مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

منها وجوب التيمّم على العاجز ـ هو العرف ، ولهم مسامحات في مقامات لا يتسامحون هذه المسامحة في نظائرها ، وليس علينا إلّا متابعتهم في ذلك وإن خفي علينا وجه الفرق ، ونحن نرى أنّ مزج الطبيعة بغير جنسها ليس عندهم من أسباب تحصيل تلك الطبيعة وإن أطلقوا على الممتزج اسم تلك الطبيعة مسامحة ، ورتّبوا عليه بعد المزج أحكام تلك الطبيعة أحيانا ، فلا يرون من لم يكن عنده الماء بقدر الكفاية إلّا مصداقا للعاجز المأمور بالتيمّم ، كما أنّهم يرونه بعد أن وجد الماء ـ ولو بالمزج ـ مصداقا للقادر ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وهذا الوجه لعلّه أقوى وإن كان الأوّل أحوط ، والله العالم.

(الثاني : عدم الوصلة إليه) أي إلى الماء وإن كان موجودا إمّا لتوقّفه على ثمن تعذّر عليه أو السير إلى مكانه المتعذّر في حقّه لكبر أو مرض أو ضعف ولو بأجرة مقدورة له ، أو لفقد الآلة التي يتوصّل بها إليه ، كما إذا كان على شفير بئر أو نهر ولم يتمكّن من الوصول إلى الماء والاغتراف منه ، أو تمكّن لكن بمشقّة رافعة للتكليف ، أو تغرير للنفس ، وبحكمه ما لو كان الماء عنده ويداه قذرتان ولم يمكنه الاغتراف منه واستعماله إلّا بيده القذرة ، الموجب لانفعال الماء ، إلى غير ذلك من الأعذار العقليّة والشرعيّة المانعة من استعمال الماء ، فعند تحقّق شي‌ء منها يتيمّم ويصلّي بلا إشكال فيه ، بل ولا خلاف ؛ لما عرفت مرارا من أنّ مناط شرعيّة التيمّم ـ على ما يستفاد من النصوص والفتاوى ـ إنّما هو العجز عن استعمال الماء من دون فرق بين أسبابه.

(فمن عدم الثمن) الذي توقّف عليه استباحة الماء ، أو تحصيل بعض مقدّماته أو نحوه من الأمور التي لها مدخليّة في القدرة على استعمال الماء على

١٢١

وجه سائغ شرعا (فهو كمن عدم الماء) في أنّه يتيمّم ويصلّي.

ويدلّ عليه في الجملة ـ مضافا إلى ما عرفت ـ ما عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمرّ بالركيّة (١) وليس معه دلو ، قال : «ليس عليه أن يدخل الركيّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فليتيمّم» (٢).

وعن الحسين بن أبي العلاء مثله ، إلّا أنّه قال : «ليس عليه أن ينزل الركيّة ، إنّ ربّ الماء» (٣) الحديث.

وعن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم» (٤).

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف» (٥) والأمر بالإعادة على الظاهر للاستحباب.

وكيف كان فيفهم من مثل هذه الروايات ابتناء أمر التيمّم على التوسعة و

__________________

(١) الركيّة : البئر. مجمع البحرين ١ : ١٩٥ «ركا».

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٦٤ / ٧ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٦٥ / ٩ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ / ٤٢٦ ، و ١٨٥ / ٥٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨ / ٤٣٥ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٤ ، الإستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٤ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

١٢٢

التسهيل ، وعدم توقّفه على العجز العقلي ، بل يكفي في شرعيّته أدنى عذر ، كالمشقّة ، أو الخوف الحاصل من النزول إلى البئر ، أو إثارة الوحل أو صيرورة الماء مستعملا ، وغير ذلك ممّا يوجب إفساد الماء على القوم وتنفّر طباعهم منه وإن لم يكن محذورا عقليّا أو شرعيّا ، وقد تقدّم بعض الكلام في هذه الرواية في مبحث الماء المستعمل ، فراجع (١).

وكيف كان فالذي يستفاد من ظواهر ما دلّ على شرعيّة التيمّم من الكتاب والسنّة وفتاوى الأصحاب إنّما هو جوازه عند تعذّر المائيّة بل تعسّرها أو التضرّر بها ، كما تقتضيه قاعدة نفي الحرج والضرر ، الحاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف ، القاضية بعدم وجوب المائيّة في موقع الحرج والضرر الملزوم لجواز الترابيّة بالضرورة ، فمن وجد الماء ولكن شقّ عليه استعماله ـ لبرودة أو مرض أو غير ذلك ـ مشقّة لا تتحمّل عادة كمن لم يجده في عدم وجوب المائيّة عليه وشرعيّة الترابيّة له ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله.

(وكذا إن وجده بثمن يضرّ به في الحال) أي بحسب حاله بأن يؤثّر فيه وهنا من حيث الوجاهة والاعتبار ، أو ضيق المعيشة ونحوه من غير فرق بين أن يكون بأزيد من ثمن مثله ، وعدمه ، وبين أن يترتّب الضرر الحالي في الحال أو في المستقبل.

اللهمّ إلّا أن يكون زمانه بعيدا بحيث لا يعتنى به في العرف على وجه يعدّ ضررا بالنسبة إلى حال المشتري.

وربّما فسّر الحال في العبارة بما يقابل الاستقبال ، ولعلّه الظاهر منه.

__________________

(١) ج ١ ، ص ١٦٦ وما بعدها «مبحث ماء البئر».

١٢٣

لكنّه ضعيف ؛ لعموم قاعدة نفي الضرر والحرج ، بل مقتضاها عدم وجوب شرائه بأزيد من ثمن مثله مطلقا ؛ لكونه في حدّ ذاته تكليفا ضرريّا وإن لم يكن مضرّا بحال المشتري بالمقايسة إليه لاستطاعته من تحمّل هذه الأمور.

(و) لكن أجمعوا ظاهرا ـ كما عن غير واحد نقله ـ على أنّه (إن لم يكن مضرّا في الحال ، لزمه شراؤه ولو كان بأضعاف ثمنه المعتاد).

وعن بعضهم تقييد وجوب الشراء بما إذا لم يجحف في الثمن (١).

ولعلّ مراده كونه إجحافا بحسب حال المشتري لا من حيث هو ، فيؤول إلى الأوّل.

وكيف كان فمستندهم في ذلك أخبار خاصّة يخصّص بها عموم نفي الضرر والحرج.

كصحيحة صفوان ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، أيشتري ويتوضّأ أو يتيمّم؟ قال : «لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت ، وما يشترى بذلك مال كثير» (٢).

وعن الصدوق مرسلا عن أبي الحسن الرضا (٣) عليه‌السلام نحوه باختلاف يسير.

وخبر الحسين بن أبي طلحة ، قال : سألت عبدا صالحا عن قول الله عزّ و

__________________

(١) حكاه المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥ عن الشهيد في الذكري ١ : ١٨٤ ، وكذا في البيان : ٣٣.

(٢) الكافي ٣ : ٧٤ / ١٧ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ / ١٢٧٦ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣ / ٧١ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب التيمّم ، ذيل ح ١.

١٢٤

جلّ (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (١) ما حدّ ذلك؟ قال : «فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء» قلت : إن وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بألف ، وكم بلغ؟ قال : «ذلك على قدر جدته» (٢).

وعن فخر الإسلام في شرح الإرشاد أنّ الصّادق عليه‌السلام اشترى وضوءه بمائة دينار (٣).

ويؤيّده ما عن دعائم الإسلام : «وقالوا في المسافر يجد الماء بثمن غال : أن يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده إلّا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف على نفسه التلف إن عدمه والعطب فلا يشتريه ، وتيمّم بالصعيد ويصلّي» (٤).

والظاهر كونه رواية مرسلة عن الأئمّة عليهم‌السلام.

وكيف كان فكفى بما عرفت دليلا لإثبات الحكم وتخصيص قاعدة نفي الضرر والحرج.

فما عن ابن الجنيد ـ من عدم وجوب الشراء إذا كان الماء غاليا (٥) ـ ضعيف.

وربما يستدلّ للوجوب ـ مضافا إلى ما عرفت ـ بصدق الوجدان ، وقاعدة المقدّميّة.

وفيه : أنّ مقتضى قاعدة نفي الضرر والحرج لو لا الأدلّة المخصّصة : عدم وجوب الوضوء في الفرض كي تجب مقدّمته كسائر الموارد التي يتضرّر به.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٤٤ / ١٤٦ ، الوسائل ، الباب ٢٦ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٣) حكاه عنه في كشف اللثام ٢ : ٤٤٥.

(٤) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٠٠ ، وانظر : دعائم الإسلام ١ : ١٢١.

(٥) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٦٩.

١٢٥

ودعوى عدم جواز العمل بعموم نفي الضرر والحرج ما لم ينجبر بعمل الأصحاب ، غير مسموعة ، خصوصا في باب الوضوء الذي عملوا به في جلّ موارده.

نعم ، قد يخطر بالبال عدم صدق الضرر عرفا على ما لو اشترى شيئا بأزيد من ثمنه المعتاد مع علمه بمقدار ماليّته لدى الحاجة إليه ، كما لو احتاج إلى الماء لشربه في مكان لا يباع إلّا بثمن خطير ، فالوضوء بعد أن أوجبه الشارع مقدّمة للصلاة الواجبة يصير كسائر المقاصد العقلائيّة التي لا يعدّ صرف المال في مقدّماتها المتعارفة ضررا.

نعم ، لو توقّف على ضياع مال أو تلفه أو أخذ شي‌ء منه قهرا أو غير ذلك ممّا هو خارج من كونه مقدّمة عرفيّة ، فهو ضرر منفيّ بالقاعدة ، لكنّه لا يخلو عن تأمّل بل منع ، والعمدة ما عرفت.

وغاية ما يمكن استفادته من النصوص والفتاوى إنّما هو وجوب شرائه ما لم يكن مضرّا بحاله ، كما أشار إليه الإمام عليه‌السلام بقوله : «بقدر جدته» فإنّ المتبادر منه إرادة استطاعته عرفا.

(وكذا القول في الآلة) التي يتوصّل بها إلى الماء ، فإنّه يجب شراؤها ولو بأزيد من ثمن مثلها ما لم يكن مضرّا بحاله ؛ لوضوح المناط ؛ فإنّه لا يرتاب أحد ممّن سمع بهذه الروايات في أنّه كما يجب شراء الماء الذي هو مقدّمة للوضوء ، كذلك يجب شراء الآلة التي يتوصّل بها إلى الماء.

ولا يقاس بذلك الخسارة المترتّبة على تحصيل الماء لأمور خارجة من مقدّماته المتعارفة ، كالأمثلة التي أومأنا إليها في العبارة المتقدّمة.

١٢٦

ودعوى أنّ إيجاب الشارع شراء الماء بمائة دينار ـ مثلا ـ يدلّ على عدم اعتنائه بالضرر المالي في رفع التكليف بالوضوء ، فلا يتفاوت الحال في ذلك بين أن يشتريه بذلك أو يتوقّف تحصيله على تلف هذا المقدار من المال بسائر الأسباب ، مدفوعة : بكونه قياسا مع وجود الفارق من وجوه لا تخفى على المتأمّل ، منها : ما أشرنا إليه من كون هذه الموارد من أظهر الموارد التي ينفيها دليل نفي الضرر والحرج ، بخلاف شراء الماء ونحوه ، الذي ربما يتأمّل في شمول القاعدتين له.

وكيف كان فلا يجوز التخطّي عن مورد النصّ في الحكم المخالف للقاعدة إلّا بالنسبة إلى الموارد التي علم كونها مع المورد من باب واحد ، كشراء الآلة مثلا ، دون سائر الموارد ، ولذا صرّح الأصحاب بعدم وجوب الوضوء في سائر موارد الضرر ، حتّى أنّ بعضهم صرّح بنفي الوجوب لو توقّف تحصيل الماء على أن يصيب ثوبه المطر ويتضرّر بذلك.

وهل شقّ الثوب النفيس لإخراج الماء من البئر ـ مثلا ـ من هذا القبيل ، أو من قبيل شراء الآلة فيجب؟ فيه تردّد ، والأظهر أنّه من القسم الأوّل ، فلا يجب ؛ لخروجه من المقدّمات المتعارفة.

ألا ترى أنّه ربما تسمح النفس ببذل المال عوضا عن الماء أو ما يتوقّف عليه تحصيله من المقدّمات المتعارفة لدى الحاجة إليه لشربه أو وضوئه وإن بلغ ما بلغ ، ولا تسمح بشقّ ثوبه ، بل لا يلتفت الذهن إلى كونه من المقدّمات ويراه تضييعا للمال ، ولا أقلّ من الشكّ المقتضي لعدم التسرية من مورد النصّ إليه.

ولو وهبه واهب وكان في قبولها منّة يشقّ على الطباع تحمّلها ، لم يجب ،

١٢٧

كما صرّح به غير واحد ، وإلّا يجب ، بل ربما يجب الاستيهاب عند ابتذال الماء واستغناء المالك عنه ، كما أنّه يجب تحصيله بسائر أنحاء الاكتساب ما لم يترتّب عليه ضرر أو مشقّة رافعة للتكليف ، وهذا ممّا يختلف بحسب الموارد والأشخاص ، كما لا يخفى.

(الثالث : الخوف) من استعمال الماء أو تحصيله على نفس أو عرض أو مال في الجملة بلا إشكال بل ولا خلاف في شي‌ء منها ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليها ، إلّا أنّهم لم ينصّوا ـ فيما عثرنا عليه من معاقد إجماعاتهم المحكيّة ، ككثير من الأصحاب في فتاويهم ـ على الخوف على العرض ، لكنّ المقطوع به عدم مخالفتهم فيه في الجملة ، بل لعلّه يظهر من بعض عبائرهم إرادة ما يعمّه ، فإنّ تحمّل هتك العرض ربما يكون أشقّ من تلف المال ، بل ربما يهون دونه بذل النفوس.

وكيف كان فيدلّ على المدّعى ـ مضافا إلى الإجماع ـ أنّ إيجاب الطهارة المائيّة في مواقع الخوف حرج منفيّ في الشريعة.

ويدلّ عليه أيضا ـ في الجملة ـ جملة من الأخبار.

منها : رواية داود الرقّي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال : إنّ الماء قريب منّا ، فأطلب الماء ـ وأنا في وقت ـ يمينا وشمالا ، قال : «لا تطلب الماء ولكن تيمّم فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ ويأكلك السبع» (١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ٥٣٦ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التيمّم ، ح ١.

١٢٨

وخبر يعقوب بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال : «لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع» (١).

ويدلّ عليه أيضا الأخبار المتقدّمة في المبحث السابق بالتقريب المتقدّم ، وكذا الأخبار الآتية الآمرة بالتيمّم عند خوف العطش ، والمستفيضة الآمرة بتيمّم المجدور والكسير والمبطون ، فإنّ الغالب في مواردها خوف التضرّر ، لا القطع بذلك.

وكيف كان فلا خفاء في أصل الحكم.

وما عن صاحب الحدائق ـ من الاستشكال عند الخوف على المال بعد اعترافه باتّفاق الأصحاب ، نظرا إلى اختصاص الأخبار بالخوف على النفس دون المال ، ومعارضة ما دلّ على التوسعة في الشريعة ونفي الحرج ووجوب حفظ المال بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل (٢) ـ في غاية الضعف وإن كان ما ذكره ـ من عدم ظهور الأخبار في تلف المال ـ في محلّه (٣).

وما قيل (٤) ـ من أنّ ذكر اللصّ في خبر يعقوب بن سالم دليل على إرادته ؛ فإنّ الغالب إنّما هو تلف المال عند عروض اللصّ ، فأريد به الخوف من تلف المال ، وتخصيصه بالذكر للجري مجرى العادة ، كتخصيص السبع بالذكر للخوف على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٨ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٢ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٤ : ٢٧٤.

(٣) بدل ما بين القوسين في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة هكذا : «فإنّ ما ذكره من عدم ظهور الأخبار في تلف المال وإن كان في محلّه». والظاهر ما أثبتناه لأجل السياق.

(٤) راجع جواهر الكلام ٥ : ١٠٣.

١٢٩

النفس ـ ففيه : أنّ الغالب عند عروض اللصّ في الطريق كون نفسه ـ كماله ـ في معرض الخطر إمّا بالجناية عليها أو بأخذ أمواله المحتاج إليها في المعيشة ، كما يشهد لذلك تفريعه في الرواية على قوله : «يغرّر بنفسه» فلا يبقى حينئذ له ظهور في إرادة تلف المال.

والعجب ممّن استشهد بالرواية لتعميم الحكم بالنسبة إلى الخوف على المال القليل الذي لا تشمله قاعدة نفي الحرج ، مع أنّ من الواضح خروجه من منصرف الرواية.

فالإنصاف ما سمعته من عدم دلالة الرواية على حكم الخوف على المال ، لكن دليل نفي الحرج ممّا لا يزاحمه عمومات التكاليف ؛ لحكومته عليها خصوصا في مثل المقام المعتضد بما يفهم من أدلّة شرعيّة التيمّم من ابتنائها على التوسعة في الدين ، وأنّ الله تبارك وتعالى يريد بعباده اليسر دون العسر ، مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم.

(و) لذا لا ينبغي الارتياب في أنّه (لا فرق في جواز التيمّم) في مواقع الخوف (بين) الموارد التي وقع ذكرها في النصوص ، مثل (أن يخاف لصّا أو سبعا) أو عطشا ، وبين غيرها من الموارد ، مثل : أن يخاف هتك عرض (أو يخاف ضياع مال) أو الحبس ظلما ولو بحقّ يعجز عن أدائه ، أو غير ذلك من الموارد التي يكون إيجاب الطهارة المائيّة فيها تكليفا حرجيّا.

لكن حيثما عرفت أنّ عمدة المستند في مثل هذه الموارد هي قاعدة نفي الحرج ، والإجماع ، علمت أنّ ما حكي عن جامع المقاصد وغيره ـ من التصريح

١٣٠

بأنّه لا فرق في جواز التيمّم بين الخوف على ماله ومال غيره (١) ـ بإطلاقه مشكل ، وإنّما يتّجه ذلك فيما إذا تعلّق به نحو تعلّق يوجب اهتمامه بحفظه إمّا لتكليفه شرعا بولاية أو أمانة أو غير ذلك بحيث يكون التفريط في حفظه موجبا للضمان ، أو لكونه مهمّا لديه في العرف والعادة بحيث يترتّب على تلفه المستعقب لتفريطه الخجل والندامة التي يشقّ تحمّلها عادة ، كالتقصير في حفظ أموال أصدقائه الواثقين بحفظه عند سعيهم في حوائجهم ، وغير ذلك من الموارد التي يكون الأمر فيها بالطهارة المائيّة تكليفا حرجيّا ، وأمّا سائر الموارد التي لم تكن كذلك وإنّما أراد بحفظه مال الغير مجرّد الإحسان إليه فهو وإن كان حسنا لكنّه لا يصلح عذرا لرفع اليد عن التكاليف الشرعيّة الواجبة عليه ما لم يصرّح الشارع بقبوله عذرا في مخالفتها.

وكذلك الكلام في الخوف على عرض الغير الذي لا تعلّق له به ، وأراد بحفظه مجرّد الإحسان إلى ذلك الغير من دون أن يترتّب عليه بتركه عرفا لوم ومنقصة ، فإنّ جواز التيمّم في مثل الفرض مشكل.

نعم ، لو علم بكون ترك الحفظ سببا لوقوع فاحشة ونحوها من المنكرات التي علم تعلّق غرض الشارع بالمنع منها وعدم وقوعها في الخارج كيفما كان ، جاز له التيمّم وترك الطهارة المائيّة ، بل وجب عليه ذلك من باب المقدّمة ، وهذا بخلاف صورة الخوف ، التي لا يكون فيها إلّا الاحتمال الغير المنجّز للتكليف ، فيشكل حينئذ رفع اليد بسببه عن التكليف المنجّز.

__________________

(١) حكاه عنه وعن غيره صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٣ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٤٧٠ ، وروض الجنان : ١١٧ ، وكشف اللثام ٢ : ٤٣٩.

١٣١

اللهمّ إلّا أن يدّعى ـ من اهتمام الشارع بالمنع من الفاحشة ونحوها ـ القطع بكون رعاية عدم وقوعها لدى الخوف عذرا مقبولا لدى الشارع في ترك الوضوء وتبديله بالتيمّم. والعهدة على مدّعيه.

ومن هنا يتمشّى الإشكال عند الخوف على نفس الغير أيضا إذا كان أجنبيّا عنه بحيث لا يهمّه حفظه ، كولده وبعض متعلّقيه ، فإنّ الأمر بالوضوء لدى الخوف على الأجنبيّ ليس تكليفا حرجيّا ، ووجوب حفظ نفسه المحترمة عن التلف لا يقتضي وجوب الاحتياط عند احتمال التلف ـ كسائر الشبهات الموضوعيّة ـ كي يصلح عذرا لترك الطهارة الواجبة.

لكنّ الظاهر عدم الخلاف في كون الخوف على النفس المحترمة مطلقا حتّى البهائم في الجملة سببا لجواز التيمّم ، كما يفصح عن ذلك ما ستسمعه من جواز التيمّم لدى الخوف من العطش ولو على غيره ممّن له نفس محترمة ، فيستكشف بذلك شدّة اهتمام الشارع بحفظ النفوس ، وكون رعاية الاحتياط في أمرها لديه من الأعذار المسوّغة للتيمّم ، كما أنّه لدى أرباب المروّات من أهل العرف أيضا كذلك بالنسبة إلى تكاليفهم العرفيّة ، فينحصر الإشكال فيما عدا هذه الصورة من الصور التي لا يكون التكليف فيها بالطهارة المائيّة حكما ضرريّا أو حرجيّا أو مستلزما لمخالفة تكليف وجوبيّ أو تحريميّ ، فليتأمّل.

ونظيره في الإشكال ما حكي (١) عن غير واحد ـ بل عن جماعة (٢) منهم نسبته إلى الأصحاب ـ من عدم الفرق في الخوف على المال بين قليله وكثيره.

وهو متّجه إذا كان مستند الحكم قاعدة نفي الضرر ، لكن لا يصحّ الاستناد

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٠٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ٥ : ١٠٣.

١٣٢

إليها إلّا بعد إحراز ترتّب الضرر ولو بطريق ظنّيّ بناء على اعتبار الظنّ في باب الضرر ، كما هو الظاهر ، وأمّا عند احتماله والخوف من ترتّبه فلا يصحّ الاستدلال بها ؛ لأنّ التمسّك بإطلاق الحكم فرع إحراز موضوعه ، فالمستند في مواقع الخوف إنّما هو قاعدة نفي الحرج ، فلا بدّ من أن يكون ما يخاف منه ممّا يشقّ تحمّله بحيث يكون الأمر بالوضوء عند الخوف من حصوله تكليفا حرجيّا ، ولا يكاد يتحقّق هذا المعنى غالبا عند الخوف على المال اليسير.

وما توهّمه بعض ـ من دلالة خبر يعقوب بن سالم على جوازه عند الخوف على المال وإن كان قليلا ـ قد عرفت ضعفه.

فالأظهر دوران الحكم ـ عند الخوف من الضرر ما لم يحرز نفسه ولو ظنّا ـ مدار كون التكليف مع الخوف من حيث هو حرجيّا.

ومن هنا اتّجه عدم الفرق في الخوف بين كونه ناشئا من أمر تقتضيه عادة ، أو من الجبن ، كما صرّح به غير واحد ؛ إذ لا فرق في كون التكليف لدى الخوف حرجيّا بين كونه مسبّبا عن أسباب تورث الخوف عادة أو عن جبن ذاتيّ ، بل كونه كذلك في الجبان أظهر ؛ لأنّه ربما يؤدّي ذلك إلى ذهاب عقله ؛ لما فيه من ضعف القوّة ، كما نبّه عليه غير واحد.

فتلخّص : أنّه لو خشي تلف المال اليسير الذي لا يؤثّر في صيرورة التكليف حرجيّا ، لم يجز له التيمّم ، وأمّا لو علم بذلك أو ظنّ ـ بناء على حجّيّة الظنّ في مثله ـ لاتجه القول بالجواز ؛ لقاعدة نفي الضرر لو لم نقل بانصرافها عن الضرر اليسير.

(وكذا) الكلام في الخوف على النفس بحدوث المرض فيها ، فلو خشي

١٣٣

مرضا يسيرا يهون تحمّله ولا يكون الخوف منه لدى العقلاء أمرا يعتدّ به بحيث يصدّهم عن مقاصدهم العرفيّة المقتضية له ، لم يجز التيمّم ، كما هو ظاهر المتن ومحكيّ التحرير (١) ، وعن المعتبر والمبسوط (٢) التصريح بذلك ، بل عن الأخير نفي الخلاف عنه (٣).

وأمّا (لو خشي المرض الشديد) الذي لا يتحمّل في العادة ـ بمعنى أنّ العقلاء يجتنبون عمّا يقتضيه مهما أمكن ولو لأجل طول مدّة المرض أو عسر علاجه ـ يتيمّم بلا إشكال ، بل ولا خلاف فيه في الجملة ، بل إجماعا كما صرّح به بعض (٤).

ويشهد له ما ستسمعه في الخوف من الشين.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ، وقاعدة نفي الحرج ـ بعض الأخبار الدالّة على جوازه عند الخوف من البرد.

مثل : صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ، ويتيمّم» (٥).

ونحوها صحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٥ ، وانظر : تحرير الأحكام ١ : ٢١.

(٢) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٥ ، وانظر : المعتبر ١ : ٣٦٥ ، والمبسوط ١ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٣٤.

(٤) صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٦) التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

١٣٤

وظاهرها كصريح صحيحة ابن سنان ، الآتية (١) : إرادة الخوف على نفسه بحدوث مرض فيها أو تلف بسبب البرودة ، لا مجرّد التألّم منه ، فيدلّ على المطلوب.

والمتبادر من مثل هذه العبارة إرادة المرض الذي يخاف معه على النفس ، لا مطلق المرض بحيث يشمل اليسير.

وقد يستدلّ بهذه الصحيحة لجواز التيمّم لدى البرد الشديد الذي يشقّ تحمّله وإن أمن ضرره.

وفيه نظر ظاهر ، والعمدة فيه ما عرفت من أدلّة نفي الحرج.

وربما يستدلّ لما نحن فيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ بقاعدة نفي الضرر وبآية التهلكة (٢).

وفيه ما عرفت آنفا من أنّ الاستدلال بالقاعدة فرع إحراز موضوعها ولو ظنّا.

وأمّا الآية فالمتبادر منها ـ بقرينة عدم إحراز التهلكة غالبا إلّا بعد وقوعها ـ النهي عن الإقدام على ما فيها أمارة الهلكة بحيث يكون الإقدام عليها إشرافا على الهلكة عرفا ، وهو أخصّ من مطلق الخوف ، كما هو واضح.

مع أنّ إلقاء النفس في المرض الذي لا يخاف عنده من الهلاك لا يعدّ عرفا من الإلقاء في التهلكة.

__________________

(١) في ص ١٤٠.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٥.

١٣٥

وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم ، بل عن جامع المقاصد وغيره (١) الاستشكال في وجوب الوضوء والغسل وعدم جواز التيمّم عند الخوف من المرض اليسير ؛ نظرا إلى أنّه أشدّ ضررا من الشين الذي سوّغوا التيمّم له ، وأنّه لا وثوق بيسير المرض من أن لا يصير شديدا.

ويتوجّه عليه : أنّ المرض الذي لا يؤمن من شدّته ، وكذا ما كان أشدّ من الشين المسوّغ للتيمّم خارج من المفروض.

أمّا الأوّل : فواضح.

وأمّا الثاني : فلما ستعرف من اعتبار الحرج في الشين المسوّغ للتيمّم ، كاعتباره في المرض الذي يخاف من حدوثه.

نعم ، لا يعتبر ذلك لدى خوف المريض زيادة مرضه باستعمال الماء أو تحصيله ، فإنّه يتيمّم وإن لم يكن ما يخاف منه في حدّ ذاته ممّا يشقّ تحمّله ؛ لعدم انحصار مستنده بـ «لا حرج» أو الإجماع الذي يمكن أن يقال فيه : إنّه دليل لبّي لا يفهم منه أزيد من ثبوت الحكم في موارد الحرج.

بل يدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) (٢) إلى آخره ، فإنّ مقتضى إطلاقه جواز التيمّم للمريض مطلقا ، لكن علم بشهادة الإجماع وغيره عدم إرادة هذا النحو من الإطلاق منه ، والقدر المتيقّن من تقييده بل المتبادر منه عرفا ـ بعد صرفه عن هذا الظاهر لو لم نقل بأنّه هو الظاهر منه في حدّ

__________________

(١) الحاكي عنهما هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٥ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ٤٧٢ ، والذكرى ١ : ١٨٦.

(٢) النساء ٤ : ٤٣ ، المائدة ٥ : ٦.

١٣٦

ذاته بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان ـ ليس إلّا إرادة التيمّم عند الخوف من زيادة المرض أو نحوها باستعمال الماء أو تحصيله أو إذا كان شقّ عليه ذلك.

ويدلّ عليه أيضا جملة من الأخبار :

مثل : خبر محمّد بن سكين (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قيل له : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسّلوه فمات ، فقال : قتلوه ألا سألوا؟ ألا يمّموه؟ إنّ شفاء العيّ (٢) السؤال» (٣).

ونحوه مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إلّا أنّه قال : «قيل له : يا رسول الله» (٤) وذكر الحديث.

ومرسلته الأخرى عن أبي عبد الله (٥) عليه‌السلام نحوه بأدنى اختلاف.

وخبر جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ذكر (٦) أنّ رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكزّ (٧) فمات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتلوه قتلهم الله ، إنّما كان دواء العيّ السؤال» (٨).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون به

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مسكين» بدل «سكين». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) عيّ بأمره وعيي : إذا لم يهتد لوجهه. الصحاح ٦ : ٢٤٤٢ «عيى».

(٣) الكافي ٣ : ٦٨ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٤ / ٥٢٩ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٤) السرائر ٣ : ٦١٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ذيل ح ٢.

(٥) الكافي ١ : ٤٠ / ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

(٦) في المصدر : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له».

(٧) الكزاز ـ كغراب ورمّان ـ : داء من شدّة البرد والرعدة منها. القاموس المحيط ٢ : ١٨٩.

(٨) الكافي ٣ : ٦٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

١٣٧

القرح والجراحة يجنب ، قال : «لا بأس بأن لا يغتسل ، يتيمّم» (١).

ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يتيمّم المجدور والكسير ولا يغتسلان» (٢).

وصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ، ويتيمّم» (٣).

ونحوها صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وتقريب الاستدلال بهذه الروايات : أنّ الغالب في مواردها هو الخوف من الضرر لا القطع بذلك.

وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنّه يجوز للمريض أن يتيمّم عند خوفه من أن يتضرّر بالوضوء والغسل ضررا يعتدّ به في العرف والعادة كي يندرج بذلك في موضوع الأدلّة من ظاهر الكتاب والسنّة ومعاقد الإجماعات المحكيّة وإن لم ينته إلى حدّ لا يتحمّله العقلاء حتّى ينفيه أيضا قاعدة نفي الحرج ، ولا ملازمة بين الأمرين ، كما هو واضح.

ولا فرق في جواز التيمّم بين كونه محدثا بالحدث الأصغر أو الأكبر ، ولا بين حدوثه اختيارا أو اضطرارا ، لكن ورد في بعض الأخبار ما ينافيه في الجملة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٨ / ١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٦٨ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٤ ، ولفظ الحديث فيهما هكذا : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة».

(٣) التهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٦ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

١٣٨

مثل : صحيحة [عبد الله بن] (١) سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» قال : وذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد ، وكانت ليلة شديدة الريح باردة «فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخاف عليك ، فقلت : ليس بدّ ، فحملوني ووضعوني على خشبات ثمّ صبّوا عليّ الماء فغسلوني» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا ، فقال : «يغتسل على ما كان» حدّثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد ، فقال : «اغتسل على ما كان ، فإنّه لا بدّ من الغسل» وذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أنّه اضطرّ إليه وهو مريض فأتوا به مسخّنا فاغتسل ، وقال : «لا بدّ من الغسل» (٣).

ومرفوعة عليّ بن أحمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : «إن كان أجنب هو فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتيمّم» (٤).

ومرفوعة إبراهيم بن هاشم ، قال : «إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٨ / ٥٧٥ ، الإستبصار ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٥٦٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٨ ـ ١٩٩ / ٥٧٦ ، الإستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٤ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٦٨ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٩٨ / ٥٧٤ ، الإستبصار ١ : ١٦٢ / ٥٦٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب التيمّم ، ح ١.

١٣٩

منه ، وإن احتلم فليتيمّم» (١).

وحكي عن الشيخ في الخلاف ، والمفيد في المقنعة ، والصدوق في هدايته : القول بوجوب الغسل على من أجنب متعمّدا دون غيره (٢).

ويظهر من الوسائل (٣) اختياره.

وفي المستند التصريح بذلك ؛ للجمع بين الأخبار بشهادة المرفوعتين ، لكن خصّه في المستند بما إذا لم يخف على نفسه التلف ؛ جمعا بينها وبين الأخبار المصرّحة بعدمه عند خوف التلف (٤).

كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة» (٥).

ولعمري إنّ الذي جرّأه على هذا التفصيل ـ الذي لم يقل به أحد من هؤلاء الذين وافقهم في القول ، أعني استثناء صورة خوف التلف ـ ما رآه من عدم إمكان الالتزام بوجوب تعريض النفس للهلكة من دون أن يقتضيه أمر أهمّ في نظر الشارع من حفظ النفوس ، كما في باب الجهاد والقصاص والحدود ، وإلّا فليس ارتكاب التأويل في هذه الصحيحة بأبعد من غيرها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٥٧٣ ، الإستبصار ١ : ١٦٢ / ٥٦١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب التيمّم ، ح ٢.

(٢) حكاه عنهم صاحب الجواهر فيها ٥ : ١٠٧ ـ ١٠٨ ، وانظر : الخلاف ١ : ١٥٦ ، المسألة ١٠٨ ، والمقنعة ٦٠ ، والهداية : ٨٩.

(٣) انظر : الوسائل ، عنوان الباب ١٧ من أبواب التيمّم.

(٤) مستند الشيعة ٣ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٥) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٤ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب التيمّم ، ح ١.

١٤٠