تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-018-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦٥٨

فالأقرب جواز الشهادة على شهادته ، وكذا لو سمعه يسترعي شاهدا آخر.

أمّا لو قال : أنا أشهد بكذا ، فليس للشاهد أن يتحمّل ، لجواز إرادة الوعدة.

٦٦٩٥. الثالث : إذا قال شاهد الأصل : اشهد على شهادتي أنّني أشهد بكذا ، كان أعلى مراتب الاسترعاء ، وللفرع أن يقول : أشهدني على شهادته.

ولو سمعه يشهد عند الحاكم ، فهو دون الأول (١) وأدون منهما أن يسمعه يشهد جزما لا عند الحاكم وفيهما ، ليس للفرع أن يقول : أشهدني ، بل يقول : أشهد أنّ فلانا شهد عند الحاكم بكذا ، أو أشهد أنّ فلانا شهد بكذا بسبب كذا.

٦٦٩٦. الرابع : يجب أن يشهد على كلّ شاهد شاهدان ، إذ المراد إثبات شهادة الأصل ، وإنّما يتحقّق باثنين ، ولو شهد اثنان على كلّ واحد من شاهدي الأصل جاز ، وكذا لو شهد اثنان على شاهد الأصل (٢) وأحد الاثنين وثالث على شهادة الأصل الاخر ، أو شهد شاهد أصل وهو مع آخر على شهادة أصل آخر ، أو شهد اثنان على جماعة ، بأن يشهد الاثنان على شهادة كلّ واحد منهم ، أو شهد اثنان على شهادة رجل وامرأتين ، أو شهدا على شهادة أربع نساء فيما تقبل فيه شهادة النساء منفردات.

ولو شهد واحد فرع على شاهد أصل ، وشهد آخر غير الأوّل على شهادة أصل آخر ، لم تقبل.

ولا يشترط أن يشهد على شاهدي الاصل أربعة ، بحيث يكون الاثنان

__________________

(١) في «أ» : الأولى.

(٢) في «ب» : شاهد أصل.

٢٨١

على أحدهما مغايرين للاثنين على الاخر ، بل يجوز أن يشهد اثنان على الأصلين ، بحيث يكون كلّ واحد من الفرعين يشهد على كلّ واحد من الأصلين.

ولو شهد بالحقّ شاهد أصل ، وشاهدا فرع يشهدان على أصل آخر جاز.

٦٦٩٧. الخامس : انّما تقبل شهادة الفرع بشروط ثلاثة :

الأوّل : تعذّر شهادة الأصل ، إمّا بموت ، أو مرض ، أو حبس ، أو خوف من سلطان أو غيره ، أو غيبة ، فلو تمكّن شاهد الأصل من الحضور ، لم تسمع شهادة الفرع ، ولا تقدير للغيبة ، بل ضابطها اعتبار المشقّة على شاهد الأصل في حضوره ، ولا تشترط مسافة القصر.

الثاني : أن يتحقّق شروط الشهادة من العدالة وغيرها في كلّ واحد من شهود الأصل والفرع ، ولو عدّل شهود الفرع شهود الأصل جاز ، وإن لم يشهدا بعدالتهما جاز أيضا ، لكن يتولّى الحاكم ذلك ، فإن عرف عدالتهما حكم ، وإلّا بحث عنهما.

ولا بدّ من استمرار هذا الشرط ووجود العدالة في الجميع إلى انقضاء الحكم ، ويعتبر هاهنا (١) عدالة شاهدي الأصل عند الاسترعاء وإن لم يكن وقت الحكم ، واستمرارها إلى وقت الحكم ، فلو طرأ الفسق ، أو الرّدّة ، أو العداوة على شاهدي الأصل ، امتنع شهادة الفرع (٢) وكذا لو طرأت العبوديّة للمشهود عليه.

ولا يمنع طريان العمى فيما يشترط فيه الرؤية ، ولو مات شهود الأصل أو

__________________

(١) في «ب» : هنا.

(٢) في «أ» : امتنع شاهد.

٢٨٢

الفرع لم يمنع الحكم ، وكذا لو مات شهود الأصل قبل أداء الفرع شهادتهم ، وكذا لو جنوا.

الثالث : أن يعيّنا شاهدي الأصل ويسمّياهما ، فلو لم يسمّياهما لم تقبل شهادتهما وإن عدّلاهما.

٦٦٩٨. السّادس : لو شهد شاهدا فرع ، وأنكر [شاهد] الأصل الفرع ، (١) قال الشيخ رحمه‌الله : تقبل شهادة أعدلهما ، فإن تساويا طرحت شهادة الفرع (٢) وقال ابن بابويه في رسالته : تقبل شهادة الثّاني ، ويطرح إنكار الأصل مع التّساوي في العدالة (٣).

وكلاهما ليس بجيّد ، بل الأولى طرح شهادة الفرع ، لأنّ الأصل إن صدق كذب الفرع ، وإلّا كذب الأصل ، وعلى كلا التقديرين تبطل شهادة الفرع ، وتحمل الرواية (٤) الّتي أفتى بها الشيخ رحمه‌الله على ما لو قال الأصل : لا أعلم.

٦٦٩٩. السّابع : لو شهد الفرعان ثمّ حضر شاهد الأصل ، فإن كان الحكم ، لم يقدح في الحكم ، وافقا أو خالفا ، وإن كان قبله سقط اعتبار الفرع ، وكان الاعتبار بشاهد الأصل.

٦٧٠٠. الثّامن : الأقرب عدم قبول شهادة النساء على الشهادة مطلقا ، سواء كان المشهود به ممّا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ، كالعيوب الباطنة ، والاستهلال ،

__________________

(١) في «ب» : فأنكر الأصل.

(٢) النهاية : ٣٢٩.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٦١ ونقله عنه الحلّي في السرائر : ٢ / ١٢٧ ، والمصنف في المختلف : ٨ / ٥٢٥.

(٤) الوسائل : ١٨ / ٣٠٠ ، الباب ٤٦ من أبواب الشهادات ، الحديث ٣. وفيه «ولو كان أعدلهما واحدا لم تجز شهادته» والظاهر طروء التصحيف إلى متن الحديث ، ونقله الشهيد في المسالك هكذا «ولو كانت عدالتهما واحدة لم تجز الشهادة» لاحظ المسالك : ١٤ / ٢٨٠.

٢٨٣

والوصيّة ، أو لا تقبل ، وسواء كان شاهد الأصل من النساء أو من الرّجال.

٦٧٠١. التاسع : لو أقرّ بالزنا بالعمة ، أو الخالة ، أو بوطء البهيمة ، أو باللواط ، ثبت بشاهدين ، وقبل في ذلك الشهادة على الشهادة ، ولا يثبت الحدّ ولا التعزير بذلك ، بل انتشار حرمة النكاح ، وتحريم أكل الدّابّة ، ووجوب بيعها في بلد الغربة.

٦٧٠٢. العاشر : ليس على الفروع أن يشهدوا على صدق شهود الأصل.

الفصل السّابع : في الرجوع

وفيه سبعة وعشرون بحثا :

٦٧٠٣. الأوّل : إذا رجع الشهود أو بعضهم قبل الحكم ، لم يحكم ، سواء شهدوا بحدّ ، أو مال ، أو حقّ.

ولو رجعوا بعد الحكم والاستيفاء وتلف المحكوم به ، لم ينقض الحكم ، وضمن الشهود ، ولو رجعوا بعد الحكم وقبل الاستيفاء فإن كان حدّا ، نقض الحكم ، سواء كان لله تعالى أو لآدميّ ، لأنّ رجوعهم شبهة ، فيدرأ الحدّ لها.

وإن كان مالا ـ عينا أو دينا ـ لم ينقض ، سواء سلّم العين الى المشهود له أو لا ، وسواء كانت العين باقية أو لا ، وغرم الشهود ما شهدوا به.

وقال الشيخ في النهاية : إذا كان الشي‌ء قائما بعينه ، ردّ على صاحبه ولم يغرم الشاهدان (١) وليس بمعتمد.

__________________

(١) النهاية : ٣٣٦.

٢٨٤

٦٧٠٤. الثاني : لو شهد أربعة بالزنا ثمّ رجعوا حدّوا ، فإن قالوا : «غلطنا» فالأقرب وجوب الحدّ للفرية أيضا ، ولو لم يصرّحوا بالرّجوع ، بل قالوا للحاكم : توقّف ، ثمّ عادوا وقالوا : اقض ، فالأقرب جواز القضاء ، وهل تجب إعادة الشّهادة؟ الأقرب الوجوب.

٦٧٠٥. الثالث : لو شهد اثنان بالقتل أو الجرح ، فاستوفى الحاكم بعد التعديل ، ثمّ رجعا ، فإن قالا : تعمّدنا اقتصّ منهما ، وإن قالا : أخطأنا كان عليهما الدية.

وإن قال أحدهما : تعمّدت وقال الاخر : أخطأت اقتصّ من العامد ، وأخذ نصف الدّية من المخطئ.

وإذا اعترفا معا بالعمد ، فللوليّ قتلهما وردّ الفاضل عن دية صاحبه ، وله قتل البعض وردّ الاخر قدر جنايته.

ولو رجع وليّ القصاص ـ وكان هو المباشر ـ واعترف بالتزوير ، فعليه القصاص ، فإن رجع الشاهدان أيضا ، فهل الشاهدان كالممسك (١) أو كالشريك؟ الأقرب الأوّل ، لأنّ المباشر أولى من السبب.

ولو رجع المزكّي ، فالأقرب أنّه كالشريك ، لكن لا يجب فيه القتل بل الدّية على إشكال.

ولو قال الشاهد : تعمّدت ، ولكن ما علمت انّه يقتل بقولي ، فالأقرب القصاص ، وكذا لو ضربه ضربا يقتل به المريض دون الصّحيح ، فإنّه يجب القصاص.

__________________

(١) في «ب» : كالمتمسك.

٢٨٥

٦٧٠٦. الرابع : لو قال أحد شهود الزنا بعد الرّجم : تعمّدت ، فإن صدّقه الباقون ، كان للوليّ قتل الجميع ، ويردّ ما فضل عن دية المرجوم.

وإن شاء قتل واحدا ، ويردّ الباقون بقدر جنايتهم على المقتول.

وإن شاء قتل أكثر من واحد بعد أن يردّ ما فضل عن دية صاحبه ، ويكمل الباقون من الشهود ما يعوز بعد وضع نصيب المقتولين.

ولو لم يرجع الباقون ، نفذ إقرار من رجع في حقّ نفسه خاصّة ، فإن اختار الوليّ قتله قتله ، وأدّى الوليّ إليه ثلاثة أرباع الدية ، وان اختار أخذ الدية منه ، كان عليه الرّبع ، وكذا لو قال : أخطأت.

وفي النهاية : إن قال : تعمّدت ، قتل ، وأدّى الثلاثة إليه ثلاثة أرباع الدّية ، قال : وإن رجع اثنان وقالا : أوهمنا ، ألزما نصف الدية ، وإن قالا : تعمّدنا ، كان للوليّ قتلهما ، ويؤدّي إلى ورثتهما دية كاملة بالسويّة بينهما ، ويؤدّي الشاهدان الآخران على ورثتهما (أيضا) (١) نصف الدية ، وإن اختار الوليّ قتل واحد (منهما) (٢) ، قتله ، وأدّى الاخر مع الباقين من الشهود على ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته (٣) والحق ما قلناه نحن أوّلا.

٦٧٠٧. الخامس : لو شهدا بطلاق امرأة ، ثمّ رجعا ، أو رجع أحدهما قبل الحكم ، بطلت شهادتهما ، وبقيت على الزوجيّة ، وإن رجعا بعد الحكم ، فإن كان ذلك قبل الدخول ، ضمنا نصف المهر المسمّى للزوج ، وإن كان بعد الدخول لم يضمنا

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٢) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٣) النهاية : ٣٣٥.

٢٨٦

شيئا ، قال ابن إدريس : لأن الأصل براءة الذّمة ، وليس خروج البضع عن ملك الزوج له قيمة ، كما لو أتلفا عليه ما لا قيمة له ، فلا يلزمهما الضمان ، وأمّا (١) قبل الدّخول فيلزمه نصف المهر ، فيجب أن يغرماه له ، لأنّهما غرماه إيّاه ، وأتلفاه بشهادتهما. (٢)

وقال الشيخ رحمه‌الله في النهاية : لو شهدا بالطلاق على رجل فاعتدّت ، وتزوّجت ثمّ دخل بها ، ثمّ رجعا ، وجب عليهما الحدّ ، وضمنا المهر للزوج الثاني ، وترجع المرأة إلى الأوّل بعد الاستبراء بعدّة من الثّاني (٣).

ومقصود الشيخ رحمه‌الله بوجوب الحدّ ، إنّما هو التعزير بشهادتهما بالزّور وأمّا الرّجوع إلى الأوّل فليس بجيّد ، وأمّا إلزامهما بالمهر للثاني ، فهو بناء على نقض الحكم ، وليس بمعتمد.

وقوّى في المبسوط (٤) عدم التضمين مع الدخول ، لأنّ الأصل براءة الذّمة ويضمن نصف المسمّى إن كان قبله ، ثمّ قال : ومنهم من قال : إن كان المهر مقبوضا ، لزمهما كمال المهر ، وإن لم يكن مقبوضا ، لزمهما نصفه ، لأنّه إذا كان مقبوضا لا يردّ منه شيئا ، لاعترافه لها به لبقاء الزوجيّة بينهما ، فلمّا حيل بينهما ، رجع بالجميع عليهما ، وليس كذلك إذا كان قبل القبض ، لأنّه لا يلزمه إلّا إقباض نصفه ، فلهذا رجع بالنصف عليهما ، قال : وهذا قويّ (٥).

وعندي في هذه المسألة إشكال ، ينشأ من كون الرّجوع إنّما يثبت على

__________________

(١) كذا في المصدر ولكن في النسختين «لم يلزمها ضمان أمّا».

(٢) السرائر : ٢ / ١٤٥.

(٣) النهاية : ٣٣٦.

(٤) المبسوط : ٨ / ٢٤٧.

(٥) المبسوط : ٨ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨.

٢٨٧

الشاهد فيما يتلفه بشهادته ووجوب نصف المهر قبل الدخول ، أو المهر بعده لم يتلف من الزوج شيئا ، لأنّه واجب عليه سواء طلّق أو لم يطلّق ، والحاصل أنّ بشهادتهما بالطّلاق قبل الدخول لم يتلفا نصف المهر ، لأنّه واجب عليه بالعقد ، وبعد الدّخول لم يتلفا المهر لاستقراره في ذمته بالدخول ، وإنّما أتلفا بشهادتهما البضع عليه ، فيجب عليهما ضمانه ، وإنّما يضمن بمهر المثل ، فيجب مهر المثل مع الدخول ، لأنّهما أتلفا البضع عليه ، ونصفه قبل الدّخول ، لأنّه إنّما ملك نصف البضع ، ولهذا إنّما يجب عليه نصف المهر.

ويحتمل ما ذكرناه أوّلا ، من تضمين نصف المسمّى إن كان قبل الدخول ، لأنّهما ألزماه للزوج بشهادتهما ، وقرّراه عليه ، وكان بمعرض (١) السقوط بالرّدة والفسخ من قبلها ، وعدم التّضمين (٢) إن كان بعد الدخول ، لأنّ المهر تقرّر عليه بالدّخول ، فلم يقرّرا عليه شيئا ، والبضع غير متقوم به ، فانّها لو ارتدّت ، أو أسلمت ، أو قتلت نفسها ، أو فسخت نكاحها قبل الدخول برضاع من ينفسخ به نكاحها ، لم يغرم شيئا ، وهذا هو الأقوى عندي.

٦٧٠٨. السّادس : لو شهدا على امرأة بنكاح ، فحكم به الحاكم ، ثم رجعا ، فإن طلّقها الزّوج قبل دخوله بها ، لم يغرما شيئا ، لأنّهما لم يفوّتا عليها شيئا ، وإن دخل بها وكان [الصّداق] المسمّى بقدر مهر المثل أو أكثر منه ، ووصل إليها ، فلا شي‌ء عليهما ، لأنّها أخذت عوض ما فوّتاه عليها ، وإن كان دونه ، فعليهما ما بينهما ، وإن لم يصل إليها فعليهما ضمان مهر مثلها ، لأنّه عوض ما فوّتاه عليها.

__________________

(١) في «ب» : وكان بعرض.

(٢) عطف على قوله «من تضمين» أي يحتمل عدم التضمين.

٢٨٨

٦٧٠٩. السّابع : لو شهدا بعتق عبد أو أمة فحكم به الحاكم ، ثمّ رجعا ، ضمنا القيمة ، سواء تعمّدا أو أخطا ، لأنّهما أتلفاه بشهادتهما.

ولو شهدا بكتابة عبده ثمّ رجعا ، فإن عجز وردّ في الرّقّ ، فلا شي‌ء عليهما ، ويحتمل أن يقال : عليهما ضمان أجرة مدّة الحيلولة إن ثبتت ، وإن أدّى وعتق ، فالوجه الرّجوع بجميع القيمة ، لأنّ ما أدّاه كان من كسبه الّذي يملكه السيّد ، ولو طلب تغريمهما قبل انكشاف الحال ، فالوجه أنّه يغرمهما ما بين قيمته سليما ومكاتبا.

ولو شهدا باستيلاد أمته ثمّ رجعا ، فالوجه أنّه يرجع عليهما بما نقصتها الشهادة من قيمتها.

وإن شهدا بطلاق رجعيّ ، فالوجه أنّه لا يرجع بشي‌ء إن قلنا بالرجوع فيما إذا رجعا بعد الدخول ، لأنّه قد كان متمكّنا من تلافي ما شهدا به بالرجعة ، فالبينونة حصلت باختياره.

٦٧١٠. الثّامن : لو شهدا بمال ثمّ رجعا بعد الحكم ، غرما ما شهدا به للمحكوم عليه ، ولا يرجع به على المحكوم له ، سواء كان المال قائما أو تالفا ، لأنّهما حالا بينه وبين ملكه ، فلزمهما الضمان ولأنّهما سببا الإتلاف (١) بشهادة الزور ، فضمنا ، وهو أحد قولي الشيخ رحمه‌الله (٢) وله قول آخر انّهما يغرمان إن كان المال تالفا ، وإن كان باقيا بعينه ردّ على صاحبه ولم يغرما شيئا (٣) وليس بجيّد.

وإن رجعا أو أحدهما قبل الحكم ، بطلت الشهادة ، ولم يغرما شيئا إجماعا.

__________________

(١) في «أ» : سبب الإتلاف.

(٢) المبسوط : ٨ / ٢٤٨.

(٣) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٣٣٦.

٢٨٩

ولو رجعا بعد الحكم قبل الاستيفاء ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو رجعا بعد الاستيفاء ، لا ينقض الحكم ، بل يستوفي المحكوم له المال من المحكوم عليه ، ويرجع المحكوم عليه بما غرمه على الشاهدين.

ولو اصطلح المحكوم عليه والمحكوم له عن الحقّ الثابت بالشاهدين بشي‌ء ، رجع المحكوم عليه على الشاهدين بأقلّ الأمرين ، ولو أبرأه المحكوم له ، لم يرجع على الشاهدين بشي‌ء.

٦٧١١. التاسع : لو رجع أحد الشاهدين وحده ، لم يحكم الحاكم إن كان رجوعه قبل الحكم ، وإن رجع بعد الحكم قبل الاستيفاء في الحدود ، لم يستوف الحاكم ، وإن رجع بعد الاستيفاء ، لزمه حكم إقراره وحده ، فإن أقرّ بما يوجب القصاص وجب عليه ، وإن أقرّ بالخطإ ، وجب عليه نصيبه من الدّية ، وإن كان مالا غرم نصفه.

ولم كان الشهود أكثر من اثنين في الحقوق الماليّة أو القصاص ، أو أزيد من أربعة في الزنا ، فرجع الزائد قبل الحكم والاستيفاء ، لم يمنع ذلك الحكم ولا الاستيفاء ، وإن رجع بعد الاستيفاء أو بعد الحكم خاصّة ، ضمن نصيبه ، ويحتمل عدم الرجوع ، فعلى الأوّل لو شهد أربعة بالقصاص ، فرجع واحد منهم ، فإن قال : تعمّدت ، اقتصّ منه ، وردّ عليه الوليّ ثلاثة أرباع الدية ، وإن قال : أخطأت ، أغرم ربع الدية ، وإن رجع اثنان لزمهما النصف ، وإن رجع ثلاثة لزمهم ثلاثة أرباع.

وإن شهد ستّة بالزنا ، فرجع واحد ، ضمن السّدس ، وإن رجع اثنان ، ضمنا الثلث ، وعلى القول الثاني (١) لا ضمان عليهما ، ولو رجع ثلاثة ، فعليهم ربع الدية ،

__________________

(١) في «ب» : وعلى الثاني.

٢٩٠

وإن رجع أربعة ، فعليهم النصف ، وإن رجع خمسة ، فعليهم ثلاثة أرباعها ، وإن رجع السّتّة ، فعلى كلّ واحد السدس.

ولو شهد ثلاثة بالمال ، فرجع أحدهم ، فعلى القول الأوّل (١) يضمن الثلث ، وعلى الثاني لا شي‌ء عليه ، ولا خلاف أنّه لو رجع الثلاثة دفعة ، فإنّ كلّ واحد يغرم الثلث.

٦٧١٢. العاشر : لو حكم بشهادة رجل وامرأتين ، فرجع الرجل ، ضمن النّصف ، ولو رجعت امرأة ضمنت الرّبع ، ولو رجعوا أجمع ضمن الرجل النصف وكلّ امرأة الرّبع.

ولو شهد رجل وعشر نسوة فرجعوا أجمع ، ضمن الرجل السّدس وكلّ امرأة نصف السدس ، ولو رجع الرّجل خاصّة ، ضمن السدس على الأول وعلى الثاني النصف ، ولو رجع ثمان من النسوة خاصّة ، فعلى الأوّل عليهنّ بقدر نصيبهنّ من الشهادة لو رجعوا أجمع ، وعلى الثاني لا شي‌ء عليهنّ.

ولو شهد أربعة بأربعمائة ، فحكم الحاكم ، ثمّ رجع واحد عن مائة ، وآخر عن مائتين ، والثالث عن ثلاثمائة ، والرابع عن أربعمائة ، فعلى الأوّل على كلّ واحد ممّا رجع عنه بقسطه ، فعلى الأوّل خمسة وعشرون ، وعلى الثاني خمسون ، وعلى الثالث خمسة وسبعون ، وعلى الرابع مائة ، لاعتراف كلّ منهم بتفويت ربع ما رجع عنه ، وعلى الثاني يلزم الراجع عن ثلاثمائة وأربعمائة خمسون ، لانّ المائتين الّتي رجعا عنهما ، قد بقي بها شاهدان. (٢)

٦٧١٣. الحادي عشر : لو شهد أربعة بالزنا واثنان بالإحصان ، فرجم ، ثمّ رجعوا

__________________

(١) في «ب» : فعلى الأول.

(٢) في «أ» : قد بقي بهما.

٢٩١

أجمع ، ضمنوا له أجمع ، لأن القتل حصل بمجموع الشهادتين ، فيجب الغرم على الجميع ، كما لو شهدوا أجمع بالزنا ، وهل يوزّع على عدد الرّءوس ، أو يكون على شهود الزنا النصف ، وعلى شهود الإحصان النصف؟ فيه احتمال ، لأنّهما حزبان فلكلّ حزب نصف ، ويحتمل سقوط الضّمان عن شهود الإحصان ، لأنّهم شهدوا بالشّرط دون السّبب ، والسّبب للقتل (١) إنّما هو الزّنا ، فيضمن شهوده خاصّة.

ولو شهد أربعة بالزنا واثنان منهم بالإحصان ، ثمّ رجعوا بعد الرّجم عن الشهادتين ، فإن قلنا بالتشريك بين شهود الزنا والإحصان ، يحتمل أن يكون على شاهدي الإحصان الثلثان ، ثلث بشهادة الزنا ، وثلث بالإحصان وعلى الآخرين الثلث على التقدير الأوّل ، وعلى الثاني يجب على شاهدي الإحصان نصف الدية بشهادة الإحصان لأنّهما حزب وربع بشهادة الزنا ، وعلى الآخرين ربع آخر ، ويحتمل وجوب نصف الدّية على شاهدي الإحصان بالشهادتين معا ، والنّصف على الآخرين بشهادة الزنا ، لأنّ الدّية تقسّط على عدد الرّءوس لا على قدر الجناية ، كما لو جرحه واحد جرحا وآخر جرحين وسرى الجميع.

٦٧١٤. الثاني عشر : لو شهدا بالسّرقة فقطع المشهود عليه ، ثمّ رجعا ، فإن قالا :

أوهمنا ، غرما دية اليد ، وإن قالا : تعمّدنا ، فللوليّ قطعهما وردّ دية يد عليهما ، وقطع يد واحد ويردّ الاخر نصف دية اليد على المقطوع.

ولو قالا : أوهمنا وأتيا بآخر وقالا : إنّ السّارق هذا ، غرما دية يد الأوّل ، ولم يقبل قولهما على الثاني ، لعدم ضبطهما.

__________________

(١) في «ب» : «لأنّهم شهدوا بالشرط دون السبب للقتل» والصحيح ما في المتن.

٢٩٢

٦٧١٥. الثّالث عشر : لو شهدا أنّه أعتق هذا العبد على ضمان مائة درهم ، وقيمة البعد مائتان ، فحكم الحاكم بشهادتهما ، ثمّ رجعا ، رجع المولى على الشاهدين بمائة ، لأنّها تمام القيمة ، ورجع الضامن بالمائة الّتي شهدا بضمانها ، وكذا لو شهدا بطلاق امرأة على رجل قبل الدخول على مائة ونصف المسمّى مائتان ، غير ما للزوج مائة ، لأنهما فوّتاها بشهادتهما المرجوع عنها.

ولو شهدا على رجل بنكاح امرأة بصداق معيّن ، وشهد آخران بدخوله بها ، ثمّ رجعوا أجمع بعد الحكم بالصداق ، احتمل وجوب الضّمان أجمع على شاهدي النكاح ، لأنّهما ألزماه المسمّى ، ووجوب نصفه عليهما والنصف الاخر على شاهدي الدخول ، لأنّهما قرّراه وشاهدا النكاح أوجباه ، فقسّم بينهم أرباعا ، ولو شهد حينئذ بالطّلاق شاهدان ثمّ رجعا ، لم يلزمهما شي‌ء ، لأنّهما لم يتلفا عليه شيئا يدّعيه ، ولا أوجبا عليه ما ليس بواجب.

٦٧١٦. الرابع عشر : لو شهد شاهدا فرع على شاهدي أصل ، فحكم الحاكم بشهادتهما ، ثمّ رجع شاهدا الفرع ، ضمنا ، ويحتمل عدم الضّمان إن شهد بعد رجوعهما شاهدا الأصل.

ولو رجع شاهدا الأصل وحدهما ، لزمهما الضمان ، لثبوت الحقّ بشهادتهما ، ولهذا اعتبرنا تعديلهما ، ويحتمل عدم الضمان ، لأنّ الحكم تعلّق بشهادة شاهدي الفرع ، لأنّهما جعلا شهادة شاهدي الأصل شهادة ، فلم يلزم شاهدي الأصل ضمان ، لعدم تعلّق الحكم بشهادتهما ، والأوّل أقرب.

ولو حكم الحاكم بشهادة شاهدي الفرع عليهما ، ولم يرجع شاهد الأصل ، لكن كذّبا شاهدي الفرع في الشهادة عليهما ، أو قالا : نحن لا نشهد بذلك ، لم

٢٩٣

ينقض الحكم ، ولم يتعلّق الضمان بأحد ، بخلاف ما لو رجع شاهدا الأصل ، بأن قالا : شهدنا غلطا ، أو تعمّدنا التزوير.

٦٧١٧. الخامس عشر : لو حكم الحاكم بشهادة رجل ويمين ، فرجع الشّاهد ، احتمل إيجاب النّصف عليه ، لأنّه إحدى حجّتي المدّعي ، وإيجاب الجميع ، لأنّ اليمين قول الخصم ، و [قول الخصم] ليس حجّة على خصمه ، وإنّما هي شرط الحكم ، فجرت مجرى مطالبته الحاكم بالحكم ، ولأنّ كونها حجّة إنّما تحصل بشهادة الشاهد ، ولهذا لم يجز تقديمها على الشهادة.

٦٧١٨. السّادس عشر : لو شهدا بتعريف اثنين ، فحكم الحاكم ، ثمّ رجع المعرّفان ، غرما ما شهدا به الشاهدان ، لأنّ الحكم ثبت بهما ، وهل يجريان مجرى شاهدي الأصل لو رجعا في تضمين الجميع ، أو مجرى الشاهد الواحد فيضمنان النصف؟ فيه نظر ، أمّا لو أنكر المعرّفان التعريف عند الشاهدين ، فلا ضمان.

٦٧١٩. السّابع عشر : لو شهد اثنان وزكّاهما اثنان ، فحكم الحاكم ، ثمّ رجع المزكّيان ، ضمنا ما حكم به الحاكم ، وهل يجب الجميع أو النصف؟ احتمال سبق في المعرّفين.

ولو رجع أحدهما ضمن بقدر نصيبه ، ويحتمل عدم الرجوع إذا أمكن التعديل بعد الرجوع بغيرهما (١) وكذا في التعريف.

٦٧٢٠. الثّامن عشر : إذا رجعوا عن الشهادة بعد الحكم ، وقالوا : تعمّدنا ، وجب عليهم القصاص في القتل والجرح ، ولا تعزير ، ولو كانت الشهادة بمال

__________________

(١) في «ب» : ويحتمل عدم الرجوع بغيرهما.

٢٩٤

عزّروا وغرموا ، ويحتمل عدم التعزير ، لأنّ رجوعهم توبة ، ولو قالوا : أخطأنا ، لم يعزّروا ويغرموا.

٦٧٢١. التاسع عشر : لو أنكر الشاهدان الشهادة عند الحاكم المعزول ، لم يغرما شيئا ، ولو أنكرا الشهادة عند المنصوب غرما ، لأنّه كالرجوع ، ولو رجعوا ضمنوا في الحالين ، ولا يغرم الحاكم المعزول ، لأنّ الأصل صحّة حكمه.

ولو رجع الحاكم عن حكمه بعد الاستيفاء ، لزمه الضّمان ، سواء اعترف بالعمد في الحكم بالباطل أو بالخطإ ، وسواء كان معزولا أو لم يكن ، أمّا لو ثبت خطاؤه في الحكم بالقصاص أو القتل ، فإنّ الضمان على بيت المال.

٦٧٢٢. العشرون : حكم الحاكم يتبع للشهادة ، فإن كانت محقّة نفذ الحكم باطنا وظاهرا ، وإلّا نفذ ظاهرا ، ولا يستبيح (١) المشهود له ما يحكم به الحاكم مع علمه بالغلط ، ويباح له مع العلم بصحّة الشهادة أو الجهل بحالها.

٦٧٢٣. الواحد والعشرون : إذا حكم بشهادة اثنين في قطع أو قتل ، وأنفذ ذلك ، ثمّ ظهر كفرهما أو فسقهما ، لم يجب على الشاهدين ضمان ، بخلاف الرجوع عن الشهادة ، فإنّ الراجع معترف بكذبه ، ويضمن الحاكم لحكمه بشهادة من لا تجوز شهادته ، ولا قصاص لأنّه مخطئ.

وتجب الدّية ، ومحلّها بيت المال ، لأنّه نائب عن المسلمين ووكيلهم ، وخطأ الوكيل في حقّ موكّله عليه ، ولا يجب على عاقلة الإمام ، وسواء تولّى الحاكم ذلك بنفسه أو أمر من تولّاه وإن كان الوليّ ، لأنّه سلّطه ، والوليّ يدّعي أنّه حقّه.

__________________

(١) في «ب» : ولا تبيح.

٢٩٥

٦٧٢٤. الثّاني والعشرون : لو شهد أربعة بالزنا فزكّاهم اثنان ، فرجم المشهود عليه ، ثمّ بان أنّ الشّهود فسقة وكفرة ، فلا ضمان على الشهود ، لعدم اليقين بكذبهم ، وهل يضمن المزكّيان أو الحاكم؟ فيه تردّد ، ينشأ من كون شهادة المزكّي شرطا لا سببا ، ومن كونهما شهدا بالزور شهادة أفضت إلى قتله.

ولو تبيّن فسق المزكّيين ، فالضمان على بيت المال ، لأنّ التفريط من الحاكم.

أمّا لو فرّط الحاكم في البحث عن عدالة الشاهدين ، أو عن عدالة المزكّيين ، فالضمان عليه في ماله.

ولو جلد الحاكم إنسانا بشهادة شهود ، ثمّ بان فسقهم أو كذبهم ، فعلى الإمام الضمان من بيت المال ، لما حصل من أثر الضرب.

ولو ظهر فسق الشاهدين سابقا على الشهادة بالمال بعد الحكم ، نقض الحكم ، ولم يغرم الشاهدان.

٦٧٢٥. الثالث والعشرون : لو ادّعى المشهود عليه فسق الشاهدين ، سمعت دعواه قبل الحكم عليه وبعده ، ولو أقام بيّنة بالفسق سمعت بيّنته ، سواء كان الحاكم عليه ، هو المدّعى عنده بالفسق أو غيره (١) ، فانّ الحاكم إذا شهد عنده اثنان بفسق شاهدي الحقّ عند غيره ، نقض حكم ذلك الغير.

ولو قامت البيّنة أنّ الحاكم الاخر حكم بشهادة عبدين ، فإن كان الّذي حكم بشهادتهما يعتقد الحكم بشهادة العبيد ، لم ينقض حكمه لأنّه حكم

__________________

(١) أي سواء كان الحاكم ـ عند قيام البيّنة بالفسق ـ نفس الحاكم السابق أو غيره ، ويوضح ذلك تعليله في قوله «فإنّ الحاكم ...».

٢٩٦

باجتهاده في مسألة اجتهاديّة ، وإن كان ممّن لا يعتقد ذلك ، نقضه ، لأنّ الحاكم به يعتقد بطلانه.

٦٧٢٦. الرابع والعشرون : شهادة الزور من الكبائر العظام ، روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«عدّلت شهادة الزور الشرك بالله ، ثلاث مرّات ثم قرأ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (١). (٢)

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متّكئا فجلس فقال : «ألا وقول الزّور ، وشهادة الزّور».

فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت. (٣)

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا ينقضي كلام شاهد الزور بين يدي الحاكم حتّى يتبوّأ مقعده من النار وكذلك من كتم الشهادة» (٤).

وعن الباقر عليه‌السلام :

__________________

(١) الحج : ٣٠.

(٢) سنن أبي داود : ٣ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ برقم ٣٥٩٩ ، مستدرك الوسائل : ١٧ / ٤١٦ ، الباب ٦ من أبواب كتاب الشهادات ، الحديث ١٠.

(٣) مستدرك الوسائل : ١٧ / ٤١٦ ، الباب ٦ من أبواب كتاب الشهادات ، الحديث ١١ ، مسند أحمد :

٤ / ١٧٨.

(٤) الفقيه : ٣ / ٣٦ ، برقم ١٢٢ ، ولاحظ الوسائل : ١٨ / ٢٣٧ ، الباب ٩ من أبواب الشهادات ، الحديث ٤.

٢٩٧

«ما من رجل يشهد شهادة زور على مسلم ليقطع ماله إلّا كتب الله له مكانه صكّا (١) إلى النار» (٢).

ويجب تعزير شاهد الزور بما يراه الامام رادعا له ولغيره في مستقبل الوقت ، وإشهاره (٣) بين قبيلته ليعرف حاله ، وكان عليّ عليه‌السلام إذا أخذ شاهد زور ، فإن كان غريبا بعث به إلى حيّه ، وإن كان سوقيّا ، بعث به إلى سوقهم ، ثمّ يطيف به ، ثمّ يحبسه أيّاما ، ثمّ يخلّي سبيله.

وعن الصادق عليه‌السلام قال :

«شهود الزور يجلدون حدّا ، (و) (٤) ليس له وقت ، ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتّى يعرفوا ولا يعودوا قال : قلت : فإن تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟

فقال (٥) :

«إذا تابوا تاب الله عليهم ، وقبلت شهادتهم بعد» (٦).

أمّا ما لو تعارضت البيّنتان ، أو ظهر فسق الشاهد أو غلطه في شهادته ، فلا يؤدّب به ، لأنّ الفاسق قد يصدق ، والتعارض لا يعلم به كذب إحدى البيّنتين بعينها ، والغلط قد يعرض للصادق العدل.

__________________

(١) في مجمع البحرين بعد نقل الحديث : الصّكّ بتشديد الكاف : كتاب كالسجل يكتب في المعاملات.

(٢) الفقيه : ٣ / ٣٦ ، برقم ١٢٣. والوسائل : ١٨ / ٢٣٦ ، الباب ٩ من أبواب الشهادات ، الحديث ٢.

(٣) في «أ» : واشتهاره.

(٤) ما بين القوسين يوجد في المصدر.

(٥) في المصدر : قال.

(٦) الوسائل : ١٨ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، الباب ١٥ من أبواب الشهادات ، الحديث ١.

٢٩٨

٦٧٢٧. الخامس والعشرون : إذا علم أنّ الشاهدين شهدا بالزور ، ظهر بطلان الحكم ، ووجب نقضه ، فإن كان مالا ردّ إلى صاحبه ، وإن كان إتلافا فعلى الشاهدين ضمانه ، ولو ثبت ذلك بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة الحاكم (١) ، كان ذلك رجوعا منهما عن الشهادة ، وقد تقدّم حكمه.

٦٧٢٨. السادس والعشرون : إذا تاب شاهد الزور ، ومضت مدّة تظهر فيها التوبة والنّدم ، وظهر صدقه فيها وعدالته ، قبلت شهادته بعد ذلك.

٦٧٢٩. السّابع والعشرون : إذا غير العدل شهادته بحضرة الحاكم ، فزاد فيها أو نقص قبل الحكم بشهادة الأولى ، احتمل القبول ، لأنّها شهادة من عدل غير متّهم لم يرجع عنها ، فيجب الحكم بها ، والعدم لأنّ كلّ واحدة منهما تردّ الأخرى وتضادّها ، والأوّل مرجوع عنها والثانية غير موثوق بها ، لأنّها من شاهد أقرّ بغلطه ، ولا يؤخذ بأوّل قوليه ، وذلك مثل أن يشهد بمائة ، ثمّ يقول : بل هي مائة وخمسون ، أو يقول : بل هي سبعون.

ولو شهد بمائة ، ثمّ قال قبل الحكم : قضاه منها خمسين ، احتمل الوجهين أيضا.

أمّا لو شهد أنّه أقرضه مائة ، ثمّ قال : قضاه منه خمسين ، فإنّ شهادته تقبل في باقي مائة ، وجها واحدا.

__________________

(١) والظاهر «المحكوم له» بدل «الحاكم».

٢٩٩
٣٠٠