تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

٧١٠٢. الرابع : لو أقام المدّعي شاهدا واحدا باللّوث ، حلف خمسين يمينا ، وإن شهد بالقتل فكذلك إن كان القتل عمدا ، وإن خطأ أو شبه العمد (١) ثبت مع اليمين الواحدة ، كغيرها من الدعاوي.

٧١٠٣. الخامس : الأقرب عدم اشتراط حضور المدّعى عليه وقت القسامة ، فإنّ الحكم عندنا يثبت على الغائب ، ولا إيقاع الأيمان في مجلس واحد ، فلو حلف في مجلسين أو مجالس متعدّدة ، جاز إذا استحلفه الحاكم ، ولو حلف من غير أن يستحلفه الحاكم ، وقعت أيمانه لاغية.

٧١٠٤. السّادس : لو كان المدّعى عليهم أكثر من واحد ، فالأقرب أنّ على كلّ واحد خمسين يمينا كما لو انفرد ، لأنّ كلّ واحد منهم يتوجّه عليه دعوى بانفراده.

٧١٠٥. السّابع : إذا ثبت اللّوث كانت القسامة على المدّعي أوّلا ، فيحلف خمسين يمينا على المدّعى عليه أنّه قتله ، ولو كان له قوم يحلفون معه ، حلف كلّ واحد يمينا واحدة إن بلغوا خمسين ، وإلّا كرّرت عليهم الأيمان بالسّوية ، ولو لم يحلفوا أصلا ، حلف هو الخمسين ، ولا يبدأ بإحلاف المنكر ، فإن امتنع المدّعي وقومه من القسامة ، حلف المنكر وقومه خمسين يمينا أنّه لم يقتل ، فإن لم يبلغ قومه خمسين ، كرّرت عليهم الأيمان بالسّوية ، فإن نكل قومه أو لم يكن له قوم ، حلف هو خمسين يمينا ببراءته ، فإن نكل عن الأيمان أو عن بعضها ألزم الدّعوى ، وقيل : له ردّ اليمين على المدّعي (٢) وليس بجيّد ، لأنّ الرّد هنا من المدّعي فلا يعود إليه.

__________________

(١) في «أ» شبيه العمد.

(٢) ذهب إليه أصحاب الشافعي ، لاحظ المغني لابن قدامة : ١٠ / ٢٣.

٤٨١

٧١٠٦. الثّامن : إذا حلف المنكر القسامة لم تجب عليه الدّية ، لإسقاط الدّعوى عنه بالأيمان ، ولو لم يحلف المدّعون ولم يرضوا بيمين المدّعى عليه ، فالأقرب سقوط حقّهم ، ويحتمل الفداء من بيت المال ، وقد رواه الشيخ في الصّحيح عن ابن أذينة عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القسامة ، فقال :

«هي حقّ ، انّ رجلا من الأنصار وجد قتيلا في قليب من قلب اليهود ، فاتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله إنّا وجدنا رجلا منّا قتيلا في قليب من قلب اليهود ، فقال : ائتوني بشاهدين من غيركم ، فقالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لنا شاهدان من غيرنا ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم ، قالوا يا رسول الله : كيف نقسم على ما لم نره؟ قال : فيقسم اليهود ، قالوا : يا رسول الله وكيف نرضى باليهود وما فيهم من الشّرك أعظم ، فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». (١)

وعلى هذا أعمل ، لكثرة الروايات المعتمدة به (٢).

ولو تعذّر فداؤه من بيت المال ، لم يجب على المدّعى عليه شي‌ء.

ولو امتنع المدّعى عليهم من اليمين ، لم يحبسوا حتّى يحلفوا ، بل تثبت الدعوى عليهم ، ويثبت القصاص إن كان القتل عمدا ، والدّية إن كان خطأ.

__________________

(١) التهذيب : ١٠ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ، رقم الحديث ٦٦٢ ـ باب البيّنات على القتل ـ ولاحظ الوسائل : ١٩ / ١١٧ ، الباب ١٠ من أبواب دعوى القتل ، الحديث ٣.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٩ / ١١٦ ، الباب ١٠ من أبواب دعوى القتل ، أحاديث الباب.

٤٨٢

٧١٠٧. التاسع : تثبت القسامة في الأعضاء ، كما تثبت في النّفس مع اللّوث ، وفي قدرها هنا خلاف ، قيل (١) : يثبت ستّة أيمان فيما فيه من الدية ، وإن قصر عن الدّية سقط من السّت بالنّسبة ، ففي اليد الواحدة ثلاث أيمان ، ولو كان العضو أقلّ من السّدس كالإصبع ، وجبت يمين واحدة.

وقيل : إن كان فيه الدّية وجبت خمسون كالنّفس ، وإن قصر عن الدّية فبالنسبة (٢) من الخمسين (٣) وهو أحوط.

٧١٠٨. العاشر : يشترط في القسامة ذكر القاتل والمقتول ، والرّفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال ، وتخصيص القتل بالانفراد أو التشريك ، ونوعه ، من كونه عمدا أو خطأ أو شبيه عمد ، وإن كان من أهل الإعراب كلّف البيان به ، وإلّا كفاه ما يعرف به قصده.

ولا يشترط في القسامة أن يقول في اليمين : إنّ النيّة نيّة المدّعي (٤) خلافا لقوم (٥).

ولو ادّعى على اثنين أنّهما تعمّدا ، أقسم وثبت القود عليهما ، وكذا لو أقسم على أكثر من اثنين ، ويستحقّ بها قتل الجماعة ، وتكفي القسامة الواحدة عليهما.

__________________

(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٧ / ٢٢٣ ؛ النهاية : ٧٤١ ـ ٧٤٢ ؛ الخلاف : ٥ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ، المسألة ١٢ من كتاب القسامة.

(٢) في «ب» : فالنّسبة.

(٣) ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٧٢٨ وعن كتاب النساء كما في الجواهر : ٤٢ / ٢٥٤ ؛ والحلّي في السرائر : ٣ / ٣٤٠.

(٤) في «ب» : ولا يشترط في القسامة انّ النيّة نيّة المدّعي.

(٥) لاحظ المبسوط : ٧ / ٢٣٨. وفيه «والنيّة في اليمين نيّة الحاكم» والجواهر : ٤٢ / ٢٦٤.

٤٨٣

ولو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث ، حلف خمسين يمينا ، وتثبت دعواه على ذي اللّوث ، وكان على الاخر يمين واحدة ، كالدّعوى في غير الدّم ، فإن قتل ذا اللّوث ردّ عليه نصف الدّية (١).

٧١٠٩. الحادي عشر : يستحبّ الاستظهار في أيمان القسامة باللّفظ ، فيقول :

والله الّذي لا إله إلّا هو ، عالم الغيب والشهادة ، الرّحمن الرّحيم ، الطالب ، الغالب ، الضّارّ ، النافع إنّ هذا قتل أبي.

ولو أتى بغير ذلك من ألفاظ التأكيد جاز ، ولو اقتصر على لفظة «والله» أو «بالله» أو «تالله» أجزأه ، ولو رفعه ولحن أجزأ ، لعدم تغيّر المعنى به.

وينبغي للحاكم وعظ الحالف وتخويفه.

الطرف الثالث : في الحالف

وفيه ستّة مباحث :

٧١١٠. الأوّل : يحلف القسامة كلّ من يستحقّ الدّية أو القصاص ، أو يدفع أحدهما عنه ، أو قوم أحدهما معه ، مع كماله وعلمه بما يحلف عليه ، فلا قسامة للأجنبيّ بالأصالة ، نعم لو أحضر المدّعي مع اللّوث من قومه خمسين رجلا ، حلف كلّ واحد يمينا يثبت القتل ويستحقّ الوليّ القصاص دون باقي القسامة ، وكذا في طرف المنكر ، يحلف هو أو هو ومن يقوم معه من قومه ، مع إثبات التّهمة عليه القسامة.

__________________

(١) عملا باعترافه بالشركة.

٤٨٤

٧١١١. الثّاني : لا يجوز للمدّعي ولا لقومه الحلف إلّا مع العلم ، ولا يكفي الظّنّ في ذلك وإن كان غالبا (١) يقارب اليقين.

٧١١٢. الثّالث : لا يقسم الصّبي ولا الغائب إذا لم يحصل له العلم ، ولا المجنون ، وتحلف المرأة ، ولو كان أحد الوليّين صبيّا أو غائبا ، حلف الحاضر البالغ على قدر نصيبه ، واستوفى الدّية إن اتّفقا عليها ، أو كانت الدّعوى بالخطإ وإن لم يتّفق الخصمان على الدّية ، وكان القتل عمدا ، كان له القصاص أيضا إذا دفع نصيب الغائب أو الصّبي من الدية.

٧١١٣. الرابع : للمسلم القسامة على الكافر إجماعا ، وهل يثبت للكافر على المسلم القسامة؟ قال الشيخ رحمه‌الله : الأقوى ذلك ، لعموم الأخبار ، غير أنّه لا يثبت بذلك قصاص بل الدّية (٢) ، فإذا ادّعى الكافر على المسلم قتل أبيه الكافر ، وثبت اللّوث ، كان للكافر أن يحلف القسامة ويأخذ الدية ، ولو كان المقتول مسلما والوارث كافرا ، لم يرثه عندنا ، وكان ميراثه للإمام ، وليس للإمام أن يحلف القسامة ، ولو قيل بالمنع من قسامة الكافر على المسلم ، كان وجها.

٧١١٤. الخامس : لمولى العبد أن يقسم مع اللّوث ، وإن كان المدّعى عليه حرّا ، وتثبت الدّية لا القود إن كان الجاني حرّا.

وللمكاتب أن يقسم على عبده كالحرّ ، فإن عجز قبل الحلف والنكول ، حلف السّيد ، وإن كان بعد النكول لم يحلف ، كما لا يحلف الوارث بعد نكول المورّث (٣).

__________________

(١) في «أ» : «عاليا» ولعلّه مصحّف.

(٢) المبسوط : ٧ / ٢١٦.

(٣) في «أ» : الموروث.

٤٨٥

ولو قتل عبد إنسان ، فأوصى بقيمته لأمّ ولده ومات ، فللورثة أن يقسموا وإن كانت القيمة للمستولدة ، لأنّ لهم حظّا في تنفيذ الوصيّة ، كما لو أقام الوارث شاهدا بدين لمورّثه ، مع ثبوت دين عليه مستوعب ، فإنّ اليمين على الوارث ، ويأخذ صاحب الدّين ، وكذا هنا فإن نكلوا ، قوّى الشيخ عدم إحلاف أمّ الولد ، (١) كما لا يحلف صاحب الدّين هناك.

٧١١٥. السّادس : إذا ارتدّ الوليّ منع القسامة ، قال الشيخ رحمه‌الله : لئلّا يقدم على اليمين الكاذبة ، كإقدامه على الرّدّة فان خالف وأقسم في الرّدّة قال : يقع موقعها ، لعموم الاخبار ، وقال شاذّ من الجمهور فلا يقع موقعها ، لأنّه ليس من أهل القسّامة ، قال : وهو غلط ، لأنّه نوع من الاكتساب ، والمرتدّ لا يمنع من الاكتساب في مهلة الاستتابة (٢) وهو يشكل بما أنّ الارتداد يمنع الإرث ، فيخرج عن الولاية ، فلا قسامة.

ولو كان الارتداد قبل القتل ، لم يقسم ، فان عاد وارثه إلى الإسلام ورث إن كان قبل القسمة ، وإلّا فلا.

ولو كان الارتداد عن فطرة ، لم يكن له أن يقسم ، لخروجه عن أهليّة التملك.

وإذا كان عن غير فطرة ، فحلف القسامة حال ردّته على ما اختاره الشيخ رحمه‌الله ، استحقّ الدية ، ووقف الحال ، فإن قتل بردّته ، انتقلت إلى ورثته المسلمين ، وإن عاد ملكها.

وإذا قتل من لا وارث له ، فلا قسامة إذ إحلاف الإمام غير ممكن.

__________________

(١) المبسوط : ٧ / ٢١٨.

(٢) المبسوط : ٧ / ٢٢٠.

٤٨٦

الطّرف الرّابع : في الأحكام

وفيه خمسة مباحث :

٧١١٦. الأوّل : إذا ثبت اللّوث وحلف المدّعي القسامة ، فإن كان القتل عمدا وجب القصاص ، سواء كان المدّعى عليه واحدا أو أكثر ، ويقتل الجميع بعد ردّ فاضل نصيبهم من الديات ، وإن كان القتل خطأ ، تثبت الدّية على القاتل لا على العاقلة ، فإنّ العاقلة إنّما يضمن الدّية مع البيّنة ، لا مع القسامة.

٧١١٧. الثاني : لو قال الوليّ بعد القسامة غلطت في حقّ هذا المنكر ، والقاتل غيره ، بطلت القسامة ولزمه ردّ ما أخذ بيمينه ، وإن قال : ما أخذته حرام ، سئل عن معناه ، فإن فسّر بكذبه في الدّعوى عليه ، بطلت قسامته ، وردّ المال ، وإن فسّر بأنّه حنفيّ لا يرى اليمين في طرف المدّعي لم تبطل القسامة ، لأنّها تثبت باجتهاد الحاكم ، فيقدم على اعتقاده ، وإن فسّر بأنّ المال مغصوب ، وعيّن المالك ألزم بالدّفع إليه ، وليس له رجوع على الغريم ، وإن لم يعيّن اقرّ في يده.

٧١١٨. الثالث : لو استوفى بالقسامة ، فقال آخر : أنا قتلته منفردا ، قال في الخلاف : تخيّر بين ردّ المال والرّجوع على المقرّ ، وبين البقاء على القسامة (١) وفي المبسوط : ليس له ذلك ، لأنّه لا يقسم إلّا مع العلم (٢) وهو أجود ولو قيل : إن

__________________

(١) الخلاف : ٥ / ٣١٥ ، المسألة ١٦ من كتاب القسامة.

(٢) المبسوط : ٧ / ٢٤٢.

٤٨٧

كذّبه الوليّ لم تبطل القسامة ، ولم يلزم المقرّ شي‌ء ، لأنّه يقرّ لمن يكذّبه ، وإن صدّقه ردّ ما أخذه ، وبطلت دعواه على الأوّل ، لأنّه يجري مجرى الإقرار ببطلان الدّعوى ، وليس له مطالبة المقرّ ، كان وجها.

٧١١٩. الرابع : إذا امتنع المدّعي من القسامة مع اللّوث ، أحلف المنكر القسامة ، فإن نكل ألزم الدّعوى ، قصاصا كان أو دية ، ولو حلف مع اللّوث واستوفى الدّية ، فشهد اثنان أنّ المدّعى عليه كان غائبا حال القتل غيبة يمتنع معها القتل ، بطلت القسامة واستعيدت الدّية.

٧١٢٠. الخامس : لو اتّهم بالقتل ، وقام اللّوث ، حبس إذا طلب الوليّ ذلك حتّى يحضر بيّنته ، لرواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام :

«انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبس في تهمة الدّم ستّة أيّام ، فإن جاء الأولياء بالبيّنة ، وإلا خلّى سبيله». (١)

__________________

(١) الوسائل : ١٩ / ١٢١ ، الباب ١٢ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، الحديث ١. وفي المصدر فإن جاء اولياء المقتول ثبتت ، ...

٤٨٨

المطلب الرابع : في كيفيّة الاستيفاء

وفيه اثنان وعشرون بحثا :

٧١٢١. الأوّل : الواجب بقتل العمد العدوان القصاص لا الدّية ، ولا أحد الأمرين ، فلو عفا الوليّ على مال لم يسقط القود ، ثمّ إن رضي الجاني تثبت الدّية وإلّا فلا.

ولو عفا ولم يشترط المال ، سقط القصاص ، ولا دية له ، وإذا طلب الوليّ الدّية ، فإن اختار الجاني دفعها جاز ، وإلّا لم يجب عليه سوى بذل نفسه ، فإن بذل القود لم يكن للوليّ مطالبته بشي‌ء.

ولو بذل الجاني الدّية ، لم يجب على الوليّ القبول ، فإن فادى نفسه بأضعاف الدّية لم يجب أيضا ، فان رضى بالزائد على الدّية واتّفقا عليه جاز.

٧١٢٢. الثاني : إنّما يجب القصاص في النّفس مع تيقّن التلف بالجناية ، فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية دون النفس.

ولا يقتصّ إلّا بالسّيف ، ويعتبر لئلّا يكون مسموما ، خصوصا في [قصاص] الطّرف ، فان اقتصّ في الطّرف بالمسموم ، وجنى السّم ، ضمن المقتصّ.

ولا يقتصّ بالآلة الكالّة ، لئلّا يتعذّب ، فإن فعل أساء ولا شي‌ء عليه.

٤٨٩

ولا يجوز للوليّ التّمثيل بالجاني ، ولا قتله بغير ضرب العنق بالسّيف وإن كان هو قد فعل غير ذلك من التّغريق والتّحريق والرّضخ والقتل بالمثقّل.

٧١٢٣. الثالث : لو قطع أعضاءه ثمّ ضرب عنقه ، فقولان ، أشبههما أنّه إن فرقّ ذلك بأن ضربه فقطع عضوا ، ثمّ ضربه فقتله ، فعل به ذلك ، وقيل : يدخل قصاص الطّرف في قصاص النفس (١) ، وإن فرّقه فعل ما اخترناه ، ثمّ اقتصّ الوليّ في العضو فمات الجاني بذلك ، وقع ذلك قصاصا عن النّفس ، وإن مات بغير ذلك ، كان حكمه حكم الجاني إذا مات قبل استيفاء القصاص منه.

ولو اختار الوليّ الاقتصار على ضرب العنق ، فله ذلك ، وإن قطع اعضاءه الّتي قطعها أو بعضها ثم عفا عن قتله إلى الدّية ، فليس له ذلك ، لأنّ جميع ما فعله بوليّه لا يستحقّ به سوى دية واحدة ، لأنّ دية الطّرف تدخل في دية النفس إجماعا ، وإن بقى من الدّية شي‌ء بعد قطع البعض ، كان له استيفاؤه ، وإن قطع ما يجب به أكثر من الدّية ، ثمّ عفا ، احتمل الرّجوع عليه بالزّيادة ، لأنّه لا يستحقّ أكثر من الدّية (٢) واحتمل عدمه ، لأنّه فعل بعض ما فعل بوليّه ، وعلى القول بدخول قصاص الطّرف في النّفس لو فعل بالجاني كما فعل بوليّه أساء ولا شي‌ء عليه.

٧١٢٤. الرابع : لا يضمن المقتصّ سراية القصاص ، سواء سرت إلى النّفس أو غيرها ، بأن اقتصّ من إصبع فسرت إلى الكفّ ، إلّا أن يتعدّى ، فإن اعترف به عمدا ، اقتصّ منه في الزّائد.

وإن قال : أخطأت أخذت منه دية الزّيادة ، والقول قوله لو تخالفا في العمد

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٧ / ٢٢ ؛ والخلاف : ٥ / ١٦٣ ، المسألة ٢٣ من كتاب الجنايات.

(٢) في «أ» : لأكثر من الدّية.

٤٩٠

مع اليمين ، لأنّه أبصر بنيّته ، وكلّ من يجري القصاص بينهم في النّفس يجري في الطّرف ، ومن لا يقتص له في النّفس لا يقتصّ له في الطّرف.

٧١٢٥. الخامس : لو تعدّى المقتصّ بأن جرحه موضحة ، وكان يستحقّ باضعة ، فعليه ضمان الزائد ، فإن ادّعى انّ الزّيادة حصلت باضطراب الجاني أو بشي‌ء من جهته ، فالقول قوله ، لاحتمال ذلك ، وهو المنكر.

ولو اعترف بالتعدّي ثمّ سرى الاستيفاء الّذي حصل فيه الزيادة ، فعليه نصف الدّية إن أخطأ ، وإن تعمّد اقتصّ منه بعد ردّ نصف الدّية عليه ، لأنّ السّراية حصلت من فعلين مباح ومحرّم.

ولو قتل الجاني بالسّيف ، فزاد المقتصّ بالقصاص ، بأن قطع أعضاءه أو بعضها ، فإن عفا [المستوفي] بعد ذلك أو قتل ، احتمل الضّمان في الطّرف ، لأنّه قطعه بغير حقّ ، فوجب ضمانه ، كما لو عفا ثمّ قطعه ، وعدمه ، لأنّه قطع طرفا من جملة يستحقّ إتلافها ، فلم يضمنه (١) ، كما لو قطع إصبعا من يد يستحقّ قطعها.

٧١٢٦. السّادس : مستحقّ القصاص إن كان واحدا ، كان له المبادرة إلى الاستيفاء ، وهل يحرم من دون إذن الإمام؟ الأولى الكراهية ، فله الاستيفاء بدون إذنه ، وقيل (٢) : يحرم ويعزّر لو بادر ، وتتأكّد الكراهية في الطّرف.

وينبغي للإمام إحضار شاهدين على الاستيفاء ، لئلّا يجحد المجنيّ عليه الاستيفاء ، ويعتبر الآلة (٣) لئلّا تكون كالّة أو مسمومة.

__________________

(١) في «أ» : فلا يضمنه.

(٢) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٧ / ١٠٠.

(٣) أي يلاحظ الإمام الآلة الّتي يستوفى بها.

٤٩١

وللوليّ الاستيفاء بنفسه إن اختاره ، وإن لم يحسن أمره [الإمام] بالتوكيل فيه ، فإن تعذّر إلّا بعوض ، كان العوض من بيت المال ، فإن لم يكن ، أو كان هناك ما هو أهمّ منه ، كانت الأجرة على الجاني ، لأنّ عليه إيفاء الحقّ فصار كأجرة الكيّال ، ويحتمل وجوبها على المقتصّ ، لأنّه وكيله فكانت الأجرة على موكّله ، كغيره ، والّذي على الجاني التمكين دون الفعل ، ولهذا لو أراد أن يقتصّ من نفسه لم يمكّن منه.

ولو قال الجاني : أنا أقتصّ لك من نفسي ، لم يجب تمكينه ، وهل يجوز [له ذلك]؟ يحتمل المنع ، لقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) ولأنّ معنى القصاص أن يفعل به كما فعل.

٧١٢٧. السّابع : مستحقّ القصاص إن كان أكثر من واحد ، لم يجز الاستيفاء إلّا بعد الاجتماع ، إمّا بالوكالة لأجنبيّ أو لأحدهم ، أو بالإذن ، فإن بادر واقتصّ أساء ، وضمن حصص الباقين من الدّية ، ولا قصاص عليه ، ولم يجز أن يتولّاه جميعهم لما فيه من التّعذيب.

وقال الشيخ رحمه‌الله : يجوز لكلّ منهم المبادرة إلى الاستيفاء ، ولا يتوقّف على إذن الاخر ، لكن يضمن السّابق حصص من لم يأذن. (٢)

٧١٢٨. الثامن : يستحقّ القصاص ويرثه كلّ من يرث المال ، عدا الزوج والزّوجة ، فإنّهما لا يستحقّان في القصاص شيئا ، نعم لهما نصيبهما من الدّية ، إن كان القتل خطأ ، وكذا إن كان عمدا ورضي الورثة بالدّية ، وإلّا فلا شي‌ء لهما.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) المبسوط : ٧ / ٥٤.

٤٩٢

وقيل : يرث القصاص العصبة دون من يتقرّب بالأمّ من الإخوة والأخوات والأخوال والأجداد من قبلهما.

وليس للنساء عفو ولا دية (١) والأقرب ما قلناه أوّلا ، وكذا يرث الدّية من يرث المال ، والبحث فيه كالأوّل ، إلّا أنّ للزّوج والزوجة نصيبهما منها على التقديرات.

٧١٢٩. التاسع : لو كان بعض الأولياء غائبا أو صبيّا ، قال الشيخ رحمه‌الله : للحاضر البالغ استيفاء القصاص بعد ضمان حصص الغائبين والصّغار من الدّية ، ثمّ قال : لو كان للصّغير أب أو جدّ له ، لم يكن لوليّه استيفاء القصاص حتّى يبلغ ، سواء كان القصاص في النّفس أو الطّرف ـ ولو قيل : له الاستيفاء كان حسنا ـ ثم قال : ويحبس القاتل حتّى يبلغ الصبيّ أو يفيق المجنون. (٢)

٧١٣٠. العاشر : لو اختار أحد الأولياء القصاص والباقي الدّية ، فإن دفعها القاتل مختارا جاز ، وهل يسقط القود؟ المشهور عدم السّقوط. وفي رواية : أنّه يسقط (٣) والوجه الأوّل ، فنقول : لطالب القصاص القود بعد أن يردّ على الجاني نصيب من فاداه ، ولو لم يردّ الجاني على طالب الدّية شيئا ، ردّ طالب القود على طالب الدّية نصيبه منها واقتصّ.

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٧٣٥. ولاحظ المبسوط : ٧ / ٥٤ ؛ والاستبصار : ٤ / ٢٦٤ ، الباب ١٥٣ إنّه ليس للنساء عفو ولا قود ، الحديث ١ ، ولمزيد الاطّلاع حول الأقوال في المسألة يلاحظ المختلف : ٩ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧.

(٢) المبسوط : ٧ / ٥٤ ـ ٥٥. ولاحظ الخلاف : ٥ / ١٧٩ ، المسألة ٤٣ من كتاب الجنايات.

(٣) والرواية الدّالة على سقوط القود بعفو البعض متعدّدة وكأنّه رحمه‌الله أراد بها الجنس لاحظ الوسائل : ١٩ / ٨٥ ، الباب ٥٤ من أبواب القصاص في النّفس.

٤٩٣

ولو عفا البعض عن القصاص والدّية ، كان للباقين القود بعد أن يردّوا نصيب العافي على القاتل.

٧١٣١. الحادي عشر : لو قتله أحد الأولياء من غير إذن الباقين أساء وضمن ، وهل يرجع الباقي على المقتصّ أو على تركة الجاني بنصيبهم؟ فيه احتمال ، من حيث إنّ المقتصّ أتلف محلّ حقّه ، فله الرّجوع بالعوض ، كما لو أتلف الوديعة.

ومن حيث إنّ محلّ القود تلف فيرجع في تركته بالدّية ، كما لو عفا شريكه عن القصاص ، بخلاف الوديعة ، فإنّها ملك لهما ، والجاني ليس ملكا [للمجنيّ عليه] ، وإنّما له عليه حقّ ، فأشبه ما لو قتل غريمه.

فعلى هذا يرجع على ورثة الجاني ، ويرجع ورثة الجاني على قاتله بديته إلّا قدر حقّه.

إذا ثبت هذا فلو كان الجاني أقلّ دية من قاتله ، كامرأة قتلت رجلا ، له ابنان ، فقتلها أحدهما بغير إذن الاخر ، فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة ، ويرجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها (١).

وعلى الأوّل يرجع الولد [الّذي لم يقتل] على أخيه بنصف دية المرأة ، لأنّه القدر الّذي فوّته على أخيه ، ولا يرجع على ورثة المرأة بشي‌ء ، لأنّ أخاه أتلف جميع الحقّ.

وعلى الأوّل (٢) لو أبرأ شريكه صحّ الإبراء ، ولم يكن لورثة الجاني الرّجوع عليه بشي‌ء.

__________________

(١) وهو ربع دية الرّجل.

(٢) أي من ثمرات الرّجوع إلى الأخ الّذي قتل الجاني ، أنّه لو أبرأ ...

٤٩٤

وعلى الثاني (١) لو أبرأ ورثة الجاني صحّ ، وملكوا الرّجوع على الشريك بنصيب العافي.

٧١٣٢. الثاني عشر : عفو أحد الأولياء لا يسقط القصاص ، وللباقين القود بعد ردّ نصيب من عفا إلى الجاني ، ولا قصاص عليه ، وإن حكم الحاكم بعدم القصاص.

نعم لو كان القاتل هو العافي وجب عليه القصاص ، سواء عفا مطلقا أو على مال ورضى به الجاني ، وإذا عفا عن القاتل سقط عنه القصاص والقود ، ولا يحبس سنة ، ولا يضرب.

وإذا أقرّ أحد الوليّين انّ شريكه عفا على مال ، لم ينفذ إقراره في حقّ شريكه ، ولا يسقط حقّ أحدهما من القود ، وللمقرّ أن يقتل لكن بعد ردّ نصيب شريكه من الدّية ، فإن صدّقه الشريك ، فالرّدّ له ، وإلّا كان للجاني ، وحقّ الشريك من القصاص باق على حاله.

ولو قتل الأب والأجنبيّ الولد ، فعلى الأجنبيّ القود دون الأب ، ويردّ الأب عليه نصف الدية ، وكذا العامد مع الخاطئ ، والمسلم مع الذّمّي في [قتل] الذّمّي.

وشريك السّبع يقتصّ منه بعد ردّ نصف الدّية على الجاني.

٧١٣٣. الثّالث عشر : المحجور عليه للفلس أو السّفه يستحقّ استيفاء القصاص ، ولو عفا على مال ورضي القاتل ، صحّ وقسّم المال على الغرماء ، ولو اختار القصاص لم يكن للغرماء منعه.

ولوارث المفلّس استيفاء القصاص ، فإن أخذ الدّية صرفت في الدّيون والوصايا.

__________________

(١) أي من ثمرات الرّجوع إلى تركة الجاني وورثته.

٤٩٥

وهل للوارث استيفاء القصاص من دون ضمان ما عليه من الدّيون؟ الوجه ذلك ، للآية (١) وقيل : (٢) لا للرّواية (٣).

ولو صالح المفلّس أو السّفيه قاتل العمد على أقلّ من الدّية ، فالوجه الجواز.

ولو عفا المريض على غير مال أو على أقلّ من الدّية صحّ ، سواء خرج من الثلث أو لا ، لأنّ الواجب القصاص عينا ، أمّا لو كان القتل خطأ ، فالوجه اعتبار الثلث.

ولو قتل من لا وارث له ، كان وارثه الإمام ، فله العفو على مال واستيفاء القصاص ، وهل له العفو من غير شي‌ء؟ قيل : لا (٤).

وليس لوليّ الطّفل العفو على غير مال ، وهل يجوز له العفو إلى مال مع كفاية الصّبي؟ الوجه الجواز ، ويحتمل المنع ، لما فيه من تفويت حقّه من غير حاجة.

ولوليّ المجنون العفو على مال لا مطلقا.

ولكلّ من الوليّين استيفاء القصاص وإن بذل الجاني الدّية ، ولو كان الأصلح أخذ الدّية فبذلها الجاني ، ففي منع الوليّ من القصاص إشكال.

__________________

(١) اشارة إلى قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) الإسراء : ٣٣ ، وقوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) المائدة : ٤٥.

(٢) القائل هو الشيخ في النهاية : ٣٠٩ ، باب قضاء الدين من الميّت.

(٣) الوسائل : ١٣ / ١١٢ ، الباب ٢٤ من أبواب الدّين والقرض ، الحديث ٢.

(٤) القائل هو الشيخ في النهاية : ٧٣٩.

٤٩٦

٧١٣٤. الرّابع عشر : لو قتل جماعة على التّعاقب ، فلوليّ كلّ واحد القود ، ولا يتعلّق حقّ بعضهم ببعض ، فإن سبق الأوّل إلى القتل ، استوفى حقّه وسقط حقّ الباقين لا إلى بدل ، وإن بادر المتأخّر فقتله ، أساء وسقط حقّ الباقين ، ويشكل بتساوي الجميع في سبب الاستحقاق ، ولو قيل : إن اتّفق الوليّان على قتله قتل بهما.

ولو أراد أحدهما القود والاخر الدّية ، احتمل وجوب القود لطالبه ، وأخذ الدّية من التّركة ، سواء كان مختار القود الثاني أو الأوّل ، وسواء قتلهما دفعة أو على التّعاقب ، ولو بادر أحدهما إلى قتله استوفي ، وللآخر الدّية في ماله كان وجها.

فلو طلب كلّ وليّ قتله بوليّه مستقلّا من غير مشاركة ، قدّم الأوّل لسبق حقّه ، فإن عفا ولي الأوّل فلوليّ الثاني القتل فإن طلب وليّ الثاني القتل ، أعلم الحاكم وليّ الأوّل.

فإن سبق الثّاني فقتل ، أساء واستوفى حقّه ، ولوليّ الأوّل الدّية.

وإن عفا الأولياء إلى الدّيات ورضي القاتل صحّ ، ولو قتلهم دفعة أقرع في المتقدّم في الاستيفاء ، وكان للباقين الدّية.

٧١٣٥. الخامس عشر : يصحّ التوكيل في استيفاء القصاص ، فإن وكلّ ثمّ غاب وعفا عن القصاص بعد استيفاء الوكيل ، بطل العفو ، وإن كان قبله ، وعلم الوكيل ، اقتصّ من الوكيل ، ولو لم يعلم الوكيل فلا قصاص ، لانتفاء العدوان ، وعلى الوكيل الدّية ، لأنّه باشر قتل من لا يستحقّ قتله ، ويرجع بها على الموكّل ، لأنّه غارّ ، أمّا لو كان العفو إلى الدّية ، فلا ضمان على الوكيل ، لأنّها لا تثبت إلّا صلحا.

٤٩٧

ولو بذلها الجاني ولم يعلم الوكيل واقتصّ ، أخذت الدّية من الوكيل لورثة الجاني ، ورجع الموكّل على ورثة الجاني بالدّية ، ورجع الوكيل على الموكّل بما أدّاه ، وتظهر فائدة أخذ الورثة من الوكيل ثمّ دفعهم إلى الموكّل ثمّ دفع الموكّل إلى الوكيل فيما إذا كان أحد المقتولين رجلا والاخر امرأة ، فيأخذ ورثة الجاني ديته من الوكيل ، ويدفعون إلى الموكّل دية وليّه ، ثمّ يردّ الموكّل إلى الوكيل قدر ما غرمه.

ولو وكّله في استيفاء القصاص ، ثمّ عزله قبل القصاص ، ثمّ استوفى ، فإن كان الوكيل قد علم بالعزل ، فعليه القصاص لورثة الجاني ، وللموكّل الرجوع على الورثة بدية وليّه ، ولو لم يعلم فلا قصاص ولا دية ، لبطلان العزل إن قلنا إنّ الوكيل إنّما ينعزل بالإعلام ، وإن قلنا إنّه ينعزل بالعزل فإن لم يعلم ، فلا قصاص على الوكيل ، ويغرم الدّية لمباشرته الإتلاف ، ويرجع بها على الموكّل ، ويرجع الموكّل على الورثة.

٧١٣٦. السّادس عشر : لو قطع يدا فعفا المقطوع ، ثمّ قتله القاطع ، فللوليّ القصاص في النّفس بعد ردّ دية اليد ، وكذا لو قتل مقطوع اليد ، قتل بعد ردّ دية اليد عليه إن كان المجنيّ عليه أخذ ديتها ، أو قطعت في قصاص ، وإن كانت قطعت من غير جناية ، ولا أخذ لها دية ، قتل القاتل من غير ردّ ، وكذا لو قطع كفّا بغير أصابع ، قطعت كفّه بعد ردّ دية الأصابع.

ولو اقتصّ الوليّ من القاتل ، وتركه ظانّا موته ، وكان به رمق ، فعالج نفسه وبرئ ، فالأقرب أنّه إن كان قد ضربه بما ليس له الاقتصاص به [كالعصا] ، لم يكن له القصاص في النّفس حتّى يقتصّ منه في الجراحة ، وإلّا كان له قتله ، كما

٤٩٨

لو ضربه في عنقه وظنّ الإبانة ، فظهر خلافها ، فله القصاص ، ولا يقتصّ منه ، لأنّ فعله جائز.

٧١٣٧. السّابع عشر : لو قطع يد رجل ثمّ قتل آخر ، قطعنا يده أوّلا ، ثمّ قتلناه بالثّاني ، وكذا لو بدأ بالقتل ثم بالقطع ، توسّلا إلى استيفاء الحقّين.

ولو سرى القطع في المجنيّ عليه قبل القصاص ، تساويا في استحقاق القتل ، وصار كما لو قتلهما ، وقد سبق حكمه.

أمّا لو سرى بعد قطع يده قصاصا ، كان للوليّ أخذ نصف الدّية من تركة الجاني ، لأنّ قطع اليد بدل عن نصف الدّية ، وقيل : لا يجب شي‌ء ، لأنّ دية العمد إنّما تثبت صلحا. (١) والأقرب عندي أنّه يرجع بالدّية أجمع ، لأنّ للنّفس دية على انفرادها ، والّذي استوفاه وقع قصاصا ، فلا يتداخل.

ولو قطع يدي آخر فاقتصّ ، ثمّ سرت جراحة المجنيّ عليه ، فلوليّه القصاص في النّفس.

ولو قطع يهوديّ يد مسلم ، فاقتصّ المسلم ثمّ سرت جراحة المسلم ، فلوليّه قتل الذّمّي ، ولو طلب الدّية ، كان له دية المسلم ، وهل يسقط منها دية يد الذّمّي قيل : نعم. (٢) والوجه ما قلناه.

ولو قطعت امرأة يد رجل فاقتصّ ، ثم سرت جراحته ، فلوليّه القصاص ، ولو طلب الدّية ، فله دية كاملة على ما اخترناه ، وقيل : ثلاثة أرباع الدية ، (٣) ولو

__________________

(١) لاحظ الأقوال حول المسألة في الجواهر : ٤٢ / ٢٢٦ والمسالك : ١٥ / ٢٥٧.

(٢) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٧ / ٦٤.

(٣) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٧ / ٦٤ والمحقّق في الشرائع : ٤ / ٢٣٢.

٤٩٩

قطعت يده ورجله فاقتصّ ، ثم سرت جراحاته ، فلوليّه القصاص في النّفس ، وهل له الدّية؟ قيل (١) : لا لأنّه استوفى ما يقوم مقام الدّية. والوجه أنّ له ذلك لما تقدّم.

ولو قطع يد رجل فاقتصّ ، ثمّ مات المجني عليه بالسّراية ، ثمّ الجاني بها ، وقع القصاص بالسّراية من الجاني موقعه ، وكذا لو قطع يده ثمّ قتله ، فقطع الوليّ يد الجاني ثمّ سرت إلى نفسه ، ولو سرى القطع إلى الجاني أوّلا ، ثمّ سرى قطع المجنيّ عليه ، لم يقع سراية الجاني قصاصا ، لأنّها حصلت قبل سراية المجنّي عليه هدرا.

ولو هلك قاتل العمد سقط القصاص ، وهل تسقط الدّية؟ قال في المبسوط : نعم (٢) وتردّد في الخلاف (٣) ، وفي رواية أبي بصير : إذا هرب فلم يقدر عليه حتّى مات ، أخذت [الدّية] من ماله ، وإلّا فمن الأقرب فالأقرب. (٤)

٧١٣٨. الثّامن عشر : لا يقتصّ من الحامل حتّى تضع ، ولو تجدّد الحمل بعد الجناية ، فإن ادّعت الحمل وشهدت لها القوابل ، ثبت ، وإن تجرّدت دعواها ، قيل : لا يلتفت إليها ، لأنّها تدفع بذلك السّلطان بالقتل (٥) ، فالأحوط العمل بقولها ، فإن ظهر الكذب اقتصّ منها ، وإلّا صبر حتّى تضع.

__________________

(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٧ / ٦٥ ؛ والمحقّق في الشرائع : ٤ / ٢٣٢.

(٢) المبسوط : ٧ / ٦٥.

(٣) الخلاف : ٥ / ١٨٤ ، المسألة ٥٠ من كتاب الجنايات.

(٤) الوسائل : ١٩ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، الباب ٤ من أبواب العاقلة ، الحديث ١.

(٥) لاحظ المبسوط : ٧ / ٥٩ ؛ والجواهر : ٤٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

٥٠٠