تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

ولكن قال : ليست لي ، حفظها الحاكم ، لخروجها عن [ملك] المقرّ ، ولم تدخل في ملك المقرّ له.

ويحتمل أن يسلّم إلى المدّعي ، إذ لا منازع له ، وأن يترك في يد ذي اليد إلى قيام حجّة (١) ، لأنّه أقرّ للثالث وبطل إقراره بردّه ، فصار كأنّه لم يقرّ ، والأوّل أقوى.

فإن رجع المقرّ له وقال : غلطت بل هو لي ، ففي قبول ذلك منه إشكال.

ولو رجع المقرّ وقال : غلطت بل هو لي ، فان كان في يده ، فالأقرب القبول ، وإن لم يكن في يده ، فالأقرب العدم ، لانتفاء سلطنة اليد ، وهكذا كلّ من نفى عن نفسه شيئا ، ثمّ رجع فيه قبل أن يقرّ لغيره أو بعده ، لكن المقرّ له ردّ الإقرار ، فإن قلنا بقبول رجوعه ، فطلب المدّعي إحلافه ، فإن كان قد حلّفه أوّلا لفائدة الغرم مع الاعتراف ، لم يكن له ذلك ، وإن لم يكن حلّفه أوّلا ، كان له إحلافه ، رجاء أن يقرّ له.

ولو قال المقرّ له : إنّها للمدّعي سلّمت إليه.

ولو قال : إنّها لثالث ، انتقلت الحكومة إلى الثالث.

ولو كان المقرّ له غائبا ، كان للمدّعي الإحلاف أيضا للغرم ، لا للقضاء بالعين لو نكل أو ردّ اليمين.

ولو أقرّ بها للمدّعي لم تسلّم إليه ، لأنّه اعترف بها لغيره ، وتلزمه قيمتها.

__________________

(١) في «أ» : حجّته.

١٦١

ولو كان مع المدّعي بيّنة سمعها الحاكم ، وقضى على الغائب ، وكان الغائب على خصومته إذا حضر فله أن يقدح في شهوده أو يقيم بيّنة تشهد له باعتراف المدّعي له.

ولو أقام الغائب البيّنة بأنّ العين ملكه ، ففي القضاء له قولان مبنيّان على تقديم بيّنة الداخل أو الخارج.

ولو أقام ذو اليد بيّنة تشهد للغائب بها ، سمعها الحاكم ، ولم يقض بها ، لأنّ البيّنة للغائب لم يدّع هو ولا وكيله ، وإنّما الفائدة سقوط اليمين عن المقرّ له إذا ادّعى عليه العلم.

ولو ادّعى وكالة الغائب كان له إقامة البيّنة عن الغائب.

ولو ادّعى رهن الغائب أو إجارته ، فالأقرب سماع البيّنة عن الغائب بالملك ، لتعلّق المقرّ بحقّ.

ولو أقام المقرّ البيّنة للغائب لدفع محذور اليمين عنه ، ثمّ حضر الغائب ، افتقر إلى إعادة البيّنة وحكم له بها ، فإن أقام المدّعي بيّنة قضى له دون بيّنة الغائب ، لأنّ الغائب إذا حضر صار صاحب اليد نائبا عنه ، وكان اليد للغائب فيقضى للخارج.

ولو أقام المقرّ بيّنة بالرهن أو الإجارة ، قدّمت بيّنة المدّعي أيضا ، لأنّه خارج.

ولو صدّق ذو اليد المدّعي على دعواه فأقام الغائب البيّنة بالملك ، انتزعت من المدّعي ، ولم يكن على ذي اليد غرم ، لأنّ الحيلولة إنّما حصلت بالبيّنة لا

١٦٢

بالإقرار ، فإن أقرّ للغائب بعد تصديق المدّعي ، لم يغرم للمدّعي ، لأنّ رجوعه إلى الغائب بالبيّنة لا بالإقرار.

ولو أقرّ لمجهول ولم يعيّنه ، لم تندفع الخصومة عنه ، بل يطالب بالبيان أو يحلف ، فإن نكل حلف المدّعي وأخذه.

ولو أقرّ لصبيّ أو مجنون ، فالخصم وليّهما ، ولا يحلف الوليّ ، بل يطالب المدّعي بالبيّنة أو يؤخّر إلى البلوغ والرشد ، ثم يحلف الصبيّ والمجنون ، وكذا لو قال : هو وقف على الفقراء ، اندفعت الحكومة عنه ، ولم ينجع إلّا بالبيّنة ، إذ لا يمكن تحليف المنسوب إليه ، نعم للمدّعي إحلافه للغرم.

٦٤٩٢. الرابع : لو خرج المبيع مستحقّا بالبيّنة ، فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن ، فإن صرّح في نزاع المدّعي بأنّه كان ملك البائع ، فالوجه عدم الرّجوع ، لاعترافه بكذب المدّعي وأنّه ظالم ، ويحتمل الرجوع إن قال : إنّما قلت ذلك على رسم الخصومة ، أمّا لو قال : إنّه ملكي ، ثمّ قال اسندت ذلك إلى الشراء من البائع ، فالأقرب هنا الرجوع.

ولو ضمّ إليه ادّعاء الملكيّة للبائع ، فكالأوّل.

ولو أقام بيّنة بجارية فأحبلها ، ثمّ كذّب نفسه ، فالولد حرّ ، وعليه قيمته لمولاه ، وعليه مهر الجارية.

وأمّا الجارية فيحتمل دفعها إلى الأوّل ، ودفع القيمة ، لثبوت حكم الاستيلاد لها.

٦٤٩٣ الخامس : إذا ادّعى على العبد ، فالغريم مولاه ، سواء ادّعى مالا أو جناية.

١٦٣

ولو ادّعى جناية العمد ، فاعترف المولى ، لم يتوجّه على العبد القصاص ، ولا يضمن المولى ، وطريق التّخلص مطالبة العبد بالجواب ، فإن اعترف كمولاه اقتصّ منه ، وإلّا كان للمجنيّ عليه في رقبته بقدر الجناية ، وله تملّكه إن استوعبته.

المطلب الثالث : في اليمين ، والنظر في أمور

[الأمر] الأوّل في الكيفيّة :

وفيه سبعة مباحث :

٦٤٩٤. الأوّل : لا يستحلف أحد إلّا بالله تعالى ، سواء كان الحالف مسلما أو كافرا ، وقيل : (١) يضمّ في يمين المجوسي إلى لفظ الجلالة ما يزيل الاحتمال ، لأنه يسمّي النّور إلها.

ولا يجوز الحلف بغير أسماء الله تعالى الخاصّة به أو الغالبة عليه كالرّحمن ، فلو حلّفه بالكتب المنزلة ، أو الأنبياء ، أو الأئمّة ، أو الأماكن الشريفة ، أو بشي‌ء من الكواكب ، أو بغير ذلك من مخلوقات الله تعالى ، كانت لاغية ، ولا يجوز الإحلاف بشي‌ء من ذلك ، لأنّه بدعة ، وكذا لا يجوز الحلف بالقرآن ، ولا بالبراءة من الله تعالى ولا من رسوله ، ولا من أحد من الأئمّة عليهم‌السلام ، ولا من الكتب المنزلة.

ولا يجوز الحلف بالكفر ولا بالعتق ولا بالطلاق.

٦٤٩٥. الثاني : ينبغي للحاكم إذا توجهت اليمين على أحد أن يخوّفه بالله

__________________

(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٨ / ٢٠٥.

١٦٤

تعالى ، ويعظه ، ويذكّره العقاب الّذي يستحقه على اليمين الكاذبة ، والوعيد عليها ، فإن رجع حكم عليه بمقتضى الشرع ، وإن أصرّ استحلفه بالله تعالى أو بشي‌ء من أسمائه.

ولو رأى الحاكم إحلاف الذمّي بما يقتضيه دينه أردع جاز.

٦٤٩٦. الثالث : الواجب في اليمين أن يقول : قل : والله ما له قبلي حقّ ، لكن ينبغي للحاكم أن يغلّظ بالقول والزمان والمكان ، وليس واجبا وإن التمسه المدّعي ، ولا يعدّ الناكل عن التغليظ ناكلا ، ولا يقهر عليه ، ولو حلف على عدم التغليظ لم يؤمر بحلّ اليمين.

فالتغليظ بالقول مثل أن يقول : قل والله الّذي لا إله الا هو ، الرّحمن الرّحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المدرك المهلك ، الّذي يعلم من السّرّ ما يعلمه من العلانية ، ما لهذا المدّعي عليّ ما ادّعاه ، ولا له قبلي حقّ منه ، أو نحو ذلك من الألفاظ المشتملة على الثناء على الله تعالى.

وأمّا بالمكان ، فبأن يستحلفه في المسجد أو المشهد ، أو الحرم أو المواضع الّتي ترهب من الجرأة على الله تعالى.

وأمّا بالزمان ، فبأن يحلفه يوم الجمعة أو العيد ، وبعد العصر ، وغير ذلك من الأوقات الشريفة.

ويغلّظ على الكافر بالمواقع الّتي يعتقد شرفها ، والأزمنة الّتي يعظّمها ويعتقد حرمتها.

٦٤٩٧. الرابع : ينبغي التغليظ في الحقوق كلّها ، وإن قلّت إلّا الأموال ، فلا يغلّظ فيها بما دون نصاب القطع.

١٦٥

ولو أنكر السيّد عتق عبد قيمته دون نصاب القطع ، لم يغلّظ يمينه ، فان نكل غلظ على العبد ، لأنّه يدّعي العتق.

ولا يغلّظ على المخدّرة بحضور الجامع ، وتعذر بالتخدّر.

٦٤٩٨. الخامس : لو افتقر إلى إحلاف الأخرس حلّفه بالإشارة والإيماء إلى اسم الله تعالى ، ووضع يده على اسم الله تعالى في المصحف أو غيره ، ويفهم يمينه على الإنكار ، كما يعرف إقراره وإنكاره ، وينبغي أن يحضر يمينه من له عادة بفهم (١) أغراضه وإشاراته.

وروى محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأخرس كيف يحلّف إذا ادّعي عليه دين ، ولم تكن للمدّعي بيّنة؟ فقال :

إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي بأخرس فادّعي عليه دين فأنكره ، ولم تكن للمدّعي بيّنة ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج إليه ، ثم قال ائتوني بمصحف ، فأتي به ، فقال للأخرس : ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنّه كتاب الله عزوجل ، ثم قال : ائتوني بوليّه ، فأتوه بأخ له ، فأقعده إلى جنبه ، ثمّ قال : يا قنبر عليّ بدواة وصحيفة ، فأتاه بهما ، ثمّ قال لأخ الأخرس : قل لأخيك هذا بينك وبينه إنّه عليّ ، فتقدّم إليه بذلك ، ثمّ كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام :

والله الّذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضار النافع ، المهلك المدرك ، الّذي يعلم السّر والعلانية ، إنّ فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان ـ أعني الأخرس ـ حقّ ولا طلبة بوجه من الوجوه ، ولا سبب

__________________

(١) في «ب» : يفهم.

١٦٦

من الأسباب ، ثمّ غسله وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنع فألزمه الدّين» (١).

وهذه الرواية قضيّة في عين فلا تعدى ، وإنّما العمل على الإشارة.

٦٤٩٩. السّادس : لا ينبغي للحاكم أن يحلف أحدا إلّا في مجلس حكمه إلّا حقّ المعذور ، كالمريض ، والعاجز ، والمرأة المخدّرة ، فيستحلف الحاكم من ينوب عنه في الاستحلاف.

وللحاكم حبس المرأة إذا توجّه عليها الحقّ وامتنعت من أدائه ، كما له حبس الرّجال.

٦٥٠٠. السّابع : شرط اليمين : أن يطابق الإنكار ، وان يقع بعد عرض القاضي ، وأن يكون القاضي المتولّي للإحلاف عن المتخاصمين.

النظر الثاني : في الحالف

وفيه ستّة مباحث :

٦٥٠١. الأوّل : يشترط فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد ، وأن يتوجّه عليه دعوى صحيحة في حقّه ، فلا يمين في الحدود ، إذ لا مدّعي لها ، وقال الشيخ رحمه‌الله : لو قذفه بالزنا ولا بيّنة ، فإن ادّعاه جاز أن يحلف ليثبت الحدّ على القاذف (٢) وفيه نظر ، إذ لا يمين في حدّ.

__________________

(١) صحّحنا الحديث على التهذيب : ٦ / ٣١٩ ، برقم ٨٧٩ ؛ والفقيه : ٣ / ٦٥ ، برقم ٢١٨ ؛ ولاحظ الوسائل : ١٨ / ٢٢٢ ، الباب ٣٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢١٥ ـ ٢١٦.

١٦٧

ومنكر السرقة يحلف لإسقاط الغرم ، فلو نكل أو ردّ ، حلف المدّعي ، وثبت الغرم دون القطع ، وكذا لو أقام شاهدا وحلف.

ولا يحلف القاضي والشاهد إذ نسبتهم إلى الكذب دعوى فاسدة ، نعم لو ادّعى على القاضي المعزول توجّهت اليمين ، ويحلف في إنكار النسب والنكاح والعتق والرجعة وغير ذلك ، ممّا يتوجّه الجواب عن الدّعوى فيه.

وتثبت اليمين في حقّ كلّ مدّعى عليه ، سواء كان مسلما ، أو كافرا ، عدلا ، أو فاسقا ، رجلا ، أو امرأة.

٦٥٠٢. الثاني : لو ادّعى الصبيّ البلوغ ، صدّق بغير يمين مع الاحتمال ، ولو قال : أنا صبيّ لم يحلف بل ينتظر بلوغه.

ولو ادعى الصبيّ المشرك أنّه استنبت الشعر بالعلاج مع الاحتمال صدّق.

٦٥٠٣. الثالث : لا يحلف الوصيّ على نفي الدّين عن الميّت ، لأنّه لو أقرّ لم يقبل إقراره ، وكذا لو أنكر الوكالة لم يحلف الوكيل على نفي العلم بالوكالة ، لأنّه لا يؤمر بالتسليم إليه مع الاعتراف بالوكالة ، وللخصم أن يحلف الوكيل على نفي العلم بأنّه ما عزله.

وهل لوكيل الخصومة إقامة البيّنة على وكالته من غير حضور الخصم؟ الأقرب ذلك وإن كان حقّا على الخصم ، لأنّه لا يثبت حقّ نفسه.

٦٥٠٤. الرابع : اليمين إنما تتوجّه على المنكر ، وعلى المدّعي مع ردّ المنكر ، ومع الشاهد الواحد ، ومع اللوث في دعوى الدم ، أمّا المدّعي ولا شاهد له فلا يمين عليه ، وإن ردّ المنكر أو نكل ، حلف المدّعي ، فإن نكل سقطت دعواه.

١٦٨

وإن حلف المنكر فالمشهور سقوط الدّعوى عنه ، سواء أقام المدّعي بيّنة بعد ذلك أو لا ، ولا تحلّ له مطالبته بعد ذلك بشي‌ء ، ولا تسمع بيّنته.

وقال المفيد رحمه‌الله : إذ التمس المدّعي يمين المنكر فحلف له ، ثم جاء المدّعي ببيّنة تشهد له بحقّه الّذي حلف (له) (١) عليه خصمه ، ألزمه الحاكم الخروج منه إليه ، اللهم إلّا أن يكون المدّعي (قد) (٢) اشترط للمدّعى عليه أن يمحو عنه كتابه عليه ، أو يرضى بيمينه في إسقاط دعواه ، فإن اشترط له ذلك لم تسمع له بيّنة من بعد ، وإن لم يشترط له ذلك سمعت ، (٣) والوجه الأوّل.

ولا خلاف أنّه لو اعترف المنكر بعد يمينه بالدّعوى ، وندم على إنكاره ، فإنّه يطالب ، وإن كان قد حلف.

٦٥٠٥. الخامس : لا يمين على الوارث إذا ادّعي عليه بحقّ ما على مورّثه إلّا أن يدّعي عليه العلم بموت المورث ، والعلم بالحقّ ، وأنّه ترك في يده مالا ، ولو ساعد المدّعي على عدم أحدها ، لم يتوجّه على الوارث يمين.

٦٥٠٦. السّادس : لو كان له بيّنة فأعرض عنها ، وطلب إحلاف المنكر ، كان له ذلك ، وكذا لو قال : أسقطت البيّنة وقنعت باليمين ، فإن رجع بعد الإحلاف لم يكن له ذلك ، وإن رجع قبله ، قيل : ليس له ذلك ، (٤) ولو قيل بأنّه يجاب إلى ذلك ، كان وجها ، وكذا البحث لو أقام شاهدا واحدا وتوجّهت عليه اليمين ، فطلب إحلاف المنكر ، وأعرض عن شاهده.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٢) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٣) المقنعة : ٧٣٣.

(٤) لاحظ المبسوط : ٨ / ١٩٠ و ٢١٠.

١٦٩

ولو نكل المنكر حينئذ حلف المدّعي إن قلنا بعدم القضاء بالنكول ، فإن حلف ثبت حقّه وإلّا سقط ، ولو ردّ اليمين فكذلك.

٦٥٠٧. السّابع : لو ادّعي عليه دين وهو معسر ، جاز أن يحلف أنّه لا حقّ له ، ويورّي واجبا إن عرفها.

النظر الثالث : في المحلوف عليه

وفيه سبعة مباحث :

٦٥٠٨. الأوّل : يجب أن يحلف على القطع والبتّ في كلّ فعل ينسبه إلى نفسه ، نفيا كان أو إثباتا ، وكذا على الإثبات المنسوب إلى غيره ، ولو حلف على نفي فعل الغير ، حلف على نفي العلم ، فيقول : لا أعلم على مورّثي دينا ، ولا أعلم منه جناية وبيعا ، وهذا القسم في الحقيقة راجع إلى الأوّل.

٦٥٠٩. الثاني : لا يجوز له أن يحلف على البتّ والقطع إلّا مع العلم ، ولا تكفي غلبة الظّن ولا الخطّ وإن علم عدم التزوير عليه ، ولو قيل له : قبض وكيلك ، حلف على نفي العلم لا على نفي الفعل.

ولو نفى عن عبده ما يوجب أرش الجناية ، حلف على نفي العلم أيضا وفي نفي إتلاف بهيمته الّتي قصّر بتسريحها يجب البتّ.

٦٥١٠. الثالث : النيّة نيّة الحالف إن كان محقّا ، وإن كان مبطلا فالنيّة نيّة المحلوف له ، فلو ورّى حينئذ لم تنفعه التوراة ، وصرفت اليمين إلى ما حلّفه الحاكم عليه ، ولو استثنى بالمشيئة وسمع الحاكم ، استعاد اليمين منه ، وإن لم يسمع لم يؤثّر الاستثناء.

١٧٠

ولو كان الحاكم يرى الشفعة مع الكثرة ، والحالف لا يرى ذلك ، لم يكن له أن يحلف عند الحاكم على نفي اللزوم بتأويل اعتقاد نفسه ، بل إذا ألزمه القاضي صار لازما ظاهرا ، وعليه تحليفه ، وهل يلزمه باطنا؟ فيه نظر ، والأقرب أنّه إن كان مجتهدا لم يلزمه ، وإن كان مقلّدا ألزمه.

٦٥١١. الرابع : فائدة اليمين قطع المنازعة لا إبراء الذمّة في نفس الأمر ، ولا يستبيح الحالف ما حلف عليه إذا كان مبطلا.

٦٥١٢. الخامس : لو قال المدّعي : كذب شهودي ، بطلت البيّنة ، وهل تبطل الدّعوى؟ فيه نظر ، ينشأ من عدم استلزام الإخبار بكذب الشهود الإخبار بكذبه في دعواه ، لاحتمال إرادته أنّهم قالوا من غير علم ، وهو الوجه ، فإذا قلنا لا تبطل دعواه لو ادّعى عليه الخصم إقراره بكذب الشهود وأقام شاهدا ، لم يكن له أن يحلف معه ، إذ ليس مضمونه إثبات المال بل الطعن في الشهود ، وإن قلنا بالأضعف ، وهو إسقاط الدّعوى ، كان له أن يحلف ، لأنّ المقصود إبطال الدّعوى.

ولو امتنع المنكر عن الحلف ، وقال حلّفني مرّة في هذه الواقعة ، فيحلف على أنّه ما حلّفني ، ففي لزوم ذلك إشكال ، نعم لو أقام بيّنة سمعت ، فإن قلنا بالقبول لو ادّعى المدّعي أنّه حلّفني مرّة على أنّي ما حلفته ، فيحلف على أنّه ما حلّفني ، احتمل عدم الإجابة ، لأدائه إلى التّسلسل.

٦٥١٣. السّادس : لو ادّعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول أو إخراج الزّكاة أو النقصان المحتمل في الخرص ، قبل من غير يمين ، وكذا لو ادّعى الذّميّ الإسلام قبل الحول.

١٧١

ولو مات وعليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث ، وكانت في حكم مال الميّت على ما قوّاه الشيخ (١) والأقوى عندي الانتقال إلى الورثة ، ويتعلّق حقّ الغرماء كالرّهن ، ولو حصل نماء بعد الموت ، فالأقرب أنّه للوارث.

ولو لم يحط الدّين انتقل ما فضل عن الدّين.

وعلى التقديرين للوارث المحاكمة على ما يدّعيه لمورّثه ، لأنّه قائم مقامه ، فإذا ثبت له حقّ ، تعلّق حقّ الديّان به.

٦٥١٤. السّابع : لا يجوز أن يحلف إنسان ليثبت مالا لغيره ، فلو ادّعى غريم الميّت مالا على آخر مع شاهد ، فإن حلف الوارث ثبت ، وإن امتنع لم يحلف الغريم.

ولو ادّعى رهنا وأقام شاهدا أنّه للراهن ، لم يكن له أن يحلف ، بل إن حلف الرّاهن ، تعلّق حقّ الرهانة به ، وإلّا فلا.

ولو ادّعى جماعة الورثة مالا للميّت ، وأقاموا شاهدا ، حلف كلّ واحد منهم مع الشاهد ، فتثبت الدّعوى بعد إحلافهم أجمع ، وقسّم المدّعى بينهم على الفريضة ، وإن كان وصيّة قسّموه على حسب ما تعلّقت الوصيّة به.

ولو امتنعوا أجمع لم يحكم لهم بشي‌ء.

ولو حلف بعض وامتنع الآخرون أخذ الحالف قدر نصيبه من العين ، فلم يكن للممتنع شي‌ء ، ولا يشارك الحالف فيما أخذ.

ولو كان بعضهم صغيرا أو مجنونا أخّر نصيبه إلى بلوغه أو رشده ،

__________________

(١) قال الشيخ : والأقوى عندي أن ينتقل إلى الورثة ما يفضل عن مال الغرماء ، لقوله [تعالى] : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) المبسوط : ٨ / ١٩٣.

١٧٢

فإن حلف بعد ذلك أخذ وإلّا فلا ، ولو مات قبل كماله كان لوارثه الحلف واستيفاء حقّه.

ولو ادّعى جماعة على واحد حقّا واحدا ، أو حقوقا متّفقة أو مختلفة ، فأنكر ولا بيّنة ، كان لكلّ واحد منهم يمين بانفراده ، ولو رضي الجميع منه بيمين واحدة عن الجميع ، فالوجه الجواز ، ونقل ابن إدريس عن قوم كما قلناه ، وعن آخرين أنّه لا يجوز للحاكم أن يقتصر على يمين واحدة (١).

النظر الرابع : في اليمين مع الشاهد

وفيه خمسة عشر بحثا :

٦٥١٥. الأوّل : يقضى بالشاهد واليمين في الأموال ، كالدّين ، والقرض ، والغصب ، وفي عقود المعاوضات ، كالبيع ، والصرف ، والصّلح ، والمساقاة ، والمزارعة ، والشركة ، والإجارة ، والقراض ، والهبة ، والوصيّة له ، والجناية الموجبة للدية ، كالخطإ وشبيه العمد ، وقتل الأب ولده ، والحرّ العبد ، وكسر العظام ، والجائفة (٢) ، والمأمومة (٣) ، وبالجملة كلّ ما هو مال أو المقصود منه المال.

وهل يقبل في النكاح؟ إشكال أقربه القبول في طرف المرأة دون الرّجل.

ولا يقبل في الخلع ، والطلاق ، والرّجعة ، والقذف ، والقصاص والولاء ، والوديعة عنده ، والرضاع ، والولادة ، والعتق ، والتدبير ، والمكاتبة ، والنسب ، والوكالة ، والوصيّة إليه ، وعيوب النساء.

__________________

(١) السرائر : ٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : الجائفة في الشجاج وهي الطعنة الّتي تبلغ الجوف.

(٣) هي الشجّة الّتي بلغت أمّ الرأس ، وهي أشدّ الشجاج. مجمع البحرين.

١٧٣

وأمّا الوقف فإن قلنا بانتقاله إلى الموقوف عليه ، ثبت بالشاهد واليمين ، وهو الأقرب ، وإلّا فلا.

٦٥١٦. الثاني : لا يجوز له أن يحلف مع الشاهد إلّا مع العلم ، ولا يخلد (١) إلى قول الشاهد وإن كان ثقة.

٦٥١٧. الثالث : كلّ موضع قبل فيه الشاهد واليمين ، فإنّه لا فرق فيه بين المدّعي المسلم ، والكافر ، والفاسق ، والعدل ، والرّجل ، والمرأة.

٦٥١٨. الرابع : لو ادّعى السرقة وأقام شاهدا ، جاز أن يحلف معه لغرم المال ، لا للحدّ.

ولو ادّعى أنّه رمى سهما عمدا فقتل أخاه ، ثمّ نفذ إلى أخيه الاخر فقتله خطأ ، وأقام شاهدا ، حلف لثبوت (٢) الدّية في الخطأ ، ولا يثبت العمد باليمين مع الشاهد.

٦٥١٩. الخامس : يشترط في اليمين مع الشاهد ما يشترط في الأيمان من كمال الحالف ، وتولّي اليمين الحاكم عن المتنازعين ، ومطابقتها للدعوى ، ويشترط زيادة على ما تقدم شهادة الشاهد أوّلا وثبوت عدالته ، ثمّ اليمين بعد ذلك ، فلو بدأ باليمين قبل شهادة الشاهد أو قبل التعديل ، لم يعتدّ بها ، وافتقر إلى إعادتها بعد الشهادة والتزكية.

٦٥٢٠. السّادس : الأقرب أنّ القضاء يتمّ بالشاهد واليمين لا بأحدهما منفردا ، فلو رجع الشاهد غرم النصف ، ويقرب من هذا البحث في التزكية لو رجع

__________________

(١) في مجمع البحرين : أخلد إلى الدنيا : ركن إليها ولزمها.

(٢) في «ب» : ليثبت.

١٧٤

المزكّي خاصّة ، ففي الغرم له إشكال ، ينشأ من أنّ القضاء بالشهادة أو بها (١) مع التزكية.

٦٥٢١. السّابع : لو ادّعى عبدا في يد غيره أنّه كان ملكه ثمّ أعتقه ، فأنكر المتشبّث ، فأقام المدّعي شاهدا ، قال الشيخ رحمه‌الله : يحلف مع شاهده ، ويستنقذه.(٢) وفيه نظر ، لأنّه يثبت الحرّية دون المال.

ولو قال : هذه الجارية مملوكتي ، وولدها منّي ، ولدت في ملكي ، وأقام شاهدا ، حلف معه ، ويثبت ملك المستولدة ، (٣) ويثبت للجارية حكم أمّ الولد باعترافه ، فتنعتق عند موته من نصيب الولد ـ إن عاد إليه ـ (٤) ، ولا يثبت نسب الولد ولا حرّيته.

٦٥٢٢. الثامن : لو حلف الورثة مع شاهد واحد على دين لمورّثهم ، استحقّوا ، فإن نكل بعضهم استحقّ الحالف نصيبه ، ولا يشاركه الناكل ، وليس لولد الناكل بعد موته الحلف.

أمّا لو مات قبل النكول ، فإنّ لولده أن يحلف ، وهل تجب إعادة الشهادة؟ فيه إشكال.

ولو كان فيهم غائب ، حلف إذا حضر من غير إعادة الشهادة ، وكذا إذا بلغ الصبيّ منهم ، أو عقل المجنون.

__________________

(١) في «ب» : بهما.

(٢) المبسوط : ٨ / ١٩٦.

(٣) أي الجارية.

(٤) لم يعلم وجه هذا الشرط ، ولعلّه إشارة إلى ما في المبسوط : «وعندنا يثبت ملكه لها ولا تنعتق بموته ، إلّا أن تحصل في نصيب ولدها فتنعتق عليه» المبسوط : ٨ / ١٩٥.

١٧٥

ولو جاء الوارث الناكل بشاهد آخر فالأقرب وجوب إعادة الشهادة ، لأنّها دعوى جديدة.

ولو ادّعى شخصان الوصيّة لهما ، فحلف أحدهما مع الشاهد ، والاخر غائب فحضر ، افتقر إلى إعادة الشهادة ، لأنّ ملكه منفصل ، بخلاف حقوق الورثة ، فإنّه إنّما ثبت (١) أوّلا لشخص واحد وهو الميّت.

٦٥٢٣. التّاسع : لو حلف بعضهم مع الشاهد احتمل أخذ نصيب الغائب من يد المدّعى عليه ، وعدمه ولا شركة للغائب فيما أخذ الحاضر إن كانت الدّعوى دينا ، أمّا لو كانت عينا وأخذ نصيبه منها بالشاهد واليمين ، فإنّ الغائب إذا حضر وامتنع من اليمين ، أخذ نصيبه ممّا أخذه ، كما لو ادّعى الوارثان عينا فأقرّ المتشبث لأحدهما فصالحه ، كان للآخر الشركة.

ولو أقام أحدهم شاهدين انتزع نصيب المجنون والصّبي ونصيب الغائب إن كان عينا ، وفي الدّين في انتزاع نصيب الغائب ، احتمال.

٦٥٢٤. العاشر : لو ادّعى بعض الورثة انّ الميّت وقف عليهم ملكا وعلى نسلهم ، وأقاموا شاهدا واحدا ، حلفوا معه ، على ما اخترناه ، من قبول الشاهد واليمين في الوقف ، ويقضى لهم ، فإن امتنعوا حكم بنصيب غيرهم ميراثا للغير ، وبنصيب المدعيين للوقف بالوقفيّة ، لكن لا تسمع دعواهم في الوقف لو كان هناك دين مستوعب ، ولو فضل بعد الدّين شي‌ء كان نصيب المدّعيين للوقف من الفاضل وقفا ، ونصيب الباقيين ميراثا ، وكذا ما يجب إخراجه من الوصايا.

__________________

(١) في «ب» : يثبت.

١٧٦

ولو حلف بعض ثبت نصيب الحالف وقفا ، وكان الباقي طلقا تقضى منه الديون والوصايا ، والفاضل يكون ميراثا ، والحاصل من الفاضل للمدّعيين الممتنعين من اليمين يكون وقفا.

ولو انقرض الممتنع كان للبطن الّذي يأخذ ، بعده الحلف مع الشاهد ، ولا يبطل امتناع الأوّل حقّهم.

ولو ادّعى أحد الثلاثة أنّ أباهم وقف عليهم وعلى أولادهم على الترتيب ، وحلفوا مع شاهد واحد ، ثبت الوقف ، ولا يفتقر (١) البطن الثاني بعدهم إلى استئناف يمين ، وكذا لو انقرضت البطون وصار إلى المصالح أو الفقراء.

ولو مات واحد من الحالفين فنصيبه للباقين ، لأنّه وقف ترتيب ، والأقرب أنّه لا يحتاج إلى تجديد الإحلاف ، لأنّهم حلفوا أوّلا على الجملة ، ويشكل سقوط اليمين عن البطن الثاني ، لأنّهم يأخذون الحقّ من الواقف ، فلا بدّ من التجديد ، لأنّهم لا يستحقّون بيمين غيرهم.

أمّا لو قلنا انّ البطن الثاني يأخذ الحق من البطن الأوّل فإنّه لا يمين عليهم بعد إحلاف البطن الأوّل ، ولو نكل البطن الأوّل فالبطن الثاني لا يستحقّون إن لم يحلفوا ، فإن حلفوا استحقّوا إن قلنا إنّهم يأخذون من الواقف ، وإن قلنا يأخذون من البطن الأوّل لم يحلفوا ، لبطلان حقّ الأوّل بالنكول.

ولو حلف واحد ثمّ مات ، فشرط الوقف (٢) أن يكون للآخرين لكنّهما

__________________

(١) في «أ» : فلا يفتقر.

(٢) في «أ» : فشرط الواقف.

١٧٧

أبطلا حقّهما بالنكول ، فيحتمل صرفه إلى ولد الحالف ، لالتحاق الآخرين بالموتى لنكولهما (١) ، وصرفه إليهما ، ويستحقّان بيمين الميّت ، وبطلان الوقف ، لتعذّر مصرفه.

وأمّا نصيب الناكلين فيبقى في يد المدّعى عليه ، فإن قلنا يصرفه إلى الناكلين ، فالأقرب إيجاب الحلف عليهم.

ولو ادّعى الوقف على التشريك بينهم وبين أولادهم ، وحلف الثلاثة ، ثبت الوقف عليهم ، فإذا ولد لأحدهم ولد صار الوقف أرباعا بعد أن كان أثلاثا ، ويوقف ربع الطفل ونماؤه ، فإن بلغ وحلف استحقّ ، وإن نكل قال الشيخ رحمه‌الله (٢) : يرجع ربعه إلى الإخوة ، لأنّهم أثبتوا الوقف عليهم ما لم يحصل المزاحم ، وبامتناعه جرى مجرى المعدوم. وفيه نظر ينشأ من اعتراف الإخوة بعدم استحقاقهم إيّاه.

ولو قال المدّعى عليه : ردّوه إليّ ، فلا طالب له غيري ، لم يردّ إليه ، وقد انتزع من يده بحجّة.

ولو مات أحد الإخوة قبل بلوغ الطفل ، عزل له الثلث من حين وفاة الميّت ، لأنّ الوقف صار أثلاثا وقد كان له الرّبع إلى حين الوفاة ، فإن بلغ وحلف أخذ الجميع (٣) وإن ردّ كان الرّبع إلى حين الوفاة لورثة الميّت والأخوين ، والثلث من حين الوفاة للأخوين (٤) وفيه إشكال.

__________________

(١) في «أ» : لنكولهم.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٠١.

(٣) وهو الربع إلى حين وفاة الأخ ، وتمام الثلث من حين الوفاة إلى أن حلف.

(٤) لاحظ المبسوط : ٨ / ٢٠١.

١٧٨

٦٥٢٥. الحادي عشر : لو ادّعى قتل العمد وأقام شاهدا ، لم يحلف معه إن كان العمد موجبا للقصاص ، نعم تكون شهادة الواحد لوثا ، فتحلف القسامة ، ولو ادّعى قتل الخطأ ، حلف مع الشاهد يمينا واحدة.

٦٥٢٦. الثاني عشر : لا يقبل في الأموال امرأتين ويمين المدّعي.

٦٥٢٧. الثالث عشر : لو ادّعى الرّجل أنّه خالع امرأته فأنكرت ، فأقام شاهدا يحلف معه لإثبات مال الفدية.

ولو ادّعت المرأة الخلع ، لم يقبل بشاهد ويمين ، لأنّها تقصد فسخ النكاح وليس مالا.

٦٥٢٨. الرابع عشر : إذا أقام المدّعي شاهدا واحدا ، خيّر بين الحلف معه ، وبين إقامة شاهد آخر ، وبين رفض شاهده ، وإحلاف المنكر ، فإن اختار الأخير وهو استحلاف المنكر ، ثمّ اختار أن يستردّ ما بذله ويحلف هو ، قال الشيخ رحمه‌الله (١) : لم يكن له ، لأنّ من بذل اليمين لخصمه لم يكن له أن يستردّها بغير رضاه ، كيمين الردّ إذا بذلها المدّعى عليه للمدّعي ، لم يكن له أن يستردّها إلى نفسه بغير رضاه ، فإن اختار أن يقيم على ذلك ويستحلف المنكر ، فإن حلف المنكر سقطت الدعوى عنه ، وإن لم يحلف فقد نكل ، ثمّ لا يقضى عليه بالنكول على أقوى القولين ، ولا مع إقامة الشاهد ، بل تردّ اليمين إلى المدّعي إذ ليست هذه اليمين الّتي بذلها ، فإنّ هذه يمين الردّ يقضى بها في الأموال وغيرها ، وتلك يمين مع الشاهد لا تقبل في غير الأموال.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ٢١٠ ـ ٢١١.

١٧٩

٦٥٢٩. الخامس عشر : لو باع زيدا وأقرّ بعين لعمرو ، فادّعى خالد بها ، فأقام زيد شاهدا واحدا بانتقالها من خالد إليه ، وصدّقه عمرو على ذلك ، فالأقرب إحلاف زيد مع شاهده ، ولو امتنع أو مات ، فالأقرب إحلاف عمرو بأنّ خالدا نقلها إلى زيد ببيع أو غيره ، أو أنّه أقرّ له بها.

المطلب الرابع : في النكول

وفيه تسعة مباحث :

٦٥٣٠. الأوّل : لا يتمّ القضاء بالنكول على أقوى القولين ، بل حكم النكول ردّ اليمين على المدّعي ، وبطلان حقّ الناكل من اليمين ، حتّى لا يعود ، (١) وإنّما يبطل حقّه إذا تمّ النكول ، وإنّما يتمّ إذا صرّح وقال : لا أحلف وأنا ناكل ، ولو سكت بعد عرض القاضي عليه اليمين ، عرّفه القاضي أنّه إذا عرض عليه اليمين ثلاثا وامتنع بسكوت أو غيره ، أو فى الحقّ بيمين المدّعي ، فإذا فعل القاضي ذلك ، وقال : قد قضيت بنكوله ، لم يكن له الحلف بعد ذلك ، وكذا لو قال للمدّعي : احلف ، فهو كالقضاء بالنكول.

ولو أقبل على المدّعي بوجهه ، فقال الناكل : أنا أحلف ، قبل أن يقول الحاكم للمدّعي : احلف ، فالأقرب أنّ له الرّجوع ولو لم ينبّهه القاضي على حكمه ، وقضى بنكوله ، فقال الناكل : كنت جاهدا بحكم النكول ، فالأقرب أنّ الحكم ينفذ.

__________________

(١) في «أ» حقّ لا يعود.

١٨٠