مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

التي ينافيها شرعيّة التيمّم.

وثانيا : أنّ المدار على إطلاق الاسم وعدم انصرافه عنه ، لا كونه فردا غالبيّا.

وقد يقال في توجيه صحّة التيمّم في الفرض : إنّ الخليط بالاعتماد وضرب اليد عليه يندفق بالتراب أو الكفّ يماسّ التراب بالتحريك ؛ لأنّه لا يعلق بها.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ غاية الأمر إمكان حصول الملاصقة في الفرض ، لا لزومها على وجه يحصل القطع بها في مقام الامتثال ، فالتحقيق ما عرفت.

ولا يخفى عليك أنّ ما ذكرناه من جواز التيمّم بالتراب المختلط عند استهلاك الخليط لا يتمشّى فيما إذا امتزج التراب بنجس أو متنجّس ، فإنّه لا يجوز التيمّم به وإن استهلكت عين النجس أو المتنجّس ؛ لأنّ بقاء آثاره الشرعيّة ـ كوجوب الاجتناب عن ملاقيه ، والاجتناب عنه في المأكول والمشروب وغير ذلك ـ مانع من اضمحلال اسم النجس واتّصاف المجموع المشتمل عليه ـ الذي يقع عليه الضرب ـ بالطهارة التي هي شرط في صحّة التيمّم.

نعم ، لو اعتمدنا في تصحيح التيمّم في المسألة السابقة على الوجه الذي أشرنا إليه أخيرا ، لاتّجه جواز التيمّم بالممتزج بالنجس أيضا عند استهلاكه. لكنّك عرفت ضعفه.

وقد تقدّم عند التعرّض لبيان عدم وجوب تكميل الماء ـ على من لم يجد الماء بقدر الكفاية ـ بمزجه بغير جنسه ممّا لا يسلبه إطلاق الاسم ما له ربط بالمقام ، فراجع حتّى يتّضح لك سرّ ما ربما تجده في نفسك من الفرق بين ما لو وضعت على التراب ـ الذي يتيمّم به ـ شيئا من غير جنسه من خيوط ونحوها ، وبين ما لو

٢٠١

كان التراب من أصله ممزوجا بمثل ذلك الشي‌ء حيث لا يعتنى بمثله كثيرا مّا في الثاني ، دون الأوّل ، فإنّه قد يشبه ذلك ما أشرنا إليه في ذلك المقام من حصول براءة الذمّة في زكاة الفطرة وغيرها بدفع المقدار الواجب من مسمّى الحنطة وإن لم تصف عن شي‌ء من التراب ونحوه ، وعدم البراءة بأقلّ من ذلك المقدار من الحنطة الصافية عند مزجها وتكميلها بطرح ذلك المقدار من التراب فيها عن اختيار ، فلاحظ وتدبّر ، والله العالم.

(ويكره) التيمّم (بالسبخة) وهي ـ كما في المجمع (١) ـ أرض مالحة يعلوها الملوحة (و) كذا بـ (الرمل) على المشهور فيهما ، كما في الجواهر (٢) وغيره (٣) ، بل عن المعتبر والمنتهى دعوى الإجماع على جواز التيمّم بهما على كراهة ، إلّا أنّه استثنى في المعتبر ابن الجنيد ؛ فإنّه منع من السبخ (٤).

وكفى بما عرفت دليلا للكراهة بعد البناء على المسامحة.

وأمّا جوازه بهما فقد عرفت أنّه ممّا لا ينبغي الاستشكال فيه ولو اختيارا بعد وقوع اسم الأرض عليهما.

(ويستحبّ أن يكون) التيمّم (من ربا (٥) الأرض وعواليها) بل يكره أن يكون من المهابط ؛ لما عن الخلاف وغيره من دعوى الإجماع عليهما (٦).

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٣٣ «سبخ».

(٢) جواهر الكلام ٥ : ١٤١.

(٣) كفاية الأحكام : ٨.

(٤) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤١ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٧٤ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٤١.

(٥) الرّبو : ما ارتفع من الأرض. الصحاح ٦ : ٢٣٤٩ «ربا».

(٦) الخلاف ١ : ١٦٣ ، المسألة ١١٥ ، المعتبر ١ : ٣٧٥ ، جامع المقاصد ١ : ٤٨٣ ، وحكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤٢.

٢٠٢

ويؤيّدهما أبعديّة العوالي من النجاسة ، وأقربيّة المهابط إليها.

مضافا إلى ما سمعت من تفسير الصعيد بالمرتفع من الأرض ، والطيّب بالذي ينحدر عنه الماء في معاني الأخبار والفقه الرضوي (١).

ويؤيّد الكراهة من المهابط : النهي عن التيمّم بما يكون من أثر الطريق : ففي خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمّم الرجل بتراب من أثر الطريق» (٢).

وفي خبره الآخر «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا وضوء من موطإ» وعن النوفلي : يعني ما تطأ عليه برجلك (٣).

(ومع فقد التراب) وغيره ممّا يقع عليه اسم الأرض أو تعذّر استعماله عقلا أو شرعا (يتيمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابّته) أو غير ذلك ممّا فيه غبار.

قال في محكيّ المعتبر : وهو مذهب علمائنا وأكثر العامّة (٤). انتهى.

ومستند الحكم أخبار مستفيضة :

منها : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : «يتيمّم من لبده أو

__________________

(١) راجع : ص ١٩٧.

(٢) الكافي ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٨٧ / ٥٣٨ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٦ ـ ١٨٧ / ٥٣٧ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٧٦.

٢٠٣

سرجه أو معرفة دابّته فإنّ فيها غبارا ويصلّي» (١).

ومنها : صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله عزوجل» قال : «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي‌ء مغبّر ، وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (٢).

ومثلها صحيحة ابن المغيرة (٣) بأدنى اختلاف.

وموثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شي‌ء معه ، وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (٤).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به ، فإنّ الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمّم به» (٥).

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : عدم اختصاص الحكم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابّته ، وتخصيصها بالذكر في المتن ونحوه إنّما هو لتبعيّة النصّ ، وأمّا ورودها في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٤ ، الإستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ٥٤٦ ، الإستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٦٦ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ١٠.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٥ ، و ١٩١ / ٥٥١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٦٣ (باب التيمّم بالطين) ح ١ ، التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٣ ، الإستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

٢٠٤

النصوص : فللجري مجرى الغالب من انحصار ما فيه الغبار مع المسافر بهذه الأمور ، وإلّا فمقتضى التعليل في صحيحة زرارة وعموم قوله عليه‌السلام في صحيحتي رفاعة وابن المغيرة : «أو شي‌ء مغبّر» وقوله عليه‌السلام في موثّقة زرارة : «أو من شي‌ء معه» اطّراد الحكم بالنسبة إلى كلّ ذي غبار ، وظاهرها كظاهر الفتاوى بل صريح جملة منها : التخيير بين المصاديق ، فله اختيار التيمّم بكلّ ما فيه غبار من دون ترتّب.

فما عن بعض ـ من تقديم الثوب على اللّبد وعرف الدابّة (١) ، كما عن آخرين من الالتزام بالعكس (٢) ـ ممّا لا وجه له.

وربما يوجّه الأخير بأنّ غبارهما أكثر.

وفيه ـ بعد تسليم لزوم تقديم الأكثر غبارا ، كما سيأتي التكلّم فيه إن شاء الله ـ : أنّه غير مطّرد.

الثاني : أنّ التيمّم بالغبار مشروط بفقد التراب بل مطلق ما يقع عليه اسم الأرض بناء على عدم الترتّب بين أجزائها ، كما هو المختار ، بلا خلاف فيه ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، عدا ما حكي (٣) عن ظاهر السيّد من مساواته للتراب ، وجوازه مع التمكّن منه.

ولعلّه أراد ما إذا اجتمع الغبار بالنفض ، وعاد مصداقا للتراب ، وإلّا فهو ضعيف محجوج بعدم إطلاق اسم الأرض عليه ، واختصاص ما دلّ على جوازه

__________________

(١) حكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٦٢ ، ضمن المسألة ١٩٥ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٠٣ و ٣٠٦ عن ابن إدريس في السرائر ١ : ١٣٨.

(٢) حكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٦١ ، المسألة ١٩٥ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٦ عن الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٩.

(٣) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤٣ ، وانظر : جمل العلم والعمل : ٥٥.

٢٠٥

من النصّ والإجماع بما إذا لم يتمكّن من الأرض ، مضافا إلى عدم الخلاف في تأخّر مرتبته عن التراب.

نعم ، وقع الخلاف ممّن لا يرى جواز التيمّم بما عدا التراب مع التمكّن منه في تقديم الحجر عليه ، فعن بعض تقديمه على الحجر (١) ، وعن آخرين عكسه (٢).

واختار في المستند (٣) التخيير بينهما.

ولا يهمّنا تحقيقه بعد البناء على كون الحجر من مصاديق الصعيد الذي لا يعدل منه إلى الغبار إلّا لدى الضرورة.

الثالث : يعتبر في الغبار الذي يتيمّم به أن يكون محسوسا بأن يكون بارزا على ظاهر ذي الغبار مرئيّا حتّى يتحقّق صدق التيمّم بالغبار ، ولا يكفي فيه كونه كامنا في الشي‌ء وإن أحسّ به عند الضرب عليه ، خلافا لبعض (٤) ، فاكتفى بضرب اليد على ذي الغبار الكامن بشرط ثوران الغبار منه بالضرب ، زاعما صدق التيمّم بالغبار ـ الذي ورد الأمر به في الأخبار ـ عليه ، بخلاف ما إذا لم يخرج غبار أصلا ، فلم يكتف به وإن علم بأنّ فيه غبارا كامنا ؛ لعدم تحقّق الصدق ، وقد حمل كلام من صرّح بأنّه يعتبر إحساس الغبار على مختاره من اعتبار إحساسه بعد ضرب اليد. وهو بعيد.

وكيف كان فالأوّل هو الأقوى ، وفاقا لظاهر كلّ من اعتبر نفض الثوب قبل

__________________

(١) حكاه عن المراسم : ٥٣ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٦١ العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٥.

(٢) حكاه عن الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٩ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ١٣٧ المحقّق النراقي في مستند الشيعة ٣ : ٤٠٣.

(٣) مستند الشيعة ٣ : ٤٠٢.

(٤) راجع : جواهر الكلام ٥ : ١٤٧.

٢٠٦

الضرب عليه ، كما عن الشيخين والديلمي (١) وغيرهم (٢) ؛ إذ الظاهر أنّهم يعتبرون النفض مقدّمة لبروز غباره ، فلا يجب عند تحقّق ذيها.

ولعلّ هذا هو المتبادر من قول من اعتبر إحساس الغبار.

ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير : «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به [فإنّ الله أولى بالعذر] إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمّم به» (٣) فإنّه كالصريح في أنّه على تقدير القدرة يجب نفض الثوب والتيمّم بغباره مقدّما على الطين.

وما يقال ـ من عدم دلالته إلّا على شرعيّة التيمّم بالطين على تقدير فقد ثوب تقدر على نفضه والتيمّم به ، وأمّا أنّه يشترط في التيمّم بغبار ذلك الثوب نفضه فلا ـ سماجة في القول.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ من المحتمل أن يكون المراد بنفضه تحصيل التراب منه بجمع غباره على وجه يتمكّن من التيمّم بالتراب ، ولا شبهة في وجوب ذلك مع الإمكان وتقدّمه على الطين ، وكونه فرضا نادرا غير ضائر بعد وقوع التقييد بالقدرة في الرواية.

لكن يدفعه : النصّ والإجماع ـ كما ستعرف ـ على أنّه لا ينتقل إلى التيمّم بالوحل إلّا عند تعذّر التيمّم بالغبار ، فيكشف ذلك عن أنّ المراد بنفضه إنّما هو إبراز غباره والتيمّم به وإن لم ينته من الكثرة بمقدار يندرج في مصداق التيمّم

__________________

(١) حكاه عنهم صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤٦ ، وانظر : المقنعة : ٥٩ ، والنهاية : ٤٩ ، والمبسوط ١ : ٣٢ ، والمراسم : ٥٣.

(٢) كالعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ١٤٢.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٠٤ ، الهامش (٥).

٢٠٧

بالتراب.

ويدلّ عليه أيضا : المستفيضة (١) الآمرة بالتيمّم بغبار ثوبه ، فإنّه لا يتحقّق حقيقة بنظر العرف إلّا إذا كان الغبار الذي يتيمّم به بارزا على وجه يقع الضرب عليه أوّلا وبالذات ، ولا يكفي بروزه بالتيمّم.

ويؤكّد ظهورها في المدّعى ما فيها من عطف قوله عليه‌السلام : «أو شي‌ء مغبرّ» فإنّ المتبادر منه ليس إلّا ما أحاط بظاهره الغبار ، ولا يطلق المغبرّ عرفا على عرف الدابّة أو ثياب الرجل أو لحيته ـ مثلا ـ إلّا إذا ظهر عليها الغبار دون ما إذا خفي فيها وكان ظاهرها نظيفا.

ويؤكّده أيضا ورودها في المسافر الذي قلّما يتخلّف الغبار عن ظاهر ثيابه ولبد سرجه وعرف دابّته.

وما في بعض الأخبار من إطلاق الأمر بضرب اليد على اللّبد ونحوه ـ كقوله عليه‌السلام في رواية زرارة ، الآتية (٢) : «يضرب بيده على اللّبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلّي» ـ جار مجرى الغالب ، كما يشهد لذلك التعليل للتيمّم بلبده وسرجه ومعرفة دابّته ـ في صحيحة زرارة ، المتقدّمة (٣) ـ : بقوله عليه‌السلام : «فإنّ فيها غبارا».

وقد أشرنا إلى أنّ الغالب في عرف دابّة المسافر ولبد سرجه وثيابه كونها مغبرّة ، فهذا هو المصحّح لما في مثل هذه الرواية من الإطلاق ، لا مجرّد اشتمالها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٦ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ٥٤٥ و ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، و ١٥٨ / ٥٤٥ و ٥٤٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، الأحاديث ٢ ، ٤ ، ١٠.

(٢) في ص ٢١١.

(٣) في ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

٢٠٨

على الغبار الكامن فيه حتّى يعارضها رواية (١) أبي بصير وغيرها من الأخبار الظاهرة في اعتبار وقوع التيمّم بنفس الغبار ، لا بالشي‌ء الذي يكون الغبار كامنا فيه ، ففي مثل الفرض يجب نفض الثوب حتّى يظهر غباره ليقع التيمّم بغباره ، كما أنّه هو الذي تقتضيه قاعدة الميسور ، التي هي مناط شرعيّة التيمّم بالغبار على الظاهر ، كما يفصح عنه التعليل الواقع في صحيحة زرارة : «بأنّ فيها غبارا».

ويؤيّده تقدّم رتبته على الطين الذي علّل جواز التيمّم به في بعض الأخبار : «بأنّه صعيد طيّب وماء طهور» (٢) فالقول باعتبار نفض الثوب وبروز غباره أقوى مع أنّه أحوط.

نعم ، لو تعذّر ذلك ، لكان الأحوط هو الجمع بين التيمّم بالثوب الذي يثور منه الغبار بالضرب عليه والتيمّم بالوحل الذي ستعرف تأخّر رتبته عن الغبار.

الرابع : هل يعتبر تقديم ما هو الأكثر غبارا أم لا؟ وجهان : من إطلاق الأخبار الآمرة بالتيمّم من غبار ثوبه أو شي‌ء معه مغبرّ ، ومن اقتضاء قاعدة الميسور اعتبار مراعاة الأقرب فالأقرب ، وإمكان دعوى أنّ مغروسيّة القاعدة في الذهن توجب صرف الإطلاقات إلى ما يقتضيها. ولا ريب أنّ هذا هو الأحوط وإن كان الأوّل أظهر.

الخامس : يعتبر في الغبار كونه من أجزاء الأرض كغبار التراب ونحوه ممّا يجوز التيمّم بأصله بلا خلاف فيه على الظاهر ، فلا يجزئ غبار الأشنان والدقيق ونحوه ؛ لانصراف الأدلّة عنه خصوصا بعد التفات الذهن إلى عدم جواز التيمّم

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ٢٠٤ ، الهامش (٥).

(٢) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

٢٠٩

بأصله ، وكون الحكم مبنيّا على مراعاة قاعدة الميسور ، بل ربما يدّعى عدم صدق الغبار حقيقة على ما عدا غبار التراب.

السادس : لا خلاف نصّا (و) فتوى في أنّه (مع فقد ذلك) أي الغبار حقيقة أو حكما (يتيمّم) بالطين المعبّر عنه في المتن وغيره (بالوحل) كما يدلّ عليه أخبار مستفيضة تقدّم جملة منها.

وأمّا مع وجود الغبار فضلا عن التراب ونحوه فلا يعدل إليه ، فإنّه متأخّر عن الغبار في الرتبة بلا خلاف أيضا ، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه.

ويدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (١) ـ كصحيحتي رفاعة وابن المغيرة وموثّقة زرارة ورواية أبي بصير ـ المعلّقة جواز التيمّم بالطين على ما إذا لم يجد غيره ؛ فإنّها تدلّ بالمفهوم على تأخّر مرتبته عن كلّ ما يتيمّم به حتّى الغبار الذي استفيد جواز التيمّم به في الجملة من نفس هذه الروايات ، وفي رواية أبي بصير التنصيص على اشتراطه بفقد الغبار ، فإنّه قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به ، فإنّ الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمّم به».

فما في المدارك ـ من الاستشكال في تقديم الغبار على الوحل لو لم يكن إجماعيّا ، زاعما انحصار مدركه في رواية أبي بصير ، التي لا يراها حجّة ؛ لضعف سندها (٢) ـ في غير محلّه ؛ لما عرفت من عدم الانحصار ، مضافا إلى عدم الاعتناء بضعف السند في مثل هذه الرواية ، خصوصا مع ما في حاشية المدارك من

__________________

(١) في ص ٢٠٤.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٧.

٢١٠

التصريح بصحّتها عنده (١) ، وفي الحدائق وصفها بالصحّة (٢).

وكذا ما في الحدائق (٣) من الاستشكال فيه ؛ لزعمه معارضة الأخبار المتقدّمة برواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال : «يتيمّم فإنّه الصعيد» قلت : فإنّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال : «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمّم يضرب بيده على اللّبد أو البرذعة ويتيمّم ويصلّي» (٤).

ومرسلة عليّ بن مطر : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب يتيمّم بالطين؟ قال : «نعم ، صعيد طيّب وماء طهور» (٥).

وفيه : أنّ مقتضى القاعدة تقييد الرواية الثانية بما إذا لم يتمكّن من الغبار ، كما لعلّه هو الغالب في مفروض السائل جمعا بينها وبين الأخبار المتقدّمة.

وأمّا رواية زرارة فيحتمل قويّا أن يكون المراد بالطين ـ الذي أمر بالتيمّم منه في هذه الرواية ـ هو الذي لم يبلغ مرتبة الوحل بحيث يصحّ إطلاق اسم الصعيد عليه على الإطلاق ، كما أطلق عليه في الرواية ؛ فإنّ من المستبعد أن يكون مثل هذه الأجمة ـ التي يضطرّ الرجل إلى أن يصلّي فيها ـ مجموعها وحلا من غير

__________________

(١) الحاشية على مدارك الأحكام ٢ : ١١٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٠٤.

(٣) الحدائق الناضرة ٤ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٧ ، الإستبصار ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧ / ٥٤٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

٢١١

أن يجتمع في شي‌ء منها الماء بقدر أن يتوضّأ ، فهي لا تنفكّ عادة عن مواضع يمكن أن يتيمّم بها من غير أن تتلطّخ بها اليد بحيث لا يصدق عليها اسم الوحل وإن لم يطلق عليها اسم التراب ، فإنّ المراد بالوحل هو الطين الرقيق الذي لا يطلق عليه اسم الأرض ، وتتلطّخ به اليد عند وضعها عليه ، بل هذا هو المتبادر من الطين أيضا في سائر الأخبار ، وما لم يبلغ هذه المرتبة فهو مقدّم على الغبار بلا تأمّل.

هذا ، مع أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله : «فإنّه راكب لا يمكنه النزول» إلى آخره ، هو الاستفهام عن حكم من تعذّر عليه النزول للتطهير والتوضّؤ بواسطة الخوف ، فهي ـ على الظاهر ـ مسألة مستأنفة ، فليتأمّل.

ثمّ لو سلّم دلالة هذه الرواية على ما ادّعي فهي لا تصلح معارضة للأخبار المتقدّمة ، خصوصا بعد إعراض الأصحاب عنها ، فلا مجال للتشكيك في الحكم ، والله العالم.

تنبيه : اختلف كلام الأصحاب في كيفيّة التيمّم بالوحل.

والذي يظهر من المتن وغيره ـ بل عن الحلّي وغيره التصريح به (١) ـ أنّها كالتيمّم بالتراب يضرب يديه عليه ويمسح بهما جبهته وظاهر كفّيه.

وهذا هو الذي تقتضيه إطلاقات الأدلّة الواردة في مقام البيان ؛ إذ لو كان له كيفيّة خاصّة لبيّنها الإمام عليه‌السلام عند الأمر به.

وعن المقنعة أنّه يضع يديه ثمّ يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا تبقى فيها نداوة ثمّ يمسح بهما وجهه (٢).

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤٨ ، وانظر : السرائر ١ : ١٣٨ ، ومستند الشيعة ٣ : ٤٠٦.

(٢) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ ، وانظر : المقنعة : ٥٩.

٢١٢

وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار هذا الشرط ، اللهمّ إلّا أن يريد به الفضل والاستحباب ، فيمكن دعوى استفادته من الأخبار الدالّة على استحباب نفض اليدين عند التيمّم بالتراب بنحو من الاعتبار.

وعن كتب الشيخ أنّه يضع يديه في الطين ثمّ يفركه ويتيمّم به (١).

وعن الوسيلة : يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه عليهما حتّى ييبس ثمّ ينفضه عن اليد ويتيمّم به (٢).

وفيه : أنّه إن أريد بوضع يديه وضربهما على الطين الاحتيال في تجفيفه ليتيمّم به بعد الجفاف ، فهو حسن ما لم يكن حرجيّا ولم يزاحمه ضيق الوقت وغيره من الموانع ، لكنّه يخرج من كونه تيمّما بالطين الذي وقع في الأخبار التصريح بجوازه ما لم يقدر على غيره ، ولا مدخليّة على هذا التقدير لضرب يديه على الطين في التيمّم ، وإنّما المعتبر تجفيفه بأيّ آلة تكون.

وإن أريد بفركه ونفضه إزالة الطين عن اليد وإمرارها على الوجه بعد إزالة ما عليها من الطين ، ففيه ـ مع أنّه خلاف المتبادر من العبارتين ، خصوصا الثانية ـ : أنّه لا دليل على اعتبار هذا الشرط فضلا عن أن يكون بعد الجفاف ، مع أنّه ربما يستلزم ذلك فوت الموالاة.

وكيف كان فالأظهر ما عرفت ، والله العالم.

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره بل صرّح به جماعة (٣) : انحصار ما يتيمّم به ـ ولو

__________________

(١) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥٣٠ ، وانظر : النهاية : ٤٩ ، والمبسوط ١ : ٣٢ ، والخلاف ١ : ١٥٥ ، المسألة ١٠٧.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٤٨ ، وانظر : الوسيلة : ٧١.

(٣) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٤٩.

٢١٣

اضطرارا ـ بما ذكر ، فمع فقدها كان فاقدا للطهورين من غير فرق بين أن يجد الثلج أو الماء الجامد الذي لا يستطيع الغسل به ، وعدمه ، بل يظهر من المدارك نسبته إلى أكثر الأصحاب حيث نسب إليهم القول بسقوط فرض الصلاة أداء عند فقد الوحل الذي هو آخر المراتب (١).

وحكي عن ظاهر السيّد وابن الجنيد وسلّار أنّه يتيمّم بالثلج (٢).

وعن المفيد رحمه‌الله في المقنعة أنّه قال : وإن كان قد غطاها الثلج ولا سبيل له إلى التراب ، فليكسره وليتوضّأ به مثل الدهن (٣). انتهى.

واعترض (٤) عليه : بأنّه إن تحقّق به الغسل الشرعي ، كان مقدّما على التراب ومساويا للماء في جواز الاستعمال ، وإن قصر عن ذلك ، سقط اعتباره مطلقا.

أمّا في الوضوء والغسل : فلعدم إمكان الغسل المعتبر في ماهيّتهما به ، كما هو المفروض.

وأمّا في التيمّم : فلأنّه ليس أرضا ، فلا يجوز التيمّم به.

وبهذا الأخير اعترض (٥) على القائلين بالتيمّم بالثلج.

أقول : لا يبعد الالتزام بمقالة المفيد ودفع الاعتراض عنه ، ولنتكلّم أوّلا في حكم من وجد ثلجا أو ماء جامدا حتّى تتّضح حقيقة الحال.

فنقول : لا تأمّل في شرعيّة التوضّؤ والاغتسال من الثلج والماء الجامد في الجملة ، كما يدلّ عليه أخبار مستفيضة.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٨.

(٢) حكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٠٧ ، وانظر : المراسم : ٥٣.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٨ ، وانظر : المقنعة : ٥٩.

(٤) المعترض هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٨.

(٥) المعترض هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٨.

٢١٤

منها : رواية معاوية بن شريح ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، قال : يصيبنا الدمق (١) والثلج ونريد أن نتوضّأ ولا نجد إلّا ماء جامدا فكيف أتوضّأ ، أدلك به جلدي؟ قال : «نعم» (٢).

ورواية محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلّا الثلج ، قال : «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» (٣).

ولا يبعد أن يكون عطف ماء النهر على الثلج مع أنّه لم يجده على ما فرضه السائل لرفع الاستبعاد بالتنبيه على عدم الفرق بين الاغتسال بالثلج أو ماء النهر ؛ فإنّ الغالب كون ماء النهر من الثلج ، ومقتضى التسوية بينهما جواز إيجاده اختيارا.

وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيّهما أفضل أيتيمّم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : «الثلج إذا بلّ وجهه وجسده أفضل ، وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم» (٤).

ومثله خبره الآخر المنقول من قرب الإسناد (٥).

وقد عرفت في مبحث الوضوء أنّه لا يعتبر في ماهيّة الغسل والوضوء أزيد

__________________

(١) الدمق : ريح وثلج ، معرّب : دمه. مجمع البحرين ٥ : ١٦٣ «دمق».

(٢) التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٢ ، الإستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٣ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٠ ، الإستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٤ ، الإستبصار ١ : ١٥٨ ـ ١٥٩ / ٥٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

(٥) قرب الإسناد : ١٨١ / ٦٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

٢١٥

من أن يمسّ جلدك الماء وإن لم يتحقّق جريان بالفعل ، وإيصال البلّة على الظاهر عبارة أخرى عن هذا المعنى ، فلا إشكال في إطلاق الرواية.

نعم ، لو قلنا بصدق البلّة على مجرّد النداوة الحاصلة بالتمسّح وإن لم يتحقّق معها صدق مسّ الجسد للماء ، أو اعتبرنا فيه الجريان الفعلي ولو بإعانة الآلة من يد وثلج ونحوه ، للزم ارتكاب التقييد في الرواية بحملها على ما لا ينافي هذا الشرط ، كما ليس بالبعيد ، حيث إنّ القطع بوصول البلّة إلى جميع مواضع الغسل والوضوء لا ينفكّ غالبا عن حصول أقلّ ما يعتبر في الغسل ولو على القول باعتبار الجريان الفعلي فيه ، فإنّ المبالغة في إمرار الثلج على الجسد يوجب ذوبان جزئه الملاصق للبدن غالبا ، فلا يبعد جريها مجرى الغالب ، فهي لا تصلح دليلا لرفع اليد عمّا دلّ على اعتبار إمساس الجسد للماء أو اعتبار الجريان في ماهيّة الغسل.

نعم ، لو تمكّن من إيصال البلّة وتعذّر عليه إكثارها على وجه يتحقّق به أقلّ المجزئ ، لأمكن الالتزام بكفايته لدى الضرورة بقاعدة الميسور.

وكيف كان فيفهم من هذه الروايات جواز الوضوء والغسل بالثلج ، ولو لا مثل هذه الأخبار لأشكل استفادته من إطلاق الكتاب والسنّة الآمرة باستعمال الماء ولو على تقدير حصول الجريان بفعله ، فإنّ المتبادر منها إرادة استعمال ما كان ماء حال الاستعمال ، لا ما انقلب إليه بالاستعمال.

نعم ، لو قيل باستفادته من مثل قوله عليه‌السلام : «إذا مسّ جلدك الماء فحسبك» (١)

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٢ / ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨١ ، الإستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٧ ، الوسائل ، الباب ٥٢ من أبواب الوضوء ، ح ٣.

٢١٦

لم يكن بعيدا وإن لا يخلو أيضا عن تأمّل ، بل لو لا ظهور رواية محمّد بن مسلم في مساواته للماء لأشكل الجزم بذلك حيث لا يفهم من غيرها جوازه في غير الضرورة.

وكيف كان فإذا ثبت جوازه لا يجوز العدول عنه إلّا لضرورة ، لكنّ الغالب عند انحصار الماء فيه وعدم التمكّن من إذابته ـ كما هو المفروض في موضوع النصوص والفتاوى ـ كون الاغتسال أو التوضّؤ به حرجيّا ، فلا يتنجّز التكليف به.

كما يدلّ عليه ـ مضافا إلى قاعدة نفي الحرج ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا ، قال : «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه» (١).

ولا ينافيها الأخبار المتقدّمة ؛ لما عرفت في محلّه (٢) من أنّ التيمّم في مواقع كون الطهارة المائيّة حرجيّا رخصة لا عزيمة ، فله أن يتحمّل المشقّة ويأتي بالطهارة المائيّة ، بل قد أشرنا في محلّه أنّ هذا هو الأفضل ، ولا يكاد يستفاد من الأخبار الآمرة بالتمسّح بالثلج أزيد من ذلك.

أمّا صحيحة عليّ بن جعفر فهي ناطقة بالمدّعى حيث قال فيها : «الثلج إذا بلّ وجهه وجسده أفضل» وظاهره جواز التيمّم أيضا ، كما تقتضيه قاعدة نفي الحرج والصحيحة المتقدّمة (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٧ (باب الرجل يصيبه الجنابة ..) ح ١ ، التهذيب ١ : ١٩١ ـ ١٩٢ / ٥٥٣ ، الإستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب التيمّم ، ح ٩.

(٢) في ص ١٥٠.

(٣) أي : صحيحة محمّد بن مسلم ، المتقدّمة آنفا.

٢١٧

وأمّا رواية معاوية بن شريح فلا يفهم منها أيضا إلّا صحّة التوضّؤ بالثلج وشرعيّته.

نعم ، ظاهر رواية محمّد بن مسلم : وجوب الاغتسال بالثلج أو ماء النهر ، لكن يجب إمّا تقييدها بما إذا لم يستلزم الحرج ، أو حملها على الاستحباب ، كما عرفت تحقيقه عند التعرّض لبيان مسوّغات التيمّم.

والحاصل : أنّه لا تأمّل في كون الحرج ـ الذي هو في الغالب من لوازم الاغتسال أو التوضّؤ بالثلج فيما هو المفروض في موضوع المسألة ـ من مسوّغات التيمّم ، فحينئذ لا وقع للاعتراض على المفيد بأنّه إن تحقّق به الغسل الشرعي ، كان مقدّما على التراب ومساويا للماء ، وإن قصر عن ذلك ، سقط اعتباره ؛ لما عرفت من أنّه مع كونه مساويا للماء وجائزا استعماله يجوز تركه لمكان الحرج ، مع أنّك قد عرفت أنّه على تقدير كونه أقصر من ذلك أيضا يمكن القول باعتباره ؛ لقاعدة الميسور.

لكن يتوجّه عليه : أنّه كما تقتضي قاعدة نفي الحرج عدم وجوبه عليه لدى التمكّن من التراب ، كذلك تقتضيه بدونه ، مع أنّ ظاهر كلامه وجوب استعمال الثلج حينئذ.

ويمكن التفصّي عنه بدعوى أنّ من يراجع الآثار الشرعيّة لا يكاد يشكّ في أنّ دائرة الحرج المبيح للتيمّم أوسع لدى الشارع من الحرج الرافع للتكليف بالطهارة والصلاة ، بل ربما يدّعى وهن عموم «لا حرج» وعدم جواز الأخذ به ما لم ينجبر بعمل الأصحاب ، فكيف يؤخذ به بالنسبة إلى الصلاة مع الطهور ، التي علم اهتمام الشارع بها!؟ بل لم نجد موردا رفع يده عنها بالمرّة ، فالحرج المتحقّق

٢١٨

في المقام يصلح رافعا للتكليف بالوضوء والغسل لدى التمكّن من التيمّم ، كما يشهد به الصحيحة المتقدّمة وغيرها من الأدلّة المذكورة في محلّها ، لا مطلقا.

والإنصاف أنّ هذه الدعوى وإن لم تثبت لكنّها غير بعيدة ، وبها يتوجّه مذهب المفيد ولو على القول بكون التيمّم في مواقع الحرج عزيمة لا رخصة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فالأحوط ـ لو لم يكن أقوى ـ عدم ترك الوضوء والغسل بالتمسّح بالثلج وإن استلزم مشقّة شديدة ما لم يخف من ضرره بحيث يحرم عليه فعله ، كما أنّ الأحوط ـ على تقدير كون النداوة الحاصلة بالتمسّح أقصر ممّا يعتبر في الغسل ـ أن يقضي ما صلّاها معه ، والله العالم.

واستدلّ للقائلين بالتيمّم بالثلج : بالاحتياط ، وقاعدة الشغل ، واستصحابه ، وأنّ الصلاة لا تسقط بحال.

وبصحيحة محمّد بن مسلم ـ المتقدّمة (١) ـ بدعوى ظهورها في إرادة التيمّم بالثلج بقرينة السؤال حيث إنّ السائل فرض أنّه لم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا.

وفي الجميع ما لا يخفى ؛ فإنّ أصالة عدم شرعيّة التيمّم بالثلج وبراءة الذمّة عن التكليف به حاكمة على الأصول المتقدّمة.

مضافا إلى ظهور الأدلّة في انحصار الطهور بالماء والصعيد.

وعدم سقوط الصلاة بحال لا يصلح مشرّعا لجواز التيمّم بالثلج ، وإلّا لشرّع جوازه بما عداه أيضا من المطعوم والمشروب ، وهو باطل.

وأمّا الرواية فلا ظهور لها في المدّعى ؛ إذ المقصود بالحصر ـ على الظاهر ـ

__________________

(١) في ص ٢١٧.

٢١٩

أنّه لم يجد للغسل من الجنابة إلّا الثلج أو ماء جامدا ، والمراد بالجواب أنّه لا يجب على هذا التقدير الغسل ؛ لمكان الضرورة ، بل يتيمّم ، وأمّا بأيّ شي‌ء يتيمّم فلا يفهم من الرواية.

سلّمنا ظهور السؤال في أنّه لم يجد من الطهور شيئا عدا الثلج والماء الجامد ، لكنّه منصرف جزما عن الغبار الذي ربما يمكن تحصيله بنفض ما معه من الثياب ، وحينئذ لا يحسن إطلاق الأمر بالتيمّم بالثلج ما لم يستفصل.

فالإنصاف أنّه ليس في هذه الرواية إشعار فضلا عن الدالة على تعيين ما يتيمّم به ، ولو سلّم ظهورها فيه ، فليس على وجه يرفع اليد به عن ظاهر ما دلّ على انحصار الطهور في الماء والأرض ، وعدم جواز التيمّم بغير الأرض ، والله العالم.

٢٢٠