الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

معاده (١) (٢ / ٢٦) ، فإن كان لأمّ المؤمنين هذا الحكم الخاصّ ، وجب أن تكون أُمومتها منتزعة من أُبوّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ ثبوت الحكم في الأصل أولى من الفرع ، لكن رسول الله كان يصلّي في أسفاره عامّة ركعتين ، وليس من الهيّن تغيير حكم الله بأمثال هذه السفاسف ، ولا من السهل نحت العذر لكلّ من يخالف حكماً من أحكام الدين لرأي ارتآه ، أو غلط وقع فيه ، أو لسياسة وقتيّة حدته إليه ، ولا ينقضي عجبي من العلماء الذين راقتهم أمثال هذه التافهات فدوّنوها في الكتب ، وتركوها أساطير من بعدهم يهزأ بها.

٥ ـ إنّ التقصير للمسافر رخصة لا عزيمة ، ذكره جمع ، وقال المحبّ الطبري في الرياض (٢) (٢ / ١٥١) : عذره في ذلك ظاهر ، فإنّه ممّن لم يوجب القصر في السفر. وتبعه في ذلك شرّاح صحيح البخاري ، وهذا مخالف لنصوص الشريعة ، والمأثورات النبويّة ، والسنّة الشريفة الثابتة عن النبيّ الأقدس ، وكلمات الصحابة ، وإليك نماذج منها :

١ ـ عن عمر : صلاة السفر ركعتان ، والجمعة ركعتان ، والعيد ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد. وفي لفظ : على لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

مسند أحمد (١ / ٣٧) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٢٩) ، سنن النسائي (٣ / ١١٨) ، سنن البيهقي (٣ / ١٩٩) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٣٠٨ ، ٣٠٩) ، المحلّى لابن حزم (٤ / ٢٦٥) ، زاد المعاد هامش شرح المواهب (٢ / ٢١) فقال : ثابت عن عمر.

٢ ـ عن يعلى بن أُميّة قال : سألت عمر بن الخطّاب قلت (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (٤) الآية. وقد أمن الناس؟ فقال : عجبت ممّا عجبت منه ،

__________________

(١) زاد المعاد : ١ / ١٢٩.

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ٨٩.

(٣) مسند أحمد : ١ / ٦٢ ح ٢٥٩ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٣٣٨ ح ١٠٦٣ ، السنن الكبرى : ١ / ٥٨٤ ح ١٨٩٨ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٢ ، زاد المعاد : ١ / ١٢٨.

(٤) النساء : ١٠١.

١٦١

فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (١)

صحيح مسلم (١ / ١٩١ ، ١٩٢) ، سنن أبي داود (١ / ١٨٧) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٢٩) ، سنن النسائي (٣ / ١١٦) ، سنن البيهقي (٣ / ١٣٤ ، ١٤١) ، أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٣٠٨) ، المحلّى لابن حزم (٤ / ٢٦٧).

٣ ـ عن عبد الله بن عمر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها. وفي لفظ : صحبت رسول الله فكان لا يزيد في السفر على الركعتين (٢). الحديث.

مسند أحمد (٢ / ٤٥) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٣٠) ، سنن النسائي (٣ / ١٢٣) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٣١٠) ، زاد المعاد هامش شرح المواهب للزرقاني (٢ / ٢٩) وصحّحه.

٤ ـ عن ابن عبّاس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة.

وفي لفظ لمسلم : إنّ الله عزّ وجلّ فرض الصلاة على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعاً (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ / ١٣٨ ح ٤ كتاب صلاة المسافرين ، سنن أبي داود : ٢ / ٣ ح ١٣٩٩ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٣٣٩ ح ١٠٦٥ ، السنن الكبرى : ١ / ٥٨٣ ح ١٨٩١ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٢.

(٢) مسند أحمد : ٢ / ١٣٧ ح ٥٠٢٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٣٣٩ ح ١٠٦٧ ، السنن الكبرى : ١ / ٥٨٨ ح ١٩١٦ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤ ، زاد المعاد : ١ / ١٢٩.

(٣) صحيح مسلم : ٢ / ١٣٨ ح ٥ و ٦ كتاب صلاة المسافرين ، مسند أحمد : ١ / ٥٨٥ ح ٣٣٢٢ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٣٣٩ ح ١٠٦٨ ، السنن الكبرى : ١ / ٥٨٥ ح ١٩٠٠ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥١ و ٢٥٤ ، الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٢٢٦ ، زاد المعاد : ١ / ١٢٨.

١٦٢

صحيح مسلم (١ / ٢٥٨) ، مسند أحمد (١ / ٣٥٥) ، سنن ابن ماجة (١ / ٣٣٠) ، سنن النسائي (٣ / ١١٩) ، سنن البيهقي (٣ / ١٣٥) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٣٠٧ ، ٣١٠) ، المحلّى لابن حزم (٤ / ٢٧١) فقال : ورويناه أيضاً من طريق حذيفة ، وجابر ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، وابن عمر كلّهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسانيد في غاية الصحّة.

تفسير القرطبي (٥ / ٣٥٢) ، تفسير ابن جزي (١ / ١٥٥) ، زاد المعاد لابن القيّم هامش شرح الزرقاني (٢ / ٢٢١) ، مجمع الزوائد (٢ / ١٥٤) من طريق أبي هريرة.

٥ ـ عن عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأُقرّت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر.

وفي لفظ ابن حزم من طريق البخاري : فرضت الصلاة ركعتين ، ثمّ هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففرضت أربعاً ، وتركت صلاة السفر على الأولى.

وفي لفظ أحمد : كان أوّل ما افترض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة ركعتان ركعتان إلاّ المغرب فإنّها كانت ثلاثة ، ثمّ أتمّ الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً في الحضر ، وأقرّ الصلاة على فرضها الأوّل في السفر.

راجع (١) : صحيح البخاري (١ / ١٥٩ و ٢ / ١٠٥ و ٥ / ١٧٢) ، صحيح مسلم (١ / ٢٥٧) ، موطّأ مالك (١ / ١٢٤) ، سنن أبي داود (١ / ١٨٧) ، كتاب الأم للشافعي (١ / ١٥٩) أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٣١٠) ، سنن البيهقي (٣ / ١٣٥) ، المحلّى (٤ / ٢٦٥) ، زاد المعاد (٢ / ٢١) ، تفسير القرطبي (٥ / ٣٥٢ ، ٣٥٨).

__________________

(١) مسند أحمد : ٧ / ٣٨٧ ح ٢٥٨٠٦ ، صحيح البخاري : ١ / ١٣٧ ح ٣٤٣ ، ص ٣٦٩ ح ١٠٤٠ و ٣ / ١٤٣١ ح ٣٧٢٠ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٣٧ ح ١ كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، موطّأ مالك : ١ / ١٤٦ ح ٨ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣ ح ١١٩٨ ، كتاب الأم : ١ / ١٨٠ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤ ، زاد المعاد : ١ / ١٢٨ ، الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٢٢٦.

١٦٣

٦ ـ عن موسى بن مسلمة قال : قلت لابن عباس : كيف أُصلّي بمكة إذا لم أُصلِّ في جماعة؟ قال : ركعتين ؛ سنّة أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

مسند أحمد (١ / ٢٩٠ ، ٣٣٧) ، صحيح مسلم (١ / ٢٥٨) ، سنن النسائي (٣ / ١١٩).

٧ ـ عن أبي حنظلة قال : سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال : ركعتان سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي لفظ البيهقي : قصر الصلاة في السفر سنّة سنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

مسند أحمد (٢) (٢ / ٥٧) ، سنن البيهقي (٣ / ١٣٦).

٨ ـ عن عبد الله بن عمر قال : الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر.

سنن البيهقي (٣ / ١٤٠) ، المحلّى لابن حزم (٤ / ٢٧٠) ، أحكام القرآن للجصّاص (٣) (٢ / ٣١٠) ، المعجم الكبير للطبراني كما في مجمع الزوائد (٢ / ١٥٤) وقال : رجاله رجال الصحيح.

٩ ـ عن ابن عبّاس قال : من صلّى في السفر أربعا كمن صلّى في الحضر ركعتين.

مسند أحمد (٤) (١ / ٣٤٩) ، المحلّى (٤ / ٢٧٠).

١٠ ـ عن ابن عبّاس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج مسافراً صلّى ركعتين حتى يرجع. وفي لفظ : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج لم يزد على ركعتين حتى يرجع (٥).

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٤٧٧ ح ٢٦٢٧ ، ص ٥٥٤ ح ٣١٠٩ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٣٩ ح ٧ كتاب صلاة المسافرين ، السنن الكبرى : ١ / ٥٨٥ ح ١٩٠١ و ١٩٠٢.

(٢) مسند أحمد : ٢ / ١٦٠ ح ٥١٩١.

(٣) أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٤١٢ ح ٧٨٤٢.

(٤) مسند أحمد : ١ / ٥٧٥ ح ٣٢٥٨.

(٥) مسند أحمد : ١ / ٤٦٩ ح ٢٥٧٠ ، ص ٥٨٧ ، ح ٣٣٣٩ ، أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤.

١٦٤

مسند أحمد (١ / ٢٨٥ ، ٣٥٦) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ٣٠٩).

١١ ـ عن عمران بن حصين قال : ما سافرت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفراً قطّ إلاّ صلّى ركعتين حتى يرجع ، وحججت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان يصلّي ركعتين حتى يرجع إلى المدينة ، وأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلّي إلاّ ركعتين وقال لأهل مكة : صلّوا أربعاً فإنّا قوم سفر (١).

راجع سنن البيهقي (٣ / ١٣٥) ، أحكام القرآن للجصّاص (٣ / ٣١٠).

وعن عمران في لفظ آخر : ما سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ صلّى ركعتين إلاّ المغرب. أخرجه أبو داود وأحمد كما في مجمع الزوائد (٢ / ١٥٥).

١٢ ـ عن عمر بن الخطّاب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صلاة المسافر ركعتان حتى يئوب إلى أهله أو يموت. أحكام القرآن للجصّاص (٢) (٣ / ٣١٠).

١٣ ـ عن إبراهيم : إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه صلّى الظهر بمكة ركعتين ، فلمّا انصرف قال : يا أهل مكة إنّا قوم سفر ، فمن كان منكم من أهل البلد فليكمل. فأكمل أهل البلد.

الآثار للقاضي أبي يوسف (ص ٣٠ ، ٧٥) ، وراجع ما مرّ صفحة (١٠٧) من هذا الجزء.

١٤ ـ عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يصلّي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة (٣).

__________________

(١) أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٩ ح ١٢٢٩ ، مسند أحمد : ٥ / ٥٩٤ ح ١٩٣٦٤.

(٢) أحكام القرآن : ٢ / ٢٥٤.

(٣) صحيح البخاري : ١ / ٣٦٧ ح ١٠٣١ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٤١ ح ١٥ كتاب صلاة المسافرين ، مسند أحمد : ٤ / ٤٠ ح ١٢٦٥٣.

١٦٥

صحيح البخاري (٢ / ١٥٣) ، صحيح مسلم (١ / ٣٦٠) ، مسند أحمد (٣ / ١٩٠) ، سنن البيهقي (٣ / ١٣٦ ، ١٤٥).

١٥ ـ عن عبد الله بن عمر قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتانا ونحن في ضلال فعلّمنا ، فكان فيما علّمنا : أنّ الله عزّ وجلّ أمرنا أن نصلّي ركعتين في السفر (١).

أخرجه النسائي كما مرّ في تفسير الخازن (١ / ٤١٢) ، ونيل الأوطار (٣ / ٢٥٠).

١٦ ـ عن أبي الكنود عبد الله الأزدي قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان نزلتا من السماء ، فان شئتم فردّوهما.

أخرجه الطبراني في الصغير (٢) كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي (٢ / ١٥٤) فقال : رجاله موثّقون.

١٧ ـ عن السائب بن يزيد الكندي قال : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثمّ زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢ / ١٥٥) : رواه الطبراني في الكبير (٣) ورجاله رجال الصحيح.

١٨ ـ عن ابن مسعود قال : من صلّى في السفر أربعاً أعاد الصلاة.

أخرجه الطبراني (٤) كما في مجمع الزوائد (٢ / ١٥٥).

١٩ ـ عن حفص بن عمر قال : انطلق بنا أنس بن مالك إلى الشام إلى عبد الملك

__________________

(١) تفسير الخازن : ١ / ٣٩٥ ، نيل الأوطار : ٣ / ٢٣٢.

(٢) المعجم الصغير : ٢ / ٨٤ ، وفيه : فردّوها.

(٣) المعجم الكبير : ٧ / ١٥٥ ح ٦٦٧٦.

(٤) المعجم الكبير : ٩ / ٢٨٩ ح ٩٤٥٩.

١٦٦

ونحن أربعون رجلاً من الأنصار ليفرض لنا ، فلمّا رجع وكنّا بفجّ الناقة صلّى بنا الظهر (١) ركعتين ثمّ دخل فسطاطه ؛ وقام القوم يضيفون إلى ركعتيهم ركعتين أُخريين فقال : قبّح الله الوجوه ، فو الله ما أصابت السنّة ولا قبلت الرخصة ، فأشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ قوماً (٢) يتعمّقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرميّة».

أخرجه أحمد في المسند (٣) (٣ / ١٥٩) ، وذكره الهيثمي في المجمع (٢ / ١٥٥).

٢٠ ـ عن سلمان قال : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فصلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة حتى قدم المدينة وصلاّها بالمدينة ما شاء الله ، وزيد في صلاة الحضر ركعتين وتركت الصلاة في السفر على حالها.

رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (٢ / ١٥٦).

٢١ ـ عن ثمامة بن شراحيل قال : خرجت إلى ابن عمر فقلت : ما صلاة المسافر؟ قال : ركعتين ركعتين إلاّ صلاة المغرب ثلاثاً. قلت : أرأيت إن كنّا بذي المجاز؟ قال : ما ذو المجاز؟ قلت : مكان نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة. فقال : يا أيّها الرجل كنت بآذربيجان لا أدري قال : أربعة أشهر أو شهرين ، فرأيتهم يصلّونها ركعتين ركعتين ، ورأيت نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصر عيني يصلّيها ركعتين ، تمّ نزع إليّ بهذه الآية : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٤).

أخرجه أحمد في المسند (٥) (٢ / ١٥٤).

__________________

(١) في مسند أحمد : صلّى بنا العصر.

(٢) في المسند : أقواماً.

(٣) مسند أحمد : ٣ / ٦٣٣ ح ١٢٢٠٤.

(٤) الأحزاب : ٢١.

(٥) مسند أحمد : ٢ / ٣٣٠ ح ٦٣٨٨.

١٦٧

٢٢ ـ أخرج أحمد في المسند (١) (٢ / ٤٠٠) من طريق أبي هريرة قال : أيّها الناس إنّ الله عزّ وجلّ فرض لكم على لسان نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين.

٢٣ ـ عن عمر بن عبد العزيز قال : الصلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصحّ غيرهما. ذكره ابن حزم في المحلّى (٤ / ٢٧١).

وذهب عمر وابنه ، وابن عبّاس ، وجابر ، وجبير بن مطعم ، والحسن ، والقاضي إسماعيل ، وحمّاد بن أبي سليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة والكوفيّون إلى أنّ القصر واجب في السفر. كما في تفسير القرطبي (٢) (٥ / ٣٥١) ، وتفسير الخازن (٣) (١ / ٤١٣).

أترى مع هذه الأحاديث مجالاً للقول بأنّ القصر في السفر رخصة لا عزيمة؟ ولو كان يسوغ الإتمام في السفر لكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعرب عنه بقول أو بفعل ، ولو بإتيانه في العمر مرّة لبيان جوازه كما كان يفعل في غير هذا المورد ، أخرج مسلم في صحيحه (٤) من حديث بريدة قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ عند كلّ صلاة ، فلمّا كان يوم الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر : إنّك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه. فقال : «عمداً صنعته يا عمر» قال الشوكاني في نيل الأوطار (٥) (١ / ٢٥٨) بعد ذكر الحديث : أي لبيان الجواز.

وأخرج أحمد (٦) وأبو يعلى (٧) عن عائشة قالت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بال فقام

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ١١٥ ح ٨٩٤٧.

(٢) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٢٢٦.

(٣) تفسير الخازن : ١ / ٣٩٦.

(٤) صحيح مسلم : ١ / ١٢٢ [١ / ٢٩٤ ح ٨٦ كتاب الطهارة]. (المؤلف)

(٥) نيل الأوطار : ١ / ٢٤٨.

(٦) مسند أحمد : ٧ / ١٣٨ ح ٢٤١٢٢.

(٧) مسند أبي يعلى : ٨ / ٢٦٢ ح ٤٨٥٠.

١٦٨

عمر خلفه بكوز فقال : ما هذا يا عمر؟ فقال : ماء تتوضّأ به يا رسول الله. قال : «ما أُمرت كلّما بلت أن أتوضّأ ولو فعلت كانت سنّة». مجمع الزوائد (١ / ٢٤١). وكم للحديثين من نظير في أبواب الفقه!

ولو كان هناك ترخيص لما خفي على أكابر الصحابة حتى نقدوا عثمان نقداً مرّا وفنّدوا معاذيره وفيهم مولانا أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو باب مدينة علم النبيّ ، ومستقى أحكام الدين من بعده ، يعرف رُخصها من عزائمها قبل كلّ الصحابة ، فهل يعزب عنه حكم الصلاة وهو أوّل من صلّى من ذكر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

حتى إنّ الخليفة نفسه لم يفُه بهذا العذر البارد ، ولو كان يعرف شيئاً ممّا قالوه لما أرجأ بيانه إلى هؤلاء المدافعين عنه ، ولما كان في منصرم معاذيره بعد أن أعوزته أنّه رأي رآه ، ولما كان تابعه على ذلك من تابعه محتجّا بدفع شرّ الخلاف فحسب من دون أيّ تنويه بمسألة الرخصة.

وأنت تعرف بعد هذه الأحاديث قيمة قول المحبّ الطبري في رياضه النضرة (١) (٢ / ١٥١) : إنّها مسألة اجتهاديّة ولذلك اختلف فيها العلماء ، فقوله ـ يعني عثمان ـ فيها لا يوجب تكفيراً ولا تفسيقاً. انتهى.

خفي على المغفّل أنّ الاجتهاد في تجاه النصّ لا مساغ له ، وأنّ المسألة لم يكن فيها خلاف إلى يوم أُحدوثة عثمان بل كانت السنّة الثابتة عند جميع الصحابة بقول واحد وجوب القصر للمسافر ، وما كان عمل الخليفة إلاّ مجرّد رأي رآه خلاف سنّة أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعرب عن جليّة الحال صحيح أحمد الآتي في ترجمة مروان وفيه : إنّ معاوية لمّا قدم مكة صلّى الظهر قصراً فنهض إليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك ما عبته به ، فقال لهما : وما ذاك؟ فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟ قال لهما : ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع

__________________

(١) الرياض النضرة : ٣ / ٨٩.

١٦٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر وعمر. قالا : فإنّ ابن عمّك قد أتمّها وإنّ خلافك إيّاه له عيب ، فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها أربعاً. واختلاف العلماء بعدُ لا قيمة له قطّ ويضرب به عرض الجدار بعد ثبوت السنّة ، وليس إلاّ لتبرير ساحة الرجل ، وأنّى؟ بل عمله يدنّس ذيل كلّ مبرّر ، وأمّا عدم إيجاب القول بالإتمام للمسافر الكفر أو الفسق وإيجابه ذلك ، فالمرجع فيه الحديث الثامن المذكور (ص ١١٢) من صحيحة عبد الله بن عمر قال : الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر.

الدين عند السلف سياسة وقتيّة :

تعطينا هذه الروايات الواردة في صلاة الخليفة درساً ضافياً صافقه الاستقراء لكثير من الموارد ، أنّ كثيرين من الصحابة ما كان يحجزهم الدين عن مخالفة التعاليم المقرّرة وكانوا يقدّمون عليها سياسة الوقت ، وإلاّ فلا وجه لتربيعهم الصلاة وهم يرون أنّ المشروع خلافه لمحض أنّ الخلاف شرّ ، وهم أو من ناضل عنهم وحكم بعدالتهم أجمع لا يرون جواز التقيّة ، فعبدالله بن عمر يتّبع الخليفة في أحدوثته ، وكان يتمّ إذا صلّى مع الإمام ، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين ، وفي لسانه قوله : الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر (١) ، وبمسمع منه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله لا يقبل عمل امرئٍ حتى يتقنه». قيل : وما إتقانه؟ قال : «يخلصه من الرياء والبدعة» (٢). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» (٣).

وهذا عبد الله بن مسعود يرى السنّة في السفر ركعتين ، ويحدّث بها ثمّ يتمّ معتذراً بأنّ عثمان كان إماماً فما أُخالفه والخلاف شرّ. كما مرّ في (ص ٩٩).

__________________

(١) راجع صفحة ١١٢ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) بهجة النفوس للحافظ ابن أبي جمرة الأزدي الأندلسي : ٤ / ١٦٠ [ح ٢٤١]. (المؤلف)

(٣) المحلّى : ٧ / ١٩٧ [المسألة ٨٦٦]. (المؤلف)

١٧٠

وهذا عبد الرحمن بن عوف لم يكن يرى للخليفة عذراً فيما أتى به من إتمام الصلاة في السفر ، ويقول له مجيباً عن أعذاره : ما من هذا شيء لك فيه عذر. ويسمع منه قوله : إنّه رأي رأيته. خلافاً للسنّة الثابتة ، ومع ذلك كلّه يصلّي أربعاً بعد ما سمع من بن مسعود بأنّ الخلاف شرّ (١). لما ذا كانت مخالفة عثمان شرّا ، ولم تكن مخالفته ومخالفتهم على ناموس الشريعة ونبيّها شرّا؟ دعني واسأل الصحابة الأوّلين.

وهذا عليّ أمير المؤمنين المقتصّ الوحيد أثر النبيّ الأعظم يؤتى به للصلاة ـ كما مرّ في (ص ١٠٠) ـ فيقول : «إن شئتم صلّيت بكم صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتين». فيقال له : لا إلاّ صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً. فيأبى ولا يبالون.

نعم ، لم تكن الأحكام عند أُولئك الخلفاء الذين أدخلوا آراءهم الشاذّة في دين الله والذين اتّبعوهم إلاّ سياسة وقتيّة يدور بها الأمر والنهي ، ويتغيّر بتغيّرها الآراء حيناً بعد حين ؛ فترى الأوّل منهم يقول على رءوس الأشهاد : لئن أخذتموني بسنّة نبيّكم لا أطيقها. وقد جاء النبيّ الأعظم بسنّة سهلة سمحة. ويقول : إنّي أقول برأيي إن يك صواباً فمن الله ، وإن يك خطأً فمنّي ومن الشيطان. راجع الجزء السابع (ص ١٠٤ ، ١١٨ ، ١١٩).

ويأتي بعده من يفتي بترك الصلاة للجنب الفاقد للماء ولا يبالي ، وقد علّمه النبيّ الأعظم التيمّم فضلاً عمّا في الكتاب والسنّة. راجع (٦ / ٨٣).

وكان لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الركعة الأولى ، ويكرّرها في الثانية تارة ، وأُخرى لم يقرأها في ركعاتها ، ويقتصر على حسن الركوع والسجود ، وطوراً يتركها ولم يقرأ شيئاً ثمّ يعيد. راجع (٦ / ١٠٨).

وكان ينهى عن التطوّع بالصلاة بعد العصر ، ويضرب بالدرّة من تنفّل بها ،

__________________

(١) راجع من هذا الجزء : ص ٩٩. (المؤلف)

١٧١

والناس تخبره بأنّه سنّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لا يصيخ إلى ذلك ، كما مرّ في الجزء (٦ / ١٨٤).

وتراه يحكم في الجدّ بمائة قضيّة كلها ينقض بعضها بعضاً ، كما مرّ حديثه في الجزء (٦ / ١١٦).

وثبت عنه قوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما. كما فصّلناه في (٦ / ٢١٠).

وجاء عنه قوله : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. راجع الجزء (٦ / ٢١٣).

إلى قضايا أخرى لدة هذه أسلفناها في الجزء السادس في نوادر الأثر في علم عمر.

وهذا عثمان يخالف السنّة الثابتة في مثل الصلاة عماد الدين ، ويعتذر بقوله : إنّه رأي رأيته.

ويحدث أذاناً بعد الأذان والإقامة ، ويتّخذه الملأ الإسلامي سنّةً في الحواضر الإسلاميّة.

وينهى عليّا أمير المؤمنين عن متعة الحج ، وهو يسمع منه

قوله : «لم أكن لأدع سنّة رسول الله لقول أحد من الناس».

ويأخذ الزكاة من الخيل ، وقد عفى الله عنها بلسان نبيّه الأقدس.

ويقدّم الخطبة على الصلاة في العيدين خلاف السنّة المسلّمة.

ويترك القراءة في الأوليين ، ويقضيها في الأخريين.

ويرى في عدّة المختلعة ما يخالف السنّة المتسالم عليها ؛ واتّخذ في الأموال

١٧٢

والصدقات سيرة دون ما قرّره الكتاب والسنّة ، إلى كثير من الآراء الشاذّة عن مقرّرات الإسلام المقدّس ، وسيوافيك تفصيلها.

وهذا معاوية ، وما أدراك ما معاوية؟! يتّبع أثر النبيّ الأعظم في صلاة ظهره فيأتيه مروان وابن عثمان فيزحزحانه عن هديه ، فيخالف السنّة الثابتة ـ باعتراف منه ـ في صلاة عصره ، اتّباعاً لسياسة الوقت ، وإحياءً لبدعة ابن عمّه ، وإماتة لشرعة المصطفى ، تزلّفاً إلى مثل مروان وابن عثمان.

وتراه يحكم بجواز الجمع بين الأختين المملوكتين ، ويعترض عليه الناس فلا يبالي (١).

ويحلّل الربا ؛ وفي كتاب الله العزيز : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (٢) فأخبره أبو الدرداء أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع باعه ، فقال معاوية : ما أرى بهذا بأساً ، فقال أبو الدرداء : من يعذرني من معاوية ، أخبره عن رسول الله ، ويخبرني عن رأيه. لا أساكنك بأرض ؛ فخرج من ولاية معاوية. اختلاف الحديث للشافعي (٣) هامش كتابه الأم (٧ / ٢٣).

وأخذ ألف دينار دية الذمّي ، وجعل خمسمائة في بيت المال ، وخمسمائة لأهل القتيل. بدعة مسلّمة خلاف سنّة الله (٤).

وأمر بالأذان في العيدين ، ولا أذان فيهما ، ولا أذان إلاّ في المكتوبة. ذكره الشافعي في كتاب الأُم (٥) (١ / ٢٠٨).

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٢ / ١٣٧ [٢ / ٤٧٧]. (المؤلف)

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) اختلاف الحديث : ص ٤٨٠.

(٤) كتاب الديات لأبي عاصم الضحاك : ص ٥٠. (المؤلف)

(٥) كتاب الأُم : ١ / ٢٣٥.

١٧٣

وأخذ من الأعطية زكاة ، وهو أوّل من أحدثها ،كما في كتاب الأُم (١)(٢ / ١٤).

وهو أوّل من نقص التكبير ، كما أخرجه ابن أبي شيبة.

وأُتي إليه بلصوص ، فقطع بعضهم ، وعفى عن أحدهم لسماعه منه ومن أُمّه كلاماً يروقه ، كما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية (٢) (ص ٢١٩) ، وابن كثير في تاريخه (٣) (٨ / ١٣٦).

وقدّم الخطبة على الصلاة في العيدين كما يأتي تفصيله والمسنون خلافه.

وسنّ لعن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وأمر به الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة في جميع الحواضر الإسلاميّة.

فكن على بصيرةٍ من أمرك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٤) ، (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) (٥) ، (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٦).

ـ ٣ ـ

إبطال الخليفة الحدود

أخرج البلاذري في الأنساب (٥ / ٣٣) من طريق محمد بن سعد ، بالإسناد عن أبي اسحاق الهمداني : أنّ الوليد بن عقبة شرب فسكر فصلّى بالناس الغداة ركعتين (٧)

__________________

(١) كتاب الأُم : ٢ / ١٧.

(٢) الأحكام السلطانيّة : ١ / ٢٢٨.

(٣) البداية والنهاية : ٨ / ١٤٥ حوادث سنة ٦٠ ه‍.

(٤) الجاثية : ١٨.

(٥) المائدة : ٤٩.

(٦) الجاثية : ٢١.

(٧) هكذا في الأنساب وصحيح مسلم [٣ / ٥٣٩ ح ٣٨ كتاب الحدود] وأما بقيّة المصادر فكلّها مطبقة على أربع ركعات وستوافيك إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

١٧٤

ثم التفت فقال : أزيدكم؟ فقالوا : لا قد قضينا صلاتنا ، ثمّ دخل عليه بعد ذلك أبو زينب وجندب بن زهير الأزدي وهو سكران فانتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكراً.

قال أبو إسحاق : وأخبرني مسروق أنّه حين صلّى لم يَرِمْ حتى قاء ، فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر : أبو زينب ، وجندب بن زهير ، وأبو حبيبة الغفاري ، والصعب بن جثامة ، فأخبروا عثمان خبره ، فقال عبد الرحمن بن عوف : ماله؟ أجنّ؟ قالوا : لا ، ولكنّه سكر. قال : فأوعدهم عثمان وتهدّدهم ، وقال لجندب : أنت رأيت أخي (١) يشرب الخمر؟ قال. معاذ الله ، ولكنّي أشهد أنّي رأيته سكران يقلسها من جوفه ، وأنّي أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل.

قال أبو إسحاق : فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان ، وأنّ عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : أنّ عثمان أبطل الحدود وتوعّد الشهود.

وقال الواقدي : وقد يقال : إنّ عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً ، فأتوا عليّا فشكوا ذلك إليه. فأتى عثمان فقال : «عطّلت الحدود وضربت قوماً شهدوا على أخيك فقلّبت الحكم ، وقد قال عمر : لا تحمل بني أُميّة وآل أبي معيط خاصّة على رقاب الناس» قال : فما ترى؟ قال : «أرى أن تعزله ولا تولّيه شيئاً من أُمور المسلمين ، وأن تسأل عن الشهود فإن لم يكونوا أهل ظنّة ولا عداوة أقمت على صاحبك الحدّ».

قال : ويقال : إنّ عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها ، وقال : وما أنت وهذا؟ إنّما أُمِرتِ أن تقرّي في بيتك. فقال قوم مثل قوله : وقال آخرون : ومن أولى بذلك منها ، فاضطربوا بالنعال ، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأخرج من عدّة طرق : أنّ طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له : قد نهيناك عن

__________________

(١) كان الوليد أخاه لأمّه ، أمّهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. (المؤلف)

١٧٥

تولية الوليد شيئاً من أُمور المسلمين فأبيت وقد شُهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله ، وقال له عليّ : «اعزله وحُدّه إذا شهد الشهود عليه في وجهه». فولّى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد ، فلمّا قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمامة وأشخص الوليد ، فلمّا شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحدّه ألبسه جبّة حبر وأدخله بيتاً ، فجعل إذا بعث إليه رجلاً من قريش ليضربه قال له الوليد : أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين عليك. فيكفّ. فلمّا رأى ذلك عليّ ابن أبي طالب أخذ السوط ودخل عليه ومعه ابنه الحسن ، فقال له الوليد مثل تلك المقالة ، فقال له الحسن : صدق يا أبتِ ، فقال عليّ : ما أنا إذاً بمؤمن. وجلده بسوط له شعبتان ؛ وفي لفظ : فقال عليّ للحسن ابنه : قم يا بنيّ فاجلده ، فقال عثمان : يكفيك ذلك بعض من ترى ، فأخذ عليّ السوط ومشى إليه فجعل يضربه والوليد يسبّه ؛ وفي لفظ الأغاني : فقال له الوليد : نشدتك بالله وبالقرابة ، فقال له عليّ : «اسكت أبا وهب فإنّما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود» فضربه وقال : «لتدعوني قريش بعد هذا جلاّدها».

قالوا : وسئل عثمان أن يحلق ، وقيل له : إنّ عمر حلق مثله ، فقال : قد كان فعل ذلك ثمّ تركه.

وقال أبو مخنف وغيره : خرج الوليد بن عقبة لصلاة الصبح وهو يميل فصلّى ركعتين ثمّ التفت إلى الناس فقال : أزيدكم؟ فقال له عتاب بن علاق أحد بني عوافة بن سعد وكان شريفاً : لا زادك الله مزيد الخير ، ثمّ تناول حفنة من حصى فضرب بها وجه الوليد وحصبه الناس وقالوا : والله ما العجب إلاّ ممّن ولاّك ، وكان عمر بن الخطّاب فرض لعتّاب هذا مع الأشراف في ألفين وخمسمائة. وذكر بعضهم : أنّ القيء غلب على الوليد في مكانه ، وقال يزيد بن قيس الأرحبي ومعقل بن قيس الرياحي : لقد أراد عثمان كرامة أخيه بهوان أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفي الوليد يقول الحطيئة جرول بن أوس بن مالك العبسي :

١٧٦

شهد الحطيئةُ يوم يلقى ربَّه

أنّ الوليدَ أحقُّ بالعذرِ

نادى وقد نفدت (١) صلاتُهمُ

أأزيدُكم؟ ثملاً وما يدري

ليزيدهم خيراً ولو قبلوا

منهُ لزادهمُ على عشرِ

فأبوا أبا وهبٍ ولو فعلوا

لقرنتَ بين الشفع والوترِ

حبسوا عنانَكَ إذ جَريتَ ولو

خلَّوا عنانَكَ لم تزل تجري (٢)

وذكر أبو الفرج في الأغاني (٣) (٤ / ١٧٨) ، وأبو عمر في الاستيعاب (٤) بعد هذه الأبيات للحطيئة أيضاً قوله :

تكلّمَ في الصلاة وزاد فيها

علانيةً وجاهر بالنفاقِ

ومجَّ الخمرَ في سنن المصلّى

ونادى والجميع إلى افتراقِ

أزيدكمُ على أن تحمدوني

فما لكمُ وما لي من خلاقِ

ثمّ قال أبو عمر : وخبر صلاته بهم وهو سكران وقوله : أزيدكم؟ بعد أن صلّى الصبح أربعاً مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار.

وهكذا جاء (٥) في مسند أحمد (١ / ١٤٤) ، سنن البيهقي (٨ / ٣١٨) ، تاريخ اليعقوبي (٢ / ١٤٢) وقال : تهوّع في المحراب. كامل ابن الأثير (٣ / ٤٢) ، أُسد الغابة (٥ / ٩١ ، ٩٢) وقال : قوله لهم : أزيدكم؟ بعد أن صلّى الصبح أربعاً مشهور من رواية الثقات من

__________________

(١) في الأغاني : ٤ / ١٧٨ ، ١٧٩ [٥ / ١٣٨ ، ١٤٠] : تمّت. بدل نفدت. (المؤلف)

(٢) وفي الأغاني : ٤ / ١٧٩ [٥ / ١٤٠] ، حول هذه الأبيات رواية لا تخلو عن فائدة. (المؤلف)

(٣) الأغاني : ٥ / ١٣٩.

(٤) الاستيعاب : القسم الرابع / ١٥٥٥ رقم ٢٧٢١.

(٥) مسند أحمد : ١ / ٢٣٣ ح ١٢٣٤ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٥ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٤٦ حوادث سنة ٣٠ ه‍ ، أُسد الغابة : ٥ / ٤٥٢ رقم ٥٤٦٨.

١٧٧

أهل الحديث. ثمّ ذكر حديث الطبري (١) في تعصّب القوم على الوليد وقول عثمان له : يا أخي اصبر فإنّ الله يؤجرك ويبوء القوم بإثمك. فقال : قال أبو عمر (٢) : والصحيح عند أهل الحديث أنّه شرب الخمر وتقيّأها ، وصلّى الصبح أربعاً.

تاريخ أبي الفدا (١ / ١٧٦) ، الإصابة (٣ / ٦٣٨) وقال : قصّة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرجة ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (٣) (ص ١٠٤) ، السيرة الحلبيّة (٤) (٢ / ٣١٤) وقال : صلّى بأهل الكوفة أربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده : اشرب واسقني. ثمّ قاء في المحراب ثمّ سلّم وقال : هل أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود رضى الله عنه : لا زادك الله خيراً ولا من بعثك إلينا ، وأخذ فردة خفّه وضرب به وجه الوليد وحصبه الناس ، فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنّح. إلخ.

وحكى أبو الفرج في الأغاني (٥) (٤ / ١٧٨) عن أبي عبيد والكلبي والأصمعي : أنّ الوليد بن عقبة كان زانياً شرّيب خمر فشرب الخمر ، بالكوفة وقام ليصلّي بهم الصبح في المسجد الجامع ، فصلّى بهم أربع ركعات ثمّ التفت إليهم وقال لهم : أزيدكم؟ وتقيّأ في المحراب وقرأ بهم في الصلاة وهو رافع صوته :

علقَ القلبُ الربابا

بعد ما شابت وشابا

وذكره في (ص ١٧٩) نقلاً عن عمر بن شبة ، وروى من طريق المدائني في

__________________

(١) أخرجه في تاريخه : ٥ / ٦٠ ، ٦١ [٤ / ٢٧٣] ، من طريق مجمع على بطلانه عن كذّاب عن مجهول عن وضّاع متّهم بالزندقة وهم : السري عن شعيب عن سيف بن عمر ، وسيوافيك تفصيل القول في هذا الطريق الوعر وأنّه شوّه تاريخ الطبري. (المؤلف)

(٢) الاستيعاب : القسم الرابع / ١٥٥٦ رقم ٢٧٢١.

(٣) تاريخ الخلفاء : ص ١٤٤.

(٤) السيرة الحلبيّة : ٢ / ٢٨٤.

(٥) الأغاني : ٥ / ١٣٩ ، ١٤١ ، ١٤٣.

١٧٨

صفحة (١٨٠) عن الزهري أنّه قال : خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال : أكلّما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل؟ لئن أصبحت لكم لأُنكلنّ بكم ، فاستجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة ، فقال : أما يجد مُرّاق أهل العراق وفسّاقهم ملجأ إلاّ بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت : تركت سنّة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل : أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ، ودخل رهط من أصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له : اتّق الله لا تعطّل الحدّ واعزل أخاك عنهم ، فعزله عنهم.

وأخرج من طريق مطر الورّاق قال : قدم رجل المدينة فقال لعثمان رضى الله عنه : إنّي صلّيت الغداة خلف الوليد بن عقبة فالتفت إلينا فقال : أزيدكم؟ إنّي أجد اليوم نشاطاً ، وأنا أشمّ منه رائحة الخمر. فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطّلت الحدود ، وضربت الشهود.

وروى ابن عبد ربّه قصّة الصلاة في العقد الفريد (١) (٢ / ٢٧٣) وفيه : صلّى بهم الصبح ثلاث ركعات وهو سكران. إلخ.

وجاء في صحيح البخاري (٢) في مناقب عثمان في حديث : قد أكثر الناس فيه. قال ابن حجر في فتح الباري (٣) (٧ / ٤٤) في شرح الجملة المذكورة : ووقع في رواية معمر : وكان أكثر الناس فيما فعل به ، أي من تركه إقامة الحدّ عليه ـ على الوليد ـ وإنكارهم عليه عزل سعد بن أبي وقّاص.

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١١٩.

(٢) صحيح البخاري : ٣ / ١٣٥١ ح ٣٤٩٣.

(٣) فتح الباري : ٧ / ٥٦.

١٧٩

قال الأميني : الوليد هو هذا الذي تسمع حديثه وسنوقفك في هذا الجزء والأجزاء الآتية إن شاء الله على حقيقته حتى كأنّك مطلّ عليه من أمَم ، تراه يشرب الخمر ، ويقيء في محرابه ، ويزيد في الصلاة من سَورة السكر ، ويُنتزع خاتمه من يده فلا يشعر به من شدّة الثمل ، وقد عرّفه الله تعالى قبل يومه هذا بقوله عزّ من قائل (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) سورة السجدة : (١٨) (١). وبقوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢). وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب (٣) (٢ / ٦٢٠) : لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله عزّ وجلّ (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) نزلت في الوليد. وحكاها عنه ابن الأثير في أُسد الغابة (٤) (٥ / ٩٠).

فهل من الممكن أن يحوز مثله حنكة الولاية عن إمام المسلمين؟ فيحتنك النفوس ويستحوذ على الأموال ، ويستولي على النواميس والأعراض ، وتؤخذ منه الأحكام وتُلقى إليه أزمّة البسط والقبض في حاضرة المسلمين ، ويؤمّهم على الجمعة والجماعة؟ هل هذا شيء يكون في الشريعة؟ أعزب عنّي واسأل الخليفة الذي ولاّه وزبر الشهود عليه وتوعّدهم أو ضربهم بسوطه.

وهب أنّ الولاية سبقت منه لكنّ الحدّ الذي ثبت موجبه وليمَ على تعطيله ما وجه إرجائه إلى حين إدخال الرجل في البيت مجلّلاً بجبّة حبر وقاية له عن ألم السياط؟

ثمّ من دخل عليه ليحدّه دافعه المحدود بغضب الخليفة وقطع رحمه ، فهل كان

__________________

(١) راجع الجزء الثاني صفحة ٤٢ الطبعة الأولى و ٤٦ الطبعة الثانية. (المؤلف)

(٢) الحجرات : ٦.

(٣) الاستيعاب : القسم الرابع / ١٥٥٣ رقم ٢٧٢١.

(٤) أُسد الغابة : ٥ / ٤٥١ رقم ٥٤٦٨.

١٨٠