تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

الدّارين أو أحد الخانين ، ويجعل الباقي نصيبا لشريكه ، لم يجبر الممتنع ، سواء كانا متجاورين أو متباعدين ، وسواء كانت إحدى الدارين حجرة للأخرى أو لا. (١)

٦٥٩٧. الخامس : لو كان بينهما أرض وزرع ، فطلب أحدهما قسمة الأرض خاصّة أجبر الممتنع ، وإن طلب قسمة الزرع خاصّة ، فكذلك إن ظهر ، وإن كان بذرا لم يظهر لم يجبر ، ولو طلب قسمة كلّ واحد منهما على حدته أجبر الاخر ، ولو طلب قسمة الأرض والزرع بعضا في بعض لم يجبر الاخر ، لأنّ الزرع كالمتاع ليس من أجزاء الأرض.

٦٥٩٨. السّادس : لو كان بينهما أرض واحدة لا ضرر في قسمتها ، أجبر الممتنع ، سواء كانت فارغة أو مشغولة بشجر أو بناء ، فإن كان فيها نخل وكرم وشجر مختلف الأجناس ، قسّمت كالدار الواسعة بعضا في بعض ، ولو طلب قسمة كلّ عين على حدتها ، فالأقرب أنّه لا يجبر الاخر ، لاشتماله على الضرر.

ولو كان بينهما قرحان (٢) متعدّدة وطلب أحدهما قسمتها بعضا في بعض ، لم يجبر الممتنع ، ولو طلب قسمة كلّ قراح بانفراده أجبر الاخر ، وكذا الحبوب المختلفة.

ويقسّم القراح الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه.

__________________

(١) ردّ على فتوى أبي حنيفة حيث ذهب إلى انّه يجبر إن كانت إحدى الدارين حجرة للأخرى.

لاحظ العزيز شرح الوجيز للرافعي : ١٢ / ٥٥٤.

(٢) قال في مفتاح الكرامة : ١٠ / ٢٠٤ : القرحان جمع كثرة ، فإن كان بكسر الفاء ، كان واحده «قراح» بضمّ الفاء ، كغلام وغلمان ، وغراب وغربان فيكون مطّردا ، وإن كان بضمّ الفاء كان مفرده أيضا بضمّها ، لكنّه قليل غير مطّرد ، كزقاق وزقان.

وقال الفقهاء : إنّ القراح الأرض الخالية من البناء والماء والشجر ، لكنّ الشيخ في المبسوط صرّح بأنّ القراح ما يكون فيه أشجار. ولعلّه في الأصل كما ذكروه ، وصار عرفا لما ذكر.

٢٢١

ولا تقسّم الدكاكين المتجاورة بعضها في بعض قسمة إجبار ، لأنّها أملاك متعدّدة يقصد كلّ واحد منها بالسكنى منفردا ، فهي كالأقرحة المتعدّدة.

ولو كانت الأرض ثلاثين جريبا ، قيمة عشرة منها كقيمة عشرين ، أجبر الممتنع من القسمة عليها.

ولو كان بينهما أرض قيمتها مائة ، في أحد نصفيها (١) بئر قيمتها مائة ، وفي النصف الاخر شجرة قيمتها مائة ، عدّلت بالقيمة ، وجعلت البئر مع أحد النصفين ، والشجرة مع الاخر.

ولو كانت بين ثلاثة لم تجب القسمة ، لأنّ البئر تخلص لأحدهم ، والشجرة للثاني ، والأرض للثالث ، وذلك ممّا لا نفع فيه.

ولو كانت قيمة الأرض أكثر من مائة ، بحيث يأخذ بعض الشركاء سهمه منها ويبقى منها شي‌ء مع البئر والشجرة ينتفع به ، وجبت القسمة ، بأن تكون قيمة الأرض مائتين وخمسين ، فيبلغ الجميع أربعمائة وخمسين ، فيجعل كلّ مائة وخمسين نصيبا فيضمّ (٢) إلى البئر خمسين وإلى الشجرة خمسين ويتقارعان.

ولو كانت الأرض لاثنين ، وأرادا قسمة البئر والشجرة دون الأرض ، لم تكن قسمة إجبار ، وكذا الأرض ذات الشجر (٣) إذا اقتسما الشجر ٤ دون الأرض أو بالعكس لم تكن قسمة إجبار ، ولو اقتسماها بشجرها ، كانت قسمة إجبار ، لأنّ الشجر يدخل في الأرض ، فيصير الجميع كالشي‌ء الواحد ، ولهذا وجبت فيه الشفعة إذا بيع مع الأرض.

__________________

(١) في «ب» : في أحد نصفها.

(٢) في «ب» : فيضمّه.

(٣) (٣ و ٤). في «أ» : الشجرة.

٢٢٢

٦٥٩٩. السّابع : القسمة عندنا تميّز حقّ عن غيره ، وليست بيعا ، نعم لو اشتملت على الردّ تضمّنت معاوضة في القدر الّذي يقابله العوض ، وإن لم يكن بيعا على الحقيقة ، فيجوز فصل الوقف عن الطلق ، أمّا فصل الوقف عن الوقف فلا يجوز ، لأنّه كالتغيير لشرط الوقف (١) ، ولو أشرف على الهلاك واقتضت المصلحة قسمته ، فالوجه الجواز ، كما أجزنا البيع حينئذ ، ولو قيل بقسمة الوقف بعضه من بعض مطلقا أمكن ، إذ القسمة ليست بيعا ، والأقرب عدم جوازها ، إذ البطن الثاني يأخذ الوقف عن الواقف ، ولا يلزمه ما فعل البطن الأوّل.

ولو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، فالأقرب جواز القسمة.

٦٦٠٠. الثامن : يشترط في قسمة الرضا ، التراضي بعد القرعة ، ولا بدّ فيه من اللفظ ، نحو «رضيت» وما أدّى معناه ، ولا يكفي السكوت ، أمّا قسمة الإجبار فلا يشترط فيها الرضا بعد القرعة ، لأنّ قرعة قاسم الحاكم بمنزلة حكمه.

ولا يفتقر في قسمة التّراضي إلى قوله : رضيت بالقسمة ، أو قاسمتك بل يكفي رضيت بذلك.

٦٦٠١. التّاسع : القسمة إن وقعت في ذوات الأمثال ، جازت التسوية بالوزن والكيل ، وإن كانت في عرصة متساوية الأجزاء ، فالتسوية بالمساحة ، وتبسط على أقلّ الحصص ، بأن يقسّم أسداسا إذا كان لأحدهم النصف ، وللثاني الثلث ، وللآخر السدس ، ولو افتقر إلى التعديل بالقيمة عدّل كذلك ، ثمّ يكتب أسماء الملّاك على ثلاث رقاع ، ويدرجها في بنادق من طين أو شمع متساوية ،

__________________

(١) في «ب» : كالتغيّر بشرط الواقف.

٢٢٣

ويسلّمها إلى من لم يشاهد ذلك ، فيخرج واحدة ، ويقف القسّام على الطرف ، فإن خرج اسم صاحب النصف أعطاه الجزء الأوّل والثاني والثالث ، ثمّ يخرج اسم صاحب الثلث أعطاه الرابع والخامس ، وتعيّن السادس لصاحب السدس وإن خرج اسم صاحب السدس ، أعطاه الرابع ، وتعيّن الآخران لصاحب الثلث ، وتعيين (١) ما منه ابتداء التسليم إلى اختيار القسّام ، فيقف على أيّ طرف شاء ، ولا يخرج في هذه على السهام بل على الأسماء ، وكما صوّرناه ، لئلّا يؤدّي إلى تفرّق السهام ، وهو ضرر.

أمّا لو كان الملك لاثنين نصفين ، فإنّ القاسم يخرج إن شاء على السّهام ، كما قلناه ، وإن شاء على الأسماء ، بأن يكتب كلّ نصف في رقعة ، ويميز كلّ نصف بما لا يشاركه فيه الاخر ، ويستر الرقعتين ، ثمّ يأمر من لم يطّلع على الصورة بإخراج إحداهما على اسم أحد المتقاسمين ، فما خرج فله ، والباقي للآخر.

٦٦٠٢. العاشر : الأجزاء إن كانت متساوية قيمة ، والأنصباء متساوية ، بأن تكون الأرض لستّة وأجزاؤها متساوية ، فإنّها تقسّم ستّة أجزاء ، ثمّ تكتب ستّة رقاع متساوية ، في كلّ واحدة اسم واحد ، ثم يقال للمخرج : أخرج واحدة على هذا السهم ، فمن خرج اسمه كان السهم له ، ثمّ يخرج أخرى على سهم آخر ، حتّى يبقى الأخير ، وإن كتب في الرّقاع أسماء السهام ، كتب في رقعة الأوّل وفي أخرى الثّاني ، وهكذا ، ثمّ يخرج الرقعة على واحد بعينه ، فما خرج في الرقعة من السهم كان له ، وهكذا.

__________________

(١) في «أ» : وتعيّن.

٢٢٤

وإن تساوت الأنصباء واختلفت القيمة (١) عدّلت الأرض بالقيمة ، وتجعل ستّة أجزاء ، ولا اعتبار بالمساحة (٢) فيجوز أن يكون أحد النصيبين جريبا ، والاخر اثنين إذا تساوت قيمتهما ، ثمّ يخرج القرعة على ما سبق.

وإن تساوت الأجزاء واختلفت الأنصباء ، جعلت سهاما بقدر أقلّها ، وكتب ثلاثة رقاع بأسمائهم ، ثمّ يخرج ، فإن خرج صاحب النصف كان له الأوّل والثاني والثالث ، ثمّ يخرج أخرى ، فإن خرج صاحب الثلث ، فله الرابع والخامس ، ويبقى السادس لصاحب السدس ، ولو خرجت رقعة صاحب الثلث أوّلا ، فله الأوّل والثاني ، ثمّ إن خرجت رقعة صاحب النصف ، فله الثالث والرابع والخامس ، وإن خرجت رقعة صاحب السّدس ، فله الثالث ، ويبقى الباقي لصاحب النصف.

ولو اختلفت الأنصباء والقيمة ، عدّل القاسم السهام ، وجعلها ستّة أجزاء ، ثمّ فعل في الرقاع كما تقدّم.

ولو افتقرت القسمة إلى الردّ ، بأن يكون في حصّة أحدهما بناء أو شجر لم يجبر أحد عليها ، لأنّها نوع معاوضة ، والمعاوضة لا يجبر عليها.

فإن اتّفقا على الرّد ، وعدّلت السّهام ، لم يلزم بنفس القرعة ، بل لا بدّ من الرضا بعدها ، لأنّ كلّ واحد منهما (٣) لا يعلم حصول العوض له.

__________________

(١) في «أ» : واخلفت القسمة.

(٢) في «أ» : «والاعتبار» ولعلّه مصحّف.

(٣) في «أ» : منها.

٢٢٥

المطلب الثالث : في الأحكام

وفيه اثنا عشر بحثا :

٦٦٠٣. الأوّل : الأقرب قبول شهادة القاسم إن لم يكن بأجرة ، ولو كان بأجرة حصلت التهمة ، فلا تقبل شهادته حينئذ ، لأنّه يوجب الأجرة لنفسه.

٦٦٠٤. الثاني : لو ادّعى أحد الشريكين الغلط في القسمة ، وأنّه (١) أعطي دون حقّه ، وأنكر الاخر ، فالقول قول المنكر مع يمينه ، ولا تقبل دعوى المدّعي إلّا بالبيّنة ، وإن أقام شاهدين على الغلط ، نقضت القسمة وأعيدت ، وإن لم يكن هناك بيّنة كان له إحلاف الشريك ، سواء كانت القسمة تلزم بالقرعة أو تتوقّف على التراضي ، كما لو اقتسما بأنفسهما ، فإنّه تسمع دعواه ، ويحلف خصمه أيضا مع عدم البيّنة.

وعلى كلّ تقدير فليس له إحلاف قاسم القاضي على عدم الغلط ، لأنّه حاكم ، ولو حلف بعض الشركاء ونكل الباقون ، أحلف مدّعي الغلط ، وأفادت يمينه نقض القسمة في حقّ الناكلين دون الحالفين.

٦٦٠٥. الثالث : لو اقتسما ثمّ ظهر استحقاق البعض للغير ، فإن كان معيّنا في نصيب أحدهما ، بطلت القسمة ، ولا يتخيّر من ظهر الاستحقاق في يده بين الفسخ والرجوع بما بقي من حقّه ، ولو كان المستحقّ في نصيبهما مشاعا على السواء ، لم تبطل القسمة ، لأنّ ما يبقى لكلّ واحد منهما بعد المستحقّ قدر حقّه ، نعم لو تضرّر أحدهما بالمستحقّ أكثر مثل أن يسدّ طريقه ، أو مجرى مائه ، أو ضوئه ، ونحوه ، بطلت القسمة ، لأنّه يمنع التعديل.

__________________

(١) في «أ» : فإن.

٢٢٦

ولو كان المستحقّ في نصيب أحدهما أكثر بطلت أيضا ، ولو كان المستحقّ مشاعا في نصيبهما بطلت القسمة ، لأن الثالث شريك ، فلا بدّ من رضاه بالقسمة ، وللشيخ رحمه‌الله قول آخر : أنّه لا يبطل فيما زاد على المستحقّ (١) والأوّل أجود ، ولا فرق في ذلك بين أن يعلما حال القسمة أو أحدهما بالمستحقّ وبين ألا يعلما.

٦٦٠٦. الرابع : لو ظهر في نصيب أحدهما عيب لم يعلمه قبل القسمة ، كان له فسخ القسمة ، أو الرجوع بالأرش كالبيع ، ويحتمل بطلان القسمة ، لأنّ التعديل شرط فيها ولو يوجد بخلاف البيع.

٦٦٠٧. الخامس : لو بنى أحدهما في نصيبه أو غرس ، ثمّ ظهر استحقاق ذلك النصيب ، فنقض بناءه وقلع غرسه ، لم يرجع على الشريك بشي‌ء من البناء والغرس ، وأبطلت القسمة ، لأنّ القسمة عندنا ليست بيعا فلم يغرّه الشريك ولم ينتقل إليه من جهته ببيع ، وإنّما أفرز حقّه ، فلم يضمن له ما غرم فيه.

ولو كان البناء سابقا للأوّل قبل الشريكين ، ثمّ ظهر الاستحقاق ، فالبناء للمالك ، فان كان من وصل إليه دفع عوضا عنه إلى شريكه ، كان له الرّجوع بالعوض.

٦٦٠٨. السّادس : إذا اقتسم الورثة التركة ثمّ ظهر دين على الميّت لا وفاء له إلّا فيما اقتسموه ، لم تبطل القسمة لكن إن أقام الورثة (٢) بالدين ، فالقسمة بحالها ، وان امتنعوا نقضت القسمة وبيعت التركة في الدّين ولو أجاب أحدهم وامتنع

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ١٤٢.

(٢) في «أ» : قاسم الورثة.

٢٢٧

الاخر بيع نصيب الممتنع خاصّة ، وبقي نصيب المجيب بحاله ولو كان هناك وصيّة لا بجزء من المقسوم ، فالبحث فيه كما في الدّين ، كما لو أوصى بمائة دينار ولم يعيّن المال ، ولو كان بجزء من المقسوم فالبحث فيه كما لو ظهر البعض مستحقّا على ما تقدّم من التفصيل.

٦٦٠٩. السّابع : لو طلب أحد الشريكين من الاخر المهاياة من غير قسمة ، إمّا في الأجزاء ، بأن يجعل لأحدهما بعض الدار يسكنه ، أو بعض الأرض يزرعه ، والباقي لشريكه ، أو في المدّة ، بأن يسكن أحدهما الدار سنة ، أو يزرع الأرض سنة ، والاخر سنة ، لم يجبر الممتنع ، نعم لو اتّفقا عليها جاز ، ولا يلزم ، بل لكلّ منهما فسخها.

ولو طلب أحدهما القسمة كان له ذلك ، وانتقضت المهاياة.

٦٦١٠. الثّامن : إذا طلب الشريكان القسمة من الحاكم ، فإن عرف الحاكم الملك لهما بنفسه أو بالبيّنة ، أجابهما إلى ذلك ، وإن لم يعرف ولم تقم عنده بيّنة ، وكانت يدهما عليه ولا منازع ، فللشيخ قولان :

أحدهما : أنّه لا يقسّم (١) لأنّها قد يكون لغيرهم ، فإذا قسّمها سلّط كلّ واحد على نصيبه ، وثبت له ذلك بالحكم.

والثّاني أنّه يقسّم ، (٢) لأنّ اليد تقضي بالملكيّة ظاهرا.

__________________

(١) نسبه في الشرائع إلى المبسوط ولكنّ الموجود فيه : «أنّ الأوّل أقوى» والظاهر أنّ المراد من الأوّل : «أنّه يقسّم» لاحظ شرائع الإسلام : ٤ / ١٠٢ ؛ والمبسوط : ٨ / ١٤٨.

(٢) الخلاف : ٦ / ٢٣٢ ، المسألة ٣٠ من كتاب آداب القضاء.

٢٢٨

٦٦١١. التّاسع : إذا اتّفق الشريكان على المهاياة ، فرجع أحدهما قبل استيفاء نوبته ، فله ذلك ، فإن استوفى ثمّ رجع جاز أيضا ، لكن يغرم أجرة ما انفرد به.

٦٦١٢. العاشر : لو كان في دار سطحان يجرى ماء أحدهما على الاخر ، فاقتسما ، فمنع الشريك الاخر من جريان ماء سطحه على سطح الاخر الحاصل له بالقسمة ، فإن كان بينهما شرط أنّه يردّ الماء ، فله المنع ، وإن لم يشترط فالأقرب أنّه ليس له ذلك لأنّهما اقتسما الدار وأطلقا ، فاقتضى ذلك أن يملك كلّ واحد حصّته بحقوقها ، كما لو اشتراها بحقوقها ، ومن حقّها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتادا له.

٦٦١٣. الحادي عشر : لو اقتسما دارا فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ، وكان لنصيب الاخر منفذ يستطرق منه ، صحّت القسمة ، وإن لم يكن له منفذ ، بطلت ، ولو علم أنّه لا طريق له ، ورضي به صحّت القسمة.

٦٦١٤. الثاني عشر : يجوز للأب والجدّ والوصيّ والحاكم وأمينه قسمة مال الطفل والمجنون ، ويجوز لهم قسمة التراضي من غير زيادة في العوض ، وكذا يجوز للوكيل العامّ القسمة مع المصلحة لموكّله.

٢٢٩

الفصل الثّامن : في نوادر القضايا والأحكام

روى أبو شعيب المحاملي عن الرّفاعي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قبّل رجلا يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ، ثمّ عجز ، قال : تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى ، والاثنين للاثنين ، والثلاثة للثلاثة ، وعلى هذه الحساب إلى عشرة (١).

والوجه حمل هذه الرواية على موضع ينقسم فيه أجرة المثل على هذا الحساب ، ولا استبعاد في ذلك.

وروى حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بعبد لذمّي قد أسلم ، فقال : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده. (٢)

وروى حريز عن أبي عبيدة (زياد بن عيسى الحذاء) (٣) قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل ألف درهم يخلّطها بماله ، ويتّجر بها ، قال : فلمّا طلبها منه ، قال : ذهب المال ، وكان لغيره معه مثلها ، ومال كثير لغير واحد ، فقال : كيف صنع أولئك؟ قال : أخذوا أموالهم ، فقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام جميعا : يرجع عليه بماله ، ويرجع هو على أولئك بما أخذوا (٤).

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٢٨٧ ، رقم الحديث ٧٩٤ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٢) التهذيب : ٦ / ٢٨٧ ، رقم الحديث ٧٩٥ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٣) ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.

(٤) التهذيب : ٦ / ٢٨٨ ، رقم الحديث ٧٩٩ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

٢٣٠

وتحمل هذه الرواية على أنّ العامل مزج مال الأوّل بغيره (١) بغير إذنه ، ففرّط ، وأمّا أرباب الأموال الباقية فقد كانوا أذنوا في المزج.

محمد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام :

جعلت فداك ، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم ، أتقبل دعواه بلا بيّنة ، أم لا تقبل دعواه إلّا ببيّنة؟ فكتب إليه : يجوز بلا بيّنة.

قال : وكتبت إليه : إن ادّعى زوج (المرأة) (٢) الميّتة ، وأبو زوجها وأمّ زوجها من متاعها أو خدمها مثل الّذي ادّعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدّعوى؟ فكتب : لا (٣).

وهذه الرواية محمولة على الظاهر من أنّ المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها ، وحمل ابن إدريس قوله عليه‌السلام : «يجوز بلا بيّنة» على الاستفهام تارة ، وأسقط [الإمام عليه‌السلام] حرفه ، وعلى الإنكار لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة أخرى (٤) وتتمّة الخبر تنافي ذلك.

محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن يزيد بن إسحاق عن هارون بن حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل استأجر أجيرا ، فلم يأمن أحدهما صاحبه ، فوضع الأجر على يد رجل [ثالث] فهلك ذلك الرّجل ولم يدع وفاء ، واستهلك (٥) الأجر ، فقال : المستأجر ضامن لأجرة الأجير حتّى يقضي ، إلّا أن

__________________

(١) في «أ» : مزج مال الأوّل لغيره.

(٢) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٣) التهذيب : ٦ / ٢٨٩ ، رقم الحديث ٨٠٠ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٤) السرائر : ٢ / ١٨٩ قال : ويحتمل أيضا أنّه أراد بذلك التهجين والذّم لمن يرى عطيّة ذلك بغير بيّنة ، بل بمجرّد دعوى الأب.

(٥) كذا في المصدر : ولكن في النسختين «فاستهلك».

٢٣١

يكون الأجير دعاه إلى ذلك ، فرضي بالرّجل ، فإن فعل، فحقّه حيث وضعه ورضي به (١).

محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بردّ الحبيس (٢) وإنفاذ المواريث.

يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

قلت : عشرة كانوا جلوسا ، ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضا :

ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، فقال واحد منهم : هو لي ، فلمن هو؟ قال :

للّذي ادّعاه. (٣)

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن الحسن بن مسكين عن رفاعة النّخّاس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا طلّق الرّجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرّجال والنساء قسّم بينهما ، وإذا طلّق الرّجل المرأة ، فادّعت أنّ المتاع لها ، وادّعى أنّ المتاع له ، كان له ما للرّجال ، ولها ما للنساء (٤).

عليّ بن محمّد القاسانيّ عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٢٨٩ ، رقم الحديث ٨٠١ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٢) نقل ابن إدريس أنّه سأله الشيخ محمود الحمصي عن معنى هذا الحديث فشرحه له وقال : الحبيس معناه الملك المحبوس على بني آدم من بعضنا على بعض مدّة حياة الحابس ، دون حياة المحبوس عليه ، فإذا مات الحابس ، فانّ الملك المحبوس يكون ميراثا لورثة الحابس ، وينحلّ حبسه على المحبوس عليه ، فقضى عليه‌السلام بردّه إلى ملك الورثة ... وأنفذ المواريث فيه على ما تقتضيه شريعة الإسلام. السرائر : ٢ / ١٩٠.

(٣) الوسائل : ١٣ / ٣٢٨ ، الباب ٥ من كتاب السكنى والحبس ، الحديث ١ ؛ والتهذيب : ٦ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، رقم الحديث ٨٠٦ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٤) الوسائل : ١٧ / ٥٢٥ ، الباب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٤.

٢٣٢

داود المنقريّ عن عبد العزيز بن محمّد الدّراورديّ (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن أخذ أرضا بغير حقّها وبنى فيها ، قال : يرفع بناؤه وتسلم التربة إلى صاحبها ، ليس لعرق ظالم حقّ ، ثمّ قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: من أخذ أرضا بغير حقّ كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر (٢).

عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن ابيه عن علي عليه‌السلام انّه قضى في رجلين اختصما في خصّ ، فقال : إنّ الخصّ للّذي إليه القمط (٣).

و [القمط] هو الحبل ، والخصّ : الطّنّ الّذي يكون في السواد بين الدور ، فكان من إليه الحبل و [هو] أولى من صاحبه.

الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أميّة بن عمرو ، عن الشعيري ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن سفينة انكسرت في البحر ، فأخرج بعضه (٤) بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أخرج بالغوص ، فهو لهم ، وهم أحقّ به (٥).

محمد بن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن جماعة من أصحابنا

__________________

(١) قال ابن إدريس : الدراورديّ منسوب إلى دار بجرد ، هكذا ذكره ابن قتيبة والزجاج. وقال غيرهما : هو منسوب إلى دراورد ، قرية بخراسان.

(٢) التهذيب : ٦ / ٢٩٤ ، رقم الحديث ٨١٩ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ ؛ والوسائل : ١٧ / ٣١١ ، الباب ٣ من أبواب الغصب ، الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل : ١٣ / ١٧٣ ، الباب ١٤ من كتاب الصلح ، الحديث ٢.

(٤) في الوسائل : بعضها.

(٥) الوسائل : ١٧ / ٣٦٢ ، الباب ١١ من أبواب ، اللقطة ، الحديث ٢ ؛ والتهذيب : ٦ / ٢٩٥ ، رقم الحديث ٨٢٢.

٢٣٣

عنهما عليهما‌السلام ، قال : الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة ، ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الّذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء (١).

محمد بن يحيى الخزّاز ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، أنّ عليّا عليه‌السلام كان يفلّس الرّجل إذا التوى (٢) على غرمائه ، ثمّ يأمر به ، فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى ، باعه فقسّمه بينهم ، يعني : ماله (٣).

عنه عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه ، أنّ عليّا عليه‌السلام كان يحبس في الدين ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالا (٤).

وروى السّكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ عليه‌السلام : أنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسرا ، فأبى أن يحبسه ، وقال : إنّ مع العسر يسرا (٥).

عنه عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه‌السلام كان يحبس في الدّين ، ثمّ ينظر ، فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال ، دفعه إلى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم إن شئتم واجروه ، وإن شئتم استعملوه. وذكر الحديث (٦).

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٢١٦ ، الباب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١.

(٢) قال الحلّي : معنى التوى : أي دافع ومطل. السرائر : ٢ / ١٩٦.

(٣) الوسائل : ١٣ / ١٤٦ ، الباب ٦ من كتاب الحجر ، الحديث ١.

(٤) الوسائل : ١٣ / ١٤٨ ، الباب ٧ من كتاب الحجر ، الحديث ١.

(٥) الوسائل : ١٣ / ١٤٨ ، الباب ٧ من كتاب الحجر ، الحديث ٢.

(٦) الوسائل : ١٣ / ١٤٨ ، الباب ٧ من كتاب الحجر ، الحديث ٣. قال ابن إدريس بعد نقل الحديث : «هذا الخبر غير صحيح ولا مستقيم ، لأنّه مخالف لأصول مذهبنا ومضاد لتنزيل الكتاب ، قال تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠]. السرائر : ٢ / ١٩٦.

٢٣٤

وهذه الرواية ضعيفة السّند ، فلا تعويل عليها.

وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون إليه ، كان ذلك إليه ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء تركهم (١).

وروى طلحة بن زيد والسّكوني جميعا عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام عن عليّ عليه‌السلام أنّه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ ولا غيره حتّى ولّيت بنو أميّة فأجازوا بالبيّنات. (٢)

وروى هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان ، أو يهوديّان كان بينها خصومة ، فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور ، فأبى الّذي قضي عليه أن يقبل ، وسأل أن يردّ إلى حكم المسلمين ، قال يردّ إلى حكم المسلمين (٣).

وروى حريز عن محمّد بن مسلم وزرارة عنهما جميعا قال (٤) : لا يحلف أحد عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقلّ ممّا يجب فيه القطع (٥).

وروى عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٢١٨ ، الباب ٢٧ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١.

(٢) التهذيب : ٦ / ٣٠٠ ، رقم الحديث ٨٤٠ ـ ٨٤١ ، ولاحظ الوسائل : ١٨ / ٢١٨ ، الباب ٢٨ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١.

(٣) الوسائل : ١٨ / ٢١٨ ، الباب ٢٧ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

(٤) في المصدر : قالا.

(٥) الوسائل : ١٨ / ٢١٩ ، الباب ٢٩ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١. قال الحلّي بعد نقل الحديث : هذا على التغليظ ، فانّ الحاكم لا يلزمه أن يحلف هناك إلّا إذا كانت الدعوى مقدار ربع دينار ، فإن كان أقلّ فلا يلزمه أن يحلف هناك. السرائر : ٢ / ١٩٨.

٢٣٥

قلت له : جعلت فداك في كم تجرى الأحكام على الصّبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ، قلت : فإنّه لم يحتلم فيها ، قال : وإن لم يحتلم ، فإنّ الأحكام تجري عليه (١).

وروى أبو بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ، دبّر غلامه ، وعليه دين ، فرارا من الدّين ، قال : لا تدبير له ، وإن كان دبّره في صحّة منه وسلامة ، فلا سبيل للدّيّان عليه (٢).

ويحمل الحكم الثاني على من نذر التدبير وأوجبه ، لأنّه بدون النذر وصيّة متأخّرة عن الدّين.

وروى غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام ولم يأخذ على الثياب (٣).

وروى عبد الرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين يوم الجمعة إلى الجمعة ، ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم ، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السّجن (٤).

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٣١٠ رقم الحديث ٨٥٦ ؛ الوسائل : ١٣ / ٤٣٢ ، الباب ٤٥ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب : ٦ / ٣١١ ، رقم الحديث ٨٥٨ ؛ الوسائل : ١٦ / ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب كتاب التدبير ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل : ١٨ / ٢٢٠ ، الباب ٣٠ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب : ٦ / ٣١٩ ، رقم الحديث ٨٧٧ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ ولاحظ الوسائل : ١٨ / ٢٢١ ، الباب ٣٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٢.

٢٣٦

وروى ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان عليّ عليه‌السلام لا يحبس في السّجن إلّا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وإن وجد له شيئا باعه ، غائبا كان أو شاهدا (١).

وحمل الشيخ رحمه‌الله هذا الحديث على أنّه ما كان يحبس أحدا على وجه العقوبة إلّا الثلاثة ، أو ما كان يحبس الحبس المخصوص إلّا المذكورين ، فأمّا غيرهم من الغرماء وغيرهم فإنّه كان يحبسهم على غير ذلك الوجه (٢).

أحمد بن محمد عن ابن محبوب ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال : سمعت ابن أبي ليلى يحدّث أصحابه ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بين رجلين اصطحبا في سفر ، فلمّا أرادا الغذاء أخرج أحدهما من زاده خمسة أرغفة ، وأخرج الاخر ثلاثة أرغفة ، فمرّ بهما عابر سبيل ، فدعواه إلى طعامهما ، فأكل الرجل معهما حتّى لم يبق شي‌ء ، فلمّا فرغوا أعطاهما العابر بهما ثمانية دراهم ثواب ما أكل من طعامهما ، فقال صاحب الثلاثة أرغفة لصاحب الخمسة أرغفة : اقسمها نصفين بيني وبينك ، وقال صاحب الخمسة : لا ، بل يأخذ كلّ واحد منّا من الدراهم على عدد ما أخرج من الزاد.

قال : فأتيا أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك ، فلمّا سمع مقالتهما قال لهما : اصطلحا فإنّ قضيّتكما دنيّة ، فقالا : اقض بيننا بالحقّ ، قال : فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم ، وأعطى صاحب الثلاثة ارغفة درهما ، وقال لهما :

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٢٩٩ ، رقم الحديث ٨٣٦ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٢) النهاية : ٣٥٣ ، ولاحظ التهذيب : ٦ / ٣٠٠ ، ذيل الحديث ٨٣٨ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

٢٣٧

أليس أخرج أحدكما خمسة أرغفة وأخرج الاخر ثلاثة؟ قالا : نعم ، قال : أليس أكل معكما ضيفكما مثل ما أكلتما؟ قالا : نعم ، قال : أليس كلّ واحد منكما أكل ثلاثة أرغفة غير ثلث؟ قالا : نعم ، قال : أليس أكلت أنت يا صاحب الثلاثة ثلاثة أرغفة غير ثلث؟ وأكلت أنت يا صاحب الخمسة ثلاثة أرغفة غير ثلث؟ وأكل الضيف ثلاثة أرغفة غير ثلث؟ أليس بقي لك يا صاحب الثلاثة ثلث رغيف من زادك؟ وبقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان وثلث وأكلت ثلاثة غير ثلث؟ فأعطاهما لكلّ ثلث رغيف درهما ، فأعطى صاحب الرغيفين وثلث سبعة (دراهم) (١) وأعطى صاحب الثّلث رغيف درهما (٢).

سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير عن حمّاد ، عن عاصم قال : حدّثني مولى لسلمان عن عبيدة السلماني قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : يا أيّها الناس اتّقوا الله ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال قولا آل منه إلى غيره ، وقد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه ، فقام عبيدة وعلقمة والأسود وأناس معهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف؟ قال : يسأل عن ذلك علماء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء ، والجهّال من الأطبّاء ، والمفاليس من

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٢) الوسائل : ١٨ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، الباب ٢١ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٥ ؛ التهذيب : ٦ / ٢٩٠ ، رقم الحديث ٨٠٥ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ـ.

(٣) الوسائل : ١٨ / ١٣ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٩.

٢٣٨

الأكرياء ، وقال عليه‌السلام : حبس الامام بعد الحدّ ظلم. (١)

محمّد بن علي بن محبوب عن محمد بن عيسى عن صفوان عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فيتحاكمان إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ فقال عليه‌السلام : من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت (المنهيّ عنه) (٢) وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا وإن كان حقّه ثابتا ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله تعالى أن يكفر به ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) (٣) فقال : فكيف يصنعان (وقد اختلفا)؟ (٤) فقال : ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه ، فإنّما بحكم الله تعالى استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، فهو على حدّ الشرك بالله.

قلت : فإنّ كلّ واحد منهما اختار رجلا وكلاهما اختلفا في حديثنا؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر.

قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، ليس يتفاضل كلّ واحد منهما على صاحبه؟ قال : فقال : ينظر ما كان من روايتهما في ذلك الّذي حكما

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٢٢١ ، الباب ٣٢ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ٣.

(٢) ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.

(٣) النساء : ٦٠.

(٤) ما بين القوسين ليس بموجود في المصدر.

٢٣٩

المجمع عليه أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فمتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله عزوجل وإلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم.

قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب والسّنة ، وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة.

قلت : جعلت فداك ، أرأيت أنّ المفتيين غبيّ عليهما معرفة حكمه (١) من كتاب وسنّة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والاخر مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين نأخذ؟ قال : بما خالف العامّة ، فإنّ فيه الرّشاد.

قلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران؟ (جميعا) (٢) قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت : فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال : إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (٣).

__________________

(١) كذا في التهذيب ولكن في الرسائل : «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه».

(٢) ما بين القوسين يوجد في المصدر

(٣) التهذيب : ٦ / ٣٠١ ـ ٣٠٣ ، رقم الحديث ٨٤٥ ـ باب من الزيادات في القضاء والأحكام ؛ الكافي : ١ / ٦٧ ـ ٦٨ ـ كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث برقم ١٠ ـ ولاحظ الوسائل : ١٨ / ٣ ، الباب ١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤ ، والباب ٩ ، الحديث ١.

٢٤٠