مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

المشي إليه فاغتسل ولا تطيّب ولا تدهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر» (١).

ومنها : الغسل لمن أراد رؤية أحد الأئمّة في المنام.

فعن المفيد في كتاب الاختصاص عن أبي المغراء عن الكاظم عليه‌السلام «من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا ويعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا ، فإنّه يرانا ويغفر له بنا» (٢).

ومنها : الغسل لعمل الاستفتاح ؛ لما عن الشيخ والصدوق وابن طاوس بطرق متعدّدة عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في حديث طويل : «فإذا كان اليوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال» (٣) وعن رواية أخرى «قريبا من الزوال» (٤).

ومنها : الغسل عند الإفاقة من الجنون ، ذكره بعض (٥).

وربما علّل بما قيل من أنّ من زال عقله أنزل فليغتسل احتياطا (٦).

وفيه ما لا يخفى ، خصوصا أنّ الاستحباب فيه حكي عن الحنابلة (٧) ، فالأولى تركه.

ومنها : غسل واجدي المنيّ في الثوب المشترك ؛ للاحتياط.

ومنها : استحباب إعادة الغسل لاولي الأعذار بعد زوال العذر عند من

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٧٦ / ١٥٠ ، الوسائل ، الباب ٧٧ من أبواب المزار ، ح ١.

(٢) الاختصاص : ٩٠ ، مستدرك الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٩ ، وانظر : مصباح المتهجّد : ٧٤٣ ، وفضائل الأشهر الثلاثة :٣٤ / ١٤ ، وإقبال الأعمال : ٦٥٩.

(٤) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٩.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ١٧٩.

(٦) نهاية الإحكام ١ : ١٧٩.

(٧) حكاه عنهم العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ١٣٢ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٤٤.

٦١

لم يوجبها احتياطا خروجا من شبهة الخلاف.

ومنها : غسل من أهرق عليه ماء غالب النجاسة ، كما عن المفيد في الإشراف (١).

ولعلّ المراد به الغسل بالفتح فاشتبهوا في نقله.

ثمّ إنّ ما ذكر من غسل الأفعال منها ما كان الفعل غاية له ، ومنها ما كان سببا له ، ويختلفان من هذه الجهة من حيث التقدّم والتأخّر.

(و) من الأغسال المسنونة المشهورة : (خمسة للمكان ،)

(وهي غسل دخول الحرم) لقوله عليه‌السلام في موثّقة سماعة : «وغسل دخول الحرم يستحبّ أن لا تدخله إلّا بغسل» (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان «الغسل في [أربعة] عشر (٣) موطنا ـ إلى أن قال ـ ودخول الكعبة ودخول المدينة ودخول الحرم» (٤).

(و) غسل دخول (المسجد الحرام) لما عن الغنية والخلاف من دعوى الإجماع عليه (٥).

وعن الجعفي وجوبه (٦).

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٥ : ٥٩ ، وانظر : الإشراف (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ٩) : ١٨.

(٢) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «سبعة عشر». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٤) الخصال : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٧.

(٥) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٥ : ٦٠ ، وانظر : الغنية : ٦٢ ، والخلاف ٢ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، المسألة ٦٣.

(٦) حكاه عنه الشهيد في الدروس ١ : ٣٩٢.

٦٢

وهو مع شذوذه ممّا لا شاهد به.

(و) غسل دخول (الكعبة) لقوله عليه‌السلام في موثّقة سماعة : «وغسل دخول البيت واجب» (١).

والمراد به تأكّد الاستحباب.

وقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيحة ابن مسلم : «ويوم تدخل البيت» (٢).

وفي صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (٣) : «ودخول الكعبة».

ثمّ إنّ المصنّف رحمه‌الله لم يذكر الغسل لدخول مكّة مع وقوع التصريح به في جملة من الأخبار.

منها : ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين تدخل مكّة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة» (٤) الحديث.

وما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في كتاب كتبه إلى المأمون «وغسل دخول مكّة والمدينة» (٥).

وفي خبر الأعمش : «وغسل دخول مكّة وغسل دخول المدينة» (٦).

وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة ـ إلى

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

(٣) في ص ٦٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠ / ١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٦.

(٦) الخصال : ٦٠٣ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٨.

٦٣

أن قال ـ وعند دخول مكّة والمدينة ودخول الكعبة» (١).

ولعلّه قدس‌سره يرى وحدة الغسل المشروع لدخول الحرم ومكّة ، كما يؤيّده خلوّ معظم الأخبار المصرّحة بالغسل لدخول مكّة عن ذكر الغسل للحرم ، وخلوّ ما اشتمل على ذكر دخول الحرم عن ذكر دخول مكّة ، لكن عن الفقه الرضوي (٢) التصريح بهما.

وكيف كان فالأظهر كون كلّ منهما غاية مستقلّة للغسل ، كما هو ظاهر الأصحاب المصرّح به في عبائر كثير منهم.

(و) كيف كان فقد ظهر لك بما سمعته من الأخبار استحباب الغسل لدخول (المدينة) أيضا.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ما سمعت ـ حسنة معاوية بن عمّار عن الرضا (٣) عليه‌السلام «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها» (٤).

وفي صحيحة ابن مسلم ، الواردة في تعداد الأغسال : «وإذا دخلت الحرمين» (٥).

(و) غسل دخول (مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما يدلّ عليه رواية محمّد بن

__________________

(١) التهذيب ١ : ١١٠ ـ ١١١ / ٢٩٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٠.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.

(٣) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة وجواهر الكلام ٥ : ٦١ ، وفي المصدر عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٤) الكافي ٤ : ٥٥٠ (باب دخول المدينة وزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ..) ح ١ ، التهذيب ٦ : ٥ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب المزار ، ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ١١٤ / ٣٠٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١١.

٦٤

مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة ـ إلى أن قال ـ وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت الحرام ، وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وعن الموجز وشرحه ونهاية الإحكام : زيادة الغسل لدخول مشاهد الأئمّة عليهم‌السلام في الأغسال المكانيّة بعد أن ذكروا استحبابه للزيارة (٢).

ولم نعرف له شاهدا يعتدّ به عدا ما يظهر من بعض (٣) من استحباب الغسل لكلّ مكان شريف أو زمان شريف.

وربّما يظهر من بعض استحباب الغسل مطلقا ولو من غير سبب كالوضوء ؛ لكونه طهورا (٤) ، فيدلّ على استحبابه قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٥) وقوله عليه‌السلام : «الطهر على الطهر عشر حسنات» (٦) إلى غير ذلك.

وأمّا كونه طهورا مطلقا فيفهم من قوله عليه‌السلام في بعض الروايات : «أيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (٧) وممّا ورد من استحباب الغسل بماء الفرات (٨) على

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٥ / ٢٧٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٢.

(٢) الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٥٤ ، كشف الالتباس ١ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، نهاية الإحكام ١ : ١٧٧ و ١٧٨ ، وانظر أيضا جواهر الكلام ٥ : ٦٢.

(٣) هو ابن الجنيد كما في الذكرى ١ : ١٩٩.

(٤) راجع المعتبر ١ : ٣٥٤ و ٣٥٦.

(٥) البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٦) الكافي ٣ : ٧٢ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الوضوء ، ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٤٥ ، ذيل ح ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٠ ، الإستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الجنابة ، ح ١.

(٨) كامل الزيارات : ٣١ / ١٢ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام المساجد ، ح ٢٢.

٦٥

الإطلاق.

وفيه تأمّل ، لكن لا تأمّل في جوازه من باب الاحتياط العقلي.

وتوهّم شبهة التشريع أو عدم إمكان قصد التقرّب مع الشكّ في مطلوبيّته قد عرفت دفعه في مبحث النيّة ، والله العالم.

(مسائل أربع :)

(الاولى : ما يستحبّ) من الأغسال (للفعل) إمّا أن يكون الفعل سببا له ، كقتل الوزغ والسعي إلى رؤية المصلوب ، وإمّا أن يكون الفعل غاية له.

أمّا الأوّل : فوقته بعد حصول السبب من دون توقيت أو تضييق ، إلّا أن نقول بكون الأمر للفور العرفي ، وهو في حيّز المنع ، فالأظهر بقاء مطلوبيّته مطلقا ما دام العمر إلى أن يتحقّق الامتثال أو ما هو بمنزلته في إسقاط الطلب.

وأمّا ما كان الفعل غاية له بأن كان المقصود بالغسل التوصّل إلى إيجاد ذلك الفعل متطهّرا ، كغسل صلاة الحاجة ونحوها (و) كذا الأغسال المسنونة لشرافة (المكان) بل مآل هذا القسم في الحقيقة إلى ما تقدّمه ، فإنّ المطلوب شرعا هو الغسل لدخول ذلك المكان متطهّرا.

وكيف كان ففي هذين القسمين (يقدّم) الغسل (عليهما) كما هو واضح ، مضافا إلى شهادة النصوص والفتاوى بذلك.

لكن قد يظهر من بعض النصوص شرعيّة غسل المكان بعد الدخول فيه.

مثل : حسنة معاوية بن عمار ، المتقدّمة (١) «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها».

__________________

(١) في ص ٦٤.

٦٦

ورواية أبان بن تغلب ، المرويّة عن حجّ التهذيب ، وفي ذيلها : «ولو لم يتمكّن من الغسل عند دخول الحرم فليؤخّره إلى أن يتمكّن قبل دخول مكّة ، فإن لم يتمكّن جاز أن يغتسل بعد دخول مكّة» (١).

وعن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين تدخل ، وإن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكّة» (٢).

وخبر ذريح : سألته عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال : «لا يضرّك أيّ ذلك فعلت .. وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس» (٣).

وربما يتكلّف في توجيه هذه الروايات بحمل الحسنة (٤) على إرادة الغسل عند دخول المدينة بلا فصل أو معه ، وحمل سائر الروايات على إرادة الغسل لدخول الكعبة أو المسجد أو غير ذلك.

وفيه ما لا يخفى من مخالفة الظاهر خصوصا في خبر ذريح.

وعن بعضهم تنزيل هذه الروايات على الضرورة (٥).

وفيه : أنّ خبر ذريح كالصريح في خلافه.

__________________

(١) ما نسبه المؤلّف قدس‌سره إلى ذيل رواية أبان بن تغلب من كلام الشيخ الطوسي ، انظر : التهذيب ٥ : ٩٧ ، ذيل ح ٣١٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣١٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب مقدّمات الطواف ، ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب مقدّمات الطواف ، ح ١.

(٤) أي : حسنة معاوية بن عمّار ، المتقدّمة في ص ٦٤.

(٥) راجع جواهر الكلام ٥ : ٦٣.

٦٧

وأضعف منه توهّم كونه قضاء ، فإنّه بعد فرض كونه مطلوبا لأجل الدخول في المكان لا يعقل الأمر بتداركه بعد تحقّق ذي المقدّمة.

اللهمّ إلّا أن يلتزم بكون الغسل في هذه الموارد مطلوبا نفسيّا ، فلا مقتضي حينئذ للالتزام بكونه قضاء بعد قضاء الدليل بجواز إيجاده قبل الدخول أو بعده.

والأوفق بالقواعد هو الأخذ بظواهر الروايات ، والالتزام في موارد الثبوت بأنّ المطلوب شرعا هو كون المكلّف في ابتداء نزوله في هذه الأماكن المشرّفة متطهّرا إمّا من حين وروده أو بعده بلا فصل يعتدّ به ، وليس ذلك تخصيصا للقاعدة العقليّة التي أشرنا إليها من أنّه إذا كان الغسل مطلوبا لأجل التوصّل إلى إيجاد فعل أو دخول مكان متطهّرا يجب أن يتقدّمه.

وكيف كان فلا إشكال في جواز تقديم غسل الفعل والمكان عليهما ، وإنّما الإشكال في مقامين :

أحدهما : في تحديد المقدار الذي يجوز فيه التقديم.

[و] ثانيهما : في تشخيص ما ينتقض به هذه الأغسال.

أمّا المقام الأوّل فنقول : القدر المتيقّن الذي لا ينبغي التأمّل فيه مع قطع النظر عن الأدلّة الخارجيّة من نصّ أو إجماع إنّما هو جواز الفصل بين هذه الأغسال وغاياتها بما يقضي به العرف والعادة في امتثال مثل هذه الأوامر ، كساعة أو ساعتين أو ما يقربهما ، وأمّا في ما زاد على ذلك فتأمّل.

وقد جزم في الجواهر بعدم الاجتزاء به مع الفصل بالزمان الطويل ، كاليومين والثلاث فصاعدا بدعوى ظهور الأدلّة أو صراحتها في عدمه ككلام الأصحاب ، وقال : بل ربما يظهر من ملاحظة الأدلّة إرادة الاتّصال العرفي بالغسل و

٦٨

الفعل ، فلا يعتبر التعجيل والمقارنة ، كما لا يجتزأ بمطلق التراخي (١). انتهى.

وفيه : أنّه لا ظهور في الأدلّة فضلا عن صراحتها في عدم الاجتزاء به مع الفصل.

نعم ، لا يبعد دعوى ظهور بعضها في إرادة الاتّصال العرفي ، لكن لا على نحو الاشتراط ، بل لجريها مجرى العادة.

ولذا اعترضه شيخنا المرتضى قدس‌سره بأنّ فعل الغسل لأجل فعل لا يعتبر فيه لغة ولا عرفا الاتّصال العرفي بينهما ، بل المفهوم عرفا هو اعتبار بقاء الأثر المقصود من الغسل إلى وقت الفعل ، نظير قول الآمر : تنظّف لفعل كذا (٢). انتهى.

لكنّك خبير بأنّه لا إحاطة لنا بذلك الأثر ولا طريق لنا إلى إحرازه حين الشكّ حتى ندور مداره وجودا وعدما ، فالواجب هو الاقتصار على القدر المتيقّن الذي يفهم من الأدلّة السمعيّة بقاؤه.

لكن قد يقال : إنّ مقتضى الأصل إبقاء ذلك الأثر إلى أن يعلم ارتفاعه ، فعند الشكّ يعمل بالاستصحاب.

وفيه : أنّه إنّما يتّجه ذلك فيما إذا كان الشكّ مسبّبا عن احتمال وجود المزيل ذاتا أو وصفا ، كما لو شكّ في بقائه لأجل الشكّ في حدوث الحدث أو ناقضيّة الحادث ، وأمّا الشكّ في كون الفصل الطويل مخلّا فمنشؤه الشكّ في مقدار قابليّة الأثر للبقاء ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الاستصحاب في مثل الفرض ليس بحجّة.

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ٦٣ و ٦٤.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٣٤.

٦٩

فظهر لك أنّ مقتضى القاعدة هو الاقتصار في الفصل على المقدار الذي يفهم من الأدلّة جوازه ، فتجويزه فيما زاد على القدر المتيقّن الذي نبّهنا عليه يحتاج إلى دليل.

وقد يستظهر من صحيحة جميل : الاجتزاء بغسل اليوم للّيل وعكسه ؛ فإنّه روى عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «غسل يومك يجزئك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزئك ليومك» (١).

ومقتضى إطلاقها بقاء أثر الغسل يوما وليلة كما عن الصدوق الإفتاء بذلك (٢).

ويدلّ عليه أيضا رواية إسحاق ، الآتية (٣).

لكن قد يشكل ذلك بما عن المشهور من تحديده بيوم الغسل وليله ، كما يشهد له المعتبرة المستفيضة : كصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «غسل يومك ليومك ، وغسل ليلتك لليلتك» (٤).

ورواية أبي بصير قال : سأله رجل وأنا حاضر ، فقال له : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتّى أمسى ، قال : «يعيد الغسل يغتسل نهارا ليومه ذلك ، وليلا لليلته» (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٢ / ٩٢٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ١.

(٢) كما في جواهر الكلام ٥ : ٦٤ ، وانظر : المقنع : ٢٢٢.

(٣) في ص ٧٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٧ / ١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ٣.

٧٠

ورواية عثمان بن يزيد ، قال : «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر» (١).

وهذه الروايات خصوصا الأخيرة منها كادت تكون صريحة في التحديد بيوم الغسل وليله.

وقد يجمع بينها وبين صحيحة جميل بالحمل على مراتب الإجزاء واستحباب الإعادة ، أو بجعل اللام في الصحيحة بمعنى «إلى».

وفي الأخير من البعد ما لا يخفى ، وأمّا الأوّل فليس كلّ البعيد.

ثمّ لو قلنا بالتحديد بيوم الغسل أو (٢) ليلة ، فلو وقع في أثناء أحدهما ، فهل العبرة بمقدار اليوم أو الليل الذي وقع فيه بمعنى تقدير زمان النهار ـ مثلا ـ بساعاته ، فلو وقع في نصف نهار قصير ، يؤخذ من الليل بمقدار الساعات الماضية من النهار وإن لم يبلغ إلى نصف الليل ، أو يلفّق منهما بمعنى أنّه لو وقع في نصف النهار ، يكمل بنصف الليل وهكذا ، أو ينقضي بانقضاء اليوم أو الليل؟ وجوه ، والاحتمالان الأخيران جاريان مع التحديد بيوم الغسل وليله أيضا.

والظاهر من الروايات بل كاد أن يكون صريحها هو الأخير ، أي اختصاص غسل اليوم باليوم ، والليل بالليل ، سواء وقع في أوّله أم لا.

وربّما يستظهر منها الأوّل ؛ نظرا إلى إمكان دعوى القطع بجواز الاجتزاء بالغسل الواقع قبل الفجر أو قبل المغرب للفعل الواقع بعده في الجملة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ٤.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «و» بدل «أو». والظاهر ما أثبتناه.

٧١

كما يشهد له صريح موثّقة سماعة «من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحمّ قبل ذلك ثمّ أحرم من يومه أجزأه» (١).

وصحيحة جميل ، المتقدّمة (٢).

ورواية إسحاق ـ المرويّة عن التهذيب ـ قال : سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد ، قال : «يجزئه إن لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوءا فليعد غسله» (٣).

لكن الرواية الأخيرة مضطربة المتن حيث حكي عن الكافي أنّ السؤال فيها : إنّ الرجل يغتسل بالليل ويزور بالليل (٤).

وقد تصدّى بعض (٥) المحشّين لتوجيهه بحمل الباء على السببيّة.

وكيف كان فهذه الروايات لا تصلح قرينة لحمل الأخبار المتقدّمة على هذا المعنى البعيد ، أي التحديد بمقدار اليوم وإن أمكن على تقدير إرادته الجمع بين سائر الأخبار حتى خبر جميل بحمله على الاجتزاء بغسل اليوم للّيل ، وكذا عكسه في الجملة ، لا مطلقا ؛ فإنّ حمل قوله عليه‌السلام : «غسل يومك ليومك ، وغسل ليلتك لليلتك» وكذا قوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير ـ بعد أن سأله عن أنّ بعض أصحابنا اغتسل فعرض له حاجة حتّى أمسى ـ : إنّه «يعيد الغسل نهارا ليومه ذلك ، وليلا لليلته» خصوصا مع ترك الاستفصال عن كون الواقع أوّل طلوع الفجر ، كاد أن

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ٥.

(٢) في ص ٧٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زيارة البيت ، ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥١١ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زيارة البيت ، ح ٣.

(٥) هو المحشّي القزويني كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٥.

٧٢

يكون متعذّرا ، بل ممّا يقطع بعدم إرادته من الرواية.

نعم ، رواية عثمان لا تنافي هذا المعنى بمعنى أنّه لو استفيد ذلك من دليل آخر ، لا تعارضه هذه الرواية ، لا أنّها استعملت فيه.

وكيف كان فالذي ينبغي أن يقال : إنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة ـ مع قطع النظر عن الأدلّة الواردة ، كما نبّهنا عليه آنفا ـ إنّما هو كفاية الغسل للفعل الواقع عقيبه ولو مع الفصل بمقدار غير معتدّ به في العرف والعادة عند امتثال مثل هذه الأوامر مطلقا من غير فرق بين كون الغسل واقعا قبل طلوع الفجر أو المغرب والفعل بعده وبين كونهما واقعين في اليوم أو الليل ، ولا ينافي ذلك إلّا خبرا عمر بن يزيد وأبي بصير ، الدالّان على اختصاص أثر غسل اليوم باليوم والليل بالليل ، وهما لا يصلحان لتخصيص هذه القاعدة المستفادة من إطلاقات الأدلّة المعتضدة بالأخبار المتقدّمة المصرّحة بكفاية غسل اليوم للّيل وعكسه في الجملة ، فلا بدّ إمّا من حمل الروايتين على إرادة الفضل والاستحباب ، أو صرفهما عن مثل الفرض بحملهما على إرادة الاختصاص فيما إذا لم يكن بين الغسل والفعل اتّصال عرفيّ ، كما ليس بالبعيد.

ولأجل ما فيهما من الإجمال لا تصلحان شاهدا لصرف صحيحة جميل وخبر إسحاق عن ظاهرهما من إطلاق الاجتزاء بغسل اليوم للّيل وعكسه.

نعم ، ربما ينافي هذا الإطلاق مفهوم الغاية في رواية عثمان ؛ فإنّ مقتضاه عدم كفاية الغسل الواقع عند طلوع الفجر بعد دخول الليل ، لكن التنافي كما يرتفع بتقييد الصحيحة ، كذلك يرتفع بالالتزام باستحباب الإعادة ، كما هو أحد الاحتمالين المتقدّمين في الروايتين المتقدّمتين ، فالجمع بين الروايات بحمل

٧٣

الإعادة على الفضل والاستحباب أولى من طرح البعض ، أو سائر جهات التأويل ، المحتملة ، بل لو قلنا بانتقاض هذه الأغسال بأسباب الوضوء ـ كما ستعرف تحقيقه ـ فلا يبعد الالتزام ببقاء أثرها مطلقا ما لم يحدث ، كما يستشعر ذلك بل يستظهر من رواية إسحاق ، المتقدّمة (١) ، فليتأمّل.

وأمّا الكلام في المقام الثاني فقد صرّح غير واحد بانتقاض هذه الأغسال بالنوم ، واستدلّ له : بالمعتبرة المصرّحة به.

مثل : صحيحة ابن الحجّاج ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمّ ينام فيتوضّأ قبل أن يدخل أيجزئه أو يعيد؟ قال : «لا يجزئه ، إنّما دخل بوضوء» (٢).

وصحيحة نضر بن سويد عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن الرجل يغتسل للإحرام ثمّ ينام قبل أن يحرم ، قال : «عليه إعادة الغسل» (٣) وغير ذلك ممّا ورد في باب الإحرام.

واختصاصها بغسل الإحرام غير ضائر ؛ لما عن المصابيح من أنّ الأصحاب لم يفرّقوا بينه وبين غيره (٤).

لكن يعارضها صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم ، قال : «ليس

__________________

(١) في ص ٧٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب مقدّمات الطواف ، ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الإحرام ، ح ١.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٥.

٧٤

عليه غسل» (١).

ويؤيّدها إطلاق صحيحة جميل وغيرها من الأخبار المتقدّمة خصوصا مع غلبة وقوع النوم في أثناء الليل ، وكذا اليوم ، إلّا أنّ الأخبار المتقدّمة أظهر في الانتقاض من هذه الصحيحة ، بل قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن الحجّاج : «إنّما دخل بوضوء» صريح في ذلك.

وأمّا هذه الصحيحة فيحتمل قويّا ورودها لدفع توهّم السائل وجوب غسل الإحرام ، المقتضي لوجوب إعادته بعد الانتقاض ، فقال الإمام عليه‌السلام : «ليس عليه غسل» يعني لا يجب عليه غسل.

ويؤيّد إرادة هذا المعنى سوق العبارة ، وتنكير لفظ «الغسل» كما عن التهذيب (٢) حملها عليه ، فلا تصلح لمعارضة ما تقدّم.

وأمّا المطلقات فلا بدّ من تقييدها بهذه الأخبار المقيّدة ، مع أنّه ليس في الأخبار المتقدّمة ـ فيما عدا الصحيحة ـ قوّة ظهور في الإطلاق بالنسبة إلى النوم.

وأمّا الصحيحة فلها قوّة ظهور في ذلك بملاحظة أنّ الغالب تحقّق النوم في اليوم والليلة ، لكن ليس لها قوّة ظهور في الإطلاق ؛ لقوّة احتمال ورودها في مقام دفع توهّم اختصاص غسل اليوم باليوم والليل بالليل ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكيف كان فلا محيص عن تقييدها بهذه الأدلّة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٥ / ٢٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الإحرام ، ح ٣.

(٢) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٥ ، وانظر : التهذيب ٥ : ٦٥ ، ذيل ح ٢٠٨.

٧٥

فما يظهر من بعض (١) ـ من الميل أو القول بعدم ناقضيّة النوم واستحباب إعادة الغسل ، جمعا بين الروايات ـ ضعيف.

وأمّا غير النوم من الأحداث الموجبة للوضوء فالمشهور بين الأصحاب ـ كما عن الحدائق (٢) ـ عدم انتقاض الغسل بها ؛ للأصل ، وإطلاقات الأخبار المتقدّمة التي يشكل ارتكاب التقييد في بعضها ، مثل قوله عليه‌السلام : «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل» (٣) الحديث ؛ إذ الغالب وقوع الحدث في الجملة في اليوم ، فيبعد إرادة الاجتزاء به بشرط عدم الحدث.

وتنزيل الرواية على إرادة بيان ما يقتضيه الغسل من حيث هو مع قطع النظر عن الطوارئ بعيد.

خلافا للمحكيّ عن الشهيدين (٤) وظاهر الموجز وشرحه (٥) ، وقوّاه غير واحد من المتأخّرين.

وعلّله بعض (٦) : بفحوى لزوم الإعادة بالنوم.

وفيه ما لا يخفى حيث لم يعلم أنّ قدح النوم من حيث الحدثيّة كي يقال : إنّ غيره أقوى في الحدثيّة على ما يظهر من أدلّتها ، فلا يبعد أن يكون المقصود بهذه

__________________

(١) راجع مدارك الأحكام ٧ : ٢٥٢.

(٢) الحاكي عنه هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٥ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٤ : ٢٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٤ / ٢٠٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الإحرام ، ح ٤.

(٤) الحاكي عنهما هو العاملي في مدارك الأحكام ٧ : ٢٥٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٣٩ ، وانظر : الدروس ١ : ٣٤٣ ، ومسالك الأفهام ٢ : ٢٢٩.

(٥) الحاكي عن ظاهرهما هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٥ ، وانظر : الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٥٤ ، وكشف الالتباس ١ : ٣٤٢.

(٦) هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٥.

٧٦

الأغسال حصول النشاط والنظافة وارتفاع الكسالة ونحوها ممّا ينافيها النوم أو الفصل الطويل أو نحو ذلك ، دون البول ونحوه من أسباب الوضوء.

وربما يستدلّ له : برواية إسحاق ، المتقدّمة (١).

قال شيخنا المرتضى قدس‌سره بعد الاستدلال بها : ولا يعارضها إلّا ما تقدّم من أخبار اليوم والليلة ، ويدفع بوجوب تقييدها بها (٢). انتهى. وهو جيّد.

وتوهّم أهونيّة حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب من تقييد تلك المطلقات مدفوع : باستلزامه التأويل في جميع الأخبار بحمل الاجتزاء في المطلقات على إرادة بقاء الأثر في الجملة ، وحمل عدم الاجتزاء المفهوم من هذه الرواية على ارتفاعه في الجملة ، ولا يرتكب مثل ذلك في الأخبار التي يتراءى منها المناقضة بلا شاهد خارجي ، وإلّا فلا يكاد يتحقّق للأخبار العلاجيّة موقع ، كما لا يخفى.

(و) أمّا (ما يستحبّ) من الأغسال (للزمان) فوقته على الظاهر نفس ذلك الزمان الذي أمر بغسله ، فلا (يكون) الغسل إلّا (بعد دخوله) ويمتدّ الوقت بامتداد ذلك الزمان ؛ لأنّ هذا هو الظاهر من أدلّة تلك الأغسال ، كما تقدّم شطر من الكلام في غسل الجمعة وغيرها.

ويدلّ عليه في الجملة صحيحة العيص ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل؟ فقال : «من أوّل الليل ، وإن شئت حيث تقوم من آخره» وسألته عن القيام ، فقال : «تقوم في أوّله وآخره» (٣).

__________________

(١) في ص ٧٢.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٣٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٤ / ٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣.

٧٧

ورواية بكير عن الصادق عليه‌السلام في أيّ الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ قال : «في ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين والغسل في أوّل الليل» قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال : «هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك» (١) فإنّه يستفاد منها كونه مثل غسل يوم الجمعة لو لم يأت به في أوّل الوقت يأتيه في آخره.

وربما يستشعر من بعض الروايات (٢) بل يستظهر منها : كون الغسل في أوّل الليل أفضل.

ولا بأس بالالتزام به مع ما فيه من المسارعة إلى الخيرات وقد ورد في بعض الروايات أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغتسل في العشر الأواخر من رمضان بين العشاءين (٣) ، فالأولى هو الإتيان به كذلك ؛ للتأسّي.

وكيف كان فالظاهر أنّه لا يشرع في الأغسال الزمانيّة التقديم لخوف الإعواز ، ولا القضاء إلّا مع النصّ ، كما في غسل الجمعة.

واستقرب في محكيّ الذكرى جوازهما في سائر الأغسال الزمانيّة (٤). وفيه تأمّل.

نعم ، الظاهر جواز التقديم في الجملة في أغسال ليالي شهر رمضان ؛ لما روي ـ في الصحيح ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : «الغسل في شهر رمضان عند

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١٤ ، والباب ١١ من تلك الأبواب ، ح ٢.

(٢) كصحيحة العيص ، المتقدّمة في ص ٧٧.

(٣) إقبال الأعمال : ٢١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٦.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٤ وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٢٣٨ ، وانظر : الذكرى ١ : ٢٠١.

٧٨

وجوب الشمس قبيله ثمّ تصلّي وتفطر» (١).

وعن السيّد في كتاب الإقبال أنّه روي أنّه «يغتسل قبل الغروب إذا علم أنّها ليلة العيد» (٢).

وعن ظاهر الصدوق والكليني وبعض المتأخّرين العمل به (٣).

وعن شارح الدروس حمله على الأفضل (٤).

ولا يشرع إعادة هذه الأغسال بعد انتقاضها ولو بالحدث الأكبر ؛ لحصول الامتثال الموجب لسقوط الطلب.

اللهمّ إلّا أن يستظهر من الأدلّة محبوبيّة إدراك جميع الوقت ظاهرا. لكنّه في حيّز المنع ، بل الظاهر خلافه ، كما يشهد له قوله عليه‌السلام في رواية بكير ، المتقدّمة (٥) ـ بعد أن سأله عن النوم بعد الغسل ـ : «هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك».

ورواية الحميري ، قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال : «أليس هو مثل غسل الجمعة؟ إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر كفاك» (٦).

وفي صحيحة ابن مسلم : «يغتسل في ثلاث ليال في شهر رمضان ـ إلى أن

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ / ٤٤٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢.

(٢) إقبال الأعمال : ٢٧١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٢.

(٣) حكاه عنهم الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٤ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١٠٠ / ٤٤٨ ، والكافي ٤ : ١٥٣ / ١ ، وبحار الأنوار ٩١ : ١١٥ / ١.

(٤) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٤ ، وانظر : مشارق الشموس : ٤٤.

(٥) في ص ٧٨.

(٦) قرب الإسناد : ١٦٨ / ٦١٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٤.

٧٩

قال ـ والغسل في أوّل الليل [وهو] يجزئ إلى آخره» (١).

المسألة (الثانية : إذا اجتمعت) أسباب (أغسال مندوبة) أجزأه غسل واحد بقصد الجميع لكن (لا تكفي نيّة القربة ما لم ينو السبب) إجمالا أو تفصيلا.

(وقيل : إذا انضمّ إليها واجب ، كفاه نيّة القربة) الحاصلة بقصد امتثال الواجب.

وقد عرفت تحقيق المقام في مبحث تداخل الأغسال في باب الوضوء ، وعلمت أنّ المتّجه أنّه لو كان الغسل الواجب غسل الجنابة ، أجزأ غسله عن سائر الأغسال ، دون غيره (٢).

(و) لكنّ (الأوّل) أي قصد السبب في هذه الصورة أيضا بأن يأتي بالغسل بقصد امتثال جميع الأوامر المسبّبة عن الأسباب المتعدّدة مع أنّه (أولى) من حيث اقتضائه مزيد الأجر أحوط.

المسألة (الثالثة والرابعة) في غسل رؤية المصلوب وغسل المولود.

أمّا الأوّل فـ (قال بعض فقهائنا) كأبي الصلاح الحلبي (٣) (بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيّام) لما عن الصدوق في الفقيه والهداية (٤) مرسلا قال : وروي «أنّ من قصد إلى رؤية مصلوب فنظر إليه

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٤ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ / ٤٤٦ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) راجع ج ٢ ، ص ٢٨٥.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «النهاية» بدلا من «الهداية». وما أثبتناه من كشف اللثام وكتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣٠.

٨٠