الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٥٨
وتقبل شهادته مع اليمين فيما تقبل فيه شهادة الواحد واليمين وقال الشيخ رحمهالله : تقبّل شهادة الوصيّ على من هو وصيّ له ، غير أنّ ما يشهد به عليه يحتاج أن يكون معه غيره من أهل العدالة ، ثمّ يحلّف الخصم على ما يدّعيه ، وما يشهد له مع غيره من أهل العدالة لا يجب مع ذلك يمين. (١)
فإن قصد رحمهالله اشتراط الشاهد الاخر عينا ، فهو ممنوع ، وإن قصد اشتراطه لا عينا بل ما يقوم اليمين مقامه فهو جيّد ، وأمّا الإحلاف إذا شهد على الموصي فلأنّها شهادة على الميّت.
الفصل الثالث : في مستند الشهادة
وفيه أحد عشر بحثا :
٦٦٥١. الأوّل : لا يجوز للشاهد أن يشهد الّا مع العلم قال الله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٢) وسئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الشهادة فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أودع (٣).
ثمّ الشهادة إمّا على فعل أو قول ، فالأوّل يفتقر فيه إلى حاسّة الإبصار ، والثاني إليها وإلى حاسّة السمع.
__________________
(١) النهاية : ٣٢٦.
(٢) الإسراء : ٣٦.
(٣) الوسائل : ١٨ / ٢٥١ ، الباب ٢٠ من أبواب الشهادات ، الحديث ٣ ، وعوالي اللآلي : ٣ / ٥٢٨ ، ومستدرك الوسائل : ١٧ / ٤٢٢ ، الباب ١٥ من أبواب كتاب الشهادات ، الحديث ٢.
ولو تحقّق الأعمى استناد القول إلى شخص معيّن ، وعلم ذلك يقينا ، كفت حاسّة السمع ، وقبلت شهادته.
وتقبل شهادة الأصمّ على الأفعال ، كالغصب ، والسرقة ، والقتل ، والرّضاع ، والولادة ، والزّنا ، واللواط ، ومن لا يعرف نسبه فلا بدّ من الشهادة على عينه ، فإن مات أحضر مجلس الحكم ، فإن دفن لم ينبش ، وقد تعذّرت الشهادة عليه.
٦٦٥٢. الثّاني : لو شهد على من لا يعرفه ، لم يجز له التحمّل على النسب ، بل يشهد على تلك العين ، ولو شهد عنده عدلان بالنسب ، شهد عليه مستندا إلى شهادة المعرّفين بالتعريف ، فيقول : أشهد على فلان بتعريف فلان وفلان ، ولا يكون في الإقرار شاهد فرع.
٦٦٥٣. الثالث : النكاح ، والبيع ، والشراء ، والصلح ، والإجارة ، وغيرها من العقود يفتقر إلى حاسّة السّمع لفهم اللّفظ ، وإلى البصر لمعرفة اللّافظ ، إلّا أن يعلم استناد الصوت إلى شخص معيّن يعرفه قطعا.
٦٦٥٤. الرابع : يكفي في النسب ، والموت ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، الاستفاضة بين الناس ، فإذا اشتهر بين الناس أنّ هذا هو ابن فلان ، شهد بذلك لأنّ ثبوت النسب إنّما هو من جهة الظاهر وكذلك الموت ، لتعذّر مشاهدة الميّت في أكثر الأوقات للشهود ، وكذلك الملك المطلق ، إذا سمع من الناس أنّ هذه الدار لفلان شهد بذلك ، فإنّ الملك المطلق لا يمكن الشهادة عليه بالقطع ، والوقف لو لم يسمع فيه الاستفاضة لبطلت الوقوف على تطاول الأزمنة ، لتعذّر بقاء الشهود.
والشهادة الثالثة عندنا لا تسمع ، وهي تزاد للتأييد.
والنكاح يثبت بالاستفاضة فإنّا نعلم أنّ خديجة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما نقضي بأنّها أمّ فاطمة عليهماالسلام.
والتواتر هنا بعيد ، لأنّ شرطه استواء الطرفين (١) والواسطة والطبقات الوسطى ، والمتّصلة بنا وإن بلغت التواتر ، لكنّ الأولى غير متواتر ، لأن شرط التواتر الاستناد إلى الحسّ ، والظاهر أنّ المخبرين أوّلا لم يخبروا عن المشاهدة ، بل عن السماع ، وإذا اشتهر بين الناس أنّ الإمام ولى قاضيا بلدا ثبتت ولايته.
٦٦٥٥. الخامس : الأقرب اشتراط إخبار جماعة يثمر قولهم العلم فيما يكفي فيه الاستفاضة ، ولا يكفي شاهدان عدلان ، وقال الشيخ رحمهالله : يكفي فيه ذلك ، (٢) فلو شهد عدلان بالنّسب أو بما تقدّم صار السامع متحمّلا وشاهد أصل لا شاهد على شهادتهما ، لأنّ ثمرة الاستفاضة الظّن ، وهو يحصل بهما ، قال رحمهالله : ولو سمعه يقول : عن الكبير : هذا ابني ، وهو ساكت مع سماع الولد ، أو سمعه يقول : هذا أبي وسكت الأب مع سماعه ، شهد بالنسب ، لأنّ سكوته يدلّ على الرضا (٣) وفيه نظر.
٦٦٥٦. السّادس : الشاهد بالاستفاضة لا يشهد بالسبب إلّا أن يكون ممّا يثبت بالاستفاضة ، فلو سمع مستفيضا أنّ هذا ملك زيد ورثه عن أبيه الميّت ، شهد
__________________
(١) إشارة إلى ما ذكروه في علم الدارية في شروط التواتر منها : استواء الطرفين والوسط ، بمعنى أن يبلغ كل واحد من الطبقات حدّ الكثرة بحيث يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب وذلك فيما لو حصل هناك أكثر من طبقة. لاحظ المستصفى : ١ / ١٣٤ ، القوانين : ١ / ٤٢٤.
(٢) المبسوط : ٨ / ١٨٠.
(٣) المبسوط : ٨ / ١٨٠ ـ ١٨١.
بالملك وسببه ، ولو سمع مستفيضا أنّ هذا الملك لزيد اشتراه عن عمرو ، شهد بالملك لا بالبيع ، وكذا لا يشهد بالهبة ، والاستغنام ، والاستئجار بالافاضة.
ولو شهد بالملك والبيع ، مستندا إلى الاستفاضة ، سمع قوله في الملك خاصّة دون السّبب.
٦٦٥٧. السّابع : يكفي في الشهادة بالملك الاستفاضة مجرّدة عن مشاهدة التصرّف وبالعكس ، فلو شاهد إنسانا يتصرّف في الملك بالبناء والهدم من غير معارض ، جاز له أن يشهد بالملك مستندا إلى التصرّف مطلقا ، وكذا لو شاهد الدار في يد ، جار له أن يشهد باليد قطعا ، والأقرب جواز الشهادة له بالملك أيضا ، لأنّ اليد قاضية بذلك.
وقيل : (١) ليس له ذلك ، وإلّا لم تسمع دعوى [من يقول :] الدار الّتي في يد هذا لي ، كما لا تسمع [لو قال :] ملك هذا لي. وليس بجيّد ، لأنّ دلالة اليد ظاهرة ، ويجوز الصرف عن الظاهر ، ولأنّا نسمع قوله : «الدار التي في تصرّف هذا لي» مع الحكم بالملكيّة هناك.
٦٦٥٨. الثّامن : لو كان لواحد يد ولآخر سماع مستفيض ، رجّحت اليد ، لأنّ السّماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره ، فلا تزال اليد المعلومة بالمحتمل.
٦٦٥٩. التاسع : نعني بالتصرّف القاضي بالملكيّة تصرّف الملّاك ، كالبناء ، والهدم ، والبيع ، والرهن ، أمّا مجرّد الإجارة وإن تكرّرت ففيه احتمال ،
__________________
(١) القائل هو المحقّق في الشرائع : ٤ / ١٣٤ ، وصحّحنا العبارة على وفق الشرائع.
إذ قد يصدر من المستأجر مدّة طويلة ، مع أنّ الأقرب الشهادة بالملكيّة.
والإعسار تجوز الشهادة به مع الخبرة بالباطن وشهادة القرائن ، كالصبر على الضّرّ والجوع في الخلوة.
وتقبل شهادة الأعمى مستندا إلى الاستفاضة فيما يثبت فيه الاستفاضة.
٦٦٦٠. العاشر : لو شهد عدلان أنّ فلانا مات ، وخلّف من الورثة فلانا وفلانا ، لا نعلم له وارثا غيرهما ، قبلت شهادتهما وإن لم يبيّنا أنّه لا وارث له سواهما ، لعدم الاطّلاع عليه ، فيكفي فيه الظاهر ، مع اعتضاده بالأصل ، هذا إن كانا من أهل الخبرة الباطنة ، وإن لم يكونا من أهل الخبرة الباطنة ، بحث الحاكم عن وارث آخر ، فإن لم يظهر ، سلّم التركة إليهما بعد الاستظهار بالتضمين (١).
ولو قالا : لا نعلم له وارثا بهذه البلدة ، أو بأرض كذا ، لم تقبل ، مع احتمال القبول.
٦٦٦١. احد عشر : لا يجوز أن يشهد إلّا مع الذكر وإن وجد خطّه مكتوبا وعلم عدم التزوير (عليه) (٢) وإن كان خطّه محفوظا عنده ، وسواء أقام غيره من العدول الشهادة أو لم يقم ، خلافا لبعض علمائنا ، حيث جوّز إقامة الشهادة بما يجده بخطّه مكتوبا إذا أقام غيره الشهادة. (٣)
__________________
(١) في «ب» : بالضمين.
(٢) ما بين القوسين يوجد في «أ».
(٣) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٣٢٩ ـ ٣٣٠.
الفصل الرابع : في تفصيل الحقوق
وفيه خمسة مباحث :
٦٦٦٢. الأوّل : الحقوق قسمان : أحدهما حقّ الله تعالى ، والاخر حقّ لآدميّ.
أمّا حقّ الله تعالى ، فمنه الزنا ، ولا يثبت إلّا بأربعة رجال ، أو بثلاثة رجال وامرأتين ، أو برجلين وأربع نساء ، لكن الأخير يجب به الجلد لا الرجم ، ويجب بالأوّلين الحدّان معا ، وإن شهد رجل وستّ نساء أو أكثر لم تقبل ، ووجب جلد القاذف عليهم ، وكذا لو شهد ما دون الأربعة منفردين عن النساء ، أو شهد النساء ، فإنّه لا يثبت ، ويجب حدّ القذف على الشهود.
ومنه اللواط والسّحق ، وإنّما يثبت كلّ منهما بأربعة رجال خاصّة ، فلو شهد ما دون الأربعة ، حدّوا للفرية ، ولا تقبل فيه شهادة النساء وإن كثرن وإن ضممن إلى الرجال مطلقا ، بخلاف الزنا.
وأمّا إتيان البهائم فالأقرب ثبوته بشاهدين رجلين ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردين ولا منضمّين.
وأمّا باقي حقوق الله تعالى ، كالسرقة ، وشرب الخمر ، والرّدّة ، فلا يثبت إلّا بشاهدين ، ولا يثبت بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ، ولا بشهادة النساء وإن كثرن.
وفي إلحاق الإقرار بالزنا بغيره من الإقرارات بالحقوق في قبول الشاهدين فيه أو بالأصل في اشتراط الأربعة فيه ، خلاف ، والأقرب الأوّل ، وعلى القولين فلا تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين.
٦٦٦٣. الثّاني : حقوق الادميّ ثلاثة :
منها ما لا يثبت إلّا بشاهدين ، وهو الطلاق ، والخلع ، والوكالة ، والوصيّة إليه ، والنّسب ، ورؤية الأهلّة ، والرّجعة ، والجناية الموجبة للقود ، والعتق ، والنكاح ، والقصاص ، والبلوغ ، والولاء ، والعدّة ، والجرح والتعديل ، والعفو عن القصاص ، وبالجملة كلّ ما لا يكون مالا ولا المقصود منه المال ، ويطّلع عليه الرّجال.
ويمكن القول بثبوت النكاح ، والعتق ، والقصاص ، بشاهدين ، وشاهد وامرأتين.
ومنها ما يثبت بشاهدين ، وشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين ، وهو الدّيون ، والأموال ، كالقرض ، والقراض ، والغصب ، وحقوق الأموال ، كالأجل ، والخيار ، والشفعة ، والإجارة ، وقتل الخطأ ، وكلّ جرح لا يوجب إلّا المال ، كالمأمومة ، والجائفة ، وكلّ عمد لا يوجب القصاص ، كقتل السيّد العبد ، والمسلم الكافر ، والأب ولده ، وكلّ عقود المعاوضات ، كالبيع ، والسّلم ، والصّلح ، والإجارات ، والمساقاة ، والرهن ، والوصيّة له ، وكذا فسخ العقود ، وقبض نجوم الكتابة ، إلّا النّجم الأخير ، لترتّب العتق عليه ، فإن أجزنا في العتق شاهدا وامرأتين قبل ، وإلّا فلا.
ولو شهد على السرقة رجل وامرأتان يثبت المال دون العقوبة.
ولو شهد بالنكاح رجل وامرأتان ، فإن قبلنا (١) فيه شهادة الواحد والمرأتين ، فلا بحث ، وإلّا ثبت المهر دون النكاح ، وفي الوقف إشكال ، والأقرب ثبوته بشاهدين ، وشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين.
ومنها ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمّات ، وهو الولادة ، والاستهلال ، وعيوب النساء الباطنة ، والأقرب قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع ، وإن كان الأكثر قد منع من قبولها.
٦٦٦٤. الثّالث : تقبل شهادة امرأتين مع رجل في الدّيون والأموال ، وشهادة امرأتين مع اليمين ، ولا تقبل فيه شهادة النّساء وإن كثرن ، إلا مع رجل أو يمين.
وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهلّ ، وفي ربع الوصيّة ، وشهادة امرأتين في النصف وثلث في ثلاثة أرباع وأربع في الجميع ، ولا تفتقر في الواحدة إلى يمين ، لثبوت الربع ، ولا في الاثنتين ، لثبوت النصف ، ولو طلب الموصى له الجميع ، وأقام امرأتين ، جاز له أن يحلف ، ويأخذ الجميع ، وإن لم يحلف ثبت له النصف.
وكلّ موضع تقبل فيه شهادة النساء ، لا تثبت بأقلّ من أربع ، وقال المفيد رحمهالله تقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال ، كالعذرة ، وعيوب النساء ، والنفاس ، والحيض ، والولادة ، والاستهلال ، والرضاع ، وإذا لم يوجد على ذلك إلّا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه (٢).
__________________
(١) في «ب» : فإن قلنا.
(٢) المقنعة : ٧٢٧.
ويشترط فيهنّ ما يشترط في الرجال من العدالة وغيرها ممّا سبق.
ولو شهد أربعة بالزنا قبلا ، فشهد أربع نساء بالبكارة ، درئ عنها الحدّ ، وفي حدّ الشهود قولان ، أقربهما السقوط.
٦٦٦٥. الرابع : ليست الشهادة شرطا في شيء ، فلو تعاقدا عقدا ولا شاهد فيه ، صحّ سواء كان نكاحا أو غيره ، إلّا في الطلاق ، فلا يقع إلّا مع شهادة عدلين.
وتستحب الشهادة في النكاح ، والرجعة ، والبيع.
٦٦٦٦. الخامس : الأقرب وجوب التحمّل للشّهادة على من له أهليّة الشهادة ، وقيل : لا يجب (١) ، والأوّل مرويّ (٢).
ولا يجب على الأعيان قطعا ، بل على الكفاية ، فإن قام به غيره ، سقط عنه بشرط أن يكون ذلك الغير ممّن يقوم به الحجّة ، وإن لم يقم به غيره ، تعيّن عليه.
وأمّا الأداء ، فإنّه كالتحمّل في وجوبه على الكفاية إجماعا ، فإن قام غيره ، سقط عنه ، وإلّا تعيّن عليه الاداء ، إلّا أن تكون الشهادة مضرّة ضررا غير مستحقّ ، فلا يجب عليه الأداء (وإن لم يكن غيره.
ومن علم شيئا من الأشياء ولم يكن قد أشهد عليه ، ثمّ دعي إلى أن يشهد ، فالواجب عليه الأداء على الكفاية) (٣).
ولو عدم الشهود إلّا اثنان تعيّن عليهما وجوب التحمّل ووجوب الأداء ، إلّا
__________________
(١) القائل هو ابن إدريس في السرائر : ٢ / ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٢) الوسائل : ١٨ / ٢٢٥ ، الباب ١ من أبواب الشهادات.
(٣) ما بين القوسين سقط من نسخة «أ».
أن تكون الشهادة مضرّة بهما ضررا غير مستحقّ فلا يجب عليهما التحمّل ، ولو تحمّلا حالة انتفاء الضّرر ، ثمّ خافا من الاداء ، سقط الاداء عنهما.
وقد روي : أنّه يكره للمؤمن أن يشهد لمخالف له في الاعتقاد ، لئلّا يلزمه الإقامة ، فربّما ردّت شهادته ، فيكون قد أذلّ نفسه (١).
الفصل الخامس : في اللواحق
وفيه ستّة وعشرون بحثا :
٦٦٦٧. الأوّل : إذا حكم الحاكم ثمّ ظهر في الشهود ما يمنع القبول ، فإن كان متجدّدا بعد الحكم ، لم يقدح ، وإن كان سابقا على إقامة الشهادة ، وخفي على الحاكم ، نقض الحكم.
٦٦٦٨. الثاني : لو شهدا ولم يحكم ، ثمّ ماتا قبل الحكم ، حكم بشهادتهما ، وكذا لو شهدا ولم يزكّيا ثمّ ماتا قبل التزكية ، زكّيا بعد الموت وحكم.
ولو شهدا ثمّ فسقا قبل الحكم ، حكم بشهادتهما ، لأنّ المعتبر العدالة عند الإقامة ، وكذا لو كفرا.
ولو كان حقّا لله تعالى كحدّ الزنا ، لم يحكم ، لبنائه على التّخفيف ، والأقرب في حدّ القذف والقصاص الحكم لتعلّق حقّ الادميّ به ، أمّا السّرقة فيحكم بالمال دون القطع ، ولو حدث ذلك بعد الحكم لم ينقض.
__________________
(١) وما ذكره نصّ عبارة الشيخ في النهاية : ٣٢٩ ، ولم نعثر على الرواية في الجوامع الحديثيّة.
ولو كان حدّا لله تعالى ، وحكم وتجدّد الفسق قبل الاستيفاء ، لم يستوف ، وإن كان مالا استوفى.
ولو شهدا ثمّ جنّا ، أو عميا فيما يشترط فيه البصر ، حكم بشهادتهما ، كما لو ماتا ، سواء كان المشهود به حدّا أو غيره.
٦٦٦٩. الثّالث : لو شهدا لمن يرثانه ، فمات قبل الحكم ، فانتقل المشهود به إليهما ، لم يحكم بشهادتهما.
٦٦٧٠. الرابع : لو حكم الحاكم بشهادة الشاهدين ، فقامت بيّنة بالجرح مطلقا (١) لم ينقض الحكم ، لإمكان تجدّد الفسق بعد الحكم ، ولو شهدا به موقّتا ، وكان متأخّرا فكذلك ، وإن كان متقدّما على الشهادة ، نقض ، ولو كان بعد الشهادة وقبل الحكم ، لم ينقض ، بل يحكم بالشهادة إلّا في حدّ الله تعالى.
وإذا نقض الحكم ، فإن كان قتلا أو جرحا فلا قود ، والدّية في بيت المال.
ولو كان المباشر للقصاص هو الوليّ ، فالوجه أنّه لا يضمن إن كان قد اقتصّ بحكم الحاكم وإذنه.
ولو باشر بعد الحكم قبل الإذن ضمن الدية ، ولو كان المشهود به مالا فانّه يستعاد إن كانت العين باقية ، وإن كانت تالفة ، فعلى المشهود له ، لأنّه ضمن بالقبض ، بخلاف القصاص.
ولو كان معسرا ، قال الشيخ رحمهالله : يضمن الإمام ، ويرجع به على المحكوم
__________________
(١) في المسالك : ١٤ / ٣١١ : «فإن كانت الشهادة بالجرح مطلقة أي غير معيّنة بوقت الجرح ...».
له (١) مع يساره (٢) وفيه نظر لاستقرار الضمان على المحكوم له بتلف المال في يده.
٦٦٧١. الخامس : لو ثبت أنّهم شهدوا بالزّور ، نقض الحكم واستعيد المال ، فإن تعذّر ، غرّم الشهود ، ولو كان قتلا ثبت القصاص على الشهود ، وكان حكمهم حكم الشهود إذا رجعوا عن الشهادة واعترفوا بالعمد في الكذب.
ولو باشر الوليّ القصاص واعترف بالتزوير ، سقط الضمان عن الشهود ، وكان القصاص على الوليّ.
٦٦٧٢. السّادس : الحقّ إن كان لآدميّ معيّن ، كالمال ، والنكاح ، والعقود ، والعقوبات ، كالقصاص ، وحدّ القذف ، لم تسمع الشهادة فيه إلّا بعد الدعوى ، لأنّ الشهادة حقّ الادميّ (٣) فلا يستوفى إلّا بعد مطالبته وإذنه ، وإن كان حقّا لآدميّ غير معيّن ، كالوقف على الفقراء والمساجد والمقابر المسبّلة ، أو الوصية بشيء (٤) عن ذلك ، أو كان حقّا لله تعالى ، كحدّ الزنا ، والزكاة ، والكفّارة ، لم تفتقر الشهادة إلى تقدّم الدّعوى في ذلك كلّه.
ولو شهد اثنان بعتق عبد أو أمة ابتداء ، ثبت ذلك ، سواء صدّقهما المشهود بعتقه أو لم يصدّقهما.
٦٦٧٣. السّابع : لو كان عند الشّاهد شهادة لآدميّ ، فإن كان صاحبها عالما بها ، لم يجب على الشاهد اداؤها إلّا بعد أن يسأله صاحبها ، وإن لم يكن عالما بها ،
__________________
(١) في النسختين : «على المحكوم عليه» والصحيح ما أثبتناه لاحظ الشرائع : ٤ / ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٢) المبسوط : ٨ / ٢٥٠.
(٣) في «ب» حقّ لآدميّ.
(٤) في «ب» : لشيء.
فإن علم أنّ حقّه يثبت بدون شهادته ، لم يجب عليه إعلامه ، وإن لم يثبت حقّه إلّا بشهادته ، وجب على الشاهد أن يعرف صاحب الشهادة (ليستشهده) (١) عند الحاكم.
٦٦٧٤. الثامن : يعتبر لفظ الشهادة في الأداء ، فيقول : أشهد بكذا ، ولو قال :
أعلم ، أو أعرف ، أو أتيقّن ، أو أخبر عن علم أو حقّ (٢) لم يسمع.
٦٦٧٥. التاسع : لو شهدت امرأة بالوصيّة بالمال يثبت الربع ، على ما تقدّم ، ولو شهدت بالولادة (٣) لم تقبل.
ولو شهدت اثنتان بالوصيّة بالمال ، ثبت النصف على ما بيّناه.
ولو شهد رجل واحد ، ففي الحاقة بالمرأة أو بالمرأتين نظر ، وكذا البحث في ميراث المستهلّ.
وتقبل شهادة النساء في ولادة الزوجات والمطلّقات.
٦٦٧٦. العاشر : يثبت الإعسار بشهادة عدلين ، ولا يفتقر إلى ثالث.
٦٦٧٧. احد عشر : يشترط في قبول الشهادة موافقتها لدعوى المدّعي ، فإذا ادّعى المدّعي سمع الحاكم دعواه ، ثمّ استشهد شاهدين ، فإن اتّفقا في الشهادة ، ووافقت شهادتهما دعواه ، سمعها ، وحكم بها ، وإن خالفت الشهادة الدّعوى ، أو اختلفت الشهادتان ، طرحها.
٦٦٧٨. الثّاني عشر : لو شهد اثنان من الأربعة في الزنا أنّه زنى في هذا البيت ،
__________________
(١) ما بين القوسين يوجد في «ب».
(٢) في «ب» : أو أحقّ.
(٣) في «ب» : بالولاية.
أو في وقت الغداة ، أو على هيئة مخصوصة ، وشهد آخران بالزنا على غير تلك الهيئة ، أو في غير ذلك الوقت ، أو غير ذلك المكان ، سقطت الشهادة ، وحدّوا أجمع للفرية ، وكذا كلّ شهادة على فعلين ، مثل أن يشهد اثنان أنّه زنى بامرأة ، وآخران أنّه زنى بأخرى.
ولو شهد اثنان أنّه زنى بها في زاوية بيت ، وآخران أنّه زنى بها في زاوية منه أخرى ، حدّوا أجمع ، للفرية ، وسقطت الشهادة ، سواء تقاربت الزاويتان أو تباعدتا.
٦٦٧٩. الثّالث عشر : يشترط في قبول الشهادة توارد الشاهدين على المعنى الواحد ، فإن اتّفقا معنى ، حكم بشهادتهما ، وإن اختلفا لفظا ، مثل أن يقول أحدهما : إنّه غضب ، ويشهد الاخر انّه انتزع قهرا ظلما ، أمّا لو اختلفا معنى ، فإنّه لا يثبت بشهادتهما ، مثل أن يشهد أحدهما بالبيع ، ويشهد الاخر بالإقرار بالبيع ، فإنّهما أمران مختلفان ، فإن حلف مع أحدهما ثبت ما حلف عليه ، وإلّا فلا.
٦٦٨٠. الرابع عشر : إذا كانت الشهادة على فعل ، واختلف الشاهدان في زمانه ، (١) أو مكانه ، أو صفة له تدلّ على تغاير الفعلين ، لم تكمل شهادتهما ، مثل أن يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا يوم السّبت ، ويشهد الاخر أنّه غصبه دينارا يوم الجمعة ، أو يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا في الدار ، ويشهد الاخر أنّه غصبه في السوق ، أو يشهد أحدهما أنّه غصبه دينارا مصريّا ، ويشهد الاخر انه غصبه دينارا بغداديّا ، لأنّ الفعلين متغايران ، ولم يشهد بكلّ واحد منهما سوى شاهد واحد.
__________________
(١) في «ب» : في زمنه.
ولو شهد بكلّ فعل شاهدان ، واختلفا في المكان ، أو الزمان ، أو الصّفة ثبتا جميعا ، لشهادة (١) البيّنة العادلة لكلّ واحد منهما ، بحيث لو انفردت ثبت الحقّ ، وشهادة الأخرى لا تعارضها ، لإمكان الجمع بينهما ، إلّا أن يحصل التعارض إمّا بأن يكون الفعل ممّا لا يمكن تكرّره ، كقتل رجل بعينه فتتعارض البيّنتان ، لعلمنا بكذب إحداهما ، أو بأن يحصل التنافي في الفعل ، مثل أن يشهد اثنان أنّه سرق وقت الزوال كبشا أبيض في موضع كذا ، وشهد اثنان بأنّه سرق في ذلك الوقت بعينه كبشا أسود في موضع آخر ، لا يمكن حصوله فيهما دفعة واحدة ، فإن ادّعى [المشهود له] الأمرين المتنافيين لم تقبل دعواه ، ولا تسمع بيّنته ، وإن ادّعى أحدهما ثبت له ما ادّعاه.
ولو شهد اثنان أنّه سرق مع الزّوال كبشا أسود ، وشهد آخر أنّه سرق مع الزوال كبشا أبيض ، أو شهد اثنان أنّه سرق هذا الكبش غدوة ، وشهد آخران أنّه سرقه عشيّا ، لم يتعارضا ، لإمكان أن يسرق عند الزوال كبشين أبيض وأسود ، فيشهد كلّ بيّنة بأحدهما ، ويمكن أن يسرق كبشا غدوة ، ثمّ يعود إلى صاحبه أو غيره فيسرقه عشيّا ، فإن ادّعاهما المشهود له ثبتا له في الصورة الأولى ، وفي الصورة الثانية كبش المشهود به حسب ، وإن لم يدّع المشهود له سوى أحد الكبشين ، ثبت له ، ولم يثبت له الاخر.
٦٦٨١. الخامس عشر : لو شهد أحدهما أنّه سرق دينارا ، وشهد الاخر أنّه سرق درهما ، لم يثبت ، لكن له أن يحلف مع أحدهما ومع كلّ واحد منهما ، فإن حلف مع أحدهما ثبت له الغرم فيما حلف عليه ، وإن حلف مع كلّ واحد
__________________
(١) في «أ» : بشهادة.
منهما ، ثبت الدينار والدرهم ، ولا يثبت القطع ، لأنّ الحدّ لا يثبت باليمين.
ولو شهد اثنان أنّه سرق ثوبا أبيض غدوة ، وشهد آخران أنّه سرقه بعينه على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، ثبت التعارض ، فيسقط القطع للشّبهة ، ولا يسقط الغرم.
٦٦٨٢. السّادس عشر : لو شهد أحدهما أنّه باع هذا الثوب منه بدينار ، وشهد الاخر أنّه باعه منه في ذلك الوقت بدينارين ، لم يثبتا ، وكان له المطالبة بأيّهما شاء مع اليمين ، ولا تعارض ، لأنّ التعارض إنّما يكون بين البيّنتين الكاملتين ، ولو شهد له مع كلّ واحد شاهد آخر ، ثبت الديناران ، وكذا لو شهد أحدهما أنّه باع اليوم وشهد الاخر أنّه باع أمس ، أو شهد أحدهما أنّه طلّقها أمس بمحضر من شاهدين ، وشهد الاخر أنّه طلّقها اليوم بمحضر من شاهدين ، لم تكمل الشهادة ، لأنّ كلّ واحد من البيع والطلاق ، لم يشهد به إلّا واحد ، فكان كما لو شهدا بالغصب في وقتين.
ويحتمل القبول ، لأنّ المشهود به شيء واحد ، يجوز أن يعاد مرّة بعد أخرى ، فيكون واحدا ، فاختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه ، والأوّل أقرب.
٦٦٨٣. السّابع عشر : لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بقتل ، أو دين ، أو غصب ببغداد يوم الخميس ، ويشهد الاخر أنّه أقرّ بذلك بعينه يوم السّبت بالكوفة ، فإن لم يتعارضا كملت الشهادة ، وثبت المقرّ به ، وإن تعارضا بأن يكون الزمان واحدا مع تباعد الأمكنة ، أو يكون مختلفا ولا يفي الزمان المتخلّل بينهما للسفر من أحد البلدين إلى الاخر ، لم يكملا ، وحلف مع أحدهما يمينا لإثبات حقّه ، وكذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بأنّه قتله يوم الخميس ، وشهد الاخر أنّه أقرّ عنده أنّه
قتله يوم الجمعة ، فإنّ التعارض متحقّق ، كما شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّه غصبه ثوبا ، وشهد الاخر أنّه أقرّ عنده أنّه غصبه دينارا ، وكذا لو شهد أحدهما بالقذف غدوة ، والاخر عشيّة ، أو بالقتل كذلك ، لم يحكم بشهادتهما ، لأنّها شهادة على فعلين.
٦٦٨٤. الثّامن عشر : لو شهد أحدهما بالإقرار بألف ، والاخر بألفين ، ثبت الألف بهما ، والاخر بانضمام اليمين ، ولو شهد بكلّ واحد شاهدان ، ثبت الألف بشهادة الجميع ، والألف الاخر بشهادة اثنين وكذا لو شهد أحدهما أنّه سرق ثوبا قيمته دينار ، وشهد الاخر أنّه سرقه وقيمته ديناران ، ثبت الدينار بشهادتهما ، والاخر بالشاهد واليمين ، ولو شهد بكلّ صورة شاهدان ، ثبت الدّيانار بشهادة الجميع ، والاخر بشاهدين. (١)
٦٦٨٥. التاسع عشر : لو شهد أحدهما أنّه أقرّ بالعربيّة ، والاخر أنّه أقرّ بالعجميّة ، قبل ، لأنّه إخبار عن شيء واحد ، وكذا لو شهد احدهما أنّه أقرّ بدينار يوم الخميس بدمشق ، وأقرّ الاخر أنّه أقرّ به يوم الجمعة بمصر ، قبل ، وكذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ أنّه قتله أو غصبه كذا يوم الخميس بمصر ، وشهد الاخر أنّه أقرّ أنّه قتله أو غصبه كذا يوم الجمعة بدمشق ، قبل ، لأنّ المقرّ به واحد وقد شهد اثنان بالإقرار به ، فكملت شهادتهما ، كما لو كان الإقرار بهما واحدا ، فإنّ جمع الشّهود لسماع الشهادة متعذّر ، بخلاف ما لو كان الإقرار بفعلين مختلفين ، مثل أن يقول أحدهما : أشهد أنّه أقرّ أنّه قتله يوم الخميس ، وقال الاخر : أشهد أنّه أقرّ أنّه قتله يوم الجمعة ، أو قال أحدهما : أشهد أنّه أقرّ أنّه قذفه بالعربيّة ، وقال الاخر :
__________________
(١) في «ب» : «بالشاهدين» وفي الشرائع : ٤ / ١٤٢ «والاخر بشهادة الشاهدين بهما».
أشهد أنّه أقرّ أنّه قذفه بالعجميّة ، فإنّ الشهادة غير كاملة ، وكذا لو شهد أحدهما أنّه تزوّجها أمس ، وشهد الاخر أنّه تزوّجها اليوم ، لم تثبت الشهادة.
٦٦٨٦. العشرون : لو شهد أحدهما أنّه غصب هذا العبد ، وشهد الاخر أنّه أقرّ بغصبه ، لم تكمل الشهادة.
ولو شهد أحدهما أنّه غصب هذا العبد من زيد ، أو أنّه أقرّ بغصبه منه ، وشهد الاخر أنّه ملك زيد ، لم تكمل شهادتهما.
٦٦٨٧. الواحد والعشرون : لو شهد أحدهما بالإقرار بألف ، والاخر بالإقرار بألفين ، ثبت الألف بشهادتهما على ما تقدّم ، هذا إن أطلقا الشهادة ولم تختلف الأسباب والصفات ، فإن اختلفت بأن يشهد أحدهما بألف من قرض ، ويشهد الاخر بخمسمائة من ثمن مبيع ، أو يشهد أحدهما بألف بيض ، والاخر بخمسمائة سود (١) أو يشهد أحدهما بألف دينار ، والاخر بخمسمائة درهم ، لم تكمل البيّنة ، وكان له أن يحلف مع كلّ واحد منهما ، ويستحقهما.
ولو شهد له شاهدان بألف ، وشاهدان آخران بخمسمائة ، ولم تختلف الأسباب أو الصفات ، (٢) دخلت الخمسمائة في الألف ، ووجبت له [الألف] بالأربعة. ولو اختلفت الأسباب أو الصفات ، وجب له الحقّان ، ولم يدخل أحدهما في الاخر.
٦٦٨٨. الثاني والعشرون : لو أنكر العدل أن يكون شاهدا ، ثمّ شهد بعد ذلك ،
__________________
(١) في «أ» : سواد.
(٢) في «ب» : ولم تختلف الأسباب ولا الصفات.
وقال : كنت نسيتها ، قبلت شهادته ، لأنّه يجوز أن يكون قد نسيها ، وحينئذ فلا شهادة عنده ، فلا يكذب مع إمكان صدقه.
٦٦٨٩. الثّالث والعشرون : لو ادّعى ، فطلب الحاكم منه البيّنة ، فقال : لا بيّنة لي ، ثم أتى بعد ذلك ببيّنة ، فالأقرب القبول ، لجواز أن ينسى ، أو يكون الشاهدان قد سمعا إقرار الغريم ، وصاحب الحقّ لا يعلم.
ويحتمل التفصيل ، وهو عدم السّماع إن كان الإشهاد قد تولّاه بنفسه ، لأنّه كذّبها ، والقبول إن تولّاه وكيله ، أو شهد من غير علمه ، وكذا البحث لو قال : كلّ بيّنة لي زور.
أمّا لو قال : لا أعلم انّ لي بيّنة ، ثمّ أقام البيّنة ، سمعت منه قطعا.
٦٦٩٠. الرابع والعشرون : لو اختلف في الشجّة هل هي موضحة أم لا ، وافتقر إلى العارف كالطبيب يعتبرها ، لم يكف الواحد ، وكذا لو اختلف (١) في مرض لا يعرفه إلّا الأطبّاء ، أو في داء الدّابّة الّذي (٢) لا يعرفه إلّا البيطار.
٦٦٩١. الخامس والعشرون : لو أشهده بألف ، فطلب صاحب الحقّ أن يشهد له بمائة مثلا ، فالأقرب جواز ذلك ، لأنّ الاعتراف بالألف يستلزمه الاعتراف بالمائة.
٦٦٩٢. السّادس والعشرون : يجوز أن يشهد الإنسان على مبيع (٣) وإن لم يعرفه ولا عرف حدوده ، ولا موضعه إذا عرف المتبايعان ذلك ، ويكون شاهدا على إقرارهما بوصف المبيع.
__________________
(١) في «ب» : لو اختلفا.
(٢) في «ب» : الّتي.
(٣) في «ب» : على المبيع.
الفصل السادس : في الشهادة على الشهادة
وفيه عشرة مباحث :
٦٦٩٣. الأوّل : تقبل الشّهادة على الشّهادة في حقوق النّاس ، سواء كانت عقوبة ، كالقصاص ، أو غير عقوبة ، كالطلاق ، والغصب ، والعتق ، والنّسب ، أو مالا ، كالقرض ، والدّين ، والقراض ، وعقود المعاوضات ، كالبيع ، والإجارة ، والصلح ، أو ما لا يطلع عليه الرّجال غالبا ، كعيوب النساء ، والولادة ، والاستهلال.
ولا تقبل في الحدود مطلقا ، سواء كانت لله تعالى محضا ، كحدّ الزّنا ، واللّواط ، والسّحق ، أو مشتركة ، كالقذف ، وحدّ السّرقة ، على خلاف فيهما.
٦٦٩٤. الثاني : لا يجوز تحمّل الشهادة إلّا إذا قال الشاهد : اشهد على شهادتي ، أو يسمعه وقد شهد بين يدي حاكم ، فله أن يشهد على شهادته وإن لم يشهده.
ولو قال في غير مجلس القضاء : لفلان على فلان حقّ كذا وأنا شاهد به بسبب كذا ، مثل ثمن مبيع ، أو أرش جناية ، أو غير ذلك ، ففي جواز شهادة الفرع به إشكال.
أمّا لو لم يذكر شاهد الأصل السبب ، فإنّه ليس للفرع أن يشهد قطعا ، لأنّ الإنسان يتساهل في غير مجلس الحكم.
ولو سمعه يقول : أشهد أنّ لفلان كذا شهادة مثبوتة عندي لا أتمارى فيها ،