تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

٦٥٣١. الثاني : كلّ موضع حكمنا فيه بالنكول وأنّه ليس له الرجوع إلى اليمين ، لو رضي (١) المدّعي بيمينه ، فالأقرب أنّ له ذلك.

٦٥٣٢. الثالث : المدّعي إن نكل عن اليمين المردودة وقال : لا أحلف ، فهو كحلف المدّعى عليه ، ولا يمكّن من العود إلى اليمين بعد ذلك ، بل لا تسمع دعواه إلّا ببيّنة ، وإن طلب الإمهال أخّر ليتذكّر الحساب.

أمّا المنكر فإنّه لو طلب الإمهال لم يجب إليه ، لأنّ الحقّ عليه ، بخلاف من الحقّ له.

ولو أقام المدّعي شاهدا واحدا ، وطلب الإمهال عن اليمين ، أمهل ، ولو نكل لم تسمع منه اليمين ولا دعواه إلّا ببيّنة كاملة.

وإذا حلف المدّعي فهو كإقرار الخصم لا كالبيّنة ، فلا يثبت في حقّ غير الحالف.

٦٥٣٣. الرابع : لو مات من لا وارث له ، فالإمام وارثه ، فان شهد له بحقّ شاهد لم يحلف الإمام ، بل يحبس المدين حتى يعترف ويؤدّي أو يحلف وينصرف.

ولو ادّعى الوصيّ على الوارث أنّ الموصي أوصى للفقراء ، لم يحلف الوصيّ ولا الفقراء ، لعدم تعيينهم ، بل يحبس الوارث حتّى يحلف أو يعترف.

ولو ادّعى وصيّ الطفل دينا على آخر ، فأنكر ونكل ، لم تردّ اليمين على الوصيّ ، بل يوقف إلى أن يبلغ الطفل ويحلف.

__________________

(١) في «أ» : ولو.

١٨١

٦٥٣٤. الخامس : كلّ ما هو مال أو المقصود منه المال فعلى المدّعي البيّنة ، فإن عدمها حلف المدّعى عليه ، فإن لم يحلف ردّ اليمين على المدّعي ، فإن نكل سقطت الدّعوى ، وما ليس بمال ولا المقصود منه المال كالنكاح ، والطلاق ، والعتق ، والنسب ، وغير ذلك يجب على المدّعي البيّنة ، فإن عدمها فعلى المنكر اليمين ، فإن لم يحلف لم يردّ اليمين على المدّعي ، ولا يحلف أيضا مع شاهد واحد ، ويحكم له بشاهد وامرأتين.

٦٥٣٥. السّادس : يكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق ، فلو ادّعى عليه غصبا أو إجارة ، فقال : لم أغصب ولم أستأجر قيل : لزمه الحلف على وفق الجواب ، لأنّه لم يجب به إلّا وهو قادر على اليمين عليه ، وقيل : له أن يحلف على وفق الجواب وعلى نفي الاستحقاق. (١)

٦٥٣٦. السّابع : لو ادّعى المنكر الإبراء والإقباض انقلب مدّعيا والمدّعي منكرا ، فيكفي المدّعي اليمين على بقاء الحقّ ، وإن حلف على نفي ما ادّعاه الخصم كان أبلغ ، وليس لازما.

٦٥٣٧. الثّامن : كلّما يتوجّه الجواب عن الدّعوى فيه يتوجّه معه اليمين ، (٢) ويقضى على المنكر به مع النكول واليمين ، كالعتق ، والنكاح ، والنّسب ، وغير ذلك.

٦٥٣٨. التاسع : للمشهود عليه أن يمتنع من التسليم حتّى يشهد القابض ، ولو لم يكن عليه بالحقّ شاهد ، قيل : لا يلزم الإشهاد ، ويحتمل الوجوب حذرا من توجّه اليمين عليه مع الإنكار.

__________________

(١) أشار الشيخ إلى القولين في المبسوط : ٨ / ٢١٢.

(٢) في «ب» : يتوجّه مع اليمين.

١٨٢

ولا يجب على المدّعي دفع الحجّة مع القبض ، لاحتمال خروج المقبوض مستحقّا ، ولا على البائع دفع كتاب الأصل إلى المشتري ، لأنّه حجّة له على البائع الأوّل ، فيرجع عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقّا.

المطلب الخامس : في البيّنة

والنظر فيه في أمرين :

[النّظر] الأوّل : [في] الشرائط ، وستأتي في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى.

النّظر الثّاني : في تصادم الدعاوي

وفيه أقسام

[القسم] الأوّل : في دعوى الأملاك

وفيه سبعة عشر بحثا :

٦٥٣٩. الأوّل : إذا تداعيا عينا فإن كانت يدهما عليها ولا بيّنة ، قضي بها بينهما نصفين بعد أن يتحالفا ، إذ كلّ واحد مدّع في النصف مدّعى عليه في النصف الاخر.

ويبدأ القاضي في الحلف بمن يراه ، أو بمن تخرجه القرعة ، فإن حلفا أو نكالا استقرّت العين بينهما ، ويحلف كلّ واحد منهما على النفي ، فلو حلف واحد ونكل الثاني ، ردّت اليمين على الأوّل فيحلف على الإثبات في النصف الاخر ، لأنّ هذه يمين المدّعي المردودة.

١٨٣

أمّا لو نكل الأوّل الّذي بدأ به القاضي تحكّما أو بالقرعة ، فيعرض على الثاني ، يمين النفي واليمين المردودة ، والأقرب أنّه يكتفى بيمين واحدة جامعة بين النفي والإثبات ، فيحلف أنّ جميع الدار له ، وليس لصاحبه فيها حقّ.

ولو قال : والله إنّ النصف الّذي يدّعيه ليس له فيه حقّ ، والنّصف الاخر لي ، كفاه.

ولو كانت العين في يد أحدهما ، حكم بها للمتشبث مع يمينه إن التمسها الخصم ، ولو نكل حلف الاخر ، وقضي له بها.

ولو كانت في يد ثالث ، حكم بها لمن صدّقه الثالث بعد الإحلاف من المدّعى عليه ، وعلى الثالث اليمين لو ادّعى الخصم عليه بالملك ، لفائدة الغرم مع الاعتراف لا للقضاء بالعين.

ولو قال الثالث : هي لهما قضي بها بينهما نصفين بعد أن يحلف كلّ لصاحبه.

ولو كذّبهما أقرّت في يده ، وحلف لهما إن ادّعيا عليه العلم ، ولا يجب عليه نسبة التملك إلى نفسه أو إلى غيره.

ولو قال المتشبّث : لا أملكها أو لا أعرف صاحبها ، أو هي لأحدكما ولا أعرفه عينا ، فالوجه التقارع ، ويحلف من خرجت القرعة له ، فإن نكل حلف الاخر ، فإن نكالا قسّمت بينهما.

ولو ادّعى أحدهما النّصف ، فصدّقه ، وادّعى الاخر النّصف الاخر ، فكذّبه ، حكم للأوّل بالنصف ، وأحلف الثالث للثاني وليس للثاني إحلاف الأوّل.

١٨٤

٦٥٤٠. الثاني : لو ادّعى كلّ واحد منهما جميع العين وأقاما بيّنتين ، فإن أمكن الجمع بين البيّنتين جمع ، وإن تعارضتا بأن تشهد إحداهما أنّ هذه العين لزيد ، وتشهد الأخرى أنّها بعينها لعمرو ، فإن كانت العين في يدهما ، قضي بها بينهما نصفين ، لأن يد كلّ واحد على النصف ، وقد أقام بيّنة ، فيقضى له بما في يد غريمه ، إذ البيّنة بيّنة الخارج على أقوى القولين ، فلا تسمع بيّنة كلّ واحد منهما على ما في يده ، بل على ما في يد خصمه.

وهل يحلف كلّ واحد على النصف المحكوم له به ، أو يكون له من غير يمين؟ الأقوى عندي الأوّل ، مع احتمال الثاني.

وإن كانت في يد أحدهما ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما القضاء للخارج (١) إن شهدتا بالملك المطلق أو شهدتا بالسّبب ، أو شهدت للخارج بالسبب.

ولو شهدت بالمطلق للخارج وبالسّبب لذي اليد ، حكم لذي اليد ، سواء كان السّبب ممّا يتكرّر كالبيع والصّناعة ، أو لا يتكرّر كالنتاج ، وقال ابن إدريس : يقضى للخارج أيضا (٢) وليس بجيّد.

والثاني قول آخر للشيخ رحمه‌الله (٣) أنّه يقضى للمتشبّث دون الخارج ، لأنّ له بيّنة ويدا ، ولأنّ عليا عليه‌السلام قضى لذي اليد دون الخارج (٤).

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في الخلاف : ٣ / ١٣٠ ، المسألة ٢١٧ من كتاب البيوع ، وسلّار في المراسم : ٢٣٤ ، وابن زهرة في الغنية : قسم الفروع / ٤٤٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٢ / ١٦٨.

(٢) السرائر : ٢ / ١٦٨.

(٣) ذهب إليه في الخلاف : ٦ / ٣٤٢ ، المسألة ١٥ من كتاب الدعاوى والبيّنات.

(٤) الوسائل : ١٨ / ١٨٢ ، الباب ١٢ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٣ (.. انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام اختصم إليه رجلان في دابّة وكلاهما أقاما البيّنة أنّه انتجها ، فقضى بها للّذي في يده ...).

١٨٥

وأيّ البيّنتين قدّمناها ففي استحلاف صاحبها نظر ، ينشأ من تساقط البيّنتين عند التّعارض ، فيبقى (١) كما لو لم تقم بيّنة ، ومن عدم التساقط مع رجحان إحداهما ، فيحكم بالراجح ، كما لو تعارض خبران ، وأحدهما أرجح ، فإنّه يعمل بالراجح ، ويسقط الاخر ، كذلك البيّنة الراجحة يعمل بها ، وتسقط الأخرى.

وإن كانت في يد ثالث قضي لأرجح البيّنتين عدالة ، فإن تساويا قضي لأكثرهما عددا ، فإن تساويا أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه أحلف ، وقضي له ، فإن امتنع من خرجت القرعة له من اليمين ، أحلف الاخر وقضي له ، وإن نكالا قضي به بينهما بالسّوية.

وقال في المبسوط : إن شهدتا بالملك المقيّد ، قسّم بينهما ، ولو شهدت إحداهما بالتّقييد والأخرى بالإطلاق ، قضي بالشهادة المقيّدة دون الأخرى. (٢)

والأوّل أقرب إلى المنقول ، وإن كان الثاني ليس بعيدا من الصواب.

وعلى القول الأوّل هل يفتقر من قضي له بكثرة العدالة أو الشهود إلى يمين؟ الأقرب ذلك.

ولو لم يكن لأحدهما بيّنة ، وقال من هي في يده : ليست لي ، ولا أعرف لمن هي ، احتمل القسمة والقرعة ، ولا بدّ من الإحلاف على التقديرين.

٦٥٤١. الثالث : يتحقّق التعارض بين الشاهدين والشاهد والمرأتين ، ولا

__________________

(١) في «ب» : فينفى.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٥٨.

١٨٦

يتحقّق بين شاهدين وشاهد ويمين ، ولا بين شاهد وامرأتين وشاهد ويمين ، بل يحكم بالشاهدين وبالشاهد والمرأتين ، دون الشاهد واليمين.

٦٥٤٢. الرابع : يحكم بالقرعة إذا كان في يد ثالث ، واستوت البيّنتان عدالة وعددا مع يمين من خرجت له القرعة ، ولا فرق في ذلك بين ما يستحيل الجمع ويقع التكاذب صريحا ، كما لو شهدت احداهما بالموت في وقت ، والأخرى بالحياة في ذلك الوقت بعينه ، وبين ما لا يستحيل الجميع بل يتوهّم بتأويل ، كما لو شهدتا على الملك ، فإنّه يحتمل أن يكون كلّ واحد سمع وصيّة له أو شراءه (١) أو غيره.

وكلّ موضع قضينا فيه بالقسمة ، فإنما هو في موضع يمكن فرضها فيه كالأموال وإن كان لا يحكم فيها بالقسمة كالدرّة والعبد ، إذ المراد بالقسمة هنا تخصيص كلّ واحد بنصف العين وإن كان النصف مشاعا ، أمّا ما لا يمكن فيها القسمة ، فإنّ الحكم فيها القرعة ، كما لو تداعى اثنان زوجيّة امرأة أو نسب ولد.

٦٥٤٣. الخامس : لو أقرّ الثالث بها لأحدهما مع تعارض البيّنتين المتساويتين عدالة وعددا ، هل ينزّل إقراره منزلة اليد حتّى ترجّح به البيّنة إن قلنا بترجيح بيّنة ذي اليد ، أو ترجّح الأخرى إن قلنا بترجيح بيّنة الخارج؟ فيه نظر ، فإن قلنا إنّ إقراره ليس كاليد ، فهل يرجّح به صاحب التّصديق؟ الأقرب العدم ، لأنّ هذه يد مستحقّة الإزالة بالبيّنتين.

٦٥٤٤. السّادس : إذا تساوت البيّنتان في التاريخ تعارضتا ، وكذا إن أطلقتا التاريخ ، أو أطلقت إحداهما وعيّنت الأخرى ، أمّا لو شهدت إحداهما على

__________________

(١) في «ب» : «أو سرّا» ولعلّه مصحّف.

١٨٧

الملك لزيد منذ سنة ، وشهدت الأخرى لعمرو منذ سنتين ، فالأقدم أولى على إشكال ، وإن كانت المتأخّرة قد شهدت بالسبب أيضا.

ولو كان السبق في جانب واليد في جانب ، ففي ترجيح السبق إلى اليد أو التساوي نظر.

وإذا شهدت البيّنة بملكك بالأمس ، ولم تتعرّض للحال ، لم تسمع ، وافتقر إلى أن تقول : وهو ملكه في الحال ، أو لا أعلم له مزيلا ، ولو قال : لا أدري زال أم لا ، لم يقبل.

ولو قال : أعتقد أنّه ملكه بمجرّد الاستصحاب ، فالوجه القبول ، ولو شهد بأنّه أقرّ له بالأمس ، ثبت الإقرار واستصحب موجب الإقرار وإن لم يتعرّض الشاهد للملك في الحال.

ولو قال المدّعى عليه : كان ملكك بالأمس ، فالأقرب انتزاعه من يده ، وكذا لو قال الشاهد : هو ملكه بالأمس ، اشتراه من المدّعى عليه بالأمس ، أو أقرّ له المدّعى عليه بالأمس سمع.

ولو شهد أنّه كان في يد المدّعي بالأمس قبل ، وجعل المدّعي صاحب يد.

ولو قال : كان ملكه بالأمس اشتراه من فلان غير صاحب اليد ، لم يسمع ما لم يضمّ إليه أنّه ملكه في الحال ، فإنّ اشتراءه من فلان لا يكون حجّة على صاحب اليد ، بخلاف ما لو قال : اشتراه من صاحب اليد.

ولو قيل : إنّ البيّنة لو شهدت على الملك بالأمس ، قبلت وإن لم ينضمّ أنّه ملكه في الحال ، كان وجها ، كما لو شهدت على إقراره بالأمس.

١٨٨

٦٥٤٥. السّابع : البيّنة لا توجب الملك لكن تكشف عنه ، ومن ضرورته التّقدّم ولو بلحظة على الإقامة ، فلو كان المدّعى دابّة فنتاجها الّذي نتج (١) قبل الإقامة للمدّعى عليه ، وما نتج (٢) بعد الإقامة وقبل التعديل للمدّعي ، والثمرة الظاهرة على الشجرة كذلك ، وكذا جنين الأمة ، ولا يعتبر انفصال النتاج والثمرة والجنين ، بل متى تحقّق وجوده قبل الشهادة ، وإن كان في بطن الدابّة أو الأمة ، فهو للمدّعى عليه ، لإمكان انفصاله في الملك بالوصيّة ، وهذا كلّه في البيّنة المطلقة الّتي لا تتعرّض للملك السابق.

ومع هذا التقرير (٣) إذا أخذ من المشتري بحجّة مطلقة رجع على البائع ، ولو أخذ من المشتري رجع على الأوّل أيضا ويحمل مطلقه إذا لم يدّع على المشتري إزالة ملكه منه على أنّ الملك سابق فيطالب البائع بالثمن.

وتعجّب بعض الفقهاء في ترك نتاج في يده حصل قبل البيّنة وبعد الشراء ، ثمّ يرجع هو على البائع.

والأقرب أن يقال : لا يرجع (٤) إلّا إذا ادّعى ملك سابق على شرائه لأنّا قد بيّنا أنّ البيّنة لا تقتضي الزوال إلّا من الوقت.

ولو ادّعى المشتري انّك أزلت الملك فأنكر ، وقامت البيّنة على إزالته ، فلا رجوع له.

ولو ادّعى ملكا مطلقا فشهد به الشاهد وذكر السبب لم يضرّ لكن لو أراد

__________________

(١) في «أ» : ينتج.

(٢) في «أ» : ينتج.

(٣) في «أ» : ومع هذا التقدير.

(٤) في «ب» : لا يرجح.

١٨٩

المدّعي الترجيح بالسبب وجبت إعادة الشهادة بعد دعوى السبب ، لأنّ ذكر السبب قبل ادّعائه لغو.

ولو ذكر الشاهد سببا غير السّبب الّذي ادّعاه المدّعي تناقضت الدعوى والشهادة ، فلا تسمع في السّبب ، والأقرب سماعها في أصل الملك.

٦٥٤٦. الثامن : لعلمائنا في تقديم بيّنة ذي اليد على بيّنة الخارج أو بالعكس قولان سبقا (١) فإن قلنا بتقديم بيّنة ذي اليد فهل تسمع دعواه وبيّنته للتسجيل قبل ادّعاء الخصم؟ لا أعرف لأصحابنا نصّا في ذلك ، ومنع أكثر الجمهور منه ، إذ لا بيّنة إلّا على خصم (٢) ، فطريقه : أن ينصب لنفسه خصما ، والأقرب عندي سماع بيّنته لفائدة التسجيل.

ولو كان له خصم لا بيّنة له ، فأراد إقامة البيّنة لدفع اليمين عنه ، فيه احتمال أنّها لا تسمع ، إذ الأصل في جانبه اليمين ، وإنّما يعدل إلى البيّنة حيث لا تكفيه اليمين ، والوجه عندي السماع ، كما تسمع بيّنة المودع وإن قدر على اليمين ، وكذا للداخل إقامة البيّنة بعد إقامة المدّعي البيّنة قبل التعديل ، ولو أزيلت يده ببيّنة المدّعي ثمّ أقام بيّنة ، فإن ادّعى ملكا مطلقا فهو بيّنة من خارج ، وإن ادّعى ملكا مستندا إلى ما قبل إزالة يده ، وزعم غيبوبة بيّنته ، فهل هي بيّنة من خارج أو داخل؟ فيه نظر ينشأ من سبق يده ، وأنّه الداخل ، والبيّنة تشهد له بالملك المستند إلى ذلك الزمان ، ومن كون تلك اليد قد اتّصل القضاء بزوالها ، أمّا لو أقام بعد القضاء باستحقاق الإزالة قبل الإزالة والتسليم ، فإنّ بيّنته بيّنة داخل.

__________________

(١) لاحظ المسألة ٢ من هذا الفصل ص ١٨٥.

(٢) أي إلّا على المدّعي.

١٩٠

٦٥٤٧. التّاسع : لو أقام الخارج بيّنة على الملك المطلق ، وأقام الداخل بيّنة على أنّه ملكه ، اشتراه من الخارج ، قدّمت بيّنة الداخل على القولين ، والأقرب أنّه تزال يده قبل إقامة البيّنة ، لاعترافه للأوّل بالملك ، وكذا لو ادّعى الإبراء من الدّين ، أمر بدفع المال ، فإذا أثبت الإبراء استعاده.

ولو كانت بيّنته (١) حاضرة سمعت قبل إزالة اليد ، ولو أقرّ لغيره بملك في يده لم تسمع بعده دعواه ، حتّى يدّعي تلقّى الملك من المقرّ له.

ولو أخذ منه بيّنة فجاء يدّعي مطلقا ، احتمل ألا تسمع حتّى يذكر في الدّعوى تلقّي الملك منه ، لأنّ البيّنة في حقّه كالإقرار والسماع ، لأنّ المقرّ مؤاخذ بإقرار نفسه في الاستقبال ، وإلّا لم يكن للأقارير فائدة ، أمّا حكم البيّنة فلا يلزم بكلّ حال.

ولو ادّعى أجنبيّ الملك مطلقا ، سمع منه ، إذ البيّنة المقامة على غيره ليست حجّة عليه.

٦٥٤٨. العاشر : الشهادة بالملك أولى من الشهادة باليد ، لأنّ اليد تحتمل العارية والإجارة والملك ، والشهادة بسبب الملك أولى من الشهادة بالتّصرف.

ولو ادّعى دارا في يد غيره فأنكر المتشبث ، وأقام المدّعي بيّنة أنّها كانت في يده بالأمس أو منذ سنة ، قال الشيخ رحمه‌الله (٢) : لا تسمع هذه الدّعوى ولا البيّنة ، سواء شهدت باليد منذ أمس أو بالملك منذ أمس ، أمّا لو شهدت البيّنة بسبب يد الثاني وأسندت اليد إلى الأوّل كأن يشهد أنّه كان في يد المدّعي وأنّ المتشبث

__________________

(١) في «ب» : بيّنة.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٦٩.

١٩١

غصبه إيّاها أو قهره عليها ، أو استاجرها منه ، أو استعارها ، قضي للمدّعي للشهادة بالملك وسبب يد الثاني ، بخلاف ما إذا لم يشهد بالسّبب ، لأنّ اليد إذا لم يعرف سببها ، دلّت على الملك ولا يزال بالمحتمل.

٦٥٤٩. الحادي عشر : لو ادّعى عينا في يد غيره وأنّ الغير غصبه إيّاها ، وأقام بيّنة بذلك ، فادّعى آخر بأنّ المتشبّث أقرّ له بها ، وأنّها ملكه ، وأقاما بيّنة بذلك ، حكم لبيّنة المغصوب منه ، لأنّها شهدت بالملك وسبب يد الثاني ، والّتي شهدت بالإقرار لا تعارض هذه البيّنة ، لأنّه ظهر أنّ الإقرار كان بعين مغصوبة ، فلا ينفذ إقراره ولا يغرم المدّعى عليه للمقرّ له ، لأنّه لم يحل بينه وبين ملكه ، وانّما الحائل البيّنة.

٦٥٥٠. الثاني عشر : لو تداعيا شاة مذبوحة وفي يد كلّ واحد منهما بعضها منفصلا ، ولا بيّنة ، قضي لكلّ واحد بما في يده بعد الإحلاف ، ولو أقاما بيّنتين حكم لكل واحد بما في يد الاخر إن قلنا بتقديم بيّنة الخارج ، وإلّا فكالأوّل.

ولو كان في يد كلّ واحد منهما شاة ، فادّعى كلّ واحد منهما الشّاة الّتي في يد صاحبه ولا بيّنة ، تحالفا وكانت الشاة الّتي في يد كلّ واحد لصاحبها ، ولو أقاما بيّنتين ، فلكل واحد الشّاة الّتي في يد صاحبه ولا تعارض [بينهما].

ولو ادّعى كلّ واحد منهما أنّ الشاتين له دون صاحبه ، وأقاما بيّنتين ، تعارضتا وقضي لكل واحد بما في يد غريمه إن قلنا ببيّنة الخارج.

٦٥٥١. الثالث عشر : إذا ادّعى عينا في يد زيد وأقام بها بيّنة ، فحكم له بها حاكم ، ثمّ ادّعاها الأوّل على زيد وأقام بها بيّنة ، فإن قدمنا بيّنة الخارج لم تسمع بيّنة الأوّل ، لتقديم بيّنة زيد ، وإن قدّمنا بيّنة الداخل ، نظر في الحكم كيف وقع ،

١٩٢

فإن كان قد حكم بها لزيد ، لأنّ الأوّل لا بيّنة له ، ردّت إلى الأوّل ، لقيام البيّنة له واليد ، وإن حكم بها لأنّ الحاكم يرى تقديم بيّنة الخارج ، لم ينقض حكمه ، لأنّه يسوغ فيه الاجتهاد وكذا لا ينقض لو جهل الحال.

فإن جاء ثالث فادّعاها ، وأقام بها بيّنة ، فبيّنته وبيّنة زيد متعارضتان ، ولا يحتاج زيد إلى إقامة بيّنة ، لأنّها شهدت له مرّة ، فلم يحتج إلى إعادتها حالة التّنازع.

٦٥٥٢. الرابع عشر : لو ادّعى حيوانا وأقام بيّنة أنّه ملكه منذ سنة ، فدلّت سنّه (١) على أقلّ من ذلك قطعا ، سقطت البيّنة ، لتحقّق كذبها وكذا لو شهدت أنّه أنتج (٢) في يده منذ سنة ، فدلّت سنّه على أكثر من ذلك قطعا.

ولو ادّعى رقيّة صغير السّنّ مجهول النسب ، وهو في يده ، قضي له بذلك ظاهرا ، فإن بلغ وادّعى الحرّية لم تقبل دعواه ، للحكم برقيّته أوّلا ، ولو ادّعى أجنبيّ نسبه ، فالأقرب القبول ، ولا تزال يد مدّعي الرقية عنه ، وكذا لو ادّعاه اثنان وهو في يدهما.

ولو كان كبيرا وأنكر ، فالقول قوله ، لأنّ الأصل الحرّية ، ولو ادّعى اثنان رقيّته ، فاعترف لهما ، قضي به لهما ، وإن اعترف لأحدهما ، كان مملوكا له دون الاخر.

٦٥٥٣. الخامس عشر : لو ادّعى دارا في يد زيد ، وادّعى عمرو نصفها ، وأقاما البيّنة ، فلمدّعي الجميع النّصف بغير مزاحم ، ويتقارعان في النّصف الاخر ،

__________________

(١) في «أ» : «بيّنته» ولعلّه مصحّف بقرينة قوله «قطعا» ولاحظ أيضا : المبسوط : ٨ / ٢٩٤.

(٢) في «أ» : أنّه له نتج.

١٩٣

فيحكم به لمن تخرجه القرعة بعد إحلافه ، فإن امتنع من اليمين أحلف الاخر ، فإن امتنعا ، قسّم النصف بالسوية ، فيصير لمدّعي الجميع ثلاثة الأرباع ولمدّعي النصف الربع.

ولو أنكرهما من العين في يده ، وكان لأحدهما بيّنة ، حكم له ، وإن أقاما بيّنة أخذت من يده وحكم للأرجح في العدالة والعدد ، فإن تساويا أقرع.

ولو أقرّ بها لأحدهما ، فهل يكون المقرّ له كصاحب اليد من حيث إنّ المتشبّث مقرّ بأنّ يده نائبة عنه؟ الوجه ذلك.

ولو كانت في يدهما ولا بيّنة ، قضي لهما بها بالسّوية ، وعلى مدّعي النّصف اليمين للمستوعب ، ولا يمين على المستوعب.

ولو أقام كلّ منهما بيّنة ، قضي للمستوعب بالنصف الّذي لا منازعة فيه ، وتعارضت البيّنتان في النصف الاخر ، فإن حكمنا للخارج ، قضي به للمستوعب أيضا ، وإن قدّمنا بيّنة الداخل ، فهو لمدّعي النّصف ، فاستقرّت بينهما.

ولو كانت في يد ثلاثة فادّعى أحدهما النصف والاخر الثلث والثالث السّدس فيد كلّ واحد على الثلث لكنّهم تصادفوا في كيفيّة التملّك ، ولا تعارض ، ويفضل في يد صاحب السدس سدس آخر لمدّعي النصف ، وكذا لو قامت لهم البيّنة بذلك.

٦٥٥٤. السّادس عشر : لو كانت الدار في يد ثلاثة ، فادّعى أحدهم الجميع ، والثاني النصف ، والثالث الثلث ولا بيّنة ، قضي لكلّ واحد بما في يده وهو الثلث ، ويحلف مدّعي النّصف والثلث للمستوعب ، ومدّعي الثلث والمستوعب

١٩٤

لمدعي النّصف ، وليس لمدّعي الثلث يمين على أحد ، لأنّ حقّه بأجمعه في يده.

وإن كان لأحدهم بيّنة ، فإن كان هو مدّعي الكلّ أخذ الجميع ، وإن كان مدّعي النصف أخذه ، وقسّم الباقي بين الآخرين نصفين ، لصاحب الكلّ السدس بغير يمين ، ويحلف على نصف السّدس ، ويحلف الاخر على الرّبع الّذي يأخذه جميعه ، وإن كان مدّعي الثلث أخذه والباقي بين الآخرين نصفين ، لمدّعي الكلّ السّدس بغير يمين ، ويحلف على السّدس الاخر ، ويحلف الاخر على جميع ما يأخذه (١).

ولو أقام كلّ واحد بيّنة ، فإن حكمنا ببيّنة الداخل ، فالحكم كما لو لم تكن بيّنة ، لأنّ لكلّ واحد بيّنة ويدا على الثلث ، وإن قدّمنا بيّنة الخارج سقطت بيّنة صاحب الثلث ، لأنّها داخلة ، وللمستوعب الربع ممّا في يده بغير منازع ، والثلث الّذي في يد مدّعي النّصف ، لقيام البيّنة للمستوعب به ، والرّبع ممّا في يد مدّعي الثلث ، إذ لا ينازعه فيه سوى مدّعي الثلث وهو داخل ، وبقي نصف السّدس في يد مدّعي الثلث ، (٢) يقرع بين المستوعب ومدّعي النّصف ، لتصادم البيّنتين فيه ، ويحلف من تخرجه القرعة ، ويقضى له ، فإن امتنع أحلف الاخر ، فإن امتنعا قسّم بينهما نصفين ، وبقي نصف السّدس في يد المستوعب لمدّعي النّصف ، فيحصل للمستوعب عشرة ونصف من اثني عشر ، ولمدّعي النصف واحد ونصف.

ولو كانت في يد غيرهم واعترف أنّه لا يملكها ، ولا بيّنة ، فالنّصف لمدّعي

__________________

(١) في «ب» : أخذه.

(٢) في «ب» : «السّدس» بدل «الثلث» ولعلّه مصحّف.

١٩٥

الكلّ ، لعدم المنازع ، ويقرع بينهم في النّصف الباقي ، فإن خرجت لصاحب الكلّ أو لصاحب النصف حلف ، وإن خرجت لصاحب الثلث ، حلف وأخذ الثلث ، ثمّ يقرع بين الآخرين في السّدس ، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذ.

ولو أقام كلّ واحد بيّنة ، فالنصف لمدّعي الكلّ لعدم المنازع ، والسدس الزائد يتنازعه مدّعي الكلّ ومدّعي النصف والثلث يدّعيه الثلاثة ، وقد تعارضت البيّنات فيه ، فيترجّح بالأعدل (١) والأكثر في العدد ، ومع التساوي يعمل بالقرعة ، ويحلف من خرجت القرعة له من مدّعي النصف ومدّعي الكلّ ، فإن نكل ، حلف الاخر وإن نكالا ، قسّم بينهما ، ويتقارع

الثلاثة في الثلث ، فحلف (٢) من خرجت القرعة له ، فإن نكل أحلف الآخران ، وقسّم بينهما ، فإن نكالا قسّم الثلث أثلاثا.

ولو حلف أحدهما ونكل الاخر ، فهو للحالف ، ويصحّ (٣) من ستة وثلاثين ، لمدّعي الكلّ النّصف ونصف السّدس وثلث الثلث ، ولمدّعي النّصف نصف السّدس وثلث الثلث ، ولمدّعي الثلث ثلث الثلث.

ويحتمل قسمة العين (٤) على حسب العول ، لصاحب الكلّ ستّة ، ولصاحب النصف ثلاثة ، ولصاحب الثلث سهمان ، فيصحّ من أحد عشر سهما ، لكن أصحابنا على الأوّل.

٦٥٥٥. السّابع عشر : لو كانت الدار في يد أربعة ، فادّعى أحدهم الجميع ، والثاني الثلثين ، والثالث النصف ، والرابع الثلث ، ففي يد كلّ واحد

__________________

(١) في «أ» : في الأعدل.

(٢) في «ب» : ويحلف.

(٣) في «ب» : ويصنع.

(٤) في «أ» : قيمة العين.

١٩٦

الرّبع ، فإن لم تكن بيّنة ، قضي لكلّ واحد بما في يده ، وأحلفنا كلّا منهم لصاحبه.

ولو أقام كلّ واحد بيّنة بما ادّعاه ، فإن قضينا ببيّنة الداخل فكذلك يقسّم أرباعا ، وإن قضينا ببيّنة الخارج سقط اعتبار بيّنة كلّ واحد بالنظر إلى ما في يده ، وتكون ثمرتها فيما يدّعيه ممّا في يد غيره ، فيجمع بين كلّ ثلاثة على ما في يد الرابع ، ويؤخذ منه ، ويحكم فيه بالقرعة واليمين ، ومع الامتناع من الحلف يحلف الاخر ، وإن امتنعوا قسّم بينهم ، فيصحّ من اثنين وسبعين ، فيخلص لمدّعي الجميع ممّا في يد الثاني نصفه ونصف تسعه ، وهو عشرة من ثمانية عشر بغير منازع سواه ، وهو داخل ، والثالث يدّعي ثلث ما في يده ، وهو ستّة ، فيقارع (١) المستوعب ، ويحكم للخارج بالقرعة مع اليمين ، فإن امتنع أحلف الاخر ، وإن نكالا معا قسّم بين المستوعب والثالث.

والرابع يدّعي تسع ما في يده وهو اثنان يقارع المستوعب فيهما ، ويأخذه من تخرجه القرعة بعد اليمين ، فإن امتنع حلف الاخر ، فإن امتنعا قسّم بينهما ويخلص للمستوعب ممّا في يد الثالث ستّة لا يدّعيها سوى الثالث وهو داخل ، فيحكم بها للمستوعب.

والثاني يدّعي ممّا في يد الثالث خمسة أتساعه وهو عشرة (٢) فيقارع (٣) المستوعب ، ويحكم للخارج بعد اليمين ، فإن امتنع حلف الاخر ، فإن امتنعا قسّم بينهما.

__________________

(١) في «أ» : فينازغ.

(٢) كذا في «أ» ولكن في «ب» : والثاني يدّعي ممّا في يد الثالث عشرة.

(٣) في «أ» : فينازع.

١٩٧

والرابع يدّعي ممّا في يد الثالث اثنين ، فيقارع المستوعب (١) ويحكم للخارج بعد اليمين ، فإن امتنع حلف الاخر ، فإن امتنعا ، قسّم بينهما ويخلص للمستوعب ممّا في يد الرابع ، اثنان لا يدّعيهما (٢) سوى الرابع. وهو داخل ، فيحكم بها للمستوعب.

والثاني يدّعي منها عشرة ، فيقارع المستوعب ، ويحلف الخارج بالقرعة ، فان امتنع حلف الاخر وحكم له ، فإن امتنعا قسّم بينهما.

والثالث يدّعي منها ستة ، فيقارع المستوعب ويحكم للخارج بعد اليمين ، فإن نكل حلف الاخر ، فإن امتنعا قسّم بينهما ، ويؤخذ جميع ما في يد المستوعب ، لأنّه داخل والثلاثة الآخر خارجة ، فالثاني يدّعي منه عشرة ، والثالث يدّعي ستّة ، والرابع يدّعي اثنين ، فيحكم لهم بذلك ، فقد حصل للمستوعب ستة وثلاثون ، وللثاني عشرون وللثالث اثنا عشر ، وللرّابع أربعة ، وذلك مع امتناع الخارج بالقرعة عن اليمين ومقارعته.

وعلى الحكم بالعول يحصل للمستوعب ستّة ، وللثاني أربعة ، وللثالث ثلاثة ، وللرابع سهمان.

ولو كانت في يد خامس لا يدّعيها ، وأقام كلّ واحد بيّنة ، خلص لصاحب الكلّ الثلث بغير منازع ، وتتعارض بيّنته وبيّنة مدّعي الثلثين في السدس ، فيقارعان فيه ، ويحكم به لمن تخرجه القرعة بعد اليمين فإن امتنع أحلف الاخر ، فإن نكل قسّم بينهما ، ثم تتعارض بيّنة مدّعي الجميع ومدّعي الثلثين ومدّعي

__________________

(١) كذا في «ب» ولكن في «أ» : فينازع المستوعب.

(٢) في «ب» : لا يدّعيها.

١٩٨

النصف في سدس آخر ، فيقرع بينهم فيه ، ويحكم به للخارج بالقرعة بعد الإحلاف ، فإن امتنع أحلف الآخران ، وقسّم بينهما ، فإن نكالا قسّم بين الثلاثة ، ثمّ يقع التعارض بين البيّنات الأربع في الثلث ، فيقرع بينهم ، ويخصّ به من تخرجه القرعة بعد الإحلاف ، فإن نكل أحلف الثلاثة ، (١) فإن نكلوا أجمع ، قسّم الثلث بينهم أرباعا ، فيصحّ من ستّة وثلاثين ، لمدّعي الكلّ عشرون ، ولمدّعي الثلثين ثمانية ، ولمدّعي النصف خمسة ، ولمدّعي الثلث ثلاثة ، وكذا البحث لو لم يكن لأحدهم بيّنة.

القسم الثاني : في الاختلاف في العقود

وفيه أربعة عشر بحثا :

٦٥٥٦. الأوّل : لو تداعيا عينا في يد زيد ، فقال كلّ واحد منهما : هذه العين لي اشتريتها من زيد بمائة ونقدته الثمن ، فإن لم تكن لأحدهما بيّنة ، فإن أنكرهما ، حلف لكلّ واحد منهما ، وكانت العين له ، وإن أقرّ بها لأحدهما ، سلّمت إليه وحلف للآخر ، وإن أقرّ لكلّ واحد منهما بنصفها ، سلّمت إليهما ، وحلف لكلّ واحد منهما على نصفها.

ولو قال : لا أعلم لمن هي منكما تقارعا وقضي بها لمن تخرجه القرعة بعد اليمين.

ولو حلف المتشبّث أنّها لأحدهما ، سلّمت إليه ، فإن أقرّ بها للآخر أغرم له.

__________________

(١) في «ب» : أحلف الثلاث.

١٩٩

ولو أقام كلّ واحد بيّنة ، فإن كانتا مؤرّختين ، فإن اختلفتا (١) في التاريخ كأن تشهد إحداهما بالشراء في شعبان والأخرى في رمضان ، حكم بها للأوّل ، وكان البيع الثاني باطلا ، لأنّه باع ما لا يملكه ، ويطالب بردّ الثمن ، إذ لا تعارض فيه.

وإن اتّفقتا في التاريخ أو كانتا مطلقتين ، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة تعارضتا ، لتعذّر الجمع ، ثمّ نظر فإن كانت العين في يد أحدهما ، حكم لذي اليد على رأي ، وللخارج على رأي ، وإن كانت في يد البائع لم يلتفت إلى إنكاره ولا إلى اعترافه ، بل يحكم بالقرعة مع تساوي البيّنتين عدالة وعددا ، فمن خرجت له حلف وأخذ ، وإلّا حلف الاخر.

ولو نكالا قسّمت بينهما ، ويرجع كلّ منهما بنصف الثمن ، والأقرب أنّ لكلّ منهما الفسخ لتبعّض الصفقة قبل القبض.

ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع ، لعدم المزاحم ، ولو امتنع أجبر على الأخذ ، وكلّ من لم يسلّم له من العين شي‌ء إمّا بقرعة أو قسمة ، فإنّه يرجع إلى الثمن ، إذ لا تضادّ في اجتماع الثمنين.

٦٥٥٧. الثاني : لو ادّعى أحدهما أنّه اشترى العين من زيد بمائة ، وادّعى الاخر أنّه اشتراها من عمرو بمائة ، وأقام كلّ منهما بيّنة بدعواه ، فإن كانت العين في يد أحدهما قدّمت بيّنة الخارج أو الداخل على اختلاف الرّأيين ، ويرجع الاخر على بائعه بالثّمن ، وإن كانت في يدهما ، قسّمت بينهما ، لأنّ لكلّ واحد بيّنة ويدا ، فيحكم إمّا للداخل أو للخارج ، فعلى كلّ واحد من التقديرين يستقرّ بينهما ، ويرجع كلّ منهما على بائعه بنصف الثمن.

__________________

(١) في «أ» : واختلفتا.

٢٠٠