تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

وهل يجب الصّبر حتّى يستقلّ الولد بالاغتذاء؟ قيل : نعم. (١)

والوجه ذلك إن لم يكن للولد ما يعيش به غير لبن الأمّ ، وإلّا فلا.

ولو قتلت المرأة قصاصا فظهر أنّها حامل ، فالدّية على القاتل ، ولو جهل المباشر وعلم الحاكم ضمن الحاكم ، ولو سلّطه الحاكم من غير علم أيضا فالدّية على بيت المال ، ولا يؤخّر القصاص في غير الحامل.

ومن التجأ إلى الحرم ضيّق عليه في المطعم والمشرب ، ليخرج ويقتصّ منه ، ولو أوقع الجناية في الحرم اقتصّ منه فيه.

٧١٣٩. التاسع عشر : إذا عفا مستحقّ العمد عن القصاص مطلقا ، سقط حقّه بغير عوض ، ولو عفا عن الدّية لم يصحّ عفوه ، وكان له القصاص لأنّها لا تثبت إلّا صلحا ، ولو عفا عن أحدهما لا بعينه ، ففي صحّته وسقوط القود به نظر ، ولو عفا عنهما سقط القود ولا دية.

ولو عفا عن الدّية لم يسقط القصاص ، وله الرّجوع إلى الدّية إن رضي الجاني.

ولو قال : عفوت عنك ، فالأقرب رجوعه إلى القصاص ، ويحتمل الرجوع إلى نيّته.

والسّفيه والمفلّس كالبالغ في استيفاء القصاص وعفوه ، وكالصّبي في إسقاط الدّية.

__________________

(١) لاحظ المبسوط : ٧ / ٥٩ ؛ والجواهر : ٤٢ / ٣٢٤.

٥٠١

٧١٤٠. العشرون : إذا أذن في القطع والقتل ، فلا دية فيه ، وإن كان محرّما ، إذ لا يباح القتل بالإذن ، ولا تسقط الكفّارة.

ويصحّ العفو بعد القطع قبل السّراية عن الماضي ، فلو قطع يده فعفا المجنّي عليه قبل الاندمال ، فإن اندملت فلا قصاص ولا دية ، ولو قال : عفوت عن الجناية سقط القصاص والدّية ، ولو سرت فللوليّ القصاص في النّفس بعد ردّ ما عفا عنه ، ولو عفا عن الجناية والسّراية ، فالوجه صحّة العفو عن الجناية خاصّة ، لأنّ العفو عن السّراية إبراء مما لم يجب ، ويحتمل الصحّة.

قال في الخلاف (١) يصحّ العفو عن الجناية وعمّا يحدث عنها ، فلو سرت صحّ العفو عن الثلث ، لأنّه وصيّة (٢) لأنّ العفو وإن كان قبل الوجوب إلّا أنّه بعد سببه.

٧١٤١. الحادي والعشرون : لو كان الجاني عبدا فقال المجنيّ عليه : أبرأتك لم يصحّ ، وإن كانت الجناية تتعلّق برقبته ، لأنّه ملك للسيّد ، ولو أبرأ السيّد صحّ ، وفيه نظر من حيث إنّ الإبراء إسقاط لما في الذّمّة.

ولو قال : عفوت عن ارش هذه الجناية ، صحّ.

ولو كان القتل خطأ محضا ، فأبرأه القاتل لم يصحّ ، ولو أبرأه العاقلة صحّ وكذا يصحّ لو قال :

عفوت عن أرش [هذه] الجناية.

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ٢٠٨ ، المسألة ٨٦ من كتاب الجنايات.

(٢) في «ب» : وصيّته.

٥٠٢

ولو كان القتل شبيه العمد ، فأبرأ القاتل صحّ ، وكذا لو قال : عفوت عن هذه الجناية أو عن أرشها.

ولو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل.

٧١٤٢. الثّاني والعشرون : عفو الوارث صحيح ، فإن استحقّ الطّرف والنّفس ، فعفوه عن أحدهما لا يسقط الاخر ، ولو عفا بعد مباشرة سبب الاستيفاء بطل ، كما إذا عفا عن الجناية بعد الرّمي قبل الإصابة.

٥٠٣
٥٠٤

المقصد الثاني : في قصاص الطرف

وفيه اثنان وعشرون بحثا :

٧١٤٣. الأوّل : يجب القصاص في الطّرف مع إتلافه عمدا دون الخطأ المحض وشبيه العمد ، ويتحقّق العمد فيه بما يتحقّق في النفس من الجناية عليه بما يتلف به غالبا ، أو القصد إلى اتلافه بما يتلف به نادرا.

ويشترط فيه التّساوي في الإسلام والحريّة ، وكون المقتصّ منه أخفض ، وانتفاء الأبوّة ، فلا يقتصّ من الأب وإن علا للابن ، ويقتص للرّجل من المرأة ولا ردّ إن (١) تجاوز ثلث الدّية ، وللمرأة من الرّجل ولا ردّ فيما قصر عن الثلث ، وفيما بلغه بشرط ردّ التفاوت.

ويقتصّ للذّمّي من مثله ومن الكافر مطلقا لا من المسلم ، وللحرّ من العبد ، ولا يقتصّ للعبد من الحرّ.

٧١٤٤. الثّاني : يشترط في قصاص الطرف أمور ثلاثة : التساوي في المحلّ ، والصّفات ، والعدد.

__________________

(١) في «ب» : وإن.

٥٠٥

فتقطع اليمنى بمثلها ، لا باليسرى ولا بالعكس ، ولا السبّابة بالوسطى ، ولا زائدة بأصليّة ولا بالعكس ، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ وإن تساويا في الحكومة.

وأمّا الصّفات فلا تقطع الصّحيحة بالشّلاء وإن رضي الجاني ، نعم تقطع الشلّاء بمثلها وبالصّحيحة إلّا أن يحكم أهل المعرفة بعدم الحسم ، فتثبت الدّية حذرا من السّراية ، ولا يضمّ إلى الشلّاء أرش ، وكذا ذكر الأشلّ وهو الّذي لا يتقلّص في برد ولا يسترسل في حرّ ، ولا يقطع الصّحيح بذكر العنّين ، ويقطع ذكر الصّحيح البالغ بذكر الصّبي والخصيّ ، وذكر الشابّ بالشّيخ والأغلف والمجنون سواء ، ويقطع العنّين بذكر الصّحيح ، ويقطع أذن الأصمّ بأذن السّميع وبالعكس ، والأنف الشّام بفاقده وبالعكس ، وأنف المجذوم بالصّحيح إذا لم يسقط منه شي‌ء ، والأذن الصحيحة بالأذن المثقوبة إذا لم يكن شينا ، ولا تؤخذ الصّحيحة بالمخرومة إلّا أن يردّ دية الخرم وإلّا اقتصّ إلى حدّ الخرم ، ويأخذ دية الباقي.

أمّا العدد ، فلا يقطع الكفّ الكامل بالناقص بإصبع ، ولو قطع يدا كاملة ، ويده ناقصة إصبعا ، فللمجنيّ عليه قطع الناقصة ، وتردّد الشيخ رحمه‌الله في أخذ دية الإصبع ، فأوجبه في الخلاف (١) ومنع منه في المبسوط إلّا أن يكون قد أخذ ديتها فله المطالبة حينئذ (٢) والأقرب عندي ما ذكره في الخلاف.

ولو كانت يد الجاني كاملة فللمجنيّ عليه قطع الأصابع الأربع والمطالبة بالحكومة في الكفّ.

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ١٩٣ ، المسألة ٦٠ من كتاب الجنايات.

(٢) المبسوط : ٧ / ٨٥ أشار إليه بقوله «وقال بعضهم : إن أخذ القصاص لم يكن له أخذ المال منه وكذلك نقول إذا كان خلقة أو ذهبت بآفة من الله ...» وما في المطبوع «وكذلك يقول» تصحيف.

٥٠٦

٧١٤٥. الثالث : لو قطع يمين غيره ولا يمين له ، قطعت يسراه ، ولو لم يكن له يسار ، قطعت رجله ، عملا بالرّواية (١) ولو قطع أيدي جماعة قطعت يداه ورجلاه ، الأوّل فالأوّل ، ومع قطع الأعضاء الأربعة تؤخذ الدّية للمتخلّف.

وكلّ ما انقسم إلى يمين ويسار ، كالأذنين ، والمنخرين ، والعينين ، واليدين ، والأليتين ، والأنثيين لا تؤخذ إحداهما بالأخرى ، وإن عملنا بالرّواية في اليدين فلا نتخطّاها إلى غيرهما ، وكذا ما انقسم إلى أعلى وأسفل ، كالجفنين ، والشّفتين لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا بالعكس.

وكذا لا تؤخذ أنملة عليا بسفلى ولا بالعكس ، ولا يؤخذ السّن بالسّن إلّا أن يتّفقا في الموضع والاسم.

ولا تؤخذ أصليّة بزائدة ولا بالعكس وإن اتّحد الموضع وتؤخذ الزائدة بمثلها مع الاتّفاق في المحلّ.

٧١٤٦. الرابع : يعتبر التّساوي في المساحة في الجراح طولا وعرضا ، ولا يعتبر نزولا ، بل يراعى الاسم ، لتفاوت الأعضاء بالسّمن والهزال ، ولو كان رأس الشّاجّ أصغر استوعبنا رأسه ، ولم نكمل بالقفاء ولا بالجبهة ، بل اقتصرنا على ما يحتمله العضو ، وأخذ بالزّائد بنسبة المتخلّف إلى أصل الجرح من الدية ، فيؤخذ بقدر ما يحتمله الرّأس من الشّجة وينسب الباقي إلى الجميع ، فإن كان بقدر الثلث ، فله ثلث أرش الموضحة ، وعلى هذا الحساب ولو كان المجنيّ [عليه] صغير العضو فاستوعبته الجناية ، لم نستوعب في المقتصّ ، بل اقتصرنا على قدر الجناية مساحة.

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١٩ / ١٣١ ، الباب ١٢ من أبواب قصاص الطرف ، الحديث ٣.

٥٠٧

ولو زاد المقتصّ على ما استحقّه قصاصا ، فعليه أرش كامل لتلك الزيادة ، لأنّه فارق الباقي في الحكم فأفرد بحكم ، ويحتمل أنّ عليه قسطا ، لأنّ الجميع موضحة واحدة.

٧١٤٧. الخامس : يشترط في القصاص في الشّجاج والأعضاء انتفاء التغرير ، فلا قصاص فيما فيه تغرير في النّفس ، كالمأمومة والجائفة.

ويشترط أيضا إمكان الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة ، فلا قصاص في الهاشمة والمنقّلة ، ولا في كسر شي‌ء من العظام ، إمّا للتغرير في النّفس ، أو لعدم ضبط الهشم ، بحيث لا يزيد ولا ينقص.

ويثبت في الشجاج في الموضحة إجماعا ، وكذا في كلّ جرح ينتهي إلى عظم فيما سوى الرّأس والوجه ، كالسّاعد والعضد والسّاق والفخذ.

ويثبت أيضا في الحارصة والباضغة والسمحاق ، وفي كلّ جرح لا تغرير فيه ، ويمكن استيفاء الحقّ منه من غير زيادة ولا نقصان.

ولا يقتصّ في الشّجاج بالسّيف ولا بآلة لا يؤمن معها استيفاء ما زاد على الحقّ ، ولا بالآلة المسمومة ، بل يقتصّ بالسكّين الحادّة والموسى.

وإنّما يقتصّ العارف بالقصاص ، ولا يمكّن الجاهل به ، سواء كان مستحقّه أو لا ، ولو كان المستحقّ عارفا بالاستيفاء ، مكّن منه.

٧١٤٨. السّادس : اختلف قول الشيخ رحمه‌الله في الاقتصاص قبل الاندمال ، فجوّزه في الخلاف مع استحباب الصّبر (١) ومنع منه في المبسوط (٢) لتجويز السّراية

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ١٩٦ ، المسألة ٦٥ من كتاب الجنايات.

(٢) المبسوط : ٧ / ٧٥.

٥٠٨

في المجنيّ عليه ، فيدخل قصاص الطّرف في النفس ، والوجه ما قاله في الخلاف.

أمّا لو قطع عدّة من أعضائه يزيد على الدّية خطأ وطلب الدّيات قبل الاندمال ، اقتصر على دية النفس ، فإن اندملت استوفى الباقي ، والّا سقط الزائد ، لأنّ دية الأطراف تدخل في دية النّفس إجماعا.

٧١٤٩. السابع : إذا اقتصّ من الجراح ، وكان على الموضع شعر ، حلقه وتعمد في موضع (١) الشّجّة من الرّأس ، فيعلم طولها بخيط وشبهه ، ويضعها على رأس المشجوج ، ويأخذ حديدة عرضها كعرض الشّجة فيضعها في أوّل العلامة ويجرّها إلى آخرها ويأخذ مثل الشّجّة طولا وعرضا لا عمقا ، بل الاسم على ما قلناه ، ولو شقّ ذلك على الجاني جاز أن يستوفي ذلك منه في أكثر من دفعة.

ولا يقتصّ في الطّرف في شدّة البرد والحرّ ، بل في اعتدال النهار.

ولا يقتصّ إلّا بحديدة ، ولو اقتصّ في العين انتزعها بحديدة معوجّة.

٧١٥٠. الثامن : يؤخذ الأذن بالأذن إجماعا ، ويستوي الكبير والصّغير وأذن الأصمّ والسميع ، لأنّ ذهاب السّمع نقص في الرأس ، لأنّه محلّه لا الأذن ، والصّحيحة بالمثقوبة في محلّ الثقب ، لا في غير محلّه ولا بالمخرومة ، بل يقتصّ إلى حدّ الخرم والثقب ، وتؤخذ دية ما يخلف.

وكما يثبت القصاص في الأذن أجمع ، فكذا في أبعاضها بالنّسبة من المساحة ، فيؤخذ نصف الأذن الكبيرة بنصف الصغيرة.

__________________

(١) في «ب» : وتعمّد موضع.

٥٠٩

ولو اقتصّ المجنيّ عليه في الأذن ، ثمّ ألصقها ، كان للجاني إزالتها ، لتحقّق المماثلة ، والوجه وجوب ذلك ، لأنّها تجب ما لم يخف الضّرر بإزالتها.

ولو قطع بعضها وجب القصاص فيه ، وكان الحكم في إلصاقه كالأذن.

ولو قطعها فتعلّقت بجلده ، ثبت القصاص لإمكان المماثلة ، فإن ألصقها المجنيّ عليه ، لم يكن للجاني إزالتها ، لأنّها لم تبن من الحيّ فليست نجسة ، وعلى قول من أوجب الإزالة هناك للمماثلة ، ينبغي إيجابه هنا.

ولو ألصقها المجنيّ عليه قبل الاستيفاء فالتصقت وثبتت ، ففي وجوب القصاص إشكال ، ينشأ من وجوبه بالإبانة ، وقد حصلت ، ومن عدم الإبانة على الدّوام ، فلا يستحقّ إبانة أذن الجاني على الدّوام ، أمّا لو سقطت بعد ذلك قريبا أو بعيدا ، فله القصاص ، والأقرب وجوب القصاص مطلقا ، وإن قلنا بعدمه فله الأرش.

ولو قطع المجنيّ عليه أذن الجاني ، فألصقها الجاني ، لم يكن للمجنيّ عليه إزالتها ، لأنّ الواجب الإبانة وقد حصلت ، ولو كان المجنيّ عليه لم يقطع جميع الأذن ، وإنّما قطع البعض ، فألصقه الجاني ، كان للمجنيّ عليه قطع جميعها ، لأنّه استحقّ إبانة الجميع ولم يكن الإبانة. (١)

٧١٥١. التاسع : يثبت القصاص في العين إجماعا ، وتستوي عين الشّابّ والشّيخ ، والصغير والكبير ، والمريضة والصّحيحة ، والعمشاء والسليمة ، ولا تؤخذ صحيحة بقائمة.

__________________

(١) في «ب» : ولم يكن ابانة.

٥١٠

ولو كان الجاني أعور خلقة ، قلعت عينه الصّحيحة بالواحدة من الصّحيح ، مع تساوي المحلّ ، وإن عمي فإنّ الحقّ أعماه ، ولا يردّ عليه.

ولو قلع الصّحيح عينه الصحيحة ، تخيّر بين أخذ الدية ألف دينار وبين قلع عين واحدة من الجاني ، وهل يأخذ مع ذلك نصف الدية؟ للشّيخ قولان :

أحدهما : نعم وهو اختياره في النهاية (١) والثاني : ليس له ذلك ، وهو اختياره في الخلاف (٢) وبه قال ابن إدريس (٣) وفيه قوّة ، هذا إذا كان العور خلقة ، أمّا لو كان بجناية جان ـ سواء أخذ أرشها أو استحقّه ولم يأخذه ـ فإنّ عينه الصّحيحة بخمسمائة دينار.

ولو قلع الأعور عين مثله ، قلعت عينه ولا ردّ ، ولو اختلفا في المحلّ فعلى الجاني الدّية كاملة ألف دينار ، وكذا إن قلعها خطأ.

ولو قلع الأعور عيني صحيح ، تخيّر المجنيّ عليه في أخذ عينه الصّحيحة بعينيه ، لأنّه إذهاب بجميع (٤) البصر كجنايته ، وان اختار [الدّية] أخذ دية كاملة ، وليس له قلع عينه الصّحيحة بإحدى عينيه وأخذ الدّية عن الأخرى وإن احتمل ذلك احتمالا قريبا.

ولو لطمه فذهب بضوء عينه دون العين ، توصّل في المماثلة بأخذ الضّوء دون العضو ، بأن تؤخذ مرآة محماة بالنّار بعد أن يوضع على أجفانه قطن مبلول ،

__________________

(١) النهاية : ٧٦٥ ـ ٧٦٦.

(٢) الخلاف : ٥ / ٢٥١ ، المسألة ٧٥ من كتاب الجنايات.

(٣) السرائر : ٣ / ٣٨١.

(٤) في «ب» : «إذهاب لجميع».

٥١١

ثم يستقبل عين الشّمس بعينه ، ويقرب المرآة منها ، ويكلّف النّظر إليها ، فإنّ الضّوء يذوب ، وتبقى العين قائمة (١).

ويؤخذ الجفن بالجفن مع التّساوي في المحلّ ، ويؤخذ جفن البصير بجفن مثله وبالضّرير وجفن الضّرير بجفن البصير ، لتساويهما في السّلامة والنّقص في العين.

٧١٥٢. العاشر : يثبت القصاص في الحاجبين ، وشعر الرأس واللّحية ، فإن نبت فلا قصاص ، بل يثبت فيه الأرش ، وكذا في باقي الشّعر يثبت فيه الأرش دون القصاص.

٧١٥٣. الحادي عشر : يثبت القصاص في الذّكر إجماعا ، ويستوي [في ذلك] ذكر الصّغير والكبير ، والشيخ والشاب ، والذّكر العظيم ، والصغير والصحيح ، والمريض ، والمختون ، والأغلف ، والخصيّ ، والسليم.

ولا يقاد الصّحيح بالعنّين ، بل يجب فيه ثلث الدّية ، ويؤخذ ذكر العنّين بمثله ، ويؤخذ بعض الذكر بمثله ، وذلك بالأجزاء دون المساحة ، فيؤخذ النّصف بالنّصف ، والرّبع بالرّبع ، ولا اعتبار بتساويهما في المساحة.

ويثبت في الخصيتين القصاص وفي إحداهما مع التّساوي في المحلّ ، إلّا أن يحكم أهل المعرفة بذهاب منفعة الأخرى ، فيسقط القصاص ، وتثبت الدّية.

__________________

(١) وعلى هذا وردت رواية لاحظ الوسائل : ١٩ / ١٢٩ ، الباب ١١ من أبواب قصاص الطرف ، الحديث ١.

٥١٢

ويثبت في الشفرين (١) القصاص كما يثبت في الشفتين ، ولو كان الجاني رجلا ، فلها الدّية.

ولو كان المجنّي عليه خنثى ، فإن ظهرت الذكوريّة فيه وجنى عليه رجل ، اقتصّ منه في الذّكر والأنثيين ، وكان له في الشّفرين الحكومة.

ولو جنت عليه امرأة كان عليها في الشفرين الحكومة ، وفي المذاكير (٢) الدّية.

ولو تبيّن أنّه امرأة ، وجنى عليه رجل ، وجب في الشّفرين الدّية وفي المذاكير الحكومة ، لأنّها زائدة.

وإن جنت عليه امرأة كان عليها في الشفرين القصاص وفي المذاكير الحكومة.

ولو طلب القصاص قبل ظهور حاله ، لم يكن له ذلك ، وإن طلب الدّية أعطي أقلّ الدّيتين ، وهو دية الشّفرين ، فإن ظهرت الذّكورة بعد ذلك أكمل له دية الذّكر والأنثيين ، والحكومة في الشّفرين ، ولو ظهر أنّه أنثى ، أعطي الحكومة في الباقي.

ولو طلب دية عضو ، مع بقاء القصاص في الباقي ، لم يكن له ذلك ، فإن طلب الحكومة في أحد العضوين مع بقاء القصاص في الاخر أجيب إليه ، وأعطي أقلّ الحكومتين ، فإن ظهر أنه ذكر اقتصّ في المذاكير ، وإن ظهر أنّه أنثى أكمل له حكومة المذاكير ، واقتصّ في الشّفرين.

__________________

(١) قال المصنف في القواعد : ٣ / ٦٤٤ : هما اللحم المحيط بالرّحم إحاطة الشفتين بالفم.

(٢) في «أ» : وفي الذّكر.

٥١٣

ولو لم ينكشف حاله وآيس منه ، لم يثبت له قصاص على الرّجل ولا على المرأة في شي‌ء من الأعضاء ، ويعطى نصف دية الذكر والأنثيين ونصف دية الشّفرين ، وحكومة في نصف ذلك كلّه.

ويثبت القصاص في الأليتين ، وهما الناتئان (١) بين الفخذ والظهر بجانبي الدّبر. (٢)

٧١٥٤. الثّاني عشر : يثبت القصاص في الأنف إجماعا ، ويستوي الكبير مع الصّغير ، والأقنى مع الأفطس ، والأشمّ مع فاقده ، لأنّ ذلك لعلّة في الدّماغ ، والأنف صحيح ، وإن كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح ما لم يسقط منه شي‌ء ، لأنّ ذلك مرض ، ولو سقط منه شي‌ء لم يقتصّ من الصحيح إلّا أن يكون من أحد جانبيه ، فيؤخذ من الصّحيح مثل ما بقي [منه].

والّذي يجب فيه القصاص هو المارن ، ـ وهو ما لان منه ـ والقصبة أيضا.

ولو قطع الأنف كلّه مع القصبة وجب القصاص في الجميع.

وقال في المبسوط : الّذي يؤخذ قودا ويجب فيه كمال الدية ، هو المارن من الأنف ، وهو ما لان منه ، وينزل عن قصبة الخياشيم الّتي هي العظم ، فهو من قصبة الأنف كاليدين من السّاعد ، ولو قطعه مع قصبة الأنف ، فهو كما لو قطع اليد مع بعض الساعد ، فيتخيّر المجنيّ عليه بين العفو إلى الدّية في المارن ، والحكومة في القصبة ، كما لو قطع يده من نصف الساعد ، وبين أخذ القصاص في المارن ، والحكومة في القصبة. (٣) وعندي فيه نظر.

__________________

(١) في «أ» : النائتان.

(٢) في «أ» : وجانبي الدّبر.

(٣) المبسوط : ٧ / ٩٥ ـ ٩٦.

٥١٤

ولو قطع بعض الأنف نسب المقطوع إلى أصله ، وأخذ من الجاني بتلك النّسبة بالأجزاء ، فإن كان المقطوع نصفا أخذ نصف أنف الجاني ، وإن كان ثلثا فالثّلث ، ولا تعتبر المساحة لئلّا يستوعب أنف الجاني لو كان صغير الأنف.

ويثبت القصاص في أحد المنخرين بشرط التّساوي في المحلّ بالأيمن والأيسر ، ويؤخذ الحاجز بالحاجز.

٧١٥٥. الثالث عشر : يثبت القصاص في السّن بشرط التّساوي في المحلّ ، وتؤخذ الصّحيحة بمثلها ، والمكسورة بالصّحيحة ، والأقرب أنّ له أرش الباقي ، فإن قلع سنّ مثغر ، وهو الغلام الّذي قد سقطت سنّ اللّبن ، ونبت مكانها ، يقال لمن سقطت رواضعه وهي سنّ اللّبن : ثغر فهو مثغور ، فإذا نبت قيل : اثّغر واتّغر (١) لغتان ، فإن قال أهل الخبرة : إنّ هذه لا تعود أبدا ، فللمجنيّ عليه القصاص ، وإن حكموا باليأس من عودها بعد مدّة ، فإن انقضت المدّة ولم تعد ثبت القصاص أيضا ، وإن عادت في تلك المدّة ، لم يثبت القصاص ، ويثبت الأرش.

ولو عادت بعد اليأس من عودها والحكم من أهل الخبرة أنّها لا تعود ، احتمل أن يقال : هذه العائدة هبة من الله تعالى مجدّدة فحينئذ إن كان المجنيّ عليه قد اقتصّ أو أخذ الدّية ، استوفى حقّه ، وإلّا كان له القصاص أو الدّية ، ويحتمل أن يقال : إنّ هذه العائدة هي الأولى ، فإن كان المجنيّ عليه أخذ الدّية ، استعيدت منه الدّية لا الأرش ، وإن كان قد اقتصّ ، أخذ منه الدّية لا الأرش أيضا ، لأنّا علمنا أنّه أخذ ما لا يستحقّ ، ولا يقتصّ منه ، لعدم القصد إلى العدوان ، وإن لم

__________________

(١) وأصله اثتغر ، قلبت الثاء تاء ثمّ ادغمت.

٥١٥

يكن اقتصّ ولا أخذ الدّية ثبت له الأرش ، وقيل : لا أرش له (١) وليس بمعتمد.

وأمّا إن كان الصبيّ غير مثغر ، فلا قصاص في الحال ولا دية ، لإمكان العود ، ينتظر سنة ، فإن عادت ففيها الحكومة ، وإلّا كان فيها القصاص.

ولو عادت ناقصة أو متغيرة ، فعليه أرش الساقطة وأرش نقصان العائدة ، وقيل : في سنّ الصبيّ مطلقا بعير. (٢)

ولو مات الصبيّ قبل اليأس من عودها ، فللوارث الأرش ، ولو اقتصّ البالغ بالسّنّ ، ثمّ عادت سنّ الجاني ، فإن قلنا إنّها هبة ، فلا شي‌ء عليه ، وإن قلنا إنّها الأولى ، قال الشيخ رحمه‌الله : الّذي يقتضيه مذهبنا أنّ للمجنيّ عليه قلعها أبدا (٣).

ولو عادت سنّ المجنيّ عليه بعد الاستيفاء للقصاص فعاد الجاني قلعها ، فإن قلنا هي هبة ، وجب على الجاني الدّية ، لفوات محلّ القصاص منه ، وإن قلنا هي الأولى ظهر عدم استحقاق القصاص أوّلا ، فيثبت للجاني الدّية ، ويثبت للمجنيّ عليه دية أيضا ، فيتقاصّان.

ولو أخذ الجاني سنّه المقلوعة قصاصا فأنبتها ، (٤) فنبت عليها اللّحم ، لم يجب قلعها ، لأنّها ليست نجسة ، بخلاف الأذن.

ولا تؤخذ سنّ بضرسين ولا بالعكس ، ولا ثنية عليا بسفلى ، ولا ثنيّة بضاحك ، لعدم التساوي في المحلّ ، ولا أصليّة بزائدة ولا بالعكس وإن اتّحد المحلّ ، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ.

__________________

(١) لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف : ٩ / ٣٨٧ ـ ٣٩٠.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٧ / ١٣٨ : الّذي رواه أصحابنا في كلّ سنّ بعير ، ولم يفصّلوا.

(٣) المبسوط : ٧ / ٩٩.

(٤) في «أ» : فأثبتها.

٥١٦

وإذا عادت سنّ من لم يثغر قصيرة ، ضمن النّاقص بالحساب ، ففي ثلثها ثلث الدّية ، وفي ربعها الرّبع.

ويجري القصاص في بعض السّن ، فلو كسر سنّ مثغر ، برد من سنّه (١) بقدر ما ذهب ، ويؤخذ ذلك بالنسبة بالأجزاء لا بالمساحة ، فإن كان الذّاهب نصفا أخذ منه نصف سنّة وعلى هذا الحساب ، ولا يقتصّ بالكسر لئلا تنصدع (٢) أو تنكسر من غير موضع القصاص.

ولا يقتصّ إلّا أن يحكم أهل الخبرة بالأمن من انقلاعها. (٣)

٧١٥٦. الرابع عشر : يثبت القصاص في اليدين وفي كلّ واحدة منهما إجماعا ، بشرط التّساوي في المحل ، فلا تقطع يمين بيسار ولا بالعكس ، إلّا مع العدم ، على ما قلناه أوّلا.

فإن قطع الأصابع من مفاصلها ، ثبت القصاص فيها أجمع ، وإن قطعها من نصف الكفّ ، فله قطع الأصابع ، وحكومة في نصف الكفّ ، لأنّه ليس بمفصل محسوس ، فلا يؤمن الحيف من القصاص فيه.

وإن قطع من الكوع فله قطع اليد من الكوع ، لأنّه مفصل محسوس ، وليس له قطع الأصابع والمطالبة بالحكومة في الباقي ، وله قطع الأصابع من غير شي‌ء

ولو قطع من نصف الذّراع ، فليس له القصاص من ذلك الموضع ، لأنّ العروق والأعصاب مختلفة الوضع فيه ، وله القطع من الكوع ، والمطالبة بالحكومة في نصف الذّراع ، وهل له أن يقطع الأصابع خاصّة ويطالب بالحكومة

__________________

(١) أي أخذ من سنّة بالمبرد.

(٢) في «أ» : يتصدّع.

(٣) في «ب» من قلاعها.

٥١٧

في الكفّ؟ الأقرب أنّه ليس له ذلك ، لإمكان أخذه قصاصا فليس له الأرش.

وإن قطع من المرفق فله القصاص وليس له القطع من الكوع والمطالبة بالحكومة في السّاعد.

ولو قطع من العضد فلا قصاص منه وله القصاص من المرفق وله حكومة الزائد.

وإن قطع من المنكب فله القصاص منه.

ولو خلع عظم المنكب ويقال له مشط الكتف فإن حكم ثقتان من أهل الخبرة بإمكان الاستيفاء من غير أن يصير جائفة استوفى وإلّا فالدّية وله الاستيفاء من المنكب والمطالبة بالأرش.

وحكم الرّجل والسّاق كاليد والذرع والفخذ كالعضد والورك كعظم الكتف ، والقدم كالكفّ.

ولو قطع الأقطع يد من له يدان ، فله القصاص.

ولو قطع يده من له يدان ، قطعت له يد واحدة ولا ردّ بخلاف عين الأعور ، وكذا الأذنان والرّجلان.

ولو قطع ذو اليد الناقصة إصبعا يدا كاملة فللمجنيّ عليه قطع النّاقصة وأخذ دية الإصبع الناقصة ، اختاره في الخلاف (١) ومنعه في المبسوط (٢) إلّا أن يكون أخذ ديتها.

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ١٩٣ ، المسألة ٦٠ من كتاب الجنايات.

(٢) المبسوط : ٧ / ٨٥. وفيه «كذلك يقول ...» وهو مصحف ، والصّحيح «كذلك نقول» كما أشرنا سابقا.

٥١٨

ولو انعكس الحال ، قطع من الجاني الأصابع الأربع وأخذ حكومة الكفّ.

ولا تؤخذ الكاملة بالناقصة ، ولو قطع اصبع رجل ، فسرت إلى كفّه ثمّ اندملت ثبت القصاص فيها والأقرب أنّه ليس له القصاص في الاصبع وأخذ دية الباقي.

٧١٥٧. الخامس عشر : لو قطع ذو الإصبع الزائدة كفّا زائدة (١) إصبعا مساوية لها ، ثبت القصاص للتّساوي ولو اختصّت الزائدة بالجاني وكانت خارجة عن الكفّ يمكن القصاص في اليد مع بقائها ، اقتصّ منه ، وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ، ثبت القصاص في الخمس ، وأخذ الحكومة في الكفّ وإن كانت متّصلة ببعض الأصابع ، ثبت القصاص في أربع غير الملتصقة ، وأخذ دية الخامسة والحكومة في الكفّ ولو كانت الزائدة للمجنيّ عليه ، فله القصاص في اليد ودية الزائدة ، وهي ثلث دية الأصليّة.

ولو كان في أصابع المجنيّ عليه إصبع شلّاء لم يجز أخذ الصّحيحة بها فيقتصّ في الأربع ويؤخذ ثلث دية الإصبع عن الشّلّاء والحكومة في الكفّ.

ولو كانت إحدى الخمس من المجنيّ عليه زائدة وخمس الجاني أصلية ثبت القصاص في الأربع وله أرش الزائدة والحكومة في الكفّ ، ولو كان بالعكس ثبت القصاص لأنّ النّاقص يؤخذ بالكامل ، هذا إن كان المحلّ واحدا.

ولو كان في أنامل الجاني أنملة ذات طرفين لم يقطع بالواحدة بل أخذ دية الأصليّة ولو انعكس الحال اقتصّ منه وأخذ منه دية الزّائدة ، وهي ثلث دية الأنملة الأصليّة ، ولو تساويا ثبت القصاص.

__________________

(١) في «ب» : كفّا زائدا.

٥١٩

٧١٥٨. السادس عشر : يثبت القصاص في الأصابع مع التّساوي في المحلّ ، فالإبهام من اليمنى بمثلها والسّبابة منها بمثلها وهكذا ولا تقطع الأصليّة بالزائدة ولا بالعكس مع تغاير المحل وإن اتّحد المحلّ قطعت وكذا لا تقطع الزائدة بالزائدة إلّا مع تساوي المحلّين.

وكلّ عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدّية مع فقده فلو قطع إصبعين وله واحدة أو قطع كفّا تامّا وليس للقاطع أصابع ، قطع الموجود له ، وأخذ منه دية الفائت.

ولو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى ، فإن سبق صاحب العليا ، اختصّ له ، وكان للآخر الوسطى ، وإن سبق صاحب الوسطى الاخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا ، اقتصّ له ، وإن كان عفا ، كان لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا.

ولو سبق صاحب الوسطى فقطع ، استوفى حقّه وزيادة ، فعليه دية العليا ، ولصاحب العليا على الجاني دية العليا.

ولو كان القطع لصاحب الوسطى أوّلا أخّر حتّى يستوفي صاحب العليا كما لو سبق بالجناية على صاحب العليا ، توصّلا إلى استيفاء الحقّين.

ولو قطع إصبع رجل ويد آخر ، اقتصّ للأوّل ثمّ للثّاني ، ورجع بدية إصبع ، ولو قطع اليد أوّلا ، اقتصّ لصاحبها ، وأخذ صاحب الإصبع الدية.

ولو قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يكن له القصاص لأنّ الكاملة لا تؤخذ بالنّاقصة ، وثبت له الدّية ، ولو كانت المقطوعة ذات أظفار إلّا أنّها خضراء أخذ بها السليمة لأنّها مرض والمرض لا يمنع القصاص.

ولو قيل : يثبت القصاص في الأوّل أيضا وفي اليد الكاملة للنّاقصة

٥٢٠