الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

رأي الحنابلة :

قال ابن حزم في المحلّى (٣ / ٢٣٦) : وقراءة أُمّ القرآن فرض في كلّ ركعة من كلّ صلاة إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً ، والفرض والتطوّع سواء ، والرجال والنساء سواء. ثمّ ذكر جملة من أدلّة المسألة.

وذكر في (ص ٢٤٣) فعل عمر وما يعزى إلى عليّ ـ وحاشاه من ذلك ـ فقال : لا حجّة في قول أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال في (ص ٢٥٠) : من نسي التعوّذ أو شيئاً من أُمّ القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو إن كان إماماً أو فذّا ، فإن كان مأموماً ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر ، وإذا أتمّ الإمام قام يقضي ما كان ألغى ، ثمّ سجد للسهو ، ولقد ذكرنا برهان ذلك فيمن نسي فرضاً في صلاته فإنّه يعيد ما لم يصلّ كما أُمر ، ويعيد ما صلّى كما أُمر. قال :

ومن كان لا يحفظ أُمّ القرآن [صلّى] (١) وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه ، لا حدّ في ذلك وأجزأه ، وليسعَ في تعلّم أُمّ القرآن فإن عرف بعضها ، ولم يعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه ، وليسعَ في تعلّم الباقي ، فإن لم يحفظ شيئاً من القرآن صلّى كما هو يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتمّ صلاته ويجزيه ، وليسعَ في تعلّم أُمّ القرآن.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (٢) (٢ / ٢٣٣) : اختلف القائلون بتعيّن الفاتحة في كلّ ركعة هل تصحّ صلاة من نسيها؟ فذهبت الشافعيّة وأحمد بن حنبل إلى عدم

__________________

(١) من المصدر.

(٢) نيل الأوطار : ٢ / ٢٣٨.

٢٦١

الصحّة ، وروى ابن القاسم عن مالك أنّه إن نسيها في ركعة من صلّى ركعتين فسدت صلاته ، وإن نسيها في ركعة من صلّى ثلاثيّة أو رباعيّة ، فروي عنه أنّه يعيدها ولا تجزئه ، وروي عنه أنّه يسجد سجدتي السهو ، وروي عنه أنّه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام ، ومقتضى الشرطيّة التي نبّهناك على صلاحيّة الأحاديث للدلالة عليها أنّ الناسي يعيد الصلاة كمن صلّى بغير وضوء ناسياً. انتهى.

وأمّا أبو حنيفة إمام الحنفيّة فإنّ له في مسائل الصلاة آراء ساقطة تشبه أقوال المستهزئ بها وحسبك برهنة صلاة القفال (١) ، وسنفصّل القول في تلكم الآراء الشاذّة عن الكتاب والسنّة ، وقد اجتهد في المسألة تجاه تلكم النصوص. قال الجصّاص في أحكام القرآن (١ / ١٨) : قال أصحابنا ـ الحنفيّة ـ جميعاً رحمهم‌الله : يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة في كلّ ركعة من الأُوليين ، فإن ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها فقد أساء وتجزيه صلاته. انتهى.

قال ابن حجر في فتح الباري (٢) : إنّ الحنفيّة يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم أنّها مع الوجوب ليست شرطاً في صحّة الصلاة ، لأنّ وجوبها إنّما ثبت بالسنّة ، والذي لا تتمّ الصلاة إلاّ به فرض ، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٣) فالفرض قراءة ما تيسّر ، وتعيّن الفاتحة إنّما يثبت بالحديث فيكون واجباً يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه ، وهذا تأويل على رأي فاسد ، حاصله ردّ كثير من السنّة المطهّرة بلا برهان ولا حجّة نيّرة ، فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع : لا يجزئ كذا ، لا يقبل كذا ، لا يصحّ كذا ، ويقول المتمسّكون بهذا الرأي يجزئ ، ويقبل ، ويصحّ ؛ ولمثل هذا حذّر السلف

__________________

(١) ذكرها ابن خلّكان في تاريخه [٥ / ١٨٠ رقم ٧١٣] في ترجمة السلطان محمود السبكتكين. (المؤلف)

(٢) فتح الباري : ٢ / ٢٤٢.

(٣) المزمّل : ٢٠.

٢٦٢

من أهل الرأي. انتهى. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار (١) (٢ / ٢٣٠).

ونظراً إلى الأهميّة الواردة في قراءة أُمّ الكتاب في الصلوات كلّها ، وأخذاً بظاهر : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» ، ذهب من ذهب من القوم إلى وجوبها على المأموم أيضاً مطلقاً أو في الصلوات الجهريّة ؛ قال الترمذي في الصحيح (٢) (١ / ٤٢) : قد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام ، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين من بعدهم القراءة خلف الإمام ، وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وروي عن عبد الله بن المبارك أنّه قال : أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرؤون إلاّ قوم (٣) من الكوفيّين ، وأرى أنّ من لم يقرأ صلاته جائزة ، وشدّد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام فقالوا : لا تُجزئ صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام. انتهى.

وقد جاء مع ذلك عن عبادة بن الصامت مرفوعاً : «إنّي أراكم تقرءون وراء إمامكم فلا تفعلوا إلاّ بأُمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأها».

وفي لفظ أبي داود : «لا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلاّ بأُمّ القرآن».

وفي لفظ النسائي وابن ماجة : «لا يقرأنّ أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلاّ بأُمّ القرآن».

وفي لفظ الحاكم : «إذا قرأ الإمام فلا تقرءوا إلاّ بأُمّ القرآن فإنّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها».

__________________

(١) نيل الأوطار : ٢ / ٢٣٥.

(٢) سنن الترمذي : ٢ / ١٢٢ ح ٣١٢.

(٣) كذا في الطبعة التي اعتمدها المؤلف قدس‌سره ، وفي الطبعة المحققة : إلاّ قوماً ، وهو الصحيح لوجوب نصبه على الاستثناء.

٢٦٣

وفي لفظ الطبراني : «من صلّى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب».

وعن أنس بن مالك مرفوعاً : «أتقرؤون في صلاتكم خلف الإمام بقرآن والإمام يقرأ؟ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه».

وعن أبي قلابة مرسلاً : «أتقرؤون خلفي وأنا أقرأ فلا تفعلوا ذلك ، ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه سرّا» (١).

قال ابن حزم في المحلّى (٣ / ٢٣٩) : اختلف أصحابنا فقالت طائفة : فرض على المأموم أن يقرأ أُمّ القرآن في كلّ ركعة أسرّ الإمام أو جهر ، وقالت طائفة : هذا فرض عليه فيما أسرّ فيه الإمام خاصّة ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام ، ولم يختلفوا في وجوب قراءة أُمّ القرآن فرضاً في كلّ ركعة على الإمام والمنفرد.

وأخرج البيهقي أحاديث صحاحاً تدلّ على أنّ القراءة تسقط مع الإمام جهر أو لم يجهر. وذكر قول من قال : يقرأ خلف الإمام مطلقاً ثمّ قال : هو أصحّ الأقوال على السنّة وأحوطها. راجع السنن الكبرى (٢ / ١٥٩ ـ ١٦٦).

هذا تمام القول في الناحية الأولى من ناحيتي مخالفة عمل الخليفتين في الصلاة للسنّة الشريفة ، ومن ذلك كلّه يُعلم حكم الناحية الثانية وأنّ الأُمّة مطبقة على أنّ تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أخرى لم يرد في السنّة النبويّة ، وأنّ رأي الرجلين غير مدعوم بحجّة ، لا يُعمل به ، ولا يُعوّل عليه ، ولا يستنّ به قطّ أحد من رجال الفتوى ، والحقّ أحقّ أن يُتّبع.

__________________

(١) مسند أحمد : ٢ / ٣٠٢ ، ٣٠٨ و ٥ / ٣١٣ ، ٣١٦ ، ٣٢٢ [٢ / ٥٨٣ ح ٧٩٤٧ ، ص ٥٩٤ ح ٨٠١٥ ، ٦ / ٤٢٧ ح ٢٢١٦٣ ، ص ٤٣٠ ح ٢٢١٨٦ ، ص ٤٤٠ ح ٢٢٢٤٤] ، سنن الترمذي : ١ / ٤٢ [٢ / ١٢٢ ح ٣١٢] ، المحلّى لابن حزم : ٣ / ٢٣٦ [المسالة ٣٦٠] ، مستدرك الحاكم : ١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ [٣٦٤ ـ ٣٦٥ ح ٨٧٠ ـ ٨٧١] سنن النسائي : ٢ / ١٤١ [١ / ٣١٩ ح ٩٩٢] ، سنن البيهقي : ٢ / ١٦٤ ، ١٦٥ ، مصابيح السنّة : ١ / ٦٠ [١ / ٣١٩ ح ٥٧٧ ـ ٥٧٨]. (المؤلف)

٢٦٤

ـ ١٤ ـ

رأي الخليفة في صلاة المسافر

أخرج أبو عبيد في الغريب (١) وعبد الرزّاق (٢) والطحاوي وابن حزم عن أبي المهلّب ، قال كتب عثمان : أنّه بلغني أنّ قوماً يخرجون إمّا لتجارة أو لجباية أو لحشريّة (٣) يقصرون الصلاة وإنّما يقصر الصلاة من كان شاخصاً أو بحضرة عدوّ.

ومن طريق قتادة عن عياش المخزومي : كتب عثمان إلى بعض عمّاله : أنّه لا يصلّي الركعتين المقيم ولا البادي ولا التاجر ، إنّما يصلي الركعتين من معه الزاد والمزاد.

وفي لفظ ابن حزم : إنّ عثمان كتب إلى عمّاله : لا يصلّي الركعتين جابٍ ولا تاجر ولا تان (٤) ، إنّما يصلّي الركعتين ... إلخ.

وفي لسان العرب : في حديث عثمان رضى الله عنه أنّه قال : لا يغرّنكم جشركم من صلاتكم فإنّما يقصر الصلاة من كان شاخصاً أو يحضره عدوّ. قال أبو عبيد : الجشر القوم يخرجون بدوابّهم إلى المرعى ، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت (٥).

وفي هامش سنن البيهقي (٣ / ١٣٧) : شاخصاً : يعني رسولاً في حاجة ، وفي النهاية (٦) : شاخصاً : أي مسافراً ومنه حديث أبي أيوب : فلم يزل شاخصاً في سبيل الله.

__________________

(١) غريب الحديث : ٣ / ٤١٩.

(٢) المصنّف : ٢ / ٥٢١ ح ٤٢٨٢.

(٣) كذا في النسخ بالمهملة ، والصحيح كما يأتي : الجشر بالمعجمة. (المؤلف)

(٤) التناية : هي الفلاحة والزراعة. نهاية ابن الأثير [١ / ١٩٩]. (المؤلف)

(٥) سنن البيهقي : ٣ / ١٣٧ ، المحلّى لابن حزم : ٥ / ١ [مسألة ٥١٣]. نهاية ابن الأثير : ٢ / ٣٢٥ [١ / ٢٧٣] ، لسان العرب : ٥ / ٢٠٧ [٢ / ٢٨٧] ، كنز العمّال : ٤ / ٢٣٩ [٨ / ٢٣٥ ح ٢٢٧٠٤] ، تاج العروس : ٣ / ١٠٠ و ٤ / ٤٠١. (المؤلف)

(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر : ٢ / ٤٥١.

٢٦٥

قال الأميني : من أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلّها ، كما أوقفناك عليها في (ص ١١١ ـ ١١٥) ، وقبلها عموم قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (١). ولأبي حنيفة وأصحابه والثوريّ وأبي ثور في عموم الآية نظر واسع لم يخصّوه بالمباح من السفر ، بل قالوا بأنّه يعم سفر المعصية أيضاً كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلّى (٤ / ٢٦٤) ، والجصّاص في أحكام القرآن (٢) (٢ / ٣١٢) ، وابن رشد في بداية المجتهد (٣) (١ / ١٦٣) ، وملك العلماء في البدائع (١ / ٩٣) ، والخازن في تفسيره (٤) (١ / ٤١٣).

وليس لحضور العدوّ أيّ دخل في القصر والإتمام وإنّما الخوف وحضور العدوّ لهما شأن خاصّ في الصلوات ، وأحكام تخصّ بهما ، وناموس مقرّر لا يعدوهما.

فمقتضى الأدلّة كما ذهبت إليه الأُمّة جمعاء : أنّ التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر ، فهم وبقيّة المسافرين شرع سواء ، وإلاّ فهم جميعاً في حكم الحضور يتمّون صلاتهم من دون أيّ فرق بين الأصناف ، وليس تفصيل الخليفة إلاّ فتوى مجرّدة ورأياً يخصّ به ، وتقوّلاً لا يؤبه له تجاه النصوص النبويّة ، وإطباق الصحابة ، واتّفاق الأُمّة ، وتساند الأئمّة والعلماء ، وإنّما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة ، أو تسرّعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل ، أو أنّه عرف الدليل لكنّه لم يكترث له وقال قولاً أمام قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

على أنّ التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق عليّ

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٥.

(٣) بداية المجتهد : ١ / ١٧٢.

(٤) تفسير الخازن : ١ / ٣٩٦.

٢٦٦

كرّم الله وجهه قال : «سأل قوم من التجّار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله إنّا نضرب في الأرض فكيف نصلّي؟ فأنزل الله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (١)

. وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله إنّي رجل تاجر أختلف إلى البحرين ، فأمره أن يصلّي بركعتين (٢).

ـ ١٥ ـ

رأي الخليفة في صيد الحرم (٣)

أخرج إمام الحنابلة أحمد وغيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : أقبل عثمان إلى مكة ، فاستقبلتُهُ بقديد ، فاصطاد أهل الماء حجلاً فطبخناه بماء وملح ، فقدّمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا ، فقال عثمان : صيد لم نصده ولم نأمر بصيده اصطاده قوم حِلّ فأطعموناه فما بأس به. فبعث إلى عليّ فجاء ، فذكر له فغضب عليّ وقال : «أنشد رجلاً شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أُتي بقائمة حمار وحش فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّا قوم حرم فأطعموه أهل الحِلّ» فشهد اثنا عشر رجلاً من

__________________

(١) تفسير ابن جرير : ٥ / ١٥٥ [مج ٤ / ج ٥ / ٢٤٤] ، مقدمات المدوّنة الكبرى لابن رشد : ١ / ١٣٩ ، تفسير ابن عطيّة كما في تفسير القرطبي : ٥ / ٣٦٢ [٥ / ٢٣٢] ، الدرّ المنثور : ٢ / ٢٠٩ [٢ / ٦٥٦] ، تفسير الشوكاني : ١ / ٤٧١ [١ / ٥٠٨] ، تفسير الآلوسي : ٥ / ١٣٤. (المؤلف)

(٢) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٤٤ ، الدرّ المنثور : ٢ / ٢١٠ [٢ / ٦٥٦]. (المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ١ / ١٠٠ ، ١٠٤ [١ / ١٦١ ح ٧٨٥ ، ٧٨٦ ، ص ١٦٧ ح ٨١٦] ، كتاب الأُم للشافعي : ٧ / ١٥٧ [٧ / ١٧٠ ـ ١٧١] ، سنن أبي داود : ١ / ٢٩١ [٢ / ١٧٠ ح ١٨٤٩] ، سنن البيهقي : ٥ / ١٩٤ ، تفسير الطبري : ٧ / ٤٥ ، ٤٦ [مج ٥ / ج ٧ / ٧٠] ، المحلّى لابن حزم : ٧ / ٢٥٤ [المسألة ٨٩٢] كنز العمّال : ٣ / ٥٣ [٥ / ٢٥٣ ح ١٢٧٩٣] نقلاً عن أحمد وأبي داود وابن جرير ، وعن الطحاوي وقال : صحّحه [في شرح معاني الآثار ٢ / ١٦٨ ح ٣٧٨٥] وأبي يعلى [في مسنده : ١ / ٢٩٤ ح ٣٥٦] والبيهقي. (المؤلف)

٢٦٧

أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ قال عليّ : «أنشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أُتي ـ ببيض النعام ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا قوم حرم أطعموه أهل الحلّ» فشهد دونهم من العدّة من الاثني عشر قال : فثنى عثمان وركه من الطعام فدخل رحله ، وأكل الطعام أهل الماء.

وفي لفظ آخر لأحمد عن عبد الله بن الحارث : إنّ أباه ولي طعام عثمان ، قال : فكأنّي أنظر إلى الحجل حوالي الجفان فجاء رجل فقال : إنّ عليّا رضى الله عنه يكره هذا ، فبعث إلى عليّ وهو ملطّخ يديه بالخبط فقال : إنّك لكثير الخلاف علينا ، فقال عليّ : «أُذكر الله من شهدا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بعجز حمار وحش وهو محرم فقال : إنّا محرمون فأطعموه أهل الحلّ». فقام رجال فشهدوا ثمّ قال : «أُذكر الله رجلاً شهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بخمس بيضات بيض نعام فقال : إنّا محرمون فأطمعوه أهل الحلّ» فقام رجال فشهدوا ، فقام عثمان فدخل فسطاطه وتركوا الطعام على أهل الماء.

وفي لفظ الإمام الشافعي : إنّ عثمان أُهديت له حجل وهو محرم ، فأكل القوم إلاّ عليّا فإنّه كره ذلك.

وفي لفظ لابن جرير : حجّ عثمان بن عفّان فحجّ عليّ معه ، فأُتي عثمان بلحم صيد صاده حلال ، فأكل منه ولم يأكله عليّ ، فقال عثمان : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال عليّ (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (١).

وفي لفظ : إنّ عثمان بن عفّان رضى الله عنه نزل قديداً فأُتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها ، فأرسل إلى عليّ رضى الله عنه وهو يضفر (٢) بعيراً له ، فجاء والخبط ينحات من

__________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) ضفر الدابّة يضفرها ضفراً : ألقى اللجام في فيها. والضفر : ما شددت به البعير من الشعر المضفور. والمضفور والضفير : الحبل المفتول. الضفائر : الذوائب المضفورة [لسان العرب : ٨ / ٧٠ ، ٧١]. (المؤلف)

٢٦٨

يديه ، فأمسك عليّ وأمسك الناس فقال عليّ : «من هاهنا من أشجع؟ هل تعلمون أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءه أعرابيّ ببيضات نعام وتتمير (١) وحش فقال : أطعمهنّ أهلك فإنّا حرم؟» قالوا : بلى. فتورّك عثمان عن سريره ونزل فقال : خبثت علينا.

وفي لفظ البيهقي : كان الحارث خليفة عثمان رضى الله عنه على الطائف ، فصنع لعثمان رضى الله عنه طعاماً وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال : فبعث إلى عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له ، فجاءه وهو ينفض الخبط من يده فقالوا له : كل. فقال : «أطعموه قوماً حلالاً فإنّا قوم حرم» ، ثمّ قال عليّ رضى الله عنه : «أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُهدي إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله؟» قالوا : نعم.

وأخرج الطبري من طريق صبيح بن عبد الله العبسي قال : بعث عثمان بن عفّان أبا سفيان بن الحرث على العروض ، فنزل قديداً فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر فاستعاره منه فاصطاد به من اليعاقيب فجعلهنّ في حظيرة ، فلمّا مرّ به عثمان طبخهنّ ثمّ قدّمهنّ إليه فقال عثمان : كلوا ، فقال بعضهم : حتى يجيء عليّ بن أبي طالب. فلمّا جاء فرأى ما بين أيديهم قال عليّ : «إنّا لا نأكل منه». فقال عثمان مالك لا تأكل؟ فقال : «هو صيد [و] (٢) لا يحلّ أكله وأنا محرم». فقال عثمان : بيّن لنا. فقال عليّ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (٣). فقال عثمان : أو نحن قتلناه؟ فقرأ عليه : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٤).

__________________

(١) التتمير : التقديد. والتتمير : التيبيس. والتتمير : أن يقطع اللحم صغاراً ويجفّف. واللحم المتمّر : المقطع. لسان العرب [٢ / ٥٠]. (المؤلف)

(٢) من المصدر.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) المائدة : ٩٦.

٢٦٩

وأخرج سعيد بن منصور كما ذكره ابن حزم من طريق بسر بن سعيد قال : إنّ عثمان بن عفّان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمّ يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته ، ثمّ إنّ الزبير كلّمه فقال : ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومن أجلنا ، لو تركناه ، فتركه.

قال الأميني : هذه القصّة تشفّ عن تقاعس فقه الخليفة عن بلوغ مدى هذه المسألة ، أو أنّه راقه اتّباع الخليفة الثاني في الرأي حيث كان يأمر المحرم بأكل لحم الصيد ، ويحذّر أهل الفتوى عن خلافه مهدّداً بالدرّة إن فعل وسيوافيك تفصيله إن شاء الله تعالى. غير أنّ عثمان أفحمه مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكتاب والسنّة فلم يجد ندحة من الدخول في فسطاطه والاكتفاء بقوله : إنّك لكثير الخلاف علينا. وهذا القول ينمّ عن توفّر الخلاف بين مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين الخليفة ، ومن الواضح الجليّ أنّ الحقّ كلّما شجر خلاف بين مولانا عليّ عليه‌السلام وبين غيره كائناً من كان لا يعدو كفّة الإمام صلوات عليه للنصّ النبويّ : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» (١) وقوله : «عليّ مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض» (٢) وأنّه باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووارث علمه ، وعيبة علمه ، وأقضى أُمّته (٣) وكان سلام الله عليه منزّهاً عن الخلاف لاتّباع هوى أو احتدام بغضاء بينه وبين غيره ، فإنّ ذلك من الرجس الذي نفاه الله عنه عليه‌السلام في آية التطهير. وقد طأطأ كلّ عليم لعلمه ، وكان من المتسالم عليه أنّه أعلم الناس بالسنّة ؛ ولذلك لمّا نهى عمر عبد الله بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في الإحرام جابهه الإمام عليه‌السلام

__________________

(١) راجع ما مرّ في الجزء الثالث : ص ١٥٥ ـ ١٥٨ الطبعة الأولى و ١٧٦ ـ ١٨٠ الطبعة الثانية. (المؤلف)

(٢) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث : ص ١٥٨ الطبعة الأولى و ١٨٠ الطبعة الثانية. (المؤلف)

(٣) راجع ما فصّلناه في الجزء السادس : ص ٥٤ ـ ٧٣ الطبعة الأولى و ٦١ ـ ٨١ الطبعة الثانية. (المؤلف)

٢٧٠

بقوله : «ما أخال أحداً يعلّمنا السنّة» (١) ، فسكت عمر إذ كان لم يجد منتدحاً عن الإخبات إلى قوله ، ولو كان غيره عليه‌السلام لعلاه بالدرّة ، ولذلك كان عمر يرجع إليه في كلّ أمر عصيب ، فإذا حلّه قال : لو لا عليّ لهلك عمر (٢) ، أو نظير هذا القول. وسيوافيك عن عثمان نفسه قوله : لو لا عليّ لهلك عثمان.

فرأي الإمام الطاهر هو المتّبع وهو المعتضد بالكتاب بقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ، كما استدلّ به عليه‌السلام على عثمان ، فبعمومه كما حكاه ابن حزم في المحلّى (٧ / ٢٤٩) عن طائفة ظاهر في أنّ الشيء المتصيّد هو المحرّم ملكه وذبحه وأكله كيف كان ، فحرّموا على المحرم أكل لحم الصيد وإن صاده لنفسه حلال ، وإن ذبحه الحلال (٣) ، وحرّموا عليه ذبح شيء منه وإن كان قد ملكه قبل إحرامه. وقال القرطبي في تفسيره (٤) (٦ / ٣٢١) : التحريم ليس صفة للأعيان ، وإنّما يتعلّق بالأفعال. فمعنى قوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) أي فعل الصيد ، وهو المنع من الاصطياد ، أو يكون الصيد بمعنى المصيد على معنى تسمية المفعول بالفعل ، وهو الأظهر لإجماع العلماء على أنّه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له ، ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه ، ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك لعموم قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) ولحديث الصعب بن جثامة. وقال في (ص ٣٢٢): وروي عن عليّ بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر : أنّه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال سواء صيد من أجله أو لم يصد لعموم قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) : قال ابن عبّاس : هي مبهمة. وبه قال طاووس ، وجابر بن زيد وأبو الشعثاء ، وروي ذلك عن الثوري ، وبه

__________________

(١) كتاب الأُم للإمام الشافعي : ٢ / ١٢٦ [٢ / ١٤٧] ، المحلّى لابن حزم : ٧ / ٢٦٠ [المسألة ٨٩٦]. (المؤلف)

(٢) راجع نوادر الأثر في علم عمر في الجزء السادس من كتابنا هذا. (المؤلف)

(٣) هكذا هي العبارة في المحلّى ، وهي لا تخلو من اضطراب.

(٤) الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٧١

قال إسحاق ، واحتجّوا بحديث ابن جثامة. انتهى.

ويعتضد رأي الإمام عليه‌السلام ومن تبعه بالسنّة الشريفة الثابتة بما ورد في الصحاح والمسانيد ، وإليك جملة منه :

١ ـ عن ابن عبّاس قال : يا زيد بن أرقم هل علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال : «إنّا حُرُم»؟ قال : نعم.

وفي لفظ : قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عبّاس يستذكره : كيف أخبرتني عن لحم صيد أُهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو حرام؟ قال : نعم أهدى له رجل عضواً من لحم صيد فردّه وقال : «إنّا لا نأكل إنّا حُرم».

وفي لفظ مسلم (١) : إنّ زيد بن أرقم قدم فأتاه ابن عبّاس رضى الله عنه فاستفتاه في لحم الصيد فقال : أُتي رسول الله بلحم صيد وهو محرم فردّه.

راجع (٢) صحيح مسلم (١ / ٤٥٠) سنن أبي داود (١ / ٢٩١) ، سنن النسائي (٥ / ١٨٤) ، سنن البيهقي (٥ / ١٩٤) ، المحلّى لابن حزم (٧ / ٢٥٠) وقال. رويناه من طرق كلّها صحاح.

٢ ـ عن الصعب بن جثامة قال : مرّ بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا بالأبواء أو بودان (٣) وأهديت له لحم حمار وحش فردّه عليّ ، فلمّا رأى في وجهي الكراهية قال : «إنّه ليس بنا ردّ عليك ولكنّنا حُرم».

__________________

(١) كذا في سنن البيهقي. والموجود في صحيح مسلم هو اللفظ الذي قبله.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٢٣ ح ٥٥ كتاب الحج ، سنن أبي داود : ٢ / ١٧٠ ح ١٨٥٠ ، السنن الكبرى : ٢ / ٣٧٠ ح ٣٨٠٣ ـ ٣٨٠٤.

(٣) ودان بفتح الواو قرية جامعة بين مكة والمدينة ، بينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال من الجحفة ، ومنها الصعب بن جثامة. معجم البلدان [٥ / ٣٦٥]. (المؤلف)

٢٧٢

وفي لفظ : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُتي بلحم حمار وحش فردّه وقال : «إنّا حُرم لا نأكل الصيد».

راجع (١). صحيح مسلم (١ / ٤٤٩) ، مسند أحمد (٤ / ٣٧) ، سنن الدارمي (٢ / ٣٩) ، سنن ابن ماجة (٣ / ٢٦٢) ، سنن النسائي (٥ / ١٨٤) ، سنن البيهقي (٥ / ١٩٢) بعدّة طرق ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٥٨٦) ، تفسير الطبري (٧ / ٤٨) ، تيسير الوصول (١ / ٢٧٢).

٣ ـ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أُهدي للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شقّ حمار وحش وهو محرم فردّه.

وفي لفظ أحمد : إنّ الصعب بن جثامة أهدى إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو محرم عجز حمار ، فردّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقطر دماً.

وفى لفظ طاووس في حديثه : عضداً من لحم صيد.

وفي لفظ مقسم : لحم حمار وحش.

وفي لفظ عطاء في حديثه : أُهدي له صيد فلم يقبله وقال : «إنّا حُرم».

وفي لفظ النسائي : أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل حمار وحش تقطر دماً وهو محرم وهو بقديد فردّها عليه.

وفي لفظ ابن حزم : إنّه أهدى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل حمار وحش فردّه عليه وقال : «إنّا حُرم لا نأكل الصيد». وفي لفظ : «لو لا أنّا محرمون لقبلناه منك».

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٢٢ ح ٥٠ ـ ٥١ كتاب الحج ، مسند أحمد : ٤ / ٦٢٤ ح ١٥٩٨٧ ، ١٥٩٨٨ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٠٣٢ ح ٣٠٩٠ ، السنن الكبرى : ٢ / ٣٧٠ ح ٣٨٠١ ـ ٣٨٠٢ ، أحكام القرآن : ٢ / ٤٨١ ، جامع البيان : مج ٥ / ج ٧ / ٧٤ ، تيسير الوصول : ١ / ٣٢١ ح ٤٣.

٢٧٣

راجع (١) : صحيح مسلم (١ / ٤٤٩) ، مسند أحمد (١ / ٢٩٠ ، ٣٣٨ ، ٣٤١) ، مسند الطيالسي (ص ١٧١) ، سنن النسائي (٥ / ١٨٥) ، سنن البيهقي (٥ / ١٩٣) ، المحلّى لابن حزم (٧ / ٢٤٩) وقال : رويناه من طرق كلّها صحاح ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٥٨٦) ، تفسير القرطبي (٦ / ٣٢٢).

لفت نظر :

أخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن الكبرى (٥ / ١٩٣) من طريق عمرو بن أُميّة الضمري : أنّ الصعب بن جثامة أهدى للنبيّ عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. ثمّ قال : وهذا إسناد صحيح ، فإن كان محفوظاً فكأنّه ردّ الحيّ وقبل اللحم والله أعلم. انتهى.

لا أحسب هذا مبلغ علم البيهقي ، وإنّما أعماه حبّه لتبرير الخليفة في رأيه الشاذّ عن الكتاب والسنّة ، فرأى الضعيف صحيحاً ، وأتى في الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بما يأباه صريح لفظه ، ولهذه الغاية أخرج البخاري ذلك الصحيح المتسالم عليه في صحيحه (٢) (٣ / ١٦٥) وحذف منه كلمة : الشقّ ، والعجز ، والرجل ، والعضد ، واللحم. وتبعه في ذلك الجصّاص في أحكام القرآن (٣) (٢ / ٥٨٦) حيّا الله الأمانة.

وعقّب ابن التركماني رأي البيهقي فيما أخرجه فقال في شرح السنن الكبرى (٤) : قلت : هذا في سنده يحيى بن سليمان الجعفي عن ابن وهب ، أخبرني يحيى بن أيّوب هو

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٢٣ ح ٥٣ ـ ٥٤ كتاب الحج ، مسند أحمد : ١ / ٤٧٧ ح ٢٦٢٥ ، ص ٥٥٦ ح ٣١٢٢ ، ص ٥٦١ ح ٣١٥٨ ، السنن الكبرى : ٢ / ٣٧١ ح ٣٨٠٥ ، أحكام القرآن : ٢ / ٤٨١ ، الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ٢٠٨.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٦٤٩ ح ١٧٢٩.

(٣) أحكام القرآن : ٢ / ٤٨١.

(٤) الجوهر النقي : ٥ / ١٩٣.

٢٧٤

الغافقي المصري ، ويحيى بن سليمان ذكره الذهبي في الميزان (١) والكاشف (٢) عن النسائي أنّه ليس بثقة. وقال ابن حبّان (٣) : ربّما أغرب. والغافقي قال النسائي (٤) : ليس بذاك القوي. وقال أبو حاتم (٥) : لا يحتجّ به. وقال أحمد (٦) : كان سيّئ الحفظ يخطئ خطأً كثيراً ، وكذّبه مالك في حديثين ، فعلى هذا لا يشتغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح ، وقول البيهقي : ردّ الحيّ وقبل اللحم يردّه ما في الصحيح أنّه عليه‌السلام ردّه. انتهى.

٤ ـ عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن عبّاس ، عن عليّ بن أبي طالب قال : «أُتي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله» (٧).

مسند أحمد (١ / ١٠٥) ، سنن ابن ماجة (٢ / ٢٦٣).

٥ ـ عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أُمّ المؤمنين أنّها قالت له : يا ابن أُختي إنّما هي عشر ليال فإن يختلج في نفسك شيء فدعه. يعني أكل لحم الصيد (٨).

موطّأ مالك (١ / ٢٥٧) ، سنن البيهقي (٥ / ١٩٤) ، تيسير الوصول (١ / ٢٧٣).

٦ ـ عن نافع قال : أهدي إلى ابن عمر ظبي مذبوحة بمكة فلم يقبلها ، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كلّ حال.

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٤ / ٣٨٢ رقم ٩٥٣٢.

(٢) الكاشف : ٣ / ٢٥٨ رقم ٦٢٨٥.

(٣) الثقات : ٩ / ٢٦٣.

(٤) كتاب الضعفاء والمتروكين : ص ٢٤٩ رقم ٦٥٧.

(٥) الجرح والتعديل : ٩ / ١٢٧ رقم ٥٤٢.

(٦) العلل ومعرفة الرجال : ٣ / ٥٢ رقم ٤١٢٥.

(٧) مسند أحمد : ١ / ١٦٩ ح ٨٣٢ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٠٣٢ ح ٣٠٩١.

(٨) موطّأ مالك : ١ / ٣٥٤ ح ٨٥ ، تيسير الوصول : ١ / ٣٢٢ ح ٤٨.

٢٧٥

رواه ابن حزم في المحلّى (٧ / ٢٥٠) من طريق رجاله كلّهم ثقات.

ولو كان عند الخليفة علم بسنّة نبيه لعلّه لم يك يخالفها ، ولو كان عنده ما يجد به في الحجاج تجاه هذه السنّة الثابتة لأفاضه وما ترك النوبة لأتباعه ليحتجّوا له بعد لأي من عمر الدهر بما لا يغني من الحقّ شيئاً ، قال البيهقي في سننه (٥ / ١٩٤) : أمّا عليّ وابن عبّاس فإنّهما ذهبا إلى تحريم أكله على المحرم مطلقاً ، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومعهم حديث أبي قتادة وجابر والله أعلم. انتهى.

أمّاحديث أبي قتادة قال : انطلقت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الحديبيّة فأحرم أصحابي ولم أحرم ، فانطلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنت مع أصحابي فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ، فنظرت فإذا حمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته ، فاستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا منه ، فلحقت برسول الله وقلت : يا رسول الله إنّي أصبت حمار وحش ومعي منه فاضلة. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقوم : «كلوا» وهم محرمون (١).

فهو غير واف بالمقصود لأنّ قصّته كانت عام الحديبيّة السادس من الهجرة كما هو صريح لفظه ، وكثير من أحكام الحجّ شرّعت في عام حجّة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين المواقيت ولذلك ما كان أبو قتادة محرماًعند ذاك ، مع إحرام رسول الله وإحرام أصحابه. قال ابن حجر في فتح الباري (٢) (٤ / ١٩) : قيل : كانت هذه القصّة قبل أن يوقّت النبيّ المواقيت. وقال السندي في شرح سنن النسائي (٥ / ١٨٥) عند ذكر حديث أبي قتادة : قوله عام الحديبيّة بهذا تبيّن أنّ تركه الإحرام ومجاوزته الميقات بلا إحرام كان قبل أن تُقرّر المواقيت ، فإنّ تقرير المواقيت كان سنة حجّ الوداع كما روي عن أحمد.

__________________

(١) صحيح البخاري : ٣ / ١٦٣ [٢ / ٦٤٧ ح ١٧٢٦] ، صحيح مسلم : ١ / ٤٥٠ [٣ / ٢٤ ح ٥٦ كتاب الحج] ، سنن النسائي : ٥ / ١٨٥ [٢ / ٣٧١ ح ٣٨٠٧] سنن ابن ماجة : ٢ / ٣٦٣ [٢ / ١٠٣٣ ح ٣٠٩٣] ، سنن البيهقي : ٥ / ١٨٨. (المؤلف)

(٢) فتح الباري : ٤ / ٢٣.

٢٧٦

ومنها أحكام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر ما نزل من القرآن ، وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قرأها في حجّة الوداع وقال : «يا أيّها الناس إنّ سورة المائدة من آخر ما نزل فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها». وروي نحوه عن عائشة موقوفاً وصحّحه الحاكم وأقرّه ابن كثير ، وأخرجه أبو عبيد من طريق ضمرة بن حبيب ، وعطية بن قيس مرفوعاً (١)

فليس من البدع أن يكون غير واحد من مواضيع الحجّ لم يشرّع لها حكم في عام الحديبيّة ثمّ شرّع بعده ومنها هذه المسألة ، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام حاضراً في عام الحديبيّة وقد شاهد قصّة أبي قتادة كما شاهدها غيره ـ على فرض صحّتها ـ ومع ذلك أنكر على عثمان وكذلك الشهود الذين استنشدهم صلوات الله عليه فشهدوا له لم يعزب عنهم ما وقع في ذلك العام ، لكنّهم شهدوا على التشريع الأخير الثابت.

ولو كان لقصّة أبي قتادة مقيل من الصحّة أو وزن يقام لما ترك عثمان الاحتجاج بها لكنّه كان يعلم أنّ الشأن فيها كما ذكرناه ، وأنّ العمل قبل التشريع لا حجّيّة له ، وأفحمه الإمام عليه‌السلام بحجّته الداحضة ، فتوارى عن الحجاج في فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء.

وأمّا حديث جابر فقد أخرجه غير واحد من أئمّة الفقه والحديث ناصّين على ضعفه من طريق عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن حنطب ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صيد البرّ لكم حلال وأنتم حرم إلاّ ما اصطدتم وصيد لكم (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم : ٢ / ٣١١ [٢ / ٣٤٠ ح ٣٢١٠] ، تفسير القرطبي : ٦ / ٣١ [٦ / ٢٢] ، تفسير الزمخشري : ١ / ٤٠٣ [١ / ٦٠٢] ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٢ ، تفسير الخازن : ٢ / ٤٤٨ [١ / ٤٢٩] ، تفسير الشوكاني : ٢ / ١ [٢ / ٣]. (المؤلف)

(٢) كتاب الأُم : ٢ / ١٧٦ [٢ / ٢٠٨] ، سنن أبي داود : ١ / ٢٩١ [٢ / ١٧١ ح ١٨٥١] ، سنن النسائي : ٥ / ١٨٧ [٢ / ٣٧٢ ح ٣٨١٠] ، سنن البيهقي : ٥ / ١٩٠ ، المحلّى لابن حزم : ٧ / ٢٥٣ [المسألة ٨٩٢]. (المؤلف)

٢٧٧

قال النسائي في سننه : أبو عبد الرحمن عمرو بن أبي عمرو ليس بالقويّ في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك.

وقال ابن حزم في المحلّى : أمّا خبر جابر فساقط لأنّه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف.

وقال ابن التركماني في شرح سنن البيهقي (١) عند قول الشافعي : إنّ ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي (٢) : قلت : الدراوردي احتجّ به الشيخان وبقيّة الجماعة ، وقال ابن معين (٣) : ثقة حجّة ، ووثّقه القطّان وأبو حاتم (٤) وغيرهما ، وأمّا ابن أبي يحيى فلم يخرج له في شيء من الكتب الخمسة ، ونسبه إلى الكذب جماعة من الحفّاظ كابن حنبل وابن معين وغيرهما ، وقال بشر بن المفضل : سألت فقهاء المدينة عنه فكلّهم يقولون : كذّاب أو نحو هذا ، وسُئل مالك : أكان ثقة؟ فقال : لا ولا في دينه ، وقال ابن حنبل (٥) : كان قدريّا معتزليّا جهميّا كلّ بلاء فيه ، وقال البيهقي (٦) في التيمّم والنكاح : مختلف في عدالته. ومع هذا كلّه كيف يرجّح على الدراوردي؟

قال : ثمّ لو رجح عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول عمرو بن أبي عمرو مع اضطرابه في هذا الحديث متكلّم فيه. قال ابن معين (٧) : وأبو داود ليس بالقوي. زاد يحيى : وكان مالك يستضعفه. وقال السعدي : مضطرب الحديث.

قال : والمطلب قال فيه ابن سعد (٨) : ليس يحتجّ بحديثه لأنّه يرسل عن

__________________

(١) الجوهر النقي : ٥ / ١٩٠ ـ ١٩١.

(٢) الرجلان وردا في طريقي الشافعي للحديث. (المؤلف)

(٣) التاريخ : ٣ / ٢٣٠ رقم ١٠٧٩.

(٤) الجرح والتعديل : ٥ / ٣٩٥ رقم ١٨٣٣.

(٥) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٥٠٣ رقم ٣٣١٧.

(٦) سنن البيهقي : ١ / ٢٠٥ ، ٧ / ١٥٧.

(٧) التاريخ : ٣ / ١٩٤ رقم ٨٨٣.

(٨) الطبقات الكبرى ـ القسم المتمم ـ : ص ١١٦ رقم ٢١.

٢٧٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً ، وعامّة أصحابه يدلّسون ، ثمّ الحديث مرسل ، قال الترمذي (١) : المطلب لا يعرف له سماع من جابر. فظهر بهذا أنّ الحديث فيه أربع علل : إحداها : الكلام في المطلب. ثانيتها : أنّه ولو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل. ثالثتها : الكلام في عمرو. رابعتها : أنّه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مرّ. انتهى.

ثمّ ذكر ما استشكل به الطحاوي في الحديث من جهة النظر من قوله : إنّ الشيء لا يحرم على إنسان بنيّة غيره أن يصيد له.

هذا مجمل القول في حديث أبي قتادة وجابر ، فلا يصلحان للاعتماد ورفع اليد عن تلكم الصحاح المذكورة الثابتة ، ولا يخصّص بمثلهما عموم ، ولا يتمّ بهما تقييد مطلقات الكتاب ، والمعوّل عليه في المسألة هو كتاب الله العزيز والسنّة الشريفة الثابتة ، وما شذّ عنهما من رأي أيّ بشر يضرب به عرض الجدار (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢).

ـ ١٦ ـ

خصومة يرفعها الخليفة إلى عليّ

أخرج أحمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن أبيه : إنّ يحيس (٣) وصفيّة كانا من سبي الخمس ، فزنت صفيّة برجل من الخمس وولدت غلاماً ، فادّعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان ، فرفعهما عثمان إلى عليّ بن أبي طالب ، فقال عليّ : «أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وجلدهما خمسين خمسين (٤).

__________________

(١) سنن الترمذي : ٣ / ٢٠٤ ح ٨٤٦.

(٢) الجاثية : ١٨.

(٣) في مسند أحمد : يحنس. (المؤلف)

(٤) مسند أحمد : ١ / ١٠٤ [١ / ١٦٧ ح ٨٢٢] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٧٨ ، كنز العمّال : ٣ / ٢٢٧ [٦ / ١٩٨ ح ١٥٣٤٠]. (المؤلف)

٢٧٩

قال الأميني : هل علمت أنّه لما ذا ردّ الخليفة الحكم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ لقد رفعه إليه إن كنت لا تدري لأنّه لم يكن عنده ما يفصل به الخصومة ، ولعلّه كان ملأ سمعه قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) ويعلم في الجملة أنّ هناك فرقاً في كثير من الأحكام بين الأحرار والمملوكين ، لكن عزب عنه أنّ مسألة الحدّ أيضاً من تلكم الفروع ، فكأنّه لم يلتفت إلى قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) الآية (٢).

أو أنّ الآية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم حقيقتها ، لأنّ قيد ذاكرته أنّ حدّ المحصنات هو الرجم ، غير أنّه لم يتسنَّ له تعرّف أنّ الرجم لا يتبعّض فالذي يمكن تنصيفه من العذاب هو الجلد ، فالآية الشريفة دالّة بذلك على سقوط الرجم عن المحصنات من الإماء وإنّما عليهنّ نصف الجلد الثابت عليها في السنّة الشريفة (٣).

وأخرج أحمد في مسنده (٤) (١ / ١٣٦) من طريق أبي جميلة عن عليّ عليه‌السلام قال : «أرسلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمة له سوداء زنت لأجلدها الحدّ ، قال : فوجدتها في دمائها فأتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بذلك فقال لي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) النساء : ٢٥.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٤٨ [٦ / ٢٥٠٩ ح ٦٤٤٨] ، صحيح مسلم : ٢ / ٣٧ [٣ / ٥٣٥ ح ٣٠ كتاب الحدود] ، سنن أبي داود : ٢ / ٢٣٩ [٤ / ١٦٠ ح ٤٤٧٠ ـ ٤٤٧١] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١١٩ [٢ / ٨٥٧ ح ٢٥٦٦] ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٤٢ ، موطّأ مالك : ٢ / ١٧٠ [٢ / ٨٢٧ ح ١٦] ، كتاب الأُم : ٦ / ١٢١ [٦ / ١٣٥] ، تفسير القرطبي : ١٢ / ١٥٩ [١٢ / ١٠٧]. (المؤلف)

(٤) مسند أحمد : ١ / ٢١٩ ح ١١٤٦.

٢٨٠