تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

الفصل الرّابع : في كيفيّة الحكم

وفيه سبعة مباحث :

٦٤٦٤. الأوّل : الدعوى إن كانت بوصيّة أو إقرار سمعت وإن كانت مجهولة ، وإن كانت في غيرهما قال الشيخ رحمه‌الله : لا تسمع إلّا محرّرة ، فلو ادّعى شيئا مجهولا ، لم يسمع ، لأن الحاكم يسأل المدّعى عليه ، فإن اعترف به لزمه ، ولا يمكنه أن يلزمه بالمجهول. (١) وفيه نظر ، وعلى قوله رحمه‌الله إن كانت الدعوى أثمانا افتقر إلى ذكر الجنس والنوع والقدر ، فيقول : عشرة دنانير مصريّة صحاحا ، مثلا وإن كانت من العروض المثليّة ضبطها بالصفات ، ولا يحتاج إلى ذكر القيمة ، وإن لم يكن مثليّا وجب ذكر القيمة.

ولو كان المدّعى به تالفا ، فإن كان مثليّا ادّعى مثله ، وضبطه بالوصف ، وإن لم يكن مثليّا ادّعى القيمة ، لأنّها تجب بتلفه ، وإن ادّعى جرحا له أرش معلوم ، صحّ ذكر الجرح وإن لم يذكر الأرش ، وإن لم يكن مقدّرا وجب ذكر الأرش.

ولو ادّعى على أبيه دينا لم تسمع حتّى يدّعي موت أبيه وأنّه ترك شيئا في يد ولده بقدر الدّين ، ولو كان فيه وفاء للبعض ، ذكر ذلك القدر ، ولو جهل المدّعي تحرير الدّعوى فهل للقاضي تلقينه التحرير؟ فيه نظر ، أقربه الجواز ، لأنّ ذلك تحقيق للدّعوى.

__________________

(١) المبسوط : ٨ / ١٥٦.

١٤١

وهل يشترط إيراد الدّعوى بصورة الجزم أو يكفي قوله : أظنّ أو أتوهّم؟ فيه نظر ، فإن قلنا بسماعها لم يكن له الحلف بالرّد ولا مع إقامة شاهد واحد ، بل تجب البيّنة عليه أو يحلف المنكر ، وليس للمنكر حينئذ الردّ ، بل إمّا أن يحلف أو يخرج عن الحقّ ، وفيه إشكال.

٦٤٦٥. الثاني : إذا حرّر المدّعي دعواه ، فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب ، ويحتمل توقّف ذلك على التماس المدّعي ، لأنّه حقّه فيتوقّف على المطالبة ، والأوّل أقرب ، لأنّ شاهد الحال يدلّ عليه ، فإنّ إحضاره والدّعوى إنّما يراد ليسأل الحاكم الغريم فيقول لخصمه : ما تقول فيما يدّعيه ، أو ما عندك فيه؟ فإن أقرّ لزم الحقّ ، وإن لم يقل الحاكم : قضيت ، بخلاف البيّنة لأنّها تتعلّق باجتهاد الحاكم ، وليس للحاكم أن يحكم عليه الّا بمسألة المدّعي ، لأنّه حقّه ، فيتوقّف استيفاؤه على مطالبته ، ويحتمل أن يحكم عليه من غير مسألة.

أمّا لو كان المدّعي جاهلا بمطالبة الحاكم ، فإنّ الحاكم يحكم عليه أو ينبّهه على ذلك ، لئلّا يضيع حقّه بجهله ، فيترك المطالبة.

وكيفيّة الحكم أن يقول : قد ألزمتك ذلك ، أو قضيت عليه ، أو اخرج إليه من ماله ، أو ادفعه إليه.

وإن طلب المدّعي أن يكتب الإقرار ، كتب له إن كان يعرفه بنسبه ، أو يشهد عنده شاهدان عدلان بالنسب ، ولو شهد عليه بالحلية جاز وإن لم يعرف النسب.

وإن استوفى الحقّ من المحكوم عليه ، فقال للحاكم : اكتب لي محضرا بقبض الحقّ منّي لئلّا يطالبني الخصم مرّة أخرى في موضع آخر ، فالوجه وجوب إجابته.

١٤٢

ولو قال : أريد الكتاب الّذي ثبت به الحقّ ، لم يلزم المدّعي دفعه إليه ، لأنّه ملكه ، ولاحتمال خروج العوض مستحقّا فيعود إلى ماله ، وكذا كلّ من كان له كتاب بدين فاستوفاه ، أو عقار باعه ، لم يلزمه دفع الكتاب.

ولو ادّعى المقرّ الإعسار ، فإن صدّقه غريمه ، أو ثبت بالبيّنة ، أو عرف حاله ، أنظر حتّى يوسر ، وفي رواية : يسلم إلى غرمائه ليستعملوه أو يؤاجروه (١).

وإن جهل حاله بحث الحاكم عنه ، ثمّ إن عرف له أصل مال أو كانت الدّعوى مالا حبس حتّى يثبت إعساره ، وإن لم يعرف له أصل مال ولا كانت الدّعوى مالا ، فالقول قوله مع اليمين.

٦٤٦٦. الثالث : إن أنكر الخصم وقال : لا حقّ للمدّعي عليّ ، فإن كان المدّعي عارفا بأنّه موضع المطالبة بالبيّنة ، تخيّر الحاكم بين السكوت وبين قوله : ألك بيّنة؟ وإن كان جاهلا قال الحاكم : ذلك ، فإن قال : لا بيّنة لي ، قال له الحاكم : لك يمينه ، فإن سأل الإحلاف أحلفه الحاكم.

وليس للحاكم أن يستحلفه قبل مسألة المدّعي ، لأنّه حقّه ، فليس له استيفاؤه من غير مطالبة مستحقّه ، فإن أحلفه الحاكم قبل طلب المدّعي ، أو بادر الخصم فحلف ، وقعت يمينه لاغية ، وأعادها الحاكم مع مطالبة المدّعي بها.

وان أمسك المدّعي عن إحلاف المنكر ، ثمّ أراد إحلافه بالدّعوى المتقدّمة جاز ، لأنّه يسقط حقّه منها ، وإنّما أخّرها.

وإن قال : أبرأتك من هذه اليمين ، سقط حقّه منها في هذه الدّعوى ، وله أن

__________________

(١) الوسائل : ١٣ / ١٤٨ ، الباب ٧ من أبواب أحكام الحجر ، الحديث ٣.

١٤٣

يستأنف الدّعوى ، لأنّ حقّه لا يسقط بالإبراء من اليمين ، فإن استأنف الدّعوى وأنكر الخصم ، فله إحلافه ، لأنّ هذه الدّعوى مغايرة للّتي أبرأه من اليمين فيها ، فإن حلف سقطت الدّعوى ، ولم يكن للمدّعي إحلافه غيرها (١) في هذا المجلس ولا في غيره ، وكذا لو أبرأه من الحقّ الّذي ادّعاه.

٦٤٦٧. الرابع : إذا حلف المنكر عند الحاكم بسؤال المدّعي ، سقطت الدّعوى عنه ، فإن عاود المطالبة أثم ولم تسمع دعواه.

ولو ظفر للغريم بمال لم يحلّ له أخذ شي‌ء منه.

ولو أقام بيّنة [بما حلف عليه المنكر] لم تسمع ، وقيل : يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحقّ باليمين (٢) وقيل : إن نسي بيّنة سمعت (٣) والمرويّ الأوّل (٤).

ولو أقام بعد الإحلاف شاهدا واحدا وبذل اليمين معه ، لم يكن له ذلك.

نعم لو أكذب الحالف نفسه جاز مطالبته ، وحلّت مقاصّته بما يجده له ، مع امتناعه عن التسليم.

ولو ادّعى صاحب الحقّ أنّ الحالف أكذب نفسه ، فأنكر ، كانت دعوى مسموعة يطالب فيها بالبيّنة والمنكر باليمين.

٦٤٦٨. الخامس : لو امتنع المنكر من اليمين بعد طلب المدّعي وتوجّهها عليه ،

__________________

(١) في «ب» : غير هذا.

(٢) القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة : ٧٣٣.

(٣) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٨ / ٢١٠.

(٤) الوسائل : ١٨ / ١٧٨ ، الباب ٩ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١.

١٤٤

فلم يحلف ، وردّ اليمين على المدّعي ، لزم المدّعي الحلف ، فإن حلف ثبت حقّه ، وإن نكل سقطت دعواه.

وإن نكل المنكر فلم يحلف ولم يردّ ، قال له الحاكم : إن حلفت ، وإلّا جعلتك ناكلا ، ثلاث مرّات ، استظهارا لا وجوبا ، فإن حلف برئ ، وإن ردّ فكذلك.

وإن بقي على النكول قيل : يقضي عليه بالنكول (١) وقيل : يردّ اليمين على المدّعي ، فإن حلف ثبت حقّه وإن امتنع سقط (٢) وهو الأقوى.

ولو بذل المنكر اليمين بعد النكول ، لم يلتفت إليه.

٦٤٦٩. السّادس : لو قال المدّعي عند سؤال الحاكم له ، ألك بيّنة؟ : نعم ، جاز للحاكم أن يقول له : احضرها ، فإذا حضرت لم يسألها الحاكم عن شي‌ء ما لم يلتمس المدّعي ، ومع الإقامة لا يحكم إلّا بسؤال المدّعي وإن عرف العدالة ، وبعد أن يسأل المنكر عن الجرح ، فإن قال : نعم ، وسأل الإنظار [في إثباته] ، أنظره ثلاثة أيّام ، فإن أقام بيّنة بالجرح سقطت البيّنة ، وعادت المنازعة ، وإن تعذّر الجرح ، حكم بعد سؤال المدّعي.

ولا يستحلف المدّعي مع البيّنة إلّا أن تكون الشهادة على ميّت ، فيستحلف على بقاء الحقّ في ذمّته استظهارا ، والأقرب أنّ الصبيّ والمجنون والغائب كذلك.

__________________

(١) ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٧٢٤ ، والشيخ في النهاية : ٣٤٠.

(٢) وهو خيرة الشيخ في المبسوط : ٨ / ١٥٩ ؛ والخلاف : ٦ / ٢٩٠ ، المسألة ٣٨ من كتاب الشهادات والقاضي في المهذّب : ٥٨٥ ـ ٥٨٦.

١٤٥

ويدفع الحاكم من مال الغائب قدر الحقّ بعد التكفيل للقابض.

ولو قال المدّعي : لي بيّنة وهي غائبة ، خيّره الحاكم بين الصبر حتّى يحضر وبين إحلاف الغريم ، ولو سأل حبسه أو كفيلا حتّى يحضر بيّنته لم يلزم إجابته.

ولو أقام المدّعي البيّنة ، ولم تثبت عدالتها ، وسأل حبس غريمه أو مطالبته بكفيل حتّى يثبت عدالتها ، لم يكن له ذلك ، أمّا لو أقام شاهدا واحدا وثبتت عدالته ، وكان الحقّ لا يثبت إلّا بشاهدين ، لم يحبس الغريم أيضا ، ولو كان [الحقّ] يثبت بشاهد ويمين ، ثمّ سأل ذلك قال الشيخ : يجاب إليه لأنّه يمكنه إثبات حقّه باليمين. (١) وليس بجيّد لأنّه إلزام بحقّ لم يثبت موجبه.

ولو أقام المدّعي شاهدا واحدا ، ورضي بيمين المنكر ، فإن عاد قبل إحلاف المنكر فبذل اليمين ، احتمل إجابته إلى ذلك وعدمها.

٦٤٧٠. السابع : لو لم يقرّ الخصم ولم ينكر ، وسكت ، فإن كان لآفة من طرش (٢) أو خرس ، توصّل الحاكم الى معرفة جوابه بالإشارة المفيدة لليقين ، فإن افتقر إلى المترجم وجب اثنان عدلان.

وإن كان [سكوته] عنادا حبس حتّى يجيب ، وقيل : يقهر على الجواب (٣) وقيل : بل يقول الحاكم : إمّا أن تجيب وإمّا أن أجعلك ناكلا ، وأردد اليمين على المدّعي ، (٤) فإن أصرّ ، ردّ الحاكم اليمين على المدّعي ، والأوّل مرويّ. (٥)

__________________

(١) لاحظ المبسوط : ٨ / ٢٥٥.

(٢) الطرش : الصمم. المصباح المنير : ٢ / ٢٠.

(٣) قال في الجواهر : «وإن كنّا لم نعرف قائله» جواهر الكلام : ٤٠ / ٢٠٧.

(٤) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٨ / ١٦٠.

(٥) كذا في الشرائع أيضا ، قال الشهيد الثاني : «لم نقف على روايته». المسالك : ١٣ / ٤٦٦.

١٤٦

الفصل الخامس : في القضاء على الغائب

وفيه ثمان مباحث :

٦٤٧١. الأوّل : يقضى على الغائب عن مجلس الحكم مطلقا ، سواء كان مسافرا أو حاضرا ـ وقيل : (١) يعتبر في الحاضر تعذّر حضوره عن مجلس الحكم ـ سواء كان للغائب وكيل أو شفيع أو لم يكن.

٦٤٧٢. الثاني : لا بدّ وأن تكون الدّعوى على الغائب معلومة ، بأن يعيّن جنس المال وقدره ، وأن تكون صريحة ، بأن يقول : إنّي مطالب به ، ولا يكفي قوله : لي عليه كذا.

ولا بدّ من أن تكون معه بيّنة ، ويدّعي جحود الغائب ، فلو أقر أنّه معترف لم تسمع بيّنته إلّا لأخذ المال ، ولو لم يتعرّض لجحوده ، احتمل السماع وعدمه.

ولو اشترى شيئا فخرج مستحقّا ، والبائع غائب سمعت بيّنته وإن لم يدّع الجحود.

٦٤٧٣. الثالث : قد بيّنا أنّ الأقوى وجوب إحلاف المدّعي على الغائب مع البيّنة على بقاء الحق وعدم الإبراء والاستيفاء ، ولا يجب التعرّض في اليمين لصدق الشهود.

__________________

(١) القائل هو الشيخ في المبسوط : ٨ / ١٦٢.

١٤٧

ولو ادّعى وكيله على الغائب فلا يمين ، ويسلّم الحقّ.

ولو ادّعى وكيل الغائب على الحاضر ، فقال : أبرأني موكّلك الغائب أو سلّمت إليه ، لم ينفعه ، ويسلّم المال ثمّ يثبت الإبراء ، أو يصبر إلى أن يحلف الغائب ، وإلّا أدّى إلى تعذّر استيفاء الحقوق بالوكالة مع الغيبة ، ويحتمل التوقّف لإمكان الأداء.

٦٤٧٤. الرابع : إنّما يقضى على الغائب في حقوق الناس ، كالدّيون ، والعقود ، والأرش ، والقصاص ، أمّا حقوق الله تعالى كالحدّ في الزنا واللواط وشبههما ، فلا.

ولو اشتمل الحكم على الحقّين ، قضي بالمختصّ بالناس ، كغرم المال في السرقة ، دون القطع فيها.

وللحاكم أن يتصرّف في المال الحاضر لليتيم الغائب عن ولايته ، وله نصب قيّم في ذلك المال.

٦٤٧٥. الخامس : إذا سمع البيّنة فحضر الغائب قبل الحكم ، عرّفه الحاكم الدّعوى والبيّنة والعدالة ، فإن اعترف حكم عليه باعترافه ، وإن ادّعى القضاء أو الإبراء أو الجرح أجّل ثلاثة أيّام ليأتي بالبيّنة على ذلك ، فإن أقام البيّنة ، وإلّا حكم عليه.

وإن حضر بعد الحكم ، فإن اعترف ألزمه ، وإن أقام بيّنة بالقضاء أو الإبراء برئ ، وإن جرح الشهود لم يسمع منه حتّى يثبته مقيّدا ، وهو أنّ الفسق كان موجودا حال الحكم أو قبله ، لجواز تجدّده بعده.

٦٤٧٦. السّادس : إذا أقرّ المحكوم عليه أنّه هو المشهود عليه ألزم ، وإن أنكر

١٤٨

وكانت الشهادة بوصف تحتمل المشاركة فيه غالبا ، فالقول قوله مع اليمين إلّا أن يقيم المدّعي البيّنة أنّه الغريم.

وإن كان الوصف ممّا تندر المشاركة فيه ، لم يلتفت إلى إنكاره.

ولو ادّعى أنّ في البلد من يشاركه في الوصف أو في الاسم والنسب ، كلّف بيانه ، فإن كان حيّا كلّف إحضاره ويسأل ، فإن اعترف أنّه الغريم ألزم وأطلق الأوّل ، وإن أنكر وقف الحكم حتّى يظهر ، إمّا بأن يحضر الشهود ويشهدون على العين ، أو بأن يذكروا مزيّة لأحدهما يتميّز بها عن صاحبه.

وإن كان المساوي (١) ميّتا ، فإن دلّت الحال على براءته بأن يقادم عهد موته عن الواقعة أو عن الغريم ، ألزم الأوّل ، وإن اشتبه ، أخّر الحكم حتّى يظهر.

٦٤٧٧. السّابع : المحكوم به إذا كان غائبا ، فإن كان دينا ، ميّزه بالقدر والجنس ، وإن كان عقارا ميّزه بالحدّ ، أمّا ما عداهما من الأقمشة والرقيق والحيوان ، احتمل الحكم على عينه بعد تمييزه بالصّفات النادرة الاشتراك ، خصوصا إذا عسر اجتماعها كالمحكوم عليه.

واحتمل تعلّق الحكم بالقيمة ، فلا يجب ذكر الصفات.

ويحتمل عدم الحكم ، بل يسمع البيّنة ويكتب إلى القاضي الاخر ليسلّم العبد الموصوف إليه ليحمله إلى بلد الشهود ليعيّنوه بالإشارة.

ولا يجب على سيّد العبد ذلك بل يكلّف المدّعي إحضار الشهود

__________________

(١) المراد من المساوي : من يشاركه في الوصف أو في الاسم والنّسب.

١٤٩

ليشهدوا بالعين ، فإن تعذر إحضارهم ، لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولا بيعه على من يحمله.

ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز ، فإن تلف العبد قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ، ضمن المدّعي قيمة العبد وأجرته.

وإذا حمله الحاكم للمصلحة ألزم الغريم بكفيل ليأخذ العبد من صاحب اليد أو بالقيمة ثمّ يستردّها إن ثبت ملكه فيه.

ولو كان المحكوم عليه والعبد حاضرين إلّا أنّ المدّعى عليه لم يحضره مجلس الحكم ، (١) طولب باحضاره بعد قيام الحجّة بالصّفة ، وإن عرف القاضي العبد ، حكم بعلمه من دون الإحضار.

وإن أنكر وجود مثل هذا العبد في يده ، طولب المدّعي بالبيّنة على أنّه في يده ، فان أقام أو حلف بعد النكول ، حبس إلى أن يحضره أو يدّعي التّلف ، [وتؤخذ منه القيمة] فإذا حضر أعاد الشهود الشهادة على العين.

ولو حلف المنكر أنّه ليس في يده هذا العبد الموصوف ، ولا بيّنة ، بطلت الدعوى.

ولو شهدت البيّنة أنّ العبد الّذي في يده للمدّعي ، ثبت الحكم ، ولا حاجة إلى الوصف.

٦٤٧٨. الثامن : أجمع علماؤنا على أنّه لا اعتبار بكتاب قاض إلى قاض ، ولا يجوز العمل به ، أمّا إذا حكم الحاكم ، وشهد بحكمه عدلان ،

__________________

(١) كما إذا كان العبد في البلد ولم يحضر مجلس الحكم.

١٥٠

وحضرا الخصومة وكيفيّة الحكم ، وأشهدهما على حكمه ، ثمّ أقاما البيّنة (١) عند حاكم آخر ، ثبت ذلك الحكم عند المشهود عنده (٢) وأنفذ الثاني ما ثبت عنده ، لا أنّه يحكم بصحّة الحكم في نفس الأمر ، وإنّما يمضي ما حكم به الأوّل لتنقطع الخصومة.

وإن لم يحضر الشاهدان الحكومة ، بل حكى القاضي لهما وأشهدهما على حكمه ، ففي القبول نظر ، وكذا الإشكال لو أخبر الحاكم حاكما آخر بأنّه ثبت عنده كذا ، وأنّه حكم به ، أمّا لو أخبره أنه ثبت عنده ولم يخبره بالحكم ، فإنّه لا ينفذه قطعا.

ولا اعتبار بالكتابة ، سواء كان الكتاب مختوما أو لا.

ولو تغيّرت حال الأوّل بموت أو عزل ، لم يقدح ذلك في العمل بحكمه ، أمّا لو تغيّرت بفسق فإنّه لا اعتبار بحكمه ، وما سبق إنفاد حكمه على فسقه يقرّ عليه.

ولا اعتبار بتغيّر المكتوب إليه ، فلو حكم وشهد بحكمه عدلان ، وكتب صورة الحكم إلى آخر فتغيّرت حال الثاني ، لم يبطل حكم الأوّل ، وجاز لكلّ من ثبت عنده حكمه بشهادة الشاهدين إنفاذ ما حكم به.

ولو شهد الشاهدان بتفصيل الحكم بخلاف ما في الكتاب جاز ، لأنّه لا

__________________

(١) أي أقاما الشهادة من أنّ هذا كتاب فلان القاضي إليك أشهدنا على نفسه بما فيه ، لأنّه قد يكون كتابه غير الّذي أشهدهما عليه. ولاحظ المبسوط : ٨ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) في هامش «أ» : عند المشهود.

١٥١

عبرة بالكتاب ، نعم لو حدث للقاضي الثاني الريبة ، توقّف في الحكم.

ولو قال القاضي : اشهدا بأنّ ما في هذا الكتاب خطّي لم يكف ، وكذا لو قال : ما في الكتاب حكمي ، نعم لو قرأه عليهما ، وفصّل لهما ما فيه ، وحضرا الخصومة والحكم ، جاز لهما الشهادة ، فيكون المعتبر حينئذ ما علماه لا ما في الكتاب.

ولو قال المقرّ له (١) : اشهد عليّ بما في القبالة فأنا عالم به ، ففي الاكتفاء به نظر ، فإن قلنا به فلا بدّ وأن يحفظ الشاهد القبالة أو ما فيها.

وإذا كتب الأوّل فليذكر في الكتاب اسم المحكوم عليه واسم أبيه وجدّه وحليته (٢) ، بحيث يتميّز عن غيره ، فان أنكر المأخوذ كونه مسمّى بذلك الاسم ، حلف وانصرف القضاء عنه ، وإن نكل حلف المدّعي ، وتوجّه الحكم عليه.

ولو لم يحلف على نفي الاسم بل على أنّه لا يلزمني شي‌ء ، لم يقبل.

ولو قصر القاضي فكتب : إنّي حكمت على جعفر بن محمّد ، فالحكم باطل ، حتّى لو أقرّ رجل بأنّه جعفر بن محمّد وأنّه المقصود بالكتاب ، ولكن أنكر الحقّ ، لم يلزمه شي‌ء بالقضاء المبهم.

ولو لم يحكم الأوّل ولكن اقتصر على سماع البيّنة ، لم يفد شيئا ، وافتقر الثاني إلى سماع البيّنة أيضا.

__________________

(١) في «ب» : المقرّ.

(٢) في «ب» : وتحلّيه.

١٥٢

الفصل السّادس : في الدعاوى والبيّنات

مدار هذا الفصل على خمسة مطالب : الدّعوى ، والجواب ، واليمين ، والنكول ، والبيّنة.

المطلب الأوّل : في الدعوى

وفيه عشرة مباحث :

٦٤٧٩. الأوّل : من كان له عين في يد غيره ، كان له انتزاعها ولو قهرا ما لم تحصل فتنة ، ولا يفتقر إلى إذن الحاكم.

أمّا العقوبة فيقف استيفاؤها على إذن الحاكم.

وأمّا الدّين فإن كان الغريم مقرّا به باذلا له ، لم يكن لصاحبه الأخذ من دون إذن الغريم أو الحاكم ، لأنّ الغريم مخيّر في جهة القضاء ، فلا يتعيّن الحقّ إلّا بتعيّنه أو تعيين الحاكم مع غيبته.

ولو كان الغريم معترفا مماطلا ، أو جاحدا ، أو هناك (١) بيّنة يثبت عند الحاكم ، والوصول إليه ممكن ، ففي جواز الأخذ من دون الحاكم تردّد ينشأ من جواز الاقتصاص مطلقا ، ومن كون التعيين منوطا بنظر الغريم أو الحاكم ، ونصّ الشيخ رحمه‌الله على الجواز (٢).

__________________

(١) في «أ» : وهناك.

(٢) الخلاف : ٦ / ٣٥٥ ، المسألة ٢٨ من كتاب الدعاوي والبيّنات ؛ المبسوط : ٨ / ٣١١.

١٥٣

ولو كان جاحدا ولا بيّنة هناك ، أو تعذّر الوصول إلى الحاكم ، ووجد الغريم من جنس ماله ، جاز له الأخذ مستقلّا بقدر حقّه ، سواء كان المال وديعة عنده أو لا ، ومنع الشيخ رحمه‌الله من الأخذ من الوديعة (١) والوجه الكراهية.

ولو كان المال من غير الجنس جاز أن يأخذ بقدر حقّه بعد التقويم بالقيمة العدل ، ولا اعتبار حينئذ برضا المالك.

وإذا أخذ ما يساوي دينه باعه وقبض الدين من الثمن ، وكان كالوكيل عن المالك.

فإن تلفت [العين] قبل البيع ، قال الشيخ رضي الله : الأليق بمذهبنا عدم الضمان (٢) وهو وجه ، ويحتمل الضمان ، لأنّه قبض لم يأذن فيه المالك فيتقاصّان حينئذ ، وليس له الانتفاع قبل البيع ، وعليه المبادرة إلى البيع ، فلو قصّر ونقصت القيمة ضمن النقصان ، ولا يضمن ما ينقص قبل التقصير.

ولو أخذ ما يزيد على مقدار حقّه فهو من ضمانه ، إلّا مع التعذّر ، بأن يكون حقّه مائة ولم يجد سوى سيف يساوي مائتين أو جارية كذلك ، فالأقرب هنا عدم الضمان ، وكذا لو احتاج الى نقب جداره ، فالأقرب أنّه لا يضمن النقب ، لاحتياجه إليه.

ولو كان حقّه صحاحا فوجد المكسور ، جاز أن يتملّك ويرضى به ، ولو كان بالعكس ، فليس له التملّك ولا البيع بالمكسور مع التفاضل ، للربا ، بل يبيعه بالدنانير ، ويشتري بها من الدراهم قدر حقّه.

__________________

(١) النهاية : ٣٠٧.

(٢) المبسوط : ٨ / ٣١١.

١٥٤

ولو استحقّ كلّ واحد منهما على صاحبه ما لا يحصل التقاصّ فيه إلّا بالتراضي فجحد أحدهما فللآخر أن يجحد.

٦٤٨٠. الثاني : المدّعي هو الّذي يخلّى وسكوته ، (١) وقيل : الّذي يدّعي خلاف الظاهر ، أو خلاف الأصل (٢).

وتظهر الفائدة في الزوجين إذا أسلما قبل الدخول ، وادّعى الزّوج المعيّة في الإسلام ، ليدوم النكاح ، وادّعت المرأة التّعاقب.

فإن عرّفنا المدّعي بالأوّل ، فالمدّعي هنا المرأة ، لأنّ الزوج لا يخلّى وسكوته.

وإن عرّفناه بالثاني ، فالمدّعي الزوج ، لأنّه الّذي يدّعي خلاف الظاهر ، فإنّ الاصطحاب نادر ، والجليّ هو التعاقب في الإسلام.

إذا عرفت هذا فالمنكر في مقابلته.

٦٤٨١. الثالث : يشترط في المدّعي البلوغ ، وكمال العقل ، وأن يدّعي لنفسه ، أو لمن له ولاية الدعوى عنه ، بأن يكون وكيلا أو وصيّا أو وليّا أو حاكما أو أمينه ، وأن يدّعي ما يصحّ تملّكه له أو لمن يدّعي عنه.

فلو ادّعى الصغير أو المجنون أو من لا ولاية له عليه ، أو ادّعى خمرا أو خنزيرا وكان مسلما ، لم تسمع دعواه.

ولا بدّ من صحّة الدّعوى ، فلو ادّعى أنّ له عليه شيئا ، لم تسمع.

ولو قال : وهب منّي لم يسمع حتّى يدّعي القبض ، وكذا لو قال : وقف عليّ أو رهن عندي إن قلنا باشتراط القبض في الرهن.

__________________

(١) أي لو ترك إقامة الدّعوى ، لانتهى الأمر.

(٢) كما في الشرائع : ٤ / ١٠٦. ولاحظ الأقوال حول المدّعي والمنكر في الجواهر : ٤٠ / ٣٧٤.

١٥٥

ولو ادّعى البيع افتقر إلى أن يقول : ويلزمه التسليم إليّ ، لجواز الخيار ، فيحلف المنكر أنّه لا يلزمه التسليم.

٦٤٨٢. الرابع : لو قامت عليه البيّنة بملك أو حقّ ، فليس له أن يحلف المدّعي مع البيّنة ما لم يقدّم دعوى صحيحة ، كبيع أو إبراء.

ولو ادّعى فسق الشهود ، وعلم الخصم به ، أو فسق الحاكم الّذي حكم عليه ، ففي السماع تردّد ، ينشأ من أنّه ليس حقا لازما ، ولا يثبت بالنكول ولا اليمين المردودة ، ولأنّه يثير فسادا. ومن أنّه ينتفع به في حقّ لازم ، كما لو قذف ميّتا وطلب الوارث الحدّ ، فادّعى علمه بزناه.

ولو ادّعى الإقرار ، ففي تحليف منكره إشكال ينشأ من أنّ الإقرار لا يثبت حقّا في نفس الأمر ، بل يقضى به ظاهرا ، وليس الإقرار عين الحقّ ، وكذا لو قال بعد قيام البيّنة قد أقرّ لي بهذا ، وكذا لو توجّه اليمين على المدّعى عليه ، فقال قد حلّفني عليه مرّة ، وأراد أن يحلفه عليه ، ففي سماع هذه الدعاوى إشكال.

ولا تسمع الدّعوى على القاضي والشاهد بالكذب ، لما في ذلك من الفساد العظيم.

٦٤٨٣. الخامس : لو قال المنكر بعد قيام البيّنة : أمهلوني فلي بيّنة رافعة حتّى أحضرها ، أجلّ ثلاثة أيّام.

ولو قال : أبرأني عن الحقّ ، فحلفوه سمع ، وأحلف المدّعي على عدم الإبراء قبل الاستيفاء.

ولو قال : أبرأني عن الدعوى لم تسمع.

١٥٦

ولو قال : أبرأني موكّلك استوفى في الحال.

٦٤٨٤. السادس : لا تفتقر صحّة الدعوى إلى التفصيل من كلّ وجه في نكاح ولا غيره إلّا في دعوى القتل ، لعظم خطره (١) وعدم استدراك فائته.

فلو قالت : هذا زوجي كفى في ادّعاء النكاح ، وإن لم يضم إليه دعوى شي‌ء من حقوق الزوجيّة.

ولو ادّعى البيع لم يفتقر إلى ضمّ قيد الصحّة.

ولو أنكر الزّوجية بعد ادّعائها لم يكن ذلك طلاقا ، فلو رجع سلّمت الزوجة إليه ، ولو بقي على إنكاره لم تنتف الدّعوى إلّا باليمين ، فإن نكل قضي عليه بالنكول على أحد قولي علمائنا وعلى الاخر يردّ اليمين على الزوجة ، فإذا حلفت ثبتت الزّوجية ، وفي تمكين الزوج منها إشكال ينشأ من إقراره على نفسه بتحريمها ، ومن حكم الحاكم بالزوجيّة ، وكذا البحث لو كان المدّعي للزوجية هو الرّجل.

٦٤٨٥. السابع : لو ادّعى أنّ هذه بنت أمته لم تسمع ، لاحتمال أن تلدها في ملك غيره ، أو حرّة ثمّ تنتقل إليه ، وكذا لو قال : ولدتها في ملكي ، لاحتمال أن تكون حرّة أو ملكا لغيره ، ولو أقام بيّنة بذلك لم تسمع ما لم تشهد بأنّ البنت ملكه ، وكذا البحث لو قال : هذه ثمرة نخلتي ، أو هذه بيضة دجاجتي.

ولو أقرّ من في يده الجارية أو الثمرة أنّ هذه بنت جاريته أو ثمرة نخلته ، لم يحكم عليه لو فسّره بما ينافي الملك ، أمّا لو قال : هذا الغزل من قطن فلان ، أو

__________________

(١) في «ب» : لعظيم خطره.

١٥٧

هذا الخبز من حنطته ، أو هذه الدّجاجة من بيضته ، فإنّه يحكم بالملك للمقرّ له.

٦٤٨٦. الثامن : لو ادّعى من يباع في الأسواق الحرّيّة لم تسمع منه إلّا بالبيّنة ، وكذا لو ادّعى العتق ، أمّا لو ادّعى مجهول الحال الحرّيّة في الأصل ، فالقول قوله مع يمينه ، ولو ادّعى الإعتاق كلّف البيّنة.

ويجوز شراء من يوجد في أيدي الناس من العبيد بظاهر اليد خصوصا مع سكوت العبد ، ولا يفتقر إلى الإقرار.

٦٤٨٧. التاسع : لو ادّعى دينا مؤجّلا سمعت دعواه وإن لم يلزمه به شي‌ء في الحال وتسمع دعوى الاستيلاد والتدبير.

ولو سلّم ثوبا إلى دلّال قيمته خمسة ، وأمره أن يبعه بعشرة (١) فأنكر ، فله أن يقول : لي عليه ثوب إن تلف فعليه خمسة ، وإن باع فعشرة ، وإن كان باقيا فعليه ردّه ، سمعت هذه الدّعوى مع التردّد للحاجة.

٦٤٨٨. العاشر : من ادّعى ما لا يد لأحد عليه ، قضي له به ، لعدم المنازع ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضا ألكم هذه الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، فقال واحد منهم : هو لي ، فلمن هو؟ قال : للّذي ادّعاه. (٢)

وروى الحسن بن عليّ بن يقطين عن أمية بن عمرو عن الشعيري قال :

__________________

(١) في «ب» : لعشرة.

(٢) التهذيب : ٦ / ٢٩٢ برقم ٨١٠ ، الوسائل : ١٨ / ٢٠٠ ، الباب ١٧ من أبواب كيفيّة الحكم ، الحديث ١.

١٥٨

سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن سفينة انكسرت في البحر ، فأخرج بعضه بالغوص وأخرج بعض ما غرق فيها ، فقال : أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم ، وهم أحقّ به. (١)

قال ابن إدريس : إنّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه ، وما تركه أصحابه آيسين منه ، فهو لمن وجده ، وغاص عليه ، لأنّه بمنزلة المباح ، كالبعير ترك في غير كلاء ولا ماء من جهد ، فإنّه يكون لواجده. وادّعى الإجماع على ذلك. (٢)

المطلب الثاني : في الجواب وهو إمّا إقرار أو إنكار أو سكوت

وفيه خمسة مباحث :

٦٤٨٩. الأوّل : لو قال المدّعى عليه : لي عن دعواك مخرج ، أو لفلان عليّ أكثر من مالك استهزاء ، أو قال : الشهود عدول ، لم يكن إقرارا.

ولو قال : لي عليك عشرة ، فقال : ليس يلزمني العشرة ، كفى في الإنكار ، وكلّف في اليمين انّه ليس عليه عشرة ولا شي‌ء منها ، فان اقتصر على نفي العشرة ، كان ناكلا عن اليمين فيما دون العشرة ، لأنّ المدّعي للعشرة مدّع لأجزائها ، فللمدّعي أن يحلف على عشرة الأشياء ، نعم لو أضاف المقدار إلى عقد ، بأن يقول : اشترى بعشرة ، فيقول : ما اشريت بعشرة ، أو تقول : نكحني بخمسين ، فيحلّف أنّه لم ينكح بالخمسين ، لم يكن للمدّعي هنا اليمين على الأقلّ ، للتناقض.

__________________

(١) التهذيب : ٦ / ٢٩٧ ، برقم ٨٢٢ ؛ الوسائل : ١٧ / ٣٦٢ ، الباب ١١ من أبواب اللقطة ، الحديث ٢.

(٢) السرائر : ٢ / ١٩٥ ، باب النوادر في القضاء والأحكام.

١٥٩

٦٤٩٠. الثاني : لو قال : مزّقت ثوبي فلي عليك الأرش ، كفاه أن يقول : لا يلزمني الأرش ، وإن لم يتعرّض للتمزيق ، لجواز أن يمزّقه ولا يلزمه الأرش ، فلو أقر لطولب بالبيّنة ويتعذّر عليه ، وكذا لو ادّعى عليه دينا فقال : لا يستحقّ عندي شيئا ، لم يكلّف الحلف على عدم الاقتراض ، لجواز الاستيفاء والإبراء.

ولو ادّعى عينا فقال : لا يلزمني التسليم ، كفى في الجواب ، لجواز أن يكون رهنا أو مستأجرة ، فلو أقام المالك البيّنة بالملك ، وجب التسليم ، وكذا لو قال : إنّه في يدي باجارة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، لا قول ذي اليد.

ولو فصّل الجواب وقال : إن ادّعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني التسليم ، وإن ادّعيت مرهونا فقل حتّى أجيب ، لم يسمع.

ولو احتال فأنكر الملك (١) عقيب إنكار المدّعي الدّين ، فالوجه الجواز ، كمن ظفر بغير جنس حقّه.

٦٤٩١. الثالث : لو ادّعى شيئا فقال من هو في يده : ليس لي بل هو لفلان ، اندفعت الحكومة عنه ، سواء أسند الملك إلى حاضر أو إلى غائب ، فإن قال المدّعي : أريد إحلافه على عدم علمه بأنّ العين لي ، قال الشيخ رحمه‌الله : لا يحلف ولا يغرم لو نكل. (٢) والوجه وجوب إحلافه ، لأنّ فائدة اليمين ظاهرة ، وهو الغرم لو امتنع ، لا القضاء بالعين لو نكل أو ردّ ، لأنّه حال بين المالك وماله بإقراره لغيره.

ثمّ المقرّ له إن أنكر وقال : إنّها للمدّعي حكم له بها ، وإن لم يقل ذلك ،

__________________

(١) في «أ» : فأنكر المالك.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٦٦.

١٦٠