مصباح الفقيه - ج ٦

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٦

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسّسة مهدي موعود « عج »
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

بأنّه مسح جبينيه بأصابعه (١).

أحوطهما : الأوّل ، بل لو لا ظهور الصحيحة في كفاية البعض لكان أقوى.

ودعوى الصدق العرفي غير مجدية بعد ما ادّعيناه من الانصراف ، فإنّ إطلاق المسح باليد عند المسح ببعضها ليس إلّا كإطلاق الضرب باليد على الأرض عند الضرب ببعضها ، فكما أنّ الروايات تنصرف إلى إرادة الجميع في الثاني ، فكذلك في الأوّل ، لكنّ الصحيحة كادت تكون صريحة في كفاية البعض ، فهذا هو الأقوى.

ومن هنا قد يقوى في النظر عدم اعتبار ضرب مجموع الباطن أيضا ؛ لما أشرنا إليه من المناسبة ، لكنّ الأقوى خلافه جمودا في الأحكام التعبّديّة على ما يتبادر من أدلّتها ، والله العالم.

وأمّا كيفيّة المسح فقد صرّح بعض (٢) باعتبار وقوعه في كلّ من الوجه واليدين من الأعلى إلى الأسفل.

وربما استظهر ذلك من المتن ونحوه لكن بالنسبة إلى مسح الجبهة حيث اعتبر مسحها من قصاص الشعر إلى طرف الأنف.

ونسبه بعض (٣) إلى المشهور ، بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى ظاهر الأصحاب (٤). وعن المنتهى نسبته إلى ظاهر عبارة المشايخ (٥).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٤ و ٥) من ص ٢٨٤.

(٣) المحقّق السبزواري في كفاية الأحكام : ٨ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٤٢ و ٣٥١.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٠١.

(٥) حكاها عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٠١ ، وانظر : منتهى المطلب ٣ : ٨٨ (تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة) وفي الطبعة الحجريّة منه ج ١ ص ١٤٦ : «الشيخ» بدل «المشايخ».

٣٠١

ولعلّ النسبة نشأت من تعبيرهم كعبارة المتن ، وأنت خبير بكونها مسوقة لتحديد الممسوح ، لا لكيفيّة المسح ، ولذا لم يتعرّض لبيانها بالنسبة إلى ظهر الكفّين. وما نسبوه إلى المشهور أيضا على الظاهر في خصوص الوجه ، لكنّ الظاهر عدم القول بالفرق.

وكيف كان فليس في شي‌ء من الأخبار المعتبرة إشعار بذلك.

وربما يستدلّ له بتنزيل الترابيّة منزلة المائيّة وبدليّتها منها المشعرة بالمساواة سيّما بعد ما ورد في بعض الأخبار من أنّ التيمّم نصف الوضوء (١) ، وبأنّه هو المنساق إلى الذهن من التيمّمات البيانيّة للسائل عن الكيفيّة ، وأنّه لو وقع في الفعل البياني ابتداء بغير الأعلى ، لنقله السائل.

وفي الجميع ما لا يخفى ، بل في عدم تعرّض السائل لنقل كيفيّة المسح إشعار بعدم استفادته إرادة الخصوصيّة ، وجريه مجرى العادة.

نعم ، لو كان لمسح الوجه واليدين كيفيّة خاصّة متعارفة وكان غيرها خلاف المتعارف ، لاستشعر من عدم تعرّض السائل لنقل كيفيّته عدم وقوعه بالكيفيّة الغير المتعارفة ، لكنّ الشأن في إثبات كون المسح من غير الأعلى خصوصا بالنسبة إلى اليدين خلاف المتعارف.

نعم ، ما رواه في الفقه الرضوي في ذيل عبارته المتقدّمة (٢) صريحة في الابتداء من الأعلى بالنسبة إلى اليدين ، بل لا يبعد استفادته منها بالنسبة إلى الوجه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب التيمّم ، ح ١.

(٢) في ص ٢٩١.

٣٠٢

أيضا مع عدم القول بالفرق على الظاهر ، بل قد يستظهر ذلك من صدر عبارتها وإن لا يخلو عن تأمّل.

وكيف كان ، فالقول به لو لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط ، والله العالم.

(و) ليعلم أنّهم اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم.

فعن الشيخين في النهاية والمبسوط والمقنعة ـ كما هو مختار المصنّف رحمه‌الله في الكتاب ـ أنّه (يجزئه في) ما هو بدل من (الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفّيه ، ولا بدّ فيما هو بدل من الغسل) من جنابة أو غيرها (من ضربتين) (١).

(وقيل : في الكلّ ضربتان) حكي ذلك عن المفيد في الأركان (٢).

وعن المنتقى (٣) أنّه مذهب جماعة من القدماء (٤).

وربّما نسب (٥) أيضا إلى عليّ بن بابويه ، إلّا أنّه يعتبر الترتّب بين ضربة اليدين للكفّين ، ولذا اختلفت الحكاية عنه ، فربما نسب (٦) إليه اعتبار ثلاث ضربات. ولكلّ وجه ؛ فإنّه قال في محكيّ الرسالة (٧) : إذا أردت ذلك فاضرب بيديك على الأرض مرّة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهك ثمّ اضرب

__________________

(١) حكاه عنهما المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٨٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٢٩ ، وانظر : النهاية : ٤٩ ، والمبسوط ١ : ٣٣ ، والمقنعة : ٦٢.

(٢) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٢ : ٢٦١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «التقى» بدل «المنتقى». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٤ : ٣٣٨ ، وانظر : منتقى الجمان ١ : ٣٥١.

(٥) الناسب هو المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٦) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٣٠.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «محكيّ شرح الرسالة». والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٣

بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ثمّ اضرب بيمينك الأرض وامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع (١).

(وقيل :) يجزئ في الكلّ (ضربة واحدة) حكي عن جماعة من القدماء (٢).

وعن المعتبر و [الذكرى] (٣) اختياره (٤) ، ووافقهم غير واحد من المتأخّرين.

(و) لا يبعد أن يكون (التفصيل) أشهر الأقوال ، بل ربما نسب (٥) إلى المشهور ، ولكن خلافه (أظهر) والأقوى كفاية الواحدة مطلقا ، ولكنّ الضربتين أفضل بل أحوط ، وأحوط منه الجمع بتكرير التيمّم.

لنا على كفاية الواحدة مطلقا : جميع الأخبار المتقدّمة (٦) الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة عمّار وفعل الباقر والصادق عليهما‌السلام في مقام بيان ماهيّة التيمّم ، المقتصر فيها على ضربة واحدة لمسح الوجه واليدين ، عدا صحيحة (٧) محمّد بن

__________________

(١) حكاه عنها الشهيد في الذكرى ٢ : ٢٦٠ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٣٠.

(٢) حكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٧١ ، المسألة ٢٠٢ عن السيّد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل والشيخ المفيد في الرسالة العزّيّة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «التذكرة» بدل «الذكرى». والصحيح ما أثبتناه ، كما في مفتاح الكرامة ١ : ٥٤٦ ، ومستند الشيعة ٣ : ٤٢٦ ، وجواهر الكلام ٥ : ٢٠٧.

(٤) المعتبر ١ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، الذكرى ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

(٥) من الناسبين العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٧١ ، المسألة ٢٠٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٤٨ ، ونهاية الأحكام ١ : ٢٠٧ ، والصيمري في غاية المرام ١ : ٩٣ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٣٢ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤٩٤.

(٦) في ص ٢٩٠ و ٢٩١.

(٧) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في ص ٢٨٨ ، الهامش (٥).

٣٠٤

مسلم ، الدالّة على استيعاب الوجه والذراعين ، وستعرف قصور هذه الصحيحة عن معارضة غيرها من جهات.

واحتمال عدم إرادتهم عليهم‌السلام في تلك الوقائع إلّا بيان كيفيّة المسح لا عدد الضربة ، ولذا ضرب بيديه على البساط كما في بعض (١) الأخبار ، أو كون الاقتصار على الضربة من الحاكي في مقام الحكاية حيث لم يتعلّق غرضه بنقل الفعل بجميع خصوصيّاته المعتبرة في التيمّم ، ولذا أهمل تعيين مقدار الممسوح في أغلب الأخبار في غاية الضعف ؛ فإنّه لا يكاد يشكّ في أنّه لو كان المعتبر في ماهيّة التيمّم ضربة أخرى لليدين ، لم يتركها المعصوم عليه‌السلام عند إرادة بيان ماهيّة التيمّم ، فكما ضرب بيديه لمسح الوجه كان يضرب بهما لمسح اليدين أيضا ، فإنّه أولى بالبيان ، لكون اعتباره أخفى ، كما أنّه لا ينبغي أن يشكّ في أنّه لو صدر منه ضربة أخرى لليدين ، لتعرّض الحاكي لنقله خصوصا مع كونه الإمام المعصوم عليه‌السلام.

وقياس هذا الفعل ـ الذي هو من أجزاء التيمّم على تقدير اعتباره ـ على سائر الخصوصيّات فاسد ، مع أنّه لا يضرّ بالاستدلال لإبطال التفصيل ؛ ضرورة أنّ وقوع تيمّم واحد بيانا لماهيّة التيمّم على الإطلاق ـ كما يقتضيه إطلاق السؤال عن كيفيّة التيمّم في جميع تلك الأخبار ـ ينفي احتمال التفصيل ، فلا ينبغي الارتياب في أنّه لم يصدر في تلك الوقائع بمقتضى هذه الأخبار إلّا ضربة واحدة ، فإنّها بقرينة موردها في قوّة التصريح بذلك.

وأضعف من ذلك احتمال عدم إرادة المعصوم بفعله ونقله لفعل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ١ : ١٧٠ / ٥٨٩ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ١.

٣٠٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا بيان نوع التيمّم في الجملة ، وهو يحصل ببيان قسم منه ، وهو التيمّم الذي يقع بدلا من الوضوء ، فإنّه مع وهنه في الغاية يبطله كون القدر المتيقّن من فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة عمّار وكذا نقل الإمام عليه‌السلام لتلك الواقعة إنّما هو إرادة بيان التيمّم الذي يقع بدلا من غسل الجنابة ؛ ضرورة قبح إرادة بيان ما هو بدل من الوضوء بذلك الفعل والسكوت عمّا هو بدل من الغسل مع كون المقام مقتضيا لعكسه ، بل ما في بعض تلك الأخبار من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار : «أفلا صنعت هكذا؟» (١) يدفع هذا التوهّم من أصله.

ويدلّ على المطلوب أيضا ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك الأرض ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك» (٢).

وربما يستدلّ له أيضا بإطلاق الآية.

وفيه نظر بعد إجمالها.

حجّة القول بالضربتين مطلقا : صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن التيمّم ، قال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين» (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦٠٩ ، الإستبصار ١ : ١٧١ ـ ١٧٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦١٠ ، الإستبصار ١ : ١٧٢ / ٥٩٨ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ١.

٣٠٦

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : كيف التيمّم؟ قال : «هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثمّ تنفضهما نفضة للوجه ، ومرّة لليدين ، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا ، والوضوء إن لم تكن جنبا» (١).

ورواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تضرب بكفّيك [على الأرض] مرّتين ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك» (٢).

وهذه الرواية بل وكذا سابقتها ظاهرة في كون الضربتين قبل مسح الوجه ، وصحيحة ابن مسلم أيضا لا تأبى عن ذلك ، فلا يبعد استحبابه. وعدم معروفيّة القول به لا ينافيه.

وكيف كان فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه لهذا القول هي الصحيحة الاولى ، وهي أيضا قابلة للحمل على الاستحباب ، كما أنّ جميعها قابلة للحمل على التقيّة على تقدير أن يراد بها ضربة للوجه وضربة لليدين ، كما يؤيّده تشابه ما عدا الصحيحة الاولى وقبولها للتورية.

ويؤيّده أيضا معروفيّة القول بالضربتين عند العامّة على ما قيل (٣) ، بل عن بعض العامّة نسبة القول بكفاية الواحدة إلى عليّ عليه‌السلام وعمّار وبعض التابعين

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦١١ ، الإستبصار ١ : ١٧٢ / ٥٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ / ٦٠٨ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الحاشية على مدارك الأحكام ٢ : ١٤٠.

٣٠٧

ممّن لم يخالف عليّا في المذهب ، ونسبة الضربتين إلى أكثر التابعين (١) ، فلا تكافئ هذه الروايات الأخبار السابقة لا من حيث الصدور ولا من جهة الصدور ولا من حيث الدلالة ، فالمتعيّن إمّا طرحها أو حملها على الاستحباب ، والثاني أشبه بالقواعد بل أحوط.

حجّة المشهور أمور عمدتها الجمع بين الأخبار بحمل الطائفة الأولى على ما كان بدلا من الوضوء ، والثانية على ما كان بدلا من الغسل بقرينة الشهرة ونقل الإجماع ، كما عن ظاهر بعض (٢) ، بل الإجماع المحقّق بتقريب أن يقال : إنّ مفاد الطائفة الأولى كفاية ضربة واحدة في التيمّم ، فهي نصّ في الكفاية في الجملة ، وظاهرها الاطّراد ، والطائفة الثانية أيضا نصّ في اعتبار التعدّد ، وظاهرها الاطّراد ، فمقتضى القاعدة رفع اليد عن الظاهرين بالنصّين ، والالتزام بوجود القسمين في التيمّم ، فوجب أن يكون مورد كلّ من القسمين ما هو المشهور ؛ للإجماع على بطلان تفصيل آخر وراء هذا التفصيل.

وفيه ـ بعد الغضّ عن عدم صلاحيّة الشهرة ونقل الإجماع شاهدة للجمع إلّا على تقدير كشفها عن قرينة داخليّة أو خارجيّة ـ إباء جلّ الأخبار بل كلّها عن هذا الحمل ؛ لأنّها ما بين صريح أو ظاهر في أنّ التيمّم من الوضوء والغسل من الجنابة واحد ، بل قد سمعت أنّ القدر المتيقّن من الأخبار الحاكية للفعل ـ التي لا يبعد دعوى تواترها ـ إنّما هو بيان ما هو بدل من الغسل ، كما هو صريح بعضها ،

__________________

(١) قاله الطيّبي في شرح المشكاة كما في بحار الأنوار ٨١ : ١٥٠ ـ ١٥١.

(٢) حكاه الوحيد البهبهاني في الحاشية على المدارك ٢ : ١٤٠ عن ظاهر الشيخ الطوسي في التبيان ٣ : ٢٠٨ ، والطبرسي في مجمع البيان ٣ ـ ٤ : ٥٢.

٣٠٨

فيمتنع ارتكاب هذا التأويل فيها.

اللهمّ إلّا أن يلتزم بإهمال تلك الأخبار وعدم كونها مسوقة إلّا لبيان كيفيّة المسح ، دفعا لتوهّم كونه كالغسل ، كما وقع لعمّار ، فيتّجه حينئذ القول باعتبار المرّتين مطلقا بمقتضى الأخبار الأخيرة التي وقع التصريح في بعضها بأنّ التيمّم من الوضوء والغسل من الجنابة ضرب واحد.

لكنّك عرفت أنّ الالتزام بالإهمال أيضا في غاية الإشكال ، فإنّه وإن أمكن ذلك بالنظر إلى آحاد الأخبار على بعد لكنّه لا يمكن بالنظر إلى المجموع بملاحظة كثرتها ووقوع جميعها جوابا عن السؤال عن كيفيّة التيمّم على الإطلاق.

بل كيف يحتمل إن لم يقصد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بفعله بيان الماهيّة المخترعة بخصوصيّاتها المعتبرة فيها بعد وقوع السؤال عنها في صدر الشريعة عند جهل عامّة الناس بها!؟ فاختيار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للفعل لم يكن إلّا لكونه أوفى في البيان من القول ، فكيف يتطرّق فيه شائبة الإهمال!؟

فالإنصاف أنّ هذا الجمع طرح لجميع الأخبار من غير شاهد.

وربما يستشهد له بالصحيحة التي رواها الشيخ عن ابن أذينة عن محمّد ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمّم ، فضرب بكفّيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ثمّ ضرب بيمينه الأرض ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثمّ قال : «هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل ، وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين ، فلا يؤمّم بالصعيد» (١).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٠ / ٦١٢ ، الإستبصار ١ : ١٧٢ / ٦٠٠ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٥.

٣٠٩

وبصحيحة زرارة ، المتقدّمة (١) التي استشهدنا بها لاعتبار الضربتين على الإطلاق.

وفي الاستشهاد بهما ما لا يخفى ؛ فإنّ توجيه صحيحة زرارة على وجه ينطبق على هذا التفصيل يتوقّف على تكلّفات بعيدة ، فإنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام بعد السؤال عن كيفيّة التيمّم : «هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة» إرادة عطف الغسل على الوضوء ، يعني أنّ التيمّم لهما نوع واحد لا اختلاف فيهما ، ثمّ بيّن كيفيّته بقوله : «تضرب بيديك الأرض» إلى آخره. وجعل الغسل من الجنابة ابتداء كلام آخر ، وحمل قوله عليه‌السلام : «التيمّم ضرب واحد للوضوء» على إرادة أنّ ما كان بدلا من الوضوء يحصل بضربة واحدة كما ترى.

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم : فهي على الظاهر ما استند إليه عليّ بن بابويه فيما ذهب إليه من القول باستيعاب مسح الوجه واليدين مع التزامه بالضربات الثلاث ، وقد أشرنا فيما سبق إلى شذوذها وعدم صلاحيّتها لمعارضة غيرها ، مع موافقتها للعامّة ومخالفتها للكتاب ؛ بشهادة الصحيحة المتقدّمة (٢) المفسّرة للآية ، الدالّة على أنّ المسح ببعض الوجه واليدين.

هذا ، مع أنّه لا يستفاد من هذه الصحيحة التفصيل بين القسمين في عدد الضربات ، فلعلّ المراد بها الفرق بينهما في كيفيّة المسح بكونه في التيمّم للغسل مبتدئا من المرافق ، وفي الوضوء منتهيا إليها ، قياسا على مبدله ، كما يشعر بذلك

__________________

(١) في ص ٣٠٧.

(٢) في ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

٣١٠

قوله عليه‌السلام : «وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين» فيكون هذا التفصيل في حدّ ذاته من موهنات الرواية حيث يجعلها أشبه بقول العامّة ، وقد أمرنا بطرح ما يشبه قولهم (١).

ثمّ لو سلّم ظهور الصحيحتين في المدّعى ، فليس على وجه يصلح لصرف الأخبار الظاهرة في اتّحادهما نوعا فضلا عمّا هو صريح في ذلك ، كموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التيمّم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ قال : «نعم» (٢).

هذا كلّه بعد الإغماض عمّا بيّنّاه من إباء الأخبار الحاكية لفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا الحمل ؛ لكونه بمنزلة النصّ فيما هو بدل من الغسل ، فتتحقّق المعارضة بين جميع تلك الروايات وبين الصحيحتين اللّتين عرفت حالهما من حيث الدلالة وجهة الصدور ، فالمتعيّن بعد تسليم الدلالة إمّا طرحهما أو التأويل ولو بالحمل على الاستحباب.

وبهذا ظهر لك الجواب عن الاستشهاد بما رواه العلّامة عن الشيخ ـ في الصحيح ـ عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة ، ومن الجنابة مرّتان» (٣) مع أنّه صرّح جماعة (٤) بعدم وجدان هذه الرواية

__________________

(١) انظر : بحار الأنوار ٢ : ٢٣٥ / ١٨ و ١٩ نقلا عن رسالة الراوندي ، والتهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٠ ، وعنهما في الوسائل ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الأحاديث ٣١ و ٣٤ و ٤٦.

(٢) الفقيه ١ : ٥٨ / ٢١٥ ، التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ، وانظر : التهذيب ١ : ٢١١ ، ذيل ح ٦١٢ ، والوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٨.

(٤) كما في جواهر الكلام ٥ : ٢١٢ ، ومنهم : العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، والحرّ العاملي في الوسائل ، ذيل ح ٨ من الباب ١٢ من أبواب التيمّم.

٣١١

في كتب الأخبار ، ونبّهوا على أنّ صدورها من العلّامة وغيره غفلة نشأت ممّا يتراءى من عبارة الشيخ.

قال الشيخ حسن ـ في محكيّ المنتقى ـ : وقد اتّفق للعلّامة في المنتهى وبعض المتأخّرين توهّم عجيب في هذا الموضع ، وذلك أنّ الشيخ رحمه‌الله بعد إيراده للأخبار التي أوردناها وغيرها ممّا في معناها ذكر على طريق السؤال جملة من الأخبار ـ واحدها الخبر الذي رواه صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمّد بن مسلم ، والثاني خبر إسماعيل بن همام ، والثالث خبر اللّيث ـ ليس فيها دلالة على أنّ الضربتين للغسل دون الوضوء ، فمن أين لكم هذا التفصيل؟

وأجاب عنه : بأنّه قد وردت أخبار كثيرة تتضمّن كون الفرض في الوضوء مرّة ، والأخبار التي ذكرتموها تضمّنت المرّتين ، فيحمل ما تضمّن المرّة على الوضوء ، وما يتضمّن المرّتين على الغسل ، لئلّا تتناقض الأخبار.

ثمّ قال : إنّا قد أوردنا خبرين مفسّرين لهذه الأخبار ، أحدهما عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، والآخر عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّ التيمّم من الوضوء مرّة واحدة ، ومن الجنابة مرّتان».

هذا كلامه ، ومن لاحظه بأدنى نظر علم أنّه يريد بالخبرين المفسّرين الحديثين اللّذين أوردناهما في [صدر] (١) الباب ، وإفادتهما للتفصيل إنّما هي بحسب ما فهمه الشيخ منهما ، لا في الواقع ، فتوهّم الجماعة أنّ المعنى المذكور

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

٣١٢

صريح لفظ الحديثين ، وأنّهما غير ذينك الخبرين (١). انتهى.

لكن في الجواهر (٢) احتمل كونها رواية أخرى غير ذينك الخبرين ، فلا مقتضي لردّ خبر العادل.

وفيه من البعد ما لا يخفى بعد عدم قابليّة العبارة لإرادة غيرهما ، ووضوح أنّه لو كان الشيخ مطّلعا على رواية أخرى لأوردها في المقام.

هذا ، مع أنّك عرفت أنّها على تقدير كونها رواية أخرى لا تصلح لمعارضة ما عرفت.

فتلخّص لك أنّ الأظهر كفاية ضربة واحدة للتيمّم مطلقا ، سواء كان بدلا من الوضوء أو الغسل من الجنابة أو الحيض أو غيرهما ، ولكنّ الضربتين أحوط ، وأحوط منه تكرير التيمّم ، ويكفي في التكرير مسح اليدين بالضربة الاولى ثمّ الضرب لهما ثانيا ، والله العالم.

تنبيه : لا إشكال بل لا خلاف في الاجتزاء بتيمّم واحد بدلا من غسل الجنابة لرفع الحدث الأصغر والأكبر كمبدله ، سواء قلنا باتّحاد كيفيّة التيمّم أو اختلافها ؛ قضيّة للبدليّة.

مضافا إلى ظاهر الآية وغيرها من الأدلّة.

وأمّا في غيرها من الأحداث كالحيض والاستحاضة وغيرهما ، فإن قلنا بكفاية غسلها عن الوضوء ، فالتيمّم الذي يقع (٣) بدلا منه كذلك بمقتضى البدليّة. و

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٣٥٢ ، وانظر : التهذيب ١ : ٢١١ ، ذيل ح ٦١٢.

(٢) جواهر الكلام ٥ : ٢١٢.

(٣) في «ض ٤ ، ٥» : «وقع».

٣١٣

إن قلنا بوجوب الوضوء معه ، وجب تيمّم آخر بدلا من الوضوء ، سواء قلنا باتّحاد كيفيّتهما أم لا.

أمّا بناء على ما قوّيناه في محلّه من وجوب نيّة البدليّة أو ما جرى مجراها في التعيين بملاحظة اختلافهما من حيث الحقيقة : فواضح ؛ لأنّ البدل لا يزيد على المبدل منه.

وأمّا بناء على كونه ماهيّة واحدة ، ولا يعتبر في تحقّقها عدا حصول الفعل الخاصّ قربة إلى الله تعالى : فلأنّ مقتضى الأصل بقاء التكليف بالمسبّب ، وعدم سقوطه بفعل مسبّب واحد لأسباب متعدّدة ، كما عرفت تحقيقه في محلّه.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّه يستفاد من الأدلّة الشرعيّة كون تلك الطبيعة من حيث هي رافعة لمطلق الحدث مطلقا ، فحينئذ لا يبقى مجال للشكّ حتّى يتمسّك بالأصل. لكن فيه تأمّل.

وكيف كان فما عن بعض (١) ـ من الاكتفاء بتيمّم واحد بدلا منهما مع الالتزام بمغايرتهما في الكيفيّة ـ ضعيف.

لكن عن بعض نسبته إلى ظاهر الأصحاب (٢).

وربّما يستدلّ له بما دلّ على مساواة تيمّم الجنب والحائض.

مثل : موثّقة أبي بصير : سألته عن تيمّم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا الماء؟ قال : «نعم» (٣).

__________________

(١) المقنعة : ٦٢ ، وعنها في جواهر الكلام ٥ : ٢١٧.

(٢) حكاها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢١٧ ، عن الذكرى ٢ : ٢٦٣ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٢٣٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦٥ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

٣١٤

وفيه ما لا يخفى ، فالأقوى عدم التداخل ، بل قد يتخيّل عدم جواز التداخل في التيمّم حتى فيما ثبت جوازه في مبدله ، كمن عليه أغسال متعدّدة ، فإنّ له الإتيان بغسل واحد بنيّة الجميع ، نظرا إلى الشكّ في شمول ما دلّ على قيام التيمّم مقام الغسل لمثل ذلك.

لكنّه ضعيف ؛ فإنّ الأدلّة لا تقصر عن الشمول ، فالأظهر كون ما يقع بدلا من الغسل أو الوضوء بمنزلة مبدله مطلقا ، والله العالم.

(وإن قطعت كفّاه) بحيث لم يبق منهما من محلّ الفرض شي‌ء (سقط مسحهما ، واقتصر على) مسح (الجبهة).

والأحوط تنزيل الذراعين منزلة اليدين ضربا ومسحا ، كما تقدّم تفصيل الكلام فيه وفي كيفيّة مسح الجبهة وما تقتضيه القاعدة من الاحتياط عند التكلّم في ضرب اليدين على الأرض.

(و) عرفت فيما تقدّم أنّه (لو) قطعت إحدى الكفّين أو (قطع بعضهما) ضرب بالباقية أو الباقي منهما ، و (مسح) الجبهة و (على ما بقي) من اليدين مع رعاية الاحتياط بمعاملة الكفّ مع الذراع عند قطعها من الزند ، والله العالم.

(ويجب استيعاب مواضع المسح في التيمّم) كما عرفته فيما سبق (فلو أبقى منها شيئا) عمدا أو نسيانا (لم يصح) إلّا إذا عاد عليه مراعيا للترتيب والموالاة ، كما هو واضح.

(ويستحبّ نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض) للأخبار المستفيضة التي تقدّم نقلها في مطاوي المباحث المتقدّمة.

وربما يستظهر منها الوجوب.

٣١٥

وفيه نظر ، بل المتأمّل في مجموع الأدلّة لا ينبغي أن يتردّد في أنّ المراد به الاستحباب ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه ، بل عن التذكرة الإجماع على عدم الوجوب (١) ، وعن المنتهى أنّه يستحبّ عند علمائنا ، خلافا للجمهور (٢). وفي المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا (٣).

وكيف كان فلا إشكال فيه.

ثمّ إنّ المتبادر من الأمر بنفض اليدين إرادته فيما لو علق بهما شي‌ء من أجزاء الأرض ممّا يزال بالنفض ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ كونه كذلك مأخوذ في مفهوم النفض.

والمراد بالنفض ما يعمّ ضرب إحدى اليدين على الأخرى وصفقهما ، بل هذا هو المنساق إلى الذهن من الأمر بنفض اليدين ، لا نفض كلّ منهما مستقلا ، كما يشهد بذلك صحيحة زرارة ، الحاكية لفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المرويّة عن مستطرفات السرائر ، حيث وقع التعبير فيها بقوله عليه‌السلام : «ثمّ ضرب إحداهما على الأخرى» (٤) مع أنّه حكي هذا الفعل الخاصّ في سائر الأخبار الحاكية بقوله : «فنفضهما» (٥) فيكشف ذلك عن اتّحاد المراد بالعبارتين.

لكن لا يخفى عليك أنّ انسباق هذا المعنى إلى الذهن من مثل قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٢١ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٢ : ١٩٦ ، الفرع «ج» من المسألة ٣٠٧.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٢١ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٤٧.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٢٣٥.

(٤) السرائر ٣ : ٥٥٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٤ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٤ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٦.

٣١٦

«تضرب بكفّيك الأرض ثمّ تنفضهما» (١) ليس على وجه يوجب صرف الإطلاق إليه ، بل لا يبعد أن يقال بعدم اختصاص الاستحباب بالنفض أو ضرب إحدى اليدين على الأخرى ، بل يعمّ كلّ ما يفيد فائدته من الدلك ومسح إحدى الراحتين بالأخرى ونحوهما بدعوى أنّ المنساق إلى الذهن إرادته لإزالة ما على اليدين ممّا يزال بالنفض.

لكن في الاعتناء بمثل هذا الانسباق ما لم يحصل القطع بإلغاء الخصوصيّة إشكال ، فإنّ إلحاق غير المنصوص بالمنصوص لعلّة مستنبطة قياس لا نقول به. وانسباقها إلى الذهن لا يخرجها من كونها استنباطيّة ، فالأشبه هو الوقوف على مورد النصّ.

نعم ، لا يبعد الاجتزاء بمسح إحدى اليدين بالأخرى ووضع إحداهما على الأخرى وإن لم يصدق عليه اسم النفض والضرب ؛ لما أرسله في الفقه الرضوي بقوله : «وروي : إذا أردت التيمّم اضرب كفّيك على الأرض ضربة واحدة ثمّ تضع إحدى يديك على الأخرى» (٢) إلى آخره ، والظاهر أنّ المراد به ما يعمّ المسح والضرب.

ثمّ إنّه حكي عن الشيخ في نهايته وظاهر مبسوطة أنّه يستحبّ مع النفض مسح إحدى اليدين بالأخرى (٣).

ولعلّه أراد النفض بمسح إحداهما بالأخرى وصفقهما بدعوى أنّه هو

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب التيمّم ، ح ٧.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٨.

(٣) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ٢ : ٤٧٥ ، وانظر : النهاية : ٤٩ ، والمبسوط ١ : ٣٣.

٣١٧

المتبادر من الأخبار ، لانفض كلّ منهما مستقلّا ، ولو أراد استحباب كلّ من الأمرين على سبيل الاستقلال ، فيشكل ذلك بعدم العثور على مستنده.

اللهمّ إلّا أن يجعل ما روي في الفقه مستندا لاستحباب المسح من حيث هو ، وسائر الأخبار للنفض ، والله العالم.

تكملة : حكي عن الذكرى أنّه عدّ من مستحبّات التيمّم السواك قبله ؛ للبدليّة ، والتسمية ؛ لها أيضا ، ولعموم استحباب البدأة باسم الله تعالى أمام كلّ أمر ذي بال ، وتفريج الأصابع عند الضرب مستندا إلى نصّ الأصحاب ، وأن لا يرفع اليد عن العضو حتّى يكمّل مسحه ؛ لما فيه من المبالغة في الموالاة ، وأن لا يكرّر المسح ؛ لما فيه من التشويه (١).

أقول : لو لا ذكر المستند ، لكان المتّجه الالتزام باستحباب الجميع من باب المسامحة ، لكن بعد بيانه لا يخفى ما في بعضها من النظر ، والاعتماد على قاعدة التسامح بعد معلوميّة المستند مسامحة في القاعدة.

تنبيه : قد تقدّم الكلام في اشتراط طهارة الماسح والممسوح من أعضاء التيمّم (و) أمّا طهارة غير أعضائه من تمام البدن حتّى محلّ النجو فلا تشترط جزما ، فـ (لو تيمّم وعلى جسده نجاسة ، صحّ تيمّمه) وإن تمكّن من إزالتها قبله (كما لو تطهّر بالماء وعليه نجاسة) في غير العضو المتشاغل بغسله حتّى محلّ النجو ولو في الغسل ، كما عرفت في محلّه.

(لكن) صرّح بعض بأنّه (في التيمّم يراعى ضيق الوقت) فلو قدّمه على إزالة النجاسة ، بطل ، لا لاشتراطه بطهارة البدن ، بل لعدم وقوعه في الضيق.

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٢٢ ، وانظر : الذكرى ٢ : ٢٧٠ ـ ٢٧١.

٣١٨

وقد عرفت في محلّه أنّه لو اعتبرنا الضيق في صحّة التيمّم فليس أمره بهذه المرتبة من الضيق ، بل المدار على صدق وقوعه في آخر الوقت عرفا ، وهو أوسع من ذلك ، فالأظهر صحّة التيمّم مطلقا إلّا أن يقع في وقت لم يصدق عليه عرفا كونه في آخر الوقت ، فيفرّع حينئذ على القول باعتبار الضيق وعدمه ، وعبارة المتن قابلة للحمل على ما لا ينافي ذلك ، لكن فيها إشعار باختياره الضيق مع تردّده فيه فيما مضى ، وقد عرفت أنّ الأقوى خلافه.

وربما يستشهد لاشتراط وقوع التيمّم بعد الإزالة : برواية أبي عبيدة عن الصادق عليه‌السلام في الحائض التي قد طهرت ولم يكن عندها ما يكفيها للغسل ، فقال : «إذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله ثمّ تتيمّم وتصلّي» (١).

وفيه : عدم ظهور الرواية في الاشتراط ؛ لجريها مجرى العادة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥٠ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الحيض ، ح ١.

٣١٩
٣٢٠