تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

ولو كانت في يد أحد البائعين وتساوت البيّنتان عدالة وعددا ، أقرع بينهما ، ويحلف الخارج بالقرعة ويحكم له ، فإن نكل أحلف الاخر ، ولو نكالا قسّم المبيع بينهما ، ورجع كلّ منهما على بائعه بنصف الثمن ، ولهما الفسخ والرجوع بالثمنين.

ولو فسخ أحدهما جاز ، ولم يكن للآخر أخذ الجميع ، لأنّ النصف الاخر لم يرجع إلى بائعه.

ولو ادّعى كلّ واحد منهما أنّه اشترى العين من بائعه ، وأنّها ملكه ، وأقاما البيّنتين بذلك ، وتساويا عدالة وعددا ، أقرع بينهما ، وحكم لمن تخرجه القرعة بعد يمينه ، فإن نكل أحلف الاخر ، ولو نكالا قسّمت العين بينهما ، وليس لأحدهما الرجوع على بائعه بشي‌ء إن كانا قد اعترفا بقبض السلعة من البائع ، لاعترافه بسقوط الضمان عن البائع.

ولو ادّعى كلّ واحد من الاثنين على المتشبّث بأنّه غصب العين منه ، وأقاما بيّنة ، فإن اتّفقتا في التاريخ ، أو كانتا مطلقتين ، أو إحداهما ، تعارضتا ، وإن تقدّم تاريخ إحداهما ، فالأقرب الترجيح بالسبق.

ولو شهدت البيّنة بأنّه أقرّ بغصبه من كلّ واحد منهما ، لزمه دفعه إلى الّذي أقرّ له به أوّلا ، ويغرم قيمته للآخر.

٦٥٥٨. الثالث : لو ادّعى اثنان أنّ زيدا اشترى من كلّ منهما العين الّتي في يده ، وأقاما بيّنة ، فان اعترف لأحدهما ، قضي عليه بالثمن ، وكذا إن اعترف لهما ، قضي عليه بالثمنين.

ولو أنكر ، فإن كان التاريخ مختلفا أو مطلقا أو كان أحدهما مطلقا والاخر

٢٠١

معيّنا ، ثبت العقدان ، ولزمه الثمنان ، لإمكان أن يشتري من أحدهما ثمّ يملكها الاخر فيشتريها منه ، ومهما أمكن الجمع بين البيّنتين وجب ، بخلاف ما لو كان البائع واحدا والمشتري اثنين ، فأقام أحدهما بالشراء في شعبان والاخر بالشراء في رمضان ، لأنّه إذا ثبت الملك للأوّل لم يبطله بأن يبعه الثّاني مرّة ثانية.

أمّا هاهنا فإنّ شراءه من كلّ واحد منهما يبطل ملكه ، لأنّه لا يجوز أن يشتري ملك نفسه ، ويمكن أن يبيع البائع ما ليس له.

وإن كان التاريخ واحدا تحقّق التعارض ، لامتناع كون الملك الواحد في الوقت الواحد لاثنين ، وامتناع إيقاع عقدين في زمان واحد ، فيحكم بالقرعة ، فمن خرجت له القرعة أحلف ، وقضى له بالثمن ، ويحلف للآخر (١) ويبرأ ، ولو امتنعا من اليمين قسّم الثمن بينهما.

٦٥٥٩. الرابع : لو ادّعى شراء عبد في يد زيد منه ، وادّعى العبد العتق من زيد ، ولا بيّنة لهما ، فإن أنكرهما حلف لهما ، والعبد له ، وإن أقرّ لأحدهما ثبت ما أقرّ به ، ويحلف للآخر ، فإن أقام أحدهما بيّنة بما ادّعاه ثبت ، ولو أقاما بيّنتين ، قدّم أسبقهما تاريخا ، وبطل الاخر.

وإن اتّفقتا في التاريخ ، أو كانتا مطلقتين أو إحداهما ، تعارضتا ، فإن كان في يد المشتري قدّمت بيّنته إن قلنا بتقديم بيّنة الداخل ، وإلّا بيّنة العبد إن قلنا بتقديم بيّنة الخارج.

ولو كان في يد المولى أقرع ، وحلف الخارج بالقرعة ، وحكم له ، فإن امتنع أحلف الاخر ، وحكم له ، فإن نكالا قسّم نصفين ، فصار نصفه حرّا ونصفه رقّا

__________________

(١) في «أ» : «ويحلف الاخر» وهو مصحّف.

٢٠٢

للمشتري ، ويرجع بنصف الثمن ، فإن فسخ لتبعيض الصفقة ، عتق كلّه ، وإن اختار الإمساك قوّم على البائع وسرى العتق إلى جميعه ، لقيام البيّنة عليه بمباشرة العتق مختارا ، وقد ثبت العتق في نصفه بشهادتهما.

٦٥٦٠. الخامس : إذا ادّعى عينا في يد زيد وأنّه اشتراها من عمرو بثمن نقده إيّاه ، أو أنّ عمرا وهبه تلك الدار ، لم تقبل بيّنته حتّى تشهد أنّ عمرا باعه إيّاها أو وهبها له وهي ملكه ، أو تشهد أنّها ملك المدّعي اشتراها من عمرو ، أو تشهد بأنّه باعها أو وهبها له وسلّمها إليه ، فإنّ مجرّد الهبة والشراء لا يعارض اليد المعلومة ، لأنّ الإنسان قد يبيع أو يهب ما لا يملك.

أمّا إذا شهدت بالملك للبائع ، أو المشتري ، أو بالتسليم ، فإنّه يحكم به للمدّعي ، لأنّهم شهدوا بتقديم اليد أو بالملك.

٦٥٦١. السّادس : لو كانت في يده صغيرة فادّعى نكاحها لم يقبل إلا ببيّنة ، ولا يخلّى بينه وبينها ، ولو ادّعى رقيّتها قبل.

٦٥٦٢. السّابع : لو ادّعى ملك عين وأقام بيّنة (به) (١) ، وادّعى آخر أنّه باعها منه أو وهبها إيّاه ، أو وقفها عليه ، أو ادّعت امرأته أنّه أصدقها إيّاها ، وأقام بذلك ، بيّنة ، قضي له بها ، لأنّ البيّنة المتأخّرة شهدت بأمر خفيّ عن الأوّل.

ولو ادّعى ملك عين في يد الاخر ، فادّعى المتشبث أنّها في يده منذ سنين ، وأقام بيّنة ، فهي لمدّعي الملك ، لإمكان أن يكون ملك زيد في يد عمرو.

٦٥٦٣. الثّامن : لو ادّعى أنّه آجره الدّابة الّتي في يده ، وادّعى آخر أنّه أودعه إيّاها ولا بيّنة ، حكم لمن يصدّقه المتشبث.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «ب».

٢٠٣

ولو أقام كلّ منهما بيّنة بدعواه (١) تحقّق التعارض ، وعمل بالقرعة مع تساوي البيّنتين عددا وعدالة.

٦٥٦٤. التّاسع : لو شهد اثنان على إقراره بألف لزيد ، وشهد أحدهما أنّه قضاه ، ثبت الإقرار ، فإن حلف مع شاهد القضاء ثبت ، وإلّا حلف المقرّ له أنّه لم يقبضه ، وثبت له الألف ، وهل يكون ذلك تكذيبا لشاهده؟ فيه نظر ، الأقرب أنّه تكذيب.

فإن كان ذلك بعد الحكم بشهادته بالإقرار لم يؤثّر في ثبوت الإقرار ، وإن كان قبل الحكم ، فالوجه أنّه إن حلف مع الشاهد الاخر على دعواه بالإقرار ثبت ، وإلّا فلا.

ولو شهد أحدهما أنّ له عليه ألفا ، وشهد الاخر أنّه قضاه ألفا ، لم يثبت عليه الألف ، لأنّ شاهد القضاء لم يشهد عليه بالألف إلّا ضمنا ، لأنّ شهادته تضمّنت أنّها كانت عليه ، والشهادة لا تقبل الّا صريحة.

٦٥٦٥. العاشر : لو ادّعى عليه ألفا قرضا ، فقال المدّعى عليه : لا يستحق عليّ شيئا ، فأقام بيّنة بالقرض ، وأقام المدّعى عليه بيّنة بالقضاء لألف ، ولم يعرف التاريخ ، برئ بالقضاء ، لأنّه لم يثبت عليه إلّا ألف واحدة ، وإنّما يكون القضاء لما عليه ، فيصرف القضاء إلى الألف الثابتة.

أمّا لو قال : ما أقرضتني ، ثمّ أقام بيّنة بالقضاء ، لم تقبل بيّنته ، لأنّه بإنكاره القرض تعيّن صرفها إلى قضاء غيره.

ولو شهدت بيّنة القضاء بقضاء الألف الّتي ادّعاها المدّعي ، فالأقرب أنّها لا تسمع ، لأنّه مكذّب لبيّنته بإنكاره القرض ، ولو لم ينكر القرض ، إلّا أنّ بيّنة القضاء

__________________

(١) في «أ» : ولو كان لكلّ منهما بيّنة بدعواه.

٢٠٤

كانت مؤرّخة بتاريخ سابق على القرض ، لم يصرف القضاء إلى القرض ، لأنّ القضاء بعد الوجود.

ولو شهد عليه اثنان بالإقرار لزيد بدين ، وشهد آخران بإبراء ، زيد للمقرّ من كلّ حقّ ، فإن اتّحد التاريخ ، حكم بالإبراء ، وإن تقدّم تاريخ أحدهما ، حكم بالمتأخّر ، ولو اطلقتا التاريخ فالأقرب القرعة.

٦٥٦٦. الحادي عشر : لو اختلف المتآجران في قدر الأجرة ، بأن يتّفقا على استئجار الدار «شعبان» لكن يقول المالك : بمائتي درهم ، ويقول المستأجر :

بمائة درهم ، أو في جنسها ، بأن يقول المالك : بمائة دينار ، ويقول المستأجر :

بمائة درهم ، أو في المدّة ، بأن يدّعي المالك الإجارة «شعبان» بمائة درهم ، فيقول المستأجر : «شعبان» و «رمضان» بمائة درهم ، أو في قدر العين ، فيقول المالك : آجرتك هذا البيت من الدار «شعبان» بمائة ، فيقول المستأجر : بل الدار بأجمعها بمائة ، فإن لم تكن بيّنة وكان الاختلاف بعد مضيّ المدّة ، قال الشيخ رحمه‌الله (١) : سقط المسمّى ووجب على المستأجر أجرة المثل لهلاك المنفعة في يده فتعذّر ردها.

وإن تخالفا عقيب العقد انفسخ العقد ، ورجعت الدار إلى مالكها ، ولا أجرة إلى المستأجر ، وإن كان في الأثناء انفسخ المتخلّف ، وعلى المستأجر أجرة المثل عمّا مضى ، ويأخذ المتخلّف من أجرة المدّة الباقية ، وتردّ العين (٢) إلى المالك هذا مع عدم البيّنة.

ولو أقام أحدهما بيّنة حكم بها ، ولو أقام كلّ واحد بيّنة ، فإن اتّحد التاريخ

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، كتاب المزارعة.

(٢) في «ب» : ويردّ العين.

٢٠٥

بأن تشهد إحداهما أنّه آجره عند غروب الشمس يوم كذا ، وتشهد الأخرى بالإجارة عند ذلك الوقت ، أو أطلقتا بأن شهدت إحداهما أنّه آجره شهر رمضان بكذا والأخرى انّه آجره شهر رمضان بكذا أيضا ، أو شهدت إحداهما مطلقة والأخرى مقيّدة ، فالحكم في الثلاثة واحد وحينئذ يحكم بالتعارض فيقرع ويحكم لمن تخرجه القرعة مع يمينه.

ولو اختلف التاريخ بأن شهدت إحداهما أنّه آجره الدار مع غروب الشمس يوم كذا بدينار ، وشهدت الأخرى أنّه آجره البيت عند طلوع الشمس في ذلك اليوم بعينه بدينار ، فلا تعارض ، فإن سبقت بيّنة المستأجر أنّه استأجر الدار أجمع شهر رمضان بدينار ، ثبت مدّعاه وبطلت بيّنة الموجر ، لأنّ البيت داخل في عقد المستأجر ، فيكون العقد الثاني باطلا ، وإن سبقت بيّنة الموجر أنّه آجره البيت بدينار صحّ ، فإذا استاجر الدار كلّها بعد ذلك ، كان العقد على البيت باطلا ، وفيما بقي من الدار يكون صحيحا عندنا ، هذا خلاصة ما ذكره الشيخ رحمه‌الله. (١)

ويحتمل أن يقال : إذا اختلفا في قدر الأجرة ، فأقاما بيّنة ، واتّحد التاريخ يقضى ببيّنة الموجر ، لأنّ القول قول المستأجر مع عدم البيّنة ، لأنّه اختلاف على ما في ذمّة المستأجر ، فالقول قوله مع يمينه ، فتكون البيّنة من طرف المدّعي وهو الموجر.

أمّا لو كان الاختلاف في قدر المستأجر بأن يقول المالك : آجرتك البيت بعشرة ، فيقول المستأجر : بل الدار بعشرة ، وأقاما بيّنة ، فالأقرب القرعة.

وقيل : القول قول الموجر ، والوجه ما قال الشيخ رحمه‌الله من استعمال القرعة ، لأنّ كلّا منهما مدّع ، فإن اتّفق تاريخ البينتين أو أطلقتا أو إحداهما تعارضتا ، وإن

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

٢٠٦

اختلف التاريخ يحكم للسابق ، لكن إن كان السابق بيّنة البيت حكم بإجارة البيت بأجرته ، وهو الدينار ، وبإجارة بقيّة الدار بالنّسبة من الدينار.

٦٥٦٧. الثّاني عشر : لو اختلف المتآجران في شي‌ء من الدار ، فإن كان ممّا ينقل ويحول ، كالأثاث وشبهها ، فهي للمستأجر ، لجريان العادة بخلوّ الدار المستأجرة من الأقمشة ، وإن كان ممّا يتبع الدار في البيع ، كالأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة ، والرّفوف المسمّرة ، فهو للمالك ولو أشكل الحال كالرفوف [الموضوعة مقابل المسمّرة] والمصراع للباب المقلوع ، فالوجه أنّه للمستأجر مع اليمين ، لأن يده عليه.

ولو اختلف النّجار وصاحب الدار في القدوم والمنشار وآلة النجارة حكم لذي اليد ، وهو النّجار مع اليمين.

ولو كان في الدكان نجّار وعطّار فاختلفا فيما فيه ، احتمل الحكم لكلّ واحد بآلة صناعته.

٦٥٦٨. الثالث عشر : لو اختلف الزوجان في متاع البيت ، قضي لمن قامت له البيّنة ، ولو لم تكن بيّنة ، فيد كلّ واحد منهما على النصف ، فيحلف لصاحبه ، ويكون بينهما بالسّوية ، سواء كان ممّا يختصّ الرّجال (١) أو النساء ، أو يصلح لهما ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما ، وسواء كانت الزوجيّة باقية بينهما أو زائلة ، وسواء تنازع الزوجان أو الوارث اختاره الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٢) وقال في الاستبصار (٣) : يحكم بجميع المتاع للمرأة لأنّها تأتي بالمتاع من

__________________

(١) في الشرائع «يخصّ الرجال» شرائع الإسلام : ٤ / ١١٩.

(٢) المبسوط : ٨ / ٣١٠.

(٣) الاستبصار : ٣ / ٤٤ ـ ٤٧ ، باب اختلاف الرجل والمرأة في متاع البيت.

٢٠٧

أهلها ، وقال في الخلاف (١) : ما يصلح للرجال للرّجل ، وما يصلح للنساء للمرأة ، وما يصلح لهما يقسّم بينهما ، واختاره ابن إدريس. (٢) وهو الأقوى عندي.

ولو ادّعى أبو الميّتة أنّه أعارها بعض ما في يدها من متاع وغيره ، كان كغيره إن أقام بيّنة ، حكم له بدعواه ، وإلّا فلا ، وفي رواية (٣) : يفرّق بين الأب وغيره ، فيصدّق الأب دون غيره ، وليست وجها.

٦٥٦٩. الرابع عشر : لو تداعيا زوجيّة امرأة فصدّقت أحدهما ، حكم له.

القسم الثالث : في الاختلاف في المواريث والوصايا والنسب

وفيه أربعة عشر بحثا :

٦٥٧٠. الأوّل : لو مات المسلم عن ولدين ادّعى أحدهما إسلامه قبل موت أبيه وصدّقه الاخر ، ثمّ ادّعى الاخر ذلك فكذّبه الأوّل ، فالقول قول الأوّل مع يمينه على نفي العلم ، فيحلف أنّه لا يعلم أنّ أخاه أسلم قبل موت أبيه ، ويأخذ التركة ، وكذا لو كانا مملوكين فأعتقا ، واتّفقا على سبق عتق أحدهما على الموت ، واختلفا في سبق عتق الاخر.

ولو اتّفقا على وقت إسلامهما واختلفا في وقت موت أبيهما ، بأن يكون أحدهما أسلم في شعبان والاخر في غرّة شوّال ، وادّعى المتأخّر موت الأب في شوّال وادّعى المتقدّم موته في رمضان ، قدّم قول المتأخّر مع يمينه ، لأنّ الأصل بقاء الحياة ، وكانت التركة بينهما.

__________________

(١) الخلاف : ٦ / ٣٥٢ ، المسألة ٢٧ من كتاب الدعاوى والبيّنات.

(٢) السرائر : ٢ / ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) الوسائل : ١٨ / ٢١٣ ، الباب ٢٣ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١.

٢٠٨

ولو ادّعى أحد الورثة تقدّم إسلامه على القسمة ، وأنكر الورثة ذلك ، فالقول قول الورثة ، ولو اتّفقوا على إسلامه في وقت ، وادّعى غيره من الورثة سبق القسمة وأنكر ، فالقول قوله مع يمينه.

٦٥٧١. الثاني : لو ماتت امرأة وولدها ، وخلّفت زوجها وأخاها ، فادّعى الزّوج سبق موت الزوجة على موت الولد ، وادّعى الأخ سبق موت الولد ، فإن أقام أحدهما بيّنة ، حكم بها ، وإن لم تكن هناك بيّنة ، فالقول قول الأخ مع يمينه في نصيبه من مال أخته ، لأنّ الميراث لا يتحقّق إلّا مع تيقّن حياة الوارث ، والقول قول الزوج مع يمينه في مال ابنه كذلك أيضا ، فلا ترث الأمّ من الولد ولا الولد من الأمّ ، ويحكم بتركة الابن للزوج بأجمعها وتركة الزّوجة (١) بين الأخ والزوج نصفين.

٦٥٧٢. الثالث : لو ادّعى الابن أنّ هذا العين ميراث من أبيه ، وادّعت الزوجة أنّ الأب أصدقها إيّاها ، وأقاما بيّنة ، حكم بها للمرأة ، ولا تعارض ، لأنّ بيّنة الزوجة شهدت بما يمكن خفاؤه عن بيّنة الولد ، وكذا لو ادّعى أجنبي أنّ هذا العين باعها الموروث منه ، وادّعى الوارث أنّها تركة.

٦٥٧٣. الرابع : لو ادّعى أنّ العين الّتي في يد زيد له ولأخيه إرثا عن أبيهما ، وأقام بيّنة ، فإن كانت كاملة ، وهي ذات الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة ، (٢) وشهدت بأنّها لا تعلم وارثا غيرهما ، سلّم إلى المدّعي النصف ، وكان الباقي في يد المتشبث ، أو ينتزعه الحاكم ، ويسلّم إلى الثقة ، ولا يطالب المدّعي بيمين على نفي الوارث غيرهما ، ولا يضامن لما يقبضه.

__________________

(١) في «ب» : وبتركة الزوجة.

(٢) في الشرائع : ٤ / ١٢٠ «ونعني بالكاملة : ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة».

٢٠٩

وإن لم تكن البيّنة كاملة ، وشهدت بأنّها لا تعلم أنّ له وارثا غيرهما ، أو كانت من أهل الخبرة ولم تقل أنّا لا نعلم له وارثا غيرهما ، أخّر التسليم حتّى يبحث الحاكم عن الوارث ، ويستقصي في البحث حتّى يغلب ظنّه أنّه لو كان وارث لظهر أمره ، ويسلّم إلى الحاضر نصيبه ويضمّنه استظهارا.

ولو كان ذا فرض أعطي مع اليقين بانتفاء الوارث نصيبه كملا (١) ومع عدم اليقين يعطيه أقلّ النصيبين ، فيعطى الزوج الرّبع والزوجة ربع الثمن معجّلا من غير ضمين ، فإذا بحث الحاكم ولم يظهر وارث آخر سلّم إليه باقي الحصّة مع الضمين.

ولو كان الوارث ممّن يحجب غيره (٢) كالأخ ، فإن أقام البيّنة الكاملة أعطي المال ، وإن أقام بيّنة غير كاملة أعطي بعد البحث والاستظهار بالضّمين. (٣)

ولو قالت البيّنة : لا نعرف له وارثا في غير هذا البلد ، لم يدفع إليه ، كما لو قالت : لا نعرف له وارثا في هذه المحلّة.

٦٥٧٤. الخامس : لو أوصى بعتق عبده إن قتل ، فادّعى العبد القتل ، وأقام بيّنة ، وادّعى الوارث موته حتف أنفه ، وأقاموا البيّنة على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، بأن تدّعي بيّنة الموت أنّهم شاهدوا خروج روحه حتف أنفه ، فالوجه التعارض ، ويحكم بالقرعة.

ولو أوصى بعتق غانم إن مات في رمضان وبعتق سالم إن مات في شوّال ،

__________________

(١) في «ب» : كلّا.

(٢) في «ب» : يحجبه غيره.

(٣) في «أ» : والضمين.

٢١٠

فأقام غانم البيّنة بموته في رمضان ، وأقام سالم البيّنة بموته في شوّال ، فالوجه التعارض ، ويحتمل تقديم بيّنة رمضان ، لأنّ معها زيادة.

ولو أوصى بعتق غانم إن مات في مرضه وبعتق سالم إن برئ منه ، وأقام كلّ منهما البيّنة بما ادّعاه ، تعارضت البيّنتان ، وحكم بالقرعة.

٦٥٧٥. السّادس : إذا ادّعى كلّ من العبدين عتق مولاه المريض ، وقيمته الثلث ، وأقاما بيّنتين ، أقرع مع عدم المعرفة بالسابق ، أو مع العلم بالاقتران ، ولو كانت قيمة أحدهما السدس ، وخرجت القرعة له عتق ، وعتق من الاخر نصفه لتكملة الثلث.

٦٥٧٦. السّابع : لو شهد عدلان أنّ الميّت أعتق غانما ، وقيمته الثلث ، وشهد وارثان أنّه أعتق سالما ، وهو ثلث ، فإن أخرجنا المنجّزات من الأصل ، عتقا ، وإلّا أقرع ، إن لم نعرف السّابق ، أو عرفنا الاقتران ، ولو وقعت القرعة على من هو أقلّ من الثلث ، أعتق من الاخر تكملة الثلث ، وإن وقعت على الأزيد من الثلث ، صحّ فيه عتق المساوي للثلث ، وبطل الزائد.

ولو عرف السابق صحّ عتقه ، وبطل عتق الاخر.

ولو شهد العدلان أنّه أوصى بعتق غانم ، وشهد الوارثان بأنّه رجع عن عتقه وأعتق سالما ، بعد موته ، وقيمة كلّ واحد الثلث ، احتمل القبول من الوارث حيث انتفت التهمة بالرجوع إلى البدل ، ولو كان سالم سدس المال ، صار متّهما ، فيعتق غانم بالشهادة ، ويعتق سالم بالإقرار.

ولو شهد العدلان بالوصيّة لزيد وعدلان من الورثة بالرجوع ، وأنّه

٢١١

أوصى لعمرو : قال الشيخ : تقبل شهادة الرجوع ، لأنّهما لا يجرّان نفعا (١).

وفيه نظر ، من حيث إنّ المال يؤخذ من يدهما فهما غريما المدّعي وعندي في ذلك كلّه إشكال ينشأ من التّهمة الحاصلة لسبب شهادة الورثة.

٦٥٧٧. الثامن : لو شهد شاهدان بالوصيّة لزيد وشهد شاهد بالرجوع وأنّه أوصى لعمرو ، كان لعمرو أن يحلف مع شاهده ، لأنّها شهادة منفردة لا تعارض الأولى.

ولو شهدت بيّنة بأنّه أوصى لزيد بالسدس ، وشهدت أخرى بأنّه أوصى لبكر بالسّدس ، وشهدت ثالثة بأنّه رجع عن إحدى الوصيّتين ، فإن أبطلنا الرجوع المبهم ، سلّم إلى كلّ واحد سدس ، وإن قلنا بالصّحة ، فالوجه القرعة ، وقال الشيخ رحمه‌الله : لا يقبل الرجوع لعدم التعيين ، فهي كما لو شهدت بدار لزيد أو عمرو (٢) وفيه نظر.

٦٥٧٨. التّاسع : إذا وطئ المرأة اثنان في طهر واحد وطئا يلحق به النسب ، بأن تكون مشتبهة عليهما ، أو زوجة لأحدهما ومشتبهة على الاخر ، أو يعقد الاثنان عقدا فاسدا توهما للحلّ به ، ثمّ تأتي الولد لستّة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدّة الحمل ، حصل الاشتباه في الإلحاق ، فعندنا يحكم بالقرعة ، فمن خرجت له ألحق به النسب ، سواء كان الواطئان مسلمين ، أو عبدين ، أو بالضدّ ، أو مختلفين فى الإسلام والكفر والحرّيّة والرّق ، وسواء كانا أجنبيين أو أحدهما أبا للآخر ، وسواء أقام كلّ واحد منهما بيّنة أو لم يقم أحدهما بيّنة ،

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٥٣.

٢١٢

ولو أقام أحدهما دون الاخر ، حكم لصاحب البيّنة والنسب بالفراش المنفرد والدّعوى المنفردة وبالفراش (١) المشترك والدّعوى المشتركة ، ويقضى فيه بالبيّنة ومع عدمها بالقرعة ولا اعتبار بالقافة (٢) ولا يجوز الالحاق بمن يلحقه القيّاف.

٦٥٧٩. العاشر : لو شهد شاهدان أنّه أوصى لزيد بثلث ماله ، وشهد ثالث أنّه أوصى لعمرو بثلث ماله ، فالشاهدان أقوى ولا يعارضهما الشاهد واليمين ، فيحكم لزيد بالثلث ، وتقف وصيّة عمرو على الإجازة ، وقد يلوح من كلام الشيخ في بعض المواضع التعارض بين الشاهدين والشاهد واليمين (٣). فعلى هذا يحلف عمرو مع شاهده ، ويقرع بينهما إن جهل السابق ، ويقسّم مع التقارن.

أمّا لو شهد الثالث بأنّه رجع عن وصيّته لزيد ووصّى لعمرو بثلثه ، فإنّه لا تعارض بينهما ، ويحلف عمرو مع شاهده ، والفرق تقابل البيّنتين في الأولى ، فقدّمت الأقوى منهما وعدم التقابل في الثانية.

٦٥٨٠. الحادي عشر : لو ادّعى الورثة أنّ الميّت طلّق الزّوجة قبل موته ، فأنكرت ، فالقول قولها مع اليمين ، فإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدّة وادّعت أنّه راجعها ، فالقول قول الورثة ، وان اختلفوا في انقضاء العدّة فالقول قولها في عدم الانقضاء.

٦٥٨١. الثّاني عشر : لو أقرّ اثنان من أهل الحرب بنسب يوجب التوارث ، ثبت

__________________

(١) في «ب» : والدعوى المنفردة بالفراش المشترك.

(٢) في «ب» : بالقيافة.

(٣) المبسوط : ٨ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

٢١٣

نسبهم ، ولو سببا ، فإن قامت البيّنة من المسلمين بذلك فكذلك ، ولا تقبل شهادة الكفّار في ذلك ، وإن لم تقم البيّنة لم يقبل إقرارهم.

ولو أعتقوا تبرّعا فكذلك ، لما فيه من الضرر على المعتق بتفويت الإرث بالولاء ، ولو صدّقهما معتقهما قبل ، وإن لم يصدّقهما فميراث كلّ واحد منهما لمعتقه ، والأقرب عندي القبول مع العتق.

٦٥٨٢. الثالث عشر : قال الشيخ رحمه‌الله لو أقام العبد شاهدين بالعتق ، وافتقر إلى البحث عن عدالتهما ، وسأل التفريق حتّى تثبت العدالة فرّق ، قال : وكذا لو أقام مدّعي المال شاهدا واحدا وادّعى أنّ له شاهدا آخر وسأل حبس الغريم إلى ان يقيمه أجيب إلى ذلك ، لأنّه متمكّن من إثبات حقّه باليمين (١) وفيه نظر ، من حيث إنّه تعجيل للعقوبة قبل ثبوت الحقّ.

٦٥٨٣. الرابع عشر : لو شهد اثنان أنّ هذا ابن الميّت ، ولا نعلم له وارثا سواه ، وشهد آخران أنّ هذا الاخر ابن الميّت ، ولا نعلم له وارثا سواه ، فلا تعارض بينهما ، وثبت نسب الغلامين ، ويكون الإرث بينهما ، ولا فرق بين أن تكون البيّنة كاملة أو لا ، لجواز أن يعلم كلّ من الشاهدين ما لم يعلمه الاخر.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

٢١٤

الفصل السابع : في القسمة

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل : في أركانها وهي اثنان : القاسم والمقسوم

وفيه تسعة مباحث :

٦٥٨٤. الأوّل : يستحبّ للإمام أن ينصب قاسما ، وليس بلازم ، ولو نصب قاسما جاز أن يقسم الخصمان ، ويقاسم غيره.

٦٥٨٥. الثاني : يشترط في القاسم المنصوب من قبل الإمام البلوغ ، وكمال العقل ، والإيمان ، والعدالة ، والمعرفة بالحساب ، لأنّ عمله متعلّق به ، فهو كالفقه في الحاكم ، ولا يشترط الحريّة ، فلو كان عبدا جاز.

ولا يشترط ذلك في القاسم الّذي يتراضى به الخصمان ، فلو تراضيا بقسمة الكافر جاز ، كما لو تراضيا بالقسمة بأنفسهما.

٦٥٨٦. الثالث : القسمة إن اشتملت على الردّ وجب العدد في القاسم المنصوب من قبل الإمام ، وهو عدلان ، لاشتمالها على التّقويم (١) ولو رضي الشريكان بواحد جاز ، وإن لم يكن في القسمة ردّ كفى الواحد ، والمقوّم يشترط

__________________

(١) كذا في «ب» ولكن في «أ» : «لأنّ لاشتمالها» ولعلّه مصحّف.

٢١٥

فيه العدد وليس للقاضي أن يقضي بالتقويم ببصيرة نفسه ، وإن جوّزنا القضاء بالعلم ، لأنّه تخمين ، ويحكم بالعدالة ببصيرة نفسه ، قال الشيخ رحمه‌الله : والأحوط أنّه لا بدّ من خارصين. (١)

٦٥٨٧. الرابع : القاسم إن كان من قبل الحاكم وعدّل السهام وأقرع ، كانت القرعة حكما تلزم القسمة به ، وإن نصبه الشريكان لم تلزم القسمة بالتعديل والقرعة ، بل لا بدّ من رضاهما بعد القرعة ، وكذا لو اقتسما بأنفسهما وأقرعا لم تلزم القسمة إلّا بتراضيهما بعد القرعة ، لأنّه لا حاكم بينهما ولا من يقوم مقامه.

٦٥٨٨. الخامس : ويخرج الإمام للقاسم رزقه من بيت المال ، لأنّه من المصالح ، وقد اتّخذ عليّ عليه‌السلام قاسما وجعل له رزقا في بيت المال ، فإن لم يكن هناك إمام ، أو كان وضاق بيت المال عن رزق القاسم ، كانت أجرته على المتقاسمين ، ثمّ إن استأجره كلّ واحد منهم ليقسّم نصيبه بأجرة معيّنة جاز ، فإن استأجروه جميعا في عقد واحد بأجرة معيّنة عن الجميع ، وأبهموا نصيب كلّ واحد منهم من الأجرة ، لزم كلّ واحد منهم من المعيّن بقدر نصيبه من المقسوم ، وكذا لو لم يقدّروا أجرة (٢) كان له عليهم أجرة المثل بالحصص لا على عدد الرءوس بالسّوية.

وليس لواحد أن ينفرد باستئجاره دون إذن الشريك ، لأنّ تردّده في الملك المشترك ممنوع دون الاذن ، فيكون العمل ممنوعا ، والإجارة فاسدة ، بل يعقد واحد بإذن الآخرين ، أو الوكيل بإذن جميعهم.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ١٣٤.

(٢) في «أ» : الأجرة.

٢١٦

وإن كان الشريك طفلا فطلب وليّه القسمة ولا غبطة منعه القاضي ، وإن كان هناك غبطة وجب عليه دفع نصيبه من الأجرة من مال الطفل ، ولو طلب الشريك القسمة ولا غبطة ، فالوجه وجوب الحصّة من الأجرة على وليّ الطفل من مال الطفل.

٦٥٨٩. السّادس : المقسوم إمّا متساوي الأجزاء ، كالحبوب ، والأدهان ، والخلول ، (١) والألبان ، أو متفاوت الأجزاء ، كالعقار ، والأشجار. فالأوّل إن طلب أحد الشريكين القسمة فيه ، أجيب إليها ، فإن امتنع شريكه أجبر سواء قلّت أو كثرت ، ويقسّم كيلا ووزنا ، متساويا ومتفاضلا ، ربويّا كان أو غيره.

ولو قسّماه بقسمين ، ولم يعلما قدر كلّ واحد من القسمين ، لكن تراضيا على أن يأخذ أحدهما أحد القسمين ، والاخر يأخذ الثاني جاز ، لأنّ القسمة تمييز حقّ لا بيع عندنا.

وأمّا الثاني فإن انتفى الضرر مع القسمة ، أجبر الممتنع عليها ، وإن تضرّر الشريكان بالقسمة ، كما في الحمامات والعضائد (٢) الضيّقة والجواهر ، فلا يجبر الممتنع على القسمة.

وإن تضرّر أحد الشريكين دون الاخر ، فإن طلب المتضرّر القسمة أجبر الممتنع عليها ، وإن طلبها الاخر غير المتضرّر لم يجبر المتضرّر عليها.

٦٥٩٠. السّابع : الضّرر المانع من الإجبار على القسمة ، للشيخ رحمه‌الله فيه قولان :

__________________

(١) قال الفيومي : الخلّ معروف والجمع خلول مثل فلس وفلوس ، سمّي بذلك لأنّه اختلّ منه طعم الحلاوة. المصباح المنير : ١ / ٢١٩.

(٢) قال الفيومي : العضادة بالكسر : جانب العتبة من الباب. المصباح المنير : ٢ / ٧٥.

٢١٧

أحدهما عدم الانتفاع بالنّصيب بعد القسمة ، والثاني نقصان القسمة. (١) وهو الاقوى عندي.

٦٥٩١. الثّامن : القسمة إن لم تشتمل على ضرر ولا ردّ أجبر الممتنع عليها ، وتسمّى قسمة إجبار ، وإن اشتملت على أحدهما لم يجبر أحد الشريكين عليها ، وتسمّى قسمة تراض.

ولو تضمّنت القسمة إتلاف العين ، واتفقا عليها منعهما الحاكم ، لما فيه من إضاعة المال.

٦٥٩٢. التّاسع : لو كانا شريكين في أنواع كلّ واحد منها متساوي الأجزاء ، كحنطة ، وشعير ، وتمر ، وزبيب ، فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع على حدته ، أجبر الممتنع ، وإن طلب قسمتها أعيانا بالقيمة ، لم يجبر الممتنع ، والثوب إن نقصت قيمته بالقطع ، لم يجبر الممتنع على قسمته ، وإن لم ينقص قسّم.

وتقسّم الثياب والعبيد بعد التعديل بالقيمة قسمة إجبار ، ولو كان بينهما ثياب ، أو حيوان ، أو أوان ، فاتّفقا على قسمتها جاز ، سواء اتّفقا على قسمة كلّ جنس ، أو على قسمتها أعيانا بالقيمة ، ولو طلب أحدهما قسمة كلّ نوع على حدته ، وطلب الاخر قسمته أعيانا بالقيمة ، قدّم قول من طلب قسمة كلّ نوع على حدته مع إمكانه ، وإن طلب أحدهما القسمة وامتنع الاخر ، وكان ممّا لا تمكن قسمته إلّا بأخذ عوض عنه من غير جنسه ، أو قطع ثوب في قطعه نقص ، لم يجبر الممتنع.

__________________

(١) اختارهما الشيخ في المبسوط : ٨ / ١٣٥ ، واختار الأوّل في الخلاف. لاحظ الخلاف : ٦ / ٢٢٩ ، المسألة ٢٧ من كتاب آداب القضاء.

٢١٨

المطلب الثّاني : في كيفية القسمة

وفيه عشرة مباحث :

٦٥٩٣. الأوّل : أنواع القسمة ثلاثة : إفراز ، وتعديل ، وردّ.

القسمة الأولى قسمة الإفراز ، وهي تقع في متساوي الأجزاء ، كالثوب الواحد ، والعرصة الواحدة المتساوية ، والمكيلات ، والموزونات ، وهذه القسمة يجبر الممتنع عليها مع طلب الاخر بشرط أن تبقى الحصص بعد القسمة منتفعا بها المنفعة الّتي كانت.

ولو كان الحمّام كبيرا تبقى المنفعة به عند إحداث مستوقد آخر وبئر أخرى ، فالأقرب الإجبار ، ولو ملك عشر دار ، وهو لا يصلح السكنى منفردا ، فطلب شريكه القسمة ، لم يجبر المالك ، ولو طلب المالك لغرض صحيح أجيب ، فلو باع صاحب الأقلّ كان لصاحب الأكثر الشفعة دون العكس ، لأنّ انتفاء القسمة مستلزم لانتفاء الشفعة ، لأنّ الشفعة لدفع ضرر مئونة القسمة.

الثانية : قسمة التعديل ، مثل أن يكون بين شخصين عبدان متساويا القيمة ، فعندنا يجبر الممتنع على القسمة ، ولو كان لهما ثلاثة أعبد قيمة عبد مساوية لقيمة العبدين ، قسّمت بينهما.

ولو كان لهما عبد وجوهرة متساويا القيمة ، فالأقرب عدم الإجبار على القسمة بعد التعديل ، لاختلاف الأغراض باختلاف الأعيان.

ولو كان بينهما قطع من الأرض متباينة ، وآحادها تقبل قسمة الإفراز ، لم يجبر على قسمة التعديل بالقيمة.

٢١٩

الثالثة : قسمة الردّ ، بأن يكون لهما عبدان قيمة أحدهما ستّة والاخر عشرة ، فإذا ردّ أحدهما للآخر دينارين ، استويا ، لم يجبر أحدهما عليه ، ولو طلب أحدهما أن يأخذ الأدون وخمس الأعلى ليتخلّص في أحد العبدين عن الشركة ، فالأقرب أنّه لا يجبر ، لعدم انقطاع الشركة.

٦٥٩٤. الثاني : لو كانت لثلاثة دار لأحدهم نصفها ، ولكلّ من الآخرين ربعها ، وإذا قسمت أرباعا استضرّ الآخران ، وإن قسّمت نصفين لم يستضرّ أحد ، فطلب صاحب النصف القسمة ، أجبر كلّ من الآخرين ، فيأخذ نصفه ، ويأخذ الآخران النّصف ، يكون مشتركا بينهما.

ويحتمل ألا تجب الإجابة ، لعدم فائدة القسمة في حقّهما ، وهي تمييز حقّ كلّ واحد منهما.

٦٥٩٥. الثالث : لو كانت بينهما دار ذات عدو وسفل ، فطلب أحدهما قسمتها ، بحيث تحصل لكلّ منهما حصّته من العلو والسّفل بالتعديل وأمكن ، أجبر الممتنع ، ولو حصل ضرر لم يجبر ، ولو طلب قسمة السّفل بانفراده والعلو بانفراده ، لم يجبر الاخر ، وكذا لو طلب أخذ السّفل بانفراده والاخر لشريكه.

٦٥٩٦. الرابع : لو كان لهما دار كبيرة أو خان كبير ، فطلب أحدهما قسمة ذلك ولا ضرر ، أجبر الممتنع على القسمة ، ويفرد بعض المساكن عن بعض ، وإن كثرت (١) المساكن.

ولو كان بينهما داران أو خانان ، فطلب أحدهما جميع نصيبه في إحدى

__________________

(١) في «أ» : وإن كبرت.

٢٢٠