يثيره إلاّ الحقّ إذا لم يُعمل به ، فيجري في كلّ ساعة على حكمها من مكاشفة أو ملاينة ، وهكذا فليكن المصلح المنزّه عن الأغراض الشخصيّة الذي يغضب لله وحده ويدعو إلى الحقّ للحقّ.

ـ ٢٧ ـ

الخليفة في ليلة وفاة أُمّ كلثوم

أخرج البخاري في صحيحه (١) في الجنائز باب يعذّب الميت ببكاء أهله ، وباب من يدخل قبر المرأة (٢ / ٢٢٥ ، ٢٤٤) ، بالإسناد من طريق فليح بن سليمان ، عن أنس ابن مالك ، قال : شهدنا بنت (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان فقال : «هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟» فقال أبو طلحة ـ زيد بن سهل الأنصاري ـ : أنا ، قال : «فانزل في قبرها». قال : فنزل في قبرها فقبرها. قال ابن مبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب. قال أبو عبد الله ـ يعني البخاري

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٤٣٢ ح ١٢٢٥ ، ص ٤٥٠ ح ١٢٧٧.

(٢) الصحيح عند شرّاح الحديث أنها أمّ كلثوم زوجة عثمان بن عفّان ، وجاء في لفظ أحمد [٤ / ١٠٦ ح ١٢٩٨٥] وغيره أنها رقيّة. وعقّبه السهيلي وقال : هو وهمٌ بلا شكّ. راجع الروض الأُنف : ٢ / ١٠٧ [٥ / ٣٦٢] ، فتح الباري : ٣ / ١٢٢ [٣ / ١٥٨] ، عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)

٣٢٧

نفسه ـ ليقترفوا : ليكتسبوا (١) وفي مسند أحمد ؛ قال سريج : يعني ذنباً.

وأخرجه (٢) ابن سعد في الطبقات (٨ / ٣١) طبع ليدن ، وأحمد في مسنده (٣ / ١٢٦ ، ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٧٠) ، والحاكم في المستدرك (٤ / ٤٧) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٤ / ٥٣) من طريقين ، وذكره السهيلي في الروض الأُنف (٢ / ١٠٧) نقلاً عن تاريخ البخاري وصحيحه وعن الطبري فقال : قال ابن بطّال : أراد النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها ، وقد كان أحقّ الناس بذلك لأنّه كان بعلها وفقد منها علقاً لا عوض منه لأنّه حين قال عليه‌السلام : «أيّكم لم يقارف الليلة أهله». سكت عثمان ولم يقل أنا ، لأنّه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ولم يشغله الهمُّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المقارفة ، فحرم بذلك ما كان حقّا له وكان أولى من أبي طلحة وغيره ، وهذا بيّن في معنى الحديث ، ولعلّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئاً لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح والله أعلم.

ويوجد الحديث في نهاية ابن الأثير (٣) (٣ / ٢٧٦) ، لسان العرب (٤) (١١ / ١٨٩) ، الإصابة (٤ / ٤٨٩) ، تاج العروس (٦ / ٢٢٠).

قال الأميني : اضطربت كلمات العلماء حول هذا الحديث غير أنّ فليحاً المتوفّى

__________________

(١) إيعاز إلى قوله تعالى (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [الأنعام : ١١٣] كما في فتح الباري : ٣ / ١٦٣ [٣ / ٢٠٩] ، وفي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام : ١٢٠]. (المؤلف)

(٢) الطبقات الكبرى : ٨ / ٣٨ ، مسند أحمد : ٣ / ٥٧٩ ح ١١٨٦٦ ، ٤ / ١٠٤ ح ١٢٩٧٠ ، ص ١٠٦ ح ١٢٩٨٥ ، وص ١٧٥ ح ١٣٤٤١ ، المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٢ ح ٦٨٥٣ ، الروض الأنف : ٥ / ٣٦٢ ، تاريخ الأمم والملوك : ١١ / ٤٩٨ حوادث سنة ٩ ه‍.

(٣) النهاية : ٤ / ٤٦.

(٤) لسان العرب : ١١ / ١٢٧.

٣٢٨

سنة (١٦٣) ، الذي فسّر المقارفة بالذنب ، وأيّد البخاري كلامه بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، وسريجاً المتوفّى سنة (٢١٧) هم أقدم من تكلّم فيه ، وقال الخطابي (١) : معناه لم يذنب (٢). وجاء ابن بطّال (٣) وخصّه بمقارفة النساء ، وجمع بينهما العيني (٤) ، وأيّا ما كان فلا شكّ في أنّه أمر استحقّ من جرّائه عثمان الحرمان من النزول في قبر زوجته ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أولى الناس بها ، والمسلمون كلّهم كانوا يعلمون ذلك ، لكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الداعي إلى الستر على المؤمنين والإغضاء عن العيوب ، الناهي عن إشاعة الفحشاء في كتابه الكريم ، والمانع عن التجسّس عمّا يقع في الخلوات ، المبعوث لإعزاز أهل الدين ، شاءَ ـ وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ـ أن يستثني مورداً واحداً تلوّح بأمر عظيم حرم لأجله عثمان من الحظوة بالنزول في قبر حليلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواسطة مفخره بهاتيك الصلة ، فعرف المسلمون ذلك المقتضي بالطبع الأوّل وهذا المانع من المقارفة المختلف في تفسيرها ، فإن كان ذنباً أثّر في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن حطّ من رتبته بما قلناه. ولو كانت صغيرة وهي غير ظاهرة تستّر عليها ، لكنّها بلغت من الكبر حدّا لم يَرَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سترها ؛ ولا رعى حرمةً ولا كرامةً لمقترفها ، فإن كانت سيّئة هذا شأنها ، فلا خير فيمن يجترح السيّئات.

وإن أُريدت مقارفة النساء على الوجه المحلّل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاظة والغلظة ، فأيّ إنسان تحبّذ له نفسه التمتّع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرّم مجده ، وانقطاع فخره ، وانفصام عرى شرفه ، فكيف هان ذلك على الخليفة؟ فلم يراعِ حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستهانت تلك المصيبة العظيمة فتلذّذ

__________________

(١) أبو سليمان حمد بن محمد البستي صاحب التآليف القيّمة المتوفّى ٣٨٨. (المؤلف)

(٢) ذكره العيني في عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)

(٣) ذكر كلامه السهيلي في الروض الأُنف : ٢ / ١٠٧ [٥ / ٣٦٢] كما مرّ بلفظه. (المؤلف)

(٤) في عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)

٣٢٩

بالرّفَث إلى جارية (١) ، والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أوّل يومهم ؛ ورأفة أربى ممّا وقع ، ورقّة تنيف على ما صدر منه ، وحياء يفضل على ما ناء به.

ومن العسير جدّا الخضوع للاعتقاد بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتكب ذلك الهتك والإهانة على أمر مباح مع رأفته الموصوفة على أفراد الأُمّة وإغراقه نزعاً في الستر عليهم ؛ وكيف في حقّ رجل يعلم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سيشغل منصّة الخلافة؟

هذا ما عندنا وأمّا أنت فظنّ خيراً ولا تسأل عن الخبر.

أيحكم ضميرك الحرُّ عندئذٍ في رجل هذا شأنه وهذه سيرته مع كريمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصحّة ما أخرجه ابن سعد في طبقاته (٢) (٣ / ٣٨) من القول المعزوّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم قارف الرجل ، يوم سمع من النبيّ الأعظم تلك القارصة : لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان ، قاله لمّا ماتت أُمّ كلثوم؟ كذا قال ابن سعد.

أو قوله : لو كنّ ـ يعني بناته ـ عشراً لزوجتهنّ عثمان (٣)؟

أو قوله فيما أخرجه ابن عساكر (٤) : لو أنّ لي أربعين بنتاً لزوّجتك واحدة بعد واحدة حتى لا تبقى منهنّ واحدة (٥)؟

أو قوله فيما جاء به ابن عساكر (٦) من طريق أبي هريرة قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي عثمان بن عفّان على باب المسجد فقال : يا عثمان هذا جبريل

__________________

(١) كما في عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)

(٢) الطبقات الكبرى : ٣ / ٥٦.

(٣) طبقات ابن سعد طبع ليدن : ٨ / ٢٥ [٨ / ٣٨]. (المؤلف)

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ٣٩ / ٤٢.

(٥) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢١٢ [٧ / ٢٣٨ حوادث سنة ٣٥ ه‍] وقال : إسناد ضعيف ، أخبار الدول للقرماني : ص ٩٨ [١ / ٢٩٥]. (المؤلف)

(٦) راجع تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢١١. [٧ / ٢٣٨ حوادث سنة ٣٥ ه‍]. (المؤلف)

٣٣٠

يخبرني أنّ الله قد زوّجك أُمّ كلثوم بمثل صداق رقيّة على مثل مصاحبتها (١)؟

أكانت مصاحبة عثمان هذه أُمّ كلثوم ولِدَة مصاحبتها رقيّة وكانت مرضيّة للمولى سبحانه؟ أو ترى عثمان متخلّفاً عن شرط الله في أُمّ كلثوم؟ أنا لا أدري.

على أنّ إسناد هذا الحديث معلول من جهات ، وكفاه علّة عبد الرحمن بن أبي الزناد القرشي وقد ضعّفه ابن معين (٢) وابن المديني وابن أبي شيبة وعمرو بن عليّ والساجي وابن سعد (٣) ، وقال ابن معين والنسائي (٤) : ولا يحتجُّ بحديثه (٥).

ـ ٢٨ ـ

اتِّخاذ الخليفة الحمى له ولذويه

لقد جعل الإسلام منابت العيش من مساقط الغيث والمروج كلّها شرعاً سواء بين المسلمين إذا لم يكن لها مالك مخصوص كما هو الأصل في المباحات الأصليّة من أجواز الفلوات وأطراف البراري ؛ فترتع فيها مواشيهم وترعى إبلهم وخيلهم من دون أيّ مزاحمة بينهم ، وليس لأيّ أحد أن يحمي لنفسه حمى فيمنع الناس عنه ؛ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المسلمون شركاء في ثلاث : في الكلأ والماء والنار».

وقال : «ثلاث لا يُمنعن : الماء والكلأ والنار».

وقال : «لا يُمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ» وفي لفظ : «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ». وفي لفظ : «من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٣٩ / ٣٩ ، ٤٠.

(٢) التاريخ : ٣ / ٢٥٨ رقم ١٢١١.

(٣) الطبقات الكبرى : ٥ / ٤١٦.

(٤) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ١٦٠ رقم ٣٨٧.

(٥) تهذيب التهذيب : ٦ / ١٧١ [٦ / ١٥٥]. (المؤلف)

٣٣١

فضله يوم القيامة» (٦) نعم كان في الجاهليّة يحمي الشريف منهم ما يروقه من قِطَع الأرض لمواشيه وإبله خاصّة فلا يشاركه فيه أحد وإن شاركهم هو في مراتعهم ، وكان هذا من مظاهر التجبّر السائد عندئذٍ ، فاكتسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فيما اكتسحه من عادات الطواغيت وتقاليد الجبابرة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا حمى إلاّ لله ولرسوله» (٧).

وقال الشافعي في تفسير الحديث : كان الشريف من العرب في الجاهليّة إذا نزل بلداً في عشيرته استعوى كلباً ، فحمى لخاصّته مدى عُواء الكلب لا يشركه فيه غيره فلم يرعه معه أحد ، وكان شريك القوم في سائر المراتع حوله. قال : فنهى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُحمى على الناس حمى كما كانوا في الجاهليّة يفعلون. قال :

وقوله : إلاّ لله ولرسوله. يقول : إلاّ ما يُحمى لخيل المسلمين وركابهم التي تُرصد للجهاد ويُحمل عليها في سبيل الله وإبل الزكاة كما حمى عمر النقيع (٨) لنعم الصدقة والخيل المعدّة في سبيل الله (٩).

واستعمل عمر على الحمى مولى له يقال له هنّى فقال له : يا هنّى ضمّ جناحك للناس ، واتّقِ دعوة المظلوم فإنّ دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل ربّ الصريمة وربّ الغنيمة ، وإيّاي ونعم ابن عفّان (١٠) ونعم ابن عوف فإنّهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى

__________________

(٦) توجد هذه الأحاديث في صحيح البخاري : ٣ / ١١٠ [٢ / ٨٣٠ ح ٢٢٢٦ و ٢٢٢٧] ، الأموال لأبي عبيد : ص ٢٩٦ [ص ٣٧٣ ح ٧٣١ و ٧٣٣] ، سنن أبي داود : ٢ / ١٠١ [٣ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ ح ٣٤٧٣ ، ٣٤٧٧] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٩٤ [٢ / ٨٢٨ ح ٢٤٧٨]. (المؤلف)

(٧) صحيح البخاري : ٣ / ١١٣ [٢ / ٨٣٥ ح ٢٢٤١] ، الأموال لأبي عبيد : ص ٢٩٤ [ص ٣٧٢ ح ٧٢٨] ، كتاب الأُم للشافعي : ٣ / ٢٠٧ [٤ / ٤٧] وفي الأخيرين تفصيل ضافٍ حول المسألة. (المؤلف)

(٨) على عشرين فرسخاً أو نحو ذلك من المدينة. معجم البلدان [٥ / ٣٠١]. (المؤلف)

(٩) راجع كتاب الأُم : ٣ / ٢٠٨ [٤ / ٤٧] ، معجم البلدان : ٣ / ٣٤٧ [٥ / ٣٠١] ، نهاية ابن الأثير : ١ / ٢٩٧ [١ / ٤٤٧] ، لسان العرب : ١٨ / ٢١٧ [٣ / ٣٤٨] ، تاج العروس : ١٠ / ٩٩. (المؤلف)

(١٠) في لفظ أبي عبيد : ودعني من نعم ابن عفّان. بدل : وإيّاي ونعم ابن عفّان. (المؤلف)

٣٣٢

نخل وزرع ، وإنّ ربّ الغنيمة والصريمة يأتي بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا؟ لا أبا لك. الى آخره (١).

كان هذا الناموس متسالماً عليه بين المسلمين حتى تقلّد عثمان الخلافة فحمى لنفسه دون إبل الصدقة كما في أنساب البلاذري (٥ / ٣٧) ، والسيرة الحلبيّة (٢) (٢ / ٨٧) ، أو له ولحكم بن أبي العاص كما في رواية الواقدي ، أو لهما ولبني أُميّة كلّهم كما في شرح ابن أبي الحديد (٣) (١ / ٦٧) قال : حمى عثمان المراعي حول المدينة كلّها من مواشي المسلمين كلّهم إلاّ عن بني أُميّة. وحكى في (ص ٢٣٥) (٤) عن الواقدي أنّه قال : كان عثمان يحمي الربذة والشرف والنقيع ، فكان لا يدخل الحمى بعير له ولا فرس ولا لبني أُميّة حتى كان آخر الزمان ، فكان يحمي الشرف (٥) لإبله ، وكانت ألف بعير ولإبل الحكم بن أبي العاص ، ويحمي الربذة (٦) لإبل الصدقة ، ويحمي النقيع لخيل المسلمين وخيله وخيل بني أُميّة. انتهى.

نقم ذلك المسلمون على الخليفة فيما نقموه عليه وعدّته عائشة ممّا أنكروه عليه ، فقالت : وإنّا عتبنا عليه كذا وموضع الغمامة المحماة (٧) ، وضربه بالسوط والعصا ، فعمدوا

__________________

(١) صحيح البخاري : ٤ / ٧١ [٣ / ١١١٣ ح ٢٨٩٤] ، الأموال لأبي عبيد : ص ٢٩٨ [ص ٣٧٦ ح ٧٤١] ، كتاب الأُم : ٣ / ٢٧١ [٤ / ٤٨]. (المؤلف)

(٢) السيرة الحلبيّة : ٢ / ٧٨.

(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٩ خطبة ٣.

(٤) شرح نهج البلاغة : ٣ / ٣٩ خطبة ٤٣.

(٥) كبد نجد. عند البخاري بالسين المهملة ، وفي موطّأ ابن وهب : الشرف ـ بالشين المعجمة وفتح الراء ـ وهذا هو الصواب. معجم البلدان [٣ / ٢١٢ ، ٣٣٦]. (المؤلف)

(٦) الربذة في الشرف المذكورة هي الحمى الأيمن [معجم البلدان : ٣ / ٣٣٦]. (المؤلف)

(٧) يسمّى العشب بالغمامة كما يسمّى بالسماء. المحماة : من أحميت المكان فهو محمى ؛ أي جعلته حمى. الفائق للزمخشري. (المؤلف)

٣٣٣

إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب (١) ، قال ابن منظور في ذيل الحديث : الناس شركاء فيما سقته السماء من الكلأ إذا لم يكن مملوكاً فلذلك عتبوا عليه.

كانت في اتّخاذ الخليفة الحمى جِدّة وإعادة لعادات الجاهليّة الأُولى التي أزاحها نبيُّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعل المسلمين في الكلأ مشتركين ، وقال : «ثلاثة يبغضهم الله» ، وعدّ فيهم من استنّ في الإسلام سنّة الجاهليّة (٢). وكان حقّا على الرجل أن يحمي حمى الإسلام قبل حمى الكلأ ، ويتّخذ ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّة متّبعة ولا يحيي سنّة الجاهليّة ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (٣). ولكنّه ...

ـ ٢٩ ـ

إقطاع الخليفة فدك لمروان

عدّ ابن قتيبة في المعارف (٤) (ص ٨٤) ، وأبو الفداء في تاريخه (١ / ١٦٨) ممّا نقم الناس على عثمان إقطاعه فدك لمروان وهي صدقة رسول الله ، فقال أبو الفداء : وأقطع مروان بن الحكم فدك وهي صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي طلبتها فاطمة ميراثاً ، فروى أبو بكر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولّى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردّها صدقة.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٣٠١) من طريق المغيرة حديثاً في فدك

__________________

(١) راجع الفائق للزمخشري : ٢ / ١١٧ [٣ / ٧٧] ، نهاية ابن الأثير : ١ / ٢٩٨ ، و ٤ / ١٢١ [١ / ٤٤٧ و ٤ / ٣٧٢] ، لسان العرب : ٨ / ٣٦٣ و ١٨ / ٢١٧ [٣ / ٣٤٩ و ١٣ / ٢٢٣] ، تاج العروس : ١٠ / ٩٩. (المؤلف)

(٢) بهجة النفوس للحافظ الأزدي ابن أبي جمرة : ٤ / ١٩٧. (المؤلف)

(٣) فاطر : ٤٣.

(٤) المعارف : ص ١٩٤ ـ ١٩٥.

٣٣٤

وفيه : أنّها أقطعها مروان لمّا مضى عمر لسبيله. فقال : قال الشيخ : إنّما أقطع مروان فدكاً في أيّام عثمان بن عفّان رضى الله عنه وكأنّه تأوّل في ذلك ما روي عن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أطعم الله نبيّا طعمة فهي للذي يقوم من بعده ، وكان مستغنياً عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم ، وذهب آخرون إلى أنّ المراد بذلك التولية وقطع جريان الإرث فيه ، ثمّ تصرف في مصالح المسلمين كما كان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يفعلان.

وفي العقد الفريد (١) (٢ / ٢٦١) في عدّ ما نقم الناس على عثمان : أنّه أقطع فدك مروان وهي صدقة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافتتح إفريقية وأخذ خمسها فوهبه لمروان.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (٢) (١ / ٦٧) : وأقطع عثمان مروان فدك ، وقد كانت فاطمة عليها‌السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارةً بالميراث وتارةً بالنحلة فدفعت عنها.

قال الأميني : أنا لا أعرف كنه هذا الإقطاع وحقيقة هذا العمل فإنّ فدك إن كانت فيئاً للمسلمين ـ كما ادّعاه أبو بكر ـ فما وجه تخصيصها بمروان؟ وإن كانت ميراثاً لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما احتجّت له الصدّيقة الطاهرة في خطبتها ، واحتجّ له أئمّة الهدى من العترة الطاهرة وفي مقدّمهم سيّدهم أمير المؤمنين عليه وعليهم‌السلام ، فليس مروان منهم ، ولا كان للخليفة فيها رفع ووضع. وإن كانت نحلة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبضعته الطاهرة فاطمة المعصومة ـ صلوات الله عليها ـ كما ادّعته وشهد لها أمير المؤمنين وابناها الإمامان السبطان وأُمّ أيمن المشهود لها بالجنّة فردّت شهادتهم بما لا يُرضي الله ولا رسوله ، وإذا رُدّت شهادة أهل آية التطهير فبأيّ شيء يُعتمد (٣)؟ وعلى أيّ حجّة يُعوّل؟

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١٠٣.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٨ ـ ١٩٩ خطبة ٣.

(٣) ضمّن قدس‌سره (يُعتمد) معنى (يوثَق).

٣٣٥

إن دام هذا ولم يحدثْ به غِيَرٌ

لم يُبكَ ميتٌ ولم يُفرحْ بمولودِ

فإن كانت فدك نحلة فأيّ مساس بها لمروان؟ وأيُّ سلطة عليها لعثمان؟ حتى يقطعها لأحد. ولقد تضاربت أعمال الخلفاء الثلاثة في أمر فدك فانتزعها أبو بكر من أهل البيت ، وردّها عمر إليهم ، وأقطعها عثمان لمروان ، ثمّ كان فيها ما كان في أدوار المستحوذين على الأمر منذ عهد معاوية وهلمّ جرّا فكانت تؤخذ وتعطى ، ويفعلون بها ما يفعلون بقضاء من الشهوات ، كما فصّلناه في الجزء السابع (ص ١٩٥ ـ ١٩٧) ولم يُعمل برواية أبي بكر في عصر من العصور ، فإن صانعه الملأ الحضور على سماع ما رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحابوه وجاملوه ، فقد أبطله من جاء بعده بأعمالهم وتقلّباتهم فيها بأنحاء مختلفة.

بل إنّ أبا بكر نفسه أراد أن يبطل روايته بإعطاء الصكّ للزهراء فاطمة ، غير أنّ ابن الخطّاب منعه وخرق الكتاب كما مرّ في الجزء السابع عن السيرة الحلبيّة ، وبذلك كلّه تعرف قيمة تلك الرواية ومقدار العمل عليها وقيمة هذا الإقطاع ، وسيوافيك قول مولانا أمير المؤمنين في قطائع عثمان.

ـ ٣٠ ـ

رأي الخليفة في الأموال والصدقات

لم تكن فدك ببدع من سائر الأموال من الفيء والغنائم والصدقات عند الخليفة بل كان له رأي حرّ فيها وفي مستحقّيها ، كان يرى المال مال الله ، ويحسب نفسه وليّ المسلمين ، فيضعه حيث يشاء ويفعل فيه ما يريد ، فقام كما قال مولانا أمير المؤمنين : «نافجاً حضنيه بين نثيله ومُعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يَخضمون مال الله خَضمة الإبل نبتة الربيع» (١).

__________________

(١) نهج البلاغة : ١ / ٣٥ [ص ٤٩ خطبة ٣]. (المؤلف)

٣٣٦

كان يصل رحمه بمال يستوي فيه المسلمون كلّهم ، ولكلّ فرد من الملأ الدينيّ منه حقّ معلوم للسائل والمحروم ، لا يسوغ في شرعة الحقّ وناموس الإسلام المقدّس حرمان أحد من نصيبه وإعطاء حقّه لغيره من دون مرضاته.

جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغنائم : «لله خمسه وأربعة أخماس للجيش ، وما أحد أولى به من أحد ، ولا السهم تستخرجه من جنبك ، ليس أنت أحقّ به من أخيك المسلم» (١).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاءه فيء قسّمه من يومه فأعطى ذا الأهل حظّين ، وأعطى العزب حظّا (٢).

والسنّة الثابتة في الصدقات أنّ أهل كلّ بيئة أحقّ بصدقتهم ما دام فيهم ذو حاجة ، وليس الولاية على الصدقات للجباية وحملها إلى عاصمة الخلافة وإنّما هي للأخذ من الأغنياء والصرف في فقراء محالّها ، وقد ورد في وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذاً حين بعثه إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام والصلاة أنّه قال : «فإذا أقرُّوا لك بذلك فقل لهم : إنّ الله قد فرض عليكم صدقة أموالكم تُؤخذ من أغنيائكم فتردّ في فقرائكم» (٣).

قال عمرو بن شعيب : إنّ معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله إلى اليمن حتى مات النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر ، ثمّ قدم على عمر فردّه على ما كان عليه فبعث

__________________

(١) سنن البيهقي : ٦ / ٣٢٤ ، ٣٣٦. (المؤلف)

(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢٥ [٣ / ١٣٦ ح ٢٩٥٣] ، مسند أحمد : ٦ / ٢٩ [٧ / ٤٥ ح ٢٣٤٨٤] ، سنن البيهقي : ٦ / ٣٤٦. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري : ٣ / ٢١٥ [٢ / ٥٠٥ ح ١٣٣١] ، الأموال لأبي عبيد : ص ٥٨٠ ، ٥٩٥ ، ٦١٢ [ص ٦٩٣ ح ١٨٥٢ ، ص ٧٠٩ ح ١٩٠٨ ، ص ٧٢٨ ح ١٩٩٠] ، المحلّى : ٦ / ١٤٦ [مسألة ٧١٩]. (المؤلف)

٣٣٧

إليه معاذ بثلث صدقة الناس ، فأنكر ذلك عمر وقال : لم أبعثك جابياً ولا آخِذَ جزية ، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّها على فقرائهم. فقال معاذ : ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه منّي. الحديث (١).

ومن كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى قثم بن العبّاس يوم كان عامله على مكة : «وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسّمه فيمن قبلنا» نهج البلاغة (٢) (٢ / ١٢٨).

وقال عليه‌السلام لعبد الله بن زمعة لمّا قدم عليه في خلافته يطلب منه مالاً : «إنّ هذا المال ليس لي ولا لك ، وإنّما هو فيء للمسلمين وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم ، وإلاّ فجناة (٣) أيديهم لا تكون لغير أفواههم». نهج البلاغة (٤) (٤٦١١)

ومن كلام له عليه‌السلام : «إنّ القرآن أُنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها». راجع ما أسلفناه في (٦ / ٧٧).

وأتى عليّا أمير المؤمنين مال من أصبهان فقسّمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فكسره بسبع [كِسَر] (٥) فوضع على كلّ جزء كسرة ثمّ أقرع بين الناس أيُّهم يأخذ أوّل (٦).

__________________

(١) الأموال : ص ٥٩٦ [ص ٧١٠ ح ١٩١٢]. (المؤلف)

(٢) نهج البلاغة : ص ٤٥٧ كتاب ٦٧.

(٣) الجَناة : ما يجنى من الشجر ، أي يُقطف.

(٤) نهج البلاغة : ص ٣٥٣ رقم ٢٣٢.

(٥) من المصدر.

(٦) سنن البيهقي : ٦ / ٣٤٨. (المؤلف)

٣٣٨

وأتته عليه‌السلام امرأتان تسألانه عربيّة ومولاة لها ، فأمر لكلّ واحدة منهما بكرّ من طعام وأربعين درهماً ، فأخذت المولاة الذي أُعطيت وذهبت ، وقالت العربيّة : يا أمير المؤمنين تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربيّة وهي مولاة؟ قال لها عليّ رضى الله عنه : إنّي نظرت في كتاب الله عزّ وجلّ فلم أرَ فيه فضلاً لولد إسماعيل على ولد إسحاق (١).

ولذلك كلّه كانت الصحابة لا ترتضي من الخليفة الثاني تقديمه بعضاً من الناس على بعض في الأموال بمزيّة معتبرة كان يعتبرها فيمن فضّله على غيره ، كتقديم زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمّهات المؤمنين على غيرهنّ ، والبدريّ على من سواه ، والمهاجرين على الأنصار ، والمجاهدين على القاعدين ، من دون حرمان أيّ أحدٍ منهم (٢) ، وكان يقول على صهوات المنابر : من أراد المال فليأتني فإنّ الله جعلني له خازناً وقاسماً (٣).

ويقول بعد قراءة آيات الأموال : والله ما من أحد من المسلمين إلاّ وله حقّ في هذا المال أُعطي منه أو مُنِع حتى راعٍ بعدن (٤).

ويقول : أبدأ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ الأقرب فالأقرب إليه. فوضع الديوان على ذلك.

وفي لفظ أبي عبيد : إنّ رسول الله إمامنا فبرهطه نبدأ ، ثمّ بالأقرب فالأقرب (٥).

__________________

(١) سنن البيهقي : ٦ / ٣٤٩. (المؤلف)

(٢) الأموال لأبي عبيد : ص ٢٢٤ ـ ٢٢٧ [ص ٢٨٦ ـ ٢٩٠ ح ٥٥٠ ـ ٥٥٩] ، فتوح البلدان للبلاذري : ص ٤٥٣ ـ ٤٦٦ [ص ٤٣٥ ـ ٤٤٧] ، سنن البيهقي : ٦ / ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي : ص ٧٩ ـ ٨٣ [ص ٩٤ ـ ١٠٩ باب ٣٩]. (المؤلف)

(٣) راجع الجزء ٦ من كتابنا هذا ص ١٩٢ [أنظر الأموال : ص ٢٨٥ ح ٥٤٨]. (المؤلف)

(٤) الأموال : ص ٢١٣ [ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ح ٥٢٥] ، سنن البيهقي : ٦ / ٣٥١. (المؤلف)

(٥) الأموال : ص ٢٢٤ [ص ٢٨٦ ح ٥٤٩] ، سنن البيهقي : ٦ / ٣٦٤. (المؤلف)

٣٣٩

وقبل هذه كلّها سنّة الله في الذكر الحكيم حول الأموال مثل قوله تعالى :

١ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١).

٢ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢).

٣ ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (٣).

هذه سنّة الله وسنّة نبيّه غير أنّ الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب العزيز ، وشذّ عمّا جاء به النبيُّ الأقدس في الأموال ، وخالف سيرة من سبقه ، وتزحزح عن العدل والنصفة ، وقدّم أبناء بيته الساقط ، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب الله ، رجال العيث والعبث ؛ والخمور والفجور ، من فاسق إلى لعين ؛ إلى حلاّف مهين همّاز مشّاء بنميم ، وفضّلهم على أعضاء الصحابة وعظماء الأُمّة الصالحين ، وكان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضّة من دون أيّ كيل ووزن ، ويؤثرهم على من سواهم كائناً من كان من ذي قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم. ولم يكن يجرؤ أحد عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كان يرى سيرته الخشنة مع أُولئك القائمين بذلك الواجب ، ويشاهد فيهم من الهتك والتغريب والضرب بدرّة كانت أشدّ من الدرّة العمريّة (٤) مشفوعة بالسوط والعصا (٥) ، وإليك نبذة من سيرة الخليفة في الأموال :

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) الحشر : ٦ و ٧.

(٤) راجع محاضرة الأوائل للسكتواري : ص ١٦٩. (المؤلف)

(٥) يأتي حديثه بعيد هذا. (المؤلف)

٣٤٠