تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

نظر ، لاحتمال انفراد الأب بالزّنا أو الأمّ ، ولا يثبت الحدّ مع الاحتمال ، فلا يحدّ لأحدهما (١).

ولو قال : ولدتك أمّك من الزّنا ، فالاحتمال هنا أضعف ، وكان قذفا للأمّ.

ولو قال : يا زوج الزانية ، أو يا أخا الزّانية ، أو يا أبا الزانية ، أو يا ابن الزّانية ، فالقذف هنا للمنسوب إليها لا للمواجه ، فإن كان الولد كافرا ، والأمّ مسلمة ، أو الأب ، وجب الحدّ لهما مع النسبة إليهما.

ولو قال للمسلم : يا ابن الزّانية ، وكانت الأمّ كافرة ، أو أمة ، قال في النهاية يجب الحدّ لحرمة الولد (٢) والأشبه التعزير.

٦٩٤٧. السّادس : لو قال : زنيت بفلان ، أو لطت به ، وجب عليه حدّ للمواجه ، وفي المنسوب إليه إشكال ، قال الشيخ رحمه‌الله : يجب ، لأنّه فعل واحد متى كذب في أحدهما كذب في الاخر (٣) ، ويحتمل العدم ومنع الوحدة ، لأنّ موجب الحدّ في الفاعل الأثر وفي المنفعل التّأثّر ، وهما متغايران ، فلعلّ أحدهما كان مكرها.

٩٦٤٨. السّابع : لو قال لابن الملاعنة : يا ابن الزّانية ، وجب الحدّ ، ولا يجب لو قال لابن المحدودة قبل التّوبة ، أمّا لو قال بعد التّوبة ، ثبت الحدّ.

٦٩٤٩. الثّامن : لو قال : يا ديّوث ، أو يا كشخان ، أو يا قرنان ، أو يا قرطبان ، وكان عارفا بموضوع اللّفظة في عرف المستعملين (٤) وأنّها تفيد القذف ،

__________________

(١) كذا في «ب» : ولكن في «أ» : فلا يحدّ لاحتمالهما بهما.

(٢) النهاية : ٧٢٥.

(٣) النهاية : ٧٢٥ ؛ المبسوط : ٨ / ١٦.

(٤) في «ب» : في عرف المستعمل.

٤٠١

وجب الحدّ ، وإن لم يعرف قائلها فائدتها فلا حدّ ، ويعزّر إن قصد بها الأذى.

وقيل (١) : الدّيّوث هو الّذي يدخل الرّجال على امرأته.

وقال ثعلب (٢) : القرطبان الّذي يرضى أن يدخل الرّجال على نسائه ، وقال : القرنان والكشخان لم أرهما في كلام العرب ومعناه عند العامّة مثل معنى الديّوث أو قريب منه.

وقيل (٣) : القرنان من له بنات ، والكشخان من له أخوات ، والقوّاد السمسار في الزنا ، والقذف به يوجب التّعزير.

٦٩٥٠. التاسع : كلّ تعريض يكرهه المواجه ولا يفيد القذف وضعا ولا عرفا يوجب التعزير لا الحدّ ، كقوله : أنت ولد حرام ، أو حملت بك أمّك في حيضها ، أو يا فاسق ، أو يا شارب الخمر ، والمقول له متظاهر بالسّتر ، أو قال لزوجته : لم أجدك عذراء.

ولو قال : يا خنزير ، أو يا رقيع (٤) ، أو يا وضيع ، أو يا خسيس ، أو يا كلب ، أو يا مسخ ، أو غير ذلك ، وكان المقول له مستحقّا للاستخفاف ، فلا حدّ عليه ولا تعزير ، وإن لم يكن مستحقّا لذلك عزّر ، وكذا لو عيّره بشي‌ء من بلاء الله تعالى ، أو أظهر ما هو مستور منه ، كقوله : يا أجذم ، أو يا أبرص ، أو يا أعمى ، أو يا أعور.

__________________

(١) القائل هو إبراهيم الحربيّ على ما نقله عنه ابن قدامة في المغني : ١٠ / ٢١٤.

(٢) أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي الشيباني المعروف ب «ثعلب» ، قيل : سمّي به لأنّه إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار ، كان إمام الكوفيّين في النحو واللّغة ، قرأ على ابن الأعرابي ، مات سنة ٢٩١ ه‍ ؛ لاحظ تاريخ بغداد : ٥ / ٢٠٤ ؛ والكنى والألقاب : ٢ / ١١٧ ؛ والمغني لابن قدامة : ١٠ / ٢١٤.

(٣) نقله ابن قدامة في المغني عن خالد بن يزيد عن أبيه ، والمراد انّه يدخل الرجال عليهنّ. لاحظ المغني : ١٠ / ٢١٤.

(٤) في مجمع البحرين : يقال للواهي العقل رقيع ، تشبيها بالثوب الخلق ، كأنّه رقع.

٤٠٢

ولو قذف رجل آخر ، فقال ثالث للقاذف : صدقت ، فالأقرب استحقاق التّعزير دون الحدّ.

ولو قال : أخبرني فلان أنّك زنيت ، لم يكن قاذفا ، سواء صدّقه المخبر أو كذبه وعليه التعزير وإن صدّقه المخبر.

ولو قال : من رماني فهو ابن الزانية ، فرماه رجل ، فلا حدّ عليه إجماعا ، وكذا لو اختلف رجلان في شي‌ء ، فقال أحدهما : الكاذب هو ابن الزانية ، فلا حدّ ، لأنّه لم يعيّن أحدا.

المطلب الثاني : [في] القاذف

وفيه خمسة مباحث :

٦٩٥١. الأوّل : يعتبر في القاذف البلوغ ، والعقل ، والاختيار إجماعا ، فلو قذف الصبيّ بالغا لم يحدّ بل يعزّر ، وكذا لو قذف المجنون الكامل ، ولو أكره البالغ على القذف ، فلا حدّ ولا تعزير.

٦٩٥٢. الثّاني : لا فرق بين أن يكون القاذف في دار الحرب أو في دار الإسلام ، فإنّ الحدّ الكامل يجب عليه في الدّارين.

٦٩٥٣. الثّالث : هل يشترط في الحدّ الكامل الحريّة؟ الأشهر عدم الاشتراط ، فلو قذف العبد العاقل حرّا محصنا ، وجب عليه ثمانون كالحرّ ، وقيل :

٤٠٣

عليه نصف الحدّ (١) والأوّل أقوى ، لعموم الآية. (٢)

٦٩٥٤. الرابع : لا فرق في القاذف بين الذّكر والأنثى ، والمسلم والكافر.

٦٩٥٥. الخامس : لو ادّعى المقذوف حريّة القاذف ، فأنكر القاذف ، فعلى قولنا لا فائدة ، لوجوب الحدّ عليه كملا ، أمّا على القول الاخر ، فالقول قول القاذف ، لأنّه شبهة.

المطلب الثالث : في المقذوف

وفيه أربعة مباحث :

٦٩٥٦. الأوّل : يشترط في المقذوف البلوغ ، وكمال العقل ، والحريّة ، والإسلام ، والعفّة عن الزنا ، ويقال لجامع هذه الصفات المحصن ، وهو لفظ مشترك بين معان أربعة وردت في الكتاب العزيز :

أحدها : هذا ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) (٣).

الثاني : المزوّجات ، قال تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٤) (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) (٥).

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٨ / ١٦.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) النور : ٤.

(٣) النور : ٤.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) النساء : ٢٥.

٤٠٤

الثالث : الحرائر ، قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) (١) (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٢) (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) (٣).

الرابع : الإسلام ، قال تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ) (٤) قال ابن مسعود : إحصانها إسلامها (٥).

إذا ثبت هذا فمن قذف محصنا بالمعنى الأوّل ، وجب بقذفه الحدّ ، ومن قذف فاقدها أو فاقد بعضها ، فلا حدّ ، بل يجب عليه التعزير.

٦٩٥٧. الثّاني : لو كان المقذوف صبيّا حرّا ، أو بالغا مملوكا ، أو حرّا بالغا كافرا ، أو حرّا بالغا مسلما متظاهرا بالزّنا ، فلا حدّ ، بل فيه التعزير بحسب ما يراه الإمام في ذلك كلّه ، سواء كان القاذف جامعا لها أو لا.

٦٩٥٨. الثّالث : لو قذف الأب ولده المحصن وإن نزل ، لم يحدّ كاملا ، بل عزّر ، ولو قذف الزوج زوجته حدّ كملا ، فإن كانت ميتة كان لورثتها المطالبة بالحدّ كملا ، فإن عفا بعضهم ، كان للباقي الحدّ كملا.

ولو كان الورثة أولاده ، لم يكن لهم المطالبة بالحدّ ، ولو كان لها أولاد منه ومن غيره ، كان للولد من غيره الحدّ كملا.

ولو قذف الولد اباه ، حدّ كملا ، وكذا لو قذفت الأمّ ولدها حدّت كملا ، وكذا الولد لو قذف أمّه أو الأقارب.

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) المائدة : ٥.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) النساء : ٢٥.

(٥) لاحظ التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي : ٣ / ١٧١.

٤٠٥

٦٩٥٩. الرابع : لو كان المقذوف صبيّا ، لم يحدّ القاذف كملا بل عزّر وحده دون البلوغ ، (١) فلا حدّ على من قذف من بلغ عشر سنين.

ويجب الحدّ كملا على قاذف الخصيّ ، والمجبوب ، والمريض المدنف ، والرتقاء.

المطلب الرّابع : في الأحكام

وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٦٩٦٠. الأوّل : حدّ القذف ثمانون جلدة ، حرّا كان القاذف أو عبدا ، على الأقوى ، ويجلد بثيابه ، ولا يجرّد ، ويضرب متوسّطا ، دون ضرب الزنا ، ويشهّر القاذف لتجتنب شهادته ، فإن حدّ في القذف ، ثمّ قذف ثانية ، حدّ مرّة أخرى ، سواء كان المقذوف هو الأوّل أو غيره ، فإن قذف ثالثة قتل ، سواء كان المقذوف هو الأوّل أو غيره ، وقيل : بل يقتل في الرابعة (٢) وهو أولى.

ولو قذف مرارا عدّة ولم يحدّ ، لم يقتل ، ولو قذف فحدّ فقال : الّذي قلت

__________________

(١) الظاهر أنّ قوله «دون البلوغ» قيد لقوله «كملا» أي لا يحدّ القاذف حدّا كاملا إلّا أن يبلغ وطالب الحدّ.

(٢) وهو الأشهر ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٨ / ١١ ؛ النهاية : ٦٩٤ ؛ والمفيد في المقنعة : ٧٧٦ ؛ والحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧ ؛ والقاضي في المهذّب : ٢ / ٥٢٠ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ٤١١ ؛ وابن زهرة في الغنية : قسم الفقه : ٤٢١.

٤٠٦

كان صحيحا ، وجب بالثاني التعزير ، لأنّه ليس صريحا في القذف ، وإذا تكرّر القذف مرارا عدّة ، وجب له حدّ واحد لا أكثر.

٦٩٦١. الثاني : يثبت القذف بشهادة عدلين ، أو الإقرار مرّتين ، ويشترط في المقرّ البلوغ ، والعقل ، والحريّة ، ولا يقبل فيه شهادة النساء انفردن أو انضمن.

ولو اتّفقت البيّنة والإقرار (١) فلا حدّ ولا يمين على المنكر.

٦٩٦٢. الثّالث : يشترط في إقامة الحدّ بعد تمام القذف بشروطه أمران : مطالبة المقذوف ، لأنّه حقّه ، وألا يأتي القاذف بالبيّنة ، لقوله تعالى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (٢) وكذا يشترط عدم إقرار المقذوف ، لأنّه كالبيّنة ، وإن كان القاذف زوجا اشترط ثالث وهو امتناعه من اللّعان.

ويشترط في الطّلب الاستدامة إلى إقامة الحدّ ، فلو طلب ثمّ عفا عن الحدّ سقط.

٦٩٦٣. الرابع : لو قذف جماعة بألفاظ متعدّدة واحدا بعد الاخر ، فلكلّ واحد حدّ ، ولو قذفهم بلفظ واحد مثل أن يقول : يا زناة ، فإن اجتمعوا في إحضاره للمطالبة ، فللكلّ حدّ واحد ، فإن جاءوا به متفرّقين فلكلّ واحد حدّ كامل ، وكذا ما يوجب التعزير ، وكذا لو قال : يا ابن الزانيين فالحدّ للأبوين فان جاءوا به مجتمعين ، فلهما معا حدّ واحد ، وإن افترقا في المطالبة على التعاقب ، فلكلّ واحد حدّ.

٦٩٦٤. الخامس : حدّ القذف موروث ، يرثه من يرث المال من الذكور

__________________

(١) في «أ» : أو الإقرار.

(٢) النور : ٤.

٤٠٧

والاناث ، عدا الزّوج والزّوجة ، وإذا ورث الحدّ جماعة فعفا بعضهم ، لم يسقط من الحدّ شي‌ء ، وكان للباقين المطالبة بالحدّ على الكمال وإن كان الباقي واحدا ، ولو عفا الجميع ، أو كان المستحقّ واحدا فعفا سقط الحدّ.

ولو قال : «ابنك زان أو لائط» أو «بنتك زانية» أو «يا أب الزّانية» أو «يا ابن الزّاني» فالقذف للولد والبنت ، لا للأب ، فإن سبق الابن أو البنت بالعفو ، سقط ، وإن سبق الأب بالمطالبة قال الشيخ رحمه‌الله : كان له استيفاء الحدّ ، وله العفو (١) وليس بمعتمد.

٦٩٦٥. السّادس : يجوز العفو عن الحدّ من مستحقّه قبل ثبوت الحقّ وبعده ، وليس للحاكم المداخلة فيه ، ولا يقام الحدّ إلّا مع مطالبة مستحقّه به.

ولو تقاذف اثنان سقط الحد وعزّرا معا.

ولو تنابز الكفّار بالألقاب ، والتّعيير بالأمراض ، وخشي حدوث فتنة حسمها الإمام (٢) بما يراه.

٦٩٦٦. السّابع : لو قذف الغائب لم يقم عليه الحدّ حتّى يقدم ويطالب ، ولو قذف عاقلا فجنّ بعد قذفه وقبل طلبه ، فالأقرب أن لوليّه المطالبة والعفو ، وكذا لو قذف الصبيّ ، فالوجه أنّ للأب المطالبة.

٦٩٦٧. الثّامن : إذا قال : يا لوطي ، سئل فإن قال : أردت أنّك من قوم لوط ، فلا شي‌ء عليه ، وإن قال : أردت أنّك تعمل عمل قوم لوط ، فهو كقذف الزّنا ، يجب به

__________________

(١) النهاية : ٧٢٤.

(٢) أي قطع الإمام الفتنة بما يراه.

٤٠٨

الحدّ ، ولو قال : أردت أنّك على دين لوط ، أو أنّك تحبّ الصّبيان ، أو تقبّلهم ، أو تنظر إليهم بشهوة ، أو أنّك تتخلّق بأخلاق قوم لوط ، أو أنّك تنهى (١) عن الفاحشة كنهي لوط ، قبل تفسيره ، وعزّر فيما يوجب الأذى وكذا لو قذف امرأة بالوطء في دبرها ، أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها ، فعليه الحدّ.

ولو قذفه بإتيان البهيمة ، فالأقرب التعزير ، بخلاف ما لو قذفه بالزّنا بالصبيّة ، أو المجنونة أو الأمة.

ولو قذفه بالمباشرة دون الفرجين ، أو بالوطء بالشّبهة ، أو قذف امرأة بالمساحقة ، أو بالوطء مستكرهة ، أو قذف باللّمس أو بالنظر ، فلا حدّ.

والضّابط أنّ كلّ ما لا يوجب الحدّ عليه (٢) بفعله لا يجب الحدّ على القاذف به ، ويجب في ذلك كلّه التّعزير.

ولو قال لرجل يا مخنّث وقصد أنّ فيه طباع التّأنيث والتّشبيه بالنساء ، أو قال لامرأة : يا قحبة ، وقصد أنّها تستعدّ لذلك ، فلا حدّ عليه ، ولو قصد بشي‌ء من ذلك الزنا حدّ.

ولو قال : أنا احتملت البارحة بأمّك (٣) عزّر.

٦٩٦٨. التّاسع : لو قذف رجلا فلم يقم عليه الحدّ حتّى زنى المقذوف ، لم يسقط الحدّ عن القاذف على أقوى الوجهين ، ويحتمل سقوطه واعتبار استدامة

__________________

(١) في «أ» : منهيّ.

(٢) في «ب» : لا يجب الحدّ عليه.

(٣) في «أ» : بأمّك البارحة.

٤٠٩

الشّروط (١) إلى حال إقامة الحدّ.

ولو وجب الحدّ على ذمّي أو مرتدّ ، فلحق بدار الحرب ثمّ عاد ، لم يسقط عنه الحدّ.

ولو قال القاذف : كنت صغيرا حين القذف ، وقال المقذوف : كنت كبيرا ، فالقول قول القاذف ، ولو أقام كلّ منهما بيّنة ، بدعواه ، فإن أطلقت البيّنتان أو اختلفتا في التّاريخ ، فهما قذفان يوجب أحدهما الحدّ والاخر التعزير ، وإن اتّفقتا في التاريخ ، تعارضتا وسقطتا ، وكذا لو تقدّم تاريخ بيّنة المقذوف.

٦٩٦٩. العاشر : لو قذف مسلما محصنا ، وقال : أردت أنّه زنى وهو مشرك ، لم يلتفت إلى قوله ، وحدّ القاذف ، وكذا الحرّ لو كان عبدا.

ولو قال له : زنيت في كفرك أو عبوديّتك ، ففي الحدّ إشكال ، أقربه الوجوب.

٦٩٧٠. الحادي عشر : لو قذف أمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بنته ، أو قذف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو مرتدّ.

٦٩٧١. الثّاني عشر : إنّما يجب الحدّ بقذف ليس على صورة الشهادة الكاملة النّصاب ، فلو شهد وحده أو مع اثنين حدّ ، والشّهادة هي الّتي تؤدّي في مجلس القضاء بلفظ الشهادة ، وما عداه قذف.

٦٩٧٢. الثّالث عشر : التعزير يجب في كلّ جناية لا حدّ فيها ، كالوطء في الحيض للزّوجة ، وكوطء الأجنبيّة فيما دون الفرج ، وسرقة ما دون النصاب ، أو

__________________

(١) في «ب» : استدامة الشرط.

٤١٠

من غير حرز ، أو النّهب ، أو الغصب ، أو الشتم بما ليس بقذف ، وأشباه ذلك ، وتقديره ، بحسب ما يراه الإمام.

وروى الشّيخ عن يونس ، عن اسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن التعزير كم هو؟ قال :

«بضعة عشر سوطا ما بين العشرة إلى العشرين» (١).

وقد وردت أحاديث في أشياء مخصوصة بأكثر من ذلك ، غير أنّه لا تجوز الزيادة به على الحدّ ، وليس لأقلّه قدر معيّن ، لأنّ أكثره مقدّر ، فلو قدّر أقلّه كان حدّا.

وهو يكون بالضّرب ، والحبس ، والتوبيخ ، من غير قطع ، ولا جرح ، ولا أخذ مال ، والتعزير واجب فيما يشرع فيه التعزير ، ولا ضمان لمن مات به.

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٥٨٣ ، الباب ١٠ من أبواب بقيّة الحدود ، الحديث ١.

٤١١
٤١٢

كتاب الجنايات

٤١٣
٤١٤

وفيه مقدّمة ومقاصد

أمّا (١) المقدّمة

ففيها أربعة مباحث :

٦٩٧٣. الأوّل : القتل من أعظم الكبائر ، قال الله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ) (٢) يعني بالقود وما شابهه وقال تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ.) (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٣) وقال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أوّل ما ينظر الله بين النّاس في الدماء» (٥).

ومرّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتيل فقال : من لهذا؟ فلم يذكر له أحد ، فغضب ثمّ قال :

__________________

(١) في «أ» : وأمّا.

(٢) الأنعام : ١٥١.

(٣) التكوير : ٨ ـ ٩.

(٤) النّساء : ٩٣.

(٥) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٢٧٣ ، الباب ١١ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ٤.

٤١٥

«والّذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السّماء والأرض لأكبّهم الله في النار» (١).

وروى ابن بابويه في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال :

«من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة ، جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب : آيس من رحمة الله» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله حين قضى مناسكه ووقف بمنى في حجّة الوداع :

«أيّها النّاس اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه ، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا ، ثمّ قال : أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا : هذه الأيّام ، قال : فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقونه ، فيسألكم عن أعمالكم ، ألا هل بلّغت؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها ، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه ، فلا تظلموا أنفسكم ، ولا ترجعوا بعدي كفّارا» (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أوّل ما يحكم الله عزوجل فيه يوم القيامة الدماء ، فيوقف ابنا آدم

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٢١١ ، الباب ٢ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٥.

(٢) الفقيه : ٤ / ٦٨ ، رقم الحديث ٢٠١ ؛ الوسائل : ١٩ / ٩ ، الباب ٢ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل : ١٩ / ٣ ، الباب ١ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٣.

٤١٦

فيفصل بينهما ، ثمّ الّذين يلونهما من أصحاب الدماء ، حتّى لا يبقى منهم أحد من الناس بعد ذلك حتّى يأتي المقتول بقاتله فيشخب دمه في وجهه (١) فيقول : هذا قتلني ، فيقول : أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام في رجل يقتل رجلا مؤمنا ، قال يقال له :

«مت أيّ ميتة شئت ، إن شئت يهوديّا ، وإن شئت نصرانيّا ، وإن شئت مجوسيّا» (٣).

والأحاديث في ذلك كثيرة.

٦٩٧٤. الثاني : تقبل توبة القاتل وإن كان عمدا فيما بينه وبين الله تعالى ، وقال ابن عبّاس : لا تقبل توبته ، لأنّ قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) (٤) إلى آخره ، نزلت بعد قوله : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ) إلى قوله (إِلّا مَنْ تابَ) (٥) بستّة أشهر ولم يدخلها النسخ (٦) والصحيح ما قلناه لقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (٧) وقال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٨).

__________________

(١) في الوسائل : فيتشخّب في دمه وجهه.

(٢) الوسائل : ١٩ / ٤ ، الباب ١ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٦ ، والفقيه : ٤ / ٦٩ ، رقم الحديث ٢١٠.

(٣) الفقيه : ٤ / ٦٩ ، رقم الحديث ٢٠٩.

(٤) النساء : ٩٣.

(٥) الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠.

(٦) لاحظ المبسوط : ٧ / ٣.

(٧) الشورى : ٢٥.

(٨) النساء : ١١٦.

٤١٧

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق الجمهور إنّ رجلا قتل مائة رجل ظلما ، ثمّ سأل هل له من توبة؟ فدلّ على عالم فسأله فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكن اخرج من قرية السوء إلى القرية الصّالحة فاعبد الله فيها ، فخرج تائبا فأدركه الموت في الطّريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ، فبعث الله إليهم ملكا فقال : قيسوا ما بين القريتين ، فإلى أيّهما كان أقرب ، فاجعلوه من أهلها ، فوجدوه أقرب إلى القرية الصّالحة بشبر فجعلوه من أهلها. (١)

ولأنّ التّوبة تسقط عقاب الكفر ، فالقتل أولى ، والآية مخصوصة بمن لم يتب ، أو أنّ هذا جزاء القاتل ، فإن شاء الله تعالى استوفاه ، وإن شاء غفر له.

والنّسخ وإن لم يدخل الآية ، لكن دخلها التخصيص والتأويل.

٦٩٧٥. الثّالث : روى ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان وابن بكير عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا ، أله توبة؟ فقال :

«إن كان قتله لإيمانه ، فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب شي‌ء من أمر الدّنيا ، فإنّ توبته أن يقاد منه ، وإن لم يكن علم به أحد ، انطلق إلى أولياء المقتول ، فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه ، أعطاهم الدّية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، شاو أطعم ستّين مسكينا ، توبة إلى الله عزوجل» (٢).

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة :

منها أنّ القاتل إن قتل المؤمن لإيمانه ، فلا توبة له ، لأنّه يكون قد ارتدّ ، لأنّ

__________________

(١) سنن البيهقي : ٨ / ١٧ ، ونقله ابن قدامة في المغني : ٩ / ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) الفقيه : ٤ / ٦٩ ، رقم الحديث ٢٠٨ ـ باب تحريم الدماء والأموال ... ـ.

٤١٨

قتله لإيمانه انّما يكون على تقدير تكذيبه فيما اعتقده ، ولا تقبل توبة المرتدّ عن فطرة.

ومنها : أنّه لو قتله على غير هذا الوجه قبلت توبته ، وهو خلاف ما نقل عن ابن عبّاس.

ومنها أنّ حدّ التّوبة تسليم القاتل نفسه إلى أولياء المقتول ، فإن شاءوا قتلوه ، وإن شاءوا عفوا عنه.

ومنها : أنّ كفّارة العمد هي كفّارة الجمع.

إذا عرفت هذا فالقتل يشتمل على حقّ لله تعالى ، وهو المخالفة بارتكاب هذا الذّنب العظيم ، وهو يسقط بالاستغفار ، وعلى حقّ للوارث ، وهو يسقط بتسليم نفسه أو الدّية أو عفو الورثة عنه. و [على] حقّ للمقتول ، وهو الآلام الّتي أدخلها عليه بقتله ، وتلك لا ينفع فيها التوبة ، بل لا بدّ من القصاص في الآخرة ، ويمكن أن يكون قول ابن عبّاس إشارة إلى هذا.

٦٩٧٦. الرابع : أقسام القتل ثلاثة : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.

فالعمد يحصل بقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا أو نادرا على الأقوى إذا حصل به القتل ، وهل يحصل بالقصد إلى الفعل الّذي يحصل به الموت وإن لم يكن قاتلا في الغالب إذا لم يقصد به القتل كالضرب بحصاة أو عود خفيف أو غرز الإبرة الّتي لا يعقب ألما ظاهرا؟ الأقرب إلحاقه بشبيه العمد دون العمد ، فلا قصاص فيه ، نعم لو أعقب ورما وألما حتّى مات ، وجب القصاص.

٤١٩

وأمّا شبيه العمد (دون العمد) (١) فأن يقصد إلى فعل يحصل معه الموت من غير قصد إلى الموت ، ولا يكون ذلك الفعل مؤدّيا إليه غالبا ، كمن يضرب للتّأديب فيموت.

وأمّا الخطأ المحض ، فأن يرمي طائرا مثلا ، فيصيب إنسانا.

والأصل في العمد أن يكون الفاعل عامدا في فعله وقصده ، وشبيه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، والخطأ المحض أن يكون مخطئا فيهما.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «ب».

٤٢٠