الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ٥
الصفحات: ٥٤٠

بأخرى فقال : «هل ترك من دين؟» قالوا : لا. قال : «فهل ترك شيئاً؟» قالوا : نعم ثلاثة دنانير. فقال بإصبعه : «ثلاث كيّات».

أخرجه (١) أحمد بإسناد جيّد وابن حبّان في صحيحه باللفظ المذكور والبخاري نحوه.

١٢ ـ أبو هريرة : أنّ أعرابيّا غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر ، فأصابه من سهمه ديناران فأخذهما الأعرابي ، فجعلهما في عباءة فخيط عليهما ولفّ عليهما ، فمات الأعرابيّ فوجد الديناران ، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «كيّتان».

رواه أحمد (٢) وإسناده حسن لا بأس به.

هذه جملة من تلكم الأحاديث ، وقد جمعها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (٣) (١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٨).

١٣ ـ أخرج أحمد في مسنده (٤) (١ / ٣٠٠) من طريق ابن عبّاس قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التفت إلى أُحد فقال : «والذي نفس محمد بيده ما يسرّني أنّ أُحداً يحوّل لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين ، إلاّ دينارين أعدّهما لدين إن كان».

١٤ ـ أخرج ابن كثير نفسه في تفسيره (٢ / ٣٥٢) من طريق عبد الله بن مسعود : «والذي لا إله غيره لا يكون عبد يكنز فيمسّ دينار ديناراً ولا درهم درهماً ، ولكن

__________________

(١) مسند أحمد : ٤ / ٦٣٩ ح ١٦٠٧٥ ، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ٨ / ٥٤ ح ٣٢٦٤ ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٩٩ ح ٢١٦٨.

(٢) مسند أحمد : ٣ / ٣٨ ـ ٣٩ ح ٨٤٦٣.

(٣) الترغيب والترهيب : ٢ / ٥١ ـ ٥٨.

(٤) مسند أحمد : ١ / ٤٩٣ ح ٢٧١٩.

٥٢١

يُوسع جلده فيوضع كلّ دينار ودرهم على حدته».

رواه سفيان عن عبد الله بن عمر (١) بن مرّة عن مسروق عن ابن مسعود ، ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة.

١٥ ـ حكى ابن كثير (٢) عن أبي جعفر بن جرير الطبري (٣) من طريق ثوبان مرفوعاً : «من ترك بعده كنزاً مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول : ويلك ما أنت؟ فيقول : أنا كنزك الذي تركته بعدك. ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثمّ يتبعها سائر جسده». قال : ورواه ابن حبّان في صحيحه (٤).

١٦ ـ ونقل في (ص ٣٥٣) عن ابن أبي حاتم بإسناده من طريق ثوبان مرفوعاً : «ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلاّ جعل الله بكلّ قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنهِ».

١٧ ـ وذَكر (٥) عن أبي يعلى بالإسناد من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «لا يوضع الدينار على الدينار ، ولا الدرهم على الدرهم ، ولكن يُوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون».

١٨ ـ أخرج أحمد (٦) من طريق عبد الله بن أبي الهذيل ، قال : حدّثني صاحب لي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «تبّا للذهب والفضّة» وقال : إنّه انطلق مع عمر بن الخطّاب فقال : يا رسول الله! قولك : «تبّا للذهب والفضّة». ما ذا ندّخر؟ قال

__________________

(١) في المصدر : عمرو.

) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٥٣.

) جامع البيان : مج ٦ / ج ١٠ / ١٢٤.

) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان : ٨ / ٤٩ ح ٣٢٥٧.

) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٥٤.

) مسند أحمد : ٦ / ٥٠٣ ح ٢٢٥٩١.

٥٢٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، وزوجة تعين على الآخرة». تفسير ابن كثير (٢ / ٣٥١).

١٩ ـ أخرج (١) أحمد والترمذي وابن ماجة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال : لمّا نزلت في الذهب والفضّة ما نزل قالوا : فأيّ المال نتّخذ؟ قال عمر : فأنا أعلم لكم ذلك فأَوضَعَ (٢) على بعير ، فأدركه (٣) وأنا في أثره ، فقال : يا رسول الله أيّ المال نتّخذ؟ قال : «قلباً شاكراً ، ولساناً ذاكراً ، وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة».

٢٠ ـ وقبل هذه كلّها ما أخرجه إمام الحنابلة أحمد في مسنده (٤) (١ / ٦٢) من طريق عثمان بن عفّان من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلّ شيء سوى ظلّ بيت ، وجِلْف (٥) الخبز ، وثوب يواري عورته والماء ، فما فضل عن هذا فليس لابن آدم فيهنّ حقّ». وأخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١ / ٦١).

هذه الأحاديث أخرجها أئمّة الفقه وحفّاظ الحديث وأعلام التفسير في تآليفهم محتجّين بها لما ارتأوه من الترغيب إلى الزهد والتطوّع بالإنفاق ، والترهيب عن الاكتناز والادّخار ، ولم يتكلّم أحد منهم في راوٍ من رواتها ، وما اتّهم في أيّ منهم بما اتّهم به أبو ذر ، فإن كان للتأويل والحمل على معنىً صحيح فيها مجال فهي وما رواه أبو ذر على شرع سواء ، فأيّ وازعٍ عن تأويل ما جاء به أبو ذر؟ ولما ذا رشقوه بين أولئك الصحابة بنبال القذف؟ مع أنّ أبا ذر لم يكن هتافه ذلك للدعوة إلى تهذيب

__________________

(١) مسند أحمد : ٦ / ٣٨١ ح ٢١٩٣١ ، سنن الترمذي : ٥ / ٢٥٩ ح ٣٠٩٤ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٩٦ ح ١٨٥٦.

(٢) يقال : أوضع الراكب إيضاعاً إذا سار بين القوم.

(٣) في سنن ابن ماجة : فأدرك النبيّ.

(٤) مسند أحمد : ١ / ١٠٠ ح ٤٤٢.

(٥) جِلْفُ الخبز : الخبز اليابس الغليظ بلا أُدْم ولا لبن.

٥٢٣

النفس بالزهادة في حطام الدنيا والفوز بمراتب الكمال ، وإنّما كان نكيره على أُمّة اتّخذت كنوزاً مكدّسة من الذهب والفضّة على غير وجه حلّها ، كما فصّلنا القول في ذلك تفصيلاً.

وإذ لم يجد ابن كثير شاهداً قويماً لما ادّعاه من أقوال أبي ذر تشبّث بعمله ، فقال : وقد اختبره معاوية رضى الله عنه وهو عنده ، هل يوافق عمله قوله؟ فبعث إليه بألف دينار ففرّقها من يومه ، ثمّ بعث إليه الذي أتاه بها فقال : إنّ معاوية إنّما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب ، فقال : ويحك إنّها خرجت ، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به (١).

وليس فيه إلاّ زهد أبي ذر المهلك سبده ولبده (٢) ، ولم يكن عمله هذا عن فتوى ولا إيجاب ، وإنّما كان تطوّعاً ومبالغة في الزهادة والجود ، وقد سبقه إلى ذلك سيّد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عاش صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفت ومات ولم يدع ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمةً ولا شاةً ولا بعيراً ، وترك درعه رهناً عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير (٣) وحذا حذوه آله سلام الله عليهم الذين كانوا (يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ، (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٤) ، (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (٥) وقد خرج الإمام السبط الحسن الزكيّ من ماله

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٣٥٣.

(٢) السَّبَد : الوبر ، وقيل : الشعر. والعرب تقول : ماله سَبَدٌ ولا لَبَد ، أي ماله ذو وبر ولا صوف متلبد ، يكنّى بهما عن الإبل والغنم.

(٣) طبقات ابن سعد طبع مصر ، رقم التسلسل : ٨٣٦ ، ٨٣٧ [٢ / ٣١٧] ، مسند أحمد : ١ / ٣٠٠ [١ / ٤٩٣ ح ٢٧١٩] ، تاريخ الخطيب البغدادي : ٤ / ٣٩٦ [رقم ٢٢٨٨]. (المؤلف)

(٤) راجع ما فصّلناه في الجزء الثاني : ص ٤٧ ، ٥٢ و ٣ / ١٥٥ ـ ١٦٣. (المؤلف)

(٥) نزلت في أمير المؤمنين كما مرّ في هذا الجزء : ص ٥٤. (المؤلف)

٥٢٤

مرّتين. وقاسم الله عزّ وجلّ ماله ثلاث مرار حتى أن كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطي خفّا ويمسك خفّا (١).

وما أكثر الزهّاد أمثال أبي ذر في أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أفنت الزهادة كلّ مالهم من ثُمّةٍ ورُمّة (٢) وقد عُدّ ذلك في الجميع فضيلة يُذكرون بها ويُشكرون عليها ، إلاّ في أبي ذر شبيه عيسى بن مريم في الأُمّة المرحومة فاتّخذوه مدركاً لتلك الفتوى المزعومة. غفرانك اللهمّ وإليك المصير.

استشهاد اللجنة بكلمة ابن حجر :

أمّا الشاهد الثالث ـ ابن حجر ـ فليت اللجنة الحاكمة لم تلخّص كلامه ، ففيما سرده في فتح الباري (٣) (٣ / ٢١٣) ما لا يلائم خطّة اللجنة ، ففيه من أعلام النبوّة ما قدّمنا ذكره من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك النفي والإخراج في سياق يؤدّي أنّ أبا ذر سيكون مضطهداً في ذلك مظلوماً ، ويؤكّد هذا السياق ما أسلفناه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاءٌ بعدُ». قال : في الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في الله» قال : مرحباً بأمر الله. وما كان في الله وبعين الله ويعرّف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحبه بالصلاح ، ويراه في هديه ونسكه وزهده شبيه نبيّ معصوم كعيسى سلام الله عليه ؛ ويأمره بالصبر لا يكون فاسداً ولا تترتّب عليه مفسدة ، إذن فلا أدري أين يكون مقيل نظريّة ابن حجر الملخّصة عند اللجنة من الصدق؟

وممّا ذكره ابن حجر في فتح الباري ما حكاه عن بعض أعلام قومه : الصحيح أنّ إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه.

__________________

(١) حلية الأولياء : ٢ / ٣٨ ، صفة الصفوة : ١ / ٣٣٠ [١ / ٧٦١ رقم ١٢٠] ، الصواعق : ص ٨٢ [ص ١٣٩]. (المؤلف)

(٢) أي : من قليل وكثير.

(٣) فتح الباري : ٣ / ٢٧٥.

٥٢٥

نعم هذا هو الصحيح كما قدّمناه في صفحة (٣٣٥) ويعرفه كلّ من سبر التاريخ والحديث. إذن فليس من المتسالم عليه ما حاوله ابن حجر في ملخّص قوله وتحرّته اللجنة في حكمها والاستشهاد بكلامه ، مثل هذا الأساس لا تبنى عليه برهنة ، ولا يصحّ به حكم لأيّ إنسان أو عليه ، لكنّ ابن حجر قال ، واللجنة حكمت ؛ والقوّة نفّذت ذلك الحكم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هؤلاء شهود اللجنة الحاكمة ، وقد اختبرت أنت أيّها القارئ حالهم ومقالهم ، إذن فما ظنّك بما ابتنوه على ذلك من شفا جرفٍ هارٍ؟ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (١).

هاهنا أكرّر مخاطبة اللجنة بأنّ دليلها في إثبات شيوعيّة أبي ذر غير ناهضة لإثبات ما ترتئيه ، لأنّ نظريّة أبي ذر على ما ادّعته هي وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الإنسان ، ومقتضاه أنّه يملك التصرّف في قدر الحاجة ، والشيوعيّ لا يقول بذلك وإنّما يحاول إلغاء الملكيّة رأساً ، ثمّ إنّ الحكومة الشيوعيّة تدرّ عليه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صوناً لحياته فهو كالأجير عندها يقتات بما يعمل أو كعائلتها تسدّ عيلتها بمقدار خلّتها ، على ما قدّمناه من أنّ رأي أبي ذر لا يستوعب المال كلّه وإنّما يريد الإخراجات الواجبة وما تدعو إليه العاطفة البشريّة والمروءات من الأعطيات المندوبة ، فاللجنة لم تعط النصفة حقّها في إسناد ما أسندته إلى أبي ذر ؛ كما أنّها لم تؤدّ حقّ الردّ على الشيوعيّة الممقوتة ، فهي مائنةٌ فيما تقول خبريّا أو مخبريّا ، وجائرة في حكمها من حيث لا تشعر.

كان حقّا علينا أن ننظر في بقيّة الكلمات المقولة في شيوعيّة أبي ذر على وجه التفصيل ككلمة الخضري في المحاضرات (٢ / ٣٦ ، ٣٧) وعبد الحميد بك العبادي عميد كليّة الآداب في صور من التاريخ الإسلامي (ص ١٠٩ ـ ١١٣) تحت عنوان : أبو ذر

__________________

(١) سورة ق : ٤٥.

٥٢٦

الغفاري. وأحمد أمين في فجر إسلامه (١ / ١٣٦) (١) ومحمد أحمد جاد المولى بك في : إنصاف عثمان (ص ٤١ ـ ٤٥) ، وصادق إبراهيم عرجون في : عثمان بن عفّان (ص ٣٥) ، وعبد الوهاب النجّار في : الخلفاء الراشدون (ص ٣١٧) ، ومن حذا حذوهم ممّن اقتحم معارك التاريخ والأبحاث الخطرة من دون مُنّة (٢) علميّة تنقذهم من القحمة وصرعة الاسترسال التي لا تُستقال ، لكنّهم لم يألوا بأكثر ممّا فنّدناه ، غير ما ذكره بعضهم (٣) من أنّ أبا ذر أخذ المبدأ الشيوعيّ من عبد الله بن سبأ استناداً إلى رواية الطبري السابقة في (ص ٣٢٦ و ٣٤٩) عن السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن عطيّة ، عن يزيد الفقعسي ، وقد عرّفناك هنالك ما في رجالها من أفّاك وضّاع ، أو معتدٍ أثيم ، أو ضعيف متّفق على ضعفه ، أو مجهولٍ لا يُعرف ، وما في متنها من ملامح الكذب وآثار الافتعال.

على أنّ عبد الله بن سبأ المعروف باليهوديّة والإفساد وتفريق كلمة المسلمين الذي عزوا إليه ثورة المصريّين ، وأنّه يمّم الحواضر الإسلاميّة لإلقاح الفتن وإثارة الملأ على خليفة الوقت ، وبثِّ تلكم المبادئ التعيسة ، ولم ينظر إليه رامقٌ شزراً ، ولا وقع عليه قبض من سلطات الوقت ، ولا أصابه نفي عن الأوساط الدينيّة ، وقد تُرك يلهو ويلعب كما تشاء له الميول والشهوات ، لكن النقمات كلّها توجّهت على الأبرار من صحابة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين لهم بإحسان كأبي ذر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمّار بن ياسر ، ومالك بن الحارث الأشتر ، وزيد وصعصعة ابني صوحان ، وجندب بن زهير ، وكعب بن عبدة الناسك ، ويزيد الأرحبي العظيم عند الناس ، وعامر بن قيس الزاهد الناسك ، وعمرو بن الحَمِق المعروف بدعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، وعروة البارقي الصحابيّ الجليل ، وكميل بن زياد الثقة الأمين ، والحارث الهمداني الفقيه الثقة (٤) فمن منفيّ هلك

__________________

(١) فجر الإسلام : ص ١١٠.

(٢) المُنّة : القدرة.

(٣) كالخضري وأحمد أمين. (المؤلف)

(٤) سيوافيك حديث أمرهم في الجزء التاسع بإذن الله تعالى. (المؤلف)

٥٢٧

في تسييره ، إلى مضروب كسرت أضالعه ، إلى مهان توجّهت إليه لسبات الألسن.

وقبل هؤلاء مولانا أمير المؤمنين صالح الأُمّة ، يراه عثمان أحقّ بالنفي من أولئك كما يأتي حديثه ؛ وأخرجه إلى ينبع مرّة بعد أخرى ليقلّ هتاف الناس باسمه للخلافة ، وقال لابن عبّاس : اكفني ابن عمّك. وقال ابن عبّاس : ابن عمّي ليس بالرجل يُرى له ، ولكنّه يرى لنفسه فأرسلني إليه بما أحببت. قال : قل له فليخرج إلى ماله بينبع فلا أغتم به ولا يغتمّ بي. فأتى عليّا فأخبره ، فقال : «ما اتّخذني عثمان إلاّ ناضحاً» ثم أنشد يقول :

فكيف به إنّي أُداوي جراحَهُ

فيدوى فلا ملّ الدواءُ ولا الداءُ

وقال : «يا ابن عبّاس ما يريد عثمان إلاّ أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغَرْب (١) أُقبل وأُدبر ، بعث إليّ أن أخرج ، ثمّ بعث إليّ أن أقدم ، ثمّ هو الآن يبعث إليّ أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً» (٢).

فهلاّ كان ابن سبأ وأصحابه بمرأى من الخليفة ومسمع وقد طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، وكيف بهضه أمر أولئك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ولا يهمّه قمع تلكم الجرثومة الخبيثة باجتثاث أصلها بإعدام عبد الله بن سبأ ، أو صلبه على جذوع النخل ، أو قطع يده ورجله من خلاف ، أو نفيه من الأرض؟

هلاّ كان واجب الخليفة أن يشاور صلحاء الصحابة في الرجل الضالّ المضلّ ، بدل ما شاور أبناء بيته الساقط في أبي ذر العظيم بقوله القارص : أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله ، فإنّه قد فرّق جماعة المسلمين ،

__________________

(١) نضح الجمل الماء : حمله من بئر أو نهر ليسقي به الزرع فهو ناضح. والغرب ـ بالفتح فسكون ـ : الدلو العظيمة ، والكلام تمثيل للتسخير. (المؤلف)

(٢) نهج البلاغة : ١ / ٤٦٨ [ص ٣٥٨ رقم ٢٤٠] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٧٤ [٤ / ١٢١]. (المؤلف)

٥٢٨

أو أنفيه من أرض الإسلام (١)؟

نعم ؛ كان عبد الله بن سبأ من جراثيم العيث والفساد ، وجذوم الكفر والإلحاد ، ولم يفتأ يتقلّب بين المسلمين بنواياه السيّئة وإن لم يثبت عنه المبدأ الشيوعيّ قطّ ، ولا إثارة الثائرين على عثمان إلاّ بمكتوبة السري ، عن شعيب ، عن سيف المكذوبة الساقطة التي لا قيمة لها في سوق الاعتبار (٢) فإنّ المسلمين خصوصاً الثائرين على عثمان والمتجمهرين عليه ، وهم جلّ الصحابة ـ لو لم نقل كلّهم ـ كما يأتي تفصيله في الجزء التاسع بإذن الله ـ وخصوصاً من لاث بمولانا أمير المؤمنين من علية الصحابة كأبي ذر وعمّار ومالك الأشتر وابني صوحان وأمثالهم ما كانوا يقيمون وزناً لنعرات أيّ ابن أُنثى تجاه ما اتّخذوه من مستقى الوحي ، فضلاً عن مثل ابن سبأ المعروف عندهم ملكاته ونزعاته في أمسه ويومه ذاك ، فأنّى يصيخون إلى ماله من هلجة وهم رجال الفكرة الصالحة في المجتمع الدينيّ ، ولم يُثبت التاريخ الصحيح اتّصال أحد منهم بهذا الرجل فضلاً عن تأثيره في نفسيّاتهم وإثارة الفتن في المجتمع الدينيّ بأيديهم ، وهلاّ كان خليفة الوقت أراح المسلمين من شرّه بتشتيت شمله وتمزيق جمعه ، كما فعله مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقطع عن أديم الأرض أُصول تلك النزعات الوبيلة بإلقاء الدخان على حامليها ، كما مرّ في الجزء السابع (ص ١٥٦) ، وذكره ابن حزم في الفصل (٤ / ١٨٦).

كلمتنا الأخيرة

لو درست الأساتذة حقيقة الشيوعيّة وما يهتفون به من أصولها وحقيقة أبي ذر العالم الصحابيّ ونظرائه وما يؤثر عنهم من قول وعمل وأحاديث جاءت فيهم عرفوا البون الشاسع بين المبدأين ، وإنّ مثل أبي ذر لا يكون شيوعيّا مهما أسفّ من

__________________

(١) راجع ما مرّ : ص ٢٩٨ ، ٣٠٦ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٢) راجع : ص ٣٢٦ ـ ٣٢٨ من هذا الجزء. (المؤلف)

٥٢٩

أوج عظمته وانكفأ عن صهوة علمه ، وتنازل عن مبادئه المقدّسة ، وأنّه لا يعتنق ذلك المذهب عالم وإن قلّت بضاعته ، وضعفت مُنّته العلميّة.

أنّى يهتف بالشيوعيّة ويعتنقها من وقف واطّلع على ما جاء به الإسلام المقدّس في تأمين مؤن الفقراء وسدّ عيلتهم ، وما وطّد من مشارع تُخفّف عنهم ما يبهضهم من عبء حزانتهم ، وما شرّع لهم من منابع الحياة الماديّة في أموال الأغنياء ، بقدر ما يسعهم كما أخبر به النبيّ الأعظم بقوله : «إنّ الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإنّ الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذّبهم عذاباً أليماً» (١). فبعد ترصيف السياسة الماليّة على أحسن نظام وأرقى منهج وتعبئة ما يسدّ خلّة الفقراء ، سدّ عليهم أبواب السؤال والتكدّي وشدّد النكير عليهما بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاث : لذي فقر مُدقع ، أو لذي غرم مُفظع ، أو لذي دم موجع» (٢). ورغّبهم إلى الاستعفاف والاستغناء عن الناس بكلّ ما تيسّر من العمل بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لَأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأتي الجبل فيجيء بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (٣) وقرّر على أهل اليسار للفقراء والمساكين حقوقاً محدودة من شتّى النواحي بعناوين مختلفة كرواتب سنويّة أو كجراية شهريّة تتعلّق بالأنعام والغلاّت والنقدين وأرباح المكاسب والركاز والمعادن

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الأوسط [٤ / ٣٥٣ ح ٣٦٠٣] والصغير [١ / ١٦٢] كما في الترغيب والترهيب : ١ / ٢١٣ [١ / ٥٣٨] ، وروي موقوفاً على أمير المؤمنين كما مرّ : ص ٢٥٦. (المؤلف)

(٢) الترغيب والترهيب : ١ / ٢٣٣ [١ / ٥٩١] نقلاً عن أبي داود [في السنن : ٢ / ١٢٠ ـ ١٢١ ح ١٦٤١] ، والبيهقي في السنن [٧ / ٢٥]. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري : ٣ / ٣٤ [٢ / ٥٣٥ ح ١٤٠١] ، صحيح مسلم : ٣ / ٩٧ [٢ / ٤١٧ ح ١٠٧ كتاب الزكاة] ، سنن البيهقي : ٤ / ١٩٥ ، الترغيب والترهيب : ١ / ٢٣٣ [١ / ٥٩٢]. (المؤلف)

٥٣٠

والأنفال وغيرها من الواجب المالي المقرّر ، مضافاً على ما قد يجب على الإنسان حيناً بعد حين لموجب هنالك كالكفّارات والنذور والمظالم.

وأمّا التطوّع بالصدقات والإنفاق ممّا فضل وهو الذي كاد أن يُعدّ من فروض الإنسانيّة فحدّث عنه ولا حرج ، وقد بالغ الصادع الكريم في الحث عليه ومرّ شطر من أحاديثه ، وأخرج مسلم (١) والترمذي (٢) وغيرهما من طريق أبي أمامة مرفوعاً : «يا ابن آدم إنّك إن تبذل الفضل خير لك ، وإن تمسكه شرّ لك ، ولا تُلام على كفاف». الترغيب والترهيب (٣) (١ / ٢٣٢ ، ٢٥٢).

وأخرج مسلم (٤) من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً : «من كان معه فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له». سنن البيهقي (٤ / ١٨٢).

وفي صحيح مرّ في (ص ٣٥٤) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على كلّ نفس في كلّ يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه على نفسه».

وللإسلام وراء هذه كلّها آداب وسنن تُعرب عن حرمة من قتر عليه رزقه وعن كرامته في الملأ الدينيّ تصديقاً للإنكار الوارد في قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ* كَلاَّ) (٥). فأمر كتابه المقدّس بالإنفاق من جيّد المال ونفيسه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ / ٤١٣ ح ٩٧ كتاب الزكاة.

(٢) سنن الترمذي : ٤ / ٤٩٥ ح ٣٣٤٣.

(٣) الترغيب والترهيب : ١ / ٥٩٠ و ٢ / ٤٩.

(٤) صحيح مسلم : ٣ / ٥٦٦ ح ١٨ كتاب اللقطة.

(٥) الفجر : ١٥ ، ١٦ ، ١٧.

٥٣١

الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآية (١). وقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٢) ونهى عن نهر السائل وإبطال الصدقات بالمنّ والأذى ورياء الناس ، فقال عزّ من قائل : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (٣) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) (٤). وقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٥). وقال : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (٦).

وقال النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقبل الله من مُسمعٍ ولا مُراءٍ ولا منّانٍ ، والمتحدّث بصدقته يطلب السمعة ، والمعطي في ملأ من الناس يبغي الرياء» (٧).

وأخرج مسلم في صحيحه (٨) مرفوعاً : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : المنّان بما أعطى ...». سنن البيهقي (٤ / ١٩١).

وذكر ابن كثير مرفوعاً : «لا يدخل الجنّة عاقّ ، ولا منّان ، ولا مُدمن خمر». تفسير ابن كثير (١ / ٣١٨).

ولقطع أُصول المنّ بالإعطاء وتنزيه نفوس أهل اليسار عن الاستعلاء والترفّع والعُجب بأعطياتهم ، ومن كان غنيّا فليستعفف ، وتطهير قلوب الفقراء الشريفة عمّا

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) آل عمران : ٩٢.

(٣) الضحى : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٦٤.

(٥) البقرة : ٢٦٢ ، ٢٦٣.

(٦) البقرة : ٢٦٢ ، ٢٦٣.

(٧) إحياء العلوم : ١ / ٢٢٢ [١ / ١٩٤]. (المؤلف)

(٨) صحيح مسلم : ١ / ١٤١ ح ١٧١ كتاب الايمان.

٥٣٢

يعتريها من ذلّ المسكنة ، وتطييب خواطرهم من هوان بسط يد الأخذ إلى الأغنياء ، ال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الصدقة تقع بيد الله عزَّ وجلَّ قبل أن تقع في يد السائل» (١).

وفي صحيح أخرجه مسلم (٢) (٣ / ٨٥) من طريق أبي هريرة مرفوعاً : «ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب ـ ولا يقبل الله إلاّ الطيّب ـ إلاّ أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة ، فتربو في كفّ الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل». الحديث.

فيرى المعطي المسلم وجهه إلى الله وهو محسن أنّه مسلّم إلى الله جلّ وعلا حقّه ممّا خوّله سبحانه بمنّه إيّاه. والفقير يرى أنّه آخذ من الله وباسط كفّه إلى الله ويد الله هي مدرّ الأنعم ، وهي اليد العليا ، وهي الوسيطة بين المعطي والآخذ ، وله المنّ عليهما ، (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٣) (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٤).

فالشيوعيّ لا يكون شيوعيّا إلاّ ويغمره تيّار الجهل الهائج ، وإنّ سماسرة الشيوعيّة يمنعون قبل كلّ شيء عن تحرّي العلم الصحيح ويسوقون الملأ إلى مستوى الجهل والبساطة ، ولعلّك لا تشكّ في ذلك متى جست خلال الديار في المملكة السوفيتيّة ومن جنح إليها من أقطار الأرض ، فإنّك لا تجد من يُهملج إلى الغاية الشيوعيّة إلاّ الرجرجة الدهماء الذين لم يعطوا من العلم شيئاً ، لكن البلاد الخصبة بالعلم والعلماء كلّها من إسلاميّ وغيره في منتأىً من تلك الخسّة ، وكذلك كلّ من أُوتي نصيباً من العلم لا تدعه عقليّته أن يسفّ إلى تلكم الهوّة الوبيئة ، وكيف بأبي ذر ـ وعاء العلم ـ وأمثاله؟

__________________

(١) أخرجه الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان [٣ / ٢٧٤ ح ٣٥٢٥]. (المؤلف)

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٩٧ ح ٦٣ كتاب الزكاة.

(٣) محمد : ٣٨.

(٤) النساء : ١٣٥.

٥٣٣

نعم ؛ للبلاد الإسلاميّة خاصّتها في الابتعاد عن هاتيك السفاسف لوجود العلم الصحيح الناجع عند علمائها ـ لا ما جاءت به اللجنة الحاكمة ـ والمواد الحيويّة المبثوثة في دينها الإسلاميّ الحنيف ، فهي وهم سدّان قويّان لدفع ذلك السيل الأتيّ ، فليس لمجابهة الشيوعيّة ومكافحتها شيء أقوى من العلم والدين ، وتنوير فكرة الشعب الإسلاميّ بهما. فمن واجب الدول الإسلاميّة ـ وقد شعرت هي بهذا الواجب ـ توسيع نطاق العلم ، وبثّ نواميس الدين ، وإحياء ناشئة الإنسان الذي خُلق جهولاً بروح الثقافة الدينيّة وتربية أبناء الوطن العزيز في صفوف المدارس الابتدائيّة إلى العالية بدراسة العلوم الناجعة ، والتحفّظ على حقوق ضعفاء الأمّة ، والأخذ بناصر أخي عيلة العائل بإجراء مقرّرات الدين المبين ، وتعظيم العلماء الصالحين ، وتقدير رجالات الوعظ والخطابة لتستمرّ طهارة البلاد عن تلكم الرجاسة ، فحيّا الله العلماء العاملين ، وحيّا الله الحكومات الإسلاميّة ، الناهضين بكلاءة العباد والبلاد.

(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١).

والحمد لله أوّلاً وآخراً

انتهى الجزء الثامن من كتاب الغدير

ويتلوه الجزء التاسع

يُبتدأ فيه بتتمّة هذه المباحث إن شاء الله فتربَّص حتى حين

(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٢)

__________________

(١) الشورى : ١٥.

(٢) سورة طه : ١١٤.

٥٣٤

محتويات الكتاب

أبو طالب في الذكر الحكيم................................................... ١١

الاية الأولى............................................................... ١١

الآية الثانية والثالثة........................................................ ١٨

مواقع النظر في رواية نزول الأيتين......................................... ١٩

حديث الضحضاح........................................................... ٣٧

عود إلى بدء أحاديث الغلو في فضائل أبي بكر............................ ٤٦ ـ ٨٨

٢٩ ـ ملك يردّ على شاتم الخليفة............................................... ٤٦

٣٠ ـ خطبة النبيّ صلى الله عليه واله في فضل الخليفة.............................. ٥٠

ثناء أمير المؤمنين عليه السلام على الخليفة.................................. ٥٤

٣٢ ـ ٦٦ ـ أحاديث تعزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام في حق أبي بكر............ ٥٦

ليلة الغار والخليفة فيها................................................... ٦٣

الشيطان لا يثمثّل بأبي بكر.............................................. ٧٠

أبو بكر لم بسؤ النبي قط................................................ ٧٢

٧٠ ـ الآيات النازلة في أبي بكر................................................ ٧٤

الغلوّ في فضائل عمر بن الخطّاب...................................... ٨٩ ـ ١٤٢

١ ـ كلمات في علم عمر................................................... ٩١

٥٣٥

عمر أقرأ الصحابة وأفقهم..................................................... ٩٣

الشيطان يخاف ويفر من عمر................................................. ٩٦

الغناء في الذكر الحيكم................................................... ١٠٠

الغناء والمعارف في السنّة.................................................. ١٠٣

الغناء في المذاهب الأربعة................................................. ١٠٨

نظرة في الأحاديث المعنونة.............................................. ١١١

رأي عمر في الغناء.................................................... ١١٦

كرامات عمر الاربع........................................................ ١٢٢

٥ ـ تسمية عمر بأمير المؤمنين................................................ ١٢٧

عمر لا يحبّ الباطل........................................................ ١٣٢

الملائكتة تكلمّ عمر بن الخطاب.............................................. ١٣٤

قرطاس في كفن عمر........................................................ ١٣٥

لسان عمرو قلبه........................................................... ١٣٦

١٠ ـ رؤيا رسول الله صلى الله عليه واله في علم عمر............................ ١٣٧

عمر وفرق الشيطان منه.................................................. ١٣٩

الغلوّ في فضائل عثمان بن عفان...................................... ١٤٣ ـ ٤٣٢

١ ـ قضاؤه في امرأة ولدت لستة أشهر......................................... ١٤٣

إتمام عثمان الصلاة في السفر................................................ ١٤٥

نظرة في رأي الخليفة................................................... ١٥٠

النصوص الواردة في صلاة المسافر....................................... ١٦١

الدين عند السلف سياسة وقتية......................................... ١٧٠

إبطال الخليفة الحدود..................................................... ١٧٤

النداء الثالث بأمر الخليفة................................................. ١٨٢

٥٣٦

٥ ـ توسيع الخليفة المسجد الحرام.............................................. ١٨٦

رأي الخليفة في متعة الحج.................................................... ١٨٨

تعطيل الخليفة القصاص..................................................... ١٩٠

عذر مفتعل............................................................. ٢٠٢

رأي الخليفة في الجنابة....................................................... ٢٠٥

كتمان الخليفة حديث النبي صلى الله عليه واله................................. ٢١٦

١٠ ـ رأي الخليفة في زكاة الخيل............................................... ٢٢٢

تقديم عثمان الخطبة على الصلاة............................................. ٢٣٠

رأي الخيلفة في القصاص والدّية............................................... ٢٤٠

الطائفة الأولى من النصوص النبوية...................................... ٢٤١

الطائفة الثانية........................................................ ٢٤٦

رأي الخليفة في القراءة.................................................... ٢٤٨

صورة مفصلّة بلفظ أحمد............................................... ٢٥٣

رأي الشافعي......................................................... ٢٥٨

رأي مالك........................................................... ٢٦٠

رأي الحنابلة.......................................................... ٢٦١

رأي الخليفة في صلاة المسافر.............................................. ٢٦٥

١٥ ـ رأي الخليفة في صيد الحرم.............................................. ٢٦٧

لفت نظر............................................................ ٢٧٤

خصومة يرفعها الخليفة الى علي عليه السلام................................. ٢٧٩

رأي الخليفة في عدّة المختلفة............................................... ٢٨٢

رأي الخليفة في امرأة المفقود................................................ ٢٨٦

الخليفة يأخذ حكم الله من أبيّ............................................. ٢٩٣

٥٣٧

٢٠ ـ الخليفة يأخذ السنة من امرأة............................................ ٢٩٤

رأي الخليفة في الاحرام قبل الميقات......................................... ٢٩٥

لو لا عليّ لهلك عثمان................................................... ٣٠٢

رأي الخليفة في الجمع بين الأختين بالهلك................................... ٣٠٤

لفظ آخر للبيهقي..................................................... ٣٠٥

قول آخر في الأية المحللّة................................................ ٣١٣

رأي الخليفة في رد الأخوين الأمّ عن الثلث.................................. ٣١٦

٢٥ ـ رأي الخليفة في المعترفة بالزنا............................................. ٣٢١

شراء الخليفة صدقة رسول الله.............................................. ٣٢٦

الخليفة في ليلة وفاة امّ كلثوم............................................... ٣٢٧

اتخاذ الخليفة الحمى له ولذويه............................................. ٣٣١

إقطاع الخليفة فدك لمروان................................................. ٣٣٤

٣٠ ـ رأي الخليفة في الاموال والصدقات....................................... ٣٣٦

أيادي الخليفة عند الحكم بن أبي العاص.................................... ٣٤١

الحكم وما أدراك ما الحكم............................................. ٣٤٢

لفت نظر............................................................ ٣٤٨

الحكم في القرآن...................................................... ٣٤٩

مصادر ما رويناه...................................................... ٣٥٢

نظرة في كلمتين....................................................... ٣٥٣

المساءلة.............................................................. ٣٥٩

أيادي الخليفة عند مروان.................................................. ٣٦٤

مروان ومامروان....................................................... ٣٦٧

هذا مروان........................................................... ٣٧٦

٥٣٨

اقطاع الخليفة وعطيته الحارث........................................... ٣٧٨

حظوة سعيد من عطيّة الخليفة........................................... ٣٨٠

٣٥ ـ هبة الخليفة للوليد من مال المسلمين...................................... ٣٨٣

الوليد ومن ولده...................................................... ٣٨٣

هذا الوالد وما ادراك ما ولد............................................ ٣٨٧

هبة الخليفة لعبدالله من مال المسلمين....................................... ٣٩٠

عطبة الخليفة اباسفيان.................................................... ٣٩٢

عطاء الخليفة من غنائم افر بقية............................................ ٣٩٤

الكنوز المكتزه ببركة الخليفة................................................ ٣٩٨

٤٠ ـ الخليفة والشجرة الملعونة في القرآن........................................ ٤٠٨

تسير الخليفة أباذر إلى الواردة.............................................. ٤١٣

كلمة أمير المؤمنين عليه السلام لما اخرج أبوذر الى الريده................... ٤٢٣

ايمان ابي ذر وسيرته................................................. ٤٣٣ ـ ٥٣٤

هلم معي الى نظارة الشعب.................................................. ٤٣٣

تعبّد فيل البعثة سيفة في الاسلام ثباته على المبدأ............................... ٤٣٣

حديث علمه.............................................................. ٤٣٧

حديث صدقة وزهده....................................................... ٤٣٩

حديث فضله عهد النبي الأعظم الى ابي ذر.................................... ٤٤٦

هذا ابو ذر................................................................ ٤٤٩

جنابة التاريخ.............................................................. ٤٥٥

البلاذري............................................................... ٤٥٥

ابن جرير الطبري........................................................ ٤٥٧

٥٣٩

نظرة قيّمة في تاريخ الطبري............................................. ٤٥٩

ابن الاثير الجزري........................................................ ٤٦١

عماد الدين بن كثير..................................................... ٤٦٤

نظرية ابي ذرّ في الاموال..................................................... ٤٦٩

أبو ذرّ والاشتراكيّة......................................................... ٤٧٨

رواياته في الاموال........................................................... ٤٨٨

نظرة في الكمات الواردة في إطراء أبي ذر....................................... ٤٩٦

ثناء النبيّ صلى الله عليه واله عليه وعهده إليه.................................. ٥٠٠

نظرة في مقال أصدرته لجنة الفتوى بالأزهر..................................... ٥٠١

لاشيوعيّة في الاسلام....................................................... ٥٠٢

حنّ قدح ليس منها................................................... ٥٠٧

شهود اللجنة......................................................... ٥٠٩

في هذه الكلمة مواقع للنظر............................................ ٥١٠

استشهاد اللجنة بكلمة ابن حجر....................................... ٥٢٥

كلمتنا الأخيرة.......................................................... ٥٢٩

٥٤٠