تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

الفصل الثاني : في الآداب

وفيه أحد عشر بحثا :

٦٤٣٣. الأوّل : يستحبّ للقاضي إذا ورد إلى بلد ولايته ولا يعرف أحدا فيه أن يبحث عمّن يثق به في ذلك البلد ليسأله عن أحوال ذلك البلد ، ويتعرّف منه ما يحتاج إلى معرفته ، ويسأل عن العلماء فيه وأهل الفضل والعدالة والصلاح وسائر ما يحتاج إلى معرفته ، ثمّ يقصد الجامع فيصلّي فيه ركعتين ويسأل الله تعالى التوفيق والعصمة والإعانة له ، ويبعث مناديا ينادي أنّ فلانا قدم عليكم قاضيا فاجتمعوا لقراءة عهده في وقت كذا ، وينصرف إلى منزله الّذي أعدّ له ، ويستحبّ أن يكون وسط البلد ، ليتساوى ورود أهله إليه ، فإذا اجتمعوا قرأ العهد عليهم ، ثمّ يواعدهم ليوم يجلس فيه للقضاء.

٦٤٣٤. الثاني : يستحبّ أن يجلس للقضاء في موضع بارز كرحبة أو فضاء ، ليسهل الوصول إليه ، وان حكم في المسجد صلّى فيه ركعتين عند دخوله تحيّة ، ويجلس مستدبر القبلة ، ليكون وجه الخصوم إليها ، وقيل (١) : يستقبل القبلة لقوله عليه‌السلام : خير المجالس ما استقبل به القبلة. (٢) ولا يكره الحكم نادرا في

__________________

(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٨ / ٩٠ ، والقاضي في المهذب ٢ : ٥٩٥.

(٢) الوسائل : ٨ / ٤٧٥ ، الباب ٧٦ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٣ ، ونقله الشيخ في المبسوط :

٨ / ٩٠ ، والشهيد في المسالك : ١٣ / ٣٦٧.

١٢١

المسجد ، وهل يكره دائما؟ قيل : لا ، لقضاء عليّ عليه‌السلام بجامع الكوفة (١).

ويكره اتّخاذ حاجب وقت الحكم.

٦٤٣٥. الثالث : إذا جلس للحكم يستحبّ له أن يكون على أكمل حال وأعدلها ، ولا يجلس على التراب ولا على بارية المسجد ، ويكون عليه سكينة ووقار ، ولا يستعمل الانقباض المانع عن النطق بالحجّة ، ولا اللين المخوف معه جرأة الخصوم ، وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ، ويصيح عليه ، ويعزّره إن استحقّ التعزير ، وان حصلت منه إساءة أدب كقوله : حكمت عليّ بغير الحقّ أو ارتشيت ، فله التأديب والعفو.

٦٤٣٦. الرابع : يستحبّ أن يجلس وهو خال من الغضب ، والجوع الشديد ، والعطش ، والفرح الشديد ، والحزن الكثير ، والهمّ العظيم ، والوجع المولم ، ومدافعة أحد الأخبثين ، والنّعاس ، والغمّ ، ليكون أجمع لقلبه ، واحضر لذهنه ، وأبلغ في تفطّنه ، وأكثر لتيقّظه.

ولو قضى والحال هذه ، نفذ حكمه إن كان حقا.

٦٤٣٧. الخامس : يستحبّ إذا ورد البلد أن يبدأ أوّلا يأخذ ما في يد الحاكم المعزول من الحجج والقضايا المودعة عنده ، ويأخذ الودائع الّتي أودعت لأجل الحكم ، ثمّ يسأل عن أهل السّجن ويبعث ثقة يكتب اسم كلّ محبوس وسبب حبسه ، واسم غريمه ، ثمّ ينادي ثلاثة أيّام بأنّ القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا ، فإذا كان يوم المواعدة ترك الرقاع بين يديه ، ثمّ أخذ رقعة ونظر إلى اسم

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في الخلاف : ٦ / ٢١٠ ، المسألة ٣ من كتاب آداب القضاء.

١٢٢

المحبوس ، وطلب خصمه ، فإذا حضر أخرج المحبوس من السجن ، ونظر بينه وبين غريمه ، ولا يسأل الغريم عن سبب الحبس ، لأنّ الظاهر أنّ الحاكم إنّما حبسه بحقّ ، ثمّ يسأل المحبوس عن ذلك ، فإن قال : حبسني بحقّ [له] حال أنا ملئ به ، قال له الحاكم : أخرج إليه منه ، وإلّا رددتك إلى السجن.

وإن قال : أنا معسر به ، سأل خصمه ، فإن صدّقه أطلقه ، وإن كذّبه وكان الحقّ مالا ، طلب من المحبوس البيّنة بالإعسار ، وكذا لو عرف له مال وادّعى تلفه ، وإن لم يعرف له أصل مال ، ولا كانت الدعوى مالا ، طلب البيّنة من الغريم ، فإن فقدها أحلف المحبوس على الإعسار وأطلق.

وإن أقام الغريم بيّنة بأنّ له مالا افتقر إلى تعيينه ، فإن صدّقها طولب بالحقّ ، وإن قال : إنّ هذا المال في يدي لغيري ، سئل عن التعيين ، فإن كذّبه المقرّ له ، طولب بالحقّ ، فإن صدّقه احتمل القبول ، لأنّ البيّنة شهدت بالملك لمن لا يدّعيه ، وعدم القبول ، فيقضى الدّين من المال ، لأنّ البيّنة شهدت لصاحب اليد بالملك ، فتضمّنت شهادتها وجوب القضاء منه ، ولا يلزم من سقوط الشهادة في حقّ نفسه لإنكاره سقوطها فيما تضمّنته ، (١) ولأنّه متّهم في إقراره لغيره.

ولو لم يظهر للمحبوس غريم ، وقال : حبسني الحاكم ظلما ، أشاع أمره ، فإن لم يظهر له خصم أطلقه ، قال الشيخ : بعد إحلافه (٢).

وفي مدّة الإشاعة لا يحبس ولا يطلق بل يراقبه ، والأقرب أنّه لا يطالب بكفيل ببدنه.

__________________

(١) في «أ» : تضمّنه.

(٢) المبسوط : ٨ / ٩٥.

١٢٣

ولو ظهر خصم وادّعى أنّ الحاكم حبسه لأجله ، وصدّقه ، فالحكم كما تقدّم ، وإن أنكر المحبوس ، فإن أقام المدّعي بيّنة أنّه خصمه وأنّه حبسه ، حكم عليه ، وإن لم تكن معه بيّنة أطلقه بعد الإحلاف ، لأنّه لا خصم له.

ثمّ يسأل عن الأوصياء على الأيتام والمجانين ، والمساكين ، ويعتمد معهم ما يجب من تضمين أو إنفاذ أو إسقاط ولاية ، لبلوغ اليتيم ورشد المجنون ، أو ظهور خيانة (١) أو ضمّ مشارك إن عجز الوصيّ ، فإنّ الصّغير والمجنون لا قول لهما ، والمساكين لا يتعيّن الأخذ منهم.

فإذا حضر الوصيّ عنده ، فإن كان الحاكم قبله أنفذ وصيّته لم يعزله ، لأنّ الحاكم لم يعزله وما أنفذ وصيّته إلّا بعد معرفته بالصّلاحيّة في الظاهر ، ولكن يراعيه ، فإن تغيّرت حاله بفسق ، عزله ، وإن كان يعجز أضاف إليه آخر.

وإن كان الأوّل لم ينفذ وصيّته ، نظر فيه ، فإن كان أمينا قويّا أقرّه ، وإن كان ضعيفا ضمّ إليه غيره ، وإن كان فاسقا عزله ، واستبدل به غيره.

فإن كان الوصيّ قد تصرّف ، وفرّق الثلث حال فسقه ، فإن كان أهل الثلث بالغين عاقلين معيّنين ، وقعت التفرقة موقعها ، لأنّهم قبضوا حقوقهم ، وإن كانوا غير معيّنين كالفقراء والمساكين ، قال الشيخ رحمه‌الله : عليه الضمان ، لأنّه ليس له التصرّف (٢) ويحتمل عدم الضّمان ، لأنّه أوصله إلى أهله ، وكذا إن فرّق الوصيّة غير الموصى إليه بتفريقها ، والأقرب ما قاله الشيخ رحمه‌الله.

أمّا لو تصرّف في مال الوقف على المساجد والمشاهد والمصالح من

__________________

(١) في «أ» : أو ظهور جنايته.

(٢) المبسوط : ٨ / ٩٥ ـ ٩٦.

١٢٤

ليس له أهليّة الحكم ، فإنّه يكون ضامنا ، وإن كان قد صرفه في وجهه إذا لم يكن الواقف ولا الحاكم جعلا له النظر فيه.

٦٤٣٨. السّادس : ينظر في أمناء الحكم ، وهو من ردّ الحاكم إليه النظر في أمر الأطفال وحفظ أموالهم ، وأموال المجانين ، وتفرقة الوصايا الّتي لم يعيّن لها وصيّ ، والحافظون لأموال الناس من وديعة أو مال محجور عليه ، فإن كانوا صالحين لذلك (١) أقرّهم ، وإلّا استبدل بهم إن فسقوا وضمّ إليه غيرهم إن عجزوا.

ثمّ ينظر في اللقطة والضّوالّ الّتي تحت نظر الحاكم ، فيبيع ما يخشى تلفه ، وما تقتضيه المصلحة ، كالمحتاج إلى نفقة تستوعب قيمته ، ويحفظ ثمنها لأربابها ، ويحفظ مثل الأثمان والجواهر على أربابها ، ليدفع (٢) إليهم إن ظهروا.

٦٤٣٩. السّابع : ينبغي للحاكم أن يحاضر أهل العلم ، وأن يشهد حكمه من (٣) يثق بفطنته منهم ، بحيث إن أخطأ بيّن له الصواب ، ويخاوضهم (٤) في الأمور المشتبهة ليظهر له الصواب بالمباحثة ، ولا يجوز له التقليد ، بل الفائدة في محاضرة العلماء استخراج الأدلّة والتعرّف للحقّ بالاجتهاد.

ولا يجوز له أن يحكم بقول غيره ، سواء ظهر الحقّ في خلافه أو لا ، وسواء ضاق الوقت أو لا ، وكذلك ليس للمفتي أن يفتي بالتقليد.

ولو أخطأ الحاكم فأتلف لم يضمن ، وكان على بيت المال.

__________________

(١) في «أ» : كذلك.

(٢) في «ب» : لتدفع.

(٣) في «أ» : ممّن.

(٤) في مجمع البحرين : يقال : خاض الناس في الحديث وتخاوضوا : أي تفاوضوا فيه.

١٢٥

٦٤٤٠. الثامن : وينبغي أن يحضر مجلسه شهود ليستوفي بهم الحقوق ويثبت بهم الحج ، بحيث إن أقرّ غريم شهدوا عليه ، وكذا إن حكم أشهدهم بحكمه.

ولو تعدّى أحد الغريمين الصّواب عرّفه الحقّ برفق ، فإن عاد زجره ، وإن احتاج إلى التأديب أدّبه ، وإذا اتّضح له الحكم حكم.

ويستحبّ أن يرغبهما في الصلح ، فإن اشتبه صبر حتّى يظهر الحق له ، ولا يحكم بدونه ، ولو صالحهما ورضيا جاز وإن لم يظهر له الحق ، وإذا اجتهد فظهر له الصواب وجب أن يحكم بما أدّاه اجتهاده ، فإن تغيّر اجتهاده قبل الحكم ، حكم بما تغيّر اجتهاده إليه ، ولا يجوز له أن يحكم بالاجتهاد الأوّل ، لأنّه يعتقد بطلانه.

٦٤٤١. التاسع : حكم الحاكم لا يزيل الشي‌ء عن صفته ، فلو حكم بعقد أو فسخ أو طلاق نفذ حكمه ظاهرا لا باطنا ، فلو تعمّد رجلان ، وشهدا على آخر بطلاق زوجته ، ففرّق الحاكم بينهما ، لم يجز لأحد الشاهدين نكاحها.

ولو ادّعى رجل نكاح امرأة ، وأقام شاهدي زور ، فحكم الحاكم ، لم تحلّ له ولم تصر زوجته.

ولو استأجرت امرأة شاهدي زور ، فشهدا لها بطلاق زوجها ، وهما يعلمان كذبهما وتزويرهما ، فحكم الحاكم بالطّلاق لم يحلّ لها أن تتزوّج ، ولم يحلّ لأحد الشاهدين نكاحها.

وإذا قام شاهدي زور بنكاح امرأة وهو يعلم كذبهما لم تحلّ له ، ولزمها في الظاهر ، وعليها أن تمتنع ما أمكنها ، فإن أكرهها فالإثم عليه دونها ، فان وطئها الرجل فعليه الحدّ إن لم يعتقد الإباحة.

١٢٦

وهل يحلّ لها أن تتزوّج بغيره؟ الوجه ذلك غير أنّه لا يجوز الجمع بينهما في الوطء ، بل يحرم على المحقّ ما دام الاخر حاضرا عندها ، فإذا غاب الزوج الظاهر جاز للآخر الوطء.

٦٤٤٢. العاشر : يكره للحاكم أن يشتري أو يبيع لنفسه ، بل ينبغي له أن يولّي غيره ذلك ، ولا ينبغي أن يكون الوكيل معروفا ، لأنّه يستحي منه أو يخاف فيحابى ، فيكون مرتشيا بقدر المسامحة ، ولو احتاج إلى المباشرة ولم يجد من يكفيه جاز من غير كراهة.

وكذا يكره أن يرتّب قوما بأعيانهم للشهادة دون غيرهم ، وقيل : يحرم لما في ذلك من المشقّة ولاستواء العدول في القبول ، فلا تخصيص. (١)

٦٤٤٣. الحادي عشر : ينبغي للحاكم أن يتّخذ كاتبا ، ويجب أن يكون عاقلا ، بالغا ، مسلما ، عدلا ، بصيرا ، ويكفي الواحد.

وأن يتّخذ مترجمين ، ولا يكفي الواحد ، ويشترط عدالتهما ، ويكفي الاثنان وإن ترجما عن الزنا ، ويعتبر في الترجمة لفظ الشهادة.

ولو كان القاضي أصمّ ، وجب أن يتّخذ مسمعا (٢) وفي اشتراط العدد نظر ينشأ من مساواته للمترجم ، فإنّه ينتقل عين اللفظ ، كما أنّ المترجم ينقل معناه ، ومن وقوع الفرق بينهما ، فان المسمع لو غيّر اللفظ لعرف الخصمان والحاضرون ، بخلاف المترجم ، نعم لو كان الخصمان أصمّين وجب العدد ، لجواز غفلة الحاضرين فإن اشترطنا (٣) العدد فالأقرب عدم اشتراط لفظ

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٨ / ١١١.

(٢) في «أ» : مستمعا.

(٣) في «ب» : فإن شرطنا.

١٢٧

الشهادة ، وإن لم يشترط فلا يراعى لفظ الشهادة ، لأنّه يسلك بها مسلك الرواية.

وإذا شرطنا العدد في المسمع (١) ، فلا بدّ من رجلين وإن كانت الخصومة في مال ، وكذا في الشهادة على الوكالة بالمال ، لأنّ المشهود عليه ليس بمال في نفسه ، والأقرب أنّ أجرة المسمع (٢) على بيت المال لا على الخصمين.

الفصل الثالث : في وظائف الحكم

وفيه عشرون بحثا :

٦٤٤٤. الأوّل : إذا دخل الخصمان ، عدل بينهما في الكلام ، والسّلام ، والجلوس ، والنظر ، والإنصات والعدل في الحكم.

وانّما تجب التسوية مع التساوي في الإسلام والكفر ، ولو كان أحدهما مسلما ، جاز أن يكون الذمّي قائما والمسلم قاعدا ، أو أعلى منزلا.

ولا يضيف أحد الخصمين إلّا ومعه الاخر.

ولا يجوز له أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه ، مثل أن يريد الإقرار فيلقّنه الإنكار ، أو اليمين فيلقّنه النكول ، أو النكول فيجرّئه على اليمين ، أو يحسّ من الشاهد بالتوقّف ، فيحرّضه على الشهادة ، أو يكون مقدما

__________________

(١) في «أ» : في المستمع.

(٢) في «أ» : أجرة المستمع.

١٢٨

على الشهادة فيزهّده عنها ، أو يأمر أحد الخصمين بالكلام ، لأنه نصب (١) لسدّ باب المنازعة.

ولو سكت الخصمان ، استحبّ ان يقول لهما : تكلّما ، أو : ليتكلّم المدّعي. ولو احتشماه أمر من يقول ذلك (٢).

ولا يواجه بالخطاب أحدهما.

ويكره للحاكم أن يشفع في إسقاط أو إبطال.

٦٤٤٥. الثاني : إذا ورد الخصوم مترتّبين ، بدأ بالأوّل فالأوّل ، فإن وردوا جميعا ، أقرع بينهم ، فإذا خرجت القرعة للخصمين ، حكم بينهما ، وان حكم بين شخص وخصمه ، فقال : لي دعوى أخرى مع هذا الخصم ، أو مع غيره ، لم يسمع منه ، ويقال له : اجلس حتّى إذا لم يبق أحد من الحاضرين ، نظرت في دعواك الأخرى ، فإذا فرغ الكلّ فقال الأخير ، بعد فصل خصومته : لي دعوى أخرى لم يسمع منه حتّى يسمع دعوى الأوّل للثانية ثمّ يسمع دعواه.

وإن ادّعى المدّعى عليه على المدّعي حكم بينهما ، لأنّا إنّما نعتبر الأوّل فالأوّل في المدّعي لا في المدّعى عليه ، وإذا تقدّم الثاني فادّعى على المدّعي الأوّل أو المدّعى عليه الأوّل حكم بينهما.

ولو كثر الواردون دفعة كتب أسماءهم في رقاع ووضعها بين يديه ، وأخذ رقعة رقعة فينظر في أمر صاحبها وخصمه.

__________________

(١) في «أ» : نصبه.

(٢) وفي الشرائع : ٤ / ٨١ : «ولو أحسّ منهما باحتشامه أمر من يقول ذلك» وهذا أوضح. قال الطريحي : الاحتشام ، هو افتعال من الحشمة ـ بالكسر ـ بمعنى الانقباض والاستحياء. مجمع البحرين.

١٢٩

ولو حضر مسافرون ومقيمون ، فهما سواء ما لم يستضر المسافرون ، فيقدّمون.

ولو قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى ، لم تسمع حتّى تنتهي الحكومة ، ثمّ يستأنف الدعوى.

٦٤٤٦. الثالث : إذا حضر الخصمان فسبق أحدهما بالدعوى ثم ادّعى الاخر يسكته الحاكم حتّى تنتهي الحكومة مع المدّعي ، ولو ادّعيا معا دفعة واحدة ، سمع من الّذي عن يمين صاحبه.

ولو ازدحموا على المفتي والمدرّس فالحكم بالسّبق ، فإن تساووا أقرع إلّا إذا كان ما يطلب منه من العلم غير واجب ، فإليه الاختيار.

٦٤٤٧. الرابع : الإمام يقضي بعلمه مطلقا ، وأمّا غيره من القضاة ، فإنّه كذلك في حقوق الناس ، والأقوى القضاء بالعلم أيضا في حقّ الله تعالى ، ولا يجوز أن يحكم بالظّنّ الّذي لا يستند إلى البيّنة.

ولا يشترط في العلم حصوله في زمان ولايته أو مكان ولايته ، بل يحكم به كيف حصل.

ولو رأى الحاكم خطّه إنّي قضيت على فلان بكذا ، لم يجب له إمضاؤه إلّا أن يذكر الواقعة بحدودها ، وكذا الشهادة ، وإن علم أنّه لا يزور عليه.

ولو نسخ الشهادة وحفظ المكتوب عنده (١) وأمن التّزوير لم يجز له الإقامة ما لم يذكر الشهادة.

__________________

(١) هكذا في «أ» : ولكن في «ب» : ولو نسخ الشهادة من حفظه المكتوب عنده.

١٣٠

أمّا رواية الأحاديث ، فإنّه لا يعتمد فيها على مجرّد الخطّ إن أمكن التحريف ، لكن إن صحّح النسخة ، وحفظها بنفسه ، وأمن التغيير ، فالأقرب جواز الرواية.

وفي كلّ صورة يجوز للحاكم الحكم فيها ، فإنّه يجوز أن يحكم من غير حضور شاهد يشهد الحكم.

٦٤٤٨. الخامس : إذا انتفى علم الحاكم بالدّعوى ، طلب البيّنة ، فإن عرف عدالتها حكم ، وإن عرف الفسق أطرح ، وإن جهل الأمرين بحث عنهما ، وطلب التزكية وإن عرف إسلام الشاهدين.

ولا يجوز له التعويل في الشهادة على حسن الظاهر ، بل لا يحكم إلّا بعد الخبرة الباطنة بحال الشاهدين.

ولو حكم بالظاهر من حال العدالة ، ثمّ تبيّن فسقهما (١) وقت الحكم ، نقض الحكم.

ولو لم يعرف الحاكم العدالة ، فالتمس المدّعي حبس المنكر ليعدلهما ، قال الشيخ رحمه‌الله : له ذلك لقيام البيّنة بما ادّعاه (٢) وليس بجيّد ، لما فيه من تعجيل العقوبة قبل ثبوت السبب.

٦٤٤٩. السّادس : يستحبّ السؤال عن التزكية سرّا ، فإنّه أبعد من التهمة ، لجواز أن يتوسّل الشاهد إلى الاستمالة (٣) والتعرّف إلى المزكّي بحسن الحال ، ثمّ يشافه القاضي المزكّي ظاهرا في آخر الأمر.

__________________

(١) وفي «أ» : من حاله العدالة ثمّ تبيّن فسقهما.

(٢) المبسوط : ٨ / ٩٣ ـ ٩٤.

(٣) في «ب» : إلى الاستحالة.

١٣١

وينبغي أن يكون للقاضي جماعة من المزكّين أخفياء لا يعرفون.

٦٤٥٠. السّابع : الاستزكاء حق لله تعالى ، فلو سكت الخصم وجب على القاضي طلبه إلّا أن يعلم بعدالتهما ، فيحكم بعلمه ، ولو اعترف الخصم بالعدالة ، حكم عليه من غير طلب المزكّي.

ولو قال : إنّهما عدلان لكنّهما زلّا في هذه القضيّة ، فالأقرب الحكم عليه ، لاعترافه بالعدالة.

٦٤٥١. الثامن : ينبغي للقاضي أن يعرّف المزكّي الشاهدين والخصمين ، لتجويز معرفته بعداوة بينهما.

وهل يشترط إعلامه بقدر المال؟ الأقرب أنّه ليس كذلك ، لأنّه إذا زكّاه في اليسير زكّاه في الجليل ، إلّا على ما اختاره الشيخ رحمه‌الله ، من أنّ ولد الزنا تقبل شهادته في اليسير من المال مع فرض عدالته. (١)

٦٤٥٢. التاسع : لا بدّ للمزكّي من الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة بحال الشاهد ، حتّى تسوغ له تزكيته ، وتثبت مطلقة فلا يجب ذكر السبب ، فإنّ سبب العدالة لا ينحصر.

ويجب ذكر السّبب في الجرح ، لوقوع الخلاف فيه ، ولا يفتقر إلى تقادم المعرفة ، بل يكفي العلم بسبب الفسق ، ولو أسند السبب إلى الزنا أو اللواط ، لم يكن قذفا.

ويجب على المزكّي أن يقول : أشهد أنّه عدل مقبول الشهادة ، أو هو عدل

__________________

(١) النهاية : ٣٢٦.

١٣٢

لي وعليّ ، فإنّ العدل قد لا تقبل شهادته لغافلته ، ولا يكفي أن يقول : لا أعلم منه إلّا الخير.

وتقبل تزكية الأب لولده وبالعكس ، وهل يقبل جرح الولد للوالد؟ الأقرب العدم.

٦٤٥٣. العاشر : ليس للشاهد أن يشهد بالجرح إلّا بعد المشاهدة لسبب الفسق (١) أو أن يشيع ذلك بين الناس شياعا موجبا للعلم ، ولا يكفي الظنّ في ذلك وإن كثر المخبرون.

أمّا العدالة فيكفي فيها غلبة الظّنّ بانتفاء أسباب الجرح المستندة إلى تأكد الصّحبة وكثرة الملازمة والمعاملة.

ومع ثبوت العدالة يحكم بالاستمرار عليها إلى أن يظهر المنافي ، وقيل (٢) : إن مضت مدّة يمكن تغيّره فيها ، جدّد البحث عنه ، ولا تقدير للمدّة بل بحسب ما يراه الحاكم.

٦٤٥٤. الحادي عشر : لو اختلف الشهود في الجرح والتعديل ، حكم بالجرح ، لأنّ سببه قد يخفى عن الآخرين.

ولو تعارضت البيّنتان فيهما ، قال في الخلاف : يقف الحاكم عن الحكم (٣).

__________________

(١) في «أ» : بسبب الفسق.

(٢) القائل هو بعض العامّة على ما صرّح عليه في الجواهر. لاحظ جواهر الكلام : ٤٠ / ١٢٦.

(٣) الخلاف : ٦ / ٢١٩ ، المسألة ١٢ من كتاب آداب القضاء.

١٣٣

ولو شهد عدل بالجرح وآخران بالتعديل ، حكم بالعدالة ، وله التوقّف مع الريب ، وإذا عدّله المزكّون فللقاضي التوقّف إذا انفرد بتسامع الفسق ، لأنّه محلّ الرّيبة.

ويجوز للحاكم التفريق للشهود خصوصا مع الرّيبة.

وإذا كان الشاهد فقيها فله الإصرار على كلمة واحدة ، وهو أن يقول : أعرف عدالتهما ، ولا يلزمه التفصيل ، وليس للقاضي إجباره ، لكن يبحث عن جهات أخر ، فلو أصرّ الشاهد وبحث القاضي ، ولم تزل الريبة ، وجب القضاء ، وليس له القضاء مع الرّيبة قبل البحث.

٦٤٥٥. الثاني عشر : صفات المزكّي كصفات الشهود ويزيد أمران : العلم بالجرح والتعديل ، والخبرة الباطنة بحال الشاهد.

ولا بدّ من الذكورة والعدد.

وينبغي أن يكون المزكّي صاحب عفّة ونزاهة ، ذا عقل وافر بريئا من البغضة ، لئلّا يطعن في الشهود ، ولا يكون من أهل الهوى (١) والعصبيّة يميل إلى من وافقه على من خالفه.

وإذا شهد عند الحاكم بالعدالة ، فله أن يقبل الشهادة من غير كشف ولا سؤال.

ولو أقام المدّعى عليه بيّنة انّ هذين الشاهدين شهدا بهذا الحقّ عند حاكم فردّ شهادتهما بفسقهما ، بطلت شهادتهما.

__________________

(١) في «ب» : من أهل الأهواء.

١٣٤

ويستحبّ للحاكم أن يسأل عن شهوده كلّ وقت ، لأنّ الرجل ينتقل من حال إلى حال.

ولا يقبل شهادة المتوسّمين ، وهو أن يحضر مسافران يشهدان عند الحاكم ، ولا يعرفهما ، وعليهما سيماء الخير.

٦٤٥٦. الثالث عشر : ليس على الحاكم الثاني تتبّع أحكام المعزول ، نعم لو ادّعى المحكوم عليه أنّ المعزول حكم عليه بالباطل ، وجب النظر فيه ، وكذا لو ثبت عنده ما يبطل حكم الأوّل أبطله ، لا فرق في ذلك بين حقوقه تعالى وحقوق الناس.

ولو قضى الأوّل على غريم بضمان مال وأمر بحبسه ، فحضر الثاني ، نظر فإن كان الحكم موافقا للحقّ أنفذه ، وإلّا أبطله ، سواء استند في الحكم إلى دليل قطعيّ أو اجتهاديّ ، وكذا كلّ حكم حكم به الأوّل فظهر للثاني بطلانه ، فإنّه ينقضه ، وكذا لو كان الخطأ في حكم نفسه نقضه ، ويستأنف الحكم بالصّواب.

ولو كان القاضي الأوّل لا يصلح للقضاء ، نقضت أحكامه أجمع ، سواء أصاب فيها أو أخطأ.

٦٤٥٧. الرابع عشر : لو قال المعزول بعد العزل : كنت قضيت لفلان ، لم يقبل قوله ، ولو قال قبل العزل قبل وإن لم تكن بيّنة ، لأنّه من أهل الإنشاء في الحال ، أمّا لو شهد عدلان بعد العزل على قضائه ثبت ، ولو كان هو أحد العدلين لم يقبل إن قال : أشهد أنّي قضيت ، ولو قال : أشهد أنّ قاضيا قضى ، ففيه نظر.

٦٤٥٨. الخامس عشر : لو ادّعى رجل على المعزول أنّه أخذ منه رشوة ، رفعه إلى القاضي المنصوب ، وحكم بينهما.

١٣٥

ولو ادّعى أنّه أخذ منه المال بشهادة فاسقين فكذلك ، فإن حضر واعترف ألزم المال ، وإن قال : لم أحكم إلّا بشهادة عدلين ، قال الشيخ رحمه‌الله : يطلب منه البيّنة لاعترافه بنقل المال وادّعائه المزيل للضمان (١) وفيه نظر ، لأنّ الظاهر من الحكّام بذل الجهد (٢) والاستظهار في الأحكام ، فيكون القول قوله مع اليمين ، لادّعائه الظاهر ، ولو ادّعى مجرّد الحكم دون أخذ المال ، فالوجه أنّه كالأوّل.

ولو ادّعى الأمين أنّه أخذ شيئا أجرة لم يقبل تصديق المعزول له ، لكن يطالب بالزائد عن أجرة المثل ، والأقرب أنّه لا يحلف على قدر أجرة المثل.

ولو ادّعى على شاهدين أنّهما شهدا عليه بزور ، أحضرهما الحاكم ، فإن اعترفا ألزمهما ، وإن أنكرا وأقام المدّعي بيّنة على إقرارهما بذلك فكذلك ، وإن لم يقم بيّنة ، ففي إحلافهما نظر ينشأ من كونهما منكرين ، وعلى المنكر اليمين ، ومن تطرّق الدعاوي في الشهادة ، (فربما منع ذلك من ردّ الشهادة) (٣) وربما (٤) منع ذلك من أداء الشهادة ، والأوّل أقوى.

٦٤٥٩. السّادس عشر : إذا استعدى رجل على آخر إلى الحاكم لزمه أن يعديه ويستدعي خصمه مع حضوره ، وإن لم يحرّر الدعوى ، سواء علم بينهما معاملة أو لا ، وسواء كان المستعدي ممن يعامل المستعدي عليه أو لا.

ولو كان المستعدى عليه امرأة برزة (٥) فكالرّجل ، وإن كانت مخدّرة

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ١٠٣.

(٢) في «ب» : بذل المجهود.

(٣) ما بين القوسين يوجد في «أ».

(٤) في «ب» : فربما.

(٥) هي الّتي تبرز لقضاء حوائجها.

١٣٦

أمرت بالتوكيل ، فإن توجّهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان فاستحلفها ، وإن أقرّت شهدا عليها.

ويجوز أن يبعث الحاكم إلى منزلها من يقضي بينهما ، فإن اعترفت للمدّعي أنّها خصمه ، حكم بينهما ، وإن أنكرت طلب شاهدين من أنسابهما يشهدان أنّها المدّعى عليها ، ثمّ يحكم بينهما من وراء السّتر ، فإن لم تكن [له] بيّنة التحفت بجلباب وأخرجت من وراء الستر.

وإن كان المدّعي عليه غائبا في غير ولايته ، لم يكن له أن يعدي عليه ، وله الحكم عليه.

وإن كان في ولايته وله في بلده خليفة ، أثبت الحقّ عنده ، وكتب به إلى خليفته ، ولم يحضره.

وإن لم تكن هناك بيّنة نفذه إلى خليفته ، ليحكم بينه وبين خصمه ، وإن لم يكن له خليفة ، وكان فيه من يصلح للقضاء ، أذن له في الحكم بينهما ، وإن لم يكن له فيه من يصلح للقضاء ، طولب بتحرير الدّعوى ، لاحتمال ادّعاء ما ليس بحقّ ، كالشفعة للجار ، فيلزمه المشقّة بالإحضار بغير حق بخلاف الحاضر في البلد ، فإذا حرّر الدّعوى طلب خصمه بعدت المسافة أو قربت.

ولو كان حاضرا واختفى ، نادى رسول الحاكم ثلاثا أنّه إن لم يحضر ختم على بابه ، ويجمع أهل محلّته وأشهدهم على أعذاره ، فإن لم يحضر ، وسأل المدّعي ختم بابه ختمها ، فإن لم يحضر حكم عليه ، كما يحكم على الغائب.

١٣٧

ولو ادّعى أحد الرعية على القاضي ، فإن كان هناك إمام رافعه إليه ، وإن لم يكن وكان في غير ولايته ، رافعه إلى قاضي تلك البقعة ، وإن كان في ولايته رافعه إلى خليفته.

٦٤٦٠. السّابع عشر : ينبغي للحاكم أن يفرّق بين الشهود ، ويستحبّ فيمن لا قوّة له أو في موضع الريبة ، أمّا إذا كان الشهود من أهل الفضل والبصيرة ، فإنّه يكره للحاكم ذلك.

ولا يجوز له أن يتعتع الشاهد بأن يداخله في التلفّظ بالشهادة أو يتعقّبه ، بل يصبر عليه حتّى ينهي (١) الشهادة ، فإن تلعثم (٢) أو تردّد لم يجز له ترغيبه بالشهادة ، ولا تزهيده عنها ، وكذا يحرم عليه منع الغريم عن الإقرار بحقّ آدميّ ، ويجوز في حقّ الله تعالى كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ل «ماعز» :

«لعلّك قبّلتها ، لعلّك لمستها» (٣).

وهو يؤذن بكفّه عن الإقرار ومنعه عنه.

وله وعظ الشاهدين مع الرّيبة.

٦٤٦١. الثامن عشر : لو نسي القاضي الحكم فشهد عنده عدلان بأنّه قضى ، ففي القبول نظر ينشأ من إمكان رجوعه إلى العلم ، لأنّه يرجع إلى فعله ، فلا يقبل فيه الظّنّ ، كالشهادة لو نسيها فشهد عنده عدلان بأنّه قد شهد ، ومن قبول هذه

__________________

(١) في «أ» : ينتهي.

(٢) يقال : تلعثم في الأمر : توقف فيه وتأنّى (المنجد).

(٣) مسند أحمد : ١ / ٢٣٨ ، سنن أبي داود : ٤ / ١٤٦ برقم ٤٤٢٢ ، سنن البيهقي : ٨ / ٢٢٦.

١٣٨

الشهادة لو شهدا عند غيره فكذا عنده ، ولو شهدا بالحكم عند غيره أنفذه إن لم ينكر ولم يكذّبهما.

أمّا في الرواية فيجوز مع نسيان المرويّ عنه ، كما نقل عن بعضهم أنّه كان يقول : حدّثني فلان عنّي.

ولو ادّعى إنسان على قاض انّك قضيت لي فأنكر ، لم يكن له رفعه إلى قاض آخر ، ولا يتوجّه عليه اليمين كالشاهد إذا أنكر الشهادة.

٦٤٦٢. التّاسع عشر : إذا اعترف الغريم فقال المقرّ له للحاكم : اشهد لي على إقراره شاهدين ، لزمه ذلك ، لاحتمال نسيانه.

ولو ثبت عنده حقّ بنكول المدّعى عليه ويمين المدّعي ، وسأله المدّعي أن يشهد على نفسه لزمه.

ولو ثبتت عنده بيّنة فسأله الإشهاد ، احتمل اللزوم ، لاشتمال الحكم (١) على تعديل البيّنة ، وعدمه إذ بالحقّ بيّنة [فلا يحتاج إلى جعل بيّنة أخرى].

ولو حلف المنكر وسأل الحاكم الإشهاد على خروجه عن العهدة ، لزمه ، وفي جميع ذلك لو سأل الكتابة احتمل اللزوم ، لأنّه وثيقة فهو كالإشهاد ، إذ هو مذكّر للشاهدين ، وعدمه ، إذ لا اعتبار بالخطّ ، وإنّما المرجع إلى الذكر.

وإذا كتب صورة الواقعة ذكر الواقعة ، وأسماء الخصمين وحالهما (٢) إن لم

__________________

(١) أي لأنّ حكم القاضي مبنيّ على عدالة البيّنة الأولى ، وفي الإشهاد ، إثبات لتعديلها.

(٢) الظاهر أنّ المراد به حليتهما.

١٣٩

يعرفا ، فإن سأل صاحب الحقّ الحاكم أن يحكم بما ثبت في المحضر الّذي نسخ فيه صورة الواقعة ، لزمه الحكم به وإنفاذه فيقول : حكمت له به ، أو ألزمته الحقّ وأنفذت الحكم به ، فإن طالبه أن يشهد له على حكمه لزمه.

ويجمع محاضر كلّ أسبوع ووثائقه وحججه في إضبارة (١) ويكتب عليها أسبوع كذا ، ويجعل محاضر الشهر في كيس ، ويكتب عليه محاضرة شهر كذا ، ثمّ يجمع ما للسنة ، فيكتب عليه قضايا سنة كذا ، ليكون إخراج ما يحتاج إليه أسهل عند طلبه ، ويكتب نسخة أخرى في يد المدّعي بحيث توجد إحداهما لو ضاعت الأخرى.

وينبغي للحاكم إطلاق ثمن الكاغذ من بيت المال ، وإن لم يكن هناك فضل ، أحضر الملتمس ، ولا يجب على الحاكم دفع القرطاس من خاصّته ، ومع حضور الكاغذ يجب على الحاكم الكتابة.

٦٤٦٣. العشرون : يستحبّ للخصمين الجلوس بين يدي الحاكم ، ولو كانا قائمين بين يديه جاز ، وليس له أن يجلس أحدهما دون الاخر مع تساويهما في الإسلام والكفر.

__________________

(١) قال الفيومي : وعنده إضبارة من كتب ـ بكسر الهمزة ـ : أي جماعة وهي الحزمة. المصباح المنير : ٢ / ٢.

١٤٠