تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

كتاب الشهادات

٢٤١
٢٤٢

وفيه فصول

[الفصل] الأوّل : في صفات الشاهد

يشترط في الشاهد ستّة : البلوغ ، والعقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد ، وانتفاء التهمة ، فهاهنا (١) مطالب.

[المطلب] الأوّل : البلوغ

وهو شرط في قبول الشهادة ، فلا تقبل شهادة الصبيّ إلّا إذا بلغ عشر سنين ، فتقبل شهادتهم في الجراح ، والقصاص ، بشرطين آخرين : عدم تفرّقهم قبل الشهادة ، واجتماعهم على المباح ، فلو تفرّقوا عن الحالة الّتي تجارحوا عليها ، لم تقبل شهادتهم ، وفي رواية : يؤخذ بأوّل كلامهم (٢) وقيل : تقبل شهادتهم إذا بلغوا العشر مطلقا (٣) وليس بجيّد ، بل الأولى الاقتصار على قبولهم

__________________

(١) في «ب» فهنا.

(٢) الوسائل : ١٨ / ٢٥٢ ، الباب ٢٢ من أبواب الشهادات ، الحديث ١ و ٢.

(٣) قال المحقق في الشرائع : ٤ / ١٢٥ : وقيل : تقبل مطلقا إذا بلغ عشرا وهو متروك قال في الجواهر : ٤١ / ٩ بعد كلام الشرائع : «بل اعترف غير واحد بعدم معرفة القائل به». وقال الشهيد الثاني في المسالك : ١٤ / ١٥٧ : لم يظهر قائله ، وقال صاحب كشف الرموز : انّه الشيخ في النهاية ، وهو وهم.

٢٤٣

في الشجاج والقصاص فيما دون النفس بالشرطين ولا تقبل شهادة الصّبايا وإن كثرن.

[المطلب] الثّاني : العقل

فلا تقبل شهادة المجنون إجماعا ، سواء ذهب عقله بجنون أو سكر ، ولو كان الجنون يتناوله أدوارا ، وشهد حال إفاقته ، وأقامها حال الإفاقة ، قبلت شهادته بعد الاستظهار بمعرفة تفطّنه حال التّحمّل والأداء ، فلو ارتاب الحاكم طرحها.

وتردّ شهادة المغفّل الّذي في طبيعته البله بحيث لا يتفطن لتفاصيل الأشياء ، إلّا أن يعلم الحاكم عدم غفلته فيما شهد به ، إذا كان المشهود به ممّا لا يسهو فيه.

ولو كان الشاهد يعرض له السهو غالبا ، استظهر الحاكم في التفتيش عن حاله حتّى يغلب على ظنّ الحاكم صدقه وتنبّهه. (١)

المطلب الثالث : الإيمان

وفيه ستّة مباحث :

٦٦١٥. الأوّل : لا تقبل شهادة الكفّار مطلقا إلّا في الوصيّة على ما يأتي ، ولا تقبل في غير ذلك على أحد من المسلمين إجماعا ، وهل تقبل شهادتهم على

__________________

(١) في «ب» : وتنبيهه.

٢٤٤

أمثالهم؟ الأصحّ المنع ، وقيل (١) : تقبل شهادة الذمّي على الذمّي إذا تساويا في العقيدة ، فتقبل شهادة اليهوديّ على مثله لا غير ، والنصرانيّ على مثله لا غير ، وبالجملة كلّ ملّة تقبل على ملّتهم ، والرواية به ضعيفة في طريقها سماعة (٢) وأفتى بها الشيخ رحمه‌الله في النهاية (٣) وروى ابن بابويه عن عبيد الله بن عليّ الحلبي عن الصادق عليه‌السلام تجوز شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملتهم. (٤)

إذا عرفت هذا فعندنا كما لا تقبل شهاداتهم على أمثالهم ، كذا لا تقبل لأمثالهم ، والشيخ رحمه‌الله أفتى بقبول شهادتهم لأمثالهم ، كما أفتى بقبول شهادتهم عليهم.

٦٦١٦. الثاني : تقبل شهادة أهل الذمّة خاصّة في الوصيّة بالمال لا غير ، بشرط عدم العدول من المسلمين ، ولا تقبل شهادتهم بالوصيّة في الولاية ، ولا يشترط السفر والغربة ، وبالاشتراط رواية مطّرحة (٥) وقال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : لا خلاف أنّ شهادة أهل الذمّة لا تقبل على المسلم إلّا ما يتفرّد به أصحابنا في الوصيّة خاصّة في حال السفر عند عدم المسلم (٦) وقول الشيخ رضي الله هنا يوهم اشتراط السفر.

__________________

(١) القائل الشيخ في النهاية : ٣٣٤.

(٢) الوسائل : ١٨ / ٢٨٤ ، الباب ٣٨ من أبواب الشهادات ، الحديث ٢.

(٣) النهاية : ٣٣٤ ، باب شهادة من خالف الإسلام.

(٤) الفقيه : ٣ / ٢٩ ، رقم الحديث ١٩ ، الوسائل : ١٨ / ٢٨٧ ، الباب ٤٠ من أبواب الشهادات ، الحديث ١.

(٥) الوسائل : ١٣ / ٣٩٢ ، الباب ٢٠ من أبواب الوصايا ، الحديث ٧. ويمكن حمل الرواية على الغالب.

(٦) المبسوط : ٨ / ١٨٧.

٢٤٥

٦٦١٧. الثالث : لا يشترط عدم الفسّاق من المسلمين ، فلو وجد فسّاق المسلمين وشهدوا ، لم تقبل ، ولو شهد أهل الذمّة قبلت ، ويشترط في أهل الذمّة الصلاح في مذهبهم ، لأنّ فاسق المسلمين غير مقبول ، فالأولى منع فاسق غيرهم.

٦٦١٨. الرابع : الأقرب إحلاف الشاهدين من أهل الذمّة بعد العصر أنّهما ما خانا ولا كتما ، ولا اشتريا به ثمنا ، ولو كان ذا قربى ، ولا نكتم شهادة الله إنّا إذا لمن الآثمين ، على ما تضمّنته الآية (١) ولم أقف فيه لعلمائنا على قول.

٦٦١٩. الخامس : يثبت الإيمان بمعرفة الحاكم ، أو قيام البيّنة ، أو الإقرار.

٦٦٢٠. السّادس : لا تقبل شهادة المخالف للحقّ من أيّ فرق الإسلام كان ، سواء صار إلى ما اعتقده بشبهة أو لا ، وإنّما تقبل شهادة المؤمن خاصّة.

المطلب الرابع : العدالة وفيه ثلاثة عشر بحثا :

٦٦٢١. الأوّل : العدالة شرط في قبول الشهادة ، فلا تقبل شهادة الفاسق إجماعا ، قال الله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢).

والعدالة كيفيّة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التّقوى والمروّة ،

__________________

(١) النساء : ١٠٦.

(٢) الحجرات : ٦.

٢٤٦

وتحصل بالامتناع عن الكبائر ، وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها. (١)

والمراد بالكبائر : كلّما توعّد الله تعالى عليه بالنار ، كالزنا ، والقتل ، واللواط ، وغصب الأموال المعصومة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين ، والرّبا ، وقذف المحصنات المؤمنات.

وأمّا الصّغائر فإن داوم عليها ، أو وقعت منه في أكثر الأحوال ، ردّت شهادته إجماعا ، ولو وقعت منه ندرة قال الشيخ رحمه‌الله (٢) : لا يقدح في العدالة ، لعدم الانفكاك منها إلّا فيما يقلّ ، فلو شرطنا عدمها أجمع ، أفضى إلى ألا تقبل شهادة أحد بالإطلاق ، وذلك ضرر عظيم. ومنع ابن إدريس ذلك ، والتجأ في التخلّص عن الإلزام إلى التوبة الّتي يمكن فعلها لكلّ أحد في كلّ وقت. (٣)

__________________

(١) قال ثاني الشهيدين في المسالك :

... انّما الكلام في أنّ هل هي كلّها كبائر ، أم تنقسم إلى كبائر وصغائر؟

وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في ذلك ، فذهب جماعة منهم المفيد وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والطبرسي ـ بل نسبه في التفسير إلى أصحابنا مطلقا ـ إلى الأوّل ، نظرا إلى اشتراكها في مخالفة أمره تعالى ونهيه ، وجعلوا الوصف بالكبر والصغر إضافيّا ، فالقبلة المحرّمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، وكذلك غصب الدرهم كبيرة بالنسبة إلى غصب اللقمة وصغيرة بالإضافة إلى غصب الدينار ، وهكذا.

وذهب المصنّف رضى الله عنه وأكثر المتأخرين إلى الثاني ، عملا بظاهر قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (النساء : ٣١) دلّ بمفهومه على أنّ اجتناب بعض الذنوب ـ وهي الكبائر ـ يكفّر السيّئات ، وهو يقتضي كونها غير كبائر ، وقال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) (النجم : ٣٢) مدحهم على اجتناب الكبائر من غير أن يضايقهم في الصغائر ، وفي الحديث : «انّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر». مسالك الأفهام : ١٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢١٧.

(٣) السرائر : ٢ / ١١٨.

٢٤٧

٦٦٢٢. الثاني : لا يقدح في العدالة ترك المندوبات أجمع وإن كان مصرّا على تركها إلّا أن يؤذن ذلك بالتهاون بالسّنن.

٦٦٢٣. الثّالث : المخالف من المؤمنين في الفروع لا تردّ شهاداته إذا لم يخالف الإجماع ، ولا يفسق وإن كان مخطئا في اجتهاده ، وأمّا المخالف في شي‌ء من أصول العقيدة ، فإنّ شهادته تردّ ، وإن كان مسلما ، سواء استند في ذلك إلى التقليد أو إلى الاجتهاد ، وسواء خالف إجماع المسلمين وما علم ثبوته من الدّين ضرورة أو لا.

والمسائل الأصوليّة الّتي تردّ الشهادة بمخالفتها كلّما يتعلّق بالتوحيد ، وما يجوز عليه تعالى من الصفات ، وما يستحيل عليه ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة.

أمّا الصفات الّتي لا مدخل لها في العقيدة ، مثل المعاني ، والأحوال ، والإثبات والنفي ، وما شابه ذلك ، من فروع علم الكلام ، فلا تردّ شهادة المخطئ فيها.

٦٦٢٤. الرابع : العدل هو الّذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله ، أمّا الدّين فأن لا يرتكب كبيرة ولا يصرّ على صغيرة ، ولا يخلّ بشي‌ء (١) من الواجبات ، ولا يترك جميع المندوبات ، بحيث يعلم منه التهاون بالسّنن.

وأمّا الأفعال فيجتنب الأمور الدنيّة ، كالأكل في السّوق للفقيه دائما مع عدم المبالاة ، وكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه ، والاستهزاء به ، بحيث يضحك الناس ، أو يحدّث الناس بمباضعة أهله ونحو ذلك ، ممّا يدلّ على رذيلة ودناءة.

__________________

(١) في «ب» : لشي‌ء.

٢٤٨

وأمّا الصّنائع فلا يردّ أحد من أربابها وإن كانت مكروهة أو دنيّة ، كالحياكة ، والحجامة ، ولو بلغت في الدناءة كالزبّال والوقّاد ، مع الوثوق بتقواه ، ولو كانت الصّنعة محرمة ردّت شهادته ، كصانع المزمار والطنبور.

٦٦٢٥. الخامس : القاذف إن كان زوجا فبيّن قذفه بالشهود ، أو اللعان ، أو الإقرار ، أو كان أجنبيا فبيّنه بالبيّنة أو الإقرار ، لم يتعلّق بقذفه فسق ولا حدّ ولا ردّ شهادة ، وإن لم يبيّن وجب الحدّ ، وحكم بفسقه ، وردّت شهادته.

ولو تاب القاذف لم يسقط الحدّ ، وزال الفسق إجماعا ، وقبلت شهادته ، سواء جلد أو لم يجلد.

وحدّ التوبة أن يكذب نفسه إن كان كاذبا بمحضر من الناس ، ويخطّئ نفسه إن كان صادقا ، وقيل : يكذب نفسه مطلقا ، ثمّ إن كان صادقا ورّى باطنا (١) والأوّل أقرب ، والثاني مرويّ (٢) وإن كان ليس بعيدا من الصواب ، لأنّه تعالى سمّى القاذف كاذبا إذا لم يأت بأربعة شهداء على الإطلاق (٣) ، لأنّه كذب في حكم الله وإن كان صادقا.

والأقرب الاكتفاء بالتوبة وعدم اشتراط إصلاح العمل ، لقوله عليه‌السلام : التوبة تجبّ ما قبلها (٤) والتائب من الذّنب كمن لا ذنب له. (٥) ولأنّ المغفرة تحصل

__________________

(١) لاحظ : النهاية : ٣٢٦ ؛ إصباح الشيعة : ٥٢٩ ؛ غنية النزوع : ٤٤٠.

(٢) الوسائل : ١٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، الباب ٣٦ و ٣٧ من أبواب الشهادات.

(٣) النور : ١٣.

(٤) مستدرك الوسائل : ١٢ / ١٢٩ ، الباب ٨٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١٢ ، ونقله ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة : ١٣ / ٦ والشيخ في الخلاف : ٥ / ٤٦٩ ، المسألة ١٣ من كتاب قطّاع الطريق.

(٥) الكافي : ٢ / ٤٣٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التوبة ، الحديث ٩ (عن أبي جعفر عليه‌السلام).

٢٤٩

بالتّوبة ، والإصلاح المعطوف على التوبة (١) يحتمل أن يكون المراد به التوبة ، وعطف لتغاير اللّفظين.

والقاذف في الشتم تردّ شهادته وروايته حتّى يتوب.

والشاهد بالزنا إذا لم يكمل البيّنة يحدّ ، ولا تقبل روايته وشهادته ، ويفسق حتّى يتوب ، بأن يقول : ندمت على ما كان منّي ، ولا أعود إلى ما اتّهم فيه.

والتوبة إن كانت عن معصية لا توجب عليه حقّا ، كشرب خمر ، وكذب وزنا ، فالتوبة منه النّدم والعزم على ألا يعود ، وقيل : لا يشترط الثانيّ وإن أوجبت حقا لله تعالى أو لآدميّ ، كمنع الزكاة وغصب المال ، فالتوبة منه بما تقدّم وأداء لحقّ ، أو مثله ، أو قيمته مع العجز ، فإن عجز عن ذلك نوى ردّه متى قدر عليه ، وان كان عليه حقّ قصاص أو قذف ، اشترط في التوبة تمكين نفسه ليصل المستحقّ إلى حقّه ، وإن كان عليه حدّ الله كزنا أو شرب مسكر ، فالندم والعزم على ترك العود كافيان في التوبة ولا يشترط الإقرار به ولا تمكين نفسه للإمام ، بل ينبغي ستره وترك الإقرار به ، سواء اشتهر ذلك عنه أو لا.

وإن كان مبتدعا ، فتوبته الاعتراف بالبدعة ، والرجوع عنها ، واعتقاد ضدّ ما كان يعتقد منها.

٦٦٢٦. السّادس : اللّعب بالآت القمار كلّها حرام ، كالنّرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، وغير ذلك ، يفسق فاعله ، وتردّ شهادته ، إلّا أن يتوب ، سواء قصد الحذق ، أو اللهو ، أو القمار ، وهو المشتمل على العوض ، وسواء اعتقد تحريمه أو لا.

__________________

(١) النور : ٥.

٢٥٠

٦٦٢٧. السّابع : العود ، والزّمر ، والصنج ، والطنبور ، والمعزفة ، والرّباب ، والقضيب وغير ذلك من جميع آلات اللهو ، حرام يفسق فاعله ومستمعه ، أمّا الدّف فيكره في الإملاك (١) والختان خاصّة ، ويحرم في غيرهما.

٦٦٢٨. الثّامن : شارب المسكر تردّ شهادته ، ويفسق ، سواء كان خمرا أو نبيذا ، أو بتعا أو فضخا ، وكذا الفقّاع والعصير إذا غلى من نفسه أو بالنار ، وإن لم يسكر ، إلّا أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، وسواء شرب قليلا من ذلك كلّه أو كثيرا ، مقتعدا للتحريم أو لا ، ولا يحرم غير العصير من التمر أو البسر ما لم يسكر ، ويجوز اتّخاذ الخمر للتخليل.

٦٦٢٩. التّاسع : الغناء حرام ، وهو مدّ الصّوت المشتمل على الترجيع المطرب ، يفسق فاعله ، وتردّ شهادته به ، سواء كان في شعر أو قرآن ، وكذا مستمعه ، سواء اعتقد إباحته أو تحريمه.

ولا بأس بالحداء ، وهو الإنشاد الّذي تساق به الإبل ، يجوز فعله واستماعه ، وكذا نشيد الأعراب وساير انواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حدّ الغناء.

٦٦٣٠. العاشر : الشعر الكذب حرام ، وكذا هجاء المؤمنين ، والتشبيب بامرأة معروفة غير محلّلة ، يفسق فاعله به ، وتردّ شهادته ، ولا بأس بما عدا ذلك ، لكن يكره الإكثار فيه.

٦٦٣١. الحادي عشر : الحسد حرام ، وكذا بغضة المؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة.

٦٦٣٢. الثاني عشر : لبس الحرير المحض للرّجال حرام في غير الحرب ، تردّ

__________________

(١) في مجمع البحرين : الملاك ، بكسر الميم والإملاك : التزويج وعقد النكاح.

٢٥١

به الشهادة ولا بأس بالافتراش له على إشكال ، وكذا لبس كلّ محرّم كالتختم بالذّهب ، والتحلّي به للرّجال.

٦٦٣٣. الثالث عشر : يجوز اتّخاذ الحمام للأنس بها والاستفراخ وحمل الكتب ، ويكره للتّطيير والفرجة ، والرهان عليها قمار ، يفسق فاعله.

وأمّا المسابقة المشروعة بالخيل وغيرها من الحيوانات المشروع فيها عقد الرهان ، فإنّها جائزة ، وكذا المناضلة بالنشاب والحراب (١) والسيوف.

المطلب الخامس : انتفاء التهمة

وفيه ستة مباحث :

٦٦٣٤. الأوّل : كلّ من يجرّ بشهادته نفعا أو يستدفع بها ضررا تردّ شهادته تلك وإن كان عدلا ، فلو شهد على من جرح مورّثه ردت شهادته ، لأنّ بدل الجرح وهو المال ، يحصل له بالإرث ، والجرح سبب للموت المفضي إلى الإرث.

أمّا لو شهد في مرض موت مورّثه له بمال ، أو شهد لمورّثه المجروح بمال ، قبلت شهادته.

ولو شهد اثنان من العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ ، ردّت شهادتهما وإن كانا فقيرين أو بعيدين ، لاحتمال يسارهما وموت من هو أقرب منهما ، مع احتمال القبول منهما (٢).

__________________

(١) في مجمع البحرين : الحربة كالرّمح تجمع على حراب.

(٢) في «أ» «فيهما». قال الشيخ في المبسوط : ٨ / ٢١٨ : والدافع عن نفسه هو أن تقدم البيّنة على رجل بقتل الخطأ ، فشهد اثنان من عاقلة الجاني ، فجرح الشهود فلا تقبل الشهادة.

٢٥٢

ولو خلّف اثنين ، فشهد أحدهما على الاخر بألف درهم دين على المورّث ، قبلت هذه الشهادة ، لأنّه لا يجب عند الانفراد بالإقرار إلّا حصّة المقرّ ، فلا يستدفع بهذه الشهادة ضررا.

ولو شهد الرّجلان بوصيّته لهما من تركته ، فشهد الشاهدان أيضا بوصيّته فيها ، قبلت الشهادات.

ولو شهد بعض الرفقاء لبعض على قاطع الطريق ، لم تقبل ، للتهمة ، ولو قالوا : عرضوا لنا وأخذوا اولئك ، سمعت.

ولو شهد غرماء المفلّس أو الميّت لهما بدين أو عين ، لم تسمع شهادتهم ، وتقبل لو شهدوا لغريم حيّ غير محجور عليه ، وإن كان معسرا.

ولا تقبل شهادة الشفيع ببيع شقص له فيه شفعة (١) ولا شهادة السيّد لعبده المأذون له في التجارة ، ولا لمكاتبه ، ولا شهادة أحد الشفيعين على الاخر بإسقاط شفعته (٢) إن جوّزنا الشفعة مع الكثرة ، ولا شهادة بعض غرماء المفلّس على بعضهم بإسقاط دينه واستيفائه.

ولا تقبل شهادة الشريك (لشريكه) (٣) فيما هو شريك فيه ، ولا شهادة الوصيّ فيما هو وصيّ فيه ، ولا شهادة الوكيل لموكّله ، ولا شهادة الوكيل والوصيّ بجرح شهود المدّعي على الموكّل أو الموصي.

وتقبل شهادة الشريك لشريكه فيما ليس شريكا فيه ، وكذا الوكيل لموكّله

__________________

(١) في «ب» : الشفعة.

(٢) في «أ» : باسقاطه شفعته.

(٣) ما بين القوسين يوجد في «ب».

٢٥٣

فيما ليس وكيلا فيه ، والوارث بالجرح بعد الاندمال ، وشهادة أحد الشفيعين على الاخر بإسقاط شفعته بعد أن أسقط الشاهد شفعته ، ونحو ذلك ممّا تنتفي فيه التّهمة.

٦٦٣٥. الثاني : العداوة الدينيّة لا تمنع قبول الشهادة على عدّوه ، فإنّ المسلم يشهد على الكافر ، أمّا الدنيويّة فإنّها تمنع القبول ، سواء تضمّنت الفسق أو لا ، وسواء كانت العداوة ظاهرة موروثة أو مكتسبة.

وتتحقّق العداوة : بأن يعلم أنّ كلّ واحد منهما يفرح بمساءة صاحبه ويغمّ بمسرّته ، ويبغي الشرّ له ، وهذا القدر لا يوجب فسقا ، وتردّ به الشهادة ، أو يقع بينهما تقاذف ، ولو عرف ذلك من أحدهما ، ردّت شهادته خاصّة.

ولو شهد على رجل بحقّ فقذفه المشهود عليه ، لم تردّ شهادته بذلك.

وتقبل شهادة العدوّ لعدّوه ، لانتفاء التهمة.

٦٦٣٦. الثالث : النسب وإن قرب لا يمنع قبول الشهادة ، فتقبل شهادة الأب لولده وعليه ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه وعليه.

ولا تقبل شهادة الولد على والده على الأشهر ، سواء شهد بمال أو بحق متعلّق ببدنه ، كالقصاص والحدّ.

ولا فرق بين الأب الأدنى والأبعد على إشكال.

وتقبل شهادة الأب من الرضاعة لابنه وبالعكس (وشهادته عليه وبالعكس) (١).

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «أ».

٢٥٤

وتقبل شهادة كلّ من الزّوجين لصاحبه ، لكن شرط أصحابنا (١) في قبول شهادة الزّوجة لزوجها انضمامها إلى غيرها من أهل العدالة ، وشرط آخرون (٢) ذلك في الزّوج أيضا وليس بجيّد ، وتظهر الفائدة فيما تقبل فيه شهادة الواحد مع اليمين وشهادة المرأة في الوصية.

وتقبل شهادة الصديق لصديقه ، وإن تأكّدت الصّحبة والملاطفة ، وتقبل شهادة الأخ لأخيه وإن كان منقطعا إليه في صلته وبرّه.

٦٦٣٧. الرابع : تردّ شهادة السائل في كفّه ، لأنّه يسخط إذا منع ، إذا كان معتادا ، ولو وقع منه ذلك ندرة للحاجة لم يمنع قبول الشهادة.

ولا تقبل شهادة الطفيلي ، وهو الّذي يأتي طعام النّاس من غير دعوة ، ولو لم يتكرّر ذلك منه قبلت شهادته ، ومن سأل من غير أن تحلّ له المسألة ردّت شهادته.

وتقبل شهادة من يأخذ الصّدقة إذا كان من أهلها ، ولو لم يكن من أهلها ردّت شهادته.

٦٦٣٨. الخامس : تقبل شهادة البدويّ على من هو من أهل القرية ، سواء في ذلك الجراح وغيره.

وتقبل شهادة أهل القرى على أهل البادية مع اجتماع الشرائط.

وتقبل شهادة الأجير والضيف وإن حصل لهما ميل إلى

__________________

(١) ومنهم المحقّق في الشرائع : ٤ / ١٣٠.

(٢) ومنهم الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٣٠.

٢٥٥

المستأجر والمضيف ، لأنّ العدالة تمنع من إقدامهما على الباطل.

٦٦٣٩. السّادس : التبرّع بالشهادة قبل سؤال الحاكم ، يقتضي التهمة ، فلا تقبل شهادته ، سواء شهد قبل الدّعوى ، أو بعدها قبل الاستشهاد ، نعم هذا الرّد لا يقتضي الفسق ، هذا في حقوق الناس ، أمّا في حقّه تعالى ، أو الشهادة للمصالح العامّة ، كالوقف على القناطر وشبهه ، فالأقرب أنّ التبرّع لا يمنع الشهادة ، إذ لا مدّعي لها.

ولو اختفى الشاهد في زاوية أو من جدار حتّى ينطق المشهود عليه مسترسلا ، فشهد عليه سمعت شهادته ، ولا يحمل ذلك على جرحه على الشهادة ، لأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك.

المطلب السادس : طهارة المولد

يشترط في الشاهد طهارة المولد عند أكثر علمائنا ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا ، وقال الشيخ رحمه‌الله : تقبل شهادته في الشي‌ء اليسير مع تمسّكه بالصّلاح ، (١) وليس بجيّد ، ولو جهل حاله قبلت شهادته وإن قذفه بعض الناس بذلك.

__________________

(١) النهاية : ٣٢٦.

٢٥٦

الفصل الثاني : فيما ظنّ أنّه شرط وليس كذلك

وفيه أحد عشر بحثا :

٦٦٤٠. الأوّل : الحريّة ليست شرطا مطلقا ، فتقبل شهادة المملوك لسيّده ولغير سيّده وعلى غير سيّده ، ولا تقبل شهادته على سيّده ، وقيل : بالمنع مطلقا اختاره ابن الجنيد ، وقيل : تقبل مطلقا (١) والأظهر ما قلناه ، ولو أعتق قبلت شهادته مطلقا.

٦٦٤١. الثاني : حكم المدبّر والمكاتب المطلق الّذي لم يؤدّ شيئا والمشروط مطلقا وأمّ الولد حكم القنّ.

أمّا المطلق إذا أدّى من مال الكتابة شيئا ، فقد قال الشيخ رحمه‌الله : تقبل على مولاه بقدر ما تحرّر منه (٢) والأجود المنع.

٦٦٤٢. الثالث : لا فرق في قبول شهادة العبد بين الحدّ والقصاص وغيرهما ، بل قوله مقبول في الجميع إذا جمع شرائط القبول.

والأمة كالحرّة ، تقبل شهادتها فيما فيه تقبل فيه شهادة النّساء ، إلّا على سيّدها.

٦٦٤٣. الرابع : لو أشهد السيّد عبدين له على أنّ حمل الأمة منه ، ثمّ مات ،

__________________

(١) ذهب إليه يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٥٤٠.

(٢) النهاية : ٣٣١.

٢٥٧

فشهدا بذلك ، فردّت شهادتهما ، وحاز الميراث غيره ، ثمّ أعتقهما فأعادا الشهادة ، قبلت ورجعا في الرقّ ، فإن شهدا أوّلا بأنّ مولاهما كان قد أعتقهما ، كره للولد تملّكهما ، لأنّهما أحيا حقّه.

٦٦٤٤. الخامس : تقبل شهادة الأعمى فيما لا يحتاج فيه إلى المشاهدة ، كالإقرار والبيع وغيره من العقود إذا عرف صوت المتلفّظ معرفة لا يعتريه فيها شكّ ، أو عرّفه عنده عدلان.

ولو تحمّل الشهادة وهو بصير ثمّ عمي جاز أن يشهد ، وقبلت شهادته إذا عرف المشهود عليه باسمه ونسبه ، أو عرّفه عنده عدلان.

ولو شهد عند الحاكم ثمّ عمي ، قبل الحكم ، حكم الحاكم بشهادته ، ولا تقبل شهادته فيما يفتقر فيه إلى الرؤية ، كالزنا ، إلّا أن يشهد قبل العمى ثمّ يقيم الشهادة بعد العمى ، فانّها تقبل.

ولو شهد على من لا يعرفه قبل عماه فمسكه بيده ، ثمّ عمي ، جاز أن يشهد على المقبوض بعينه قطعا.

وتقبل شهادة الأعمى إذا ترجم للحاكم عبارة من يقرّ عند الحاكم.

٦٦٤٥. السّادس : تقبل شهادة الأخرس تحمّلا وأداء إذا عرف الحاكم من إشارته ما يشهد به ، فإن جهلها الحاكم اعتمد على مترجمين ممّن يعرف إشارته ، ولا يكفي الواحد ، ولا يكون المترجمان شاهدي فرع على شهادة الأخرس ، بل يثبت الحكم بشهادة الأخرس أصلا لا بشهادة المترجمين فرعا.

ولو شهد الناطق بالايماء والإشارة من غير عذر لم تقبل.

٦٦٤٦ السّابع : تقبل شهادة الأصمّ وقد روي أنّه يؤخذ بأوّل قوله ، ولا

٢٥٨

يؤخذ بثانيه. (١) وكذا تقبل شهادة ذوي الافات والعاهات في الخلق إذا كانوا من أهل العدالة.

٦٦٤٧. الثّامن : لا يشترط في الشهادة أمر المشهود عليه بها ، فلو سمع الشاهد [إقرار] المقرّ ، شهد عليه وإن لم يأمره بالشهادة عليه ، ولا فرق في ذلك بين الأقوال والأفعال.

ولو حضر الشاهدان حسابا ، وشرط المتحاسبان عليهما ألا يحفظا عليهما ، كان للشاهدين أن يشهدا بما سمعا.

وتقبل شهادة المستخفي إذا كان عدلا ، وهو الّذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع إقراره ، ولا يعلم به ، سواء كان المشهود عليه ضعيفا أو لا.

٦٦٤٨. التّاسع : من فعل شيئا من الفروع مختلفا فيه معتقدا إباحته لم تردّ شهادته ، سواء وافقه الحاكم في ذلك الاعتقاد أو لا ، ولو فعل ما اجتمعت الإماميّة على تحريمه ، أو ترك ما أوجبت الإماميّة فعله ، لم تقبل شهادته وإن وافق غيرهم من المسلمين.

وإن فعل الفرع المختلف فيه بين الإماميّة معتقدا تحريمه ، ردّت شهادته وإن اعتقد الحاكم إباحته.

٦٦٤٩. العاشر : لا يشترط في الشاهد استجماع شرائط الشهادة وقت التحمّل ، فلو شهد الصغير أو الكافر أو الفاسق المتظاهر بفسقه على شي‌ء ، ثم زال المانع ، وأقاموا تلك الشهادة ، قبلت.

ولو أقام الصبيّ أو الكافر الشهادة فردّت ، ثمّ أعادها بعد الكمال قبلت ،

__________________

(١) الوسائل : ١٨ / ٢٩٦ ، الباب ٤٢ من أبواب الشهادات ، الحديث ٣.

٢٥٩

وكذا الفاسق إذا أقام بالشهادة حال فسقه المعلن به ، ثمّ تاب وأعاد الشهادة ، سمعت.

أمّا الفاسق المستتر بفسقه إذا أقام الشهادة فردّت ، ثمّ تاب وأعادها ، فالأقرب أيضا القبول وإن احتمل العدم بسبب التّهمة الحاصلة من شاهد حاله ، وهو إرادة إصلاح ظاهره.

ولو تاب المشهور بالفسق لتقبل شهادته ، فالأقرب عدم القبول حتّى يستمرّ حاله على الصّلاح ، وقال الشيخ رحمه‌الله يجوز أن يقول : تب أقبل شهادتك (١) وارتضاه ابن إدريس (٢).

ولو أقام العبد الشهادة على مولاه فردّت ، ثمّ أعتق فأعادها ، قبلت ، وكذا لو شهد الولد على والده فردّت ، ثمّ أقامها بعد موت الأب قبلت ، ولا بدّ في القبول من إعادة الشهادة ، ولا تكفي الإقامة أوّلا ، لأنّها مردودة.

ولو شهد السيّد لمكاتبه أو الوارث لمورّثه بالجرح قبل الاندمال ، فردّت شهادته ، ثمّ أعتق المكاتب واندمل الجرح ، وأعاد تلك الشهادة ، قبلت ، وكذا كلّ شهادة مردودة للتهمة أو لعدم الأهليّة إذا أعيدت بعد زوال التهمة أو حصول الأهليّة.

٦٦٥٠. الحادي عشر : تقبل شهادة الوصيّ على من هو وصيّ عليه ، وكذا شهادته له فيما لا ولاية له عليه فيه ولا تصرّف ، ولا يجرّ بشهادته نفعا ، مثل أن يبقى المال للثلث الموصى به له بسبب شهادة الوصيّ.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ١٧٩ ، قال : ويجوز للإمام عندنا أن يقول : تب أقبل شهادتك.

(٢) السرائر : ٢ / ١١٧.

٢٦٠